عُبيدالله بن مِحصن، هل هو صحابي؟ وحديثه: «من أَصبحَ منكم معافىً
في جسده».
·
تخريج الحديث:
أخرجه الحميدي في ((مسنده))
(1/208). والبخاري في ((الأدب المفرد)) (ص112) عن بِشر بن مرحوم. والترمذي في
((الجامع)) (4/574) عن عمرو ابن مالك الراسبي ومحمود بن خداش البغدادي. وابن ماجه
في ((سننه)) (2/1387) عن سويد بن سعيد ومجاهد بن موسى. وابن أبي عاصم في ((الآحاد
والمثاني)) (4/146) عن كثير بن عبيد الحذّاء ويعقوب بن حميد. والخطيب البغدادي في
((تاريخ بغداد)) (3/364) من طريق أبي همام الوليد بن شجاع. كلّهم عن مروان بن
معاوية الفزاري، قال: حدثنا عبدالرحمن بن أبي شميلة الأنصاري القُبَائي، عن سلمة
بن عبيدالله بن محصن الأنصاري، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من أصبح منكم معافى في جسده، آمناً في سربه، عنده قوت يومه. فكأنما حِيزت له
الدنيا)).
قال أبو عيسى الترمذي: "هذا
حديثٌ حسنٌ غريب! لا نعرفه إلا من حديث مروان بن معاوية. وفي الباب عن أبي
الدرداء".
وأخرجه البيهقي في ((الشعب))
(7/284) ثُم قال: "هذا أصح ما رُوي في هذا الباب".
·
الاختلاف في صحبة عبيدالله بن محصن!
قال يزيد بن الهيثم بن طهمان: قلت
ليحيى بن معين: روى مروان عن عبدالرحمن بن أبي شميلة عن [سلمة بن] عبيدالله بن
محصن الأنصاري عن أبيه، له صحبة؟ قال: "أشبهه". (من كلام أبي زكريا في
الرجال: ص98).
وقال البخاري في ((التاريخ
الكبير)) (5/372): "عبيدالله بن محصن الأنصاري: له صُحبة. قال
بشر بن مرحوم: أخبرنا مروان الفزاري، عن عبدالرحمن بن أبي شميلة الأنصاري
القُبائي، عن سلمة بن عبيدالله بن محصن، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم،
قال: ((من أصبح آمناً في سربه. معافىً في جسده. عنده طعام يومه. فكأنما حيزت له
الدنيا)). حديثه في أهل المدينة".
وجاء في سياق رواية الترمذي:
"وكانت له صحبة". وذكره الترمذي في كتاب ((تسمية أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم)) (ص72).
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (5/332): "عبيدالله بن محصن الأنصاري: روى عن النبيّ صلى الله
عليه وسلم. روى عنه ابنه سلمة. روى مروان بن معاوية الفزاري عن عبدالرحمن بن أبي
شميلة الأنصاري عن سلمة بن عُبيدالله بن محصن الأنصاري عن أبيه عن النبيّ صلى الله
عليه وسلم أنه قال: من أصبح منكم آمناً في سربه. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال ابن حبان في ((الثقات))
(3/248): "عبيدالله بن محصن الأنصاري أبو سلمة: له صحبة".
·
وهم لابن حبان!
وذكر في التابعين (5/65):
"عبيدالله بن محصن الأنصاري: يروي عن أبيه. ولأبيه صحبة. روى عنه عبدالرحمن
بن أبي شميلة الأنصاري".
قلت: هكذا ذكره في من اسمه ((عبيدالله))!
والذي يروي عن أبيه هو سلمة بن عبيدالله بن محصن! وكأنه سقط من الإسناد الذي
اعتمده ابن حبان ((سلمة))، فذكر أباه في التابعين، والصواب أن أباه صحابي، فوهم
ابن حبان فجعل من قيل فيه صحابي تابعي، وأبوه صحابي!
وذكر ابن قانع عبيدالله بن محصن
في ((الصحابة)) (2/178). وروى له هذا الحديث من طريق الحميدي.
وقال ابن عبدالبر في
((الاستيعاب)) (3/1013): "عبيدالله بن محصن: روى عن النبيّ صلى الله عليه
وسلم: ((من أصبح منكم آمناً في سربه. معافىً فى جسمه. معه قوت يومه. فكأنما حيزت
له الدنيا)). منهم من جعل هذا الحديث مرسلاً، وأكثرهم يصحح صحبة
عبيدالله بن محصن هذا فجعله مسنداً".
·
الاختلاف في اسمه في الأسانيد: عبيدالله أو عبدالله أو عبيد أو
عبدالرحمن؟
قال ابن حجر في ((الإصابة))
(4/402): "عبيدالله بن محصن الأنصاري أبو سلمة. قال ابن حبان: له صحبة. وقال
ابن السكن: يُقال له صحبة، وفي إسناده نظر! قلت: وهو في الترمذي من رواية
عبدالرحمن بن أبي شميلة عن سلمة بن عبيدالله بن محصن عن أبيه- وكانت له صحبة- عن
النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح آمناً في سربه. معافىً في بدنه. عنده قوت
يومه. فكأنما حيزت له الدنيا)). ووقع عند الباوردي ذكر عبيد بن محصن غير مضاف،
وساق له هذا الحديث. ووقع عند إبراهيم الحربي من هذا الوجه عبدالرّحمن بن
محصن".
قلت: ينبّه ابن حجر إلى أنه وقع
خطأ في اسمه عند الباوردي وعند إبراهيم الحربي، والصواب: عبيدالله.
وذكر ابن حجر في ((الإصابة))
(4/417): "عبيد بن محصن: هو عبدالله بن محصن. ووقع كذلك عند الباوردي".
وقد سماه بعضهم: ((عبدالله))
مُكَبَّر. فذكره ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (4/146): ((عبدالله بن محصن
الأنصاري)).
وقال المزي في ((تهذيب الكمال))
(16/33): "عبدالله بن محصن الأنصاري الخطمي، ويقال: عبيدالله والد سلمة بن
عبدالله. مختلفٌ في صحبته".
وقال الذهبي في ((الكاشف))
(1/592): "عبدالله بن محصن الأنصاري: اختلف في صحبته. عنه ابنه سلمة".
وقال ابن حجر في ((تهذيب
التهذيب)) (5/341): "وقال أبو نعيم: أدرك النبيّ صلى الله عليه وسلم ورآه.
وذكره البخاري وغير واحد فيمن اسمه عبيدالله -يعني مصغراً".
وقال في ((التقريب)) (ص320):
"عبدالله بن محصن الأنصاري. ويقال: عبيدالله بالتصغير، ورُجِّح. مختلفٌ في
صحبته. له حديث".
قلت: الصواب أن اسمه عبيدالله،
بالتصغير، وكأنه وقع في بعض الأسانيد دون نقط فظنوه عبدالله!
قال ابن أبي حاتم في ((المراسيل))
(ص119): سمعت أبي يقول: عبيدالله بن محصن يدخل في المسند، ولا ندري له صحبة أم لا!
لأنه شيخٌ مجهولٌ".
وقال العلائي في ((تحفة التحصيل
في ذكر رواة المراسيل)) (ص186): "عبدالله بن محصن الأنصاري: مختلف في صحبته.
له عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم حديث: من أصبح آمناً في سربه. رواه الترمذي وابن ماجه. فقيل: مرسل".
قلت: أكثر الأئمة كأبي نعيم
والبخاري وابن حبان على أن له صحبة. ولم يجزم أبو حاتم بشيء! وكلام المتأخرين ليس
في كلامهم جزم وهو على الاحتمال! والصواب عندي أنه ليس بصحابيّ، وحديثه مرسلٌ،
وليس بمتصل.
والحديث يُشبه المراسيل، وهذه
المراسيل تكون قولاً لأحدهم، فينتشر بين الناس، فيرفعه بعضهم إلى النبيّ صلى الله
عليه وسلم.
وعبيدالله هذا لا يُعرف إلا في
هذا الحديث، وهو حديث فرد غريب! تفرّد به عنه ابنه سلمة، ولم يروه عنه إلا
عبدالرحمن بن أبي شميلة، تفرد به عنه مروان الفزاري!
وهذا التفرد في عدة طبقات (أربع
طبقات) لا يعتّد به أهل النقد من الثقات فكيف إذا كان من المجاهيل؟!
قال الدارقطني (كما في أطراف
الغرائب والأفراد) (4/206): "تفرد به عبدالرحمن بن أبي شميلة عن سلمة بن
عبيدالله عن أبيه".
·
ترجمة سَلمة بن عبيدالله بن مِحصن:
قال البخاري في ((التاريخ
الكبير)) (4/80): "سلمة بن عبيدالله بن محصن الأنصاري. روى عنه عبدالرحمن بن
أبي شميلة".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (4/166): "سلمة بن عبيدالله بن محصن الأنصاري: روى عن أبيه. روى
عنه عبدالرحمن بن أبي شميلة الأنصاري. سمعت أبي يقول ذلك".
وذكره ابن حبان في ((الثقات))
(6/398) فقال: "سلمة بن عبيدالله بن محصن الأنصاري: يروي عن أبيه. روى عنه
عبدالرحمن بن أبي شميلة".
وقال العقيلي في ((الضعفاء))
(2/146): "سلمة بن عبيدالله بن محصن: مجهول في النقل، ولا يُتابع على حديثه،
ولا يُعرف إلا به". ثُم روى حديثه، ثُم قال: حدثنا عبدالله بن أحمد قال: سألت
أبي عن سلمة ابن عبيدالله بن محصن الأنصاري؟ فقال: "لا أعرفه".
قال أبو جعفر العقيلي: "وقد
رُوي مثل الكلام عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد يشبه هذا في
اللِّين".
وقال الذهبي في ((المغني في
الضعفاء)) (1/275): "سلمة بن عبيدالله بن محصن عن أبيه. قال أحمد: لا أعرفه.
وغَمزه العقيلي".
وقال ابن حجر في ((التقريب))
(ص247): "سلمة بن عبدالله، ويُقال: ابن عبيدالله بن محصن الأنصاري الخطمي
المدني: مجهولٌ من الرابعة. بخ ت ق".
قلت: نعم، هو مجهول، ولا يُتابع
على حديثه.
وفي كتاب ((أخبار المدينة)) (ص51)
لعمر بن شَبّة عن أبي غسّان محمد بن يحيى الكناني المدني، عن إبراهيم بن محمد بن
أبي يحيى الأسلمي المدني، عن سلمة بن عبيدالله الخطمي: "أنّ النبيّ صلّى في
بيت العقدة عند مسجد بني وائل في مسجد العجوز في بني خطمة عند القبة، ومسجد العجوز
الذي عند قبر البراء بن معرور، وكان ممن شهد العقبة فتوفي قبل الهجرة وأوصى للنبي
بثلث ماله، وأمر بقبره أن يستقبل به الكعبة".
وعن ابن أبي يحيى عن سلمة:
"أنّ النبي صلّى في مسجد بني وائل بين العمودين المقدمين خلف الإمام بخمس أذرع
أو نحوها". قال: "وضربنا ثَمَّ وتداً".
قلت: وهذا مرسل. وإبراهيم بن أبي
يحيى متّهم، وقد تفرّد به! ولعل هذا الحديث هو عُمدة من نَسب عبيدالله هذا إلى بني
خطمة.
وإن كان هو نفسه الذي يروي عنه
ابن أبي يحيى، فهو يروي المراسيل، وحديثه عن أبيه المتقدّم مرسل، ولا يثبت لأبيه
صحبة، وخاصة وهو من أهل المدينة الذين يعتنون بأمر الصحبة، فلو كانت لأبيه صحبة
لما توانى في التصريح بذلك، فالصحبة شرفٌ عظيمٌ.
·
ترجمة عبدالرّحمن بن أبي شُميلَة:
قال البخاري في ((التاريخ
الكبير)) (5/296): "عبدالرّحمن بن أبي شميلة الأنصاري القبائي المدني عن سلمة
بن عبيدالله بن محصن. روى عنه حماد بن زيد ومروان بن معاوية".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (5/244): "عبدالرحمن ابن أبي شميلة الأنصاري المديني: روى عن سعيد
الصراف وسلمة بن عبيدالله بن محصن. روى عنه حماد ابن زيد ومروان بن معاوية. سمعت
أبي يقول ذلك". قال عبدالرحمن: قرئ على العباس بن محمد الدوري قال: قال يحيى
بن معين: "عبدالرحمن بن أبي شميلة الذي روى عنه حماد ابن زيد مشهور".
قال عبدالرحمن: سمعت أبي يقول: "عبدالرحمن بن أبي شميلة هو مشهور برواية حماد
بن زيد عنه".
وقال ابن حبان في ((الثقات)) (7/79):
"عبدالرحمن بن أبي شميلة الأنصاري: يروي عن سلمة بن عبدالله بن محصن. روى عنه
حماد بن زيد".
وقال ابن حجر في ((التقريب))
(ص342): "مقبولٌ من السابعة".
قلت: ذكروا من الرواة عنه: مروان
الفزاري وحماد بن زيد.
قال ابن المديني: "لا أعلم
أحداً روى عنه غيرهما".
وذكروا أنه مشهور برواية حماد بن
زيد عنه.
قال ابن معين: "مشهور".
وقال أبو حاتم الرازي: "مشهور برواية حماد بن زيد عنه".
قلت: فتشت فيما بين أيدينا من
كتب، فلم أجد لحماد بن زيد عنه إلا رواية واحدة أخرجها الإمام أحمد في ((مسنده))
(5/285) في حبّ الأنصار. ورواها غير الإمام أحمد وفيها كلام.
وحماد بصريّ، ومروان الفزاري
كوفي، فكيف يتفقا في الرواية عن عبدالرحمن هذا؟! والأشبه عندي أنهما تشابها في
الاسم، وأنهما ليسا واحداً، بل هما اثنان، وهذا الذي روى عنه مروان الفزاري مجهولٌ
لا يُعرف، ويُحتمل أنه دلّسه، وكان مروان معروفاً بذلك، والله أعلم.
قال العقيلي: "ولا أبعد أن
يكون عبدالرحمن بن أبي شميلة هذا هو محمد بن سعيد المصلوب؛ لأن مروان معاوية يُغير
اسمه على أنواع كثيرة، فلعل سعيدًا هذا هو أبو شميلة، وجعله عبدَالرحمن وهو كذلك؛ لأن الألفاظ في هذا الحديث تشبه
ألفاظَه".
قال عبد الغني بن سعيد الأزدي:
"وقال أبو جعفر العقيلي: إن عبدالرحمن بن أبي شميلة هو محمد بن سعيد المصلوب،
وإن قولهم عبدالرحمن بن أبي شميلة أحد الأسماء التي غيّر بها اسم محمد بن سعيد.
وما صنع شيئاً، وإنما ذكرت قوله ها هنا وحكيته عنه لئلا يظن ظان أني تركت قولاً
قاله قائل من أهل الحديث، وأنا أقول: إن عبدالرحمن بن أبي شميلة هذا غير محمد بن
سعيد، وإنه رجل من الأنصار من أهل قباء، حدث عنه مروان بن معاوية وحماد بن زيد أحد
الحجح في رد قول العقيلي لو لم يعرف نسب عبدالرحمن رواية حماد بن زيد عنه؛ لأن
حماد ابن زيد لا يدلس ولا ينقل اسماً إلى اسم". انتهى قول عبدالغني بن سعيد.
(تهذيب الكمال: 25/267).
قلت: كلام العقيلي قويٌّ جداً،
وهو –رحمه الله- ذكر أنهم قلبوا اسم المصلوب على نحو مائة اسم، وربما قالوا:
((عبدالله)) و((عبدالرحمن)) و((عبدالكريم))، وغير ذلك على معنى التعبيد، وينسبونه
إلى جدّه ويكنون فيه. (الضعفاء: 4/71).
وأما ما ردّ به عبدالغني بن سعيد
قول العقيلي بأن نسبه معروف وهو أنصاري من قباء، فلعله يؤيد ذلك ما قدمته من رواية
إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى –وهو مدني- عنه، ولكن إبراهيم متّهم، فإن لم يصح ذلك
فتكون النسبة التي جاءت في حديثه هذا من بعض الرواة لا من مروان الفزاري، والله
أعلم.
روى العقيلي في ((الضعفاء))
(4/203) من طريق محمد بن عثمان ابن أبي شيبة قال: سئل يحيى بن معين -وأنا أسمع-:
كيف كان مروان ابن معاوية في الحديث؟ فقال: "كان ثقة فيما يروي عمّن يعرف،
وذاك أنه كان يروي عن أقوام لا يُدرى من هم، ويُغير أسماءهم، وكان يُحدِّث عن محمد
بن سعيد المصلوب، وكان يغير اسمه يقول: حدثنا محمد بن قيس؛ لأنه لا يُعرف".
وقال عباس الدوري: سألت يحيى بن
معين عن حديث مروان بن معاوية عن علي بن أبي الوليد؟ فقال: "هذا هو علي بن
غراب، والله ما رأيت أحيل للتدليس منه"، أي من مروان.
وقال أيضاً (3/456): سمعت يحيى
يقول: "كان مروان بن معاوية يُحدِّث عن أبي بكر بن عياش ولا يسميه، يقول:
حدّث أبو بكر عن أبي صالح، ويدع الكلبي يوهمهم أنه أبو بكر آخر".
قلت وأما تخريج البخاري ومسلم
لمروان واحتجاجهم بحديثه، فإنهما لم يرويا عنه إلا من حديث شيوخه الثقات
المعروفين.
قال ابن حجر في ((هدي الساري))
(ص443): "وأخرج البخاري من حديثه عن خمسة من شيوخه المعروفين، وهم: حميد
وعاصم الأحول وإسماعيل بن أبي خالد وأبو يعقوب العبدي وهاشم بن هاشم".
وكان مروان بن معاوية يروي عن
شيوخ مجاهيل.
قال ابن نُمير: "كان مروان
بن معاوية الفزاري يلتقط الشيوخ من السكك".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (8/272): سألت أبي عن مروان بن معاوية الفزاري؟ فقال: "صدوق، لا
يدفع عن صدق، وتكثر روايته عن الشيوخ المجهولين".
ونقل الذهبي في ((السير)) (9/53)
عن علي بن المديني قوله: ثقة فيما روى عن المعروفين وضعفه فيما روى عن المجهولين.
ثُم قال الذهبي: "قلت: إنما
الضعف من قبلهم، كان يروي عن كل ضرب، وقد كان سفيان الثوري مع جلالته يفعل
كذلك".
وقال العِجلي في ((معرفة الثقات))
(2/270): "مروان بن معاوية الفزاري كوفي ثقة ثبت، وما حدّث عن الرّجال
المجهولين فليس حديثه بشيء، وهو من فزارة من ولد عيينة بن بدر من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم. ما يروى عن عيينة شيء ما حدث عن المعروفين فصحيح وما روى عن
المجهولين ففيه ما فيه، وليس بشيء".
وقال الذهبي في ((المغني في
الضعفاء)) (2/652): "مروان بن معاوية الفزاري: ثقة حجة، لكنه يَكتب عمَّن دبّ
ودرج، فينظر في شيوخه".
قلت: الذي أميل إليه أن عبدالرحمن
بن شميلة هذا من مجاهيل شيوخ مروان الفزاري، وإن كان هو الذي حدّث عنه حماد بن زيد
فإن رواية حماد عنه لا يعني أنه ثقة، وإن كان روايته عنه مشهورة كما أشار ابن
المديني وغيره فهذا لا يعني أيضاً أنه ثقة، بل هو مجهول، وقد تفرّد بهذا الحديث عن
مجهول عن مجهول.
فحديثه هذا لا يصح، ورفعه إلى
النبيّ صلى الله عليه وسلم منكر!
·
وهم في رواية سريج بن يونس عند البيهقي وتنبيهه على ذلك:
روى البيهقي هذا الحديث في ((شعب
الإيمان)) (7/294) عن أبي عبدالرحمن السلمي، عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الفقيه، عن
العباس بن الفضل الأسفاطي، عن سريج بن يونس، عن مروان بن معاوية، عن عبدالرحمن
-يعني بن أبي شميلة- عن أبيه، عن سلمة -يعني بن عبيدالله ابن محصن، عن أبيه.
وما جاء في الرواية: "عن أبيه"
خطأ؛ لأن عبدالرحمن لا يرويه عن أبيه، وإنما عن سلمة عن أبيه. وكأنه سبق نظر من
بعض الرواة أو من النساخ؛ لأن سلمة يرويه عن أبيه.
قال البيهقي: "وقد ذكره
البخاري في غير الجامع عن بشر بن مرحوم عن مروان بن معاوية عن عبدالرحمن بن أبي
شميلة الأنصاري القبائي عن سلمة عن أبيه، ولم يقل: عن أبيه عن سلمة، وكذلك قاله
أبو عيسى" - يعني الترمذي.
·
شاهد أبي الدرداء:
ذكر الترمذي شاهد أبي الدرداء بعد
أن روى حديث عبيدالله بن محص، فقال: "وفي الباب عن أبي الدرداء".
قلت: أخرجه ابن حبان في ((صحيحه))
(2/445)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (1/36)، وأبو نُعيم في ((الحلية))
(5/249)، كلّهم من طريق عبدالله بن هانئ بن عبدالرحمن بن أبي عبلة، قال: حدثني
أبي، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح معافىً في بدنه. آمناً في سربه. عنده قوت
يومه فكأنما حيزت له الدنيا. يا ابن جعشم يكفيك منها ما سد جوعك، ووارى عورتك، وإن
كان بيتاً يواريك فذاك وإن كانت دابة فتركبها فبخ فلق الخبز وماء الجر، وما فوق
الإزار فحساب عليك)).
قال أبو نُعيم: "غريبٌ من
حديث إبراهيم! تفرد به ابن أخيه عنه".
·
عجب من الإمام الذهبي!
وذكره الذهبي في ((تذكرة الحفاظ))
(3/1177) ثُم قال: "هذا حديثٌ غريبٌ! ما علمت في نقلته جرحاً، لكني لا أعرف
هانئاً. وأما المتن فمعروف". وقال في ((سير أعلام النبلاء)) (18/389):
"هذا حديث غريب، ولا أعرف حال هانئ".
قلت: لا أدري كيف يقول الذهبي
هذا! وهو نفسه يقول في ((المغني في الضعفاء)) (1/361): "عبدالله بن هانئ بن
أبي عبلة عن أبيه، أدركه أبو حاتم، متّهم بالكذب".
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (5/194): "عبدالله بن هانئ بن عبدالرحمن ابن أخى إبراهيم بن أبي
عبلة: روى عن أبيه، وعن ضمرة. روى عنه محمد بن عبدالله بن محمد بن مخلد الهروي عن
أبيه عن إبراهيم بن أبي عبلة أحاديث بواطيل". قال عبدالرحمن: سمعت أبي يقول:
"قدمت الرملة، فذُكر لي أن في بعض القرى هذا الشيخ، وسألت عنه؟ فقيل: هو شيخٌ
يكذب! فلم أخرج إليه، ولم أسمع منه".
·
غفلة من ابن حبان:
وذكره ابن حبان في ((الثقات))
(8/357) فقال: "عبدالله بن هانئ ابن عبدالرحمن بن أبي عبلة، أبو عمرو. من كور
بيت المقدس. يروي عن أبيه هانئ بن عبدالرحمن عن عمّه إبراهيم بن أبي عبلة. حدثنا
عنه أصحابنا مكحول وغيره".
قلت: لم يعرف ابن حبان حاله،
وكأنه لم يطلع على قول أبي حاتم فيه، فذكره في ثقاته! وتفرده بهذا الحديث منكرٌ!
وهو المتهم به.
وأما أبوه فذكره ابن حبان في
أتباع التابعين من ثقاته (7/583) فقال: "هانئ بن عبدالرحمن بن أبي عبلة، من
كور بيت المقدس. يروي عن عمه إبراهيم بن أبي عبلة. روى عنه ابنه عبدالله بن هانئ.
ربما أغرب".
ثُم أعاده فيمن روى عن أتباع
التابعين من ((الثقات)) (9/247) فقال: "هانئ بن عبدالرحمن بن أبي عبلة، من
أهل فلسطين. يروي عن محمد بن إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري. روى عنه ابنه عبدالله
بن هانئ".
قلت: غفل ابن حبان فذكره في
طبقتين مختلفتين. وقوله عنه بأنه ربما أغرب اعتماداً على توثيقه لابنه عبدالله،
والعلة في أحاديثه هي ابنه، وهو متهمٌ بالكذب، وأحاديثه بواطيل لا يُتابع على شيء
منها! وكأنه كان يسرق المتون ويركّب لها أسانيداً عن أبيه، فلا يحتج بخبره، ولا
يصلح للاستشهاد به كما يفعل كثير ممن يشتغلون بالتحقيق في زماننا هذا! فلا تقوّى
رواية سلمة برواية عبدالله بن هانئ، والله أعلم.
·
تحسين الشيخ الألباني والشيخ شعيب الأرنؤوط لهذا الحديث!
وهذا الحديث حسّنه الشيخ الألباني
في ((الصحيحة)) (2318) بهذا الشاهد وبغيرها، وقد ناقشته في ذلك في موضع آخر.
وحسّنه أيضاً الشيخ شعيب الأرنؤوط
أثناء تحقيقه لصحيح ابن حبان عند حديث أبي الدرداء هذا (2446) قال: "ويشهد له
حديث عبيدالله بن محصن... وسلمة مجهول. وحديث عمر فيما ذكره الهيثمي في ((المجمع))
10/289، وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو بكر الداهري، وهو ضعيف. وحديث ابن
عمر ذكره الهيثمي أيضاً 10/289، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه علي بن عابس،
وهو ضعيف. قلت: ومع ضعفه يكتب حديثه ويعتبر به كما قال الدارقطني، وحديثه هذا من
هذا القبيل، فإنه شاهد لحديث عبيدالله بن محصن، فيتقوى به، ويحسّن" انتهى
كلامه.
قلت: كيف يُحسن وكلّ طرقه واهية؟!
وعلي بن عابس ليس بشيء.
قال ابن معين: "رأيته، ليس
بشيء".
وقال ابن حبان في ((المجروحين))
(2/105): "كان ممن فحش خطؤه وكثر وهمه فيما يرويه فبطل الاحتجاج به".
وقال الساجي: "عنده
مناكير".
وفي ((سؤالات البرذعي لأبي زرعة))
(ص429): قلت: علي بن عابس؟ قال: "منكر الحديث! يُحدث بمناكير كثيرة عن قوم
ثقات".
وأما قول من قال بأن حديثه يكتب
ويعتبر به فهذا إذا كان ما يرويه له شاهد مقبول، وهذه الشواهد باطلة منكرة، فلا
تتقوى روايته بها.
·
أصل الحديث من قول الواعظ
العابد شُميط بن عجلان!
وأصل هذا الحديث هو قول العابد
الزاهد شُميط بن عجلان البصري.
ذكر ابن الجوزي في (صفة الصفوة)
(3/342) عن عبيد الله بن شميط بن عجلان، عن أبيه أنه كان يقول في مواعظه:
"إذا أصبحت آمناً فى سربك، معافاً في بدنك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا
العفاء".
وقال العجلوني في (كشف الخفاء)
(1/84): "وأخرجه عبدالله بن أحمد عن شميط من قوله".
وروى أبو نُعيم في (حلية الأولياء)
(3/129) قال: حدثنا أبو بكر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال:
أُخبرت عن سيّار قال: حدثنا عبيد الله بن شميط، قال: سمعت أبي يقول في كلامه:
"بئس العبد عبد خلق للعبادة فصدته الشهوات عن العبادة، بئس العبد عبد خلق
للعاقبة فصدته العاجلة عن العاقبة فزالت العاجلة وشقي بالعاقبة".
قال: وسمعت أبي شميط يقول:
"كل يوم ينقص من أجلك وأنت لا تحزن، وكل يوم تستوفى من رزقك قد أعطيت ما
يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع، فكيف يستبين للعالم جهل
من قد عجز عن شكر ما هو فيه وهو مغتر في طلب الزيادة، أم كيف يعمل للآخرة من لا
تنقضي من الدنيا شهوته ولا تنقضي فيها رغبته، فالعجب كل العجب لمصدق بدار الحق وهو
يسعى لدار الغرور".
وأقوال شميط في هذه المعاني
كثيرة، ولهذا فإن هذا الحديث يشبه كلامه، بل قد صرّح ابنه أنه من كلامه.
ولبعض السلف في هذا المعنى أيضاً
كلاماً يشبهه، فقد روى ابن سعد في (الطبقات الكبرى) (7/147) من طريق هشام بن حسان،
عن الحسن البصري، قال: قال صفوان بن محرز: "إذا أكلت رغيفاً أشد به صلبي
وشربت كوزاً من ماء فعلى الدنيا وأهلها العفاء".
وروى أبو الحسين عفيف بن محمد
الخطيب البوشنجي في جزء (المنظوم والمنثور من الحديث) (ص46) برقم (13) قال: أخبرنا
أبو عليّ الرفَّا، قال: حدثنا عَلِيُّ بنُ عبد الْعَزِيزِ البغوي، قال: حدثنا أبو
نُعيم - هو: الفضل بن دُكين -، قال: حدثنا عَمرة - كذا! -، عن أبي حازم، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَاهُ اللَّهُ أَرْبَعَ خلالٍ
فَقَدْ أَتَاهُ اللَّهُ خَيْرَ الدُّنْيَا وَخَيْرَ الآخِرَةِ)، قِيلَ: وَمَا هِيَ
يَا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي دِينِهِ، مُعَافًى فِي
جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ إِلَى اللَّيْلِ فَقَدْ
أَتَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ).
قال أبو الحسين عفيف:
فَنَظَمْتُهُ وَقُلْتُ:
قَالَ رَسُولُ الله سقياً لما ***
وُورِي من أعظمه الطاهرهْ
أربعةٌ قَدْ خُصَّ مَنْ نَالَهَا
*** بِخَيْرِ دُنْيَاهُ وَبِالآخِــــــــرَهْ
عَافِيَةُ الإِنْسَانِ فِي
دِينِهِ *** وَنَفْسِهِ الْمُفْسِدَةِ الْفَاجِـــــــرَهْ
وَالأَمْنُ فِي السِّرْبِ
وَمِقْدَارُ مَا *** يَبْلُغُهُ فِي يَوْمِهِ آخِرَهْ".
قلت: وهذا مرسل، وأبو حازم هو:
سلمة بن دينار الأعرج المدني القاص الثقة (توفي ما بين سنة 133 و144هـ على اختلاف
بين أهل العلم).
فالحديث منتشر بين الناس مرسلاً؛
لأن محور التفكير في ذلك الزمان هو كلامه صلى الله عليه وسلم، فيرفع الناس بعض
الكلام له وهو لم يقله.
وعبيدالله بن محصن أرسله كذلك عن
النبي صلى الله عليه وسلم - إن صح وجوده، ولم يكن عبدالرحمن بن شميلة هو نفسه المصلوب
المتّهم! وعبدالرحمن رواه عن سلمة بن عبيدالله عن أبيه - وأصله من مواعظ شُميط بن عجلان
العابد الزاهد البصري، والله تعالى أعلم وأحكم.
وكتب: خالد الحايك.
10 ربيع الآخر 1429هـ.
شاركنا تعليقك