الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

حديث: «من قال أستغفِرُ اللَّهَ الذي لا إِله إلا هو الحَيَّ الْقَيُّومَ وأَتُوبُ إليه غُفِرَ له، وإِن كان فَرَّ من الزَّحفِ».

حديث: «من قال أستغفِرُ اللَّهَ الذي لا إِله إلا هو الحَيَّ الْقَيُّومَ وأَتُوبُ إليه غُفِرَ له، وإِن كان فَرَّ من الزَّحفِ»

كنت قد سُئلت عن حديث: «من قال أستغفِرُ اللَّهَ الذي لا إِله إلا هو الحَيَّ الْقَيُّومَ وأَتُوبُ إليه غُفِرَ له، وإِن كان فَرَّ من الزَّحفِ»؟

فقلت: هذا حديثٌ مُنكرٌ! وتكلمت على بعض طُرقه باختصار شديد!

وهنا نُفصّل فيه، فأقول:

هذا الحديث يُروى من حديث زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابن مسعودٍ، ومُعاذِ بنِ جَبلٍ، والبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وأَبِي هُرَيْرَةَ.

·       أما حديث زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

فرواه البخاري في «التاريخ الكبير» (3/379) (1276) [ورواه الترمذي في «جامعه» (5/461) (3577) عن البخاري]. وأبو داود في «سننه» (2/627) (1517). وابن سعد في «الطبقات» (7/46) (2919). وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (2/692) (2872).

والطبراني في «المعجم الكبير» (5/89) (4670) عن العَبَّاسِ بنِ الفَضْلِ الْأَسْفَاطِيّ. والبغوي في «معجم الصحابة» (2/492) (883) عن محمد بن علي الجوزجاني. وأبو عبدالله بن مَنده في كتاب «الصحابة» - كما في «تاريخ دمشق» (4/265) عن أَبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ البَخْتَرِيِّ الرَّزَّاز، عن مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ السُّلَميّ أَبي إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيّ. وأبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (3/1144) (2870) من طريق أَبي جَعْفَرٍ الحَضْرَمِيّ مُطَيَّنٍ  مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ سُلَيْمَانَ، عن أَبي الخَيْرِ أَسَدِ بنِ عَمَّارٍ الأَعْرَج، وَمُحَمَّدِ بنِ مُوسَى القَطَّان.

كلهم (البخاري، وأبو داود، وابن سعد، وابن أبي خيثمة، والأسفاطي، والجوزجاني، وأبو إسماعيل الترمذي، وأسد بن عمار، ومحمد بن موسى) عن أَبي سَلَمَةَ مُوسَى بنِ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيّ، قَالَ: حدثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ الشَّنِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالَ بنَ يَسَارِ بنِ زَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنْ جَدِّي، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ».

قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ".

وقال البغوي: "أبو يسار زيد سكن المدينة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً"، ثم قال: "ولا أعلم لزيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث".

وقال المنذري في «الترغيب والترهيب»: "إسناده جيد متصل".

وقال العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء»: "رجاله موثوقون".

وقال ابن حجر في «نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار» (1/375): "حسن".

وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1358)، وفي «صحيحته» (2727)!

قلت: هذا إسنادٌ مُنكرٌ مُسلسلٌ بالمجاهيل! وقد ضعّفه الترمذي باستغرابه له.

*عُمَرُ بنُ مُرَّةَ مجهول الحال! تفرد بالرواية عنه ابنه: حفص!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/198) (2161): "عُمَر بن مرة: سَمِعَ بلال بن يسار. روى عنه: حفص بن عُمَر الشني ابنه. حديثه في البَصْرِيِّينَ".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/136) (741): "عمر بن مرة الشني: حديثه في البصريين: سمع بلال بن يسار. روى عنه: ابنه حفص بن عمر بن مرة الشني. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في «ثقاته» (8/445) (14342) قال: "عمر بن مرّة: من أهل البَصْرَة، يروي عَن بِلَال بن يسَار. روى عَنهُ: ابْنه حَفْص بن مرّة".

ونقل المزي في «تهذيب الكمال» (21/508) عن النَّسَائي: "ليس به بأس"!

وقال ابن حجر في «التقريب» (4970): "مقبول، من الرابعة".

فتعقبه صاحبا «التحرير» (3/84) فقالا: "بل: صدوقٌ، فقد قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في «الثقات»".

قلت: هذا تعقّبٌ لا يتجه! ومثله ممن لا يكون فيهم جرح ولا تعديل يقول عنهم ابن حجر: "مقبول" = يعني يُحتج بروايته إذا توبع! وإلا رُدّت روايته.

وما نقله المزي عن النسائي من قوله فيه: "ليس به بأس" لا ندري صحة هذا النقل! ولو صح فهذ لا يعني قبول روايته هذه؛ لأنه تفرد بها! ومثل هذا التفرد مردود!

وإيراد ابن حبان له في «ثقاته» على أصله في ذكر كلّ من لا يوجد فيه جرح!

وابنه حفص وثّقه مُوسَى بن إِسْمَاعِيْلَ التبوذكي؛ فإن ابن أبي خيثمة لما روى الحديث قَالَ: حدّثنا موسى بن إسماعيل: حَدَّثَنَا حَفْص بنُ عُمَرَ الشَّنِّيُّ - وَكَانَ ثِقَةً -.

وقال الآجري في «سؤالاته لأبي داود» (1223): حدثنا أَبو داود: حدثنا أَبو سلمة موسى بن إِسماعيل: حدثنا حفص بن عُمر الشني، فسألتُه عن حفص بن عُمر الشني؟ فقال: "ليس به بأسٌ".

وذكره الذهبي في «تاريخه» (5/59) (103) في طبقة من توفوا ما بين سنة (201 – 210هـ)، وقال: "وهو صدوق".

وقد تفرد بالرواية عنه موسى التبوذكي وحده!

وقال ابن حجر في «التقريب» (1419): "مقبول من السابعة".

فتعقبه صاحبا «التحرير» (1/304) فقالا: "بل: ثقة، فقد روى عنه موسى بن إسماعيل - وهو ثقة -، ونَصَّ على توثيقه. وقال أبو داود: ليس به بأس. ووثقه الذهبي".

قلت: قول ابن حجر أقرب للصواب، فحديثه يقبل إذا تُوبع عليه، وقول أبي داود لا يعدو تمشية لحاله، والتبوذكي ليس من أهل الجرح والتعديل وهو ثقة كبير.

*وبلال بن يَسار مجهولٌ!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/108) (1856): "بلال بن يسار بن زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعَ أباه، عَنْ جَدِّهِ: سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روى عَنْهُ: عمر بن مرة. حديثه فِي البَصْرِيّين".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/397) (1554): "بلال بن يسار بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: روى عن أبيه عن جده. روى عنه: عمر بن مرة الشني. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (6/91) (6853) قال: "بِلَال بن يسَار بن زيد مولى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يروي عَن أَبِيه عَن جده. روى عَنهُ: عُمر بن مرّة".

وقال ابن حجر في «التقريب» (787): "مقبول من السابعة".

قلت: يعني يُحتج بحديثه إذا تُوبع، ولم يُتابع عليه! فهو ليّن الحديث.

*تنبيه:

قد تصحف «بلال» إلى «هلال» في بعض نسخ «سنن أبي داود»!

قَالَ أبو موسى المديني: "قَالَ بَعْضُهُمْ: هِلالٌ، مَوْضِعَ بِلالٍ". [أسد الغابة: (2/346)].

وقال العيني في «شرح سنن أبي داود» (5/428): "واعلم أنه وقع في كتاب أبي داود: «هلال بن يسار بن زيد، عن أبيه، عن جدّه» - بالهاء. ووقع في كتاب الترمذي وغيره، وفي بعض نسخ سنن أبي داود - أيضاً -: «بلال بن يسار» - بالباء الموحدة -. وقد أشار الناس إلى الخلاف فيه، وذكره البغوي في «معجم الصحابة» بالباء، وقال: «ولا أعلم لزيد مولى رسول الله غير هذا الحديث»، وذكر أن كنيته أبو يسار - بالياء آخر الحروف وسين مهملة - وأنه سكن المدينة، وذكره البخاري في «تاريخه الكبير» - أيضاً - بالباء، وذكر أن بلالاً سمع من أبيه: يسار، وأن يسارًا سمع من أبيه: زيْدٍ. وذكره في «الكمال» أوّلاً - في كتاب الباء، فقال: «بلال بن يسار بن زيد مولى النبي عليه السلام. روى عن أبيه، عن جدّه»، ثم ذكره - أيضاً - في كتاب الهاء، فقال: «هلال بن يسار بن زيد»، على ما ذكرناه".

*ويَسَارُ بنُ زَيْدٍ مجهولٌ أيضاً!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/420) (3560): "يسار بن زَيْد مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعَ أباه. روى عَنْهُ: ابنه بلال بن يسار".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/307) (1322): "يسار بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: روى عن أبيه. روى عنه: ابنه بلال بن يسار. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في «ثقاته» (5/557) (6224) قال: "يسَار بن زيد مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يروي المَرَاسِيل عَن أَبِيه - وَله صُحْبَة -. روى عَنهُ: ابْنه بِلَال بن يسَار".

وقال ابن حجر في «التقريب» (7800): "مقبول من الرابعة".

وتعقبه صاحبا «التحرير» (4/123) فقالا: "بل: مجهول، فقد تفرد بالرواية عنه ابنه بلال، وذكره ابن حبان وحده في «الثقات»، وقال الذهبي في «الميزان»: لا يُعرف".

قلت: ذكر ابن حجر في «مقدمة التقريب» الطبقة السادسة: "من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يُترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: «مقبول» حيث يُتابع، وإلا فليّن الحديث".

ثك ذكر الطبقة السابعة: "من روى عنه أكثر من واحد ولم يُوثَّق، وإليه الإشارة بلفظ: «مستور» أو: «مجهول الحال»".

فعند التحقيق في «يسار» وابنه نجد أنه لا يوجد لهم إلا هذا الحديث! ولم يرو عنهما أكثر من واحد، فلم يرو عن يسار إلا ابنه بلال، ولم يرو عن بلال إلا عمر بن مُرّة! ولهذا لم يذكرهما ابن حجر في «الطبقة السابعة»، وإنما ذكرهما في «السادسة» وطالما أنهما لم يُتابعا في حديثهما فحديثهما ضعيف عنده.

فابن حجر يقول في هذا وأمثاله: «مقبول» لاحتمال وجود من يتابعه، وحيث لا متابعة فهو ضعيف، وهو في الوقت نفسه مجهول الحال. 

*وزَيْدٌ مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُعرف إلا في هذا الحديث!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/379) (1276): "زَيْدٌ مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ مُوسَى: حدثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ الشَّنِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بنُ مُرَّةَ: سَمِعْتُ بلال بن يَسَارِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا الله إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ».

قلت: سبق قول العيني في بلال: "وذكره البخاري في «تاريخه الكبير» - أيضاً - بالباء، وذكر أن بلالاً سمع من أبيه: يسار، وأن يسارًا سمع من أبيه: زيْدٍ"! فأخذ بظاهر ما قاله البخاري في ترجمة بلال: "بلال بن يسار بن زَيْدٌ، مَولَى النَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم: سَمِعَ أباه"، وذكر في ترجمه أبيه: "يَسار بن زَيد مَولَى النَّبيِّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم: سَمِعَ أباه".

والناظر في ذلك يظن أن البخاري يثبت السماع بينهما! وهذا في الظاهر صحيح، إلا أن البخاري حقيقة لم يُرد ذلك، وإنما ذكر ما جاء في الحديث فقط، ولو أنه رأى صحة السماع لبيّن ذلك في ترجمة «زيد»! فلما ساق فقط الحديث دون الكلام في ترجمة «زيد» دلّ على أنه لم يقصد مسألة السماع في ترجمة الابن والحفيد! فليُتنبّه لهذا.  

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/576) (2607): "زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم، مديني أبو يسار. روى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. روى ابن ابنه بلال بن يسار بن زيد عن أبيه عنه. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في «ثقاته» (3/140) (466) قال: "زيد مولى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جد بِلَال بن يسَار بن زيد، لَهُ صُحْبَة".

قلت: لم تثبت صحبته! وبالغ ابن حبان فذكره في «مشاهير علماء الأمصار» (148)! فكيف يكون مشهوراً وهو لا يُعرف إلا في هذا الحديث الذي رواته مجاهيل!

وقد ذكره من صنّفوا في «الصحابة»!

وذكره الطبراني في «المعجم الكبير» (5/89) تحت اسم: "زَيْدُ بنُ بَوْلَا - بِفَتْح أوله وَسُكُون الوَاو تَلِيهَا اللَّام ألف - مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

ولما ذكره ابن السكن قال: "لم أجد له رواية غير هذا الحديث - يعني حديث الاستغفار- وليس يروى إلا من هذا الوجه - يعني من حديث بلال عن أبيه عنه -"، وبنحوه قاله البغوي.

وقال أبو موسى المديني: "زيد بن بولا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو يسار".

وقال ابن شاهين: "كان عبداً نُوبياً أصابه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني ثعلبة فأعتقه"، وذكر له حديث الاستغفار. [إكمال تهذيب الكمال: (5/176)].

وذكره ابن الأثير في «أسد الغابة» (2/346) (1823) تحت اسم: "زيد بن بَوْلَى"، ثم ساق له هذا الحديث، ثم قال: "أَخْرَجَهُ الثَّلاثَةُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى عَن ابْنِ مَنْدَهْ، وَهُوَ فِي كِتَابِ ابنِ مَنْدَهْ إِلا أَنَّهُ لَمْ يَنْسِبْهُ وَلا نَسَبَهُ أَبُو عُمَرَ، إِنَّمَا نَسَبَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَتَبِعَهُ أَبُو مُوسَى، وَأَخْرَجَ الحَدِيثَ بِعَيْنِهِ عن بِلالِ بنِ يَسَارٍ، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ زَيْدٍ، فَهُوَ هُوَ لا شَكَّ فِيهِ".

ثم ذكره في موضع آخر (2/359) (1838) باسم: "زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وساق له هذا الحديث.

ثم ذكره في موضع ثالث (2/378) (1880) تحت اسم: "زيد أَبي يسار مولى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، ثم ساق له هذا الحديث، ثم قال: "وقد تقدم في ترجمة زيد بن بولى. أخرجه كذا أَبُو أحمد العسكري، وهو زيد بن بولى، مولى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو زيد أَبُو يسار. وَإِنما ذكرناه لئلا يظن أَنَّهُ غيرهما".

وكذا فعل ابن حجر في «الإصابة»، فإنه ذكره في كتابه (2/490) (2886): "زيد بن بولا - بالموحدة -، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أبو يسار. له حديث عند أبي داود، والترمذيّ، من رواية ولده بلال بن يسار بن زيد: حدّثني أبي عن جدّي، ذكر أبو موسى أن اسم أبيه بولا - بالموحدة - وقال غيره: اسمه زيد".

ثم ذكره في موضع آخر (2/516) (2954) قال: "زيد مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: هو ابن بولا - تقدم".

ثم ذكره في موضع ثالث (2/517) (2960) قال: "زيد أبو يسار: هو ابن بولا - تقدم".

قلت: لم يُنسَب في الحديث! ومن سمّاه: "زيد بن بَولا" فقد وهم! وما ذكره ابن شاهين أنه كان عبداً نُوبياً ربما اشتبه عليه بغيره!

وأكبر الظنّ أن من نسبه أخذ ذلك من ترجمة: "هِلَال بن زَيْدِ بنِ يَسَارِ بنِ بَوْلَا مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وكنيته "أَبُو عِقَالٍ" وهو بصري يروي عن أنس، وهو منكر الحديث! فخلطوا بينهما للتشابه في الاسم وأنه مولى، والله أعلم.

وذكر البُلاذري في «أنساب الأشراف» (1/483) (976) قال: "أَبُو لبابة، واسمه زيد بن المنذر، من بني قريظة، ابتاعه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مكاتب، فأعتقه. وهو الَّذِي روى عَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قَالَ: أستغفر اللَّه الَّذِي لا إله إلا هُوَ الحي القيوم وأتوب إِلَيْهِ، غفر اللَّه لَهُ ولو كان فر من الزحف». وابنه يسار بن زيد".

وذكره ابن حجر في «الإصابة» (7/290) (10472) وقال: "ذكره محمّد بن حبيب في كتابه «المحبر»"، ثم نقل كلام البلاذري، ثم تعقبه بقوله: "قلت: المعروف أن الذي روى الحديث المذكور هو: زيد بن بولا. وقد تقدم في ترجمته أنه كان نوبياً من سبي بني ثعلبة، فهو غير هذا".

قلت: لم تثبت صحبة هذا ولا ذاك، والله أعلم.

·       وأما حديث ابن مسعودٍ:

فرُوي عنه مرفوعاً وموقوفاً!

رواه ابن خزيمة في «كتاب التوكل» من «صحيحه» [كما في «إتحاف المهرة» (10/438) (13115) عن سَعِيدِ بنِ عَبْدُوسِ بنِ أَبِي زَيْدَونَ القَيْسَرَانِيّ وَرَّاقَ الفِرْيابي. والحاكم في «المستدرك» و(2/128) (2550) من طريق مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مَيْمُونٍ الرَّقِّيّ، كلاهما (ابن عَبدوس، والرقي) عن مُحَمَّدِ بنِ يُوسُفَ الفِرْيَابِيِّ.

والحاكم في «المستدرك» (1/692) (1884) من طريق أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِاللَّهِ النَّرْسِيّ، عن مُحَمَّدِ بنِ سَابِقٍ البغدادي.

كلاهما (الفريابي، وابن سابق) عن إِسْرَائِيلَ بنِ يُونُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ الكُوفِيّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ ضِرارِ بنِ مُرّة الشيباني، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ العَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثًا، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ، وَإِنْ كَانَ فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ».

ورواه البيهقي في «الدعوات الكبير» (1/235) (161) عن الحاكم أَبي عَبْدِاللَّهِ الحَافِظ.

قال الحاكم في حديث ابن سابق: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

فتعقبه الذهبي في «التلخيص» فقال: "أبو سنان ضرار بن مرة، لم يُخرِّج له البخاري".

وقال الحاكم في حديث الفريابي: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (15/235) (30063) عن عبدِالله بنِ نُمَيْرٍ، عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ ثَلاثًا غُفِرَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ».

كذا وقع في بعض نسخ «المصنف»: «إسرائيل»، ووقع في بعضها: «إسماعيل»!

فإن كان الصحيح: «إسرائيل»، فيكون ابن نُمير خالف ابن سابق والفريابي فوقفه، وهما قد رفعاه!

وإن كان الصحيح: «إسماعيل»:

فيُحتمل أنه: «إسماعيل بن أبي خالد»، وقد ذكر المزي في ترجمة "عبدالله بن نمير" من «تهذيب الكمال» (16/225) أنه يروي عن إسماعيل بن أَبي خَالِد.

ويُحتمل أنه: «إسماعيل بن يحيى الشَّيباني الكوفيّ»، توفي ما بين سنة (191 - 200هـ)، وهو منكر الحديث مُتّهم، وقد ذكر المزي في ترجمته من «تهذيب الكمال» (3/213) (493) أنه يروي عن أبي سنان ضرار بن مرة الشيباني.

وكذا ذكر الذهبي في «الكاشف» (1/250) (413).

وقال فيه ابن حبان في «المجروحين» (1/126): "كَانَ مِمَّن يروي الموضوعات عَن الثِّقَات وَمَا لَا أصل له عَن الْأَثْبَات، لَا تحلّ الرِّوَايَة عَنْهُ، وَلَا الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال".

وكنت قد ذهبت قديماً إلى أن إسرائيل ربما أخذه من إسماعيل الشيباني هذا، ووهم في روايته!

لكن إسرائيل في طبقة شيوخ إسماعيل بن يحيى الشيباني المتّهم؛ لأن إسماعيل هذا يروي عن إسماعيل بن أبي خالد الكوفي (ت 146هـ)، وأبو حنيفة (ت 150هـ)، وفطر بن خليفة الكوفي (ت 153هـ)، ومسعر بن كِدام (ت 155هـ)، وابن أبي ذئب المدني (ت 159هـ).

فطبقة شيوخه ممن مات بعد سنة (140هـ)، وأَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ الكُوفِيُّ تُوُفِّيَ (132هـ) فيستبعد أن يكون إسماعيل سمع منه!

ولا أظنه إسماعيل بن أبي خالد!

والذي أراه أنه: «إسرائيل» تصحّف إلى «إسماعيل» في بعض النسخ.

فالحديث حديث إسرائيل، وقد اختلف عليه فيه:

فرواه الفريابي، وابن سابق عن إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ، مرفوعاً.

ورواه عبدِالله بنِ نُمَيْرٍ، عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ ابنِ مَسْعُودٍ، موقوفاً!

لكن هل هذا الاختلاف من إسرائيل نفسه أم من الرواة عنه؟

المُشتغل بالحديث ويعرف كيف يتعامل النقاد مع الروايات في مثل هذه الحالة لا يخرج عن نسبة الاختلاف هذا إلى الراوي نفسه = وهذا يتضمن أنّ إسرائيل حدّث به أكثر من مرة: حدّث به مرة فرفعه، وحدث به مرة أخرى فوقفه؛ لأنه لا يمكن أن يكون حدّث به مرة واحدة على الوجهين!

والحديث غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بنِ مَالِكِ بنِ نَضْلَةَ الكُوفِيّ! تَفَرَّدَ بِهِ أبو سِنانٍ! ولم يروه عنه إلا إسرائيل.

ولا يُعرف الحديث عن أصحاب أبي الأحوص المُكثرين عنه حتى عند جدّ إسرائيل أبي إسحاق السبيعي! ولا يُعرف كذلك عند أصحاب أبي سنان!

ورواية أبي سنان عن أبي الأحوص نادرة جداً! ولم أقف له عنه إلا هذا الحديث!

فالحديث تفرد به إسرائيل ولا نعرف من أين جاء به! فإذا قلنا بأنه حدّث به أكثر من مرة فهذا يعني أن له أصل عنده، لكن اختلف عليه في الرفع والوقف!

لكن الذي أراه أنه حدّث به مرة واحدة لغرابته فوهم فيه!

وهو ثقة وقد أكثر عن جدّه أبي إسحاق، إلا أن بعض أهل النقد تكلّموا فيه وليّنوه كابن المديني، ويعقوب بن شيبة! ولم يُحدِّث عنه يحيى القطان!

وكأنه أُتي من حفظه!

قال عبّاس الدوري في «تاريخ ابن معين - روايته» (4/65) (3171): سُئِلَ يحيى عَن إِسْرَائِيلَ؟ فَقَالَ: قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: "كُنَّا نَكْتُبُ عِنْدَه مِنْ حِفْظِه".

قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: "كَانَ إِسْرَائِيْلُ لاَ يَحفَظُ، ثُمَّ حَفِظَ بَعْدُ".

قال الذهبي في «السير» (7/357): "يَعْنِي: أَنَّهُ دَرسَ كِتَابَه". قلت: يعني صار يرجع لكتابه ويراجعه لا أنه بدأ بحفظ حديثه، فهو كان يحفظ إلا أنه كان يُخطئ إذا حدّث من حفظه.

قال أبو داود في «سؤالاته لأحمد» (ص: 311): قلت لِأَحْمَد: إِسْرَائِيل أحبّ إِلَيْك أَو شَريك؟ قَالَ: "إِسْرَائِيْلُ إِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ لاَ يُغَادرُ، وَيُحفَظُ مِنْ كِتَابِهِ".

قلت: يُشبه أن يكون إسرائيل حدّث بهذا الحديث من حفظه، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ عالِم الكوفة صرّح بأنهم كانوا يكتبون عنده من حفظه، ويُشبه أن يكون سماع يحيى بن آدم وَالفِرْيَابِيّ واحد، فقد رَوَى عَبَّاسٌ الدوري عَنْ يَحْيَى بن معين، قَالَ: "قَبِيْصَةُ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَالفِرْيَابِيُّ: كُلُّهُم عَنْ سُفْيَانَ قَرِيْبٌ مِنَ السَّوَاءِ".

فهؤلاء كانوا يطلبون الحديث عند المشايخ في وقت واحد، وإسرائيل توفي بعد الثوري بسنة واحدة، والفريابي روى هذا الحديث عن إسرائيل، فالظاهر أنه سمعه منه من حفظه.

وحينها فإن الاختلاف عليه في الرفع والوقف من الرواة عنه!

فرفعه الفريابي (ت 212هـ)، وابن سابق (ت 214هـ)، ووقفه ابن نُمير (ت 199هـ)، وابن نُمير أوثق منهما بكثير.

والفريابي ثقة إلا أن له كثير من الإفرادات وخاصة عن الثوري، وحديثه عن إسرائيل ليس بالكثير، وابن سابق فيه لِين، وقد ضعّفه ابن معين! وقال فيه يعقوب بن شيبة: "هو ثقة، وليس ممن يوصف بالضبط"!

فمن كان في حالهما فيسهل عليه الخطأ في مثل هذا الحديث فيرفعه؛ لأن ضبط الحديث الموقوف يحتاج لحافظ متيقظ متقن، وابن نُمير من هذه البابة فضبط الحديث بالوقف.

فالأصل في الحديث الغريب الذي لا يحفظ عن أصحاب بعض الرواة ويرويه مثل إسرائيل أن يكون حدّث به مرة واحدة ووهم فيه، وحينها يكون الاختلاف عليه من الرواة عنه، والضابط المتيقظ المتقن يُقدم حديثه على من هو دونه ولو كانوا أكثر من واحد!

ومما يؤيد أيضاً أن إسرائيل وهم فيه أنه رواه على وجه آخر عن جدّه أبي إسحاق.

رواه عبدالرزاق في «مصنفه» (2/236) (3195) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، قَالَ: «مَنْ قَالَ بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ».

وقد تُوبع إسرائيل عليه.

فقد رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (15/235) (30062) عن مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ، قال: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، قَالَ: «مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ ثَلاثًا غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ».

فقد تابع شَريكٌ إسرائيل عليه عن أبي إسحاق، وهذا هو الصواب.

وإسرائيل من أثبت الناس في حديث جدّه حتى إنه كان يقول: "كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما احْفَظ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ".

وقال عيسى بن يُونُسَ: كَانَ أَصْحَابُنَا سُفْيَانُ، وَشَرِيكٌ - وعَدَّ قوماً - إِذَا اخْتَلَفُوا فِي حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ يَأْتُونَ أَبِي فَيَقُولُ: "اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِسْرَائِيلَ، فَهُوَ أَرْوَى عَنْهُ مِنِّي، وَأَتْقَنُ لَهَا، وَكَانَ قَائِدَ جَدِّهِ".

وقد تكلّم أهل النقد في ترجيح رواية إسرائيل على شريك والعكس.

قال يحيى بن معين: "إِسْرَائِيل أثبت حَدِيثاً من شَريك".

وَقَالَ أَحْمَدُ: "إِسْرَائِيلُ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنْ شريك إلا في أبي إسحاق، فإن شريكاً أضبط".

فهذا في حال الاختلاف بينهما في حديث أبي إسحاق، فكيف إذا اتفقا عليه، وقد اتفقا على هذا الإسناد.

وهذا هو المحفوظ في حديث إسرائيل، وهو إسنادٌ ضعيفٌ لجهالة الرجل فيه! فلا ندري ممن سمعه أبو إسحاق السبيعي! ولا يُحفظ عن معاذ بن جبل!

وأصل هذا الحديث من قول مَكحولٍ الشاميّ.

رواه أبو نُعيم في «الحلية» (5/180) من طريق عُمَرَ بنِ عَبْدِالوَاحِدِ السُّلَميِّ الدمَشْقَيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: مَنْ قَالَ: «أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الْحَيَّ الْقَيُّومَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَ فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ».

فإما أن يكون أبو إسحاق السبيعي سمعه من رجل مجهول كان يُحدّث به عن معاذ، وأصل حديث معاذ هو حديث مكحول الشامي، أو أنه كان عنده من حديث مكحول فوهم فيه فحدّث به عن رجل عن معاذ، وذكر معاذاً؛ لأنه كان في الشام، وأصل الحديث في الشام من قول مكحول فلم يضبطه، وكان قد تغيّر في آخر عمره، والله أعلم.

وعلى كلّ الأحوال فهذا إسناد ضعيف!

*طريق آخر عن أبي إسحاق!

ورُوي عن أبي إسحاق من طريق آخر:

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (9/103) (8541) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الصَّائِغِ، قال: حدثنا سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ، قال: حدثنا حُدَيْجُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِاللهِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَا يَقُولُ رَجُلٌ أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَّا غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ».

قلت: خالف حُدَيْجُ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ حُدَيْج الكُوفِيُّ - أَخُو زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ - إسرائيل وشريكاً! وهو متفقٌ على ضعفه، وتركه بعضهم، وكان سيء الحفظ، يغلب عليه الوهم في حديثه عن أبي إسحاق، ويروي عنه المناكير!

قَالَ أَبُو الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ: "كَانَ زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ لَا يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ أَخِيهِ حُدَيْجِ بنِ مُعَاوِيَةَ".

ورواه الخطيب في «تالي تلخيص المتشابه» (1/291) (171) قال: أخبرنَا أَبُو القَاسِم عُبيدالله بن عمر بن أَحْمد بن عُثْمَان الوَاعِظ - هو: ابن شاهين -، قال: أخبرنَا أَبُو بَحْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ كَوْثَرٍ البَرْبَهَارِيُّ، عن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الجُذُوعِيّ القَاضِي، عن زَيدِ بنِ يزِيدَ أَبي مَعْنٍ الرَّقَاشِيّ، عن أَبي قُتَيْبَةَ سَلْم بن قُتَيْبَةَ، عَنْ حَازِمِ بنِ إِبْرَاهِيمَ البَجَلِيِّ أَبي مُحَمَّدٍ الكُوفِيّ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبدالرَّحْمَن بن عبدالله بن مسعودٍ، عَن أَبِيه، قَالَ: «من قَالَ فِي يَوْم مئة مرّة أسْتَغْفر الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَأَتُوب إِلَيْهِ غفرت لَهُ ذنُوبه وَإِن كَانَ فر من الزَّحْف».

قلت: تفرد به بهذا الإسناد: البَرْبَهَارِيُّ، وهو واهٍ!

قال حمزة السهمي: سألت أبا الحسن الدارقطني، عن محمد بن الحسن بن كوثر أبي بحر البربهاري، فقال: "كان له أصلٌ صحيحٌ، وسماعٌ صحيحٌ، وأصلٌ رديءٌ، فحدَّث بذا وبذاك فأفسده".

قلت: ولهذا انتخب عليه الدارقطني.

قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَانَ يَقُوْلُ لَنَا الدَّارَقُطْنِيُّ: "اقتَصِرُوا مِنْ حَدِيْثِ أَبِي بَحْرٍ عَلَى مَا انتخبتُهُ حسْب".

وَقَالَ أبو الفتح مُحمد بنُ أَبِي الفَوَارِسِ: "شيخٌ فِيْهِ نظرٌ". وقَالَ: "وَكَانَ مخلِّطاً وَلَهُ أُصولٌ جيَادٌ، وَلَهُ شَيْءٌ رديءٌ".

وقال أبو الحسن ابن الفرات: "كان أبو بحر بن كوثر البربهاري مُخلطاً، وظهر منه في آخر عمره أشياء منكرة، منها: أنه حدّث عن يحيى بن أبي طالب، وعبدوس المدائني، فغفله قوم من أصحاب الحديث فقرؤوا عليه ذلك، وكانت له أصول كثيرة جيدة فخلط ذلك بغيره وغلبت الغفلة عليه".

وَقَالَ البَرْقَانِيُّ: حضَرتُ عِنْدَ أَبِي بَحْرٍ يَوماً، فَقَالَ لَنَا ابنُ السَّرَخْسِيِّ: سأُرِيكُم أَنَّ الشَّيْخَ كَذَّابٌ، فَقَالَ لأبي بَحرٍ: أيها الشيخ، فُلاَنُ بنُ فُلاَنِ بنِ فُلانٍ كان ينزلُ في الموضع الفُلاَنِيَّ، هل سمعتَ مِنْهُ؟ فَقَالَ أبو بَحرٍ: نَعَمْ، قد سمعت منه!

قَالَ البَرْقَانِيُّ: وكان ابن السرخسي قد اختلق ما سأله عنه، ولم يكن للمسأله أصل!

وقال البرقاني: "ما يَسوى أبو بحر عندي كعباً". وقال مرة: "كان كذاباً". [تاريخ بغداد: (2/613)].

*تعقبات على بعض المعاصرين!

* أورد د. ماهر الفحل الحديث في «الجامع في العلل والفوائد» (4/23) وجعله مثالاً لما ضُعّف بسبب الاختلاف في الرفع والوقف!

قال: "ومما ضُعف متنه بسبب الاختلاف فيه رفعاً ووقفاً ما روى إسرائيل، عن أبي سنان..."، ثم ساق الحديث من طريق الفريابي وابن سابق عن إسرائيل، ثم قال: "هذا الحديث اختلف فيه على إسرائيل، فرواه مرة مرفوعاً، ورواه مرة موقوفاً. أخرجه: ابن أبي شيبة (29941) من طريق ابن نمير، عن إسرائيل بالإسناد المتقدم موقوفاً على ابن مسعود - رضي الله عنه -.

وهذا الاختلاف يوحي باضطراب إسرائيل، فقد رواه عنه مرفوعاً: الفريابي: وهو ثقة، وتابعه محمد بن سابق: وهو صدوق.

وخالفهما عبدالله بن نمير: وهو ثقة أيضاً فرواه موقوفاً".

قلت:

أولاً: من ضعّف الحديث لم يضعفه بسبب الاختلاف في الرفع والوقف! فلا يصلح هذا المثال لما أورده الدكتور!

ثانياً: إسرائيل لم يضطرب فيه، وإنما الاختلاف من الرواة عنه، وقد ضبطه ابن نمير.

وعلى فرض أن الاختلاف من إسرائيل نفسه، فحينها نلجأ للترجيح: إما الوقف أو الرفع، لا أن نحكم باضطرابه وردّه!

ثالثاً: لا تُعامل الأسانيد بهذه الطريقة: الفريابي: ثقة، وابن سابق: صدوق، وابن نمير: ثقة! بل لا بدّ من المقارنة بينهم ومعرفة الأضبط والأقوى! ولا يجوز الحكم على ابن سابق بأنه صدوق وإهمال أقوال من ضعفوه كما سبق بيانه!

فطريقة الدكتور هذه لبيان أن هؤلاء كلهم ثقات = وهذا يعني أن الاختلاف من إسرائيل نفسه! وليس كذلك!

* وذكر د. ماهر الطريق الذي أخرجه الطبراني، فقال: "أخرجه الطبراني في «الكبير» (8541) من طريق أبي إسحاق، عن عبدالرحمن بن عبدالله، عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -، به موقوفاً عليه.

وهذا الحديث فيه أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس وقد عنعن، وفيه عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود اختلف في سماعه من أبيه" انتهى.

قلت: لم يذكر الدكتور علة هذا الإسناد الحقيقية وهو حُدَيْجُ بنُ مُعَاوِيَةَ كما بيّنت سابقاً! وهذا قصورٌ منه! ولا مدخل للكلام هنا على تدليس أبي إسحاق، ولا الاختلاف في سماع عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود من أبيه!

* قال محمد عوّامة في تحقيقه لـ «مصنف ابن أبي شيبة» (15/235) عند الكلام على حديث ابن نمير (30063): "«عن إسرائيل»: من النسخ إلا [ع]، [ش] ففيهما: «عن إسماعيل». وابن نمير يروي عن إسماعيل بن أبي خالد، وأبو سنان - ضرار بن مرة الشيباني - يروي عنه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، فلا مرجّح، والله أعلم".

قلت: لم يروه إسماعيل بن أبي خالد، وقد بيّنت أن الصواب فيه: «إسرائيل»، ولله الحمد.

* قال ياسر آل عيد في «فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود» (18/418) عن حديث إسرائيل عن أبي سنان الذي أخرجه الحاكم: "فهو إسناد كوفي صحيح غريبٌ جداً. والعجب كيف يفوت إسناد كهذا في ثقة رجاله وشهرتهم: أبا داود والترمذي، ويستبدلانه بإسناد مجهول غريب!!!

ورواه ابن نمير، عن إسماعيل، عن أبي سنان... موقوفاً. أخرجه ابن أبي شيبة (6/57/29450) (10/300/9499 – ط السلفية.

قلت: شيخ عبدالله بن نمير يغلب على الظن أنه: إسماعيل بن يحيى الشيباني، وليس هو ابن أبي خالد التابعي الثقة الثبت، والشيباني: متهم بالكذب، هكذا وقع في بعض النسخ الخطية: «ابن نمير عن إسماعيل»، هكذا غير منسوب، وفي بعضها: «ابن نمير عن إسرائيل»، غير منسوب أيضاً، وعبدالله بن نمير غير مشهور بالرواية لا عن إسماعيل بن يحيى، ولا عن إسرائيل، وكلاهما معروف بالرواية عن أبي سنان، والأقرب عندي أنه إسرائيل، وذلك لكون الحديث مروياً من حديث إسرائيل عن أبي سنان...

وعلى هذا: يكون قد اختلف على إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق في رفع هذا الحديث ووقفه: فرفعه: محمد بن سابق [صدوق]، ومحمد بن يوسف الفريابي [ثقة]. وأوقفه: عبدالله بن نمير [ثقة ثبت].

ولا أستبعد أن يكون الموقوف هو الصواب؛ وذلك لعدم اشتهار المرفوع عند المصنفين من أصحاب السنن والمسانيد ممن يعنون بإخراج المرفوع، وهذا إسناد نظيف، رجاله ثقات كلهم كوفيون ثقات، وإن لم يكن من جواد الطرق المسلوكة، لكن نظافة إسناده تدعو إلى العناية به، واشتهاره، وأقدم من أخرج هذا الحديث من المصنفين هو ابن أبي شيبة، وقد أخرج الموقوف، مما يدل على عدم وقوفه على المرفوع، ولا اشتهاره في وقته وبلده، فضلاً عن إعراض كبار المصنفين من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد عن إخراج المرفوع. وعلى هذا فهو موقوف على ابن مسعود بإسناد كوفي صحيح غريب".

قلت:

أولاً: مسألة العجب كيف فات هذا الإسناد أبا داود والترمذي عجيب! فلا نعرف حقيقة أنه فاتهم! وليس بالضرورة إذا كانا قد سمعاه أن يخرّجاه في كتابيهما!

ثانياً: ترجيحه لرواية ابن نمير عن إسرائيل في كتاب ابن أبي شيبة هو الصواب، لكنه لم يُقدّم الأدلة الكافية على ذلك! وقد بيّنت أنه لا يمكن أن يكون هو إسماعيل المتهم لأنه لم يلحق أبا سنان! ثم لو لم يكن هو «إسرائيل» لما أطلق ابن أبي شيبة اسمه هكذا، فإنه إذا أطلق هو «إسرائيل» لشهرته، وقد روى عنه ابن نمير عدة أحاديث، ولو كان «إسماعيل» لبيّن من هو!

ثالثاً: مسألة الاختلاف على إسرائيل فطريقته مثل طريقة د. ماهر التي تقدم الكلام عليها حذو القذة بالقذة! وهذه طريقة من لا يعرف عُمق النقد والتعليل!

رابعاً: الموقوف ليس بصواب ولا كذلك المرفوع كما بينته آنفاً. ولم يعرف المخرِّج كيفية التعليل!

خامساً: قوله: عدم اشتهار المرفوع عند المصنفين من أصحاب السنن والمسانيد ممن يعنون بإخراج المرفوع ضربٌ من الخيال! فليس كل ما سمعوه أخرجوه في كتبهم! ولم يسمعوا كل شيء من شيوخهم، فربما يكثرون عن بعض الشيوخ وينتقون عن بعض!

وما أدرانا لعلهم سمعوه من الفريابي أو ابن سابق لكنهم رأوه غريباً فلم يرووه، فالله أعلم.

وقوله هذا يخالف ما قاله بعد عن إعراض كبار المصنفين من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد عن إخراج المرفوع!!! = فمقتضى ذلك أنهم وقفوا عليه لكن لم يخرجوه في كتبهم! وهذا ضربٌ من الخيال أيضاً!

سادساً: مسألة الشهرة لحديث أمر نسبي، فابن أبي شيبة خرّج الموقوف؛ لأنه سمعه هكذا في الكوفة من ابن نُمير، ولم يروه عن إسرائيل من أهل الكوفة إلا ابن نمير، وقد يكون الحديث عند بعض أهل الكوفة عن إسرائيل لكن لم يسمعه ابن أبي شيبة منهم، وقد يكون سمعه بعض الرواة لكن لم يُحدثوا به، والله أعلم.

سابعاً: ترجيحه الموقوف على ابن مسعود بإسناد كوفي صحيح غريب! فيه نظر! وهو ترجيح بالظاهر دون النظر في تفرد إسرائيل وحاله، وروايته الأخرى عن جده أبي إسحاق وقد توبع عليها مما دلّ على وهمه في تلك الرواية!

* قال آل عيد أيضاً: "ورواه معمر بن راشد [ثقة ثبت في الزهري وابن طاوس، وقد يَهم في حديث غيرهما، وكان يضعف حديثه عن أهل الكوفة والبصرة]، عن إسرائيل [ثقة، من أثبت الناس في جده أبي إسحاق]، عن رجل، عن معاذ بن جبل...

وهذا الوجه غير محفوظ عن إسرائيل، حيث سلك فيه معمر الجادة، فجعله عن إسرائيل عن جده أبي إسحاق السبيعي، وإنما يرويه إسرائيل، عن أبي سنان ضرار بن مرة، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود...

ورواه شريك بن عبدالله النخعي [صدوق، سيء الحفظ، قديم السماع من أبي إسحاق]، عن أبي إسحاق، عن معاذ بن جبل، قال..." انتهى.

قلت:

أولاً: كيف يكون الوجه الذي رواه معمر غير محفوظ مع وجود متابعة لإسرائيل من شريك؟!

وهل هكذا تُعلل الروايات؟! نحكم بوهم معمر وأنه سلك الجادة بمجرد وجود رواية أخرى لإسرائيل لهذا الحديث؟!

وإذا كانت رواية إسرائيل عن جده جادة، فمن أين أتى معمر بالرجل المبهم في إسناده؟!

ثانياً: مسألة أن معمراً قد يهم فكل الرواة يحصل لهم ذلك، ومعمر كثير الرواية وإثبات وهمه يحتاج لدليل واضح لا لتخرصات وخيالات!

وروايته عن أهل البصرة والكوفة مستقيمة لا ضعيفة كما زعم! وروايته عنهم في «الصحيحين» وغيرهما.

نعم، تكلموا في روايته عن أهل البصرة لما نزل فيها لزيارة أمّه ولم تكن معه كتبه فحدّث بها من حفظه فوهم في بعض حديثه، ولا يجوز إطلاق تضعيف حديثه عنهم! وهذا الحديث سمعه معمر من إسرائيل في الكوفة قديماً، فكيف نحكم بأنه غير محفوظ!

ثالثاً: اعتمد آل عيد في ما ذكره عن معمر على النص المشهور عن ابن مَعِيْنٍ أنه قال: "إِذَا حَدَّثَكَ مَعْمَرٌ عَنِ العِرَاقِيِّيْنَ، فَخَالفهُ، إِلاَّ عَنِ ابنِ طَاوُوْسٍ وَالزُّهْرِيِّ، فَإِنَّ حَدِيْثَهُ عَنْهُمَا مُسْتقِيْمٌ، فَأَمَّا أَهْلُ الكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ فَلَهُ. وَمَا عَمِلَ فِي حَدِيْثِ الأَعْمَشِ شَيْئاً".

وهذا النص فيه تحريف كما بينته مُفصلاً في موضع آخر، وصوابه:

"إِذَا حَدَّثَكَ مَعْمَرٌ عَنِ الحِجَازيِّيْنَ، فَخَفهُ - أو فخافه -، إِلاَّ عَنِ ابنِ طَاوُوْسٍ وَالزُّهْرِيِّ، فَإِنَّ حَدِيْثَهُ عَنْهُمَا مُسْتقِيْمٌ، فَأَمَّا أَهْلُ الكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ فَلَهُ. وَمَا عَمِلَ فِي حَدِيْثِ الأَعْمَشِ شَيْئاً".

وقوله: «إذا حدثك معمر عن العراقيين...» أي «أهل العراق» ويدخل فيهم «أهل الكوفة والبصرة»، فكيف يذكر «العراقيين» أولاً، ثم يذكر بعدها «الكوفة والبصرة»؟! وكذلك فإنه استثنى من «العراقيين»: "ابن طاوس والزهري"، وهما ليس من العراق!! فابن طاوس يماني، والزهري مدني! فكيف يستثنيهم من أهل العراق؟!! والصواب: «عن الحجازيين»؛ فالزهري حجازي، وابن طاوس كان يختلف كثيراً لمكة حتى ذكروا في ترجمته: «اليماني المكي».

ولفظة: «فخالفه» لا تصح؛ لأنه مهما أخطأ فلا يمكن أن يكون أخطأ في كل شيء حتى يُخالَف فيه، والصواب: «فخافه» أو «فخفه» = أي احذر منه.

وأما لفظة: «فلا» فهذا يعني النهي، وهذا لا يستقيم أبداً في حديث مَعمر عن كلّ أهل الكوفة والبصرة! فيستحيل أن ينهى يحيى عن حديثه عنهم كلهم! والصواب: «فَله» = يعني له حظّ مما يرويه عن أهلهما، وله رواية جيدة عنهم، فهو بصري الأصل، وسمع فيها، وسمع من أهل الكوفة، ورواياته مستقيمة عنهم، ويؤيد هذا استثناء يحيى روايته عن الأعمش بقوله: "وما عمل في حديث الأعمش شيئاً"، والأعمش كوفيّ.

رابعاً: الغريب أنه ذكر رواية شريك عن أبي إسحاق وهي موافقة لرواية إسرائيل عن أبي إسحاق، إلا أنه مال إلى تضعيفها لأن شريكاً سيء الحفظ مع أنه ذكر إنه قديم السماع من أبي إسحاق!

وكأنه لما رأى أن شريكاً لم يذكر في إسناده "عن رجل" ضعّف روايته! وهو إنما اعتمد مطبوعة مكتبة الرشد لمصنف ابن أبي شيبة – تحقيق: كمال يوسف الحوت! وقد سقط منها: "عن رجل"!

وفي بعض مطبوعات المصنف إثباتها في الإسناد، وكذا موجودة في بعض المخطوطات، فقد تابع شريك إسرائيل في روايته هذه عن أبي إسحاق، ودلّ ذلك أن هذا هو المحفوظ عنه، ولم يهم معمر فيها ويسلك الجادة كما زعم آل عيد!

* قال آل عيد في نهاية كلامه على الحديث: "وحاصل هذه الطرق: أن هذا الحديث غير محفوظ من حديث أبي إسحاق السبيعي؛ حيث لم يروه عنه قدمائ أصحابه ممن روى عنه قبل التغير، ولا أحد من ثقات المكثرين عنه، وأحسن ما يقال فيه بأنه مما رواه بعد التغير، أو وهم عليه فيه راويه، فإذا استبعدنا المناكير والأباطيل والأوهام، فتكون أسلم الروايات وأشبهها بالصواب رواية: شريك، عن أبي إسحاق، عن معاذ بن جبل، ولا تثبت أيضاً؛ لانقطاعها بين أبي إسحاق ومعاذ، ولسوء حفظ شريك، ولم يتابع عليه، فضلا عن كون حديث أبي إسحاق لم يعرف عند أصحابه القدماء: سفيان الثوري وشعبة، ولا عند المكثرين عنه، ولا في أهل بيته، سيما حفيده إسرائيل، وهو من أثبت الناس فيه، وأكثرهم عنه رواية؛ إنما يرويه إسرائيل، عن أبي سنان، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، والله أعلم" انتهى.

قلت:

أولاً: الدعوى بأن أبا إسحاق رواه بعد تغيره دعوى لا خطام لها ولا زمام! وكذا دعواه بأن راويه وهم عليه فيه!!

ثانياً: اعتمد على ما جاء في مطبوع مصنف ابن أبي شيبة من حديث شريك عن أبي إسحاق، ورده بالانقطاع بين أبي إسحاق ومعاذ، ولسوء حفظ شريك ولم يتابع عليه!

وقد بينت فيما سبق أن المحفوظ في كتاب ابن أبي شيبة "عن رجل" وقد سقط من النسخة التي اعتمدها ياسر آل عيد!

ثالثاً: قال بأن شريكا لم يتابع عليه! وليس بصحيح، فقد تابعه إسرائيل كما رواه معمر عنه، لكم مشكلة ياسر أنه رد رواية معمر وقال بأنه سلك الجادة دون دليل!

رابعاً: العجيب أنه رد حديث شريك لعدم رواية أصحاب أبي إسحاق القدماء لهذا الحديث عنه! وهذا ليس بلازم! فشريك من قدماء أصحابه، وإذا كان قدماء أصحابه كالثوري وشعبة قد سمعوه فليس بالضرورة أن يرووه سيما وفيه رجل غير مسمّى!

والأعجب من ذلك أنه جزم بأن هذا الحديث ليس عند أهل بيته سيما حفيده إسرائيل! ومشكلته أنه جزم بوهم معمر في روايته عن إسرائيل عن جده فردها! وإنما هي رواية صحيحة تثبت أن هذا الحديث عند حفيده إسرائيل، وقد تابع شريكاً عليه.

* ذكر الباحث نبيل بن منصور البصارة في كتابه: «أنِيس السَّاري في تخريج وَتحقيق الأحاديث التي ذكرها الحَافظ ابن حَجر العسقلاني في فَتح البَاري» (7/5180) الحديث (3696) وحكم عليه بالصحة! وقال: "ورواه إسماعيل بن أبي خالد عن أبي سنان موقوفاً".

ثم قال: "والأول أصح لأنّ الرفع زيادة من ثقة وهي مقبولة، وإسناده صحيح رواته ثقات".

ثم قال: "وللحديث طريق أخرى يرويها أبو إسحاق السبيعي عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود عن أبيه، واختلف عن أبي إسحاق في رفعه ووقفه:

- فرواه حازم بن إبراهيم البجلي عن أبي إسحاق مرفوعاً.

- ورواه حُديج بن معاوية الجعفي عن أبي إسحاق موقوفاً.

وأبو إسحاق مدلس وقد عنعن، وكان قد اختلط أيضاً، ولم يُذكر حازم وحديج فيمن روى عنه قبل الاختلاط" انتهى.

قلت:

أولاً: الحكم عليه بالصحة فيه نظر! بل هو منكر كما بيّناه.

ثانياً: اعتمد على ما وقع في بعض مطبوعات المصنف: «عن إسماعيل» فجزم بأنه إسماعيل بن أبي خالد، وليس بصحيح!

وابن نُمير لما يُحدّث عن إسماعيل ينسبه: إسماعيل بن أبي خالد. وكلّ رواياته في مصنف ابن أبي شيبة نُسِب فيها.

ثالثاً: عدّ زيادة الرفع في حديث إسرائيل عن أبي سنان مقبولة؛ لأنها زيادة ثقة! وهذا مردود! فزيادة الثقة تُقبل بقرائن ولا تقبل مطلقاً.

نعم، اثنان رووه بالرفع، لكن الاختلاف من إسرائيل نفسه، فكيف نقول بأن زيادة الثقة مقبولة! فمن روى الرفع ثقة، ومن وقفه ثقة!

رابعاً: رواية حازم بن إبراهيم البجلي وحُديج بن معاوية الجعفي عن أبي إسحاق لا يوجد فيها اختلاف على أبي إسحاق كما زعم! فكلاهما موقوفة!

والعجيب كيف قبلهما مع ضعفهما! وجعل العهدة في ذلك على تدليس أبي إسحاق واختلاطه! وأنه لم يُذكر حازم وحديج فيمن روى عنه قبل الاختلاط!! فإنه لا يُصار إلى هذا إلا بعد ثبوت أن أبا إسحاق قد حدّث به هكذا! وهو بريء من هذه الأسانيد! والله المستعان.

·       شواهد الحديث!

وقد رُوي الحديث من طرق أخرى عن أبي بكر الصديق، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وكلها منكرة باطلة لا يصح منها شيء!

·       تصحيح الألباني للحديث بالشواهد الواهية!

علّق الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (5/249) على حديث زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ هلال - ويقال: بلال - بن يسار وأبوه مجهولان، كما قال الحافظ؛ لأنه لم يرو عن الأب غير ابنه، ولا عن هذا غير عمر بن مرة.

وحفص بن عمر الشني وأبوه نحوهما؛ وإن كانا قد وثقا. والحديث أخرجه الترمذي (3572)... بهذا الإسناد، وقال: «حديث غريب من هذا الوجه».

وأما المنذري؛ فقال في «الترغيب» (2/269) - بعد قول الترمذي المذكور -: «وإسناده جيد متصل؛ فقد ذكره البخاري في «تاريخه الكبير» أن بلالًا سمع من أبيه يسار، وأن يسارًا سمع من أبيه زيد مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ»!

قلت: وهذا لا يقتضي جودة إسناده لمجرد اتصاله كما لا يخفى! فلا بد إلى ذلك من ثقة رجاله، وهذا مفقود كما عرفت مما سبق. والبخاري نفسه - حينما ترجم لبلال وأبيه وحفص بن عمر وأبيه - لم يوثقهم!

لكن الحديث صحيح؛ فإن له شواهد من حديث ابن مسعود: عند الحاكم (1/511).

وأبي هريرة: عند أبي نُعيم في «أخبار أصبهان» (1/303).

وأبي بكر الصديق: عند ابن عدي في «الكامل» (ق 260/1).

وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك: عند ابن عساكر في «التاريخ»".

وذكره في «سلسلته الصحيحة» (2727)، وساق طرقه، ثم قال: "وبالجملة فالحديث من طريق ابن مسعود صحيح، وطرقه الأخرى غالبها واهية، وما بقي منها إن لم يزده قوة، فلا يضره" انتهى.

قلت: هذا هو منهج الألباني في تصحيح الأحاديث الواهية بمثلها! وكذلك بُعده عن مسالك كشف العلل! وكيفية التعليل!

والخلاصة أن هذا الحديث لا يصح من كلّ طرقه، وأصله من قول مكحولٍ الشَّامي، والله أعلم.

والحمد لله ربِّ العالمين.

وكتب: د. خالد الحايك

5 صفر 1445هـ.

شاركنا تعليقك