هل إسماعيل بن إبراهيم
الذي يروي عن رجل من بني سُليم هو ابن عباد بن شيبان السلمي؟ وهل ثبتت صحبة عباد
والد يحيى أبي هبيرة، وصحبة شيبان جدّ يحيى؟! وبيان الخلط في تراجمهم! ووهم
للبخاري ولأبي حاتم وغيرهما، وفوائد أخرى.
بقلم: أبي صهيب الحايك
·
حديث إسماعيل بن إبراهيم والاختلاف في إسناده:
روى أبو داود في ((السنن)) (كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح:
2/239) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ
الْمُحَبَّرِ، قال: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْعَلَاءِ ابْنَ أَخِي شُعَيْبٍ
الرَّازِيِّ، عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي
سُلَيْمٍ قَالَ: ((خَطَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَتَشَهَّدَ)). يعني الخطبة.
قلت: هكذا في المطبوع وكذلك في تحفة المزي! (11/124) وفيه سقط،
والصواب: (عن العلاء عن رجلٍ عن إسماعيل عن رجل من بني سليم).
رواه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (3/108) عن بندار، عن
بدل بن المحبر، عن شعبة، عن العلاء بن أخي شعيب الرازي، عن رجلٍ، عن إسماعيل بن
إبراهيم، عن رجل من بني سليم، مثله.
ورواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (7/147) من طريق علي بن عباس،
عن بندار، عن بدل، عن شعبة، عن العلاء ابن خالد، عن رجلٍ، عن إسماعيل بن إبراهيم،
عن رجلٍ من بني سليم.
ورواه أيضاً من طريق علي بن سلم، عن محمد بن عيسى الزجاج، عن بدل،
شعبة، عن العلاء بن خالد، عن رجل، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن رجل من بني تميم أنه
خطب، الحديث.
ورواه حفص بن عمر بن عامر السلمي، عن إبراهيم بن إسماعيل بن عباد
بن شيبان، عن أبيه، عن جدّه، قال: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عمته فأنكحني
ولم يتشهد.
وقد بيّن البخاري الاختلاف في هذه الأسانيد، فقال في ((التاريخ
الكبير)) (1/343-345) في ترجمة (إسماعيل بن إبراهيم):
قال بدل: حدثنا شعبة، عن العلاء ابن أخي شعيب، عن رجلٍ، عن إسماعيل
بن إبراهيم، عن رجلٍ من بني سليم: (خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت
عبد المطلب، فأنكحني من غير أن يتشهد).
وقال لي محمد بن عقبة السدوسي: حدثنا حفص بن عمر بن عامر السلمي،
قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن عباد بن شيبان، عن أبيه، عن جدّه: (خطبت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم عمته، ولم يتشهد).
حدثني محمد أبو يحيى، قال: حدثنا كثير بن هشام الكلابي قال: حدثنا
يزيد - قال محمد: وهو ابن عياض المدني -، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علي
السلمي، عن أبيه، عن جده: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ألا أنكحك أمامة
بنت ربيعة بن الحارث؟) قال: بلى يا رسول الله. قال: (قد أنكحتكها).
قال أبو عبدالله: إسناده مجهول". انتهى كلامه.
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (2/156): "إسماعيل
بن إبراهيم. قال أبي: هو ابن إبراهيم بن شيبان، روى عن رجل قال: خطبت إلى النبي
صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب فأنكحني، رواه يحيى ابن العلاء ابن أخي
شعيب الرازي، عن رجل، عن إسماعيل بن إبراهيم، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان
ذلك".
وقال ابن حبان في ((الثقات)) (6/38): "إسماعيل بن إبراهيم بن
عباد بن شيبان، يروي عن أبيه عن جده، ولجده صحبة، روى عنه حفص بن عمر بن
عامر".
وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص133):
"إسماعيل بن إبراهيم، عن رجلٍ من بني سُليم، مجهول، من الثالثة. د".
وقال أيضاً (ص837): "إسماعيل بن إبراهيم عن رجل من بني سليم:
هو عباد بن شيبان السَّلمي".
وقال في ((تهذيب التهذيب)) (1/246): "إسماعيل بن إبراهيم عن
رجل من بني سليم مرفوعاً بحديث واحد في النكاح، وعنه العلاء ابن أخي شعيب الرازي،
وفيه اضطراب، وقيل: عن يزيد بن عياض بن جعدبة عن إسماعيل بن إبراهيم بن عباد بن
شيبان عن أبيه عن جده رفعه نحوه. قلت: هذا ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: روى عنه
حفص بن عمر بن عامر، وقال البخاري في التاريخ: قال محمد بن عقبة السدوسي: حدثنا
حفص بن عمر بن عامر السلمي، حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم بن عباد بن شيبان به".
قلت: يعني أن حفص بن عمر تابع يزيد بن عياض في روايته عن إسماعيل،
وهذا يبين أن الرجل الذي من بني سليم هو جد إبراهيم، وعليه فقد ترجم أهل العلم
لعباد وشيبان في الصحابة كما سيأتي.
قلت: أما يزيد بن عياض بن جعدبة فهو منكر الحديث. وأما الرواية
الأخرى فقد خالف إبراهيم بن محمد بن عرعرة محمد بن عقبة في روايته.
رواه ابن قانع في ((معجم الصحابة)) (1/340) في ترجمة (شيبان، لم
ينسب) عن حفص بن عمر بن عامر قال: حدثني يحيى بن العلاء، عن إسماعيل بن إبراهيم بن
عباد بن شيبان، عن أبيه، عن جده.
ورواية ابن عرعرة أصح من رواية ابن عقبة، وابن عقبة فيه كلام، ضعفه
بعضهم، وهو صدوق يهم كثيراً، وحفص هذا هو ابن عمر بن عامر قاضي البصرة، وهو غير
مشهور بالرواية!
وعلى رواية ابن عرعرة اعتمد ابن أبي حاتم، فقال في ((الجرح
والتعديل)) (4/354): "شيبان السلمي الأنصاري المدني قال: خطبت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب فأنكحنيها، من رواية يحيى ابن العلاء -
وكان ضعيف الحديث - عن إسماعيل بن إبراهيم بن عباد بن شيبان، عن أبيه عن جده، قال:
خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه أبو هبيرة يحيى بن عباد عن جده وهو
شيبان، وابنه عباد بن شيبان، سمعت بعض ذلك من أبي وبعضه من قبلي".
وقد تقدم أن الرواية الأخرى التي فيها الرجل المبهم من رواية
(العلاء ابن أخي شعيب) وفي بعض الروايات (العلاء بن خالد)، فسقط من رواية بدل
(يحيى بن)، وهو (يحيى بن العلاء وهو ابن أخي شعيب بن خالد الرازي)، كما نبّه عليه
الإمام المعلمي اليماني، وقد قال ابن أبي حاتم: "إسماعيل بن إبراهيم، قال
أبي: هو ابن إبراهيم بن شيبان، روى عن رجل قال: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أميمة بنت عبد المطلب فأنكحني، رواه يحيى بن العلاء ابن اخي شعيب الرازي عن رجل عن
إسماعيل بن إبراهيم، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك".
فرجعت كلتا الروايتين إلى يحيى بن العلاء، فروى الحديث مرة عن رجل
مبهم لا يعرف عن إسماعيل بن إبراهيم، عن رجل من بني سليم، ورواه مرة عن إسماعيل بن
إبراهيم بن عباد بن شيبان، عن أبيه، عن جده.
ويحيى بن العلاء متفق على ضعفه، وهو متروك الحديث، ليس بشيء، وقد
أُتهم بالكذب! وهذا الحديث باطلٌ لا يصح، وواعجبا ممن اعتمده!!!
·
الخلط بين شيبان هذا وشيبان جد يحيى أبي هبيرة!
وأما قول ابن أبي حاتم أن شيبان روى عنه: أبو هبيرة يحيى بن عباد
عن جده وهو شيبان، وابنه عباد بن شيبان، ففيه نظر! فإن شيبان جدّ أبي هبيرة غير
شيبان الوارد في هذا الحديث! وحديثه لم يصح! وصح قول البخاري: "إسناده
مجهول". فشيخ يحيى بن العلاء مبهم مجهول، وإسماعيل بن إبراهيم مجهول،
وإسماعيل عن أبيه عن جده رواية مجهولة.
قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (8/291): "يحيى بن عباد
أبو هبيرة الأنصاري الكوفي، يُعد في الكوفيين. قال علي ابن حجر: حدثنا جرير، عن
ليث قال: كان أربعة بالكوفة يفضلون: زيد وطلحة ويحيى بن عباد بن شيبان أبو هبيرة
وأبو جعفر محمد بن عبدالرحمن بن يزيد".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (6/81): "عباد بن
شيبان والد يحيى بن عباد: سمع النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبدالرحمن بن
شريك عن أبيه عن أشعث بن سوار عن يحيى بن عباد عن أبيه سمع النبي صلى الله عليه
وسلم، سمعت أبي يقول ذلك".
·
وهم للمزي وتعقب ابن حجر له!
ولا يصح قول من قال بأن إبراهيم
هذا هو ابن عباد بن شيبان وأنه روى عنه، كما قال المزي في ((تهذيب الكمال))
(14/137): "عباد بن شيبان الأنصاري السلمي والد أبي هبيرة يحيى بن عباد، له
ولأبيه صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زيد بن ثابت (ق)، روى عنه ابناه
إبراهيم بن عباد وأبو هبيرة يحيى بن عباد، روى له ابن ماجة حديثاً واحداً".
وتعقبه ابن حجر في ((تهذيب
التهذيب)) (5/83) فقال: "قلت: الذي روى عنه إبراهيم آخر غير هذا، صحابي له عن
النبي صلى الله عليه وسلم حديث آخر، رُوي عنه من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عباد
عن أبيه عن جده، وهو سُلمي بضم السين من خلفاء بني هاشم، وقد بينت ذلك في كتابي في
الصحابة".
وقال الإمام المعلمي: "في
بقية الروايات (إسماعيل بن إبراهيم عن أبيه عن جده) وذلك يقتضي أن الرجل الذي من
بني سليم هو عباد جدّ إسماعيل وسقط أبوه من السند، وبهذا يثبت أن عباد بن شيبان
صاحب القصة سُلمي بضم ففتح نسبة إلى بني سليم، وهي حجة لما حققه الحافظ في الإصابة
أن شيبان والد صاحب القصة غير شيبان السلمي جد أبي هبيرة يحيى بن عباد، فإن جد
يحيى أنصاري سَلَمي بفتحتين نسبة إلى بني سلمة بفتح فكسر، بطن من الأنصار".
قلت: إنما قال المعلمي بأن هناك
سقطاً بحسب الرواية، ومهما كان الأمر فإن الرواية باطلة.
قال ابن حجر في ((الإصابة))
(3/368): "شيبان بن مالك الأنصاري السَّلَمي بفتحتين، قال مسلم وابن حبان: له
صحبة، زاد مسلم: كوفي، وقال البغوي: سكن الكوفة، وهو جد أبي هبيرة يحيى بن عباد،
له حديث. وقال ابن منده: يُعدّ في الكوفيين، وقال ابن أبي حاتم: شيبان السلمي
المدني الأنصاري، روى حديثه يحيى بن العلاء أحد الضعفاء عن إسماعيل بن إبراهيم بن
عباد بن شيبان عن أبيه عن جده قال: (خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت
عبد المطلب)، روى عنه ابن ابنه أبو هبيرة وابنه عباد بن شيبان، والحديث الذي أشار
إليه ابن أبي حاتم أخرجه ابن قانع من طريق حفص بن عمر عن يحيى بن العلاء بسنده
المذكور، وقال ابن منده: شيبان الأنصاري، ثم ذكر أنه تقدم في ترجمة إبراهيم.
قلت: لم يتقدم هنالك إلا رواية
إسماعيل بن إبراهيم عن أبيه بالحديث الذي ذكرته آنفاً عن ابن أبي حاتم، وتعقبه أبو
نعيم بأنه وهم، والصواب عنده: عن أبيه عن جده، وهو عباد بن عباد بن شيبان، وسيأتي،
وروى الحسن بن سفيان وابن السكن وابن شاهين وابن أبي خيثمة والطبراني في الأوسط من
طريق أبي هبيرة عن جدّه شيبان قال: (دخلت المسجد فاستندت إلى حجرة النبي صلى الله
عليه وسلم فتنحنحت) فقال أبو يحيى؟ قلت: أبو يحيى. قال: (هلم إلى الغداء)، قلت:
إني أريد الصوم. قال: (وأنا أريد الصوم، ولكن مؤذننا هذا في بصره سوء، وإنه أذن
قبل أن يطلع الفجر). قال ابن السكن: ليس يروي عنه غيره، وروى ابن السكن من وجه آخر
عن أشعث عن يحيى بن عباد عن شيبان عن أبيه عن جده فذكر نحوه في الإسناد عن أبيه،
وأشار إلى رجحان الرواية الأولى، ويحيى بن عباد هو أبو هبيرة، وذكر ابن منده أن
جنادة بن مروان رواه عن أشعث فقال: عن يحيى بن عباد عن أبيه: أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال له: (يا أبا يحيى، هلم إلى الغداء)، فجعل ابن منده لعباد بن شيبان
ترجمة بهذا السبب وسيأتي، وقد أخرج ابن منده من طريق ليث بن أبي سليم عن أبي هبيرة
عن زيد بن ثابت حديثاً غير هذا، فالله أعلم".
وسيأتي الكلام على صحبة شيبان جد
أبي هبيرة، وأبيه عباد.
وقد ذكر ابن عبدالبر عباد والد
إبراهيم هذا في الصحابة، فقال في ((الاستيعاب)) (2/805): "عباد بن شيبان،
قال: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني ولم يشهد،
روى عنه ابناه إبراهيم بن عباد ويحيى بن عباد".
قال ابن حجر في الصحابة في القسم
الأول (3/616): "عبّاد بن شيبان أبو إبراهيم، حليف قريش، كذا قال ابن منده،
وقال أبو عمر: عباد بن شيبان قال: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت
ربيعة فأنكحني ولم يشهد، روى عنه ابناه إبراهيم ويحيى، وكذا ذكر ابن سعد نحوه،
وقال: إنه حليف بني عبد المطلب، وأورد ابن منده من طريق يحيى بن العلاء عن إسحاق
بن عبدالله عن إسماعيل بن إبراهيم بن عباد بن شيبان عن أبيه عن جده: (أنّ النبي
صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أنكحك أميمة بنت ربيعة بن الحارث؟ قال: بلى، قال:
وأنكحتكها ولم يشهد)، من وجه آخر عن يحيى بن العلاء عن إسماعيل به بغير واسطة
إسحاق، وكذا أخرجه ابن قانع في ترجمة شيبان لكن وقع عنده أمامة بنت عبد المطلب
نسبها لجد أبيها، ورواه شعبة عن يحيى بن العلاء عن رجل عن إسماعيل بن إبراهيم عن
رجل من بني سليم قال: (خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة)، وأخرجه ابن
السكن من طريق يزيد بن عياض عن إسماعيل بن إبراهيم بن سنان عن أبيه عن جده بنحوه،
وكذا وقع عنده سنان! وقد أخرجه أبو نعيم، والظاهر أنه تصحيف، فقد ذكر الطبري في
تاريخه في سنة ثمان لخمس ليال بقين من رمضان: هدم خالد ابن الوليد العُزَّى ببطن
نخلة صنم لبني شيبان بطن من بني سليم حلفاء بني هاشم، وهذه الروايات في أن الصحبة
لعباد: منهم من أعاد الضمير لإبراهيم فجعل القصة لشيبان كما تقدم في القسم الأول
من الشين المعجمة، وقال ابن السكن: روى محمد بن أبي حميد عن إسماعيل بن إبراهيم عن
أبيه عن جده حديثاً آخر ولم يسمه".
ثم قال ابن حجر: "عباد بن
شيبان الأنصاري السلمي بفتحتين، والد أبي هريرة يحيى بن عباد تقدم ما يتعلق به في
ترجمة شيبان في الشين المعجمة، وذكره البخاري في التابعين، وقد خلط بعضهم هذه
الترجمة بالتي قبلها، والصواب المغايرة بينهما".
قلت: الذي ذكره ابن سعد وهو حليف
قريش من بني سُليم هو: "عباد بن شيبان بن جابر بن سالم بن مرة بن عبس بن
رفاعة بن الحارث بن بُهثة بن سُليم، وهو حليف بني الحارث بن عبد المطلب بن
هاشم".
ولم أهتد إلى موضع ذكر ابن سعد
لعباد بن شيبان والد إبراهيم كما أشار ابن حجر، فلعله وهم في ذلك، والله أعلم.
·
وهم لخليفة بن خيّاط!
وذكر خليفة في الصحابة من ((الطبقات)) (ص50): "وشيبان بن عباد
بن سفيان بن خالد بن سالم بن مرة بن عبس ابن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم:
أمّه أروى بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي".
وقال ابن حجر في الصحابة في (القسم الأول) (3/367): "شيبان بن
عباد بن شيبان بن خالد بن سالم بن مرة بن عبس بن الحارث بن بهثة بن سليم السلمي:
أمه أروى بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره خليفة في الصحابة
واستدركه بن فتحون".
قال المعلمي اليماني: "ووقع لخليفة بن خياط ما أراه وهماً،
ذكر في الصحابة: شيبان ابن عباد... أمه أروى بنت عبد المطلب، نقله عنه في
الإصابة".
قلت: يعني أنه وهم في ذكره أن أروى هي أم شيبان هذا.
·
وهم للرّشاطي والعيني الحنفي!
وقد وقع وهم للرشاطي والعيني الحنفي في
شيبان هذا! قال العيني في ((شرح أسامي رجال معاني رواة الآثار)) (5/438):
"شيبان، وهو شيبان بن جابر بن سالم بن مرة بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة
بن سليم.
قال الرشاطى: وشيبان هذا ابنه عباد بن
شيبان، قال: خطبت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني ولم
يشهد، رواه عنه ابناه إبراهيم بن عباد، ويحيى بن عباد، والشيباني أيضًا ينسب إلى
الجد، منهم أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن على بن مخلد بن شيبان
الشيباني النيسابوري، روى عن السراج، وغيره".
قلت: شيبان هذا ليس هو راوي الحديث المشار
إليه، ولم يرو عنه ابناه إبراهيم ويحيى كما زعم الرشاطي، وقد جاء في بعض طرق
الحديث (رجل من بني شيبان) وكأنه نسبة إلى هذا، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء
الله.
·
تعقّب ابن السكن وابن حجر!
قلت: وأما ما نقله ابن حجر عن ابن السكن في ترجمة (عباد بن شيبان):
"روى محمد بن أبي حميد عن إسماعيل بن إبراهيم عن أبيه عن جده حديثاً آخر ولم
يسمه"، ففيه نظر! فإن إسماعيل بن إبراهيم هذا آخر، وهو مصريّ.
قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (1/343): "إسماعيل بن
إبراهيم الأنصاري: سمع أباه، سمع منه عمرو بن الحارث، يعدّ في أهل مصر، وعن أبي
فراس، وروى ابن أبي حميد عن ابن المنكدر عن إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري، عن أبيه:
سمع النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عبدالله: "ولم يصح".
وقال ابن أبي حاتم (2/256): "إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري،
روى عن أبيه، روى عنه عمرو ابن الحارث، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك. قال أبو
زرعة: يعد في المصريين. قال أبي: هو مجهول، لا يُدرى مصري هو أم لا؟".
وقال ابن حبان في ((الثقات)) (6/38): "إسماعيل بن إبراهيم
الأنصاري، من أهل مصر، يروي عن أبيه وأبي فراس، روى عنه عمرو بن الحارث".
·
تحريف في الإسناد مشى على البخاري وغيره! وترجمتهم للعلاء والد
يحيى.
قال أبو نُعيم في الصحابة (4/1934): "عبّاد بن سنان، وقيل: شيبان،
أبو إبراهيم السُّلمي، حليف قريش، خطب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أميمة بنت
ربيعة بن الحارث.
حدثنا أبو بكر الطلحي، قال: حدثنا عبيد بن غنّام، قال: حدثنا سفيان
بن وكيع، قال: حدثنا عبدالله بن وهب، قال: حدثنا يزيد بن عياض، عن إسماعيل بن
إبراهيم بن عباد بن سنان، عن أبيه، عن جدّه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
له: (ألا أنكحك أمامة بنت ربيعة بن الحارث؟) قال: بلى، قال: فأنكحنيها ولم يشهد.
رواه حرملة مثله، وقال: (أميمة).
رواه يحيى بن العلاء الرازي، عن إسحاق بن عبدالله، وقال: عن
إسماعيل بن عباد بن شيبان، عن أبيه، عن جده، نحوه.
ورواه بدل بن المحبّر، عن شعبة، عن العلاء بن أخي شعيب الرازي، عن
رجل، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن رجل من بني سُليم أنه خطب إلى النبي صلى الله عليه
وسلم أمامة بنت عبد المطلب".
قلت: رواية بدل: عن يحيى بن العلاء، وليست عن العلاء بن أخي شعيب
كا ذكرت سابقاً.
قال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (7/147): "رواه البخاري في
التاريخ عن بندار، إلا أنه قال: عن العلاء ابن أخي شعيب الوزان، وكذلك قاله أبو
داود السجستاني عن بندار".
قلت: أما قوله (الوزان) فهو تحريف في الإسناد، والصواب (الرازي)
وقد مشى على البخاري – رحمه الله – ولم يتنبّه له!
قال (6/513): "العلاء ابن أخي شعيب الوزان عن رجل عن إسماعيل
بن إبراهيم، روى عنه شعبة".
وتبعه على ذلك ابن حبان، فقال في ((الثقات)) (8/503): "العلاء
بن أخي شعيب الوزان، يروي المقاطيع، روى عنه شعبة بن الحجاج".
قلت: يشير بقوله: (يروي المقاطيع) إلى أن هذا الحديث (عن رجل) وهو
مقطوع.
وقال الذهبي في ((الميزان)) (5/133): "العلاء البجلي (د) والد
يحيى بن العلاء الرازي، عن إسماعيل بن إبراهيم: لا يُعرف، تفرد عنه شعبة".
وقال في ((الكاشف)) (2/106): "العلاء بن أخي شعيب الرازي، عن
فلان، وعنه شعبة، وُثِّق. د".
وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (22/546): "العلاء بن أخي
شعيب بن خالد البجلي الرازي، والد يحيى بن العلاء الرازي، روى عن إسماعيل بن
إبراهيم (د) عن رجل من بني سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه شعبة بن
الحجاج (د)، ذكره ابن حبان في كتاب الثقات، روى له أبو داود".
وتبعه ابن حجر في التهذيب (8/173)، وقال في التقريب (ص507):
"العلاء بن أخي شعيب بن خالد البجلي الرازي، مقبول، من السابعة. د".
وتعقبه صاحبا التحرير (3/132) فقالا: "بل: مجهول، تفرد شعبة
بالرواية عنه، وذكره ابن حبان وحده في الثقات، وقال الذهبي في الميزان: لا
يُعرف".
قلت: العلاء هو أخو شعيب، وابن أخي شعيب هو يحيى بن العلاء، ولا
أدري كيف فات البخاري هذا؟! وكأنه لوجود التصحيف في الإسناد لم يتنبه البخاري له،
فصار عنده: العلاء ابن أخي شعيب الوزان، وإلا فهو يعرف يحيى بن العلاء ابن أخي شعيب
الرازي، والله أعلم.
قال البخاري (8/297): "يحيى بن العلاء الرازي البجلي، عن ابن
أبي ذئب، كان وكيع يتكلم فيه، وهو البجلي عن عمّه شعيب بن خالد".
·
الوهم في ذكر أمامة وعمّة النبي صلى الله عليه وسلم والصواب أن
عمّته أميمة لم تُسلم.
وأما ما وقع في الحديث من ذكر أمامة بنت عبد المطلب وفي بعض
الروايات عمّة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو وهم!
قال ابن حجر في ((الإصابة)) (7/504): "أمامة بنت عبد المطلب،
لها ذكرٌ في حديثٍ ضعيفٍ، كذا في التجريد، وهي أميمة الآتي ذكرها، نسبت إلى جد
أبيها، وهي بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. وقال ابن فتحون: ذكر أبو عمر في
ترجمة عباد بن شيبان إسلام أمامة بنت عبد المطلب.
قلت: لفظ ابن عبدالبر قال: عباد بن شيبان خطبت إلى النبي صلى الله
عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني ولم يشهد، وسبقه إلى ذلك البغوي فأخرج هذا
الخبر من حديث عباد ابن شيبان، قال ابن فتحون: لم يذكرها أبو عمر، فلو صح الخبر
لكان إهماله إياها من العجب العجيب".
ثم قال: "أميمة بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ويقال
اسمها أمامة، فكأن من صغرها لقبها، وقال في التجريد: لها صحبة".
ثم قال: "أميمة بنت عبد المطلب، هي بنت ربيعة بن الحارث بن
عبد المطلب، نسبت لجدها الأعلى، تقدمت".
ثم قال (7/510): "أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
الهاشمية عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلف في إسلامها: فنفاه محمد بن
إسحاق ولم يذكرها غير محمد بن سعد فقال في باب عمومة النبي صلى الله عليه وسلم من
طبقات النساء: أمها فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وتزوجها في
الجاهلية حجير بن رئاب الأسدي حليف حرب بن أمية، فولدت له: عبدالله وعبيدالله وأبا
أحمد وزينب وحمنة، وأطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب
أربعين وسقاً من تمر خيبر. قلت: فعلى هذا كانت لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم
ابنتها زينب موجودة".
وقال الذهبي في ((السير)) (2/273): "أميمة عمّة رسول الله صلى
الله عليه وسلم بنت عبد المطلب، والدة عبدالله، وأم المؤمنين زينب، وعبيدالله،
وأبي أحمد عبد، وحَمنة، أولاد جحش بن رِياب الأسدي حليف قريش. أسلمت وهاجرت. قال
ابن سعد: أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وسقاً من تمر خيبر. وقيل:
إنها أميمة بنت ربيعة ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحارث بن عبد المطلب
الهاشمية - أعني التي أسلمت وأطعمت من تمر خيبر.
والظاهر أن أميمة الكبرى العمّة ما هاجرت ولا أدركت الإسلام، فالله
أعلم. لم يهتم بذكر إسلامها إلا الواقدي، وروى في ذلك قصة، فالله أعلم".
وذكر ابن عساكر قول ابن سعد في ((تاريخه)) (3/124)، ثم قال:
"إن صح هذا فقد أسلمت أميمة".
قلت: لم يصح، والراجح أنها لم تُسلم.
قال المعلمي اليماني معلقاً على حديث (خطبت أمامة...): "هي
أمامة بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، نسبت هنا إلى جدها، ويقال لها: أميمة
على سبيل التصغير، ذكره في الإصابة، فإن صغرت ونسبت إلى جدها اشتبهت بعمّة النبيّ
صلى الله عليه وسلم اسمها: أميمة بنت عبد المطلب، وقد مشى الوهم على بعض الرواة
فجعلها إياها".
ثم علّق على الرواية التي جاء فيها: (خطبت إلى النبي صلى الله عليه
وسلم عمته...) قائلاً: "كأنه وقع للراوي (أميمة بنت عبد المطلب) بالتصغير
والنسبة إلى الجد، فظنها أميمة بنت عبد المطلب عمّة النبي صلى الله عليه وسلم،
وروى بالمعنى الذي توهمه، والعمة لم يثبت إسلامها، بل نفاه ابن إسحاق، وقال ابن
سعد في الطبقات: (وأطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب أربعين
وسقاً من تمر خيبر)، كذا قال بغير سند، وكأنه من أوهام شيخه الواقدي وقاسها في
إطعام أربعين وسقاً على أختها صفية".
وقد رُوي الحديث من طرق أخرى، فرواه ابن أبي عاصم في ((الآحاد
والمثاني)) (3/317) عن رجلٍ من بني شيبان.
قال: حدثنا ابن كاسب، قال: حدثنا عبدالله بن عبدالله الأموي، عن
إسحاق بن عبدالله، عن إسماعيل بن عبدالله الرَّبعي، عن أبيه، عن جدّه الشيباني،
قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أزوجك أميمة؟) فقلت: بلى،
فزوجنيها ولم يتشهد.
قلت: وهذا إسنادٌ مجهولٌ.
ورواه البزار عن عليّ السلمي: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ألا أنكحك أميمة بنت ربيعة بن الحارث؟) قال: بلى. قال: (قد أنكحتها).
قال الهيثمي في ((المجمع)) (4/288): "رواه البزار، وقال: لا
يعلم روى علي السلمي إلا هذا الحديث. وفيه جماعة لم أعرفهم".
وقال ابن حجر في الصحابة في القسم الرابع (5/281): "علي
السلمي، ذكره البزار في الصحابة فوهم، فأخرج في الوحدان من طريق يزيد بن عبدالرحمن
عن إسماعيل بن إبراهيم بن علي السلمي عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال له: ألا أزوجك بنت ربيعة بن الحارث، قال البزار: لا نعلم روي عن السلمي إلا
هذا الحديث بهذا الإسناد. انتهى. ووقع عنده فيه تحريف، وإنما هو إسماعيل بن
إبراهيم بن عباد، وقد تقدم في عباد على الصواب في القسم الأول".
قلت: كذا نقل ابن حجر، وكأن رواية البزار هي عن يزيد بن عياض
المدني، عن إسماعيل بن إبراهيم بن علي السلمي، عن أبيه، عن جده كما مر عند البخاري
في التاريخ، وعليه فيكون صاحب القصة هو عليّ السلمي، ولهذا ذكره البزار في
الصحابة، وهذا الإسناد مجهول كما مر.
فائدة:
متن هذا الحديث في مسألة التشهد أي خطبة التشهد عند عقد النكاح.
وذكر في المدونة (4/192) في باب (النكاح بغير بينة) أي بغير شهود،
حديث ابن وهب عن يزيد بن عياض، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عباد بن سنان، عن أبيه،
عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنكحك أميمة بنت ربيعة بن
الحارث؟) قال: بلى. قال: (قد أنكحتكها)، ولم يشهد.
فاعتمد رواية يزيد وفيها: (لم يشهد) فظنها أنه لم يُشْهِد على
نكاحها، وهذا خطأ، والصواب أنه (لم يتشهد)، أي يخطب، ولا علاقة لمسألة الشهود هنا.
·
هل ثبتت صحبة عبّاد والد أبي هبيرة؟!
قال البخاري (6/36): "عباد
الأنصاري عن أبيه: سمع النبي صلى الله عليه وسلم، قاله عبدالرحمن بن شريك عن أبيه
عن أشعث بن سوار عن يحيى بن عباد عن أبيه، وقال سعيد ابن سليمان عن حفص عن أشعث عن
أبي هبيرة عن جده شيبان رضي الله عنه: سمع النبي صلى الله عليه وسلم، في الكوفيين".
وقال ابن أبي حاتم (6/81):
"عباد بن شيبان والد يحيى بن عباد: سمع النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه
عبدالرحمن بن شريك عن أبيه عن أشعث بن سوار عن يحيى بن عباد عن أبيه: سمع النبي
صلى الله عليه وسلم، سمعت أبي يقول ذلك".
وقال الذهبي في ((الكاشف)) (1/530):
"عباد بن شيبان الأنصاري، له صحبة كأبيه، وعنه ابناه إبراهيم وأبو هبيرة.
ق".
وقال ابن حجر في ((التقريب))
(ص345): "عباد بن شيبان الأنصاري السلمي، بفتح السين، صحابي له حديثان.
ق".
وقال في الصحابة (3/617):
"عباد بن شيبان الأنصاري السلمي بفتحتين والد أبي هريرة يحيى بن عباد، تقدم
ما يتعلق به في ترجمة شيبان في الشين المعجمة، وذكره البخاري في التابعين، وقد خلط
بعضهم هذه الترجمة بالتي قبلها، والصواب المغايرة بينهما".
أي بينه وبين عباد الذي يروي عنه
ابنه إبراهيم.
قلت: لا تصح صحبة عباد والد يحيى،
وإنما هو تابعي، وقد خلط الذهبي بين الذي يروي عنه إبراهيم وبين هذا، وجزم ابن حجر
بصحبته!
وأما ما ذكره ابن أبي حاتم فإن
الحديث الذي ذكره له قد اختلف في إسناده كما بينه البخاري من خلال الترجمة له.
وقد رُوي عن عبّاد هذا حديث واحد
عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن صحت هذه الرواية فهو تابعي.
·
حديث اضطرب فيه ليث بن أبي سُليم، ووهم لابن حبان!
والحديث رواه ابن ماجه في
((السنن)) (1/84) عن محمد بن عبدالله بن نمير وعلي ابن محمد قالا: حدثنا محمد بن
فضيل، قال: حدثنا ليث بن أبي سليم، عن يحيى بن عباد أبي هبيرة الأنصاري، عن أبيه،
عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نضّر الله امرأً سمع
مقالتي فبلغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، - زاد
فيه علي بن محمد: ثلاث لا يغل عليهن: قلب امرئ مسلم، إخلاص العمل لله، والنصح
لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم)).
ورواه معمر عن ليث فخالف في
إسناده.
رواه ابن حبان في الثقات عن ابن
قتيبة، قال: حدثنا معمر، عن ليث بن أبى سليم، عن محمد الكوفي، عن زيد بن ثابت، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نضر الله امرأً سمع منا وبلغه كما سمعه، فرب حامل
فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)).
وقد ترجم ابن حبان لراويه في
الثقات (5/374)، فقال: "محمد الكوفي، شيخٌ يروي عن زيد بن ثابت، روى عنه ليث
بن أبي سليم". ثم ساق روايته.
قلت: هكذا اضطرب فيه ليث بن أبي
سليم، وهو ضعيف لا يحتج به. ومحمد الكوفي هذا مجهول لا يعرف إلا في هذه الرواية،
وهذا مما يؤخذ على ابن حبان في إيراده من لا يعرفون في ثقاته!
والحديث من طريق يحيى بن عباد عن
أبيه لا يعرف من حديث ليث، وهو غير محفوظ.
وحديث زيد بن ثابت محفوظ من طريق
عبدالرحمن بن أبان بن عثمان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه
وسلم.
رواه الترمذي في ((الجامع)) (5/33)
وحسّنه.
·
هل ثبتت صحبة شيبان جدّ أبي هبيرة؟!
وأما صحبة شيبان جدّ يحيى أبي
هبيرة فأثبتها بعض أهل العلم في كتبهم، وقد مر بعض ذلك.
وذكره في الصحابة ابن أبي عاصم
(الآحاد والمثاني: 5/112)، وابن قانع (معجم الصحابة: 1/340)، والترمذي (في تسمية
أصحاب النبي: ص59)، وغيرهم.
قال البخاري (4/252): "شيبان
الأنصاري جدّ يحيى بن عباد، أبو يحيى، روى عنه ابنه عباد. حدثنا سعيد بن سليمان:
حدثنا حفص، عن أشعث، عن أبي هبيرة، عن جدّه شيبان قال: دخلت المسجد، فإذا النبي
صلى الله عليه وسلم يتسحر، فتنحنحت. فقال أبو يحيى: أدنه، هلم الغداء. قلت: إني
أريد الصوم. قال: وأنا أريد الصوم، ولكن مؤذننا هذا في بصره شيء - أو قال سوء -
فأذن قبل طلوع الفجر.
وقال لي عبدالرحمن بن شريك: حدثنا
أبي: سمع الأشعث بن سوار، عن يحيى بن عباد الأنصاري، عن أبيه، عن جده، قال: غدوت
إلى بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم فأبصرت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى،
فقال: هلم إلى الغداء، قلت: أريد الصوم، قال: وأنا أريد الصوم ولكن مؤذننا هذا سيء
البصر، أذن قبل أن يصبح".
وقال مسلم في ((الكنى والأسماء))
(1/898): "أبو يحيى شيبان، جد أبي هبيرة، له صحبة".
وقال ابن حبان في ((الثقات))
(3/188): "شيبان أبو يحيى الأنصاري جد أبي هبيرة يحيى بن عباد، له صحبة، سكن
الكوفة".
وقال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب))
(2/706): "شيبان بن مالك الأنصاري ثم السلمي، يكنى أبا يحيى، هو جد أبي هبيرة
يحيى بن عباد بن شيبان، روى عنه ابنه عباد، وابن ابنه أبو هبيرة يحيى بن
عباد".
وقال الذهبي في ((المقتنى))
(2/143): "شيبان الأنصاري، له صحبة، وهو جد أبو هبيرة يحيى بن عباد".
وقد رُوي عنه هذا الحديث الواحد
فقط.
رواه حفص بن غياث وقيس بن الربيع،
عن أشعث بن سوار، عن أبي هبيرة يحيى بن عباد، عن جدّه شيبان قال: دخلت المسجد،
الحديث.
ورواه شريك ومروان أبو جنادة، عن
أشعث، عن يحيى بن عباد بن شيبان الأنصاري، عن أبيه، عن جده.
قال ابن حجر بعد أن ذكر أسانيده في
((المطالب العالية)) (6/118): "قلت: والأول أشبه بالصواب".
وقال البيهقي في ((السنن الكبرى))
(4/218): "والحديث تفرد به أشعث بن سوار! فإن صح فكأن ابن أم مكتوم وقع
تأذينه قبل الفجر فلم يمتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأكل، وعلى هذا الذي
ذكرنا تتفق الأخبار ولا تختلف، وبالله التوفيق".
قلت: أشعث بن سوّار الأثرم الكوفي
ضعيف الحديث من بابة ليث بن أبي سليم وواصل ابن السائب وأشباههم، ولا يحتج به!
كان يحيى بن معين وعبدالرحمن لا
يحدثان عنه، وخطّ عبدالرحمن بن مهدي على حديثه، وكان سيء الأخذ.
قال أحمد في ((العلل ومعرفة
الرجال)) (1/391): قال زهير: رأيت أشعث بن سوار عند أبي الزبير قائماً دونه الناس،
وأبو الزبير يحدّث، فيقول أشعث: كيف قال؟ وأيش قال؟
وذكره ابن عدي في الضعفاء (1/373)،
ثم قال: "ولم أجد لأشعث فيما يرويه متناً منكراً، إنما في الأحايين يخلط في
الإسناد ويخالف".
قلت: هذا الحديث لم يخالف فيه
أحداً، وإنما تفرد به! وفي متنه نكارة، فلا يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما
جاء فيه: (ولكن مؤذننا هذا في بصره شيء أو قال سوء، فأذن قبل طلوع الفجر)!!
والراجح عندي أن شيبان جد يحيى أبي
هبيرة لا صحبة له، ولو كانت له صحبة لصرّح بها حفيده ولو مرة واحدة في حياته لما
في ذلك من شرف عظيم له ولأهله، والله أعلم وأحكم.
وكتب: خالد الحايك.
3 رمضان 1429هـ
3/9/2008م.
شاركنا تعليقك