المتفق والمفترق/ عمرو بن الأسود وعمير بن الأسود، وأبو عِياض عمرو
وأبو عياض آخر، وقيس بن ثعلبة ومسلم بن نذير، وما يتعلق بتراجمهم من أوهام.
بقلم:
أبي صهيب الحايك.
·
عُمير بن الأسود وعَمرو بن الأسود:
روى البخاري في ((صحيحه)) (3/1069)
(باب ما قيل في قتال الرّوم) قال: حدثنا إسحاق بن يزيد الدّمشقي، قال: حدثنا يحيى
بن حمزة، قال: حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان: أنّ عمير بن الأسود العنسي حدّثه:
أنه أتى عبادة بن الصامت -وهو نازلٌ في ساحة حمص، وهو في بناء له ومعه أم حرام-
قال عمير: فحدّثتنا أم حرام: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أول جيش
من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا. قالت أم حرام: قلت، يا رسول الله، أنا فيهم؟ قال:
أنت فيهم. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر
مغفور لهم. فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا)).
·
وهم للحاكم في المستدرك!
وأخرجه الحاكم في ((المستدرك)) (4/599)
من طريق نُعيم بن حماد، عن يحيى بن حمزة، به.
قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ
على شرط البخاري، ولم يخرجاه".
قلت: هذه غفلة من الحاكم فقد
أخرجه البخاري من الطريق نفسها كما مر سابقاً!
وأخرجه الطبراني في ((مسند
الشاميين)) (ص257) قال: (خالد عن عمير بن الأسود وغيره، ويقال عمرو بن الأسود).
رواه عن أحمد بن المعلى الدمشقي، عن سليمان بن عبدالرحمن، عن أيوب بن حسان الجرشي [ح]
وعن محمد بن أبي زرعة الدمشقي، عن هشام بن عمار، عن يحيى بن حمزة قالا: حدثثنا ثور
بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عمير بن الأسود العنسي، مثله.
ثُم رواه عن محمد بن هارون بن
محمد بن بكار الدمشقي، عن سليمان بن عبدالرحمن، عن أيوب بن حسان الجرشي، قال: حدثني
ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عمرو بن الأسود العنسي عن أم حرام بنت ملحان،
نحوه.
·
مَنْ فرّق بينهما من أهل العلم:
قلت: فرّق بعض أهل العلم بين عمير
بن الأسود وبين عمرو بن الأسود!
فذكر البخاري في ((التاريخ
الكبير)) (6/315) (باب عمرو): "عمرو بن الأسود العنسي أبو عياض: سمع معاوية.
روى عنه خالد بن معدان. قال نعيم بن حماد عن ابن وهب عن معاوية عن يونس بن سيف عن
عمرو بن الأسود العنسي: سمع عمر يقول: ((عليكم بالحج)). يُعدّ في الشاميين. وروى
خالد عن عمرو بن أسود: سمع جنادة. كنّاه أحمد. قال محمد بن عبدالله: حدثنا ربيع بن
روح: حدثنا أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي عن أرطأة عن عمرو بن الأسود العنسي: أنه
انطلق إلى العراق، فيقولون له: يا أبا عبدالرحمن: أمؤمن أنت؟ سمع [منه] يونس بن
سيف".
ثُمّ ذكر في (باب عُمير) (6/534):
"عُمير بن الأسود العنسي: سمع عبادة بن الصامت وأبا الدرداء وأم حرام رضي
الله عنهم. سمع منه خالد بن معدان وأزهر الشّامي".
قلت: وهذه الترجمة الثانية لم
يذكرها ابن عساكر في ((تاريخه)) وذكر الأولى فقط!
وقال أبو محمد في ((الجرح
والتعديل)) (6/220): "عمرو بن الأسود أبو عياض العنسي: روى عن عمر بن الخطاب
وابن مسعود وعبادة بن الصامت. روى عنه مجاهد وخالد بن معدان ويونس بن سيف وعبدالله
بن بريدة وإبراهيم الهجري وزياد بن فياض وكثير بن أبي كثير وعبد ربه وعطاء ابن
السائب. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال في (باب عمير) (6/375): "عمير
بن الأسود العنسي الشامي: سمع عبادة وأبا الدرداء وأم حرام. روى عنه خالد بن معدان.
سمعت أبي يقول ذلك".
قلت: ذكر ابن عساكر هاتين
الترجمتين في ((تاريخه)) (45/410).
وكذلك فرّق بينهما ابن حبان، فقال
في ((الثقات)) (5/171): "عمرو بن الأسود العنسي. كنيته أبو عياض، وقد قيل:
أبو عبدالرحمن. من عبّاد أهل الشام وزهادهم، وكان يقسم على الله فيبره. يروي عن
عمر ومعاوية. روى عنه خالد بن معدان والشاميون، وكان إذا خرج من بيته وضع يمينه
على شماله مخافة الخيلاء".
ثُم قال في (باب عمير) (5/253):
"عمير بن الأسود العنسي، من أهل الشام. يروي عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء.
روى عنه خالد بن معدان. وكان من العبّاد".
وقال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى))
(7/442): "عمير بن الأسود: سأل أبا الدرداء عن طعام أهل الكتاب. وروى عن معاذ
بن جبل، وكان قليل الحديث ثقة". ثُم قال: "عمرو بن الأسود السكوني: روى
عن عمر ومعاذ. وله أحاديث".
·
من لم يُفرّق بينهما:
قلت: هكذا فرقوا بين عمرو وعمير،
وأهل الشام لا يفرقون بينهما.
قال ابن عساكر في ((تاريخه)) (45/407):
"عمرو، ويقال: عمير بن الأسود أبو عياض، ويقال: أبو عبدالرحمن العنسي الحمصي.
قيل: إنه سكن داريّا، وهو ممن أدرك الجاهلية. روى عن عمر بن الخطاب وعبادة بن
الصامت وابن مسعود وأبي الدرداء وجنادة بن أبي أمية وأم حرام بنت ملحان والعرباض
بن سارية. روى عنه أبو راشد الحبراني وخالد بن معدان ومجاهد ويونس بن سيف".
ثُم نقل أقوال من ذكرت سابقاً، ثُم قال: "" وعندي أنهما واحد".
ونقل أقوال أئمة الشام وغيرهم في ذلك:
- قال أبو زرعة في الطبقة التي
تلي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي العليا: "عمرو بن الأسود، يكنى
أبا عياض، وهو عمير بن الأسود".
- وقال أحمد بن عمير بن جَوصا:
حدثني معاوية، عن يحيى قال: "عمرو ويكنى أبا عياض". قال: وسمعت محمد بن
عوف يقول: "عمير بن الأسود وعمرو وعمير واحد، وعمرو يكنى أبا عياض". قال
ابن جوصا: قال معاوية: وحدثني سليمان بن عبدالحميد: حدثني مشايخ عنس قالوا: "عمرو
بن الأسود العنسي يكنى أبا عياض".
- وقال أحمد بن محمد بن عيسى
البغدادي: "عمرو بن الأسود العنسي يكنى أبا عياض، وهو عمير بن الأسود. سأل
عمر بن الخطاب: من أين أُحرم يا أمير المؤمنين. وقال: صلى بنا عمر بن الخطاب. وقد
كان معاوية ولاه قضاء حمص ثم استعفاه فعزله".
- وقال ابن مهنى: "وعمرو بن
الأسود هذا عداده في التابعين من الشاميين، ويقال: إنه كان بحمص، وإنما صح عندنا
أنه نزل داريا وسكن بها؛ فإن ولده عندنا بداريا إلى اليوم، وقد يمكن أن يكون نزل
حمص ثم انتقل عنها، وصار إلى داريا وأعقب بها، والله أعلم".
قلت: الصواب أن عمرو بن الأسود هو
عمير، وأهل الشام أعلم من غيرهم بهذا، وعلى هذا أئمتهم.
وممن عدهما واحداً من المتأخرين:
الإمام الذهبي في ((السير)) (4/79). وكذلك فعل المزي في ((تهذيب الكمال)) (21/543)
فقال: "(خ م د س ق) عمرو بن الأسود العنسي، ويقال: الهمداني أبو عياض، ويقال:
أبو عبدالرحمن الشامي الدمشقي، ويقال: الحمصي. سكن داريا، وهو عمير بن الأسود،
والد حكيم بن عمير، وجدّ الأحوص بن حكيم بن عمير أحد عباد أهل الشام وزهادهم. روى
عن جنادة بن أبي أمية (د س)، وشرحبيل بن السمط، وعبادة بن الصامت، وعبدالله بن
عباس (د)، وعبدالله بن عمرو بن العاص (خ م د س فق)، وعبدالله بن مسعود (د)،
والعرباض بن ساريه، وعمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبي
الدرداء، وأبي هريرة (ق)، وعائشة أم المؤمنين، وأم حرام بنت ملحان (خ). روى عنه:
إبراهيم بن مسلم الهجري، وأرطاة بن المنذر ولم يدركه، وأزهر الشامي، وابنه حكيم بن
عمير (فق)، وخالد بن معدان (خ د س)، ورزيق أبو عبدالله الألهاني، وزياد بن فياض (م
د س) على خلاف في ذلك، وأبو عثمان سعيد بن هانئ الخولاني، وشراحيل بن عمرو العنسي
وكناه أبا عبدالرحمن، وشرحبيل بن مسلم الخولاني، وشريح بن عبيد الحضرمي (د)،
وعبدالله بن بريدة، وعطاء بن السائب، وكثير بن أبي كثير (فق)، ومجاهد بن جبر المكي
(خ م س)، ونصر بن علقمة (ق)، ويحيى بن جابر الطائي، ويونس بن سيف، وأبو راشد
الحبراني. ذكر أبو الحسن بن سميع عن محمد بن عوف الطائي وغير واحد: أن عمرو بن
الأسود يكنى أبا عياض وأنه عمير بن الأسود والد حكيم بن عمير وله عقب بجبلة. وقيل
إن أبا عياض الذي يروي عنه زياد بن فياض والعراقيون رجل آخر، فالله أعلم. وقال
ضمرة بن حبيب: مر عمرو بن الأسود على عمر بن الخطاب فقال: من سره أن ينظر إلى هدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود. قيل: إنه مات في
خلافة معاوية. روى له الجماعة سوى الترمذي".
·
اضطراب ابن حجر في ذلك!
وقد اضطرب ابن حجر فيه.
فقال في ((الفتح)) (6/102):
"عمير بن الأسود العنسي، بالنون والمهملة، وهو شامي قديم. يقال اسمه عمرو
وعمير بالتصغير لقبه. وكان عابداً مخضرماً، وكان عمر يثني عليه. ومات في خلافة
معاوية، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث عند من يفرق بينه وبين أبي عياض عمرو
بن الأسود، والراجح التفرقة".
وقال أيضاً في ((الفتح)) (10/59):
"أبو عياض العنسي، بالنون، وعياض بكسر المهملة وتخفيف التحتانية، وبعد الألف
ضاد معجمه، واسمه: عمرو بن الأسود، وقيل: قيس بن ثعلبة، وبذلك جزم أبو نصر
الكلاباذي في ((رجال البخاري))، وكأنه تبع ما نقله البخاري عن علي بن المديني.
وقال النسائي في ((الكنى)): أبو عياض عمرو بن الأسود العنسي، ثم ساق من طريق
شرحبيل بن عمرو بن مسلم عن عمرو بن الأسود الحمصي أبي عياض، ثم روى عن معاوية بن
صالح عن يحيى بن معين قال: عمرو بن الأسود العنسي يكنى أبا عياض. ومن طريق البخاري:
قال لي علي - يعني ابن المديني -: إن لم يكن اسم أبي عياض قيس بن ثعلبة فلا أدري!
قال البخاري: وقال غيره: عمرو بن الأسود. قال النسائي: ويقال كنية عمرو بن الأسود
أبو عبدالرحمن. قلت: أورد الحاكم أبو أحمد في ((الكنى)) محصل ما أورده النسائي إلا
قول يحيى بن معين، وذكر أنه سمع عمر ومعاوية، وأنه روى عنه مجاهد وخالد بن معدان
وأرطاة بن المنذر وغيرهم، وذكر في رواية شرحبيل ابن مسلم عن عمرو بن الأسود: أنه
مر على مجلس فسلّم، فقالوا: لو جلست إلينا يا أبا عياض. ومن طريق موسى بن كثير عن
مجاهد: حدثنا أبو عياض في خلافة معاوية. وروى أحمد في ((الزهد)): أنّ عمر أثنى على
أبي عياض. وذكره أبو موسى في ((ذيل الصحابة)) وعزاه لابن أبي عاصم، وأظنه ذكره لإدراكه،
ولكن لم تثبت له صحبة. وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. وقال ابن عبد البر:
أجمعوا على أنه كان من العلماء الثقات. وإذا تقرر ذلك فالراجح في أبي عياض الذي
يروي عنه مجاهد أنه عمرو بن الأسود وأنه شامي، وأما قيس بن ثعلبة فهو أبو عياض آخر،
وهو كوفي. ذكره ابن حبان في ((ثقات التابعين)) وقال: إنه يروي عن عمر وعلي وابن
مسعود وغيرهم، روى عنه أهل الكوفة. وإنما بسطت ترجمته؛ لأن المزي لم يستوعبها،
وخلط ترجمة بترجمة، وأنه صغر اسمه فقال: عمير ابن الأسود الشامي العنسي صاحب عبادة
بن الصامت، والذي يظهر لي أنه غيره؛ فإن كان كذلك فما له في البخاري سوى هذا
الحديث، وإن كان كما قال المزي فإن له عند البخاري حديثاً تقدم ذكره في الجهاد من
رواية خالد بن معدان عن عمير بن الأسود عن أم حرام بنت ملحان، وكأن عمدته في ذلك
أن خالد بن معدان روى عن عمرو بن الأسود أيضاً. وقد فرّق ابن حبان في الثقات بين
عمير بن الأسود الذي يكنى أبا عياض وبين عمير بن الأسود الذي يروي عن عبادة بن
الصامت، وقال: كل منهما عمير بالتصغير، فإن كان ضبطه فلعل أبا عياض كان يقال له عمرو
وعمير، ولكنه آخر غير صاحب عبادة، والله أعلم".
وقال في ((التقريب)) (ص431):
"عمير بن الأسود: هو عمرو بن الأسود".
وقال في ((تهذيب التهذيب)) (8/5)
بعد أن كلام المزي: "وقيل إن أبا عياض الذي يروي عنه زياد بن فياض والعراقيون
رجل آخر". قال ابن حجر: "قلت: كذا حكى ابن أبي حاتم عن أبيه، وقال: اسمه
مسلم بن ندير. وقيل: إن أبا عياض اسمه قيس بن ثعلبة حكاه النسائي في ((الكنى))،
والحاكم أبو أحمد. وقال ابن حبان في ((الثقات)): "عمير بن الأسود كان من عباد
أهل الشام وزهادهم وكان يقسم على الله فيبره". وقال ابن سعد: "كان ثقة قليل
الحديث". وروى الحاكم في ((الكنى)) من طريق مجاهد قال: حدثنا أبو عياض في
خلافة معاوية. وقال ابن عبدالبر: "أجمعوا على أنه كان من العلماء الثقات مات
في خلافة معاوية". وذكره أبو موسى المديني في ((ذيل الصحابة)) وحكاه عن ابن
أبي عاصم أنه ذكره فيهم. قال أبو موسى: وليس بصحابي، إنما يروي عن الصحابة. وحكى ابن
أبي خيثمة عن مجاهد أنه قال: ما رأيت بعد ابن عباس أعلم من أبي عياض. وروى الحسن
بن علي الحلواني وفي كتاب المعرفة هذا الكلام عن مجاهد أيضاً بإسناد صحيح. وروى
الطبراني في مسند الشاميين من طريق أرطاة بن المنذر: حدثنى زريق أبو عبدالله
الألهاني: أن عمرو بن الأسود قدم المدينة فرآه عبدالله بن عمر يصلي فقال: ((من سره
أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا)). ومما
يؤيد أن عمير ابن الأسود هو عمرو بن الأسود ما أخرجه البخاري عن يحيى بن إسحاق بن
يزيد، والطبراني عن أحمد بن المعلى عن هشام بن عمار كلاهما: عن يحيى بن حمزة عن
ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عمير بن الأسود عن أم حرام الحديث، هذه رواية
البخاري، وفي رواية الطبراني عمرو بن الأسود".
وقال في ((الإصابة)) (القسم
الثالث) (5/159): "عمير بن الأسود العنسي، بالنون، ويقال: الهمداني، ويقال:
عمرو، وهو بالتصغير أشهر، وهو والد حكيم بن عمير. يكنى أبا عياض وأبا عبدالرحمن.
سكن داريا من دمشق، وسكن حمص أيضاً. وروى أحمد بسندٍ لينٍ عن ابن عمر قال: ((من سرّه
أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلينظر إلى عمرو بن الأسود)).
وأورده ابن أبي عاصم في ((الوحدان)) بهذا الأثر، وليس في ذلك ما يقتضي أن له صحبة،
ولكن يقتضي أن له إدراكاً. وقد أخرج الطبراني في ((مسند الشاميين)) من وجه آخر أن
عمرو بن الأسود قدم المدينة، فرآه عبدالله بن عمر يصلي فقال: ((من سره أن ينظر إلى
أشبه الناس بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا)). وله روايات عن
عمر ومعاذ وابن مسعود وعبادة بن الصامت وأم حرام بنت ملحان وأبي هريرة وعائشة
وغيرهم. وقد روى البخاري عن إسحاق بن يزيد عن يحيى بن حمزة عن ثور بن يزيد بن جابر
عن خالد بن معدان عن عمير بن الأسود عن أم حرام قصة ركوبها للبحر، وأخرجها
الطبراني من طريق هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة بهذا السند، فقال: عمرو بن الأسود.
قال ابن حبان: عمير بن الأسود، وكان من عباد أهل الشام، وكان يقسم على الله فيبره.
وقال محمد بن عوف: عمرو بن الأسود يكنى أبا عياض، وهو والد حكيم بن عمير. وقيل: إن
أبا عياض الذي يروي عنه زياد بن فياض آخر. قال أبو حاتم الرازي: اسمه مسلم بن نذير.
وحكى النسائي في الكنى أن اسم أبي عياض: قيس بن ثعلبة، وكذا قال أبو أحمد الحاكم،
وأسند من طريق مجاهد قال: حدثنا أبو عياض في خلافة معاوية. وأخرج ابن أبي خيثمة في
((تاريخه)) والحسن بن علي الحلواني في ((المعرفة)) كلاهما من طريق مجاهد قال: ما
رأيت أحداً بعد ابن عباس أعلم من أبي عياض. قلت: لا يمتنع أن يكون عمرو بن الأسود
يكنى أبا عياض. قال ابن عبدالبر: أجمعوا على أن عمرو بن الأسود كان من العلماء الثقات،
وأنه مات في خلافة معاوية".
وقال أيضاً في ((الإصابة)) (القسم
الرابع) (5/306): "عمير بن الأسود العنسي: ذكره ابن شاهين وأخرج من طريق شريح
عن عبيد عن جبير بن نفير وعمير بن الأسود والمقدام ابن معد يكرب وأبي أمامة في نفر
من القدماء: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما هذا
الأمر إلا في قومك، فأوصهم بنا، الحديث. كذا وقع فيه عمير! وقد أخرجه الطبراني من
هذا الوجه فقال: عمرو بن الأسود، وهو الصواب، وليس هو صحابياً، لكنه أرسل، وقد
تقدم ذكره في القسم الثالث".
ثُم قال (8/127): "عمير بن
الأسود: هو عمرو بن الأسود. تقدم".
قلت: فرجح ابن حجر التفرقة بينهما
في ((الفتح))! وقال بأنهما واحد في ((التهذيب)) و ((التقريب)). وكأنه في
((الإصابة)) متردد!
·
وهم لابن حجر!
سبق نقل كلام ابن حجر في
((الفتح)) (باب ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الأوعية والظروف بعد النهي):
"وقد فرّق ابن حبان في الثقات بين عمير بن الأسود الذي يكنى أبا عياض وبين
عمير بن الأسود الذي يروي عن عبادة بن الصامت، وقال: كل منهما عمير بالتصغير، فإن
كان ضبطه فلعل أبا عياض كان يقال له عمرو وعمير".
قلت: وهذا وهم منه –رحمه الله-
فإن ابن حبان لم يذكرهما مصغرين! وإنما ذكر واحداً مصغراً فقط، والآخر في (باب
عمرو).
قال في ((الثقات)) (5/171):
"عمرو بن الأسود العنسي. كنيته أبو عياض، وقد قيل: أبو عبدالرحمن. من عبّاد
أهل الشام وزهادهم، وكان يقسم على الله فيبره. يروي عن عمر ومعاوية. روى عنه خالد
بن معدان والشاميون، وكان إذا خرج من بيته وضع يمينه على شماله مخافة
الخيلاء".
ثُم قال في (باب عمير) (5/253):
"عمير بن الأسود العنسي، من أهل الشام. يروي عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء.
روى عنه خالد بن معدان. وكان من العبّاد".
·
هل أبو عياض الذي يروي عنه زياد بن فياض أبو عياض آخر؟! وهل قيس بن
ثعلبة هو أبو عياض عمرو بن الأسود أم هو آخر؟!
قال المزي في ((تهذيب الكمال)) (21/544)
في ترجمة ((عمرو بن الأسود أبي عياض)): "وقيل إن أبا عياض الذي يروي عنه زياد
بن فياض والعراقيون رجل آخر، فالله أعلم".
ونقل ذلك ابن حجر في ((تهذيب التهذيب))
(8/5) ثُم قال: "قلت: كذا حكى ابن أبي حاتم عن أبيه، وقال: اسمه مسلم بن ندير".
وقال في ((الإصابة)) (القسم
الثالث) (5/159) في ترجمة ((عمير بن الأسود)): "وقيل: إن أبا عياض الذي يروي
عنه زياد بن فياض آخر. قال أبو حاتم الرازي: اسمه مسلم بن نذير".
وقال في ((تهذيب التهذيب)) (12/213):
"وأما الراوي عن زياد بن فياض فجزم المزي في ((الأطراف)) بأنه الذي روى عنه
مجاهد. وذكر حديث النهي عن الانتباذ في الأوعية من طريق مجاهد عن أبي عياض عن
عبدالله بن عمرو، وهو في الصحيحين والنسائي. ومن طريق زياد بن فياض عن أبي عياض عن
عبدالله بن عمرو بمعناه، وهو عند أبي داود وجزم بأنه عمرو بن الأسود. وصنيع
النسائي في ((الكنى)) يقتضي أن الذي روى عنه زياد بن فياض غير الذي روى عنه مجاهد،
وأن الذي روى عنه مجاهد هو عمرو بن الأسود، فإن الذي روى عنه زياد بن فياض لا يعرف
اسمه، فإنه لا يذكر في الكتاب إلا من عرف اسمه، ولم يذكر الذي روى عنه زياد بن
فياض مع أنه أخرج له في ((السنن)) حديثاً، فدلّ على أنه غيره، والله تعالى أعلم.
وأما قول أبي حاتم أنه صاحب علي وأن اسمه مسلم بن نذير فغريب! والمعروف أن كنيته
مسلم بن نذير أبو نذير، والله تعالى أعلم".
قلت: أبو عياض الذي يروي عنه زياد
بن فياض هو نفسه الذي يروي عنه مجاهد وهو كوفي، وليس عمرو بن الأسود العنسي، فهذا
شاميّ. وقد أصاب من قال بأن الذي يروي عنه زياد بن فياض والعراقيون أبو عياض آخر.
ووهم من قال بأن الذي روى عنه مجاهد هو عمرو بن الأسود أبو عياض الشامي، وإنما هو
أبو عياض الكوفي، ومن قال بأن الذي روى عنه مجاهد هو عمرو بن الأسود استند إلى قول
مجاهد: "حدثنا أبو عياض في خلافة معاوية"، فظن بعضهم أنه يقصد عمرو بن
الأسود الشامي، وليس كذلك! فإنه لا دليل على أنه سمع من أبي عياض عمرو بن الأسود
الشامي، بل إنه يقصد أبي عياض الكوفي.
ومما يؤيد هذا ما رواه ابن أبي
شيبة في ((مصنفه)) (2/4) عن وكيع، عن شعبة، عن الحكم، قال: ((كان أبو عياض مستخفياً
فجاءه مجاهد يوم عيد، فصلى بهم ركعتين ودعا)).
ورواه عبدالرزاق في ((مصنفه)) (3/301)
عن ابن التيمي وغيره، عن شعبة، عن الحكم بن عتيبة، قال: ((كان أبو عياض ومجاهد
متواريين زمن الحجاج، وكان يوم فطر، فتكلّم أبو عياض ودعا لهم وأمّهم بركعتين)). قال:
وأخبرنا شعبة عن قتادة عن عكرمة مولى ابن عباس أنه كان يقول مثل ذلك.
قلت: فهذه الحكاية الصحيحة تثبت
أن مجاهد كان صاحباً لأبي عياض الكوفي لا الشامي؛ لأن عمرو بن الأسود الشامي توفي
زمن معاوية، ومعاوية توفي سنة (60هـ)، وهذه القصة وقعت لمجاهد مع أبي عياض زمن
الحجاج، أي بعد سنة (70هـ)، وإمامة أبي عياض تدل على مكانته وأنه شيخ مجاهد.
وأما قول مجاهد أن أبا عياض حدثه
زمن معاوية فلا يدل على أنه يقصد الشامي، بل الكوفي، ولذلك أورد البخاري قول مجاهد
هذا في ترجمة قيس بن ثعلبة الذي يرجح ابن المديني أنه أبو عياض الكوفي الذي نتحدث
عنه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
فإذا تبيّن هذا فإن رواية مجاهد
وزياد بن فياض للحديث نفسه يدل على أن أبا عياض الوارد في حديث الصوم هو أبو عياض
الكوفي لا أبو عياض عمرو بن الأسود الشامي، وقد جاء في كلّ روايات الحديث ((عن أبي
عياض)) غير مسمى، وفي هذا دلالة على أنه معروف ومشهور عند الكوفيين، ولهذا لم يسمه
أحد منهم.
والحديث الذي رواه مجاهد عن أبي عياض عن عبدالله
بن عمرو في الأسقية رواه البخاري في ((صحيحه)) (5/2124)، ورواه أبو داود في
((السنن)) (3/817) من طريق شريك عن زياد بن فياض عن أبي عياض.
ورواه الترمذي في ((العلل)) (1/310)
من طريق ابن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد عن أبي عياض عن عبدالله بن عمرو.
قال الترمذي: "فقال –أي
البخاري-: هو حديث صحيح". قال محمد -يعني البخاري-: "ورواه زياد بن فياض
عن أبي عياض عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث".
وروى مسلم في ((صحيحه)) (2/817)
من طريق زياد بن فياض قال: سمعت أبا عياض، عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((صم يوماً ولك أجر ما بقي)). قال: إني أطيق
أكثر من ذلك. قال: ((صم يومين ولك أجر ما بقي)). قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: ((صم
ثلاثة أيام ولك أجر ما بقي)). قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: ((صم أربعة أيام
ولك أجر ما بقي)). قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: ((صم أفضل الصيام عند الله:
صوم داود: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)).
وعليه فإن كلّ من ذكر مجاهداً
وزياد بن فياض في الرواة عن أبي عياض عمرو بن الأسود فقد أخطأ! كما فعل أبو حاتم
وابنه والمزي وابن حجر وغيرهم!
·
وهم لأبي حاتم وابنه!
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (6/220): "عمرو بن الأسود أبو عياض العنسي: روى عن عمر بن الخطاب
وابن مسعود وعبادة بن الصامت. روى عنه مجاهد وخالد بن معدان ويونس بن سيف وعبدالله
بن بريدة وإبراهيم الهجري وزياد بن فياض وكثير بن أبي كثير وعبد ربه وعطاء ابن
السائب. سمعت أبي يقول ذلك".
قلت: خلط أبو حاتم ترجمة عمرو بن
الأسود بترجمة أبي عياض الكوفي، فإن مجاهداً وزياد بن فياض والهجري وعبد ربه أصحاب
أبي عياض الكوفي لا الشامي. وكذلك فإن أبا عياض الكوفي هو صاحب ابن مسعود كما
سيأتي قريباً إن شاء الله. وترجمة البخاري لعمرو بن الأسود أدق من ترجمة ابن أبي
حاتم فإنه لم يعرّج على كلّ هذا.
·
ترجمة زياد بن فياض:
قال البخاري في ((التاريخ الكبير))
(3/366): "زياد بن فياض أبو الحسن الخزاعي الكوفي عن أبي عياض وهزهاز. روى
عنه الثوري وشعبة".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (3/542): "زياد بن فياض أبو الحسن الخزاعي، كوفي. روى عن سعيد بن
جبير وأبي عياض والهزهاز. روى عنه الأعمش والثوري وشعبة ومسعر وشريك. سمعت أبي
يقول ذلك. قال عبدالرحمن: ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: "زياد
بن فياض: ثقة". قال عبدالرحمن: سمعت أبي يقول: "زياد بن فياض: كوفي ثقة".
قال عبدالرحمن: وسُئِل أبي عن زياد بن فياض وزياد بن علاقة؟ فقال: "زياد بن
فياض أحبّ إليّ من زياد بن علاقة".
وقال مسلم في ((الكنى والأسماء))
(1/215): "أبو الحسن زياد بن فياض الخزاعي عن أبي عياض وهزهار. روى عنه
الثوري وشعبة والمسعودي".
وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (6/328)
فقال: "زياد بن فياض أبو الحسن الخزاعي، من أهل الكوفة. يروي عن أبي عياض
وعبدالرحمن بن أنعم والهزهاز بن ميزن. روى عنه الثوري وشعبة. مات سنة تسع وعشرين
ومئة".
·
تعقّب ابن حجر لأبي حاتم!
نسب ابن حجر إلى أبي حاتم –كما
سبق نقله- أنه قال في الذي روى عنه زياد بن فياض أنه مسلم بن نذير. فقال: "وأما
قول أبي حاتم أنه صاحب علي وأن اسمه مسلم بن نذير فغريب! والمعروف أن كنيته مسلم
بن نذير أبو نذير، والله تعالى أعلم".
قلت: لم يقل أبو حاتم هذا، وإنما
الذي قاله هو أبو زرعة. قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/197): "مسلم
بن نذير، يكنى بأبي عياض. روى عن علي بن أبي طالب. روى عنه زياد بن فياض. قال عبدالرحمن:
سمعت أبا زرعة يقول ذلك. قال عبدالرحمن أبو محمد: وروى عنه أبو إسحاق الهمداني
وعياش العامري. قال: سُئل أبي عن أبا عياض صاحب علي؟ فقال: "لا بأس بحديثه".
وسيأتي تحقيق ترجمة مسلم بن نذير
قريباً.
·
هل أبو عياض الذي روى عنه مجاهد غير قيس بن ثعلبة؟! ومَن هو قيس بن
ثعلبة؟
فرّق ابن حجر بين أبي عياض الذي
يروي عنه مجاهد وبين قيس بن ثعلبة، فقال -كما سبق نقله من ((الفتح))-:"فالراجح
في أبي عياض الذي يروي عنه مجاهد أنه عمرو ابن الأسود وأنه شامي، وأما قيس بن
ثعلبة فهو أبو عياض آخر، وهو كوفي. ذكره ابن حبان في ((ثقات التابعين)) وقال: إنه
يروي عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم، روى عنه أهل الكوفة. وإنما بسطت ترجمته؛ لأن
المزي لم يستوعبها، وخلط ترجمة بترجمة، وأنه صغر اسمه فقال: عمير ابن الأسود
الشامي العنسي صاحب عبادة بن الصامت، والذي يظهر لي أنه غيره".
وتبعه على ذلك العيني فنقل كلامه
حرفاً بحرف في ((عمدة القاري)) (21/179) فقال: "فالراجح أن الذي روى عنه
مجاهد عمرو بن الأسود وأنه شامي، وأما قيس بن ثعلبة فهو أبو عياض آخر، وهو كوفي
ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال: إنه يروي عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم
روى عنه أهل الكوفة".
قلت: وهم ابن حجر في ذلك وكذلك
العيني! فإن أبا عياض الذي يروي عنه مجاهد هو قيس بن ثعلبة، وهو ثقة أخرج له
البخاري ومسلم.
قال البخاري في ((التاريخ الأوسط))
(ص122): "قال لي عليّ: إن يكن اسم أبي عياض قيس بن ثعلبة فلا أدري!"
وقال غيره: "عمرو بن الأسود".
قال البخاري: حدثني إبراهيم بن
موسى، قال: أخبرنا أحمد -أراه ابن بشير- قال: أخبرنا مسعر، عن موسى بن أبي كثير،
عن مجاهد، قال: "حدثنا أبو عياض في خلافة معاوية".
وقال في ((التاريخ الكبير)) (7/150):
"قيس بن ثعلبة. قال علي: أراه أبا عياض. وقال غيره: اسم أبي عياض عمرو بن
الأسود العنسي. يعد في الكوفيين. عن عمر وعثمان وابن مسعود وعبدالله بن عمرو. وقال
إبراهيم بن موسى: أخبرنا أحمد بن بشير قال: أخبرنا مسعر، عن موسى بن أبي كثير، عن
مجاهد قال: حدثنا أبو عياض في خلافة معاوية".
وقال مسلم في ((الكنى والأسماء))
(1/657): "أبو عياض عمرو بن الأسود: سمع معاوية. روى عنه خالد بن معدان.
ويقال: اسمه قيس بن ثعلبة".
قلت: أبو عياض عمرو ليس اسمه قيس
بن ثعلبة، وإنما قيس أبو عياض الكوفي صاحب مجاهد، وقد أصاب البخاري في ترجمته،
وكذلك ابن حبان.
قال ابن حبان في ((الثقات)) (5/311):
"قيس بن ثعلبة. يروي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود. عداده في أهل الكوفة.
روى عنه أهلها".
وقال الذهبي في ((المقتنى في سرد
الكنى)) (1/444): "أبو عياض عمرو بن الأسود، ويقال: قيس بن ثعلبة العنسي. سمع
عمر. ويقال: أبو عبدالرحمن. قال إبراهيم بن ميسرة: قال مجاهد: "ما رأيت أحداً
بعد ابن عباس أفقه من أبي عياض". وقال مسعر عن موسى ابن أبي كثير عن مجاهد
قال: حدثنا أبو عياض في إمرة معاوية. قال ابن المديني: إن لم يكن اسم أبي عياض قيس
بن ثعلبة فلا أدري".
قلت: خلط الذهبي ترجمة عمرو بن
الأسود أبي عياض الشامي بترجمة أبي عياض الكوفي صاحب مجاهد!
وقال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب))
(8/345): "قيس بن ثعلبة: قيل هو اسم أبي عياض الذي روى عن عبدالله بن عمرو
وعنه مجاهد. ترجم له أبو نصر الكلاباذي هكذا في رجال البحاري ثم قال: وقيل: هو
عمرو بن الأسود".
قلت: هذا هو الصواب فإن أبا عياض
الذي روى عنه مجاهد وأخرج حديثه البخاري هو أبو عياض واسمه قيس بن ثعلبة.
قال البخاري في ((التاريخ الكبير))
(3/340): "رضراض: سمع قيس بن ثعلبة عن عبدالله: ((كنت أسلم على النبي صلى
الله عليه وسلم في الصلاة فيرد، فسلّمت فلم يرد. فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يحدث من
أمره ما يشاء)). قاله أحمد بن سعيد عن إسحاق السلولي: سمع أبا كدينة، عن مطرف، عن
أبي الجهم. قال بعضهم: من بني قيس بن ثعلبة".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (3/521): "رضراض بن أسعد. روى عن علي وعبدالله. روى عنه أبو الجهم
سليمان بن الجهم. سمعت أبي يقول ذلك".
وذكر ابن حبان في أتباع التابعين
من ((الثقات)) (6/312) فقال: "رضراض شيخ يروي عن قيس بن ثعلبة عن عبدالله.
روى عنه أهل الكوفة".
قلت: حصل اختلاف في إسناد حديث
الرضراض، واعتمد أبو حاتم الطريق التي ليس فيها قيس بن ثعلبة، وهذا خطأ، والصواب
إثباته كما سيأتي.
وقد سُئِل الدارقطني في ((العلل))
(5/235) عن هذا الحديث؟ فقال: "هذا حديثٌ يرويه مطرف بن طريف الحارثي، واختلف
عنه: فرواه محمد بن فضيل وأسباط بن محمد وجرير بن عبدالحميد وغيرهم، عن مطرف عن
أبي الجهم سليمان بن الجهم عن الرضراض عن عبدالله بن مسعود. ورواه أبو كدينة يحيى
بن المهلب عن مطرف عن أبي الجهم عن الرضراض قال: حدثني قيس بن ثعلبة، عن ابن مسعود.
وذكر علي بن المديني هذا الحديث في ((المسند)) فقال: كنت أحسبه متصلاً حتى رأيت
أبا كدينة رواه عن مطرف فأدخل بين الرضراض وبين ابن مسعود رجلاً يقال له: قيس بن
ثعلبة، وقيس هذا غير معروف! وهذا القول وهم من أبي كدينة! والصحيح قول من قال: عن
الرضراض عن ابن مسعود. وبيّن أبو حمزة السكري في روايته عن مطرف بهذا الحديث فقال:
عن أبي الجهم عن الرضراض رجلٌ من بني قيس بن ثعلبة عن ابن مسعود، والقول قول أبي
حمزة بمتابعة من قدمت ذكرهم عن مطرف. وروى هذا الحديث قبيصة بن الليث الأسدي عن
مطرف عن الشعبي عن الرضراض عن ابن مسعود، ووهم في ذكر الشعبي. والصحيح عن مطرف عن
أبي الجهم، والله أعلم".
قلت: وقد رُوي هذا الحديث في بعض
الكتب وجاء فيه: ((أبو الرضراض))! رواه الإمام أحمد في ((مسنده)) (1/409، 415) عن
محمد بن فضيل وأسباط بن محمد، كلاهما عن مطرف، عن أبي الجهم، عن أبي الرضراض، عن
عبدالله بن مسعود.
ورواه الطحاوي في ((شرح معاني
الآثار)) (1/455) من طريق الحمّاني، عن محمد ابن فضيل، عن مطرف، عن أبي الجهم، عن
أبي الرضراض، عن عبدالله.
ورواه أبو يعلى في ((مسنده))
(9/119) عن أبي خيثمة زهير، عن محمد بن فضيل، عن مطرف بن طريف، عن أبي الجهم، عن
أبي الرضراض، عن عبدالله.
قلت: كذا جاء في هذه الروايات:
((أبو الرضراض))، وبهذا ترجم ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (6/203): "أبو
الرضراض. روى عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة".
وقد أشار الدارقطني كما سبق أنه
جاء في الروايات: ((رضراض)) الاسم دون أداة الكنية. وكذا رواه الطبراني في ((المعجم
الكبير)) (10/111) من طريق عبثر بن القاسم. وفي (10/224) من طريق زهير، كلاهما عن
مطرف، عن أبي الجهم، عن الرضراض، عن عبدالله بن مسعود.
وقد أشار المحقق العلامة المعلمي
اليماني إلى هذه الروايات أثناء كلامه على ((التاريخ الكبير)) (3/340)، ثُم قال:
"وفي تعجيل المنفعة: ((رضراض هو أبو رضراض يأتي في الكنى)). ولم يذكره في
الكنى، والحاصل أنه اختلف على مطرف وهو ابن طريف، فقال ابن فضيل وأسباط: ((حدثنا
مطرف عن أبي الجهم، عن أبي الرضراض، عن عبدالله))، وقال أبو كدينة، واسمه يحيى بن
المهلب ((عن مطرف عن أبي الجهم عن رضراض سمع (والظاهر أنه وقع عنده بدل - سمع -
حدثني - كما يأتي) قيس بن ثعلبة عنه عبدالله. ولم أقف على حديث رضراض عن عليّ.
والظاهر أنه وقع في سنده ((رضراض بن أسعد عن عليّ)) أو نحو ذلك كما ذكره أبو حاتم،
وبهذا يترجّح أن اسمه ((رضراض)) أو يجمع بين الروايتين بأنه رضراض أبو الرضراض،
فيكون مكنى بمثل اسمه ومثله موجود. وفي ((لسان الميزان)) (2/461): ((رضراض عن ابن
عباس. قال الأزدي: ليس بالقوي))، ويبقى النظر في روايته عن عبدالله بن مسعود
أبواسطة قيس بن ثعلبة أم بدونها، وسيأتي في آخر الترجمة ((قال بعضهم: من بني قيس
بن ثعلبة))، وفي ((لسان الميزان)) (4/477): ((قيس ابن ثعلبة عن ابن مسعود: كنا
نسلم...))... أما ابن أبي حاتم فاقتصر على الاسم ((قيس ابن ثعلبة)) وترك بياضاً.
والذي يتحرر أنه لا وجود لقيس بن ثعلبة إلا في رواية أبي كدينة عن مطرف عن الرضراض
كما ذكره المؤلف هنا، ولكن ابن المديني لما رأى هذه الرواية وكأنه رأى أن الحديث قد
روي عن أبي عياض عن ابن مسعود ظن أن أبا عياض اسمه قيس بن ثعلبة، فإذا تبين أن
الصواب في هذا الحديث ((عن رضراض رجل من بني قيس بن ثعلبة عن ابن مسعود ((تبيّن
أنه لا وجود لقيس بن ثعلبة في التابعين، وإنما هو اسم جاهلي تنسب إليه القبيلة.
وأما قول المؤلف ((رضراض: سمع قيس بن ثعلبة)) فكأنه وقع له في السند ((...رضراض
حدثني قيس بن ثعلبة)) وكلمة ((حدثني)) هذه في الأصل تصحيف ((أحد بني))، فتدبر،
والله أعلم". انتهى كلامه رحمه الله.
قلت: الذي يظهر لي أن ترجيح
الدارقطني للرواية التي بدون قيس بن ثعلبة مرجوح! والصواب بالزيادة كما ذهب إليه
علي بن المديني. وما قاله المعلمي ليس بسديد! والاختلاف في الحديث من مطرف، فرواه
عن الرضراض، وكان يرويه أحياناً عن أبي الرضراض، وأدخل مرة بين الرضراض وبين
عبدالله: قيس بن ثعلبة، وهو الصواب، وقد ضبط ذلك عنه أبو كدينة وهو ثقة.
وأما ما قاله أبو حمزة السكري
واعتمد عليه الدارقطني في تضعيف رواية أبي كدينة أن السكري قال: "الرضراض رجل
من بني قيس بن ثعلبة" فأظنه وهم من السكري، وهو وإن كان ثقة؛ إلا أنهم تكلموا
في روايته في آخر عمره!
والصواب في الحديث: ((عن أبي
الرضراض عن قيس بن ثعلبة أبي عياض عن عبدالله ابن مسعود)) ويؤيد هذا أمور:
1- أن الذهبي ترجم في ((المقتنى
في سرد الكنى)) (1/237) تبعاً لأبي أحمد الحاكم: "أبو الرضراض عن أبي عياض.
وعنه سعيد. يُجهل".
ففي هذا أن أبا الرضراض يروي عن
أبي عياض، ومعروف أن أبا عياض يروي عن عبدالله بن مسعود.
2- أن الرضراض يروي عن ابن مسعود
بواسطة رجل اسمه ((الحر)).
قال البخاري في ((التاريخ الكبير))
(3/81): "حُر عن ابن مسعود: اختلس إحدى التسليمتين. قاله بيان عن يزيد: حدثنا
همام عن قتادة عن الرضراض".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (3/277): "حر الكوفي. روى عن عبدالله ابن مسعود. روى عنه الرضراض.
سمعت أبي يقول ذلك".
وقال ابن حبان في ((الثقات)) (4/180):
"حر شيخٌ يروي عن ابن مسعود. روى قتادة عن أبي الرضراض عنه. لست أعرفهما، ولا
أباهما".
قلت: أبو الرضراض هو الرضراض بن
أسعد من أصحاب عليّ كما سيأتي.
وهذا يدل على أن الرضراض لا يروي
مباشرة عن ابن مسعود بل بواسطة، والواسطة في حديث رد السلام هو قيس بن ثعلبة وهو
أبو عياض، ولهذا قال ابن المديني: قيس بن ثعلبة أراه أبا عياض.
3- ترجمة البخاري لرضراض وأنه سمع
قيس بن ثعلبة عن ابن مسعود، ثم نبه في آخر الترجمة إلى وهم من قال: من بني قيس بن
ثعلبة! وكذلك فإنه اعتمد قول ابن المديني في ترجمة قيس بن ثعلبه أنه يراه أبا
عياض، ونبه إلى وهم من سماه عمرو بن الأسود، فهذا الأخير آخر.
4- وكذلك فإن البخاري ذكر في
ترجمة قيس بن ثعلبة والذي رجح ابن المديني أنه أبو عياض- ذكر أنه يروي عن عبدالله
بن عمرو بن العاص، وذكر أيضاً أن مجاهد يروي عنه، وهذا إشارة إلى الرواية التي
خرجها البخاري عن مجاهد عن أبي عياض عن عبدالله بن عمرو بن العاص في الصوم كما سبق
ذكرها.
وقد اعتمد المعلمي اليماني - رحمه
الله - في نفي وجود قيس بن ثعلبة رواية السكري، وهذه الرواية مرجوحة، وإن رجحها ابن
المديني والدارقطني. وفعل البخاري هو الصواب إن شاء الله تعالى.
وقد كان ابن المديني يرى أن
الرواية متصلة حتى رأى رواية أبي كدينة، فذهب إليها، ولكنه لم يعرف قيساً! ولكنه
عرفه بعد كما نقل عنه البخاري فقال: أراه أبا عياض، فأصاب.
أما حديث الرضراض عن عليّ فقد وقفت
عليه –ولله الحمد- وهو ما أخرجه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (3/140)،
والطبراني في ((مسند الشاميين)) (4/69) عن عبدالرّحمن بن عمرو الدمشقي أبي زُرعة، قال:
حدثنا محمد بن بكّار بن بلال، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الرضراض بن
أسعد، قال: ((شهدت علياً جلد شراحة ثم رجمها. وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها
بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
قلت: وهذه الرواية التي لم يقف
عليها المعلمي –رحمه الله- ولكنه قال: "والظاهر أنه وقع في سنده ((رضراض بن
أسعد عن عليّ)) أو نحو ذلك كما ذكره أبو حاتم". وما توقعه أصاب فيه رحمه
الله.
وكأن رضراض هذا كنيته أبا الرضراض
ولذلك رُوي الحديث مرة عن رضراض ومرة عن أبي رضراض، وهو ثقة إن شاء الله.
·
إشارة الدارقطني إلى وقوع خطأ للبخاريّ في حديث الرضراض!
روى الخطيب البغدادي في ((تاريخ
بغداد)) (12/38) في ترجمة ((الدارقطنيّ)): قال أبو بكر البرقاني: "وكنت أُكثر
ذِكر الدّارقطني والثناء عليه بحضرة أبي مسلم بن مهران الحافظ، فقال لي أبو مسلم:
أَراك تُفرط في وصفه بالحفظ! فتسأله عن حديث الرضراض عن ابن مسعود؟ فجئت إلى أبي
الحسن، وسألته عنه؟ فقال: ليس هذا من مسائلك، وإنما قد وضعت عليه؟! فقلت له: نعم.
فقال: مَن الذي وضعك على هذه المسألة؟ فقلت: لا يمكنني أن أسمّيه. فقال: لا أجيبك
أو تذكره لي! فأخبرته، فأملى عليّ أبو الحسن حديث الرضراض باختلاف وجوهه، وذكر خطأ
البخاري فيه! فالحقته بالعلل، ونقلته إليها".
قلت: لم يتبيّن لي خطأ البخاري في
الحديث! ثُم وجدت الدكتور محفوظ الرحمن أثناء تحقيقه لعلل الدارقطني أتى بنص
البرقاني هذا (5/235) وذكر جملة داخل النص يريد بها أن الدارقطني ذكر خطأ ابن
المديني لا البخاري! فقال: "وذكر خطأ البخاري (الصواب ابن المديني) فيه
فألحقته بالعلل...".
قلت: وهذا منه صواب إن شاء الله؛
لأن الدارقطني نقل في العلل رأي ابن المديني أن الصواب زيادة قيس في الإسناد، ثُم
رجح أن الزيادة لا تصح بخلاف قول ابن المديني، والله أعلم.
·
تفرقة بعض الأئمة بين أبي عياض عمرو بن الأسود وبين أبي عياض الذي
يروي عنه عبد ربّه بن يزيد:
روى أبو داود في ((سننه)) (1/287)
عن محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عمران، عن قتادة، عن عبد ربه،
عن أبي عياض، عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: ((الحمد
لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن
يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله
بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما
فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً)).
وروى أيضاً في ((السنن)) (4/187)
عن محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن عبدالله، قال: حدثثنا سعيد، عن قتادة، عن
عبد ربه، عن أبي عياض، عن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت: ((في المغلظة: أربعون جذعة
خلفه، وثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون. وفي الخطأ: ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون،
وعشرون بنو لبون ذكور، وعشرون بنات مخاض)).
وروى النسائي في ((السنن الكبرى))
(2/182) من طريق الحجاج بن حجاج وسعيد بن أبي عروبة، كلاهما عن قتادة، عن عبد ربه،
عن أبي عياض، عن عبدالرحمن بن الحارث قال: أرسلني مروان إلى عائشة، فأتيتها فلقيت
غلامها ذكوان، فأرسلته إليها سألها عن ذلك، فقالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصبح جنباً من جماع وهو صائم، ثم يصوم ولا يفطر)). فأتيت مروان، فحدثته بذلك
فأرسلني إلى أم سلمة، فأتيتها فلقيت غلامها نافعاً، فأرسلته إليها فسألها عن ذلك،
فقالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً، وهو صائم ثم يصوم ولا يفطر)).
وعبد ربه هذا لم يرو عنه إلا
قتادة. وقد فرّق المزي وابن حجر بين أبي عياض هذا الذي روى عنه عبد ربه وبين أبي
عياض عمرو بن الأسود العنسي.
قال المزي في ((تهذيب الكمال))
(34/165): "أبو عياض عن عبدالله بن مسعود (د) وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام (س).
روى قتادة (د س) عن عبد ربه عنه. روى له أبو داود حديثاً واحداً والنسائي آخر. وقد
كتبناهما في ترجمة عبد ربه. قال مسلم في ((الكنى)): أبو عياض عمرو بن الأسود: سمع
معاوية. روى عنه خالد بن معدان، ويقال: اسمه قيس بن ثعلبة. وقال عبدالرحمن بن أبي
حاتم: أبو عياض الذي روى عنه زياد بن فياض، وهو صاحب عليّ اسمه مسلم بن نذير. سمعت
أبي يقول ذلك".
وقال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب))
(12/213): "قلت: الذي ذكره مسلم هو الذي قبل هذا، ومسلم تبع في ذلك البخاري؛
فإنه كذلك ذكره في ((الكنى))، ونقل عن علي بن المديني أن اسمه قيس بن ثعلبة، ثم
قال: وقال غيره عمرو بن الأسود، وكذا نقل هذا كله عن البخاري النسائي وأبو أحمد
الحاكم كلاهما في ((الكنى)). وأما الراوي عن عبدالرحمن بن الحارث فمدنيّ لا يُعرف،
لكنه ذكره ابن حبان في الثقات إلا أنه جعل عبدالرحمن بن الحارث من الرواة عنه،
والله تعالى أعلم".
وقال في ((التقريب)) (ص663):
"أبو عياض المدني: مجهولٌ من السادسة. وقيل اسمه: قيس بن ثعلبة. د س".
قلت: هكذا في كلّ مطبوعات
التقريب: "من السادسة"! وهذا خطأ واضح! فكيف يكون من السادسة والراوي
عنه عبد ربه من الرابعة؟! وقوله: "المدني" لم ينسبه أحد هكذا!
ولم أهتد إليه في ثقات ابن حبان،
فكأن ابن حجر وهم في ذلك، والله أعلم.
والذي أراه أن أبا عياض الذي يروي
عنه عبد ربه هو أبو عياض قيس بن ثعلبة الكوفي التابعي الثقة المعروف صاحب ابن
مسعود وعبدالله بن عمرو، وغفل المزي وابن حجر عن رواية أخرى له عند أبي داود رواها
عن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت كما سبق ذكرها.
ومما يؤيد أن أبا عياض شيخ عبد
ربه هو الكوفي لا عمرو بن الأسود الشامي أو أنه أبو عياض آخر مجهول:
1- قال يعقوب بن سفيان الفسوي في
((المعرفة والتاريخ)) (3/20): حدّثنا محمد بن عبدالرحيم قال: سألت علياً عن أبي
عياض الذي يروي عنه مجاهد والهجري وعبد ربه عن أبي عياض؟ قال: "هو واحد".
فقلت: ما اسمه؟ قال: "لا أدري".
2- ومما يؤيد أن أبا عياض الذي
يروي عنه عبد ربه هو قيس بن ثعلبة ما جاء في الحديث الثاني الذي ذكرته له عن عثمان
بن عفان وزيد بن ثابت، وقد ذكر البخاري في ((التاريخ الكبير)) (7/150) أن الذي
يروي عن عثمان هو أبو عياض قيس بن ثعلبة.
وأبو عياض هذا من كبار التابعين
وفقهائهم أدرك عمر بن الخطاب فكان يروي عن أبي هريرة وابن عباس ويفتي في حياتهما
ويستفتى في خلافة معاوية، وكان هو ومجاهد متواريين زمن الحجاج. وقد روى أهل العلم
في كتبهم بعض الفتاوى عنه من طريق عبد ربه، وهذا يؤكد أنه هو. ومن ذلك:
1- ما رواه سعيد بن أبي عَروبة عن
قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن أبي هريرة قال: ((إذا سلم عليك وأنت في الصلاة
فرد)). (مصنف ابن أبي شيبة: 1/419).
2- وما رواه سعيد عن قتادة عن
فضالة بن عبيد. وعن عبد ربه عن أبي عياض أنه قال: ((عدتها إذا توفي عنها زوجها عدة
الحرة)). (مصنف ابن أبي شيبة: 4/144).
3- وما رواه سعيد عن قتادة عن
فضالة بن عبيد. وعن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض: ((القضاء ما قضت)). (مصنف ابن
أبي شيبة: 4/86).
4- وما رواه سعيد عن قتادة عن عبد
ربه عن أبي عياض: ((أن عثمان قضى في أعور أصيبت عينه الصحيحة الدية كاملة)). (مصنف
ابن أبي شيبة: 5/369).
وقد أصاب ابن حبان في ترجمته لأبي
عياض في ثقات التابعين (5/579) فقال: "أبو عياض الأشعري، يروي عن جماعة من
الصحابة. روى عنه أهل العراق".
قلت: أما قوله
"الأشعري" فوهم، والله أعلم.
·
هل مُسلم بن نُذير هو أبو عياض؟ وهل هو أبو صادق مسلم بن نذير؟
فرّق بعض أهل العلم بين مسلم بن
نُذير أبي نذير صاحب عليّ وبين أبي صادق مسلم ابن نذير الذي قيل إنه روى عن عليّ
مرسلاً.
قال الإمام أحمد في ((العلل
ومعرفة الرجال)) (2/511): "مسلم بن نُذير السعدي من أصحاب عليّ. روى عنه عياش
العامري".
وقال البخاري في ((7/273): "مسلم
بن نذير السّعدي عن حذيفة. روى عنه أبو إسحاق الهمداني وعياش".
وقال في (7/48): "عيّاش بن
عمرو العامريّ التيميّ. يعدّ في الكوفيين. سمع سعيد بن جبير والأسود بن هلال. قال
أبو نُعيم: حدثنا سفيان، عن عيّاش العامري، عن مسلم بن نُذير السعدي سُئِل عن
الدرهم بالدرهمين؟ قال: ((ذلك الربا العجلان))".
وروى طلق بن غنام قال: حدثنا شَريك،
عن عياش بن عمرو، عن مسلم بن يزيد، عن عليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إنّ لكل نبي حوارياً، وحواري الزبير)). (علل الدارقطني: 4/135).
وروى ابن الأصبهاني عن شريك، عن عياش
العامري، عن مسلم بن يزيد، قال: لما قاتل عليّ أهل البصرة جاء ابن جرموز، واستأذن
عليه، فأبطأ عليه الآذن، فقال: أنا قاتل الزبير. فقال عليّ: ((أتقتل ابن صفية بعجز،
فليبشر بالنار. إن لكل نبي حواري، وإنه حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
(تاريخ ابن عساكر: 18/421).
وحديثه عن حذيفة في ((السنن
الكبرى)) للنسائي (5/485) من طرق عن أبي إسحاق، عن مسلم بن يزيد، عن حذيفة قال: ((أخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسفل من عضلة ساقي -أو ساقه- فقال: هذا موضع الإزار،
فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين)).
قال ابن حبان في ((الثقات)) (5/398):
"مسلم بن نذير السعدي. يروي عن حذيفة ابن اليمان. روى عنه أبو إسحاق السبيعي".
وقال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى))
(6/228): "مسلم بن نذير السعدي من بني سعد بن زيد مناة بن تميم، وهو ابن عم
عتي بن ضمرة السعدي الذي روى عن أُبيّ بن كعب. وقد روى مسلم بن نذير عن علي وحذيفة.
وكان قليل الحديث، ويذكرون أنه كان يؤمن بالرجعة".
·
أوهام في كتاب ابن أبي حاتم في هذه التراجم!
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (8/197): "مسلم بن نُذير يكنى بأبي عياض. روى عن علي بن أبي طالب.
روى عنه زياد بن فياض. قال عبدالرحمن: سمعت أبا زرعة يقول ذلك. قال أبو محمد: وروى
عنه أبو إسحاق الهمداني وعياش العامري. قال عبدالرحمن: سُئل أبي عن أبا عياض صاحب
علي؟ قال: "لا بأس بحديثه".
ثُمّ قال بعد ذلك (8/199):
"مسلم بن يزيد السعدي، يكنى أبا يزيد. روى عن حذيفة. روى عنه أبو إسحاق
الهمداني وعياش العامري. سمعت أبي يقول ذلك".
قلت: في هاتين الترجمتين أوهام:
1- كنية مسلم بن نذير هي ((أبو
نُذير)). قال ابن ماكولا في ((الإكمال)) (7/258): "أبو نذير مسلم بن نذير. حدّث
عن علي بن أبي طالب". وقال الذهبي في ((المقتنى في سرد الكنى)) (2/110):
"أبو نذير مسلم بن نذير السعدي. عن حذيفة. وعنه أبو إسحاق السبيعي".
وقد وهم أبو زرعة في تكنيته بأبي
عياض، وقد بينت فيما سبق أن الرضراض بن أسعد يروي عن أبي عياض عن عليّ، وقد وقع
خطأ في الإسناد –كما سبق بيانه- وهذا هو منشأ الوهم، والله أعلم.
2- السؤال لأبي حاتم كان عن أبي
عياض صاحب عليّ، لا عن مسلم بن نذير أبي نذير! وهذا السؤال يؤكد أن أبا عياض كان
صاحباً لعليّ فيتأكد ما وجهناه في ما حصل في حديث الرضراض، واستفدنا توثيق أبي
حاتم له. إلا إذا كان أبو حاتم يتحدث عن مسلم بن نذير ويظن أن كنيته أبا عياض!
وهذا غير واضح هنا، والله أعلم.
3- الترجمة الثانية لمسلم بن يزيد
خطأ! وإنما هو مسلم بن نُذير، تصحفت! وكنيته أبا نُذير لا أبا يزيد!!
ولهذا وهم بعض المتأخرين بجمع كلّ
ذلك في ترجمة مسلم بن نذير!!
قال المزي في ((تهذيب الكمال)) (27/546):
"مسلم بن نذير، ويقال: مسلم بن يزيد، ويقال: مسلم بن نذير بن يزيد بن شبل بن
حيان السعدي أبو نذير، ويقال: أبو يزيد، ويقال أبو عياض الكوفي".
وقال الذهبي في ((الكاشف)) (2/260):
"مسلم بن نذير، ويقال: ابن يزيد. عن علي وحذيفة. وعنه أبو إسحاق وعياش
العامري. صالح (ت س ق)".
وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص531):
"مسلم بن نذير، بالنون مصغر. ويقال: ابن يزيد. كوفي، يكنى أبا عياض. مقبول من
الثالثة. بخ ت س ق".
قلت: كنيته أبا نُذير، وهو صدوق
صالح الحديث.
·
وهم في إسناد حديث مسلم بن نذير نبّه عليه بعض أهل العلم:
قال الذهبي في ((المغني في
الضعفاء)) (2/489): "عمرو بن مسلم بن نذير: عن عليّ. لا يُعرف من هو!".
وقال في ((الميزان)) (5/346):
"عمرو بن مسلم بن نذير عن عليّ. لا يعرف. وصوابه: مسلم بن نذير عنه عياش
العامري".
وقد نبّه عليه المزي في ((تهذيب
الكمال)) (22/242) فقال: "ومن الأوهام: (عس) عمرو بن مسلم بن نذير عن علي: بَشّر
قاتل ابن صفية بالنار. قاله أحمد بن سعيد الرباطي (عس)، عن إسحاق الأزرق، عن شريك،
عن عياش، عن عمرو بن مسلم بن نذير. وقال عبيدالله بن موسى (عس)، عن شريك، عن عياش،
عن مسلم بن نذير، وهو الصواب. وهو عياش بن عمرو العامري. روى له النسائي في ((مسند
عليّ))".
وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص427):
"عمرو بن مسلم بن نذير: صوابه: عياش بن عمرو، عن مسلم بن نذير. وهم فيه إسحاق
الأزرق (عس)".
قلت: تحرفت "بن" في
((عياش بن عمرو)) إلى "عن"، و "عن" في ((عن مسلم بن نذير)) إلى
"بن"! فصارت: ((عياش عن عمرو بن مسلم بن نذير)). والصواب: ((عياش ابن
عمرو عن مسلم بن نذير)).
·
وهم للمزي في ((تهذيب الكمال))!
اتفق الأئمة أن مسلم بن نُذير
السعدي أبا نذير الذي يروي عن حذيفة هو غير مسلم بن نذير أو يزيد الذي يكنى أبا
صادق. وقد وهم المزي بإيراده سؤال الآجري لأبي داود عن اسم أبي صادق فقال:
"مسلم بن يزيد"، في ترجمة ((مسلم بن نذير السعدي)) من كتابه ((تهذيب
الكمال: 27/546).
·
ترجمة أبي صادق مسلم بن نُذير:
قال الإمام أحمد في ((الأسامي
والكنى)) (ص77): "أبو صادق مسلم بن نُذير".
وقال البخاريّ في ((التاريخ
الكبير)) (7/264): "مسلم أبو صادق الأزدي عن ربيعة ابن ناجد، وهو الكوفي.
سماه مروان بن معاوية عن أبي واصل. قال أحمد مرة: ابن نذير، وقال مرة: ابن يزيد".
ثُم قال في (7/278): "مسلم
أبو صادق الكوفي. قال إسحاق عن أبي نعيم: حدثنا أبو عاصم الثقفي، قال: سألت أبا
صادق عبدالله بن ناجد الأزدي من أزد شنوءة".
وقال مسلم في ((الكنى والأسماء))
(1/450): "أبو صادق مسلم الأزدي، عن ربيعة ابن ناجد. روى عنه الحكم بن عتيبة.
ويقال: عبدالله بن ناجد".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (8/199): "مسلم بن يزيد، أبو صادق الأزدي. كوفي. ويقال: اسمه
عبدالله بن ناجد. روى عن علي بن أبي طالب مرسلاً، وعن أبي محذورة بذكر سماع. وروى
عن ربيعة بن ناجذ. روى عنه سلمة بن كهيل وعثمان بن المغيرة والحارث بن حصيرة
والقاسم بن الوليد. سمعت أبي يقول ذلك". قال أبو محمد: "وروى عنه شعيب
بن الحبحاب والحكم بن عبدالملك. قال عبدالرحمن: سألت أبي عنه؟ فقال: "هو بابة
أبي البختري الطائي، ولم يسمعا من علي، وهما صدوقان. وأما أبو صادق فهو مستقيم
الحديث".
وقال ابن حبان في ((الثقات)) (5/41):
"أبو صادق الأزدي. اسمه عبدالله بن ناجد. يروي عن علي. روى عنه أهل الكوفة".
ثُم قال في (7/445): "مسلم
أبو صادق الأزدي من أهل الكوفة. يروي عن ربيعة ابن ناجد. روى عنه مروان بن معاوية
الفزاري".
وقال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى))
(6/295): "أبو صادق الأزدي، واسمه عبدالله بن ناجد، ويقال: اسمه مسلم بن يزيد
من أزد شنوءة. أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا أبو سلمة الصائغ، قال: ((رأيت أبا
صادق أبيض اللحية)). قال: أخبرنا مسلم ابن إبراهيم، قال: حدثنا أبو بكر بن شعيب بن
الحَبْحاب، قال: ((رأيت أبا صادق أبيض الرأس واللحية)). قال: أخبرنا مسلم بن
إبراهيم، قال: حدثنا أبو بكر بن شعيب، قال: ((رأيت أبا صادق يصلي في تُبّان وقَطيفة)).
قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير، قال: حدثنا الأعمش، قال: ((رأيت أبا صادق يتبرّز
فرأيت عليه تُبّاناً)). قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا مهدي بن ميمون،
قال حدثنا شعيب -يعني ابن الحبحاب- قال: ((كان أبو صادق لا يتطوع من السّنة بصوم
يوم ولا يصلي ركعة سوى الفريضة قبلها ولا بعدها، وكان به من الورع شيءٌ عجيبٌ،
وكان قليل الحديث، وكانوا يتكلمون فيه))".
وقال ابن معين في ((تاريخه))
(رواية الدوري) (3/401): "أبو صادق مسلم".
وقال البرقاني (كما في سؤالاته
للدارقطني) (1/40): قلت لأبي الحسن: أبو صادق عن أبي هريرة. فقال: "اسمه
عبدالله بن ناجد أخو ربيعة بن ناجذ. كذا يقول أبو نعيم. ويقال: أبو صادق اسمه مسلم
بن يزيد، ويقال: هما رجلان، أحدهما مسلم والآخر عبدالله ابن ناجد".
وقال يعقوب الفسوي في ((المعرفة
والتاريخ)) (3/165): "واسم أبي صادق عبدالله ابن ناجد، وهو أخو ربيعة بن ناجد".
وقال الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (14/363)
معقباً على هذا: " قلت: فإن كان أخا ربيعة بن ناجد؛ فإن ربيعة هو: ابن ناجد
بن أنيس بن عبد الأسد بن معاذ بن مازن بن الدؤل بن سعد مناة بن عابد، واسمه عمرو
بن عبدالله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبدالله بن مالك بن نضر بن الأزد بن الغوث".
وقال الخطيب: "أبو صادق
الأزدي. قيل: إن اسمه مسلم بن يزيد. وقيل: عبدالله بن ناجد. وهو كوفي، ورد المدائن،
وحدّث عن علي بن أبي طالب، وعن ربيعة بن ناجد، وأرسل الرواية عن أبي محذورة. روى
عنه سلمة بن كهيل وعثمان بن المغيرة والحارث بن حصيرة والحكم بن عتيبة وعمرو بن
عمير".
ثُم روى الخطيب بإسناده إلى أبي
الفضل أحمد بن ملاعب قال: سمعت أبا نعيم الفضل ابن دكين يقول: "أبو صادق
عبدالله بن ناجد". قال أحمد بن ملاعب: "وهو أخو ربيعة ابن ناجد".
ثُم روى عن الآجري قال: سألت أبا داود
عن اسم أبي صادق؟ فقال: "مسلم بن يزيد".
ثُم روى عن محمد بن أحمد بن يعقوب
بن شيبة قال: حدثنا جدي قال: "أبو صادق ثقة. وقد اختلف علينا في اسمه، فقال
الفضل بن دكين: اسمه عبدالله بن ناجد. وسمعت أبا بكر بن أبي الأسود ومحمد بن
عبدالله بن نمير يقولان: اسم أبي صادق مسلم بن يزيد".
وقال الذهبي في ((المقتنى في سرد
الكنى)) (1/311): "أبو صادق الأزدي مسلم بن يزيد، وقيل: عبدالله بن ناجد أخو
ربيعة. سمع علياً".
وقال في ((المغني في الضعفاء)) (2/790):
"أبو صادق الأزدي عن علي. قيل: اسمه عبدالله بن ناجد. قال ابن سعد: يتكلمون
فيه. وقال غيره: لم يسمع من علي".
وقال في ((الكاشف)) (2/435):
"أبو صادق الأزدي مسلم. وقيل: عبدالله بن ناجد، عن علي وأخيه ربيعة. وعنه
الحكم وشعيب بن الحبحاب. وُثّق. وقيل لم يلق علياً (ق)".
وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص649):
"أبو صادق الأزدي الكوفي. قيل: اسمه مسلم بن يزيد، وقيل: عبدالله بن ناجد.
صدوق، وحديثه عن علي مرسل. من الرابعة. (س ق)".
وقال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب))
(12/143): "وقال النسائي في ((الكنى)): أبو صادق عبدالله بن ناجد الأزدي أخو
ربيعة بن ناجد، وقيل اسمه مسلم بن يزيد. وكذا قال أحمد بن ملاعب أنه أخو ربيعة بن
ناجد. قلت: وممن جزم بأنه أخو ربيعة: عمرو بن علي الفلاس والدارقطني. وقال أبو
أحمد الحاكم: أبو صادق مسلم بن يزيد الأزدي، ويقال: عبدالله بن ناجد أخو ربيعة بن
ناجد".
قلت: فتحصل من هذا أنه هناك
اختلاف بين أهل العلم في:
1- تسميته: فمنهم من سماه مسلم بن
نذير، ومنهم من سماه: مسلم بن يزيد، ونقل البخاري عن أحمد أنه سماه مرة هكذا ومرة
هكذا.
2- وكذلك اختلفوا هل اسمه أيضاً:
عبدالله بن ناجد، وهل هو أخو ربيعة بن ناجذ؟! أم أن مسلماً غير عبدالله؟!
3- سماعه من عليّ! نفاه أبو حاتم
الرازي وأثبته الذهبي!
4- هل هو ثقة أم ضعيف؟!
قلت: الذي روى عن ربيعة بن ناجد
الأزدي هو أبو صادق هذا. وأياً كان اسمه فهو رجلٌ واحد، فإما أن يكون اسمه: مسلم
بن يزيد، وإما أن يكون اسمه: عبدالله بن ناجد، فإن كان الثاني فهو أخو ربيعة، وهذا
ما مالَ إليه كثير من الأئمة، وكأنه الصواب لأن أبا عاصم الثقفي، قال: سألت أبا
صادق عبدالله بن ناجد الأزدي من أزد شنوءة".
وقد جزم كثير من الحفاظ أنه أخو
ربيعة بن ناجد صاحب عليّ. وعليه فإن رواية أبي صادق عن عليّ مرسلة كما جزم أبو
حاتم الرازي، وهو ثقة مستقيم الحديث، وكلام الناس فيه الذي نقله ابن سعد ليس في حديثه،
وظاهره أنه في نفسه. والأحاديث التي استنكرت وقيل بأنها رويت عنه العهدة فيها ليست
عليه؛ لأنه لم يروها أصلاً، فالنظر في أسانيد تلك الأحاديث ممن دونه. فإذا صحّ
الإسناد إليه فحديثه صحيح، ومراسيله حسنة؛ لأنه يروي عن أخيه عن عليّ، فأحياناً
يذكر الواسطة، وأحياناً لا يذكرها؛ فإذا علمنا الواسطة وهي ربيعة أخوه، فلا ضير من
قبول مراسيله. ومن هذه المراسيل التي رواها عن عليّ:
1- ما رواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه))
(1/104) عن حفص بن غياث، عن الحسن ابن عبيدالله قال: مررت إلى الحمام، فرآني أبو
صادق، فقال: معك إزار؟ فإن علياً كان يقول: ((من كشف عورته أعرض عنه المَلِك)).
2- وما رواه أيضاً في (6/403) عن وكيع،
قال: حدثنا إبراهيم بن يزيد، قال: حدثني عمّي أبو صادق، عن علي، قال: ((الأئمة من
قريش)).
ورواه أيضاً في (7/452) عن وكيع،
عن إبراهيم بن مرثد (كذا!) قال: حدثني عمّي أبو صادق، عن علي، قال: ((الأئمة من
قريش، ومن فارق الجماعة شبراً فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه)).
ورواه في ((المصنف)) (6/403) عن وكيع،
عن مسعر، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، عن علي، قال:
((إن قريشاً هم أئمة العرب، أبرارها أئمة أبرارها، وفجارها أئمة فجارها، ولكل حق
فأدوا إلى كل ذي حق حقه)).
وهذا رواه أبو صادق عن ربيعة عن
علي مرفوعاً. أخرجه الحاكم في ((المستدرك)) (4/85) من طريق الفيض بن الفضل، عن مسعر
بن كدام، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، عن علي بن أبي طالب، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأئمة من قريش. أبرارها أمراء أبرارها،
وفجارها أمراء فجارها، ولكلّ حق، فآتوا كل ذي حق حقه، وإن أمرت عليكم عبداً حبشياً
مجدعاً فاسمعوا له وأطيعوا ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه، فإن خير بين
إسلامه وضرب عنقه فليقدم عنقه، فإنه لا دنيا له ولا آخره بعد إسلامه)).
والصواب وقفه على عليّ رضي الله
عنه. تفرد برفعه الفيض.
·
ترجمة ربيعة بن ناجد الأزديّ:
قال البخاري في ((التاريخ الكبير))
(3/281): "ربيعة بن ناجد الأسدي، ويقال: الأزدي الكوفي. قال مالك بن إسماعيل:
حدثنا الحكم بن عبدالملك، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، عن
عليّ: دعاني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا علي، إن لك من عيسى مثلاً أبغضته
اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنـزل الذي لي به)).
قلت: هذا الحديث أورده البخاري في
ترجمته لبيان نكارته. وقد رواه النسائي في ((السنن الكبرى)) (5/137) من طريق أبي
حفص الأبار. والحاكم في ((المستدرك)) (3/132) من طريق عليّ بن ثابت الدهان، كلاهما
عن الحكم بن عبدالملك، به.
قال الحاكم: "صحيحُ الإسناد،
ولم يخرجاه".
وتعقبه الذهبي في ((التلخيص))
فقال: "الحكم وهّاه ابن معين".
وقال يحيى بن معين: "الحكم
بن عبدالملك: ضعيف، ليس بثقة، وليس بشيء". وقال أبو حاتم الرازي: "الحكم
بن عبدالملك: مضطرب الحديث جداً، وليس بقوي في الحديث". (الجرح والتعديل:
3/122).
وقال أبو داود: "منكر
الحديث". وقال يعقوب بن شيبة: "ضعيف الحديث جداً، له أحاديث مناكير".
وقال ابن حبان في ((المجروحين)) (1/248):
"الحكم بن عبدالملك من أهل البصرة، يروي عن قتادة. روى عنه مالك بن إسماعيل
والحسن بن بشر. ينفرد عن الثقات بما لا يتابع عليه حتى أكثر منه".
والعجب من النسائي كيف روى له وهو
يقول فيه: "ليس بالقوي"! والعجب كذلك من العجلي كيف وثقه؟! قال في
((معرفة الثقات)) (ص312): " الحكم بن عبدالملك القرشي: ثقة. روى عن قتادة، ما
أدري أهو بصري أو كوفي؟".
قلت: قال علي بن المديني: "الحكم
بن عبدالملك أصله بصري، وقدم الكوفة، وهو من أصحاب قتادة". (تاريخ بغداد:
8/220).
وذكر البخاري في ((التاريخ الكبير))
(2/340): "الحكم بن عبدالملك: سمع قتادة وأبا صادق. سمع منه مالك بن إسماعيل
والحسن بن بشر".
قلت: فطالما أنه سمع أبا صادق،
فلمَ لم يسمع منه هذا الحديث؟! فرواه عن الحارث ابن حصيرة عن أبي صادق؟! فلو كان
عند أبي صادق لسمعه منه؟
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (3/473): "ربيعة بن ناجد الأسدي، ويقال: الأزدي. روى عن علي
وعبدالله وعبادة بن الصامت. روى عنه أبو صادق. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال ابن حبان في ((الثقات)) (4/229):
"ربيعة بن ناجد الأسدي الأزدي الكوفي. يروي عن علي. روى عنه أبو صادق. وقيل
ربيعة بن ناجذ الأسلمي".
وذكره ابن سعد في ((الطبقات
الكبرى)) (6/226): "ربيعة بن ناجد الأزدي. روى عن علي".
وقال العجلي في ((معرفة الثقات))
(ص359): "ربيعة بن ناجد: كوفي تابعيّ ثقة".
وذكره الخطيب في ((تاريخ بغداد))
(8/420) وقال: "ربيعة بن ناجد الأسدي الكوفي: سمع علي بن أبي طالب، وورد
الأنبار في صحبته. روى عنه أبو صادق الأزدي، وقيل: إن أبا صادق هو أخو ربيعة،
فالله أعلم. أخبرنا محمد بن عمر بن القاسم النرسي، قال: أخبرنا محمد بن عبدالله بن
إبراهيم الشافعي، قال: حدثنا محمد بن يونس، قال: حدثنا حسين بن حسن الفزاري، قال: حدثنا
قيس بن الربيع، عن عمرو بن قيس، عن أبي صادق، عن رببعة بن ناجد، قال: خطبنا عليّ
بالأنبار، فقال: ((يا أيها الناس، إن الجهاد بابٌ من أبواب الجنة، فمن تركه شمله
البلاء، وسيم الخسف، وديس بالصَّغَار، والله إنه بلغني أن المرأة المسلمة كانت ينـزع
عنها رعائها، ويكشف عن ذيلها فما تمتنع، ثم انصرفوا موفورين ولم يكلموا ما على هذا
فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
وقال الذهبي في ((الميزان)) (3/70):
"ربيعة بن ناجد عن علي. لا يكاد يُعرف. وعنه أبو صادق بخبرٍ منكرٍ فيه: عليّ
أخي ووارثي".
وقال في ((المغني في الضعفاء)) (1/230):
"ربيعة بن ناجد عن علي. فيه جهالة".
وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص208):
"ثقة. من الثانية. س ق".
وتعقبه صاحبا ((تحرير التقريب))
(1/398) فقالا: "بل: مجهول، تفرد بالرواية عنه أبو صادق الأزدي، ولم يوثقه
سوى ابن حبان والعجلي، وقال الذهبي في ((الميزان)): لا يكاد يعرف. وقال في
((المغني)): فيه جهالة".
قلت: بل ليس بمجهول، وهو ثقة
معروف من أصحاب عليّ رضي الله عنه. والحديث المنكر الذي أشار إليه الذهبي رواه
النسائي في ((السنن الكبرى)) (5/125) من طريق أبي عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن
أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد: أنّ رجلاً قال لعلي: يا أمير المؤمنين، لم ورثت ابن
عمك دون عمك؟ قال: ((جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم -أو قال: دعا رسول الله صلى
الله عليه وسلم- بني عبد المطلب، فصنع لهم مداً من طعام. قال: فأكلوا حتى شبعوا،
وبقي الطعام كما هو، كأنه لم يمس، ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا، وبقي الشراب كأنه
لم يمس -أو لم يشرب-. فقال: يا بني عبد المطلب، إني بعثت إليكم بخاصة، وإلى الناس
بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما قد رأيتم فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي
ووارثي، فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه وكنت أصغر القوم، فقال: اجلس، ثم قال: ثلاث
مرات، كل ذلك أقوم إليه، فيقول: اجلس حتى كان في الثالثة، ضرب بيده على يدي، ثم
قال: أنت أخي وصاحبي ووارثي ووزيري، فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي)).
قلت: نعم، هو حديثٌ منكرٌ، ولكن
العهدة فيه ليست على ربيعة ولا على أبي صادق. وقد تفرد به أبو عوانة عن عثمان بن
المغيرة! وقد تكلّم النقاد في هذا! فقال عليّ ابن المديني: "قد روى عثمان بن
المغيرة أحاديث منكرة من حديث أبي عوانة". (ضعفاء العقيلي: 1/107).
وقال الذهبي في ((المغني في
الضعفاء)) (2/429): "عثمان بن المغيرة الثقفي: ثقة. ولأبي عوانة عنه مناكير".
وقال في ((الميزان)) (5/71):
"صدوقٌ موثق، ولأبي عوانة عنه ما يُنكر".
قلت: فعبارة الذهبي السابقة في
ترجمة ربيعة بن ناجد توهم بأن العهدة في هذا الحديث المنكر من ربيعة! وكلامه هنا
يرد ذلك، فليتنبه.
وكتب:
خالد الحايك.
12
ربيع الأول 1429هـ.
شاركنا تعليقك