سلسلة (السَّيف الذهبي الحادّ القاطع لسرقات الحلبي) (3)
«المُعْلِم» بسرقة عليّ حلبيّ لما كتبه د. الطوالبة حول «مُعلقات صحيح
مسلم»!
بقلم: خالد الحايك.
بِسم
الله الرّحمن الرّحيم
الحمدُ للهِ
وَليِّ المتقينَ، وفاضح المنافقينَ والسّراقينَ، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ
المتقين، وقائد الغرّ الميامين، وبعد:
فهذا هو
اللقاء الثالث مع سرقةٍ لزعيم (عصابة السرّاق المتحدة) - كما سماها الأخ وائل
البتيري-.
- (زعيم)...
لأنه هو الذي يتحدّث باسم العصابة...
- (عصابة)...
تتكون من عدة أشخاص، والمشهورون بالسرقة: عليّ ومشهور وسليم...
شهد عليّ
ومشهور على سليم بالسرقة... فانتهى أمره...
- (متحدة)...
لأنهم قد اتحدوا في سرقاتهم وكانوا يعرفون عن بعضهم...
زعمَ الأتباع
بسندٍ مجهولٍ أنّ ابن عُثيمين - رحمه الله- قال عن الزعيم: "سلوا ذاك
البحر"!!
وفي الإسناد
رجلٌ (أعجمي)! فإن صحت القصة فيكون ابن عثيمين قال: "سلوا ذاك البَخْر"
بالمعجمة!
والبَخَرُ:
ريحٌ كريهةٌ من الفَم، وهو: النَّتْنُ. يُقال: بَخِرَ الرجل فهو أَبْخَرُ.
قالت امرأة:
إني بُليتُ
بِعذْيَوْطٍ به بَخَرٌ // يكادُ يَقتُلُ مَن ناجاهُ إنْ كَشَرا
وزعموا بسندٍ مجهولٍ
أيضاً أن الشيخ الألباني - رحمه الله- سُئل قبل موته: من نسأل بعدك. فقال:
"الحافظ عليّ الحلبيّ"!!
فهل من يحمل
هذه الألقاب (البحر... الحافظ... المحدّث... الأثري... كما يلقبه أتباعه!) يسرق
ويكذب؟!
فليُجِب
الأتباع؟!
وإذْ سألتَ
السَّارقين عن الهـوى // قالوا: زعيم السارقين قد اكتــــــوى
حلبيُّ
رأسُهمُ ومشـهور كــــــذا // وسليـــمُ قد أَكَلاه حين قد التـــــــوى
يا ليتَ أَيامُ
الصبــابةِ عندنــــــا // تُخبِركَ ما في القلبِ حين قد اجتوى
تُخبِرْك عن
أيامهم وزمـانـــهم // عن سِفْرِهِم بين الأنام ومـا احتــوى
إنها لا تعمى
الأبصار ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدور.
هذه السرقة من
(الزعيم) لجزءٍ من كتاب الدكتور محمد الطوالبة: ((الإمام مسلم ومنهجه في صحيحه))،
وكانت رسالته في الدكتوراة/ المرحلة الثالثة، كلية الزيتونة/الجامعة التونسية،
1988م. وسأعتمد على الطبعة الثانية التي أصدرتها دار عمّار/عمّان، سنة (2000م).
قام الزعيم
باستعارة فصل من فصول كتاب الدكتور ونسبه لنفسه في كتاب سماه: ((تغليق التعليق على
صحيح مسلم))، وطبعته دار الهجرة بالرياض سنة (1412هـ-1991م). [جميع الحقوق محفوظة
لدار الهجرة]!!!
وقد أشار أحد
أفراد العصابة (مشهور) في كتابه المسروق (الإمام مسلم ومنهجه في الصحيح) (2/591)
في حاشية (1) إلى كتاب الدكتور الطوالبة ثم ثنى بكتاب حلبيّ! وهو يعلم أنّ الثاني
مسروق من الأول! بل هو نفسه قد سرق كتاب الدكتور بتمامه، وقد بيّنا ذلك – ولله
الحمد – في كتاب مفرد سمّيناه: (الدّلائلُ الواضحات في سَرقة (مشهور) لكتاب
الدكتور الطّوالبة (ثلاث مرات)!
فها هما اثنان
من أقطاب (الأثرية) يتعاونان على سرقة كتاب! والله عزّ وجلّ يقول: {وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].
أليست سرقة
جهود الآخرين والانتفاع بها مادياً من التعاون على الإثم والعدوان؟! وأين تقوى
الله؟! نسأل الله السلامة.
جاء كتاب
الزعيم في (73) صفحة من القطع الصغير مع (الخط المنفوخ)! وأول (25) صفحة منه في
معنى التعليق وعن حياة الإمام مسلم! جمعها من بعض الكتب! ثُمّ أتى بوصل المعلقات
وقسّمها إلى أقسام وهذى هذياناً يدلّ على أنه لا يدري ما الذي يخرج من رأسه، ولا
يَعي ما يقول!!
·
تفصيل السرقة:
1- قال حلبي (ص7-8):
"إن تصنيف كثير من أهل العلم في مسائل علمية مفردة أمر معهود مشهور؛ لما فيه
من إلقاء الضوء على أهمية تلك المسألة التي أفردت في البحث والدراسة والتأليف.
وكذا عناية علماء الأمة بالصحيحين، وشدة الاهتمام بهما، كانت عظيمة فائقة؛ بذلوا
فيها كبير جهدهم، وعميق دراستهم. وسيراً مني على سننهم، وجرياً على هديهم واتباعاً
لطرائقهم؛ صنفت هذا الجزء؛ لما فيه من استمرار للجهود العلمية المبذولة حول
الصحيحين؛ دراسة، وتدقيقاً؛ جمعت فيه الأحاديث التي علّقها الإمام مسلم في صحيحه،
ثم ذكرت من وصلها... سائلاً الله العلي الأعلى أن ينفع بهذا الجزء، وأن يكتب لي
الأجر والثواب؛ إنه سبحانه السميع الوهاب"انتهى.
قلت: سبحان الله! يُقارن نفسه
بالعلماء الكبار! ويدّعي أنه يسير على سننهم وهديهم!! فهل كان هؤلاء يسرقون الكتب
من غيرهم وينسبونها لأنفسهم؟!! ثُمّ بعد ذلك يدعو الله أن ينفع بجزئه المسروق وأن
يكتب له الأجر والثواب! فهل يكتب الأجر والثواب على السرقة؟!!
2- ذكر (ص27) عنواناً: ((القسم الأول: ما علّقه
ووصله في كتابه نفسه))، ثُم قال في الحاشية: "سيلاحظ القارئ فيما يأتي أن
كلام العلماء في هذا منصبٌّ على المتون، وإنما دققتُ الكلام في هذا الجزء على
الأسانيد والرواة الذي عُلِّق عنهم، فأورد من وصله من طريقهم، وهو – ولله الحمدُ –
ما لم يُفعَل على هذا النسق بهذا الشمول من قبل، والله أعلم".
قلت:
أولاً: هذه
الأحاديث المعلقة التي ذكرها حلبيّ زعم أن مسلماً وصلها في كتابه، وهذا زعمٌ
باطلٌ![1] وهو لا يفهم ولا يعي ما يقول!
فهذه الأحاديث التي ذكرها لم يصلها مسلم من الطريق نفسها التي علقها على بعض
الشيوخ، فكيف يصح قوله: "ما علقه ووصله في كتابه نفسه"؟!! وإنما وصلها
غيره من طريق ذلك الشيخ الذي علّق عنه كما يفعل البخاريّ في صحيحه.
ثانياً: هذا
التدقيق الذي زعمه لنفسه وأن العلماء قبله إنما انصب كلامهم على المتون كذبٌ
وافتراءٌ!! فإنّ بعض شرّاح مسلم تكلموا على وصل بعضها، بل إن الرشيد العطّار أفرد
كتاباً خاصاً في هذا سماه: ((غُرر الفوائد المجموعة)) وقد أشار حلبي إليه في مقدمة
كتابه (ص19) وقال: "ولقد رأيت نسخة خطية مصورة من كتابه – وفيها خرم – في
خزانة كتب فضيلة الأخ الشيخ ربيع بن هادي في المدينة النبوية".
قلت: فطالما أنك رأيتها يا حلبي،
وأظنك قد صورتها - والله أعلم - فلم لم تقرأها وترى ما فيها! لا أن تدعي هذا الزعم
الذي زعمته!!
فإن اعترض
معترض بأن حلبي قال: "ما لم يفعل على هذا النسق بهذا الشمول"، نقول له:
هذا ما فعله الرشيد العطار، وكذلك فعل الدكتور الطوالبة الذي سرق حلبي ما جمعه،
والفارق بينهما أن حلبيّ أراد أن يقسّم هذه المعلقات إلى أقسام ليبعد عنه تهمة
السرقة، فأتى بطامات كما أشرت في (أولاً) بزعمه أن مسلماً وصل هذه المعلقات في
كتابه نفسه! وهو لم يفهم معنى المعلقات والوصل؛ لأن المعلَّق يجب أن يُوصل من نفس
الطريق التي عُلق منها، كما كان يفعل الحافظ ابن حجر في ((تغليق التعليق))، والذي
زعم حلبي أنه سمى كتابه كذلك مقتدياً به في مقدمة كتابه (ص8) حاشية.
وأما طريقة د.
الطوالبة فإنه أفصح عنها في كتابه (ص276) فقال: "وبعد حصري وتتبعي ودراستي
للمعلقات في مسلم أقوم بعرضها مجتمعة محصاة متتابعة حسب تسلسل ورودها في الكتاب
كما فعل ابن الصلاح في كتابه ((صيانة صحيح مسلم)) مبيناً منهج مسلم فيها".
3- قال حلبيّ (ص27): "الحديث الأول: قال
الإمام مسلمٌ في ((صحيحه))، كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدِّين، (رقم
1558) (...): ((وروى الليث بن سعدٍ: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبدالرحمن بن هُرمز
عن عبدالله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك أنه كان له مالٌ على عبدالله بن أبي
حدرد الأسلمي، فلقيه، فلزمه، فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما، فمرَّ بهما رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا كعبُ!))، فأشار بيده؛ كأنه يقولُ النصف، فأخذ
نصفاً مما عليه، وتَرك نِصفاً)).
قلت: وقد رواه مسلمٌ رحمه الله في الموضع نفسه
قبل هذا [حاشية: انظر: تدريب الراوي 1/117] من طريقين عن يونس عن الزهري عن
عبدالله بن كعب بن مالك.
الأول: قال (1558) (20): ((حدثنا حرملة بن
يحيى: أخبرنا عبدالله بن وهب: أخبرني يونس: (فذكره مطولاً)).
الثاني: قال (1558) (21): ((وحدثنا إسحاق بن
إبراهيم: أخبرنا عثمان ابن عمر: أخبرنا يونس...)). فذكره مختصراً، وقال: ((بمثل
حديث ابن وهب)).
وقد روى الحديث - أيضاً - البخاريّ في
((صحيحه)) (457 و2418 و2710) عن عبدالله بن محمد عن عثمان بن عمر عن يونس به.
ورواه (2424) عن يحيى بن بكير: حدثنا الليث عن
جعفر بن ربيعة عن عبدالله بن هرمز عن عبدالله بن كعب به.
ورواه (2710) معلقاً؛ قال: ((وقال الليث: حدثني
يونس عن ابن شهاب...))" انتهى كلامه.
قلت:
قال د.
الطوالبة (ص282): "7- قول مسلم: وروى الليث بن سعد: حدثني جعفر ابن ربيعة، عن
عبدالرحمن بن هُرمز، عن عبدالله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك، أنه كان له مالٌ
على عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي، فلقيه، فلزمه، فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما،
فمرَّ بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا كعبُ))، فأشار بيده؛ كأنه
يقولُ النصف، فأخذ نصفاً مما عليه، وتَرك نِصفاً. [حاشية: مسلم – الصحيح: 3/1193
كتاب المساقاة – باب استحباب الوضع من الدين].
فهذا الحديث
أورده مسلم متصلاً من طريقين قبل هذا، ثم أتبعهما بقوله – في هذا الطريق -: وروى
الليث... متابعة واستشهاداً. قال السيوطي: وفيه [أي صحيح مسلم] موضعان في الحدود
والبيوع رواهما بالتعليق عن الليث بن سعد بعد روايتهما بالاتصال [حاشية: السيوطي –
التدريب: 1/117].
وهذا الحديث
رواه البخاري في صحيحه متصلاً، عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن جعفر بن ربيعة
بإسناده المذكور هنا. ورواه النسائي عن الربيع بن سليمان، عن شعيب بن الليث، عن
أبيه، عن جعفر بن ربيعة كذلك" انتهى كلامه.
قلت: فأيّ فرق
بين كلام حلبيّ وكلام الدكتور؟! فحلبي ذكر التوثيق في بداية الحديث وذكر الرقم،
والدكتور وثّق بالحاشية وذكر الجزء والصفحة، وانظر الحاشية التي ذُكر فيها تدريب
السيوطي!
وقد تكلّم الرشيد العطار على هذا الحديث في كتابه ((الغُرر)) وهو
عنده الحديث السابع، وساقه من بعض الطرق الأخرى غير طريق الليث ثم ذكر أن البخاري
وصله عن الليث، ثم قال: "وبهذا ثبت صحة الحديث في صحيح مسلم وغيره من طرق
أخرى، ويثبت اتصاله من طريق الليث في صحيح البخاري، والحمد لله"[2].
تنبيه: هذه الأبواب التي ذكرها حلبيّ
عند الإمام مسلم وتابع فيها غيره، إنما هي من صُنع الإمام النووي، وليست من الإمام
مسلم، وكان الأولى بحلبيّ أن ينبّه على هذا!!
4- قال حلبيّ (ص29): "الحديث الثاني: قال
الإمام مسلم في كتاب الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا - بعد روايته (1691م)
(16) حديث أبي هريرة في رجم الذي اعترف على نفسه بالزنى -؛ قال: ((ورواه الليث
أيضاً عن عبدالرحمن بن مسافر عن ابن شهاب؛ بهذا الإسناد مثله)).
وذكر ابن الصلاح في ((صيانة صحيح مسلم)) (ص80)
أنه ذكر هذا متابعة لما رواه موصولاً.
فهو رواه موصولاً بإسنادٍ، ثم علّقه من طريق
آخر يلتقي مع الإسناد السابق نفسه. ورواه البخاري في ((صحيحه)) (6825)؛ قال:
((حدثنا سعيد بن عفير؛ قال: حدثني الليث: حدثني عبدالرحمن بن خالد: فذكره)). فوصلَ
الطريق التي علقها مسلمٌ نفسها" انتهى كلامه.
قلت:
قال د.
الطوالبة (ص284): "9- قول مسلم: ورواه الليث أيضاً، عن عبدالرحمن بن خالد بن
مسافر، عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله. [حاشية: مسلم – الصحيح: 3/1318 كتاب الحدود
- باب من اعترف على نفسه بالزنا]. فأورده مسلم متابعة واستشهاداً لما رواه قبل ذلك
متصلاً [حاشية: انظر: ابن الصلاح - الصيانة: 80] من طريق ابن شهاب في قوله صلى
الله عليه وسلم: ((أبك جنون؟)) قال: لا..." انتهى.
قلت: وهذا
سرقه حلبيّ من د. الطوالبة. وزاد عليه وصل البخاري له عن الليث.
وقد أشار
الرشيد العطار في كتابه أن البخاري وصله عن الليث، وأن عبدالرحمن بن خالد هذا ليس
من شرط مسلم.
قال في الحديث
الثاني عشر عنده: "وهذا أيضاً حديث متصل في الصحيحين من طرق عن الزهري رواه
مسلم عن عبدالملك بن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه عن جده عن عقيل عن الزهري
بإسناده المذكور متصلاً، ثم قال: ورواه الليث أيضاً عن عبدالرحمن بن خالد بن مسافر
عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله.
قلت: وقد تقدم
الجواب عن مثل هذا في الكلام على الحديث العاشر من هذه الأحاديث وبينا أن
عبدالرحمن بن خالد هذا ليس من شرط مسلم فلا يلزمه إخراج حديثه وإن كان ثقة قد أخرج
له البخاري في صحيحه واحتج بحديثه إلا أن لكل واحد منهما اجتهاداً يرجع إليه
وانتقاداً في الرجال يعول عليه. ومع ذلك فالحديث متصل أيضاً في صحيح البخاري من
طريق الليث بن سعد عن عبدالرحمن بن خالد"، ثم ساقه[3].
5- قال حلبيّ (ص31): "الحديث الثالث: قال
الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى
هي صلاة العصر؛ بعد عدة روايات آخرها (630) (208): ((حدثنا إسحاق بن إبراهيم
الحنظليُّ: أخبرنا يحيى بن آدمَ: حدثنا الفُضيلُ بن مرزوقٍ عن شقيق بن عقبةَ عن
البراءِ بن عازبٍ؛ قال: نزلت هذه الآية (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر)،
فقرأنَاها ما شاء الله، ثم نسخها الله، فنَزَلت: {حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى}، فقالَ رجلٌ كان جالساً عند شقيقٍ له: هي إذن صلاة العصر، فقال البراء: قد
أخبرتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله، والله أعلم)).
فقال مسلمٌ رحمه الله: ((ورواهُ الأشجعيُّ عن
سفيانَ الثوريِّ عن الأسود بن قيس عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازبٍ؛ قال:
قرأناها مع النبي صلى الله عليه وسلم زماناً؛ بمثل حديث فضيل بن مرزوقٍ)).
وقال الحافظ ابنُ حجرٍ في ((النُّكت الظراف))
(2/20): ((وصله عثمان ابن سعيد الدارمي عن إبراهيم بن أبي الليث عن الأشجعي.
وأخرجه أبو عوانة في ((مستخرجه)) [1/354] عن موسى بن سعيد عن إبراهيم بن أبي
الليث. وكذا أخرجه أبو نُعيم من طريق إبراهيم. ورويناه في الجزء الخامس من ((فوائد
المزكّي)) من طريقه. وتابعه مِهران بن أبي عمر الرازي عن سفيان الثوري. ولم يروه
عن سفيان غيرهما)).
وذكر ابن الصلاح في ((الصيانة)) (ص80) أنه ذكر
هذا استشهاداً ومتابعةً" انتهى كلامه.
قلت:
قال د.
الطوالبة (ص280): "4- قول مسلم: ورواهُ الأشجعي، عن سفيان الثوري، عن الأسود
بن قيس، عن شقيق بن عقبة، عن البراء بن عازب، قال: قرأناها مع النبي صلى الله عليه
وسلم زماناً. بمثل حديث فضيل ابن مرزوق. [حاشية: مسلم – الصحيح: 1/438 كتاب
المساجد ومواضع الصلاة – باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر].
وبالرجوع إلى
حديث ابن مرزوق نجد أن مسلماً أخرجه قبل هذا، وصورته من مبدأ السند: حدثنا إسحاق
بن إبراهيم الحنظليُّ، أخبرنا يحيى بن آدمَ، حدثنا الفُضيلُ بن مرزوق، عن شقيق بن
عقبة، عن البراءِ بن عازب، قال: نزلت هذه الآية ((حافظوا على الصلوات وصلاة
العصر))، فقرأنَاها ما شاء الله ثم نسخها الله، فنَزَلت: ((حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى)) فقالَ رجلٌ - كان جالساً عند شقيق - له: هي إذن صلاة العصر، فقال
البراء: قد أخبرتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله، والله أعلم.
فقد أورد مسلم
هذا الحديث موصولاً وساق المتن بتمامه، ثم قال على وجه المتابعة والاستشهاد له:
ورواه الأشجعي، عن سفيان [حاشية: انظر: ابن الصلاح - الصيانة: 80]... واختصر
المتن" انتهى كلامه.
قلت: فكلام حلبيّ هو نفسه كلام
الدكتور، وزاد حلبيّ ما قاله ابن حجر في ((النكت الظراف)) وهو وصل الدارمي له عن
الأشجعي، فأين وصل مسلم هذا التعليق عن الأشجعي كما ذكر حلبي في عنوان هذا
القسم؟!!
والحديث رواه
البيهقي في ((السنن الكبرى))[4] عن أبي عبدالله الحافظ وأبي
زكريا ابن أبي إسحاق المزكي، قالا: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس
الطرائفي، قال: حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الليث.
[ح] وعن أبي الحسين ابن بشران، عن أبي بكر محمد بن عبدالله الشافعي، قال: حدثنا
إسحاق ابن الحسن، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الليث، قال: حدثنا الأشجعي.
وقال الرشيد
العطار في ((الغُرر)) (الحديث الرابع): "قلت: وهذا إسناد حسن متصل، وليس
لشقيق بن عقبة ذكر في صحيح مسلم إلا في هذا الحديث فيما علمت. وأخرجه الحافظ أبو
علي بن السكن المصري في جمعه حديث الثوري، فرواه عن رجل عن عثمان بن سعيد الدرامي
بهذا الإسناد، وقال عقيبه: لم يسند شقيق بن عقبة غير هذا الحديث، والله عزّ وجلّ
أعلم"[5].
6- قال حلبيّ (ص33): "الحديث الرابع: قال
الإمامُ مسلمٌ في كتاب الإمارة، باب: خيار الأئمة وشرارهم، (1855) (66) (...)؛
عَقِبَ حديث: ((خِيارُ أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم...))، إذ رواه من طرقٍ:
الأول: عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن عيسى بن
يونس عن الأوزاعي عن يزيد بن يزيد بن جابر عن رُزيق بن حيَّان عن مسلم بن قَرظة عن
عوف ابن مالكٍ... (فذكره).
الثاني: عن داود بن رُشيد عن الوليد بن مسلمٍ:
حدثنا عبدالرحمن بن يزيد ابن جابر عن رزيقٍ به.
الثالث: عن إسحاق بن موسى الأنصاري عن الوليد
بن مسلمٍ: حدثنا ابن جابر بهذا الإسناد.
فقال الإمامُ مُسلمٌ: ((ورواه معاوية بن صالحٍ
عن ربيعة بن يزيد عن مسلم ابن قرظة عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم
بمثله)).
وذكر ابن الصلاح في ((الصيانة)) (ص80-81) أنّه
علّقه متابعةً لما رواه متصلاً.
قلت: وقد وقفت عليه من الطريق نفسه: فقد أخرجه
الطبراني في ((المعجم الكبير)) (18/52/ رقم 115)؛ قال: ((حدثنا بكر بن سهلٍ: حدثنا
عبدالله ابن صالح: حدثني معاوية بن صالح: (فذكره)).
وأخرجه البخاري في ((التاريخ الكبير))
(7/280-271 (!)؛ قال: ((قال لنا أبو صالحٍ: حدثنا معاوية: فذكره)) انتهى.
قلت:
أولاً:
قال د.
الطوالبة (ص284): "قوله: ورواه معاوية بن صالح، عن ربيعة ابن يزيد، عن مسلم
بن قرظة، عن عوف بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله [حاشية: مسلم –
الصحيح: 3/1482 كتاب الإمارة – باب خيار الأئمة وشرارهم].
وهذا أيضاً
أورده متابعة لما رواه متصلاً [حاشية: ابن الصلاح – الصيانة: 80] قبل ذلك من
طريقين عن مسلم بن قرظة، عن عوف بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((خياركم
أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم)) انتهى.
قلت: زاد
حلبيّ وصل الحديث عند الطبراني والبخاري في التاريخ. والتوثيق عنده من الطبراني:
(18/52) والصواب: (18/62)، وعند البخاري: (7/280-271 (!)! والصواب: (7/270-271).
ورواه
الطبراني أيضاً في ((مسند الشاميين)) عن بكر بن سهل عن عبدالله ابن صالح[6].
ومن طريق
الطبراني رواه المزي في ((تهذيب الكمال))[7]
ترجمة ((رُزيق بن حيّان)).
ورواه أبو
عوانة في ((مستخرجه))[8] عن السلمي قال: حدثنا أبو صالح،
قال: حدثني معاوية بن صالح، به.
ورواه الخطيب
البغدادي في تاريخه[9] من طريق ليث بن سعد، عن معاوية
ابن صالح به.
وهذه متابعة
لأبي صالح عن معاوية.
ثانياً: ذكر
حلبيّ أن مسلماً رواه من ثلاث طرق وساقها! وهذا غير صحيح، وإنما هما طريقان فقط؛
لأن الثانية والثالثة هما طريق واحدة مدارها على الوليد بن مسلم.
قال الرشيد
العطار في ((الغرر)) (الحديث الثالث عشر): "خيار أئمتكم الذين تحبونهم
ويحبونكم الحديث، فأورده من طريقين متصلين عن رزيق بن حيان عن مسلم بن قرظة
بإسناده الذي ذكرناه، ثم قال عقيبه: ورواه معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن
مسلم بن قرظة عن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث متصل في كتاب مسلم
كما بيناه وذكر المتابعة بعد إيراده متصلاً يؤيده ولا يوهنه"[10].
7- قال حلبيّ (ص34-35): "الحديث الخامس:
قال الإمام مسلم في ((صحيحه)) كتاب الفضائل، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا
تأتي مائة سنة...)) (2537) (...) بعد روايته للحديث عن محمد بن رافعٍ وعبد بن
حميدٍ عن عبدالرزاق عن مَعمرٍ عن الزهريّ عن سالمٍ وأبي بكر بن سليمان عن ابن عمر...
قال رحمه الله: ((ورواه الليث عن عبدالرحمن بن
خالد بن مسافر كلاهما – يريد شعيباً - عن الزهري بإسناد معمر كمثل حديثه)).
قلت: وهذه الرواية وصلها البخاري في ((صحيحه))
(116)؛ قال: ((حدثنا سعيد بن عفير؛ قال: حدثني الليث؛ قال: حدثني عبدالرحمن بن
خالد: فذكره)).
وقد أشار إلى رواية مسلم هذه ابن الصلاح في
((الصيانة)) (ص79-80)" [حاشية: ولم يذكر هذا الحديث الحافظ ابن حجر في
((النكت على ابن الصلاح)) (2/352)! ولم يذكره - كذلك - محمد عبدالرحمن الطوالبة في
أُطروحته ((الإمام مسلم ومنهجه)) (ص255)!] انتهى.
قلت:
أولاً:
قال د.
الطوالبة (ص285-286): "قول مسلم: ورواه الليث، عن عبدالرحمن ابن خالد بن
مسافر كلاهما عن الزهري بإسناد معمر كمثل حديثه [مسلم - الصحيح: 4/1966 كتاب فضائل
الصحابة - باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة
اليوم].
فهذا الطريق
رواه معلقاً وعطفه للمتابعة والاستشهاد على ما رواه قبل ذلك متصلاً مرفوعاً من
طريق معمر، عن الزهري... ((أرأيتكم ليلتكم هذه...))" انتهى.
قلت: زاد
حلبيّ وصل البخاري لرواية الليث عن عبدالرحمن بن خالد.
ورواه ابن
حبان في ((صحيحه))[11] قال: أخبرنا عمر بن محمد بن
عبدالرحيم البرقي: حدثنا ابن عفير: حدثنا الليث بن سعد، عن عبدالرحمن بن خالد بن
مسافر به.
ثانياً: إشارة
ابن الصلاح لها في الصيانة هو نفسه ما ذكره د. الطوالبة من قوله للمتابعة
والاستشهاد؛ لأن هذا القول هو قول ابن الصلاح، ولكن نسي الدكتور توثيق ذلك[12].
ثالثاً: قول
حلبيّ في الحاشية: "ولم يذكره ابن حجر في النكت على ابن الصلاح (2/352)!،
صواب توثيقه هو: (1/352)، ولم يذكر حلبي أن محقق النكت ربيع المدخلي أشار إلى أن
الحافظ سها عن ذكر هذا الحديث.
قلت: وإنما
قال الشيخ ربيع ذلك؛ لأن ابن حجر نفسه أشار إليه في بداية كلامه (1/ص344) فقال:
"وفيه أمور: الأول: فيه بقية أربعة عشر. ليس فيه عند الرشيد... أورد منها
حديثاً مكرراً وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما – ((أرأيتكم ليلتكم
هذه))...".
بل إن حلبي
نقل هذا في مقدمة كتابه (ص19)!!!
رابعاً: قول
حلبي أيضاً: "ولم يذكره - كذلك - محمد عبدالرحمن الطوالبة في أطروحته
((الإمام مسلم ومنهجه)) (ص255)!" ليس بصحيح! فإنه ذكره كما نقلت عنه سابقاً.
وعلى فَرْض أن
د. الطوالبة لم يذكره، فيفهم من كلام حلبيّ أن ما عدا ذلك مما ذكره من أحاديث
ذكرها الدكتور في كتابه، فلمَ لم يذكر ذلك في مقدمة كتابه؟!!
8- ذكر حلبيّ عنواناً: (القسم الثاني: ما علقه
ولم يوصله في كتابه) (ص37)، ثم قال: "وهو حديث واحد فقط: الحديث السادس:
قال الإمام مسلم في ((صحيحه))، كتاب الحيض، باب
التيمم (369) (114): ((وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبدالرحمن بن هُرمز
عن عُميرٍ مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبدالرحمن بن يسارٍ - مولى
ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم - حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث بن
الصِّمَّة الأنصاري، فقال أبو الجهم: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو
بئر جمل، فلقيه رجلٌ فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، حتى
أقبل على الجدار، فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام)).
قلت: وقد وصله البخاري في ((صحيحه)) (337)؛
قال: ((حدثنا يحيى ابن بكير؛ قال: حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة: فذكره)).
ورواه الإمام أبو داود في ((سننه)) (رقم 329)
عن عبدالملك بن شعيب ابن الليث بن سعد عن أبيه عن جدّه به.
ورواه الإمام النسائي في ((سننه)) (رقم 311) عن
الربيع بن سليمان عن شعيب ابن الليث به.
وها هُنا تنبيهات:
الأول: قال أبو علي الجَيَّاني في ((تقييد
المهمل)) (2/154/أ): ((هكذا وقع في النسخ عن أبي أحمد الجُلوديّ، والكسائي، وابن
ماهان: أقبلت أنا وعبدالرحمن بن يسار، وهو خطأ، والمحفوظ: أقبلت أنا وعبدالله بن
يسار)) [حاشية: وفي فتح الباري (1/442) قال: ((وهو وهم، وليس له في هذا الحديث
رواية، ولهذا لم يذكره المصنفون في رجال الصحيحين))].
الثاني: وقع في رواية مسلم: ((أبي الجهم))، والصواب:
((أبي الجُهَيم))؛ بالتصغير؛ كما في رواية البخاري وغيره [حاشية: كما قال الحافظ
في ((الفتح)) (1/442)، والنووي في ((شرح مسلم)) (4/63)].
الثالث: قال الحافظ ابن حجر في ((النكت على ابن
الصلاح)) (1/353) مُعقباً على قول العراقي: ((إنه ليس في مسلم بعد المقدمة حديث
معلّق لم يوصله من طريق أخرى إلا حديث أبي الجهيم))، فقال رحمه الله: ((هذا صحيح
بقيد التعليق، لكن قد بيّنا أن الذي بصيغة التعليق إنما هو ستة لا أكثر. أما على
رأي الجياني ومن تبعه في تسميتهم المبهم منقطعاً؛ فإن فيها حديثين آخرين لم
يوصلهما في مكان آخر)).
الرابع: علَّلَ الشيخ محمد عوَّامة (!) تعليق
مسلم لهذا الحديث بأنه ((قصد الإشارة إلى الوهمين السابقين فيه))! [حاشية: الإمام
مسلم وصحيحه (ص110)، محمود فاخوري].
وهذا بعيدٌ، وليس فيه حجّة؛ لأنه من المعروف في
منهج الإمام مسلم رحمه الله في ((صحيحه)) أنه إذا أورد إسناداً فيه خطأ؛ لم يكتف
بالإشارة، بل تراه يُنبّه عليه – غالباً- ويُصرّح به؛ كقوله – مثلاً – في حديث
(1471) (14) (...)، كتاب الطلاق، باب: تحريم [طلاق] [سقطت من حلبيّ] الحائض:
((وحدثنيه محمد بن رافع: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه
سمع عبدالرحمن بن أيمن مولى عروة: فذكره)).
فقال الإمام مسلم معقباً: ((أخطأ حيث قال:
عروة؛ إنما هو مولى عَزَّة)).
وهذا معروف من منهجه رحمه الله" [حاشية:
انظر: الإمام مسلم ومنهجه في صحيحه (ص247)، تأليف: محمد بن عبدالرحمن الطوالبة،
رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة الزيتونة، تونس] انتهى.
قلت:
هذا كلّه -
باستثناء ما نقله عن أبي علي الجياني - كلام د. الطوالبة، حتى ما نقله عن الشيخ
محمد عوامة عن كتاب فاخوري! وكذلك الحواشي، وليس لحلبي إلا التنسيق فقط [أي من
يشتغل عنده ينسق له]، والسرقة!!
قال د.
الطوالبة (ص276-278): "1- قال مسلم: وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن
عبدالرحمن بن هُرمز عن عُميرٍ مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبدالرحمن
بن يسارٍ - مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم - حتى دخلنا على أبي الجهم
بن الحارث بن الصِّمَّة الأنصاري، فقال أبو الجهم: أقبل رسول الله صلى الله عليه
وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجلٌ فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم
عليه، حتى أقبل على الجدار، فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام [حاشية: مسلم –
الصحيح: 1/281 كتاب الحيض – باب التيمم].
وهذا الحديث
الوحيد الذي لم يوصل مسلم إسناده كما تقدم نقله عن العراقي والسيوطي. وفي قول
العراقي: ولا أعلم في مسلم بعد مقدمات الكتاب حديثاً لم يذكره تعليقاً غير هذا
الحديث [حاشية: العراقي – شرح الألفية: 1/72]. إشعار بأنه لم يجعل في جملة المعلق
ما رواه من ذلك متصلاً.
وهذا الحديث
قد أسنده البخاري عن يحيى بن بكير، عن الليث. وأسنده النسائي عن الربيع بن سليمان
عن شعيب بن الليث، عن الليث.
قال البخاري:
حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، قال: سمعت عميراً
مولى ابن عباس، قال: أقبلت أنا وعبدالله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله
عليه وسلم حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهيم:
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل... السلام [حاشية: البخاري –
الصحيح (فتح الباري): 1/441 كتاب التيمم – باب التيمم في الحضر...].
فالحديث عند
مسلم فيه خطأ ووهم من وجهين:
الأول: في أبي
الجهم والصواب أنه بالتصغير [الجهيم] كما رواه البخاري وغيره [حاشية: انظر: ابن
حجر - فتح الباري: 1/442، النووي - شرح صحيح مسلم: 4/62].
الثاني: في
عبدالرحمن بن يسار وهو وهم أيضاً، والصواب، عبدالله بن يسار [حاشية: انظر: ابن حجر
– فتح الباري: 1/442 – شرح صحيح مسلم: 4/63] كما رواه البخاري والنسائي وأحمد
وغيرهم [حاشيتان: النسائي – السنن: 1/156 كتاب الطهارة – باب التيمم في الحضر.
أحمد – المسند: 4/169]. فليس لعبدالرحمن بن يسار في هذا الحديث رواية، ولهذا لم
يذكره المصنفون في رجال الصحيحين [حاشية: انظر: ابن حجر – فتح الباري: 1/442،
النووي – شرح صحيح مسلم: 4/63].
وعلل الأستاذ
محمد عوامة عدم وصل مسلم لهذا الحديث وتركه معلقاً بأنه قصد الإشارة إلى الوهمين
السابقين فيه [حاشية: نقلاً عن فاخوري – الإمام مسلم وصحيحه: 110].
ولا أرى هذا
كافياً وليس فيه حجة، لأن مسلماً إذا أورد الإسناد وفيه خطأ نبّه عليه كقوله في
إسناد: وحدثنيه محمد بن رافع... سمع عبدالرحمن بن أيمن مولى عروة... قال مسلم:
أخطأ حيث قال عروة، إنما هو عزّة [حاشية: مسلم – الصحيح: 2/1098 كتاب الطلاق – باب
تحريم طلاق الحائض].
وفي إيراد مسلم
لهذا الحديث معلقاً وعدم وصله له في موطن آخر مع عدم التنبيه لما فيه من الخطأ
توقف ونظر، حتى لو قلنا إنه أراد الاختصار لكان عليه أن ينبّه إلى الخطأ الحاصل
فيه، ولعله لم ينشط فعلقه وسكت عليه.
والحديث صحيح
لا مطعن فيه فقد وصله البخاري والنسائي من نفس الطريق كما تقدم" انتهى كلامه.
9- ذكر حلبيّ عنواناً: (القسم الثالث: ما عُدَّ
مُعلقاً وهو مبهم) وقال: "وهذا ما أشار إليه الحافظ في ((النكت على ابن
الصلاح)) (1/353) حيث قال: ((إنها بصيغة الاتصال لكن أُبهم في كلّ منها اسم من
حدّثه)).
فهذا لا يُعدّ معلقاً ولا منقطعاً – وهما هنا
بمعنىً -، وإن ذكروه فيه، وهي – على هذا – ((متصلة كما هو المعروف عند جمهور أهل
الحديث))؛ كما قال الحافظ.
فالوجه الصحيح في هذه الأحاديث من هذا القسم هو
أنها ((قيل: إنها منقطعة، وليست بمنقطعة)) [حاشية: كما قال في ((النكت)) (1/353)
أيضاً].
ونحن نوردها مع الكلام عليها؛ لاشتهارها بين
الذين كتبوا حول ((صحيح مسلم)) سواءٌ منهم المُحْدَثون أم المتقدِّمون، والله
الموفق [حاشية: قال الحافظ ابن حجر في ((النكت)) (1/353): ((وعندي أنه ملتحق بما
صورته التعليق، وهو موصول على رأي ابن الصلاح))] انتهى.
قلت:
أولاً: قد
أساء حلبيّ بتقطعيه كلام ابن حجر هكذا!! وابن حجر – رحمه الله – كان يوجّه كلام
العراقي، وهو قوله: "وفيه – أي صحيح مسلم – بقية أربعة عشر موضعاً رواه
متصلاً ثم عقبه بقوله: ((ورواه فلان)). وقد جمعها الرشيد العطار في الغرر
المجموعة، وقد بينت ذلك كله في جزء مفرد".
قال ابن حجر:
"وفيه أمور... فعلى هذا فهي اثنا عشر حديثاً فقط. ستة منها بصيغة التعليق
وستة منها بصيغة الاتصال، لكن أبهم في كلّ واحد منها اسم من حدّثه، فإن كان الشيخ
يرى أنها منقطعة كما يقوله الجياني ومن تبعه، فكان حقّ العبارة أن يقول: وفيه بقية
ثلاثة عشر موضعاً منقطعة. لا كما قال: إنه يقول: ورواه فلان. وإن كان يرى أنها
متصلة كما هو المعروف عند جمهور أهل الحديث وكما صرح هو به في موضع آخر، فكان حق
العبارة أن يقول: وفيه بقية ستة مواضع رواه متصلاً ثم عقبه بقوله: ورواه فلان.
وفيه مواضع أخرى قيل إنها منقطعة وليست منقطعة".
فتبيّن من هذا
أن العبارة الأخيرة: "وفيه مواضع أخرى قيل إنها منقطعة وليست منقطعة"،
إنما يقصد بها أحاديث أخرى غير التي ذكرها العراقي وغيره، وليست العبارة حكماً على
هذه الأحاديث كما استخدمها حلبيّ!
ثانياً:
الحاشية الأخيرة التي نقل فيها قول ابن حجر تدلّ على أن ابن حجر يرى أن هذه
الأحاديث صورتها التعليق، وهذا خلاف ما نقله عنه من أنها ليست معلقة ولا منقطعة،
وإنما صورتها متصلة في أسانيدها مبهم!
وإنما هذا
الذي ذكره ابن حجر إنما هو في حديث معين استدركه على العراقي وحديث آخر، فقال:
"بينا أن الذي بصيغة التعليق إنما هو ستة لا أكثر. أما على رأي الجياني ومن
تبعه في تسميتهم المبهم منقطعاً فإن فيها حديثين آخرين لم يوصلهما في مكان آخر:
أحدهما... وثانيهما: حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - الذي قال فيه: حُدّثت
عن أبي أسامة، وقد تقدم أن الجلودي وصله، وعندي أنه ملتحق بما صورته التعليق وهو
موصول على رأي ابن الصلاح، فإن مسلماً قال: حدثت عن أبي أسامة".
ثالثاً: الحكم
النهائي واحد، سواء قلنا إنه معلّق، أو معلّق في إسناده مبهم، أو منقطع، فهو غير
متصل بهذه الصيغة التي رواه بها.
وقوله في هذه
الأحاديث: "حُدِّثْتُ عن فلان" كقوله: قال فلان؛ وكلاهما سماع له بأي
صيغة من صيغ السماع، فكأنه عَدَل عن قوله: "قال فلان"، بقوله:
"حدثت عن فلان"، والحكم فيها واحد، والله أعلم.
10- قال حلبيّ (ص44): "الحديث السابع: ما
رواه مسلمٌ في ((صحيحه))، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يُقال بين تكبيرة
الإحرام والقراءة (599) (148): ((وحُدِّثْتُ عن يحيى بن حسان ويونس المؤدب وغيرهما
قالوا: حدثنا عبدالواحد بن زياد؛ قال: حدثني عُمارة بن القعقاع: حدثنا أبو زرعة؛
قال: سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة
الثانية استفتح القراءة بـ {الحمد لله رب العالمين} ولم يسكت)).
قلت: ورواه ابن خزيمة (1603) عن الحسن بن نصرٍ
عن يحيى بن حسان به. وقال الحافظ في ((النكت)) (10/448): ((وصله أبو نُعيم في
((المستخرج)) من طريق محمد بن سهل بن عسكر عن يحيى بن حسان. ووصله ابن حبان في
الرابع من الرابع من ((صحيحه)) من طريق محمد بن أسلم عن يونس بن محمد)).
وهو في ترتيبه المسمى بـ ((الإحسان)) (رقم
1936).
وقال شُبِّير الدُّيوبَنْدي في ((فتح الملهم))
(1/38): ((ورواه البزار عن أبي الحسن ابن مسكين – وهو ثقة – عن يحيى بن
حسّان))" انتهى.
قلت:
هذا عين كلام الدكتور
الطوالبة إلا نقل حلبي رواية المستخرج من عند الحافظ في النكت وهي النكت الظراف،
وكان الأولى به أن يبيّن ذلك لئلا يظن أنها النكت على كتاب ابن الصلاح.
قال د.
الطوالبة (ص279): "قول مسلم: وحُدِّثْتُ عن يحيى بن حسان ويونس المؤدب
وغيرهما قالوا: حدثنا عبدالواحد بن زياد؛ قال: حدثني عُمارة بن القعقاع: حدثنا أبو
زرعة؛ قال: سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من
الركعة الثانية استفتح القراءة بـ {الحمد لله رب العالمين} ولم يسكت [حاشية: مسلم
– الصحيح: 1/419 كتاب المساجد ومواضع الصلاة – باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام
والقراءة].
وهذا الحديث
المعلق قد تبيّن اتصاله من طريقين عند غير مسلم [حاشية: انظر: الديوبندي – فتح
الملهم: 1/38].
الأول: فرواه
أبو نُعيم في ((المستخرج)) من طريق محمد بن سهل بن عسكر، عن يحيى بن حسان. ومحمد
بن سهل من شيوخ مسلم في صحيحه، وهو رجل ثقة، ولعل سبب تعليق مسلم لهذا الحديث...
الثاني: ورواه
البزار عن أبي الحسن بن مسكين، وهو ثقة، عن يحيى بن حسان" انتهى.
11- قال حلبيّ (ص45-48): "الحديث الثامن:
وقال الإمام مسلم في ((صحيحه))، كتاب الجنائز، باب: ما يُقال عند دخول القبور،
(974) (103) بعد روايته حديث زيارة البقيع والاستغفار لأهلها عن هارون بن سعيدٍ
الأيليِّ – وهو شيخه فيه -: حدثنا عبدالله بن وهبٍ: أخبرنا عبدالله بن كثير بن
المطلب، أنه سمع محمد ابن قيسٍ يقول: سمعت عائشة تُحدِّث، فقالت: ألا أُحدثكم عن
النبي صلى الله عليه وسلم وعني! قلنا: بلى)).
ثمّ قال مسلمٌ رحمه الله: ((ح: وحدثني من سمع
حَجَّاجاً الأعور (واللفظ له)؛ قال: حدثنا حجاج ابن محمد: حدثنا ابن جريج: أخبرني
عبدالله (رجل من قريش) عن محمد بن قيس ابن مخرمة ابن المطلب: أنه قال يوماً: ألا
أحدثكم: فذكر الحديث)).
قال الإمام النووي في ((شرحه)) (7/42): ((ولا
يقدح رواية مسلم عن هذا المجهول الذي سمعه من حجاج الأعور؛ لأن مسلماً ذكره
متابعةً لا معتمداً عليه متأصلاً، بل الاعتماد على الإسناد الصحيح قبله)).
قلت: وصله الإمام أحمد في ((مسنده)) (6/221)؛
قال: ((حدثنا حجاج، قال: أخبرني ابن جريج...)) به.
وكذا الإمام النسائي في ((السنن الصغرى))
(2037)؛ قال: ((أخبرنا يوسف ابن سعيد؛ قال: حدثنا حجاج...)) به.
ورواه النسائي في ((الكبرى)) هكذا أيضاً؛ كما
في ((تحفة الأشراف)) (12/300).
وقال النسائي في ((الكبرى)) بعد روايته: ((حجاج
في ابن جريج أثبت عندنا من ابن وهب)).
وقال الحافظ ابن حجر في ((النكت الظراف))
(12/299): ((وأخرجه أبو عوانة في ((صحيحه)) عن يوسف كما قال النسائي بعده، وقال
بعده: قال أحمد بن حنبل: ابن وهب عن ابن جريج فيه شيء.
وأخرجه أبو نعيم في ((المستخرج))، فقال: حدثنا
محمد بن إسحاق: حدثنا محمد ابن بركة: حدثنا يوسف بن سعد: حدثنا حجاج عن ابن جريج:
أخبرني عبدالله أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة – هكذا قال: عبدالله، لم يزد قوله في
سياق رواية ابن وهب...)).
فلعل الإمام مسلماً في تعليقه هذه الرواية يشير
إلى هذا الترجيح المذكور. والله أعلم" انتهى.
قلت:
أولاً:
قال د.
الطوالبة (ص281): "5- قول مسلم: وحدثني من سمع حجاجاً الأعور واللفظ له، قال:
حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا ابن جريج، أخبرني عبدالله - رجل من قريش- عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب، أنه قال
يوماً: ألا أحدثكم عني وعن أمي...
وعطف مسلم هذه
الرواية على الرواية الأولى التي جاء بها موصولة للمتابعة والاستشهاد، وفصل بينهما
بحاء مهملة ((ح)) في الإسناد، وصورة المثال: وحدثني هارون ابن سعيد الأيلي، حدثنا
عبدالله بن وهب، أخبرنا ابن جريج، عن عبدالله بن كثير بن المطلب، أنه سمع محمد بن
قيس يقول: سمعت عائشة تحدث، فقالت: ألا أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعني؟
قلنا: بلى، (ح) وحدثني من سمع حجاجاً الأعور واللفظ له قال: حدثنا حجاج بن محمد،
حدثنا ابن جريج، أخبرني عبدالله - رجل من قريش -، عن محمد ابن قيس بن مخرمة ابن
المطلب، أنه قال يوماً: ألا أحدثكم عني وعن أمي؟ قال: فظننا أنه يريد أمه التي
ولدته قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا:
بلى... [حاشية: مسلم – الصحيح: 2/669 كتاب الجنائز – باب ما يقال عند دخول القبور].
قال النووي:
ولا يقدح رواية مسلم عن هذا المجهول الذي سمعه من حجاج الأعور، لأن مسلماً ذكره
متابعةً لا معتمداً عليه متأصلاً بل الاعتماد على الإسناد الصحيح قبله [حاشية:
النووي – شرح مسلم: 7/42].
وقد روى هذا
الحديث [حاشية: انظر: الديوبندي – فتح الملهم: 1/38] عن حجاج الأعور غير واحد من
الأئمة منهم الإمام أحمد بن حنبل [حاشية: أحمد – المسند: 6/221]، ويوسف بن سعيد
المصيصي، وعنه أخرجه النسائي [حاشية: النسائي – السنن: 4/91 كتاب الجنائز – باب
الأمر بالاستغفار للمؤمنين]" انتهى.
قلت: فما الذي فعله حلبي زيادة على
كلام الدكتور؟! وعادة حلبي أنه يذكر رقم الحديث فقط، بينما يذكر الدكتور الجزء
والصفحة، وأحياناً يذكر الديوبندي بعض الروايات والأقوال التي وقف عليها من النكت
الظراف وغيرها، فينقلها حلبي مباشرة من تلك الكتب.
ثانياً: قول
حلبي: "لعل الإمام مسلماً في تعليقه هذه الرواية يشير إلى هذا الترجيح
المذكور"! يدلّ على عدم وعي!! فأي ترجيح هذا الذي ذكره ابن حجر؟ ولعل مسلماً
علق هذه الرواية من أجله؟!!
فابن حجر لم
يرجح، وإنما أشار إلى أن رواية ابن وهب سمى فيها شيخ ابن جريج: "عبدالله بن
كثير بن المطلب"، وأما رواية يوسف بن سعيد عن حجاج اقتصر اسم شيخ ابن جريج:
"عبدالله"، ولم ينسبه، فأين الترجيح المزعوم؟!
ثالثاً: ضبط
حلبي تلميذ حجاج في رواية أبي نعيم: "يوسفُ بنُ سَعْدٍ"! وهو خطأ،
والصواب: "يوسف بن سَعِيد" وهو يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصيّ.
رابعاً: نقل
حلبي عن ابن حجر من ((النكت الظراف)): "محمد بن إسحاق: حدثنا محمد بن
بركة"! والصواب كما في النكت: "محمد بن أبي إسحاق" وهو الخازن.
ورواية أبي
نُعيم في المستخرج[13] والتي فيها الاسمان على الصواب.
قال: حدثنا محمد بن أبي إسحاق: حدثنا محمد بن بركة الحلبي: حدثنا يوسف بن سعيد بن
مسلم: حدثنا حجاج، عن ابن جريج: أخبرني عبدالله: أنه سمع محمد ابن قيس بن مخرمة
يقول: سمعت عائشة، فذكره.
ورواه ابن
حبان في ((صحيحه))[14] قال: أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع: حدثنا محمد بن
عبدالله العصار: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا ابن جريج: أخبرني عبدالله بن كثير أنه
سمع محمد بن قيس بن مخرمة يقول: سمعت عائشة، فذكره.
12- قال حلبيّ (ص48-51): "الحديث التاسع:
قال الإمام مسلم في ((صحيحه))، كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدَّين
(1557) (19): ((وحدثني غير واحد من أصحابنا قالوا: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس:
حدثني أخي عن سليمان (وهو ابن بلالٍ) عن يحيى بن سعيدٍ عن أبي الرِّجال محمد بن
عبدالرحمن (أنّ أمَّهُ عمرة بنت عبدالرحمن)؛ قالت: سمعت عائشة تقول: سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب، عاليةٍ أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع الآخر
ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله لا افعل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
عليهما، فقال: ((أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟)). قال: أنا يا رسول الله!
فله أي ذلك أحب)).
قلت: والكلام على هذا الحديث من وجوهٍ:
الأول: أن الإمام البخاري قد وصل هذا الحديث في
((صحيحه)) (2705)، فقال: ((حدثنا إسماعيل بن أبي أويس...)) به.
الثاني: قال الإمام أبو نُعيم الأصبهاني في
((المستخرج)): ((يُقال: إن مسلماً حمل هذا الحديث عن البخاريّ)). نقله عنه ابن حجر
في ((النكت الظراف)) (12/416)...
الثالث: أن الجمع يدفع الجهالة، وتعدد الرواة
يرد الإبهام...
الرابع:... وقال الحافظ في ((الفتح)) (5/308)
بعد ذكر رواية مسلم: ((... فعدّه بعضهم في المنقطع [أي: المعلّق]، والتحقيق أنه
متصل في إسناده مبهم))" انتهى.
قلت:
أولاً:
قال د.
الطوالبة (ص282): "6- قوله: وحدثني غير واحد من أصحابنا، قالوا: حدثنا
إسماعيل بن أبي أويس... فله أي ذلك أحب [حاشية: مسلم – الصحيح: 3/1192 كتاب
المساقاة – باب استحباب الوضع في الدين].
وقد ثبت هذا
الحديث من طريق البخاري فرواه عن إسماعيل بن أبي أويس [حاشية: البخاري – الصحيح
(فتح الباري) 5/307 كتاب الصلح – باب هل يشير الإمام بالصلح؟]، فلعل مسلماً أراد
بقوله: غير واحد البخاري وغيره [حاشية: انظر: النووي – شرح مسلم: 10/219،
الديوبندي – فتح الملهم: 1/38]" انتهى.
ثانياً: أثناء
ذكر حلبي لإسناد الحديث جاء فيه: "عن أبي الرِّجال محمد بن عبدالرحمن (أنّ
أمّه عمرة بنت عبدالرحمن)"، وقال في الحاشية: "ساقط من ((الإمام مسلم
ومنهجه في صحيحه)) (ص250)!"
قلت: فهذا
يعني أن كتاب الدكتور الطوالبة عنده، فلمَ لَمْ يُشِرْ إليه وأنه أخذ منه أو
استفاد أو... إلخ؟!!.
ثالثاً: رجّح
حلبي قول ابن حجر في هذا النوع من الرواية، وكان ينبغي عليه أن يعرض لآراء أهل
العلم ومناقشتها مناقشة علمية، ثم الترجيح.
قال النووي في
شرحه[15]: "هذا أحد الأحاديث
المقطوعة في صحيح مسلم ويسمى معلقاً".
وقال المازري
في ((المعلم)) إنه مقطوع، وقال: "وهذا الحديث يتصل لنا من طريق البخاري،
ورواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس، وقد حدّث مسلم عن إسماعيل بن أبي أويس دون
واسطة في كتاب الحج، وفي آخر كتاب الجهاد، وروى أيضاً عن أحمد بن يوسف الأزدي عن
إسماعيل بن أبي أويس في كتاب اللعان، وفي كتاب الفضائل".
وقال القاضي
عياض: "إذا قال الراوي: حدثني غير واحد أو حدثني الثقة أو حدثني بعض أصحابنا
ليس هو من المقطوع ولا من المرسل ولا من المعضل عند أهل هذا الفن، بل هو من باب
الرواية عن المجهول".
رابعاً:
الحديث رواه أبو عوانة في ((مسنده))[16] قال: حدثنا محمد بن يحيى
النيسابوري وإسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد وإبراهيم بن الحسين الكسائي - هو ابن
ديزيل – قالوا: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، به.
ورواه البيهقي
في ((السنن الكبرى))[17] من طريق العباس بن الفضل
الأسفاطي والحسن بن علي بن زياد قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس.
13- قال حلبيّ (ص51-52): "الحديث العاشر:
قال الإمام مسلم في ((صحيحه))، كتاب المساقاة، باب: تحريم الاحتكار في ((الأقوات))
(1605) (130) بعد روايته موصولاً حديثَ: ((لا يحتكرُ إلا خَاطئٌ)):
((وحدثني بعض أصحابنا عن عَمرو بن عونٍ: أخبرنا
خالد بن عبدالله عن عمرو ابن يحيى عن محمد بن عمرو عن سعيد بن المسيب عن معمر بن
أبي معمر - أحد بني عدي بن كعبٍ -؛ قال: قال رسول الله: فذكر بمثل حديث سليمان بن
بلال عن يحيى)).
قلت: قال الحافظ ابن حجر في ((النكت الظراف))
(8/467): ((وممن سمعه من عمرو بن عون: محمد بن عيسى بن أبي قِماش، أخرجه البيهقي
[السنن: 6/30] من طريق أحمد بن عبيد الصفار عنه عن عمرو بن عون به))" انتهى.
قلت:
قال د.
الطوالبة (ص283-284): "8- قول مسلم: وحدثني بعض أصحابنا عن عَمرو بن عون،
أخبرنا خالد بن عبدالله، عن عمرو ابن يحيى، عن محمد بن عمرو، عن سعيد بن المسيب،
عن معمر بن أبي معمر - أحد بني عدي ابن كعب - قال: قال رسول الله [صلى الله عليه
وسلم: ((لا يحتكر إلا خاطئ))] فذكر بمثل حديث سليمان بن بلال عن يحيى [حاشية: مسلم
– الصحيح: 3/1228 كتاب المساقاة – باب تحريم الاحتكار في الأقوات].
فأتى مسلم
بهذا الطريق متابعة واستشهاداً لما قبله، فقد ساق الحديث من طريقين عن سعيد بن
المسيب، ثم أتبعهما بهذا الطريق عنه أيضاً.
وهذا الحديث
أخرجه أبو داود، عن وهب بن بقية، عن خالد، ووهب من شيوخ مسلم في صحيحه [حاشية:
الديوبندي – فتح الملهم: 1/38]" انتهى.
قلت: أعرض
حلبيّ عن رواية أبي داود التي ذكرها الدكتور الطوالبة وأتى بكلام ابن حجر، ولو أنه
راجع سنن البيهقي لرأى عنده راوٍ آخر سمعه من عمرو.
قال البيهقي
في ((السنن الكبرى))[18]: أخبرنا أبو الحسن بن عبدان:
أنبأنا أحمد ابن عبيد الصفار: حدثنا محمد بن عيسى بن أبي قماش: حدثنا عمرو بن عون
[ح] وأخبرنا أبو عبدالله الحافظ: حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه: أنبأنا محمد بن
أيوب: أنبأنا عمرو ابن عون أنبأ خالد، به.
14- قال حلبيّ (ص52-53): "قال الإمام
مسلمٌ في ((صحيحه))، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى (2669) (...) بعد
روايته حديث أبي سعيد الخدريّ مرفوعاً: ((لتتَّبعُنَّ سَنَن الذين من قبلكم...))
عن سويد بن سعيد: حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسارٍ عنه.
فقال رحمه الله: ((وحدّثنا عدة من أصحابنا عن
سعيد بن أبي مريم: أخبرنا أبو غسان (وهو محمد ابن مطرف) عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد
نحوه)).
قلت: أورده مسلمٌ متابعةً لما قبله؛ كما هو
ظاهرٌ [حاشية: وصرَّح به ابن الصلاح في ((الصيانة)) (ص80)].
وقد وَصلَهُ – بعد – راوي كتابه، وهو إبراهيم
بن محمد بن سفيان، فقال: ((حدّثنا محمد بن يحيى: حدثنا ابن أبي مريم: حدثنا أبو
غسان: حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار: وذكر الحديث نحوه)).
ورواه ابن حبان في ((صحيحه)) (6668-الإحسان)؛
قال: ((أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف؛ قال: حدثنا ابن أبي مريم:
فذكره))" انتهى.
قلت:
أولاً:
قال د.
الطوالبة (286): "13- قول مسلم: وحدثنا عدة من أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم،
أخبرنا أبو غسان - وهو محمد بن مطرف -، عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد نحوه [حاشية:
مسلم – الصحيح: 4/2054 كتاب العلم – باب اتباع سنن اليهود والنصارى].
فقد أورد مسلم
هذا الطريق بعد روايته له مسنداً من رواية زيد بن أسلم، عن عطاء ابن يسار، عن أبي
سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتركبن سنن الذين من قبلكم...)).
فواضح من صنيع
مسلم أنه إنما أورده على وجه المتابعة والاستشهاد، وقد وصله إبراهيم بن محمد بن
سفيان – راوي صحيح مسلم - عن محمد بن يحيى، عن ابن أبي مريم، وهو مثبت في صحيح
مسلم، ومتن الحديث صحيح متصل بالطريق الأول [حاشية: انظر: ابن الصلاح – الصيانة:
80، النووي – شرح مسلم: 16/221]" انتهى.
قلت: لاحظ قول
حلبيّ: "كما هو ظاهر"، وقول الدكتور الطوالبة: "فواضح"،
فالمعنى واحد وإن تصرف به حلبيّ.
ثانياً: ذكر
حلبي رواية ابن حبان وأسقط منها راوٍ، وهو محمد بن يحيى الذهلي، وهو نفسه الذي روى
عنه ابن سفيان هذا الحديث.
قال ابن حبان
في ((صحيحه))[19]: أخبرنا محمد بن إسحاق ابن
إبراهيم مولى ثقيف قال: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال:
حدثنا أبو غسان قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري.
ثالثاً:
الحديث رواه البخاري في ((صحيحه))[20] قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم:
حدثنا أبو غسان قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد.
ورواه ابن أبي
عاصم في ((السنة))[21] عن محمد بن عوف، عن ابن أبي
مريم، به.
قال الرشيد
العطّار في ((الغُرر)): "ولعل البخاري أحد العدة الذين سمع منهم مسلم هذا
الحديث ولم يسمهم، والله عز وجل أعلم"[22].
قلت: قصد
الإمام مسلم من قوله: "عدة من أصحابنا": الإمام البخاري والذهلي
وغيرهما.
15- قال حلبيّ (ص53-58): "الحديث الثاني
عشر: قال الإمام مسلمٌ في ((صحيحه))، كتاب الفضائل، باب إذا أراد الله تعالى رحمةَ
أمةٍ قَبَضَ نبيّها قبلها (2288) (24).
((وحُدِّثْتُ عن أبي أسامةَ وممن روى ذلك عنه
إبراهيم بن سعيد الجوهري-: حدثنا أبو أسامة: حدثني بُريدُ بن عبدالله عن أبي بردة
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد رحمة
أمةٍ من عباده؛ قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها، وإذا أراد
هَلكة أمةٍ؛ عذّبها ونبيُّها حيّ، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه
وعَصوا أمره)).
قلت: قال أبو عوانة في ((مستخرجه)): ((روى
مسلمٌ عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن أبي أسامة: فذكره)).
نقله ابن حجر في ((النكت الظراف)) (6/446)، ثم
تعقبه بقوله: ((ولم أقف في شيء من نسخ مسلم على ما قال، بل جزم بعضهم بأنه ما سمعه
من إبراهيم بن سعيد، بل إنما سمعه من محمد بن المسيّب. وقد وقع لنا بعلوٍّ من طريق
محمد بن المسيب الأرغياني. وأخرجه البزار في ((مسنده)) عن إبراهيم ابن سعيد.
وأخرجه أبو نعيم في ((المستخرج)) من طريق أبي يعلى وأبي عروبة وغيرهما – أي: محمد
بن المسيب ومحمد ابن علي بن حرب – عن إبراهيم بن سعيد)).
قلت: ورواه البيهقي في ((دلائل النبوة))....
و... كلهم قالوا: عن إبراهيم بن سعيد الجوهري به.
فوائد:
الأولى: قال ابن عدي في ((الكامل)) (2/496) بعد
روايته هذا الحديث في ترجمة بُريد بن عبدالله بن أبي بردة الأشعري: ((... وقد
اعتبرت[23] حديثه فلم أرَ فيه حديثاً أُنكره، وأنكر ما روى هذا الحديث الذي ذكرته:
((إذا أراد الله بأمة خيراً...))، وهذا طريقٌ حسنٌ، ورواته ثقات، وقد أدخله قوم في
((صحاحهم))، وأرجو أن لا يكون ببريد هذا بأساً)).
الثانية: قال شيخنا الألباني حفظه الله في
تعليق له على ((صحيح الجامع الصغير وزياداته)) (1707) حول هذا الحديث:
((هذا الحديث مما وقع في ((مسلم)) (7/65)
معلقاً، وهي أربعة عشر حديثاً، لكن وصله أبو يعلى والحاكم وغيرهما كما أوضحته في
كتابي ((مختصر صحيح مسلم)) (3164) يسر الله طبعه)).
وعليه تعليقات:
أ- أن هذا كلامٌ مجمل يُعلم وجهه بما صدَّرته
من كلام على هذا القسم في الفرق بين الإبهام والتعليق!
ب- لم أقف على الحديث – بعد بحثٍ – في ((مسند
أبي يعلى))، وفي ((مستدرك الحاكم))!
جـ- أن عددها اثنا عشر حديثاً كما سيأتي بيانه [حاشية:
ثم رأيت الشيخ شعيباً الأرنؤوط في تعليقه على ((السير)) (6/252) قد ((أخذ))!
تعليقةَ شيخنا هذه بعزوه المذكور! وقد رأيت – بعدُ – في ((الصحيحة)) (3059 –
مخطوط) لشيخنا التخريج على الجادة، فالحمد لله]...." انتهى.
قلت:
أولاً:
قال د.
الطوالبة (ص285): "قال مسلم: وحُدثت عن أبي أسامة وممن روى ذلك عنه إبراهيم
بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة، حدثني بُريدُ ابن عبدالله، عن أبي بردة، عن أبي
موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّ الله - عزّ وجلّ - إذا أراد رحمة
أمةٍ من عباده؛ قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها، وإذا أراد
هَلكة أمةٍ؛ عذّبها ونبيُّها حيّ، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه
وعَصوا أمره)) [حاشية: مسلم – الصحيح: 4/1792 كتاب الفضائل – باب إذا أراد الله
تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها].
قال ابن
الصلاح: وذكر أبو علي الغسّاني أنه رواه أبو أحمد الجلودي، عن محمد بن المسيب
الأرغيناني، عن إبراهيم بن سعيد.
وقال أيضاً:
ورويناه من غير طريق أبي أحمد، عن محمد بن المسيب، ورواه غير ابن المسيب، عن
إبراهيم الجوهري[حاشية: ابن الصلاح – الصيانة: 79].
وقال
الديوبندي: وقد رواه عن أبي أسامة جماعة منهم أبو بكر البزار ومحمد ابن المسيب
الأرغيناني وأحمد بن قبيل السالسي. ورواه عن الأرغيناني ابن خزيمة وإبراهيم المزكي
وأبو أحمد الجلودي وغيرهم [حاشية: الديوبندي – فتح الملهم: 1/38].
فالحديث متصل
من عدة طرق" انتهى.
قلت: حلبيّ
كعادته أخذ ما ذكره الدكتور الطوالبة عن الديوبندي وفصّله من بعض المصادر!
ثانياً: قوله:
"قلت: قال أبو عوانة في مستخرجه: روى مسلم عن إبراهيم ابن سعيد الجوهري عن
أبي أسامة: فذكره. نقله ابن حجر في النكت، ثم تعقبه بقوله: ولم أقف..."، إلخ!
قلت: لا أدري
لم هذا الالتواء وتقطيع النص!! فكلّ هذا هو كلام ابن حجر، فلم تقول:
"قلت" ثم تقول: "نقله ابن حجر"، ثم تقول: "ثم
تعقبه" إلخ.
قال ابن حجر:
"قلت: قال أبو عوانة في مستخرجه: روى مسلم عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن أبي
أسامة... فذكره. ولم أقف في شيء من نسخ مسلم على ما قال...".
ثالثاً: نقله
قول ابن عدي إنه طريق حسن ورواته ثقات يعني أنه يرى صحة الحديث، وليس كذلك؛ فهو
حديثٌ منكرٌ، وقد تكلّم الأئمة النقاد في بُريد بن عبدالله.
رابعاً: لم
يرتض حلبيّ من الشيخ الألباني تسميته معلقاً! وهو متصل فيه مبهم كما بيّن هو من
قبل!
وقد بيّنت
فيما سبق أن الحكم واحد في كلّ منهما، فلا تهمنا التسمية: معلق أو مبهم.
قال النووي في
((شرح صحيح مسلم))[24]: "قال المازري والقاضي: هذا
الحديث من الأحاديث المنقطعة في مسلم، فإنه لم يسم الذي حدثه عن أبي أسامة. قلت:
وليس هذا حقيقة انقطاع، وإنما هو رواية مجهول، وقد وقع في حاشية بعض النسخ
المعتمدة قال الجلودي: حدثنا محمد بن المسيب الأرغيناني قال: حدثنا إبراهيم بن
سعيد الجوهري بهذا الحديث عن أبي أسامة بإسناده".
خامساً: اعترض
حلبيّ على الشيخ الألباني بعده لهذه الأحاديث بأنها أربعة وقال بأنها اثنا عشر
حديثاً.
قلت: قال د.
الطوالبة (ص286): "إن هذه المعلقات اثنا عشر حديثاً بطرح الثاني من العد؛ لأن
مسلماً رواه متصلاً في صحيحه برواية الجلودي عنه، وهي المعتمدة المتداولة
والمطبوعة بين أيدينا".
سادساً:
عرَّضَ حلبيّ بالشيخ شعيب الأرنؤوط بأنه ((أخذ) كلام الألباني في عزوه المذكور!
قلت: ذكر
الشيخ شعيب تخريج الحديث من صحيح مسلم، ثم قال: "وقد وصله أبو يعلى والحاكم
وغيرهما". فهذه هي الكلمات التي أخذها الشيخ شعيب من الألباني! فإذا غضب
حلبيّ على أخذ الأرنؤوط (أربع كلمات) من الشيخ الألباني، فماذا يقول هو في (أخذه)
كلّ كتابه هذا من كتاب الدكتور الطوالبة؟!!
وصدقَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقول: ((إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ
النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ
مَا شِئْتَ)).
سابعاً: اعترض
حلبي على شيخه الألباني بأن هذا الحديث لم يجده عند أبي يعلى وفي مستدرك الحاكم،
ثم قال في الحاشية: إنه رأى تخريج الحديث على الجادة في ((الصحيحة)) (3059)،
والظاهر من هذا أنه ذكر في تخريجه على الجادة رواية أبي يعلى والحاكم! ولكنه لم
يذكرهما!!
والحديثان لم
يجدهما حلبيّ عند أبي يعلى والحاكم ولن يجدهما؛ لأنهما ليسا في مسند أبي يعلى ولا
مستدرك الحاكم، وإنما رواهما الأئمة عنهما في كتب الإملاء التي كان يمليها الأئمة
على تلاميذهم، ولكن حلبيّ لا يفقه هذه الأمور!!
16- قال حلبيّ (ص58-60): "الحديث الأخير:
قال ابن الصلاح في ((الصيانة)) (ص77): ((ثم قوله [أي: الإمام مسلم] في كتاب
الصلاة، في باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: حدثنا صاحبٌ لنا، عن إسماعيل
ابن زكريا عن الأعمش...
وهذا في رواية أبي العلاء بن مَاهانَ. وسلمت
رواية أبي أحمد الجُلودي من هذا، وقال فيه عن مسلم: حدثنا محمد بن بكّار، قال:
حدثنا إسماعيل بن زكريا...
وهو حديث أبي مسعود الأنصاريّ مرفوعاً:
((قولوا: اللهم صلّ على محمد، وعلى آل محمد...)) انتهى كلام ابن الصلاح.
قلت: أبو العلاء بن ماهان هو ((الإمام
المحدث.... البغدادي)) كما في ((سير أعلام النبلاء)) (16/535)...
والجلودي هو...
والحديث في نسختنا المتداولة من ((صحيح مسلم))
برقم (405) (68) وهي رواية الجلودي. والحمد لله" انتهى.
قلت:
قال د.
الطوالبة (ص279): "2- في رواية ابن ماهان عن مسلم قال: حدثنا صاحب لنا، عن
إسماعيل بن زكريا، عن الأعمش... [حاشية: ابن الصلاح – الصيانة: 77، الديوبندي –
فتح الملهم: 1/38].
وقد سلمت
رواية أبي أحمد الجلودي من هذا، وقال في هذا الحديث: حدثنا محمد ابن بكار اقل:
حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن الأعمش، عن مسعر، وعن مالك بن مغول كلهم، عن الحكم
بهذا الإسناد مثله، غير أنه قال: ((وبارك على محمد)) ولم يقل ((اللهم)) [حاشية:
مسلم – الصحيح: 1/306 كتاب الصلاة – باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد
التشهد].
فيسقط هذا
الحديث من العد لكون الجلودي رواه عن مسلم موصولاً، وروايته هي المعتمدة المشهورة
والمتداولة بين أيدينا" انتهى.
17- قال حلبيّ (ص61-62) تحت عنوان: (فوائد
ونتائج): "الأولى: قال أبو علي الجَيّاني في ((تقييد المهمل)) (2/ق/155/ب)
بعد سرده الأحاديث التي هي معلقة عنده: ((... فهذا ما أورده مسلم في كتابه مقطوعاً
غير متصل به، وذلك أربعة عشر موضعاً)).
وتابعه غير واحد!!
فتعقبه ابن الصلاح في ((الصيانة)) (ص81) بقوله:
((... وذكر أبو علي... فهي إذن اثنا عشر، لا أربعة عشر...)) انتهى.
قلت:
قال د.
الطوالبة (ص276): "وحصر الغسّاني ما وقع فيه الانقطاع [أي المعلق] في صحيح
مسلم بأربعة عشر موضعاً [حاشية: النووي – شرح مسلم: 1/17].
وقال ابن
الصلاح بعد هذا القول: ... فهي إذن اثنا عشر لا أربعة عشر [حاشية: النووي – شرح
مسلم: 1/17]" انتهى.
وقال بعد سرده
لهذه الأحاديث (ص286): "وبعد هذا البيان والعرض للمعلقات في مسلم وبيان منهجه
فيها نلاحظ ما يلي:
1- إن هذه
المعلقات اثنا عشر حديثاً بطرح الثاني من العد، لأن مسلماً رواه متصلاً في صحيحه
برواية الجلودي عنه، وهي المعتمدة المتداولة والمطبوعة بين أيدينا" انتهى.
قلت: هذه
الفوائد والنتائج التي ذكرها حلبيّ هي نفسها التي ذكرها الدكتور الطوالبة في نهاية
كلامه على هذه الأحاديث، فهل توافق حلبيّ مع الدكتور في هذه النتائج كما هي مرتبة
سواء بسواء؟!!
18- قال حلبيّ (ص62): "الثانية: أن هذه
الاثني عشر مقسمة إلى ثلاثة أقسام:
1- ما علّقه هو ووصله هو: وعدتها خمسة.
2- ما علّقه هو ووصله غيره: وهي حديث واحد.
3- ما أبهم فيه شيخه، وعدّه بعض العلماء
معلقاً: وعدتها ستة" انتهى.
قلت:
أولاً: قد
بينت أن القسم الأول هذا لم يصله مسلم في صحيحه، وهذا من جهل حلبيّ بهذا العلم
الشريف؛ لأن وصل المعلق إنما هو وصل لنفس الإسناد الذي علّقه صاحب الكتاب، وأما أن
يأتي بإسناد آخر موصول، فلا يُقال إنه وصل المعلق؛ لأنهما إسنادان مختلفان، فتنبّه.
ثانياً: تابع
حلبيّ على هذا الجهل رفيق دربه (مشهور حسن آل سلمان) فقال في كتابه المسروق
((الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح)) (2/589): "والمتأمل فيها – أي
هذه المعلقات – يخرج بفوائد ونتائج، تجمل فيما يلي:
أولاً: إن
عدتها اثنا عشر موضعاً، وهي تقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- ما علقه هو
ووصله، وعدتها خمسة.
2- ما علقه هو
ووصله غيره، وهي حديث واحد.
3- ما أبهم
فيه شيخه، وعده بعض العلماء معلقاً، وعدتها ستة"انتهى.
قلت: فهذه تعد
سرقة من (مشهور) وكان يجب عليه أن يقول: "قال صاحبنا الحلبي في
كتابه...". ولكن ماذا نقول: اللصوص يسرقون بعضهم، فالمتاع السائب يعلّم
السرقة.
وكم علَّمتهُ
السَّرقات طُرّا // فَيسرقني وليسَ يَراهُ ضُدّا
وقد سرق منه
أشياء أخرى بعد هذه النقطة، ثم في نهاية النقطة السابعة قال في الحاشية:
"وانظر: ((الإمام مسلم ومنهجه في صحيحه)) (250)، و((تغليق التعليق لما في
صحيح مسلم)) (61-63)!
قلت: إشارته
إلى كتاب الطوالبة ثم كتاب حلبي في الحاشية نفسها لما نقله هو منهما يدلّ على أن
ما ذكراه واحد، وعليه فإن مشهوراً يعلم أن صاحبه حلبي قد سرق من كتاب الطوالبة،
ولعل هذا هو الذي دفع مشهور فيما بعد بأن يسرق كتاب الطوالبة كلّه كما بينته في
مكان مفرد.
19- قال حلبيّ (ص62-63): "الثالثة: جميع
الأحاديث التي أوردها العلماء على أنها معلقة في ((صحيح مسلم)) جاءت بصيغة الجزم،
وليس واحدٌ منها بصيغة التمريض" [حاشية: إلا ما أبهم فيه بعض شيوخه، فقال –
مثلاً -: ((حدثت عن...))، وهذا ما تقتضيه صيغة الإبهام أحياناً]انتهى.
قلت:
أولاً:
قال د.
الطوالبة (ص286): "2- أورد مسلم هذه المعلقات جازماً بنسبتها إلى مَنْ علقها
عنهم".
ثانياً: قال
مشهور حسن (2/590): "جميع الأحاديث التي أوردها العلماء على أنها معلقة في
((صحيح مسلم)) جاءت بصيغة الجزم، وليس واحدٌ منها بصيغة التمريض؛ إلا ما أبهم فيه
بعض شيوخه، فقال – مثلاً -: ((حُدثت عن...))، وهذا ما تقتضيه صيغة الإبهام
أحياناً".
قلت: قد دمج مشهور
الحاشية بأصل كلام حلبيّ!!
20- قال حلبيّ (ص63): "الرابعة: أن جميع
هذه الأحاديث وردت موصولة سواءٌ عنده أم عند غيره" انتهى.
قلت:
أولاً:
قال د.
الطوالبة (ص287): "4- إنما أورد هذه المعلقات بعدما تبين اتصالها إما من
طريقه أو من طريق غيره" انتهى.
قلت: وقول
الدكتور "من طريقه" هو الذي فهم منه حلبي في القسم الأول وصل مسلم لأصل
الحديث فسرقه حلبي منه، فتأمَّل!
ثانياً: قال
مشهور حسن (2/590): "خامساً: إن جميع هذه الأحاديث التي أوردها العلماء على
أنها معلقة، وردت موصولة؛ سواء عنده أم عند غيره" انتهى.
وقول مشهور
تبعاً لحلبي: "سواء عنده أم عند غيره"، خطأ؛ فاستخدام أم يكون بوجود
همزة التسوية يعني (أعنده)، أمَاْ وهي ليس موجودة فلفظة سواء لا تقتضي وضع (أم).
قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ
تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6].
21- قال حلبيّ (ص63): "الخامسة: أن القسم
الأول – وهو ما عدّ معلقاً باتفاق – كلّه واردٌ في المتابعات والشواهد. أما
القسمان الآخران؛ فهكذا وهكذا!" انتهى.
قلت:
أولاً:
قال د.
الطوالبة (ص287): "إن هذه المعلقات إنما أوردها مسلم في المتابعات والشواهد
لا في الأصول".
ثانياً: قال
مشهور حسن (2/590-591): "سادساً: إن القسم الأول - وهو ما عدّ معلقاً باتفاق -
كلّه واردٌ في المتابعات والشواهد، أما القسمان الآخران؛ فهكذا وهكذا".
22- قال حلبيّ (ص63): "السادسة: أن الإمام
مسلماً رحمه الله لم يتجاوز في تعليقه هذه الأحاديث طبقاتٍ كثيرةً من الإسناد،
إنما كانت عن شيوخه، أو عن شيوخهم" انتهى.
قلت:
أولاً:
قال د.
الطوالبة (ص287): "5- إن تعليق مسلم لهذه المعلقات كان عن شيخ له أو عن شيخ
شيخه ولم يتجاوز به ذلك" انتهى.
ثانياً: قال
مشهور حسن (2/591): "إن الإمام مسلماً رحمه الله لم يتجاوز في تعليقه هذه
الأحاديث طبقاتٍ كثيرةً من الإسناد، إنما كانت عن شيوخه، أو عن شيوخهم"
انتهى.
23- ختم حلبيّ كتابه المسروق بقوله (ص65):
"هذا آخر ما وصلت إليه من بحث في هذا الجزء النافع إن شاء الله، سائلاً ربي
جلّ وعلا أن يكتب لي فيه الأجر والثواب، ولإخواني طلبة العلم النفع والفائدة، إنه
سميع مجيب".
قلت:
كان ينبغي
عليه أن يقول: "هذا آخر ما وصلت إليه من سرقة هذا البحث"!!
ولا أدري كيف
يستقيم دعاءه هذا مع أنه يعرف في قرارة نفسه أن ما فعله حرام، نسأل الله العفو
والعافية.
وكتب، خالد الحايك.
2/4/2009م.
الحواشي:
[1] ربما يُقال: إن حلبي قصد أن
الإمام مسلماً أخرج أصول هذه المعلقات موصولة في كتابه! وهذا تقسيمٌ مُحدَثٌ لم
يقل به أحد من أهل العلم! فهم عندما يذكرون المعلق وأن فلاناً وصله يقصدون ما وصله
من الطريق التي علّقها، فهذا اختراع جديد لحلبيّ!!
[2] غرر الفوائد المجموعة: (ص155).
[3] غرر الفوائد: (ص170).
[4] السنن الكبرى: (1/459).
[5] غرر الفوائد: (ص143).
[6] مسند الشاميين: (3/132).
[7] تهذيب الكمال: (9/182).
[8] مستخرج أبي عوانة: (4/426).
[9] تاريخ بغداد: (7/318).
[10] غرر الفوائد: (ص176).
[11] صحيح ابن حبان: (7/256).
[12] يُحتمل أن الدكتور لم ينسى ذلك؛
لأنه اختصر كثيراً من الحواشي والتوثيقات التي عنده في أصل الرسالة عندما طبع هذا
الكتاب، فالله أعلم.
[13] المسند المستخرج على صحيح مسلم:
(3/54) رقم (2188).
[14] صحيح ابن حبان: (16/45) رقم
(7110).
[15] شرح صحيح مسلم: (10/219).
[16] مسند أبي عوانة: (3/337) رقم
(5214).
[17] السنن الكبرى: (5/305).
[18] السنن الكبرى: (6/30).
[19] صحيح ابن حبان: (15/95) رقم
(6703).
[20] صحيح البخاري: (3/1274) رقم
(3269).
[21] السنة: (1/37).
[22] غرر الفوائد: (ص169).
[23] كذا هي في مطبوع كتاب ابن عدي،
وكأن الصواب: "اختبرت" بمعنى سبرت حديثه، والله أعلم.
[24] شرح صحيح مسلم: (15/52).
شاركنا تعليقك