المتفق والمفترق/ عبدالكريم بن عبدالرّحمن البجلي، وعبدالكريم
الخزّار، وعبدالكريم الجُعفي!
بقلم: خالد الحايك
روى ابن ماجة في ((سننه)) (1/244)
قال: حدثنا جُبارة بن المغلس، قال: حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحمن البجلي، عن ليث،
عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أراكم ستشرفون
مساجدكم بعدي كما شرفت اليهود كنائسها وكما شرفت النصارى بِيعها)).
قال ابن ماجة: حدثنا جبارة بن
المغلس، قال: حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحمن، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن
عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ساء عمل قوم قط إلا
زخرفوا مساجدهم)).
فهل حدّث عبدالكريم بهذين الحديثين؟!
قلت: تفرد بهما جبارة بن المغلس!
وهو ضعيفٌ جداً.
قال يحيى بن معين: "جبارة
كذاب".
وقال أبو محمد ابن أبي حاتم:
"كان أبو زرعة حدث عنه في أول أمره وكنّاه. قال: حدثنا أبو محمد الحماني. ثم
ترك حديثه بعد ذلك، فلم يقرأ علينا حديثه".
وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم
أيضاً: سمعت أبا زرعة ذكر جبارة بن المغلس، فقال: قال لي ابن نمير: "ما هو
عندي ممن يكذب". قلت: كتبت عنه؟ قال: نعم. قلت: تحدث عنه؟ قال: لا. قلت: ما
حاله؟ قال: "كان يُوضع له الحديث فيحدث به، وما كان عندي ممن يتعمد الكذب".
وقال عبدالرحمن: سألت أبي عن جبارة؟
فقال: "هو على يدي عدل مثل القاسم بن أبي شيبة". (الجرح والتعديل:
2/550).
وقال ابن عَدي في ((الكامل)) (2/182):
"ولجبارة أحاديث يرويها عن قوم ثقات. وفي بعض حديثه ما لا يتابعه أحد عليه،
غير أنه كان لا يعتمد الكذب، إنما كانت غفلة فيه، وحديثه مضطرب كما ذكره البخاري".
قال أبو نُعيم في ((الحلية)) (4/152)
عن الحديث الثاني: "غريبٌ من حديث عمرو وأبي اسحاق! تفرد به عنه عبدالكريم".
وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (1/539):
"رجاله ثقات إلا شيخه جبارة بن المغلس، ففيه مقال".
·
ترجمة عبدالكريم بن عبدالرحمن:
قال ابن حبان في ((الثقات)) (8/423):
"عبدالكريم بن عبدالكريم البجلي. يروي عن عبيدالله بن عمر العمري. روى عنه
جبارة بن مغلس الحماني. مستقيم الحديث".
قلت: هكذا وقع: "عبدالكريم
بن عبدالكريم"، وهو خطأ، والصواب: "عبدالكريم بن عبدالرحمن".
وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (18/251):
"عبدالكريم بن عبدالرحمن البجلي الكوفي الخرّاز. روى عن حماد بن أبي سليمان،
وعبيدالله بن عمر، وليث بن أبي سليم (ق)، وأبي إسحاق السبيعي (ق). روى عنه ابنه
إسحاق بن عبدالكريم البجلي، وإسماعيل بن عمرو بن جرير البجلي، وجبارة بن مغلس
الحماني (ق). وروى عامر بن يساف عن عبدالكريم الخراز عن أبي إسحاق فلا أدري هو هذا
أو غيره؟! ذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقال: مستقيم الحديث. روى له بن ماجة".
قلت: كأن الذي دعا المزي إلى عدم
جزمه بأن الذي روى عنه عامر بن يساف هو البجلي هذا، هو أن الذي روى عنه عامر
ضعّفوه، والبجلي وثّقوه!!
قلت: لم ينسبه عامر بن يساف في
حديثه، ولكن نسب الدارقطني الذي يروي عنه جبارة وقال بأنه الخراز. فإنه قال في ((العلل))
(1/199) وهو يتكلم عن حديث: "ورواه عبدالكريم بن عبدالرحمن الخرّار عن أبي
إسحاق. واختلف عنه! فقيل: عن جبارة بن المغلس عن عبدالكريم الخرار عن أبي إسحاق عن
عامر بن سعد البجلي عن أبي بكر. وقيل: عن جبارة عن عبدالكريم الخرار عن أبي إسحاق
عن عامر بن سعد عن أبيه".
قال الذهبي في ((الكاشف)) (1/661):
"عبدالكريم بن عبدالرحمن البجلي عن حماد وأبي إسحاق. وعنه جبارة بن المغلس. وُثق".
وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص361):
"عبدالكريم بن عبدالرحمن البجلي الكوفي. مقبول".
ولم يذكره الذهبي في ((الميزان))،
وإنما ذكر: "عبدالكريم الخراز عن جابر الجعفي. قال الأزدي: واهي الحديث جداً".
فقال ابن حجر في ((اللسان)) (4/53):
"وهو عبدالكريم بن عبدالرحمن الخراز. روى أيضاً عن أبي إسحاق السبيعي. روى
عنه إسماعيل بن عمرو البجلي وعامر بن يساف وإسحاق بن بشير الكاهلي. ومن مناكيره:
ما أخرجه أبو القاسم البغوي في نسخة عبيدالله الخشني من رواية هذا الخراز عن أبي
إسحاق عن الحارث عن علي: الدعاء محجوب عن السماء حتى يتبع بالصلاة على محمد وآله. وقد
رواه نوفل بن سليمان أحد الضعفاء عن عبد الكريم هذا، لكنه وهم فقال: عن عبدالكريم
الجزري، والجزري ثقة لا يحتمل مثل هذا".
قلت: فهما واحد عند ابن حجر.
وذكر الذهبي في ((الميزان)):
"عبدالكريم شيخ للوليد بن صالح، أراه الخراز. قال أبو حاتم: كان يكذب".
ثم ذكر: "عبدالكريم بن يعفور
الخراز. هو المذكور".
فتعقبه ابن حجر في ((اللسان))
فقال: "أما ابن يعفور فقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال فيه: الجعفي، وليس في
كتاب ابن أبي حاتم أنه الخراز، وإنما قال ذلك الذهبي ظناً منه أنه هو، وليس كذلك،
فإن اسم والد الخراز عبدالرحمن كما تقدم".
قلت: الحاصل أن عبدالكريم الخراز
هو غير عبدالكريم بن عبدالرحمن عند الذهبي، والخراز هو ابن يعفور.
وردّ ذلك ابن حجر، وعنده أن
الخراز هو عبدالكريم بن عبدالرحمن البجلي، وهو غير عبدالكريم بن يعفور الجعفي الذي
ذكره ابن أبي حاتم.
قلت: أما عبدالكريم بن عبدالرحمن
فهو البجلي الخرّاز، وهو غير الذي ذكره الأزدي وقال فيه: "واهي الحديث
جداً". وأرى أن الأزدي قصد عبدالكريم بن يعفور الجعفي، وهو لا يروي عن جابر
الجعفي، وإنما يروي عن جابر بن زيد، وتصحيح النص هو: "عبدالكريم الخراز عن
جابر، الجعفي"، فالجعفي ترجع إلى عبدالكريم لا جابر.
والجعفي هذا ترجمه البخاري في ((التاريخ
الكبير)) (6/91) فقال: "عبدالكريم بن يعفور أبو يعفور الجعفي عن عروة بن
عبدالله والمشمرج بن جرير. سمع منه قتيبة بن سعيد".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (6/61): "عبدالكريم بن يعفور أبو يعفور الجعفي. روى عن جابر بن
زيد، وعن المشمرج. سمع منه قتيبة وأبو موسى الأنصاري. سمعت أبي يقول ذلك. سألت أبي
عنه؟ فقال: هو من عتقى الشيعة. قلت: ما حاله؟ قال: هو شيخ، ليس بالمعروف".
وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (8/423):
"عبدالكريم بن يعفور الجعفي أبو يعفور. يروي عن عروة بن عبدالله. روى عنه
قتيبة بن سعيد".
وأما عبدالكريم شيخ الوليد بن
صالح، فذكره ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (6/62) وقال: "عبدالكريم روى...
روى عنه الوليد بن صالح وإسحاق بن موسى الخطمي. سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول:
كان يكذب".
وذكر الذهبي في ((الميزان)):
"عبدالكريم. شيخ. روى عن إسحاق بن موسى الخطمي. مجهول".
قلت: أظنه الذي ذكره ابن أبي حاتم
قبله، فيكون صواب ما عند الذهبي: روى عنه إسحاق بن موسى، ولا يكون مجهولاً، بل
يكون كذاباً.
والذي أميل إليه أن عبدالكريم بن
عبدالرحمن البجلي ليس الخرّاز الذي روى عنه عامر بن يساف الحديث المنكر، فلو كان
هو لنسبه ابن حبان في ترجمته، ولما قال عن حديثه: "مستقيم الحديث"، فكأن
الخرّاز هذا آخر، والله أعلم.
والأحاديث التي رويت عن عبدالكريم
بن عبدالرحمن إنما العهدة فيها على جبارة بن المغلس، وما أظن أن عبدالكريم حدّث
بها، والله أعلم.
وكتب: خالد الحايك.
17/6/2008م.
شاركنا تعليقك