حوار عن الاعتكاف.
الاعتكاف.. السنة المهجورة.
أجرى الحوار: وائل
البتيري.
31/8/2010.
خصّ الله سبحانه وتعالى شهر رمضان بالفضل العميم، وزاد
العشر الأواخر بالفضل، وزانها بليلة القدر التي أنزل فيها القرآن والتي هي خير من
ألف شهر. والرسول القدوة صلى الله عليه وسلم كان يخصّ هذه الليالي العشر بالاجتهاد
في العبادة، والاعتكاف في المسجد للاشتغال بالذكر والمناجاة والصلاة والقيام
وغيرها من العبادات التي تقرب إلى الله تعالى.
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهد
في غيره.
وعنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل
العشر الأواخر من رمضان؛ أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدّ، وشدّ المئزر.
وشد المئزر كناية عن التشمير والجد والاجتهاد في الطاعة؛
طلباً للأجر والثواب، وحرصاً على إدراك ليلة القدر بما فيها من أجور مضاعفة،
ورحمات منزَّلة.
الاعتكاف.. سنة مهجورة!
قليلون من يحرصون على أداء سنّة الاعتكاف في رمضان وفي
غيره، فما هو سبب هجر الناس لهذه السنة الجليلة؟
الدكتور خالد الحايك (دكتوراه في علم الحديث) أجاب على هذا
التساؤل بالقول: "الاعتكاف سنة مهجورة في كثير من بلاد المسلمين بسبب
الانشغال بأمور الحياة وملهياتها مع انتشار الفضائيات وأماكن اللهو وغير
ذلك".
وأضاف لـ "السبيل" أن هناك سبباً آخر، وهو وجود
فتوى لبعضهم تقول بأن الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد الثلاثة (المسجد الحرام
والمسجد النبوي والمسجد الأقصى) "عملاً بحديث اختلف أهل العلم فيه، والراجح
أنه من اجتهاد حذيفة رضي الله عنه، وليس حديثاً مرفوعاً، وأن الاعتكاف جائز في
جميع المساجد، ويؤيده قول الله عز وجل: {وأنتم عاكفون في المساجد} وهذا لعموم
المساجد".
فضل الاعتكاف:
وبيّن الحايك أن للاعتكاف فضلاً كبيراً في الشريعة
الإسلامية، "فقد حثّ عليه القرآن كما حثت عليه السنة", مضيفاً:
"ألا ترى أن القرآن العظيم نبّه إلى ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم، وفي هذا كما
قال ابن كثير رحمه الله إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام أو في آخر شهر الصيام
كما ثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف العشر الأواخر من
شهر رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده".
وأشار إلى أن الأئمة الذين صنفوا كتب السنة ذكروا
"كتاباً خاصاً للاعتكاف بعد كتاب الصوم سمّوه (كتاب الاعتكاف)"، معللاً
ذلك بأن "للاعتكاف أحكاماً مفصلة، منها ما هو مجمع عليه بين العلماء، ومنها
ما هو مختلف فيه كما هو مفصل في كتبهم وكتب الفقهاء، فكان ذلك داعياً لجمع أحاديث
الاعتكاف والنظر فيها صحة وضعفاً".
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان "يعتكف أولاً
في العشر الأوائل من رمضان، ثم اعتكف في الأواسط ثم داوم على الاعتكاف في الأواخر،
وما ذلك إلا لفضل هذه الليالي التي فيها ليلة القدر".
الاعتكاف وليلة القدر:
وتحدث الحايك لـ "السبيل" حول أهمية الاعتكاف في
العشر الأواخر من أجل موافقة ليلة القدر التي يقول إن "العلماء اختلفوا في
تحديدها على أكثر من 30 قولاً، مع ترجيح بعضهم أنها في الوتر من ليالي العشر أو
أنها ليلة السابع والعشرين".
وبيّن أن الحكمة من عدم تحديد متى تكون ليلة القدر
بالتحديد بقوله: "كان ذلك لكي يجتهد المسلم في إحياء العشر كاملة لإدراكها،
فإن أحيا المسلم العشر فإنه بلا شك سيدرك هذه الليلة، وينال فضل قيامها والاعتكاف
فيها".
فوائد الاعتكاف:
وأكد الحايك أن الاعتكاف فيه "ترويض للنفس على الطاعة
والانقطاع عن مشاغل الدنيا ونكدها، والاتصال بالله عز وجل، مما يقوي إيمانه بالله،
بعيداً عن منغصات الحياة ومباحاتها"، مشيراً إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان في العشر الأواخر يدَعُ مجامعة النساء ويشتغل بالعبادة ويوقظ أهله لينالوا
الأجر فيها".
وأضاف أن من فوائد الاعتكاف أن المسلم "في اعتكافه
واتصاله بالله عز وجل يكون بعيداً عن ما اعتاد عليه كثير من الناس من غيبة ونميمة
وغير ذلك من آفات اللسان وكبائر الذنوب"، مبيناً أن الاعتكاف والانقطاع
للعبادة فيه "بُعد عن الرياء كذلك. فيشغل نفسه بتلاوة القرآن وتدبر آياته،
وتدبر خلق الله وهو في هجعة الليل، يحييه بالصلاة، ويتفكر في خلق السموات والأرض
وأنها ما خُلقت عبثاً".
وتابع: "هذا الانقطاع إلى الله عز وجل وشغل النفس
بالعبادة تجعلها متعلقة بالله، فتطيع أوامره، وتنتهي عن نواهيه، وتراقب كل عمل تُقْدم
عليه، ويجعل هذه النفس مطمئنة ذاكرة لله، بعيدة عن القسوة، متحلية بالصبر؛ لأنها
صبرت على الطاعة المتواصلة عدة ليال واتصلت بخالقها، فأورثها بذلك السكينة
والمحبة".
وذكر من فوائد الاعتكاف أن المسلم يعتاد على العبادة فلا
يمل منها، وأن المواظبة على الاعتكاف يُرجى فيه "حسن الخاتمة، لأن أجله لا
يعلمه إلا الله، فإن صدق الله صدقه الله وختم له بخير".
وختم الحايك تصريحاته لـ "السبيل" بقوله:
"لو لم يكن من فضل للاعتكاف إلا إدراك ليلة القدر لكفى، لكثرة بركتها، وكثرة
تنزل الملائكة فيها، والملائكة تتنزل مع البركة والرحمة كما يتنزلون عند تلاوة
القرآن، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه".
شاركنا تعليقك