الأحاديث
التي في المستخرجات!
بقلم: أبي صهيب
الحايك.
لا شك أن الكتب المستخرجة على
الكتب الصحيحة لها فوائد عديدة، ذكرها أهل العلم في كتبهم كالحافظ ابن حجر في
كتاب: "النكت على كتاب ابن الصلاح".
ومع هذه الفوائد الإيجابية، إلا إنه
يوجد فيها سلبيات قلّ من يتنبه لها ممن يشتغل بهذا العلم الجليل. فربَ حديث
استخرجه صاحب المستخرج وهو في الصحيح، ولكن في الحديث المُسْتخرَج زيادات من
أحاديث أخرى دخل على راويها الوهم! وفي بعض ألفاظها نكارة؛ لأنها في أصلها مرسلة.
أخرج أبو عوانة في ((مسنده)) (4/278)
قال: حدثنا عبدالكريم بن الهيثم الديرعاقولي، قال: حدثنا إبراهيم بن بشار، قال: حدثنا
سفيان، قال: سمعت الزهريّ يقول: أخبرني كثير بن عباس، عن العباس، قال: لما كان
يوم حنين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم القعقاع بن أبي حدرد يأتيه بالخبر.
فذهب إليهم، فإذا مالك بن عوف النصري في جمعٍ كثيرٍ من هوازن -وهو يحرضهم على
الجهاد؟!-، ويقول: ألقوهم بالسيوف صلتة، ولا تلقوهم بسهم ولا برمح، فإن منهزمهم لا
يرده شيء دون النحر. فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فدخل على المسلمين
من ذلك رعبٌ شديدٌ. وقال عمر: كذب يا رسول الله. -قال سفيان: وإنما قال عمر كذب
لما رأى المسلمين قد دخلهم-. فقال القعقاع لعمر بن الخطاب: لئن كذبتني يا ابن
الخطاب لربما كذبت بالحق؟ فقال عمر: يا رسول الله، ألا تسمع ما يقول لي هذا! قال
له النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد كنت ضالاً فهداك الله)). قال: وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يومئذ في نحو من عشرة آلاف. فقال رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم: لا نغلب اليوم من قلة. فابتلوا بكلمته، فانهزموا حتى لم يبق مع النبي
صلى الله عليه وسلم إلا العباس وأبو سفيان ابن الحارث.
قال العباس: وكنت آخذاً بلجام
بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وأبو سفيان آخذ بركابه عن يساره.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عباس، ناد في الناس: يا أصحاب السمرة، يا أصحاب
سورة البقرة. -قال سفيان: يذكرهم البيعة التي بايعوه تحت الشجرة، والشجرة سمرة
بايعوه تحتها على أن لا يفروا-. قال العباس: فناديت، فخلصت الدعوة إلى الأنصار إلى
بني الحارث بن الخزرج، فأقبلوا ولهم حنين كحنين الإبل. فقالوا: لبيك يا رسول الله
وسعديك. فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قد أقبلوا. قال: ((هيه، عطفة البقرة
على أولادها. الآن حمي الوطيس)). فأخذ كفاً من حصى فضرب بها وجوه المشركين، وقال: ((شاهت
الوجوه)). فهزمهم الله وأعزّ نبيه صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن: {إذ أعجبتكم
كثرتكم} الآية.
قلت: هذا الحديث مشهورٌ عن
الزّهري، ولكن القسم الأول منه (الذي بالخط العريض) لا يوجد إلا في رواية إبراهيم
بن بشار عن سفيان! والحديث رواه الحميدي عن سفيان (كما في مسند الحميدي: 1/218)،
ولكن لم يذكر القسم الأول هذا! وفيه: قال العباس: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم
يوم حنين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته التي أهداها له الجذامي،
فذكره.
قال سفيان: "حدثناه الزهري
بطوله، فهذا الذي حفظت منه".
قلت: فها هو سفيان بن عُيينة
يقول: هذا الذي حفظته من الزهري، فمن أين جاء إبراهيم بن بشار بهذه الزيادة عن
سفيان؟!!
والحديث أخرجه الإمام أحمد في
((مسنده)) (1/207) عن عبدالرزاق عن معمر عن الزهري، الحديث بطوله. ثم قال أحمد:
حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري مرة أو مرتين فلم أحفظه، عن كثير بن عباس قال: كان
عباس وأبو سفيان معه يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال: فخطبهم، وقال: الآن حمي
الوطيس، وقال: ناد يا أصحاب سورة البقرة.
وأخرجه مسلم في ((صحيحه)) (3/1398)
من طريق ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن كثير بن عباس بن عبد المطلب، عن أبيه،
الحديث بطوله. ثُم أخرجه من طريق عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه.
ثُم قال مسلم: حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال:
أخبرني كثير بن العباس، عن أبيه، قال: كنت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم حنين،
وساق الحديث غير أن حديث يونس وحديث معمر أكثر منه وأتم".
قلت: وها هو مسلم ينبّه أيضاً على
أن حديث يونس ومعمر أتم من حديث سفيان. وقصد مسلم بالأكثر والأتم بعض العبارات
فقط. وأما القصة التي جاءت في حديث إبراهيم بن بشار بين عمر والقعقاع فلا توجد إلا
من طريقه!
قلت: وإبراهيم صدوق له أوهام. وقد
تكلم الناس في روايته عن ابن عيينة. قال الإمام أحمد: "كأن سفيان الذي يروي
عنه إبراهيم بن بشار ليس هو سفيان بن عيينة". وقال عبدالله بن أحمد: سمعت أبي
ذَكَر إبراهيم بن بشار الرَّماديّ، فقال: "كان يحضر معنا عند سفيان بن عيينة،
فكان يملي على الناس ما يسمعون من سفيان، وكان ربما أملى عليهم ما لم
يسمعوا". ويقول: "كان يغيِّر الألفاظ، فيكون زيادة ليس في الحديث"،
أو كما قال. قال أبي: فقلت له يوماً: ألا تتقي الله، ويحك! تُملي عليهم ما لم يسمعوا؟
ولم يَحمده أبي في ذلك، وذمَّه ذمّاً شديداً. (تهذيب الكمال: 2/57-58).
قلت: فالقصة التي ذكرها إبراهيم
بين القعقاع وعمر ليس لها أصلٌ من حديث ابن عيينة. بل وليس لها أصل من حديث
الزّهري!
وعليه فلا يَحسُن تصرف محقق مسند
أبي عوانة المدعو أيمن بن عارف الدمشقي بقوله في تخريج الحديث: "مسلم (1775)
من طريق سفيان بن عيينة"!! فمسلم –رحمه الله- لم يسق متن حديث سفيان، وإنما
ذكر الإسناد لتقوية الطرق الأخرى كعادته في ذلك.
وأصل هذه القصة أخرجها الحاكم في
((المستدرك)) (3/51) من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عاصم بن عمر
بن قتادة، عن عبدالرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبدالله: ((أنّ رسول الله صلى
الله عليه وسلم سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصري من بني
نصر، وبني جشم، وبني سعد بن بكر، وأوزاعاً من بني هلال، وناساً من بني عمرو بن
عاصم بن عوف بن عامر، وأوزعت معهم الأحلاف من ثقيف وبنو مالك، ثم سار بهم إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وسار مع الأموال والنساء والأبناء، فلما سمع بهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعث عبدالرحمن بن أبي حدرد الأسلمي، فقال: اذهب فادخل
بالقوم حتى تعلم لنا من علمهم. فدخل فمكث فيهم يوماً أو يومين، ثم أقبل فأخبره
الخبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: ألا تسمع ما يقول ابن
أبي حدرد؟ فقال عمر: كذب ابن أبي حدرد. فقال ابن أبي حدرد: إن كذبتني فربما كذبت
من هو خير مني. فقال عمر: يا رسول الله، ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: قد كنت يا عمر ضالاً فهداك الله عزّ وجلّ، ثم بعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعاً مئة درع، وما يصلحها من
عدتها. فقال: أغصباً يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك. ثم خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم سائراً)).
قال الحاكم: "صحيحُ الإسناد
ولم يخرجاه".
وأخرجه البيهقي في ((دلائل
النبوة)) (5/120) من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن
عبدالرحمن بن جابر، عن أبيه جابر. وعن عمرو بن شعيب والزهري وعبدالله بن أبي بكر
بن حزم وعبدالله بن المكدم بن عبدالرحمن الثقفي، عن حديث حنين حين سار النبيّ صلى
الله عليه وسلم وساروا إليه، فبعضهم يحدث ما لا يحدث به بعض، وقد اجتمع حديثهم،
فساقه مطولاً.
وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (8/27):
"ولأبي داود بإسنادٍ حسنٍ من حديث سهل بن الحنظلية: أنهم ساروا مع النبي صلى
الله عليه وسلم إلى حنين فأطنبوا السير
فجاء رجلٌ فارسٌ فقال: إني انطلقت من بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا
بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم قد اجتمعوا إلى حنين فتبسم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وقال: تلك غنيمة
المسلمين غداً إن شاء الله تعالى. وعند ابن إسحاق من حديث جابر ما يدل على أن هذا
الرجل هو عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي".
قلت: حديث أبي داود أخرجه في
((السنن) (باب في فضل الحرس في سبيل الله تعالى) (3/9) عن أبي توبة عن معاوية بن
سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام، قال: حدثني السلولي أبو كبشة: أنه حدثه سهل
بن الحنظلية، فذكره بطوله.
قال الطبراني في ((المعجم الأوسط))
(1/130): "لا يُروى هذا الحديث إلا بهذا الإسناد! تفرد به معاوية بن سلام".
ورواية ابن إسحاق تقدمت عند
الحاكم وفيها: "عبدالرحمن بن أبي حدرد"! وكأن الصواب هو: "عبدالله
بن أبي حدرد" كما جاء عند البيهقي في الدلائل عن ابن إسحاق.
وما جاء في رواية إبراهيم بن
بشار: "فقال رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لا نغلب اليوم من
قلة". لم يذكره أحدٌ في الروايات السابقة.
قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (8/27):
"روى يونس بن بكير في ((زيادات المغازي)) عن الربيع بن أنس قال: قال رجلٌ يوم
حنين: لن نغلب اليوم من قلة. فشقّ ذلك على النبيّ صلى الله عليه وسلم فكانت
الهزيمة".
قلت: رواه البيهقي في ((دلائل
النبوة)) (في باب غزوة حنين) (5/123) عن الحاكم بسنده إلى يونس بن بكير، عن أبي
جعفر عيسى الرازي، عن الربيع: أنّ رجلاً قال يوم حنين: لن نغلب من قلة فشق ذلك على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم}.
قال الربيع: وكانوا اثني عشر ألفاً منهم ألفان من مكة.
والحمد لله ربّ العالمين.
شاركنا تعليقك