هل لعمرو بن أُحَيحةَ الذي روى عن خزيمة بن ثابت صُحبة أم لا؟
بقلم: خالد الحايك.
ذكره أبو حاتم الرازي في من روى
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (6/220): "عمرو بن أحيحة بن الجُلاَح الأنصاريّ: روى عن النبيّ صلى
الله عليه وسلم، وسمع من خزيمة بن ثابت. روى عنه عبدالله بن علي بن السائب. سمعت
أبي يقول ذلك".
وممن عدّه صحابياً المزي في ((تهذيب
الكمال)) (21/540)، فقال: "عمرو بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا
الأنصاري الأوسي المدني: له صحبة. قيل: إنه عم عبدالرحمن بن أبي ليلى. روى عن
خزيمة بن ثابت (س) في النهي عن إتيان النساء في أدبارهن. روى عنه عبدالله بن علي
بن السائب المطلبي (س)، وفي إسناد حديثه اختلاف كبير".
وتبعه على ذلك الذهبي، فقال في ((الكاشف))
(2/71): "عمرو بن أحيحة بن الجلاح، صحابي. عنه عبدالله بن علي بن السائب، له
حديث عن خزيمة. لم يصح".
وقد تعقّب ابن عبدالبر أبا حاتم
الرازي فقال في ((الاستيعاب)) (3/1161): "عمرو بن أحيحة بن الجلاح الأنصاري.
ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة. قال:
وسمع من خزيمة بن ثابت. روى عنه عبدالله بن علي بن السائب. انتهى. وهذا لا أدري ما
هو! لأن عمرو بن أحيحة هو أخو عبد المطلب بن هاشم لأمه، وذلك أنّ هاشم بن عبد مناف
كانت تحته سلمى بنت زيد من بني عدى بن النجار، فمات عنها فخلف عليها بعده أحيحة بن
الجلاح، فولدت له عمرو بن أحيحة فهو أخو عبد المطلب لأمه. هذا قول أهل النسب
والخبر، وإليهم يرجع في مثل هذا. ومحالٌ أن يروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم،
وعن خزيمة بن ثابت من كان فى السن والزمن اللذين وصفت! وعساه أن يكون حفيداً لعمرو
بن أحيحة، يسمى عمراً، فنسب إلى جدّه، وإلا فما ذكره ابن أبي حاتم وهم لا شك فيه،
وبالله التوفيق".
فتعقبه ابن حجر في ((تهذيب
التهذيب)) (8/3) فقال: "قلت: لم ينسبه ابن أبي حاتم، وإنما قال: عمرو بن
أحيحة بن الجلاح الأنصاري، فلم يتعين كونه ولد أحيحة المشهور، بل يحتمل أن يكون
آخر، فقد وقعت لذلك نظائر. وقد ذكر المرزباني في ((معجم الشعراء)) عمرو بن أحيحة،
وقال: إنه مخضرم، وذكر له شعراً في الحسن بن علي لما خطب عند معاوية، وإذا ثبت
كونه أدرك الجاهلية والإسلام تعين كونه صحابياً، إذ لم يمت النبيّ صلى الله عليه
وسلم وفي الأنصار أحدٌ لا يظهر الإسلام، فيخرج من ذلك أنه صحابي روى عن صحابي،
والله أعلم".
وقد نقل ابن حجر كلام ابن عبدالبر
في ((الإصابة في تمييز الصحابة)) (4/598)، ثُمّ قال: "قلت: ويحتمل ألا يكون
بينه وبين أحيحة بن الجلاح الذي تزوج سلمى نسبٌ، بل وافق اسمه واسم أبيه اسمه،
واشتركا في التسمية بعمرو. وليت شعري ما المانع من ذلك مع كثرة ما وقع منه، وحديث
عمرو هذا عن خزيمة في ((سنن النسائي)) وهو مضطرب. وأما روايته عن النبيّ صلى الله
عليه وسلم فلم أقف عليها! وقد ذكره المرزباني في ((معجم الشعراء)) وقال: إنه مخضرم،
وأنشد له شعراً في الحسن بن عليّ لما خطب عند صلحه مع معاوية، وإذا كان كذلك فهو
صحابي؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم حين مات لم يبق من الأنصار إلا من يظهر
الإسلام، وقد وقع في رجال المتن ما قدمت ذكره في حرف الألف في أحيحة".
قال في ((الإصابة)) (1/35):
"أحيحة، بمهملتين مصغراً، بن الجلاح، بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره مهملة.
روى مالك في ((الموطأ)) [2/868] عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير: أنّ رجلاً من
الأنصار يُقال له: أُحَيْحة بن الجُلاح كان له عمٌّ صغيرٌ. هو أصغر من أحيحة. وكان
عند أخواله، فأخذه أحيحة فقتله. فقال له أخواله: كنا أهل ثُمِّهِ وَرُمِّه. حتى
إذا استوى على عُمَمِه غلبنا حقُّ امرئٍ في عَمِّه. قال عروة: فلذلك لا يرث قاتلٌ
مَنْ قتل. قلت: لم أقف على نسب أحيحة هذا في أنساب الأنصار، وقد ذكره بعض من ألف
في الصحابة، وزعم أنه أحيحة بن الجلاح بن حريش، ويقال له: خراش بن جحجبي بن كلفة
بن عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس، وكانت تحته سلمى بنت عمرو الخزرجية فولدت له
عمرو بن أحيحة، وتزوج سلمى بعد أحيحة هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد المطلب جدّ
النبي صلى الله عليه وسلم، وزُعمَ أن عمرو بن أحيحة الذي روى عن خزيمة بن ثابت في
النهي عن إتيان النساء في الدبر. وروى عنه عبدالله بن السائب هو هذا! وقضيته أن
يكون لأبيه أحيحة صحبة، وقد أنكر ابن عبد البر هذا إنكاراً شديداً! وقال في
الاستيعاب: ذكره ابن أبي حاتم فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وسمع من
خزيمة بن ثابت. قال ابن عبدالبر: وهذا لا أدري ما هو! لأن أحيحة قديم، وهو أخو عبد
المطلب لأمه فمن المحال أن يروي عن خزيمة من كان بهذا القدم، ويروي عنه عبدالله بن
علي بن السائب! قال: فعسى أن يكون حفيداً لعمرو بن أحيحة -يعني تسمى باسم جده. قلت:
لم يتعين ما قال، بل لعل أحيحة بن الجلاح والد عمرو آخر غير أحيحة بن الجلاح
المشهور، وقد ذكر المرزباني عمرو بن أحيحة في ((معجم الشعراء)) وقال: إنه مخضرم -يعني
أدرك الجاهلية والإسلام- وأنشد له شعراً قاله لما خطب الحسن ابن علي عند معاوية.
وأحيحة بن الجلاح المشهور كان جاهلياً شريفاً في قومه. مات قبل أن يولد النبيّ صلى
الله عليه وسلم بدهر. ومن ولده محمد بن عقبة بن الجلاح أحد من سمي محمداً في
الجاهيلة رجاء أن يكون هو النبيّ المبعوث، ومات محمد بن عقبة في الجاهلية، وأسلم
ولده المنذر بن محمد، وشهد بدراً، وغيرها. واستشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
ببئر معونة. وممن له صحبة من ذرية أحيحة بن الجلاح: عياض بن عمرو بن بلال ابن بليل
بن أحيحة: شهد أحداً وما بعدها. وعمرو وبليل ولدا بلال بن أحيحة: شهدا أحداً أيضاً.
ولم يذكر أحد أباهم في الصحابة. ومن ذرية أحيحة بن الجلاح أيضاً: فضالة ابن عبيد
بن ناقد بن قيس بن الأصرم بن جحجى أمه بنت محمد بن عقبة المذكور، وذلك من الأدلة
على وهم من ذكر أحيحة بن الجلاح الأكبر في الصحابة. وقال عياض في ((المشارق)): وهم
بعضهم ما وقع في الموطأ فقال: أحيحة جاهلي لم يدرك الإسلام، والأنصار اسم إسلامي
للأوس والخزرج، فكيف يقال من الأنصار؟! قال عياض: وهو مخرج على أن في اللفظ تساهلاً
لما كان من القبيل المذكور وصار لهم هذا الاسم كالنسب ذكر في جملتهم؛ لأنه من
إخوانهم. انتهى. وهذا تسليمٌ منه أنه مات في الجاهلية. وقد أغرب القاضي أبو
عبدالله ابن الحذاء في ((رجال الموطأ)) فزعم أن أحيحة بن الجلاح قديم الوفاة وزعم
في ترجمته أنه عُمِّر حتى أدرك الإسلام! وأنه الذي ذكر عنه مالك ما ذكر، وأن عروة
لم يدركه! وإنما وقع له الذي وقع في الجاهلية، والخبر المذكور إنما هو قصة قضى بها
في الجاهلية فأقرها الإسلام. انتهى. فجعله تارة أدرك الإسلام، وتارة لم يدركه!
والحقّ أنه مات قديماً كما قدمته، وأما صاحب القصة فالذي يظهر لي أنه غيره، وكأنه
والد عمرو بن أحيحة الذي روى عن خزيمة بن ثابت، فيكون أحيحة الصحابي والد عمرو غير
أحيحة بن الجلاح جدّ محمد بن عقبة القديم الجاهلي، ويحتمل أن يكون الأصغر حفيد
الأكبر وافق اسمه واسم أبيه واسم جده واسم ابنه، والله أعلم".
قلت: حاصل كلام ابن حجر في هذه
المواضع أنه يرى صحبة عمرو بن أحيحة الراوي عن خزيمة! ولكنه خالف نفسه في ((التقريب))
(ص418) فقال: "عمرو بن أحيحة –بمهملتين، مصغر- بن الجلاح -بضم الجيم وتخفيف
اللام-، الأنصاريّ المدنيّ. مقبولٌ من الثالثة. ووهم من زعم أن له صحبة، فكأن
الصحابي جدّ جدّه وافق هو اسمه واسم أبيه"!!
وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار))
(8/138): "أما قول عروة: أنّ رجلاً من الأنصار يقال له: أحيحة، فإنما أراد أن
أحيحة من القبيلة والقوم الذين يقال لهم الأنصار في زمنه، وهم الأوس والخزرج؛ لأن
الأنصار اسم إسلامي. قيل لأنس بن مالك: أرأيت قول الناس لكم الأنصار: اسم سماكم
الله به أم كنتم تدعون به في الجاهلية؟ فقال: بل اسم سمانا الله عزّ وجلّ به في
القرآن.
وأحيحة لم يدرك الإسلام؛ لأنه في
محل هاشم بن عبد مناف، وهو الذي خلف على سلمى بنت عمرو بن زيد من بني عدي بن
النجار بعد موت هاشم عنها، فولدت له أحيحة فهو أخو عبد المطلب بن هاشم لأمه. وقد
غلط في أحيحة هذا غلطاً بيناً بعض من ألف في رجال الموطأ فظنه صاحبا! وهو أحيحة بن
الجلاح بن الحريسن بن حجب بن خلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وزوجته
سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار".
قلت: عمرو بن أحيحة الراوي عن
خزيمة بن ثابت تابعي، وليس بصحابيّ، وهو ثقة، وحديثه في النهي عن إتيان النساء في
أدبارهنّ صحيح.
قال ابن حجر عن عمرو بن أحيحة في
((التلخيص الحبير)) (3/179): "مجهول الحال".
قلت: هو ثقة، أثنى عليه خيراً
محمد بن علي بن شافع كما قال الإمام الشافعي في ((مسنده)) (1/275).
شاركنا تعليقك