تعليقات الدكتور بشار معروف وأحكامه على الأحاديث في ((تاريخ
بغداد))!
بقلم: خالد الحايك
لا شك أن للدكتور بشار معروف جهد
طيب في خدمة كتب التراث الإسلامي، وهو من المحققين النادرين في هذا الزمان، وخبرته
في التحقيق لا يُستغنى عنها.
ولكن تعليقاته وأحكامه على
الأحاديث بحاجة إلى إعادة نظر! فالمتتبع لتعليقاته على كتاب تاريخ بغداد وكتب
السنة التي حققها يجد أن أحكامه تفتقر إلى الدقة العلمية التي يزن بها النقاد
الأحاديث فيصححونها أو يضعفونها بكشف عللها.
وقد حقق الدكتور بشار كتاب
((تاريخ بغداد)) وتحقيقه للنص أحسن بكثير من النسخة القديمة المتداولة، وقد تكلّم
على الأحاديث التي ذكرها الخطيب في كتابه، ولكن فاته أن الخطيب يركّز على التفردات
والغرائب لهؤلاء الرواة في تراجمهم.
أخرج الخطيب في ((تاريخه))
(6/363) في ترجمة ((أحمد بن منصور بن سيّار)) عنه قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال:
حدثني ابن لهيعة، قال: حدثني بكير بن عبدالله الأشج، عن بُسر بن سعيد، عن زيد بن
خالد الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جاءه من أخيه معروف من
غير مسألة ولا إشراف فليقبله، فإنما هو رزق ساقه الله إليه)).
قال الدكتور بشار: "إسناده
ضعيف، لضعف ابن لهيعة عند التفرد، وقد تفرد به فرواه من مسند زيد بن خالد الجهني،
وقد رواه غيره بهذا الإسناد من مسند خالد بن عدي الجهني، وهو الصواب، وهو حديث
صحيح أخرجه أحمد 4/220-221، وأبو يعلى (925)، وابن حبان (3404) و(5108)، والطبراني
في الكبير (4124)، والحاكم 2/62، والبيهقي في شعب الإيمان (3551)، وابن الأثير في
أسد الغابة 2/102".
قلت: نعم، الحديث صحيح، ولكن هذا
الإسناد الذي صوبه الدكتور لا يصح!! وهو معلول.
والحديث رواه أبو عبدالرّحمن
المقرئ عبدالله بن يزيد، عن سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني أبو الأسود، عن بكير بن
عبدالله، عن بسر بن سعيد، عن خالد بن عدي الجهني، قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: ((من بلغه معروف من أخيه من غير مسألة ولا إشراف نفس، فليقبله ولا
يرده، فإنما هو رزق ساقه الله عزّ وجلّ إليه)).
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (3/338): "خالد بن عدي الجهني، كان ينزل الأشعر. روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: من جاءه من أخيه معروف من غير مسألة ولا إشراف نفس
فليقبله. روى عنه بسر بن سعيد الحضرمي. سمعت أبي يقول ذلك. سألت أبي عن خالد هذا؟
فقال: لا يُدرى من هو! وهذا الحديث اختلف في الرواية عن بكير بن الأشج! فروى سعيد
بن أبي أيوب عن أبي الأسود محمد بن عبدالرحمن بن نوفل يتيم عروة عن بكير بن الأشج
عن بسر بن سعيد عن خالد بن عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الليث بن سعد عن
بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عن ابن الساعدي عن عمر بن الخطاب وهو الصحيح".
وقال في ((العلل)) (1/217): سمعت أبي
وذكر حديثاً رواه حيوة بن شريح عن أبي الاسود عن بكير بن الاشج عن بشر بن سعيد عن
خالد بن عدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من جاءه من أخيه معروف من
غير إشراف ولا مسئلة فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه الله إليه. فقال أبي: "هذا
خطأ إنما يُروى عن بشر بن سعيد عن ابن الساعدي عن عمرعن النبي صلى الله عليه وسلم".
قلت: فرجّح أبو حاتم رواية الليث
وليس فيها ذكر لخالد هذا. وخالفه ابن عبدالبر فرجّح رواية أبي الأسود على رواية
الليث، فقال: "وروى الليث بن سعد هذا الحديث عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد
عن ابن الساعدي. ورواية أبي الأسود أصح إن شاء الله". (التمهيد: 5/94).
قلت: بل رواية الليث أصح، فهو
أثبت من أبي الأسود.
·
لا وجود لخالد بن عدي في الصحابة، وإنما هو مقلوب!
قال ابن حجر في ((تعجيل المنفعة))
(ص114): "خالد بن عدي الجهني... له حديثٌ واحدٌ ورجال إسناده موثوقون. وصححه ابن
حبان والحاكم وقبلهما الطبراني وبعدهم ابن حزم وعبدالحق وابن القطان. وأعله أبو
حاتم الرازي، وقال: خالد بن عدي لا يُدرى من هو. قلت: ومداره عند من صححه على أبي
الأسود يتيم عروة عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عنه، وخالفه الليث فقال: عن
بكير عن بسر بن سعيد عن ابن الساعدي عن عمر. قال أبو حاتم: هو أصح. فعند أبي حاتم أنه
مقلوب".
قلت: فلا وجود لخالد هذا في
الصحابة، وإنما أخطأ أبو الأسود في إسناده فقلبه.
وقد أخطأ كل من ذكر ((خالد بن
عدي)) في الصحابة. والعجب من ابن حجر كيف يذكره في الصحابة ويصحح إسناد حديثه!!
قال في ((الإصابة)) (2/244):
"خالد بن عدي الجهني: يعدّ في أهل المدينة..."، وساق حديثه ثم قال:
"إسناده صحيح"!!
وحديث الليث رواه مسلم (2/723) عن
قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا ليث، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن ابن الساعدي المالكي:
أنه قال: استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها وأديتها
إليه أمر لي بعمالة. فقلت: إنما عملت لله وأجري على الله. فقال: خذ ما أعطيت، فإني
عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني، فقلت مثل قولك. فقال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأل فكل وتصدق)).
ورواه عن هارون بن سعيد الأيلي قال:
حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن
ابن السعدي أنه قال: استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة بمثل حديث
الليث.
فالحديث ليس من مسند خالد بن عدي
كما صرّح الدكتور بشار، وإنما هو من مسند عمر، وهو حديث صحيح، والله أعلم.
وكتب: خالد الحايك.
20/6/2008م.
شاركنا تعليقك