مصطلح ((التلقين الخفي)) عند الدكتور إبراهيم اللاحم واعتراضه على
فهم بعض الناس والاعتراض عليه.
بقلم:
أبي صهيب الحايك.
قال الدكتور إبراهيم اللاحم في
كتابه ((الجرح والتعديل)) (ص61): "فإن التلقين بالقراءة على الراوي من غير حديثه،
فيقر به، أو بأن يدفع إليه من غير حديثه فيقرأه- من التلقين الجلي، وهو أشهر صور
التلقين وأكثرها شيوعاً، وهناك صور من التلقين خفية، مثل: أن يُلقّن حديثه هو، أو
يحدّث من كتاب غيره، أو ينظر في كتاب غيره وهو يحدّث، أو ينسخ من كتاب الغير ما
سمعه هو من شيخه، أو يستفهم جليسه عن شيء من متن الحديث أو إسناده لم يسمعه جيداً
من شيخه، وهو يحدّث، أو يعتمد على إملاء بعض تلامذة الشيخ، أو يروي حديثاً على وجه
خاطئ فيصححه له أحد ممن سمعه، أو يذكّره غيره بحديث كان يحفظه، والضرير إذا كتب له
ثم لقن ما كتب ليحفظه، ونحو ذلك، فالراوي متى حدّث في هذه الصور ولم يبين فهو نوع
من التلقين؛ إذ الأصل في الراوي أن يعتمد على مسموعه ومحفوظه فقط، ولا علاقة له
بغيره، فغيره قد تكون روايته مخالفة لروايته هو، وقد يكون فيها مخطئاً، إما عن
تعمد، أو عن غير تعمد، وبعض الأئمة يتسامحون في بعض هذه الصور، ومنهم من يتشدد،
حتى إن بعضهم إذا اختلف ما يحفظه عما في كتابه هو بين ذلك، فيقول: في حفظي كذا،
وفي كتابي كذا. وكلّ هذه الصور لها صلة بجرح الرواة وتعديلهم، فإذا مرت بالباحث في
راو من الرواة أدرك مقصود الأئمة بالتنبيه عليها، وغرضهم من الإشارة إليها، إذ قد
يخفى هذا الغرض على بعض الباحثين، فيفسر كلام الناقد على غير وجهه، من ذلك أن
أحدهم علّق على قول عبدالرحمن بن مهدي: ((نظرت في كتاب أبي عوانة، وأستغفر الله))
بقوله: ((لعل استغفار ابن مهدي بعد النظر في كتابه يكون بسبب أنه رأى فيه بدون
إذنه، وليس لأجل التضعيف...)). وهذا التعليق بعيد عن المقصود فمراده أنه لم يعتمد
على ما عنده هو، واستعان بكتاب أبي عوانة، وهو نوع من التلقين خفي". انتهى
كلام الدكتور اللاحم.
قلت: على كلام الشيخ مؤاخذات:
1- مخالفة الدكتور لمفهوم مصطلح
((التلقين)) عند أهل العلم والذي إذا ذكر في الراوي دلّ على أنه جرحة فيه.
فهناك اصطلاحات قد استخدمها أهل
النقد المتقدمين وتتابع على استخدامها المتأخرون، فأصبحت هذه المصطلحات إذا أطلقت
دلّت على شيء معهود في ذهن طالب الحديث.
ومن هذه المصطلحات: ((التلقين)):
وهو: أن يقول الطالب للشيخ: قل حدثنا فلان بكذا، فيحدث به من غير أن يكون عارفاً
بحديثه ولا بعدالة الطالب.
قال ابن رجب في ((شرح علل الترمذي))
(1/511): "وحاصل الأمر أن الناس ثلاثة أقسام: حافظ متقن يحدّث من حفظه فهذا
لا كلام فيه. وحافظٌ نسي فلقن حتى ذكر أو تذكر حديثه من كتاب فرجع إليه حفظه الذي
كان نسيه، وهذا أيضاً حكمه حكم الحافظ، وكان شعبة أحياناً يتذكر حديثه من كتاب.
ومن لا يحفظ شيئاً وإنما يعتمد على مجرد التلقين فهذا هو الذي منع أحمد ويحيى بن
معين الأخذ عنه".
ولهذا أضحى مصطلح التلقين عند أهل
العلم جرحٌ في الراوي، فيقولون: "كان يلقن فيتلقن". قال ابن أبي حاتم وهو
يتحدث عما يجرّح به الراوي: "وكذلك من لقن فتلقن. التلقين يرد حديثه الذي لقن
فيه وأخذ عنه ما أتقن حفظه إذا علم أن ذلك التلقين حادث في حفظه لا يعرف به قديماً،
فأما من عرف به قديماً في جميع حديثه فلا يقبل حديثه ولا يؤمن أن يكون ما حفظ مما
لقن". (الجرح والتعديل: 2/34).
وهذا ما عهدناه من الأئمة إذا
جرّحوا الراوي بالتلقين.
2- إتيان الدكتور بمصطلح جديد
((التلقين الخفي)) فأين هذا المصطلح عند أهل الحديث؟!
3- الصور التي أتى بها الدكتور
زاعماً أنها من التلقين الخفي قد اتفق الأئمة على قبولها، ولم يدرجوها في التلقين،
ولم يضعفوا الرواة بها.
4- المثال الذي أتى به الدكتور لا
علاقة له بالتلقين أو ما سماه هو ((التلقين الخفي))! وفي هذا المثال يثبت الدكتور
أن ابن مهدي يُلقَّن! وهذا فيه تهمة لابن مهدي من حيث لا يدري الدكتور –سامحه
الله-! وإنما أوقعه في ذلك حماسه في الاعتراض على ((الباحث النّكرة))! وتصحيحه
لفهمه هو!
5- لم يتبيّن الدكتور الحال الذي
قال فيه ابن مهدي هذا الكلام عندما نظر في كتاب أبي عوانة الوضاح اليشكري! ولو أنه
نظر في ترجمته لرأى أن أهل العلم مجمعون على الإتيان بما يخص كتابه وأنه أثبت من
حفظه، وهذا يوضّح لنا لماذا نظر عبدالرحمن في كتاب أبي عوانة، ثم استغفر الله من
أجل ذلك.
فقد اتفق أهل العلم أن أبا عوانة
إذا حدث من كتابه أتقن مما إذا حدث من حفظه، فإنه إذا حدث من حفظه ربما وهم.
قال أبو قدامة السرخسي: سمعت
عبدالرحمن بن مهدي يقول: "أبو عوانة وهشام كسعيد بن أبي عروبة وهمام. إذا كان
الكتاب فكتاب أبي عوانة صحيح، وإذا كان الحفظ فحفظ هشام، وإذا كان الكتاب فكتاب
همام وإذا كان الحفظ فحفظ سعيد".
وقال أحمد بن سنان: سمعت
عبدالرحمن بن مهدي يقول: "كتاب أبي عوانة أحبّ إليّ من حفظ هُشيم، وحفظ هشيم
أحب إلي من حفظ أبي عوانة".
وقال يحيى بن سعيد القطان: "أبو
عوانة من كتاب أحب إليّ من شعبة من حفظه".
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا الفضل
- وهو: ابن زياد - قال: وسئل أحمد بن محمد بن حنبل عن جرير الرازي وأبي عوانة:
أيهما أحب إليك؟ قال: "أبو عوانة من كتابه". قال الفضل: وسئل: أبو عوانة
أثبت أو شريك؟ فقال: "إذا حدث أبو عوانة من كتابه فهو أثبت، وإذا حدث من غير
كتابه ربما وهم".
قلت: فتبين من هذا أن عبدالرحمن
بن مهدي كان عنده شك في ما يحدث به أبو عوانة من حفظه، أي يخطئ. فنظر في كتابه من
أجل ذلك فوجد أن كتابه أثبت مما يحدث به من حفظه، واستغفار ابن مهدي –رحمه الله-
يدلّ على ورعه، وإن كان الفعل الذي فعل لا يؤاخذ عليه، بل يؤجر عليه إن شاء الله؛
لأنه ما فعل ذلك إلا حسبة لله وصيانة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما قاله الدكتور اللاحم عن ابن
مهدي ليس بصحيح، وأستغفر الله إن أصبت أو أخطأت.
شاركنا تعليقك