حديث: ((أفضل رِباطكم عسقلان))!
بقلم: خالد الحايك.
قرأت مقالاً للمدعو هشام العارف
المشرف على (منتديات شبكة الدعوة السلفية من المسجد الأقصى) بعنوان: (أفضل
رباطكم عسقلان)! فرأيت أن أتكلم على هذا الحديث.
قال العارف: "عسقلان ثغر مهمّ من ثغور
الشام، فقد أخرج الطبرانيّ في "المعجم الكبير" وهو في "الصحيحة"
(3270) عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أوّل هذا
الأمر نبوّة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكاً ورحمة، ثم يتكادمون عليه
تكادُمَ الحُمُرِ، فعليكم بالجهاد، وإنّ أفضل جهادكم الرباط، وإنّ أفضل رباطكم عسقلان".
وعسقلان عرفت منذ أقدم العصور التاريخيّة... قلت: وقوله - صلى الله عليه وسلم - في
الحديث: (ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر) هو من أعلام ودلائل نبوّته، وقوله (عليكم
بالجهاد) فدل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على المخرج من أزمة الفتن التي يعيشها المسلمون حين تتوج بفتن
الخروج على ولاة الأمر، وفيها إشارة إلى ضعف دين المسلمين، وأنّهم يتنازعون
السلطة، بسبب التفرّق والاختلاف، وانتشار الحزبيّة بينهم، ممّا يعني ضرورة العودة
إلى الدين ولا يتأتّى ذلك إلا ببناء العقيدة السلفيّة الصحيحة أوّلًا، والرباط على
ذلك، وبذل الجهد في نشر دعوة الحق، ... إلخ كلامه!!
قلت: هذا الحديث الذي صححه العارف
تبعاً للألباني حديثٌ منكرٌ لا يصح!!
قال الطبراني في ((المعجم الكبير))
(11/88): حدثنا أحمد بن النضر العسكري، قال: حدثنا سعيد بن حفص النفيلي، قال: حدثنا
موسى بن أعين، عن أبي شهاب، عن فطر بن خليفة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ((أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم
يكون ملكاً ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر، فعليكم
بالجهاد، وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان)).
قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد))
(5/190): "رواه الطبراني ورجاله ثقات".
وقال الألباني في ((الصحيحة)) رقم
(3270): "وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ غير سعيد بن حفص النفيلي؛ ففيه كلام
يسير، وقد وثقه ابن حبان (8/268)، وأخرج له في ((صحيحه)) ثلاثة أحاديث، والذهبي،
والعسقلاني فقال: ((صدوق تغير في آخر عمره))".
قلت: تفرد سعيد بن حفص عن موسى بن
أعين لا يقبله أهل النقد! فأين أصحاب موسى الثقات عن هذا الحديث، فيتفرد به من هو
متكلّم فيه؟!
وكذلك فإن موسى لا يُعرف أنه روى
عن أبي شهاب الحنّاط! وأبو شهاب سمع من مجاهد، فلم يرويه عنه بواسطة فِطر؟!
فإسناد هذا الحديث منكر، وكذلك ما
جاء فيه: (وإن أفضل رباطكم عسقلان) فمنكر أيضاً.
والحديث رواه الحاكم في ((المستدرك))
(4/520) دون ذكر عسقلان، من طريق إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا عبدالعزيز بن عبيدالله
بن حمزة بن صهيب، قال: سمعت سالم بن عبدالله بن عمر يحدِّث عن أبيه: أنّ عمر بن
الخطاب رضي الله عنه كان يقول: ((إن الله بدأ هذا الأمر حين بدأ بنبوة ورحمة، ثم
يعود إلى خلافة، ثم يعود إلى سلطان ورحمة، ثم يعود ملكاً ورحمة، ثم يعود جبرية
تكادمون تكادم الحمير، أيها الناس عليكم بالغزو والجهاد ما كان حلواً خضراً قبل أن
يكون مراً عسراً، ويكون تماماً قبل أن يكون رماماً، أو يكون حطاماً، فإذا أشاطت
المغازي وأكلت الغنائم واستحل الحرام فعليكم بالرباط فإنه خير جهادكم)).
قلت: وهذا إسناد منكر! آفته
عبدالعزيز، وهو منكر الحديث، ضعفه يحيى وغيره.
قال عبدالرحمن بن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (5/387): سألت أبي عن عبدالعزيز بن عبيدالله؟ فقال: "يروي عن أهل
الكوفة وأهل المدينة، ولم يرو عنه غير إسماعيل بن عياش، وهو عندي عجيبٌ، ضعيف
الحديث، منكر الحديث، يكتب حديثه، يروي أحاديث مناكير، ويروي أحاديث حساناً".
قال عبدالرحمن: سألت أبا زرعة عن
عبدالعزيز بن عبيدالله؟ فقال: مضطرب الحديث، واهي الحديث".
ورواه نُعيم بن حماد في كتاب ((الفتن))
(1/99) عن الحكم بن نافع البهراني، عن سعيد ابن سنان، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن
مرة أبي شجرة الحضرمي، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب، مثله.
قلت: وهذا ليس بشيء، وآفته سعيد
بن سنان الحمصي.
قال عبدالرحمن بن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (4/28): سألت أبي عن أبي مهدي سعيد بن سنان الحمصي؟ فقال: "ضعيف
الحديث، منكر الحديث، يروي عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن ابن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم بنحو من ثلاثين حديثاً أحاديث منكرة".
قلت: وقد تتبعت أحاديثه بهذا
الإسناد فوجدت معظمها في الفتن والملاحم!! وهي منكرة جداً!!
والرواية في هذا الباب ليّنة.
وكأن أصل هذه الروايات من قول كعب الأحبار.
روى نُعيم بن حماد في ((الفتن)) (1/99)
عن ضمرة بن ربيعة، عن عبدالله بن شوذب، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، قال: سمعت
كعباً يقول: "أول هذه الأمة نبوة ورحمة، ثم خلافة ورحمة، ثم سلطان ورحمة، ثم
ملك جبرية، فإذا كان ذلك فبطن الأرض يومئذ خير من ظهرها".
قلت: وهذا إسنادٌ حسنٌ إلى كعب،
والله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ
العالمين.
شاركنا تعليقك