الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«الدُّرُ الحَسَن» في رواية هِشامِ بنِ حسّان عن الحَسن!

«الدُّرُ الحَسَن» في رواية هِشامِ بنِ حسّان عن الحَسن!

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن الاه، وبعد:

فإنه ليس أضرّ على العلم ممن تقحّمه ممن لا يعرفه على حقيقته! فينظر في كتب أهل العلم فيختار ما يؤيد رأيه، ويترك ما يخالفه دون فهم ووعي!

وإن خير العلم ما نقلته كله ثم جمعت بينه أو رجّحت ما وجدت فيه من تناقض وِفق المنهج السديد الذي لا يعرفه إلا من خَبره.

وهذا الكلام الذي أريد أن أُعقّب عليه هو ظاهرة منتشرة الآن، وخاصة على صفحات الفيسبوك، وليس صاحبه هو المقصود بعينه!

في تلك الحرب الطاحنة حول صدقة الفطر نشرت - كما نشر غيري - أثر الحسن البصري في جواز إخراج النقد في صدقة الفطر؛ لإثبات صحة ما نُقل عن الحسن لا لتأييد رأي على آخر! فتأييد مذهب ما شيء، وإثبات ما نُقل عن بعض التابعين شيء آخر.

وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ الثوري، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: «لاَ بَأْسَ أَنْ تُعْطَى الدَّرَاهِمُ فِي صَدَقَةِ الفِطْرِ».

وهذا إسناد صحيح.

ورواه الإمام الحافظ ابنُ زَنْجُوْيَةَ في كتاب «الأموال» عن مُحَمَّدِ بنِ يُوسُفَ الفِريابي، عن سفيان، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: «إِذَا أَعْطَى الدِّرْهَمَ مِنْ زَكَاةِ الفِطْرِ أَجْزَأَ عَنْهُ».

قَالَ سُفْيَانُ: "إِذَا أَعْطَى قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَجْزَأَ عَنْهُ".

ثم قال ابن زَنْجُويه: "القِيمَةُ تُجْزِي فِي الطَّعَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالطَّعَامُ أَفْضَلُ".

لكن من الطبيعي أن من يرى عدم إجزاء النقد في صدقة الفطر من الطبيعي أن يُضعّف هذا الأثر! وهذا ما كان! فقد انبرى لتضعيفه بعض من ينشرون على الفيس.

فضعّفوه بأن رواية هشام بن حسّان عن الحسن فيها كلام وهي ضعيفة!

واحتجوا بقول من تكلّم في روايته عن الحسن من أهل العلم كما سيأتي بيانه.

فمن قرأ الكلام سلّم له! أو على أقل الأحوال صار عنده رِيبة حول هذا الأثر!

لكن هل من الأمانة العلمية أن ينشر من يتكلم في الأثر كلام من تكلموا في رواية هشام عن الحسن، ولا يلتفتوا إلى ما يناقض تلك الأقوال!

فأين الأمانة؟!

هشام بن حسان البصري الإمام الحافظ الحجة (ت 148هـ على الصحيح) من كِبار محدثي البصرة، وحديثه مُحتجٌ به في كلّ الكتب.

وحديثه المرفوع عن الحسن على قلته في الكتب الستة، وروى له البخاري ومسلم في «صحيحهما» عن الحسن خمسة أحاديث.

وله في «مصنف ابن أبي شيبة» أكثر من (500) رواية عن الحسن غالبها من الآثار وفتاوى الحسن.

وروى عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» عنه عَنِ الحَسَنِ أكثر من (100) رواية غالبها من فتاوى الحسن أيضاً.

وقد احتج بها أهل العلم في كتبهم، وكان ابن حجر يقول إذا أتى بروايته عن الحسن: "وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَنِ الحَسَنِ".

فعلى رأي من يُضعّف روايته عن الحسن سيضعّف هذه الآثار كلها! فهل يقول بذلك رجل عاقل؟ بَله طالب حديث!!

·       من تكلَّم في رواية هشام عن الحسن!

روى صَالح بن أَحْمدَ بنِ حنبلٍ في «مسائله عن أبيه - رواية أَبُي عوَانَة الإسفرائيني» (178). ويعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/256) عن سلمةَ بنِ شَبيبٍ النيسابوريّ. وابن عَدي في «الكامل» (10/345) (17657) عن إسحاق بن إبراهيم بن يونُس، عن الأثرم. ثلاثتهم (صالح، وسلمة، والأثرم) عن أحمد بن حنبل.

والعُقيلي في «الضعفاء» (4/335) عن مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغ، عن الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيّ الخَلاّل.

كلاهما (أحمد، والحسن بن علي) عن عَفانَ بنِ مُسْلِمٍ الصفّار، قال: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - هو: ابن معاذٍ العنبريّ -، قَالَ: قَالَ الْأَشْعَثُ - هو أبو هانئ أشعث بن عَبدالملك الحُمْراني البصري -: "ما رأيتُ هِشَامًا عِنْدَ الحَسَنِ قَطُّ".

قال فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَمْرًا - هو: ابن عُبيد - يَقُولُ هَذَا، فَأَنْتَ إِنْ قُلْتَهُ قَوَّيْتَهُ عَلَيْهِ أَوْ صُدِّقَ أَوْ نَحْوَ هَذَا! قَالَ: "لَا أَقُولُ هَذَا، وَلَا أَعُود لهَذَا".

وفي رواية الحُلْوَانِيّ: "قَالَ مُعَاذٌ: قَالَ عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ: لَمْ أَرَ هِشَامًا عِنْدَ الحَسَنِ قَطُّ، وَلَا جَاءَ مَعَنَا عِنْدَ الحَسَنِ قَطُّ، قَالَ: فَقَالَ أشعثُ يَوْمًا: مَا رَأَيْتُ هِشَامًا عِنْدَ الحَسَنِ، وَلَا، وَلَا، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا هَانِئٍ، إِنَّ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ هَذَا فِي هِشَامٍ، وَهِشَامٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ، فَإِنْ أَنْتَ أَيْضًا قُلْتَ هَذَا كُنْتَ قَدْ أَعَنْتَ عَمْرًا عَلَيْهِ، قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ".

وروى العُقيلي في «الضعفاء» (4/335) عن مُحَمَّدِ بنِ عِيسَى، عن صَالِحِ بنِ أحمدَ بنِ حَنبلٍ، عن عَلِيِّ بنِ المدينيّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَرْعَرَةَ بنَ البِرِنْدِ الشَّامِيَّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبَّادَ بنَ مَنْصُورٍ، قُلْتُ: يَا أَبَا سَلَمَةَ تَعْرِفُ الْأَشْعَثَ مَوْلَى آلِ حُمران؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: كَانَ يُقَاعِدُ الحَسَنَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا. قُلْتُ: هِشَامُ بنُ حَسَّانَ القُرْدُوسِيُّ؟ قَالَ: "مَا رَأَيْتُ عِنْدَهُ قَطُّ".

قَالَ عَرْعَرَةُ: فَأَخْبَرْتُ بِذَاكَ جَرِيرَ بنَ حَازِمٍ بَعْدَ مَوْتِ عَبَّادٍ، فَقَالَ لِي جَرِيرٌ: "قَاعَدْتُ الحَسَنَ سَبْعَ سِنِينَ، مَا رَأَيْتُ هِشَامًا عِنْدَهُ قَطُّ".

فَقُلْتُ: يَا أَبَا النَّضْرِ: قَدْ حَدَّثَنَا عَنِ الحَسَنِ بِأَشْيَاءَ وَرَوَيْنَاهَا عنه، عَمَّنْ تَرَاهُ أَخَذَهَا؟ قَالَ: "أُرَاهُ أَخَذَهَا عَنْ حَوْشَبٍ".

ثم روى من طريق إِبراهيم بن مُحَمد بن عَرعَرَةَ، قال: حدثني جدّي عرعرة بن البرند، قال: ذَكَرت لجَرير بن حازِم هِشام بن حَسان، قال: "ما رَأَيتُه عِند الحَسن قَط"، قُلتُ: فَأَشعَثُ، قال: "ما أَتَيت الحَسن قَطُّ إِلاَّ رَأَيتُه عِندَهُ".

ثم روى من طريق وهب بن جَرير، عن أَبيه، قال: "جَلَست إِلى الحَسن سَبع سِنين، سنةً منها لَم أؤخر منها يَومًا واحِدًا، أَصُوم وأَذهَب إِلَيه، ما رَأَيت هِشامًا عِندَه قَطُّ".

قلت: فهذا أشعث الحمراني، وعمرو بن عبيد، وعبّاد بن منصور، وجرير بن حازم، وهم من أصحاب الحسن شهدوا أنهم لم يروا هشام بن حسان عند الحسن قط!

وقال جرير بأن ما رواه هشام عن الحسن إنما أخذه من حوشب، وهو: ابن مسلم الثقفي، وكان عابداً من كبار أصحاب الحسن.

ولا شك أن هؤلاء صادقون فيما قالوه، لكن هشاماً كان جاراً للحسن لسنوات طويلة! فهل يُعقل أنه لم يسمع منه؟!

روى ابن مُحرز في «تاريخ ابن معين - روايته» (935)، وعباس الدوري في «تاريخ ابن معين - روايته» (4/219) (4051) عن يَحْيَى بن مَعِيْنٍ.

والبخاري في «تاريخه الكبير» (8/197)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/55) عن أبيه، كلاهما (البخاري، وأبو حاتم) عن عَمرو بن عليٍّ الفلاّس.

كلاهما (ابن معين، والفلاس) عن سَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ الضُّبَعِيِّ: سَمِعَ هِشَاماً يَقُوْلُ: "جَاوَرْتُ الحَسَنَ عَشْرَ سِنِيْنَ". وعند ابن محرز: "عشر حِجج".

وفي رواية الدوري: "قَالَ: جَاوَرت الحسن أَو قَالَ: جالست الحسن عشر سِنِين".

قلت: الصواب: "جاورت" لا "جالست"، وكأنها تصحيف من الأولى، والله أعلم.

قال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (2/38) (1480): سُئِلَ أبي عَن مُبارك والرَّبِيعِ بن صُبَيْحٍ؟ فَقَالَ: "مَا أقربهما. مُبارك وَهِشَام جَالِسا الحسن جَمِيعًا عشر سِنِين، وَكَانَ المُبَارك يُدَلس".

قلت: كذا قال أحمد إنه جالسه عشر سنين! فكأنه اعتمد على رواية فيها: "جالست" لا "جاورت"! والأقرب للصواب أنه جاوره.

وقد ثبت سماع هشام من الحسن.

رَوَى مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ، عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ: "مَا كَتَبتُ لِلْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ حَدِيْثاً قَطُّ، إِلاَّ حَدِيْثَ الأَعمَاقِ، لأَنَّهُ طَالَ عَلَيَّ، فَكَتَبتُه، فَلَمَّا حَفِظتُه مَحَوتُه". [تهذيب الكمال: (30/186)، سير أعلام النبلاء: (6/357)].

ورواه الرامهرمزي في «المُحدِّث الفاصل» من طريق مُحَمَّدِ بنِ مَرْزُوقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدَّتِي أَمَةَ المَلَكِ بِنْتِ هِشَامِ بنِ حَسَّانَ تَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي هِشَامَ بنَ حَسَّانَ يَقُولُ: «مَا كَتَبْتُ حَدِيثًا قَطُّ إِلَّا حَدِيثَ الْأَعْمَاقِ، فَلَمَّا حَفِظْتُهُ مَحَوْتُهُ».

ورواه من طريق ابنِ أَبِي الزَّرَدِ، عن سَعِيدِ بنِ عَامِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: «مَا كَتَبْتُ عَنْ مُحَمَّدٍ إِلَّا حَدِيثَ الْأَعْمَاقِ فَلَمَّا حَفِظْتُهُ مَحَوْتُهُ».

قلت: فهذا يدلّ على أنه سمع من الحسن، ولم يكن يكتب عنه، وإنما كان يحفظ.

وقد روى عَبْدُالعَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُغِيْرَةِ المَرْوَزِيِّ، قال: قُلْتُ لِهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ: أَخْرِجْ إِلَيَّ بَعْضَ كُتُبِكَ.

قَالَ: "لَيْسَ لِي كُتبٌ".

قال الذهبي مُعقباً: "يَعْنِي: كَانَ يَحْفَظُ، وَقَلَّمَا كَتَبَ". [سير أعلام النبلاء: (6/357)].

وقد أثبت البخاري سماع هشام من الحسن.

فقال في «التاريخ الكبير» (8/197) (2689): "هشام بن حسان أَبُو عَبْداللَّه القردوسي البَصْرِيّ: سَمِعَ الحَسَن، وعطاء. وقَالَ عمرو بن علي: حدثنا سَعِيد بن عامر، قَالَ: سمعت هشاماً قَالَ: جاورت الحَسَن عشر سنين".

وقَالَ الْبُخَارِيُّ: وحدّثني عَمرو الْفَلاسُ، قال: "كَانَ يَحْيَى وعَبدالرحمن يُحَدِّثَانِ عَنْ هِشَامٍ عَنِ الحَسَنِ".

وقيل إنّ سماع هشام من الحسن لما كان صغيراً = يعني أنه لم يتقن روايته عن الحسن!

روى نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، قال: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: "لَقَدْ أَتَى هِشَامٌ أَمراً عَظِيْماً بِرَاوَيتِه عَنِ الحَسَنِ".

قِيْلَ لِنُعَيْمٍ: لِمَ؟

قَالَ: "لأَنَّهُ كَانَ صَغِيْراً". [الجرح والتعديل: (1/43)، (9/54)].

فتعقّبه الذهبي، فقال: "قُلْتُ: هَذَا فِيْهِ نَظَرٌ، بَلْ كَانَ كَبِيْراً.

وَقَدْ جَاءَ أَيْضاً عَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: "كَانَ هِشَامٌ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِ الحَسَنِ". فَهَذَا أَصَحُّ. [سير أعلام النبلاء: (6/357)].

قلت: هناك زيادة في هذا النص في كتاب ابن أبي حاتم، ولا بدّ منه ليستقيم ما نقله نُعيم عن ابن عيينة، فهو الذي روى كلا النصين.

قال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: حدّثنا علي بن الحسن الهسنجاني، قال: حدثنا نُعيم بن حمادٍ، قال: قال سفيان - يعني: ابن عيينة -: "كان هشام أعلم بحديث الحسن من عمرو بن دينار؛ لأن عمرو بن دينار لم يسمع من الحسن إلا بعد ما كَبر".

قلت: فهذا التقديم من ابن عيينة مُقيد فهشام أعلم بحديث الحسن من عمرو بن دينار لا مُطلقاً، وابن عيينة نفسه ذمّ رواية هشام عن الحسن.

لكن لا نشك أن هشام بن حسان سمع من الحسن، وكان جاره لسنوات طويلة، فلا يُعقل أن يكون جاره ولا يسمع منه!

وجمعاً بين أقوال من نفى رؤية هشام عند الحسن، وبين كلام هشام نفسه ومن أثبت سماعه من الحسن نقول بأن إمامَي أهل البصرة كانا الحسن وابن سيرين، ومَاتَ ابنُ سِيرِينَ بَعْدَ الحَسَنِ بِمِائَةِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ عشرٍ وَمِائَةٍ.

كان بعض الطلبة يلازم أحدهما، ويستغني عن الآخر لتعلقه بشيخه، وهذا يحدث عند بعض طلبة العلم، فكان هشام قد لازم ابن سيرين حتى قال ابن سيرين: "هشام منّا أهل البيت".

ومن هنا لم يكن هشام بن حسان يذهب لمجلس الحسن الذي فيه أشعث الحُمراني، وعمرو بن عُبيد، وغيرهما، ولهذا نفوا أن يكونوا رأوه في مجلس الحسن.

وكَانَ أشعث بن عَبدالمَلِك الحُمراني إذا أتى الحسن يقول لَهُ: "يَا أبا هانئ: أنشر بزك - أي: هات مسائلك".

وهذا كان في بداية الطلب لهؤلاء من الحسن، فيظهر أن هشاماً ذهب بعد تلك السنين لما جاور الحسن إلى مجلسه وسمع منه، ومعلوم أن عمرو بن عبيد قد ترك مجلس الحسن واعتزله لما تأثر بأهل الاعتزال!

وكان أشعث يَمر بعَمْرو بن عُبَيد ولا يُسلِّم عليه، وكان يقول: "لا تأت عَمْرو بن عُبَيد، فإن الناس ينهون عنه".

فيكون سماع هشام من الحسن بعد أن تشبّع أؤلئك من حديث الحسن، ويؤيد ذلك أن ما يرويه هشام عن الحسن من أحاديث مسندة قليلة بالنسبة لما يرويه عن ابن سيرين، وغالب ما يرويه عنه من فتاويه وأقواله، وكأنه بعد أن تشبّع من حديث ابن سيرين وفتاويه صار يذهب للحسن ويسأله ويسمع منه.

ويُحتمل أن هشاماً كان يذهب للحسن في أوقات لم يكن أشعث وأصحابه عنده، وذهابه إليه كان قليلاً، ثم بعد ذلك أتقن المسائل عنه، والله أعلم.

وقد روى ابن أبي شيبة، وعبدالرزاق في «مصنفيهما» لهِشَامٍ عَنِ الحَسَنِ ما يقرب من (570) رأياً وفتوى، وكان أحياناً يقرنه بمحمد بن سيرين.

وله في الكتب عشرات الروايات من أقوال الحسن البصري ومواعظه.

قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: "أَشْعَثُ الحُمْرَانِيُّ كَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، وَكَانَ عَالِمًا بِمَسَائِلِ الحَسَنِ الدِّقَاقِ، هُوَ مِنْ بَابَةِ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ". [سير أعلام النبلاء: (6/280)].

قلت: يعني الإمام أحمد أنه مثل هشام بن حسان في معرفة مسائل الحسن، وهذا يعني قبول أحمد لما يرويه هشام عن الحسن من هذه المسائل الدِّقاق.

فهل نسقط كل هذه الآثار كما يفعل بعض من لا يُحسن النظر في مسائل الحديث!

نعم، قد تكلّم بعض أهل العلم في رواية هشام عن الحسن، وكأنهم يقصدون ما حدّث به عنه مرفوعاً؛ لأنه لم يلازمه منذ بداية طلبه!

قال أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَرَاءِ: أَخبرنا عَلِيُّ بنُ المَدِينِيِّ، قال: "أَحَادِيثُ هِشَامٍ عَنِ الحَسَنِ عَامَّتُهَا تَدُورُ عَلَى حَوْشَبٍ، وَأَمَّا أَحَادِيثُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ فَصِحَاحٌ". [علل ابن المديني: (83)].

وقَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِاللَّهِ بنِ المَدِيْنِيّ، يَقُولُ: "كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، وَكِبارُ أَصْحَابُنَا يُثْبِتُونَ هِشَامَ بنَ حَسَّانَ، وَكَانَ يَحْيَى يُضَعِّفُ حَدِيثَهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَكَانَ النَّاسُ يَرَوْنَ أَنَّهُ أَخَذَ حَدِيثَ الحَسَنِ عَنْ حَوْشَبٍ". [الضعفاء للعقيلي: (4/334)].

وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابنِ عُلَيَّةَ، قَالَ: "كُنَّا لاَ نَعدُّ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ فِي الحَسَنِ شَيْئاً". [الجرح والتعديل: (9/56)].

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: زَعَمَ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يَتَّقِي حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدٍ، وَالحَسَنِ. [ضعفاء العقيلي: (4/334)].

قلت: هذا التضعيف لرواية هشام عن الحسن يبدو لي - والله أعلم - لأنه لم يتقنها إذا قلنا إن سماعه منه كان متأخراً، أو كان صغيراً كما قال نُعيم بن حماد! وكأنه عني بالمسائل لا بالحديث المرفوع، وتضعيفهم لروايته عن الحسن متجهة لحديثه المرفوع لا للمسائل والآثار - وإن كنت أخالف ذلك؛ لأن غالب تلك الأحاديث إنما الإشكال فيها في سماع الحسن من بعض الصحابة! لا أنه لم يتقن تلك الروايات!

وقد صرّح بعض أهل العلم إن حديثه الذي يرويه عن الحسن إنما أخذه من حَوْشَبِ بنِ مُسْلِمٍ الثقفيِّ - وكان ثقةً من كبار أصحاب الحسن - = يعني أنه لم يسمع من الحسن وإنما أخذها من غيره وأرسلها!

قَالَ عَلِيُّ بن المدينيّ: "قَالَ بَعْضُهُمْ: كُتُبُ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ أَخَذَهَا مِنْ حَوْشَبٍ" [المعرفة والتاريخ: (2/53)].

وقال أبو عبيدٍ الآجري في «سؤالاته لأبي داود» (405): سألت أبا دَاوُد عَن هِشَام بن حَسَّان؟ فَقَالَ: "إِنَّمَا تكلّموا فِي حَدِيثه عَن الحَسَن وعطاء؛ لأنه كَانَ يُرسل، وكانوا يرون أَنَّهُ أخذ كتب حَوْشَب".

قلت: يعني أنه لم يسمع هذه الأحاديث من الحسن، وإنما أخذ ما كتبه حوشب بن مسلم فحدّث عن الحسن دون ذكر حوشب! وهذا بعيد عن مثل هشام!

والذي أراه أنه ربما أخذ ما كتبه حوشب عن الحسن فقرأه على الحسن أو عَرضَه عليه ثم حدّث به = يعني هو سمع من الحسن.

ويؤيد ذلك أن المسائل التي رواها هشام عن الحسن كثيرة جداً، ولم يسمعها لما كان أصحاب الحسن يسمعون منه، ولهذا نفوا رؤيتهم له عنده، وهذا الكم من المسائل يحتاج لسنوات لسماعه، فإذا كان موجوداً في كتاب أو كتب ثم يقرأه على الحسن أو يجيزه به فهذا أسهل، فيكون حقيقة أخذ هذه المسائل وبعض الأحاديث من كتب حوشب.

ويؤيد ذلك أيضاً أن حوشب بن مسلم لا يوجد له رواية كثيرة عن الحسن، فكأنه لم يُحدِّث بما عنده كله، وكان عابداً زاهداً لم ينشغل كثيراً بالتحديث.

وقد سمع منه طبقة من توفوا بعد سنة (175هـ) كزِيَادِ بنِ الرَّبِيعَ اليَحْمَدِيِّ أَبي خِدَاشٍ البَصْرِيّ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ. وجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ أَبي سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيّ البَصْرِيّ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ. ونُوح بن قَيس بن رَبَاح الحُدَّاني أَبي رَوحٍ البَصري، مَاتَ سنة ثَلَاث أَو أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة. ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي البصري الحافظ، تُوُفّي سنة اثنتين وعشرين ومائتين، وقد قارب التّسعين.

وهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وأربعين ومائةٍ، فلو كان أخذ كتب حوشب دون سماعها من الحسن لعَرف ذلك أهل البصرة، وما كان ليجرؤ أن يُحدِّث منها وهو لم يسمعها أو يعرضها على الحسن، والله أعلم.

وقد روى هشام عن حوشب فيما ذكر ابن سعد في «طبقاته» (7/200).

وقد ذكره أبو نُعيم في «الحلية» في الزهّاد العُبّاد، وساق له عن الحسن ثمانية مواعظ، وثلاثة أحاديث مرسلة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وترجم له البخاري في «تاريخه» (3/100) (347) فقال: "حوشب أَبُو بشر، عَنِ الحَسَن، يُعدُّ فِي البَصْرِيّين، روى عنهُ: جَعْفَر بن سُلَيْمَان. وقال نوح بن قيس: حدثنا حوشب بن مُسْلِم الثقفي مولى الحجاج، عَنِ الحَسَن عَنِ الزبير. وقال مُسْلِم: حدثنا زياد بن الربيع: حدثنا حوشب بن مُسْلِم، عَنِ الحَسَن: «أَنَّهُ أمر بِغُسْلِ العِيدين».

فهذه المواعظ والمسائل كانت في كتبه، وحدّث منها قليلاً.

وترجم له مسلمٌ في «الكنى» (1/122) (314): "أبو بكر حوشب بن مسلم عن الحسن، روى عنه: جعفر بن سليمان".

ثم قال بعد (1/140) (389): "أبو بشر حوشب بن مسلم الثقفي عن الحسن، روى عنه: جعفر بن سليمان".

قلت: كأنه تحرّف في إسناد اعتمده مسلم! تحرفت «بشر» إلى «بكر» فذكره في كلا الكنيتين، وهو خطأ! والصواب أنه «أبو بشر».

وقال ابن حبان في «الثقات» (6/243) (7554): "حَوْشَب أَبُو بشر، وَكَانَ من العباد مِمَّن يَقصّ، يروي عَن الحسن، عِداده فِي أهل البَصْرَة. روى عَنهُ: جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضبعِي، وغالب القطَّان".

ثم قال (7555): "حَوْشَب بن مُسلم الثَّقَفِيّ مولى الحجَّاج بن يُوسُف من أهل البَصْرَة، يروي عَن الحسن، روى عَنهُ: نوح بن قيس، وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم - أَحْسبهُ الأول - وَكَانَ يَبِيع الطيالسة بِالبَصْرَةِ".

قلت: نعم، هو الأول بلا شك أو رَيب.

ومما يؤيد أن هشاماً ربما أخذ عن الحسن من كتب حوشب أنه تُكلِّم في حفظه؛ وذلك قد يكون راجعاً لأنه أخذ كتب حوشب وعرضها على الحسن، ثم حدّث منها، فلم يضبط ما فيها من حديث مرفوع!

روى شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: "لَوْ حَابَيْتُ أَحَداً لَحَابَيْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، كَانَ خَتَنِي، وَلَمْ يَكُنْ يَحْفَظُ". [الكامل: (1/201)، (10/343)].

وقال الآجري في «سؤالاته لأبي داود» (487): وسمعت أبا دَاوُد يَقُول: "قَالَ شُعْبَة: لو حَابَيْتُ أحدًا حابَيت هشام بن حَسَّان - وَكَانَ قريبه".

وقالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ نَافِعٍ القُرَشِيُّ - مَوْلًى لِآلِ عُمَرَ - أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: "عَلَيْكَ بِحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُمَا حَافِظَانِ، وَاكْتُمْ عَلَيَّ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ فِي خَالِدٍ، وَهِشَامٍ". [الجرح والتعديل: (3/155)، ضعفاء العقيلي: (2/4)، الكامل: (2/524)].

وقال يَحْيَى بنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، قَالَ: "أَرَادَ شُعْبَةُ أَنْ يَضَعَ فِي خَالِدٍ الحَذَّاءِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَنَا وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ فَقُلْنَا لَهُ: مَا لَكَ؟ أَجُنِنْتَ؟ أَنْتَ أَعْلَمُ! وَتَهَدَّدْنَاهُ فَأَمْسَكَ". [ضعفاء العقيلي: (2/4)].

قال الذهبي في «الميزان» (4/296) مُتعقباً قول شعبة: "قلت: هذا قولٌ مطروحٌ، وليس شعبة بمعصوم من الخطأ في اجتهاده، وهذه زلة من عالم، فإن خالداً الحذاء وهشام بن حسان ثقتان ثبتان، والآخران فالجمهور على أنه لا يحتج بهما، فهذا هدبة بن خالد يقول عنك يا شعبة: إنك ترى الإرجاء، نسأل الله التوبة".

وقال في «السير» (6/191): "قُلْتُ: هَذَا الاجْتِهَادُ مِنْ شُعْبَةَ مَرْدُوْدٌ، لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، بَلْ خَالِدٌ وَهِشَامٌ مُحْتَجٌّ بِهِمَا فِي «الصَّحِيْحَيْنِ»، هُمَا أَوْثَقُ بِكَثِيْرٍ مِنْ حَجَّاجٍ، وَابنِ إِسْحَاقَ، بَلْ ضَعْفُ هَذَيْنِ ظَاهِرٌ، وَلَمْ يُترَكَا".

وقال في «تاريخه» (3/1000): "قلت: بل هذان أَوْثَقُ بِكَثِيرٍ مِنْ حَجَّاجٍ، وَابنِ إِسْحَاقَ، وَلَمْ يُتَابِعْ شُعْبَةُ عَلَى هَذِهِ القَوْلَةِ أَحَدٌ".

قلت: قد وقع هشام في بعض الأوهام في حديثه، وهذا يَحدث لكل أحد، وروايته عن ابن سيرين متقنة، وهو أعلم الناس به، لكنه ربما وهم في حديثه عن الحسن من أجل أنه لم يسمع منه المسند إلا القليل، وربما لأنه عرض كتب حوشب عليه، ورواية الحسن عن بعض الصحابة مرسلة، فلا دخل لهشام في ذلك.

قال سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: ذُكِرَ لأَيُّوْبَ وَيَحْيَى بن عَتيقٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيْدَةَ عَمَّا يَنْقِضُ الوُضُوْءَ، قَالَ: «الحَدَثُ، وَأَذَى المُسْلِمِ».

فَأَنكَرُوا قَوْلَهُ: «وَأَذَى المُسْلِمِ».

وقال ابن عون عَن مُحَمَّد قَالَ: سَأَلت عبيدة عَمَّا ينْقض الوضُوء، فَقَالَ: «الحَدث». [العلل ومعرفة الرجال: (2/174)].

وقال حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: "كَانَ هِشَامٌ يَرْفَعُ حَدِيْثَ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَقُوْل فِيْهَا: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَذَكَرتُ ذَلِكَ لأَيُّوْبَ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ: إِنَّ مُحَمَّداً لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُهَا، فَلاَ تَرفَعْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَنْحُو بِهَا بِالرَّفعِ. فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِهِشَامٍ، فَتَرَكَ الرَّفعَ". [ضعفاء العقيلي: (4/336)].

وقال عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ العَيْشِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ حَبِيْبٍ، قَالَ: رُبَّمَا سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ: "سَمِعْتُ عَطَاءً"، وَأَجِيْءُ بَعْدُ، فَيَقُوْلُ: "حَدَّثَنِي الثَّوْرِيُّ، وَقَيْسٌ، عَنْ عَطَاءٍ هُوَ ذَاكَ بِعَيْنِه"!

قُلْتُ لَهُ: اثْبُتْ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَصَاحَ بِي! [الجرح والتعديل: (9/56)].

قال الذهبي: "قُلْتُ: عَطَاءٌ هُوَ: ابنُ السَّائِبِ، وَيَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ. وَقَوْلُهُ: «وَقَيْسٌ» وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ - فِيْمَا أَرَى - عَنْ قَيْسٍ، وَهُوَ: ابنُ سَعْدٍ المَكِّيِّ".

قلت: هو سعد بن قيس المكي عن عطاء بن أبي رباح، فقد أخرج مسلمٌ في «صحيحه» (478) قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بنُ بَشِيرٍ، قال: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بنُ حَسَّانَ، عَنْ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ: «اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ».

فهشام له بعض الأوهام حتى في روايته عن ابن سيرين الذي هو أوثق الناس فيه، وله أوهام في روايته كذلك عن الحسن.

وقد ثبت أن هشام بن حسان سمع من الحسن سواءًا سمع منه مباشرة أم أخذ ما كتبه حوشب بن مسلم وعرضه على الحسن وسمع بعض ذلك منه.

قال ابن حجر في «الفتح» (1/448) في رواية هشام عن عطاء والحسن: "قلت: احْتج بِهِ الْأَئِمَّة، لَكِن مَا أخرجُوا لَهُ عَن عَطاء شَيْئاً، وَأما حَدِيثه عَن عِكْرِمَة فَأخْرج البُخَارِيّ مِنْهُ يَسِيراَ توبع فِي بعضه، وَأما حَدِيثه عَن الحسن البَصْرِيّ فَفِي الكتب السِّتَّة. وَقد قَالَ عَبْدُاللَّهِ بنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ: «مَا يكَاد يُنكر عَلَيْهِ أحد شَيْئاً إِلَّا وجدت غَيْرَهُ قَدْ حَدَّثَ بِهِ، إِمَّا أَيُّوبُ وَإِمَّا عَوْف»".

قلت: روى له البخاري عن الحسن حديثاً واحداً قد توبع عليه، ورى له مسلم حديثين واحداً قد توبع عليه، وواحداً في الشواهد.

- أخرج البخاري في «صحيحه» (9/64) (7150) قال: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الحَسَنِ، أَنَّ عُبَيْدَاللَّهِ بنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ».

قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، قال: أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، قَالَ: زَائِدَةُ ذَكَرَهُ: عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: أَتَيْنَا مَعْقِلَ بنَ يَسَارٍ نَعُودُهُ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا عُبَيْدُاللَّهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ».

وأخرجه مسلمٌ في «صحيحه» (1/126) (142) قال: وَحَدَّثَنِي القَاسِمُ بنُ زَكَرِيَّاءَ، قال: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ - يَعْنِي الجُعْفِيَّ -، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: قَالَ الحَسَنُ: كُنَّا عِنْدَ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ نَعُودُهُ، فَجَاءَ عُبَيْدُاللهِ بنُ زِيَادٍ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي سَأُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِهِمَا.

- وأخرج مسلم في «صحيحه» (3/1268) (1648) قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالْأَعْلَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي، وَلَا بِآبَائِكُمْ».

- وأخرج أيضاً (3/1480) (1854) قال: حَدَّثَنَا هَدَّابُ بنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ، قال: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بنُ يَحْيَى، قال: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا».

وحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ مُعَاذٍ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي غَسَّانَ، قال: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - وَهُوَ: ابنُ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيُّ -، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ العَنَزِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا»، أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ.

وحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِيُّ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِي: ابنَ زَيْدٍ -، قال: حَدَّثَنَا المُعَلَّى بنُ زِيَادٍ، وَهِشَامٌ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ».

وَحَدَّثَنَاهُ حَسَنُ بنُ الرَّبِيعِ البَجَلِيُّ، قال: حَدَّثَنَا ابنُ المُبَارَكِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا قَوْلَهُ: «وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» لَمْ يَذْكُرْهُ.

قلت: فهشام قد تُوبع على بعض رواياته عن الحسن، وقد ثبت سماعه منه.

والخلاصة أن هشام بن حسّان قد سمع من الحسن، لكنه لم يسمع كثيراً منه، ولهذا نجد أن حديثه المرفوع عنه ليس كثيراً.

فتضعيف ما يرويه هشام عن الحسن بأنه لم يسمع منه لا يصح! وأقصى ما قيل في ذلك أنه أخذ كتب حوشب بن مسلم عن الحسن!

فإن ثبت ذلك فقد علمنا الواسطة، وهو حوشب وهو ثقة، لكن لا يُظنّ بهشام أنه يأخذ كتب حوشب ويُحدّث منها دون ذكره!

والأقرب أنه ربما أخذ ما كتبه حوشب - وهو قرينه - وعَرَض ما كتب على الحسن وخاصة هذه الآثار الكثيرة جداً، وسمع منه بعض ذلك.

فالأصل قبول رواية هشام عن الحسن ما لم يتبيّن لنا أنه أخطأ أو وهم فيها! والكلام فيها قد يكون في رواية الحسن عن بعض الصحابة مما تكلّم فيه أهل النقد كروايته عن ابن عباس، وسَمُرة، وأبي هريرة، وجابر!

والآثار والموقوفات التي رواها هشام عن الحسن قبلها أهل العلم واحتجوا بها، ولا يدخلها الوهم والخطأ غالباً خاصة أنه قرن كثيراً منها بقول محمد بن سيرين = مما يعني أنه سمع رأي الحسن فيها وضبطه.

وإن كان أخذها من كتب حوشب، فحوشب ثقة من كبار أصحاب الحسن وروايته عنه مقبولة، على أننا نرى أنه إن كان أخذها من كتب حوشب لا بدّ أن يكون عرضها على الحسن، وحينها يكون تحديثه بها عن الحسن لا غُبار عليه، والله أعلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: د. خالد الحايك.

الأول من شهر شوّال لسنة 1444هـ.

شاركنا تعليقك