المتفق والمفترق/ موسى الجهني، وأبو سلمة الجهني، وما وقع فيه بعض
أهل العلم من أوهام!
وتصحيح ابن حبان لحديث معلول من حديث خليفة بن خياط!
بقلم:
أبي صهيب الحايك.
·
فرق بينهما أهل النقد وجمع بينهما أحمد شاكر والألباني!
فرّق أهل العلم بين موسى الجهني
وبين أبي سلمة الجهني راوي الحديث المشهور: ((اللهم إني عبدك وابن عبدك...))،
وخالفهم الشيخ أحمد شاكر والشيخ الألباني فجمعا بينهما!!
قال الإمام البخاري في ((التاريخ
الكبير)) (7/288): "موسى بن عبدالله الجهني أبو عبدالله، كوفي: سمع زيد بن
وهب ومجاهداً ومصعب بن سعد، نسبه يحيى بن سعيد. وقال المقدمي: موسى بن عبدالرّحمن".
وقال في ((الكنى)) (ص39): "أبو
سلمة الجهني عن القاسم بن عبدالرحمن. روى عنه فضيل بن مرزوق".
قلت: هكذا فرّق بينهما إمام
الصنعة، وتبعه على ذلك ابن حبان، فقال في ((الثقات)) (7/449): "موسى الجهني، هو
موسى بن عبدالله، وقد قيل: موسى بن عبدالرحمن، من أهل الكوفة. يروي عن زيد بن وهب
ومصعب بن سعد. روى عنه أهل العراق. مات سنة أربع وأربعين ومئة". وقال أيضاً
في ((الثقات)) (7/659): "أبو سلمة الجهني، يروي عن القاسم بن عبدالرحمن. روى
عنه الفضيل بن مرزوق".
ولم يترجم ابن أبي حاتم لأبي
سلمة، وإنما ترجم فقط لموسى الجهني، فقال في ((الجرح والتعديل)) (8/149): "موسى
بن عبدالله الجهني، أبو عبدالله، كوفي، ويقال: موسى بن عبدالرحمن. روى عن زيد بن
وهب ومجاهد وعبدالرحمن بن أبي ليلى ومصعب بن سعد والشعبي وفاطمة بنت علي. روى عنه
الثوري وشعبة وحسن بن صالح ويحيى بن سعيد القطان ومروان بن معاوية وعيسى بن يونس
وعبدالرحمن بن مغراء. سمعت أبي يقول ذلك".
قلت: فقد اتفق الأئمة على التفريق
بينهما، واتفقوا أيضاً على أن كنية موسى هي ((أبو عبدالله)). قال الإمام مسلم في
((الكنى والأسماء)) (ص481): "أبو عبدالله موسى الجهني سمع مصعب بن سعد. روى
عنه شعبة ويحيى بن القطان ويعلى".
وقال عبدالله بن أحمد في ((العلل
ومعرفة الرجال)) (3/287): قال أبي: "أبو عبدالله مولى جهينة هو موسى الجهني".
وقال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى))
(6/353): "موسى الجهني ويكنى أبا عبدالله، وكان ثقة قليل الحديث".
فأبو سلمة الجهني غير موسى الجهني
الثقة. وقد وهم من جمع بينهما، فها هم أئمة النقد وحفاظ الكوفة لم يجمعوا بينهما،
ولم يذكروا أن موسى له كنية أخرى وهي ((أبو سلمة))!
·
أول من قال بأن موسى الجهني له كنيتان:
وأول من رأيته قال بذلك هو ابن
منجوية في ((رجال مسلم)) (2/264) قال: "موسى الجهني هو ابن عبدالله، ويقال
ابن عبدالرحمن الجهني الكوفي، يكنى أبا سلمة، ويقال أبو عبدالله".
وتبعه على ذلك المزي أو أن المزي
اعتمد حديث خليفة بن خياط في الطعام، فقال في ((تهذيب الكمال)) (29/95): "موسى
بن عبدالله، ويقال: ابن عبدالرحمن الجهني أبو سلمة، ويقال: أبو عبدالله الكوفي.
روى عن زيد بن وهب الجهني... والقاسم بن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود".
قلت: وعلى هذا اعتمد الشيخ أحمد
شاكر وصوّبه الشيخ الألباني في أن أبا سلمة الجهني راوي حديث: ((اللهم إني
عبدك...)) هو موسى الجهني الثقة!!
·
ظن من ابن معين!
وأما قول ابن معين في ((تاريخه)) (رواية
الدوري) (3/442): "أبو سلمة الجهني: أراه موسى الجهني"، فهو ليس جزماً
منه، وإنما هو ظن، ولهذا قال: "أراه"، وكان قال من قبل هذا (3/314):
"موسى الجهني: موسى بن عبدالرحمن، وكنيته أبو عبدالله".
قلت: فلما لم يعرف أبا سلمة
الجهني هذا ظنّه موسى الجهني وهو خطأ لا شك فيه. والصواب ما أجمع عليه أهل العلم
أنه غيره.
قال الذهبي في ((المغني في
الضعفاء)) (2/789): "أبو سلمة الجهني: شيخٌ لفضيل بن مرزوق، لا يُدرى من هو؟!".
وكذا قال في ((الميزان)).
وقال ابن حجر في ((لسان الميزان))
(7/56): "وقد ذكره ابن حبان في ((الثقات))، وأخرج حديثه في ((صحيحه))، وأحمد
في ((مسنده))، والحاكم في ((مستدركه))، وتعقبه المؤلف بما ذكره هنا فقط. وقرأت بخط
ابن عبدالهادي: يحتمل أن يكون هو خالد بن سلمة، وفيه نظر؛ لأن خالد بن سلمة مخزومي،
وهذا جهني. والحق أنه مجهول الحال، وابن حبان يذكر أمثاله في الثقات، ويحتج به في
الصحيح إذا كان ما رواه ليس بمنكر".
·
خطأ ابن حبان في تصحيحه لحديث الطعام!
قلت: بل إن ابن حبان أخطأ أيضاً
في تصحيحه لحديث الطعام، وهو عمدة الشيخ الألباني في تصحيح حديث الدعاء (السلسلة
الصحيحة: رقم 198، 199) وأنهما واحد.
فالحديث رواه ابن حبان في ((صحيحه))
(12/12) عن أبي يعلى الموصلي قال: حدثنا خليفة بن خياط قال: حدثنا عمر بن علي
المقدمي قال: سمعت موسى الجهني يقول: أخبرني القاسم بن عبدالرحمن بن عبدالله بن
مسعود عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نسي أن يذكر
الله في أول طعامه، فليقل حين يذكر: بسم الله في أوله وآخره؛ فإنه يستقبل طعامه
جديداً، ويمنع الخبيث ما كان يصيب منه)).
ثُم قال ابن حبان: "ذكر
الخبر المُدْحِض قول من زعم أن هذا الخبر تفرّد به موسى الجهني"، ثم ساق
الحديث.
قلت: فابن حبان يرى صحة هذا الخبر
عن موسى الجهني ودحض زعم من يقول إنه تفرد به! وهذا على منهجه –رحمه الله- في
الافتراض، وإلا لو صحّ الإسناد إلى موسى وتفرد به فما أظن أن أحداً من الأئمة
يردّه؛ لأن موسى من كبار الثقات، وتفرده ليس بمنكر.
·
وهم للهيثمي وشعيب الأرنؤوط!
وقد قال الهيثمي في ((المجمع)):
"رجاله ثقات"، وقال الشيخ شعيب أثناء تحقيقه لصحيح ابن حبان:
"إسناده صحيح".
قلت: نعم رجاله ثقات، ولكن
الإسناد لم يصح! فقد رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (10/170) وفي ((المعجم
الأوسط)) (5/25) عن عبدان بن أحمد عن خليفة بن خياط، به. ثُم قال في ((الأوسط)):
"لم يرفع هذا الحديث عن موسى الجهني إلا عمر بن علي. تفرد به شباب العصفري".
·
تفرد خليفة بن خياط!
قلت: وهذه إشارة ذكية منه - رحمه
الله - إلى عدم صحة الإسناد، فإن تفرد خليفة بن خياط وهو شباب يستنكره أهل العلم.
وهو وإن خرّج له الإمام البخاري إلا أن البخاري نفسه يرى فيه شيئاً؛ لأنه يعلّق
حديثه أحياناً بقوله: "قال لي خليفة"، وما قال فيه: حدثني قّرنه بغيره.
وقد تكلّم فيه عليّ بن المديني، وضعفه أبو حاتم وأبو زرعة ولم يقرأ حديثه!
وقد أشار أبو حاتم إلى عدم
الاعتداد بتفردات خليفة بمثل هذا. فقد قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (6/404):
"علقمة بن الحويرث الغفاري فيما رواه شباب العصفرى خليفة بن خياط، ولا يُعتمد
على روايته".
قلت: فلا يقبل تفرد خليفة بهذا
الحديث، فوهم فدخل له حديث في حديث، أو غير ذلك.
روى العقيلي في كتاب ((الضعفاء))
(2/22) عن عليّ بن المديني قال: "في دار عبدالرحمن بن عمرو بن جبلة وشباب
بن خياط شجر يحمل الحديث".
قلت: وهذا جرحٌ شديد؛ لأنه يأتي
بأحاديث لا يأتي بها سواه، وكثير منها فيه نكارة، وهي من الشجرة التي عنده كما قال
ابن المديني، يعني لا يتابعه عليها أحد. وقرن ابن المديني له بهذا المتروك الكذاب
ابن جبلة يعني أنه لا يحتج بحديثه إذا انفرد أبداً.
والخلاصة أن هذا الحديث الذي رواه
ابن حبان غير صحيح الإسناد، فاعتماد الألباني عليه لا يتجه في الجزم بأن موسى
الجهني يروي عن القاسم بن عبدالرحمن.
وقد سئل الدارقطني في ((العلل))
(5/200) عن هذا الحديث؟ فقال: "يرويه القاسم بن عبدالرحمن، واختلف عنه، فرواه
فضيل بن مرزوق عن أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبدالرحمن عن أبيه عن ابن مسعود.
وتابعه محمد بن صالح الواسطي، رواه عن عبدالرحمن بن إسحاق عن القاسم عن أبيه عن
ابن مسعود. وخالفهما علي بن مسهر، فرواه عن عبدالرحمن بن إسحاق عن القاسم عن ابن
مسعود مرسلاً. وإسناده ليس بالقوي".
قلت: المتابعة قصد بها ذكر
عبدالرحمن والد القاسم، والمخالفة عدم ذكره، وحكم الدارقطني بأن إسناده ضعيف، وهو
الصواب.
ومما يدل على ضعف الحديث أن
البخاري ذكر ترجمة أبي سلمة الجهني بالعنعنة، وهذا مصير منه إلى أنه لم يسمعه من
القاسم كما هو مذهبه في مسألة السماع في تاريخه.
وقد أطلت الكلام على هذا الحديث
وفصلّته في كتابي ((الأحاديث المعلولة والمنكرة والضعيفة في السلسلة الصحيحة))،
وبيّنت وهاء شاهده من حديث أبي موسى كما زُعم، والحمد لله على كلّ حال.
وكتب خالد الحايك.
ربيع ثاني 1429هـ.
شاركنا تعليقك