تحسين
د. حاتم العوني لحديث: ((شيبتني هود وأخواتها)).
بقلم أبي صهيب خالد الحايك.
الحمدُ
للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسلامُ على أشرفِ الخلقِ والمرسلين، وعلى آله
وصحبهِ الطاهرينَ الطيبين، وبعد:
فإني
وأثناء تصفحي لموقع ((ملتقى أهل الحديث)) اطلعت على إجابة د. حاتم العوني على سؤال
حول: "حديث شيبتني هود وأخواتها. هل هو حديث صحيح؟" بتاريخ
(6/6/1427هـ)، فأجاب الشيخ، فقال:
"الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
حديث
النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((شيبتني هود وأخواتها)) له طرق عديدة وأقواها إسناداً
حديث عقبة بن عامر –رضي الله عنه-: أن رجلاً قال: يا رسول الله، شِبْتَ! قال:
((شيبتني هود وأخواتها)). أخرجه الطبراني في الكبير (17/286-287)، وإسناده حسن.
وأما
قول الدارقطني في ((سؤالات السهمي)) (رقم 9): ((شيبتني هود والواقعة)) معتلة كلها.
فيُحمل على وجوه رواية الحديث المشهورة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والتي
أطال الدارقطني في ذكر اضطراب رواتها في العلل (1/193-211) (رقم 17)، (4/347-348).
وهذا
الوجه المضطرب إن كان لا يصح إلا مرسلاً كما ذهب إليه أبو حاتم الرازي في
((العلل)) (1326، 1394)، فيبقى أنه نافع في المتابعات والشواهد.
وللحديث
أكثر من وجه مرسل تؤيد ثبوته (طبقات ابن سعد: 1/374-376). ولذلك حسّن الترمذي
الحديث، مع كونه عرض لذكر علله والاختلاف فيه (رقم 3297).
ومما
يستأنس به ما صحّ عن العالم الزاهد الثقة أبي علي محمد بن عمر بن شبُّويه الشبوييّ
(المتوفى بين 370هـ إلى 380هـ) أنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام،
فقال: "يا رسول الله رُوي عنك أنك قلت: "شيبتني هود"؟ قال: نعم.
فقال: ما الذي شيبك منها: قصص الأنبياء، وهلاك الأمم؟ قال: لا، ولكنه قوله تعالى:
[فاستقم كما أمرت] [هود: 112]" شعب الإيمان للبيهقي (2215)، وتاريخ الإسلام
للذهبي (8/497). والله أعلم. والحمد لله رب البرية والصلاة والسلام على خير
البشرية وعلى أزواجه والذرية". انتهى كلام الشيخ.
قلت:
يذهب الدكتور إلى أن هذا الحديث حديث حسن [وصححه الحاكم في ((المستدرك))
(2/374). وصححه كذلك الشيخ الألباني في عدة مواضع من كتبه، وهو في ((الصحيحة))!].
وهذا ليس بصحيح، فهو حديثٌ منكرٌ، كما سأبينه إن شاء الله، وعلى كلام الشيخ
ملحوظات:
1-
قوله: "بأن حديث عقبة بن عامر الطبراني في الكبير (17/286) "إسناده
حسن".
قلت:
قال الطبراني: حدّثنا محمد بن محمد التمار البصري، قال: حدثنا أبو الوليد، قال:
حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر أن
رجلاً... الحديث.
قلت:
نعم ظاهر الإسناد حسن، ولكن تفرد به شيخ الطبراني محمد بن محمد التمار، قال فيه
ابن حبان (الثقات 9/153): "من أهل البصرة يروى عن أبى الوليد والبصريين ربما
أخطأ". وتفرده هذا لا يحتمل في طبقته هذه، وأين أصحاب أبي الوليد عن هذا
الحديث، فالعهدة عليه، والظاهر أنه أخطأ فيه، ولا يصلح أن يكون هذا الحديث شاهداً
لحديث أبي إسحاق لتفرده به، وهذا الحديث استنكره العلماء، والحديث إذا استنكره
الأئمة النقاد بحثوا له عن علة، ولا يمشون فيه على ظاهر الإسناد، فيعلّون الحديث
بالتفرد الذي لا يُحتمل من هذا الشيخ.
والتمّار
هذا يروي بهذا الإسناد عدة أحاديث، فلعله سمع حديث ((شيبتني هود)) بإسناد آخر،
فأخطأ فرواه بهذا الإسناد، والله أعلم.
2-
قوله: "وأما قول الدارقطني في سؤالات السهمي (رقم 9): "شيبتني هود
والواقعة: معتلة كلها"، فيُحمل على وجوه رواية الحديث المشهورة عن أبي بكر
الصديق –رضي الله عنه-، والتي أطال الدارقطني في ذكر اضطراب رواتها في
العلل".
قلت:
هذا الحمل من الدكتور حاتم فيه تكلف وتعسف؛ لأن الدارقطني –رحمه الله- قد أعلّ كلّ
الطرق لهذا الحديث، سواء طرق حديث أبي بكر أو غيرها، وقد أشار إلى طرق أخرى أعلها
غير طريق أبي بكر، ولكن الذي دفع الدكتور حاتم إلى هذا الحمل هو أن الدارقطني لم
يتكلم على حديث عقبة بن عامر الذي حسنه الشيخ! والدارقطني أعلّ كلّ طرق الحديث وهو
في معرض حديثه عن إسناد صحيح لهذا الحديث ليس من طريق أبي بكر، وهو ما ذكره حمزة
في سؤالاته (رقم 9): "وسئل الدارقطني عن محمد بن غالب تمتام؟ فقال: ثقة مأمون
إلا أنه كان يخطئ، وكان وهم في أحاديث! منها: أنه حدث عن محمد بن جعفر الوركاني، عن
حماد بن يحيى الأبح، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عمران بن حصين، عن النبيّ صلى
الله عليه وسلم، قال: ((شيبتني هود وأخواتها)). فأنكر عليه هذا الحديث موسى بن
هارون وغيره، فجاء بأصله إلى إسماعيل بن إسحاق القاضي فأوقفه عليه، فقال إسماعيل
القاضي: "ربما وقع الخطأ للناس في الحداثة، فلو تركته لم يضرك". فقال
تمتام: "لا أرجع عما في أصل كتابي". وسمعت أبا الحسن الدارقطني: يقول
كان يتقى لسان تمتام.
قال
لنا أبو الحسن الدارقطني: والصواب أن الوركاني حدث بهذا الإسناد عن عمران بن حصين
أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) وحدّث على
أثره عن حماد بن يحيى الأبح، عن يزيد الرقاشي، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه
وسلم، قال: ((شيبتني هود)) فيشبه أن يكون التمتام كتب إسناد الأول ومتن الأخير،
وقرأه على الوركاني فلم يتنبه عليه، وأما لزوم تمتام كتابه وتثبته فلا ينكر ولا
ينكر طلبه وحرصه على الكتابة وسمعت أبا الحسن يقول: شيبتني هود والواقعة
معتلة كلها".
قلت:
فالدارقطني –رحمه الله- قد أعل هذا الإسناد الصحيح في ظاهره وبيّن علته وأن
تمتاماً أخطأ فيه، وبين كيف وقع الخطأ له، وهذا ما أشرت له سابقاً أن الأئمة
النقاد إذا استنكروا حديثاً بحثوا له عن علة وإن كان ظاهر إسناده حسناً، وهذه
طريقة بديعة في كشف وبيان العلل لا يتنبه لها إلا من اختلط علم العلل بلحمه ودمه،
ثم عقب الدارقطني على كل ذلك بأن كل طرق حديث ((شيبتني هود)) معتلة، سواء طرق حديث
أبي بكر أو غيرها، وما أظن الدارقطني بغافل عن حديث عقبة، والله أعلم.
3-
قوله: "وهذا الوجه المضطرب إن كان لا يصحّ إلا مرسلاً كما ذهب إليه أبو حاتم
الرازي في العلل، فيبقى أنه نافع في المتابعات والشواهد".
قلت:
نعم الحديث لا يصح إلا مرسلاً، ولكن حديث عقبة وغيره لم يصح حتى ينفع هذا المرسل
في المتابعات والشواهد، فإن أصل الحديث هو حديث أبي إسحاق السبيعي، وقد اختلف
عليه: فرواه أبو إسحاق عن أبي جحيفة، وروي عنه عن عمرو بن شرحبيل عن أبي بكر، وروي
عنه عن مسروق عن أبي بكر، وروي عنه عن مصعب بن سعد عن أبيه، وروي عن عامر بن سعد
عن أبي بكر، وروي عنه عن أبي الأحوص عن عبد الله.
فالمشكلة
في أبي إسحاق، فإنه اضطرب فيه اضطراباً شديداً؛ وسبب هذا الاضطراب أن هذا الحديث
ليس من حديثه، فلو كان من حديثه لحفظه، فالظاهر أنه أخذه عن بعض الضعفاء أو عمن هو
أصغر منه فأرسله واضطرب فيه، فالمدلس إذا لم يكن الحديث من حديثه فإنه يضطرب فيه
لأنه يضطر إلى إرساله!
وكلّ
طرق الحديث ترجع إلى طريق أبي إسحاق السبيعي، والصواب فيه الإرسال، والشواهد
الأخرى لم تسلم، فلا ينفع هذا المضطرب في المتابعات والشواهد كما قال الدكتور
حاتم.
4-
قوله: "وللحديث أكثر من وجه مرسل تؤيد ثبوته (طبقات ابن سعد:
1/374-376)".
قلت:
بل هذه الوجوه المرسلة تؤيد عدم ثبوته، فإن الحديث إذا كثرت طرقه المرسلة دلّ على
ضعفه، سيما إذا كانت هذه المراسيل فيها رواة قد اشتهروا بالتدليس، فإن من بين هذه
المراسيل حديث قتادة وهو مشهور التدليس.
ثم
إن هذه الوجوه المرسلة مضطربة المتون مما يزيد في ضعفها، ففي بعضها ((شيبتني فصلت
وأخواتها))، وفي بعضها ((هود وإذا الشمس كورت))، وفي بعضها ((هود والواقعة
والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت))، فهذا يدل على أن هذا الحديث أصله واحد
وهو مرسل فتناقلته الرواة فأرسلوه لأن الإرسال أحياناً يكون قضية مشتهرة في مكان
ما ثم ينتشر بين الرواة فيرسلونه فتكثر هذه المراسيل، ولهذا جاء تحديد السور في
بعض الروايات وفي البعض الآخر عبر الرواة عنها بقولهم "وأخواتها"، فكيف
حدد بعض الرواة أخوات هود؟!
5-
قوله: "ولذلك حسّن الترمذي الحديث، مع كونه عرض لذكر علله والاختلاف
فيه".
قلت:
ظاهر كلام الدكتور حاتم أن الترمذي حسّن الحديث من أجل هذه الطرق المرسلة عند ابن
سعد، وليس كذلك، فكيف يحسن الترمذي الحديث وهو كما قال الدكتور قد عرض لعلله
والاختلاف فيه!
والصحيح
أن الترمذي لم يحسن الحديث كما قال الدكتور، بل قال فيه: "حسن غريب لا نعرفه
من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه"، فالترمذي لم يحسنه بل أشار إلى غرابته
من طريق ابن عباس؛ لأن الصحيح فيه مرسل ليس فيه ابن عباس.
والترمذي
–رحمه الله- لا يقول "حسن غريب" في الحديث الحسن لأن الحسن هكذا مفرداً
عنده يعني أنه يحتج به، وهو لم يقل إنه حسن، بل أضاف إليه الغرابة، وهذا المصطلح
"حسن غريب" لا يقوله الترمذي إلا إذا كان متردداً في الحكم على الحديث!
والله أعلم.
6-
قوله: "ومما يستأنس به ما صح عن العالم الزاهد...".
قلت:
يميل الدكتور هنا إلى تدعيم تصحيحه للحديث بهذا المنام الذي ذكره، وفي هذا ما فيه!
فالمنامات لا تصلح لأن يستأنس بها وخاصة إذا كانت في مسألة الحكم على الأحاديث.
والخلاصة
أن هذا الحديث منكر سنداً ومتناً، أما سنداً فإنه لم يصح إلا مرسلاً من طريق أبي
إسحاق وهو مدلس فاضطرب فيه.
وأما
متناً فإنه معارض بالأحاديث الصحيحة فقد ثبت عن أنس وغيره من الصحابة أنهم نفوا أن
يكون صلى الله عليه وسلم قد أصابه الشيب، فسئل أنس عن ذلك؟ فأخبر أنه كان في رأسه
ولحيته صلى الله عليه وسلم شعرات إذا عدها العاد لم تتجاوز عشرة أو عشرين، ومن كان
هذا حاله هل نستطيع أن نقول عنه أنه قد شاب؟!
فحديث
"شيبتني هود" صريح في أن الشيب كان ظاهراً وبادياً لكل من يرى النبيّ
صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن حال، وقد نفى الصحابة ذلك كما جاء في الأحاديث
الصحيحة، والحمد لله.
وآخر
دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
وكتب، خالد الحايك.
1428هـ.
شاركنا تعليقك