حديثٌ
منكرٌ حسّنه الشيخ الألباني.
بقلم: خالد الحايك.
سمعت شيخاً على إحدى الفضائيات يتكلم
في موضوع معين، وتطرق إلى حديث فنسبه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
"وهذا الحديث حسنّه العلامة الألباني".
والحديث هو: ((إن صاحب الشمال
ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها،
وإلا كتبت واحدة)) (طب) عن أبي أمامة. (الجامع الصغير: 1/386).
قال الشيخ الألباني: "حسن".
انظر حديث رقم (2097) في ((صحيح الجامع)).
وكذلك ذكره الشيخ في ((الصحيحة))
(1209)، وخرّجه عن إسماعيل بن عياش عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن عروة بن رويم عن
القاسم عن أبي أمامة مرفوعاً. ثُم نقل استغراب أبي نعيم له من حديث عاصم وعروة،
ولم يكتب إلا من حديث إسماعيل بن عياش، ثُم قال: "قلت: وهو –أي ابن عياش- ثقة
في روايته عن الشاميين وهذه منها، فإن عاصماً فلسطيني، ومن فوقه ثقات، وفي عاصم
والقاسم –وهو ابن عبدالرحمن صاحب أبي أمامة- كلام لا ينـزل به حديثهما عن مرتبة
الحسن. والحديث قال الهيثمي (10/208): رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها
وثقوا". انتهى كلامه.
قلت: الحديث أخرجه الطبراني في ((المعجم
الكبير)) (8/185) من طريق عبدالوهاب ابن نجدة الحوطي ومحمد بن إبراهيم بن زبريق
الحمصي وإبراهيم بن عبدالله بن العلاء الحمصي، قالوا: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن
عاصم بن رجاء بن حيوة، عن عروة بن رويم اللخمي، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد
المسلم المخطىء أو المسيء، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة)).
وأخرجه أبو نُعيم في ((حلية
الأولياء)) (6/124) من طريق عبدالوهاب بن الضحاك، عن ابن عياش، به.
قال أبو نُعيم: "غريبٌ من
حديث عاصم وعروة! لم نكتبه إلا من حديث إسماعيل بن عياش!".
قلت: يشير أبو نعيم إلى غرابة هذا
الإسناد الذي تفرد به ابن عياش! وهذا إشارة منه إلى استنكاره، ولهذا أورده في
ترجمة ((عروة بن رويم)) ومن عادته أنه يذكر في ترجمة الراوي ما رُوي عنه وليس من
حديثه.
وكلام الشيخ الألباني أن إسماعيل
بن عياش "ثقة في روايته عن الشاميين" فيه مجازفة! ولم يقل أحد من أهل
العلم أنه ثقة مطلقاً في روايته عن الشاميين! بل قالوا: روايته عن الشاميين أصح من
روايته عن غير الشاميين، وهذا لا يعني أنه ثقة مطلقاً في كلّ ما يرويه عن
الشاميين. وحديثه عن الشاميين يقبل بشروط، منها: أن يذكر الخبر والسماع لئلا يكون
أخذه عن ضعيف ودلسه! ولم يذكر الخبر في هذا الحديث.
والحديث منكر! وظاهر أنه لم يسمعه
من عاصم بل أخذه من بعض الضعفاء. وكان إسماعيل بن عياش يروي عن كلّ ضرب. وروى ابن
حبان في ((المجروحين)) (1/125) من طريق شعيب بن حرب قال: "كنا عند شيخ نسمع
منه، ومعنا إسماعيل بن عياش، فوضع رأسه فنام، فلما فرغنا قام فكتب سماعه".
وقد أورد له ابن عدي بعض المناكير، وبعضها أسانيدها مستقيمة، وقال في بعضها:
"وإن كان مستقيم الإسناد؛ فإنه منكر المتن". وحديثنا هذا ظاهره مستقيم
الإسناد، ولكنه منكر المتن.
ثُمّ إن عاصم بن رجاء فيه لين. قال
فيه أبو زرعة: "لا بأس به". وقال ابن معين: "صويلح". وضعّفه
الدارقطني (العلل: 6/216).
فمن كانت هذه حاله لا يكون حديثه
حسن كما قال الألباني! فهو يحتاج إلى من يعضده، ولا يقبل تفرده.
والحديث أخرجه أيضاً الطبراني في
((المعجم الكبير)) (8/191) عن الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن القاسم، عن أبي
أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صاحب اليمين أمين على صاحب
الشمال. فإذا عمل حسنة أثبتها، وإذا عمل سيئة قال له صاحب اليمين: أمكث ست ساعات،
فإن استغفر لم يكتب عليه، وإلا أثبت عليه سيئة)).
قلت: الوليد بن مسلم مدلسٌ، وقد
عنعنه، ولا يقبل حديثه إلا إذا ذكر الخبر.
والحديث موضوع على القاسم عن أبي
أمامة. رواه جعفر بن الزبير وبشر بن نُمير كلاهما عن القاسم عن أبي أمامة. أخرجه
الطبراني في ((المعجم الكبير)) (8/247) عن جعفر، ورواه البيهقي في ((الشعب))
(5/391) عن بشر.
وجعفر بن الزبير الشامي البصري
متروك الحديث، روى عن القاسم نسخة موضوعة. واتّهمه شعبة بالوضع والكذب. وبشر بن
نمير البصري متروك أيضاً وهو متهم بالكذب كذلك. قال شعبة: "كان بشر بن نمير
لو قيل له ما شاء الله، لقال: القاسم عن أبي أمامة" (ضعفاء العقيلي: 1/139).
وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (2/368): سمعت أبي يقول: "بشر
بن نمير: متروك الحديث". وقيل له: بشر بن نمير أحب إليك أو جعفر بن الزبير؟
قال: "ما أقربهما".
قلت: هذا هو أصل الحديث الذي شاع
عند الشاميين فدلّسوه وركبوا له الأسانيد حتى وصل إسماعيل بن عياش والوليد بن
مسلم، ولا يقبل حديثهما إلا إذا صرحا بالسماع، ولم يفعلا هنا.
ثُم وجدت أصل هذا الحديث. فهو من
قول شُوَيْس العدوي البصري. رواه أبو نُعيم في ((الحلية)) (2/255) من طريق أبي
مسعود الجريري عن شويس العدوي، وكان من أصحاب الدرهمين، قال: ((إن صاحب اليمين
أمين أو قال أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل ابن آدم سيئة، وأراد صاحب الشمال أن
يكتبها قال له صاحب اليمين: لا تعجل لعله يعمل حسنة، فإن عمل حسنة ألقى واحدة
بواحدة، وكتب له تسع حسنات، فيقول الشيطان يا ويله من يدرك تضعيف ابن آدم)).
قلت: جعفر بن الزبير أصله بصري
سكن الشام، وبشر بن نمير بصري، فأحدهما أتى بقول شويس البصري هذا، -وكان أدرك عمر
بن الخطاب-، فرواه عن القاسم عن أبي أمامة، وزاد فيه الست ساعات، وهذا أنكر ما في
الحديث، والله تعالى أعلم وأحكم.
12
محرم 1429هـ.
شاركنا تعليقك