هل كان
إسماعيل بن عيّاش الحمصي يُدلس؟
سُئلت عن
تدليس إسماعيل بن عيّاش: هل ثبت أنه كان يدلّس كما أشار ابن حجر في بعض كتبه؟!
فقلت: لم يتكلم أحد من أهل النقد المتقدمين في أن إسماعيل
بن عياش كان يدلس مع شدة تتبعهم وتنقيرهم على مثل هذه الأمور! وهو كما ذكرتم فإن
ابن حجر –رحمه الله- هو الذي ذكره بذلك في كتاب المدلسين، وفي النكت على كتاب ابن
الصلاح.
وقد اعتمد ابن حجر في ذكر إسماعيل في المدلسين على نصٍّ
نقله المزي في ((تهذيب الكمال)) عن ابن معين، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
قال ابن حجر
في ((تعريف أهل التقديس)) واصفاً المدلسين في المرتبة الثالثة: (وهم من أكثر من التدليس فلم يحتج الائمة من
أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع)، فذكر منهم: "إسماعيل بن عياش أبو عتبة
العنسي، بمهملة ثم نون ساكنة، عالم أهل الشام في عصره، مختلف في توثيقه، وحديثه عن
الشاميين مقبول عند الأكثر، وأشار ابن معين ثم ابن حبان في الثقات إلى أنه كان
يدلس".
وذكره في
أسماء المدلسين في ((النكت على كتاب ابن الصلاح)) (2/645) فيمن وصف بذلك مع صدقه.
قلت: فقد صرّح
ابن حجر بأن ابن معين وابن حبان أشارا إلى أنه كان يدلس! وهذا لم يصح عنهما.
قال المزي في
((تهذيب الكمال)) (3/174) في ترجمة ((إسماعيل بن عياش)): "وقال مُضَر بن محمد
الأسدي عن يحيى: إذا حدَّث عن الشاميين، وذكر الخبر، فحديثه مستقيم،
وإذا حدَّث عن الحجازيين والعراقيين، خلّط ما شئت".
قلت: هكذا عند
المزي، وهو كذلك في النسخة الخطية في دار الكتب المصرية، وكذلك في ((تهذيب
التهذيب))، وهو كذلك في ((سير أعلام النبلاء)) (8/318).
وعلى هذا النص
اعتمد ابن حجر في أن ابن معين أشار إلى تدليس إسماعيل!!
وهذا الذي
فهمه ابن حجر –رحمه الله- مما نقله المزي عن ابن معين فهم سديد؛ لأن أهل النقد إذا
أشاروا إلى ذكر الخبر، أي الإخبار في السند بقول الراوي: أخبرنا ونحوه، فإنهم
يشيرون إلى تدليس الراوي.
ولكن: هل صحّ
هذا عن ابن معين؟
لم يأت في شيء
من السؤالات عن يحيى ما ذُكر في سؤال مضر الأسدي الحافظ الذي نقله المزي!
قال محمد بن
عثمان بن أبي شيبة: سمعت يحيى يقول: "هو ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما
روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم".
وقال ابن
الغَلاَبي: قال يحيى بن معين: "إسماعيل بن عياش ثقة في أهل الشام، وأما ما
روى عن غيرهم ففيه شيء".
وقال يعقوب الفسوي:
"وتكلم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة عدل أعلم الناس بحديث الشاميين،
ولايدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا قالوا: يُغرب عن ثقات المدنيين والمكيين".
وكذا نُقل عن
أهل العلم غير يحيى.
قال أبو بكر
المروذي: سألت أحمد عن إسماعيل بن عياش فحسّن روايته عن الشاميين، وقال: "هو
أحسن حالاً فيهم مما روى عن المدنيين وغيرهم".
وقال أبو داود:
سألت أحمد عنه؟ فقال: "ما حدّث عن مشايخهم. فأما ما حدّث عن غيرهم فعنده
مناكير عن الثقات".
قلت: فكلمتهم
مجتمعة على أنه ثقة في شيوخه الشاميين، وإنما يخلط عن شيوخه المدنيين والعراقيين.
ولم يتعرض أحد إلى أنه كان يدلس.
وما نقله
المزي عن مضر الأسدي عن يحيى فيه تحريف! وقد عُرِف هذا التحريف من رواية ابن حبان –رحمه
الله- لهذا السؤال عن يحيى.
قال ابن حبان
في ((المجروحين)) (1/124): أنبأنا إبراهيم بن عبدالواحد العنسي بدمشق قال: سمعت
مضر بن محمد الأسدي يقول: سألت يحيى بن معين عن إسماعيل بن عياش؟ فقال: "إذا
حدَّث عن الشاميين: عن صفوان وحَريز، فحديثه صحيح، وإذا حدّث عن
العراقيين والمدنيين خلط ما شئت".
فتبيّن من هذا
أن الصواب: "عن صفوان وحريز"، أي ما حدث به عن شيوخه من الشاميين كصفوان
بن عمرو السَّكْسَكي وحَريز بن عثمان الحمصي فإن حديثه عنهم صحيح.
وعليه فإن ما
نقله المزي خطأ! والذي أميل إليه أن المزي لا علاقة له بهذا التحريف، وإنما هو في
الكتاب الذي نقل منه، وأكبر ظني أنه من كتاب ابن عساكر، وهو كذلك عنده كما في
المطبوع منه.
قال ابن عساكر
في ((تاريخه)) (9/49): أنبأنا أبو الحسين بن أبي الحديد، قال: أخبرنا أبو عبدالله -
وهو جده - قال: أخبرنا علي بن الحسن الربعي، قال: أخبرنا أحمد بن عتبة، قال: أخبرنا
الهروي – وهو: محمد بن يوسف- قال: حدثني مضر بن محمد قال: سألت يحيى بن معين عن
إسماعيل بن عياش؟ فقال: "إذا حدث عن الشاميين وذكر الخبر
فحديثه مستقيم، وإذا حدث عن الحجازيين والعراقيين خلط ما شئت".
فالظاهر أن
المزي نقل ذلك من كتاب ابن عساكر؛ لأنه من عادته أنه ينقل أقوال الأئمة في الراوي
من كتاب التاريخ للخطيب وكتاب التاريخ لابن عساكر، وهذا النص الذي نقله مضر عن ابن
معين لم ينقله الخطيب في تاريخه، فوجده المزي عند ابن عساكر فنقله هكذا.
وعليه فالذي
يظهر لي أن التحريف في نسخة ابن عساكر لسؤالات مضر الأسدي البغدادي لابن معين،
والله أعلم.
ومما يؤيد ما
جاء عند ابن حبان: ما رواه عبدالله بن أحمد، قال: سألت يحيى بن معين عن إسماعيل بن
عياش؟ قال: "إذا حدّث عن الشيوخ الثقات مثل محمد بن زياد وشرحبيل ابن مسلم".
قلت ليحيى: فكتبت عن إسماعيل بن عياش؟ قال: "نعم، سمعت منه شيئاً".
قلت: فهذا
موافق لما رواه ابن حبان عن مضر عن يحيى، أي ما حدّث به عن شيوخه الشاميين الثقات
مثل محمد بن زياد الألهاني وشرحبيل بن مسلم الخولاني فحديثه صحيح.
وأما ما قاله
ابن حجر في أن ابن حبان قد أشار إلى تدليسه في الثقات، فهو وهم منه –رحمه الله-!
فلم يُشر ابن حبان إلى أن إسماعيل كان يدلس.
وقد روى ابن
حبان في ((المجروحين)) (1/124-125) قال: أخبرنا محمد بن المنذر، قال: حدثنا عثمان
بن سعيد، قال: حدثنا محبوب بن موسى الأنطاكي، قال: حدثنا شعيب بن حرب قال: "كنا
عند شيخ نسمع منه ومعنا إسماعيل بن عياش فوضع رأسه فنام، فلما فرغنا قام فكتب
سماعه".
قلت: يُحتمل
أن ابن حجر فهم الإشارة إلى تدليسه مما رواه شعيب بن حرب في هذه القصة. ولكن فعل
إسماعيل هذا لا يعني أنه كان يُدلس، فهو قد سمع من ذلك الشيخ شئياً، ثم نام، وهذه
الحادثة حصلت مرة واحدة، ولا ندري هل حدّث إسماعيل بهذه الأحاديث عن ذلك الشيخ!
وليس من السهل أن نصفه بالتدليس من أجل هذا الأمر الذي تساهل فيه في السماع من ذلك
الشيخ.
وهذا كله مبني
على احتمالية أن ابن حجر فهم التدليس من هذه القصة مع ميلي إلى أن ابن حجر لم يقصد
هذه القصة، وإنما كان اعتماده فقط في وصف إسماعيل بالتدليس على ما نقله المزي،
وإنما وهم في ذكر ابن حبان؛ لأن ابن حبان لم يُشر إلى إسماعيل بن عياش في ثقاته،
ولو أنه قصد كتابه في المجروحين لتنبّه إلى التحريف الذي نقله المزي، والله أعلم.
وكتب:
خالد الحايك.
محمد أمين بلجوهري :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وقفت على مقالكم بدلالة أحد الأفاضل، وقد لفت انتباهي ما توصلتم إليه من احتمال وقوع التصحيف في عبارة محمد بن مضر، وهو جدير بالاعتبار، إلا أنه أثناء تعليقي على طبقات المدلسين الءي الذي
محمد أمين بلجوهري :
الذي وسمته بإحكام التأسيس لمراتب الموصوفين بالتدليس، عند ترجمة خالد بن معدان وتتبع مروياته وهي عند الشاميين فب أغلبها، ومن جملة ما يقع في الطريق إليه بقية بن الوليد و صنوه إسماعيل بن عياش، وقد وقع لي ما هو محتمل لتدليس ابن عياش، بإسقاط بقية على خلاف العكس المعهود، وأنا بعيد عن كتابي حتى يتسنى لي النقل منه، وربما أراسلكم بالتفاصيل عند تيسر ذلك إن كان لكم اهتمام بالأمر وفقكم الله. أخوكم محمد أمين بلجوهري.
شاركنا تعليقك