تصحيفٌ وتحريفٌ في «صحيح ابن خزيمة»
لم يتنبه له الأعظمي ولا الألباني!
جاء في مطبوع «صحيح ابن خزيمة» (4/95) (405) (باب فضل الصدقة على غيرها من الأعمال إن صح الخبر،
فإني لا أعرف أبا فروة بعدالة ولا جرح)
حدثنا محمد بن رافع، حدثنا أبو الحسن النضر بن إسماعيل،
عن أبي فروة، قال: سمعت سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب، أنه كان يقول:
((إنّ الأعمال تتباهى، فتقول الصدقة: أما أفضلكم)).
قال الألباني في تعليقه على هذا الحديث: "إسناده ضعيف، لجهالة
أبي فروة، والنضر ضعيف، ثم هو موقوف".
قلت: اعتمد الألباني على أن النضر هو ابن إسماعيل، وهذا ضعيف! ولكن
النضر في هذا الحديث هو النضر بن شميل الثقة المعروف وهو أبو الحسن، وابن إسماعيل
ذاك كنيته ((أبو المغيرة)).
فتصحفت: ((شميل)) إلى ((إسمعيل)).
ووقع تحريفٌ آخر في اسم شيخه وهو ((أبو فروة)) والصواب أنه ((أبو
قرة)) وهو الأسدي الصيداوي، وهو مجهول.
وكأن التصحيف والتحريف من النسخ وليس في أصل ابن خزيمة؛ ويؤيد هذا
أن الحافظ ابن حجر قال في ((تهذيب التهذيب)) (12/227): "أبو قرة الأسدي
الصيداوي من أهل البادية. روى عن سعيد بن المسيب عن عمر في الصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم في الدعاء. وعنه النضر بن شميل. قلت: وأخرج ابن خزيمة حديثه في
صحيحه، وقال: لا أعرفه بعدالة ولا جرح".
فها هو ابن خزيمة ذكره على الصواب في كتابه، وتصحف في النسخ أو لم
يعرف المحقق قراءتها، والله أعلم.
والأثر ضعيف على كلّ حال. أبو قرة مجهول، ويروي عن سعيد بن المسيب
مناكير! وسعيد لم يسمع من عمر بن الخطاب عند الجمهور، ويقال إنه سمع أشياء يسيرة.
· أبو قُرّة الأسدي الصَيداوي مجهولٌ
يروي المناكير! حسّن حديثه الألباني مرة وضعّفه أخرى!
أخرج الترمذي في ((الجامع)) (2/356) قال: حدثنا أبو داود سليمان بن
سلم المصاحفي البلخي، قال: أخبرنا النضر بن شميل، عن أبي قرة الأسدي، عن سعيد بن
المسيب، عن عمر بن الخطاب قال: ((إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه
شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم)).
ولم يتكلم عليه الترمذي!
وقد حسّنه الألباني في ((صحيح الترمذي)) رقم (486)، وقال في ((صحيح
الترغيب)) رقم (1676): "صحيحٌ لغيره".
وخالف ذلك في ((الإرواء)) (2/177) رقم (432) فقال: "ضعيفٌ
موقوف"!!
قلت: بل هو منكرٌ!!
· ترجمة أبي قرة:
قال مسلم في ((الكنى والأسماء)) (1/695): "أبو قرة الأسدي عن
سعيد بن المسيب. روى عنه النضر بن شميل".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (9/427): "أبو قرة
الأسدي الصيداوي، من أهل البادية: سمع ابن المسيب. روى عنه النضر بن شميل. سمعت
أبي يقول ذلك".
وقال الذهبي في ((المقتنى في سرد الكنى)) [وأصله كنى أبي أحمد
الحاكم]: (2/24): "أبو قرة الأسدي، بدوي: سمع ابن المسيب".
وقال الذهبي في ((المغني في الضعفاء)) (2/803): "أبو قرة
الأسدي. حدّث بصيدا عن سعيد بن المسيب. مجهولٌ".
وكذا قال في ((الميزان))، وكذلك ابن حجر في ((التقريب)).
وقال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (12/227): "وأخرج ابن
خزيمة حديثه في صحيحه، وقال: لا أعرفه بعدالة ولا جرح".
قلت: هو مجهولٌ ولا يُعرف إلا من رواية النضر عنه، فكأنه التقى به
فأخذ عنه بعض الأحاديث التي حدّث بها عن ابن المسيب.
وسماعه من ابن المسيب لم يثبت! وما ورد عند ابن أبي حاتم والذهبي
آنفاً من أنه سمع منه فيه نظر!!
نعم، ابن أبي حاتم يعتمد على ما عند البخاري، فيمكن أن يكون أخذ
ذلك من كتاب البخاري في الكنى، وهذه الترجمة مما سقط من المتبقي منه، وفي هذا نظر
أيضاً؛ لأن الإمام مسلم يعتمد أيضاً على كتاب البخاري، ولم يذكر السماع، وهو الصواب.
وقد تفرد أبو قرّة هذا بأحاديث عن سعيد بن المسيب، وهي منكرة، وأين
أصحاب سعيد عنها؟ حتى يأتي هذا البدوي ويتفرد بها؟!
وأحاديثه عن سعيد في الدعاء والصلاة والصدقة ومثل هذه الأبواب،
وكأنه سمع هذه الأحاديث من بعض الهلكى، فحدّث بها كذلك، وهي أحاديث تُشتهى عند
العامة!
ومن هذه الأحاديث:
1- ما رواه البزار في ((مسنده)) (1/421) عن محمد بن علي بن الحسن
بن شقيق قال: حدثنا النضر بن شميل، قال: حدثنا أبو قرة، عن سعيد بن المسيب، عن عمر
بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ في ليلة [فمن كان
يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً] كان له نورٌ من
عَدن أَبين إلى مكة حشوه الملائكة)).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن عمر عن النبي صلى
الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".
وذكره ابن كثير في ((تفسيره)) (3/111) وقال: "غريبٌ
جداً".
ورواه الحاكم في ((المستدرك)) (2/402) من طريق إسحاق بن راهوية عن
النضر، مثله.
وقال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يخرجاه".
قلت: بل هو منكرٌ جداً!!
2- ما رواه إسحاق بن راهوية [كما في المطالب العالية: 4/545] عن
النضر بن شميل، قال: أخبرنا أبو قرة الأسدي، قال: سمعت سعيد بن المسيب يحدّث عن
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: ((ما من امرئ يأتي فضاء من الأرض، فيصلي به
الضحى ركعتين، ثم يقول: اللهم لك الحمد أصبحت عبدك على عهدك ووعدك أنت خلقتني ولم
أك شيئاً، أستغفرك لذنبي فإنه قد أرهقتني ذنوبي وأحاطت بي إلا أن تغفرها لي
فاغفرها يا أرحم الراحمين، إلا غفر الله له في ذلك المقعد ذنبه، وإن كان مثل زبد
البحر)).
قلت: هذا منكر أيضاً!!
ويُغني عنه ما عند البخاري وغيره من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا
أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت،
أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
قال: ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة.
ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة)).
3- ما رواه أسحاق بن راهوية [كما في المطالب العالية: 5/641] عن
النضر بن شميل، قال: أنبأنا أبو قرة -هو الأسدي- عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال: ((ذكر لي أن الأعمال تتباهى، فتقول الصدقة: أنا
أفضلكم)).
قال: وقال عمر رضي الله عنه: ((ما من امرئ مسلم يتصدق بزوجين من
ماله إلا ابتدرته حجبة الجنة)).
قلت: وهذا منكر كذلك! ولا يعرف إلا بهذا الإسناد المنكر! والجزء
الثاني منه محفوظ من طريق آخر عن الحسن عن صعصعة بن معاوية قال: لقيت أبا ذر، قال:
قلت حدثني. قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد مسلم ينفق من
كل مال له زوجين في سبيل الله إلا استبقته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده)).
فقلت: وكيف ذلك؟ قال: ((إن كانت إبلاً فبعيرين، وإن كانت بقراً فبقرتين)).
والخلاصة أن أبا قرة البدوي لا يُعرف عند أهل العلم، وأحاديثه عن
سعيد بن المسيب عن عمر غير محفوظة، وليس لها أصل، وهي مناكير!!
وكتب: خالد الحايك
17/6/2008م.
شاركنا تعليقك