كلمة نفيسة جامعة للمحقق الكبير "المُعَلّمي اليماني" في
النّقد وشروط الناقد.
ذكر الإمام المعلمي في مقدمة
تحقيقه لكتاب ((الجرح والتعديل)) (صفحة ب) تحت عنوان: ((النقد والنقاد)) الصفات
والشروط التي ينبغي أن يتمتع بها من يتصدى لنقد الحديث، فإنّ تحققت في إنسان
فيًعدّ حينئذ من النقاد.
قال –رحمه الله-: "ليس نقد
الرواة بالأمر الهين، فإنّ الناقد لا بدّ أن يكون:
1- واسع الاطلاع على الأخبار
المروية.
2- عارفاً بأحوال الرواة السابقين
وطرق الرواية.
3- خبيراً بعوائد الرواة ومقاصدهم
وأغراضهم.
4- وبالأسباب الداعية إلى التساهل
والكذب، والموقعة في الخطأ والغلط.
5- ثُم يحتاج إلى أن يعرف أحوال
الراوي: متى وُلد؟ وبأيّ بلد؟ وكيف هو في الدّين والأمانة والعقل والمروءة
والتحفظ؟ ومتى شرع في الطلب؟ ومتى سمع؟ وكيف سمع؟ ومع مَنْ سمع؟ وكيف كتابه؟
6- ثُم يعرف أحوال الشيوخ الذين
يُحدّث عنهم وبلدانهم ووفياتهم وأوقات تحديثهم وعادتهم في التحديث.
7- ثُم يعرف مرويات الناس عنهم
ويعرض عليها مرويات هذا الراوي ويعتبرها بها، إلى غير ذلك مما يطول شرحه.
8- ويكون مع ذلك متيقظاً.
9- مرهف الفهم.
10- دقيق الفطنة.
11- مالكاً لنفسه، لا يستميله
الهوى ولا يستفزه الغضب، ولا يستخفه بادر ظن حتى يستوفي النظر ويبلغ المقر.
12- ثُم يحسن التطبيق في حكمه،
فلا يجاوز ولا يقصر.
وهذه المرتبة بعيدة المرام عزيزة
المنال لم يبلغها إلا الأفذاذ. وقد كان من أكابر المحدّثين وأجلتهم من يتكلم في
الرواة فلا يعوّل عليه ولا يُلتفت إليه. قال الإمام عليّ بن المديني، وهو من أئمة
هذا الشأن: "أبو نُعيم وعفّان صدوقان لا أقبل كلامهما في الرِّجال، وهؤلاء لا
يدعون أحداً إلا وقعوا فيه".
وأبو نُعيم وعفّان من الأجلّة،
والكلمة المذكورة تدلّ على كثرة كلامهما في الرجال، ومع ذلك لا تكاد تجد في كتب
الفنّ نقل شيء من كلامهما". انتهى.
قلت: هذا كلامٌ لا يصدر إلا عن
خبير مثل المعلمي –رحمه الله- فأين من يدّعون النقد في زماننا هذا؟
وكنت أود أن أذكر أمثلة لكلّ صفة
من هذه الصفات التي ذكرها المعلمي ولكن الوقت لا يسمح لي، أسأل الله سبحانه أن
ييسر لي ذلك قريباً.
وقد وجدت كلاماً لأستاذنا المهندس
أسعد تيم في كتابه القيّم ((علم طبقات المحدثين)) (ص35) يشبه كلام المعلمي، وكأنه
استفاده منه، وصاغه بعبارة أخرى وأضاف إليه بعض الأمور، فقال: "علم
التراجم المعللة: وهو علمٌ دقيق متشعب، يبحث في نواح تفصيلية من حياة الراوي،
ونواح استنتاجية (تُستنتج من حديثه وطريقته في التحديث). ومن مباحث هذا العلم:
معرفة تاريخ ميلاد الراوي، وتاريخ طلبه للعلم، وممن سمع في سِنِيِّ طلبه العلم،
ومن هم الشيوخ الذين يحدث عنهم (من منهم حدث عنه سماعاً، ومن دلس عنه شيئاً من
الحديث، أو أرسل عنه)، وما مدة ملازمته لكلّ شيخ من شيوخه، وكيف كان ذاك، وكم سمع
منه من الأحاديث والآثار، وكم روى عنه بعد ذلك؛ وهل في شيوخه كثير من الضعفاء
والمجاهيل؟ ورحلاته العلمية وما سمع بها من الحديث، أو ما حدّث به؛ ومتى حدّث،
وكيف كان يحدِّث؟ (من حفظه، أم من كتابه؛ سماعٌ أم عرض؛ ومن المستملون والوراقون
الذين استخدمهم؟)، وكيف كان إقبال الناس عليه، وكم كان عدد الحاضرين عنده؟ وما هي
الأوهام التي وقع فيها، والسَّقطات التي أُخذت عليه؟ ثم أخلاق الراوي وعبادته
ومهنته؛ وهل كان يأخذ أجراً على التحديث؟ وهل كان عسِراً في التحديث، أم سمحاً
بعلمه، أم متساهلاً...؟".
قلت: وهذا كلامٌ نفيس من ناقد
خبير. ومصطلح ((التراجم المعللة)) أظهره الشيخ همام سعيد في تحقيقه لشرح علل
الترمذي، واستفاده الأستاذ أسعد منه.
قال الدكتور همام (ص46) وهو
يتحدّث عن مناهج كتب العلل المتقدمة: "خامساً: ومنها ما كان على طريقة
التراجم المعللة، وقد تكون هذه التراجم، إما على الطبقات أو على الترتيب
الهجائي، وفيها يعمد المصنف إلى الرواة فيذكرهم ويذكر بعض العلل التي عرف بها
المترجم، وذلك ككتاب العقيلي ((الضعفاء)) الذي احتوى على تراجم مرتبة ترتيباً
هجائياً، و((الكامل في ضعفاء المحدثين وعلل الحديث)) لابن عدي، كذلك".
وكتب: خالد الحايك.
صفر 1429هـ.
شاركنا تعليقك