"توم وجيري".. ما هذا الاستهزاء؟
بقلم: د. خالد الحايك.
نشرت إحدى الصحف اليومية في عددها
الصادر يوم السبت (31/10/2009م) مقالاً لأحد الكتاب الصحفيين تحت عنوان: "توم
وجيري".
وقد تضمن هذا المقال ضجر الكاتب
من خطباء الجُمعة فيما يطرحونه من قضايا في خطبهم، وتعرض من خلال مقالته لجملة من
الأشياء التي تُعدّ استهزاءً بهذه الشعيرة العظيمة التي يقوم عليها هذا الدِّين
العظيم.
وقبل الخوض في بيان ترّهات
ومجازفات هذا الكاتب الأحمق أريد أن أنبه إلى أن عدداً لا بأس به من الخطباء ليسوا
بمؤهلين أن يكونوا خطباء، وهذا تُناقش فيه وزارة الأوقاف التي حيّدت الكثير من
الخطباء المؤهلين.
وعودة إلى هراء ذلك الكاتب:
1- عنون الكاتب مقالته بعنوان:
"توم وجيري"! وهو في المقالة يتحدث عن شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، بل
هي الشعيرة التي يرتكز عليها، فهذا العنوان فيه تعدٍّ على هذه الشعيرة.
2- علّل الكاتب ذهابه إلى صلاة
الجمعة متثاقلاً لأن الخطيب: "يعيش في عصور ماضيه، يطلع علينا كل أسبوع وغبار
الزمن يخرج من فيه... وفي المحصلة يتحول اجتماع المسلمين الأسبوعي إلى مناسبة
لإهدار الوقت في ما لا يفيد، فلماذا أذهب متثاقل؟!"
أقول: لا يهمنا أنك تذهب إلى
الجمعة متثاقلاً أو غير متثاقل! أما الاستهزاء بما يطرحه الخطيب مما سبقه من عصور؛
فلا شك أن فيه عظة وتجربة ليست بالقليلة يستفيد منه المسلم، وإلا فلماذا يكتب
المؤرخون، ويدرس الطلبة التاريخ.
ثم ما هذا الاستهزاء بقوله:
"وغبار الزمن يخرج من فيه"؟! أبمثل هذا يُتكلم عن التاريخ الإسلامي أو
الآثار النبوية أو كلام أئمة الدِّين؟!
ثم هل الاستماع إلى خطيب الجمعة
نصف ساعة أو يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً يكون إهداراً للوقت؟ وفي ماذا: في شيء غير
مفيد؟ فربما هو ليس مفيداً لك؛ لأنك لا تفقه أمور دينك، ولكنه مفيد لغيرك.
ثُم، والله لو تتبعت بعض
المتشدقين بمثل هذا الكلام لوجدته يضيع من (وقته الثمين) في اليوم على أمور تافهة
ساعات وساعات، - ربما على مشاهدة مسلسلات أو مباريات أو غير ذلك – فما باله ضجر من
نصف ساعة؟
إن السبب يعود في ذلك إلى عقلية
التفكير التي سيطرت على عقلية هؤلاء الكتّاب، كيف لا، وهم المتصدرون في هذه
الأيام؟!
3- ثم يتابع الكاتب فيقول:
"هل يذهب عاقل برجليه إلى محاضرة عن شرور الفئران، يتخللها نقد صريح لبرامج
الرسوم المتحركة التي تمجد الفأر (المقصود توم وجيري طبعاً)؟ بالطبع لا، لكن مئات
من العقلاء مضطرون لسماع عاقل! واحد يرغي ويزبد في شأن الفئران وصداقتها للشياطين،
لساعة كاملة، لمجرد أنه يعتلي المنبر، إذ لا يجوز لمئات العقلاء أن يقولوا له:
صه".
أقول: إذن المسألة أن الكاتب حزن
على كلام الخطيب أنه تعرض للفئران وشرورها! نعم، حُقّ له ذلك، فليعمل على إنشاء
جمعية خاصة لحماية حقوق الفئران، وليعمل على تربية الفئران، ويمنع إقامة التجارب
عليها، وغير ذلك.
أهذا ما تريده أيها الكاتب؟
وما ضرّك أن الخطيب تكلم كما تكلم
أهل العلم من قبله على شرور ومفاسد الفئران؟! قد يحقّ لك الاعتراض على اختيار
الموضوع، ولكن لا يحق لك الاعتراض على كلام الخطيب والاستهزاء به بهذه الصورة.
إن من يتكلم على هذه الصور
المتحركة إنما يتكلم من دافع عقدي، ويعرض كيف أن هذه الصور المتحركة التي تُجسد
فيها بعض العقائد الباطلة عند الأطفال.
ثم إن ذكر الفأرة ورد في الأحاديث
الصحيحة وسماها النبي صلى الله عليه وسلم "فويسقة" وأمر بقتلها في
الحرم، أفإذا تناول الخطيب هذا الأمر على المنبر، كان من يستمع له "غير
عاقل"؟! ويوصف من يتحدث عنها بأنه يزبد ويتوعد؟ أفلم يتحدث عنها النبي صلى الله
عليه وسلم أمام أصحابه؟ فماذا يقول هذا الكاتب؟
4- تابع الكاتب قوله: "نحن
موعودون من الإثارة في الأسبوع المقبل، فقد أعلن الشيخ أن خطبة الجمعة المقبلة
ستكون عن الجن وعلاقته بالإنس، لأنه موضوع يشغل كثيراً من الناس، ويؤرق كثيراً من
الناس.. وسيوضح لنا فضيلته، مشكوراً، كيف يتلبس الجن الإنس، وكيف يتقي الإنس الجن،
وكيف يلاحق أحدهما الآخر على طريقة توم وجيري فيما يبدو...".
أقول: هكذا استمر هذا الكاتب
بالاستهزاء بما ورد في دين الله! أفينكر هذا الكاتب وجود الجن حتى يتحدث بهذه
السخرية؟ إن كان الأمر كذلك، فلهذا حكمه، وإن كان غير ذلك، فكيف يجرؤ على السخرية
بهذا الموضوع الذي جاء في آيات وأحاديث كثيرة؟!
إن الحرية الفكرية أو بالأحرى
الفوضى الفكرية هي التي دفعت هذا الكاتب الجاهل وأمثاله أن يخوضوا فيما لا يعلمون.
5- ثم تابع: "يا لهذه
الورطة! إما أن يذهب المرء برجليه لسماع هذا الهذر، أو يكون مقصراً في أداء
العبادات".
أقول: عاد الكاتب ليصف هذه الأمور
الشرعية بالهذر! فماذا نقول له؟ أجاهل أم مرتزق؟
6- ثم تابع فقال: "في أحد
صباحات الجمعة، حاولت أن أجد مخرجاً من ورطتي، فبحثت في الانترنت عن فتوى تبيح عدم
الذهاب لصلاة الجمعة، والحقيقة أنني وجدت طلبي، لكن الحجج لم تكن من تلك التي أبحث
عنها، إذ دارت حول تعليلات سياسية، ولم أقرأ أن أحداً قال بإعفاء المرء من سماع
خطبة الجمعة إذا كانت تفسد ذوقه وتفكيره ومنطقه، فهل من قائل؟!".
نعم، أقول لك يا أيها الجاهل
الطاعن في دين الله، كيف تفكر في أن أحداً يجرؤ أن يبيح ترك الجمعة؟ فيلعب بك
الشيطان ويأمرك أن تبحث في الانترنت عن ذلك!
وهل من يقول: قال رسول الله، وإن
لم يعجبك الحديث عن الفئران وغيره، هل يفسد ذلك الذوق والتفكير والمنطق؟! أتظن
نفسك مفكراً كبيراً؟! اخسأ أيها الجاهل الحاقد.
7- ثم اقترح هذا الجاهل أن:
"لا تكون الخطبة منوطة بالضرورة بدارسي الشريعة وهواة كتب العصور الوسطى، بل
بكل صاحب اختصاص. في ظرفنا الراهن، يمكن أن يلقي الخطبة طبيب يتحدث عن الوقاية
والعلاج من مرض انفلونزا الخنازير مثلاً، وهو ليس ملزماً بربط الموضوع بـ
"الشريعة"، ولا بإيراد "الأدلة"، فالشأن حياتي ويومي بحت، ثم
فلتترك إمامة الصلاة لأهل الأثواب القصيرة، كي نتقي فتاواهم التفسيقية
والتكفيرية!".
أقول: إن موضوع الجمعة منوط بأهل
الشريعة لا بأهل الاختصاصات الأخرى أيها الجاهل، ولا بد من ذكر الأدلة، ولا تناط
بأمثالك والأطباء الذين تريد أن تكون الخطبة منهم عن انفلونزا الخنازير، فها هي
الفضائيات التي تملأ الدنيا تتحدث عن هذه الأمور الحياتية التي تريد فاستمع إليها،
واترك شأن الخطبة، فهذا ليس من اختصاصك، ولا يضرنا أنك حضرت الخطبة أم لم تحضرها!
ثم كيف تنعت الذين يؤمّون الناس
في الصلاة بأهل الأثواب القصيرة استهزاءً بهم! ثم تقول بأنك تريد أن تتقي فتاواهم
التفسيقية والتكفيرية؟
8- ثم تابع في تشخيص نفسيته
المريضة فقال: "بالنسبة لي، لم يعد الأمر محتملاً أبداً. أحس أن ثمة من يسرق
من وقتي كل أسبوع...".
أقول: استغل هذا الوقت الذي يسرق
منك في عيادة طبيب نفساني، فحرام علينا أن نضيّع وقتك الثمين الذي به يصلح حال
الأمة، وبه يقوم معاش الناس.
نعم، هذا الوقت الثمين الذي يضيع
كل أسبوع: نصف ساعة أو ساعة أسبوعياً من (168) ساعة! بالله عليك قل لنا ما الذي
تنجزه في الـ (167) ساعة التي لا تضيعها عدا هذه الساعة التي تضيعها في سماع خطبة
الجمعة؟!!
حسبنا الله ونعم الوكيل.
نشرت جريدة السبيل جزءاً مختصراً
منها.
31/10/2009م.
شاركنا تعليقك