الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

عَزْرَة بنُ تَميمٍ وعَزرة بن يحيى وعَزرة بن عبدالرّحمن الكوفيّ، روى عنهم قَتادة، هل هم واحد أو اثنان أو ثلاثة؟! وفوائد أخرى.

عَزْرَة بنُ تَميمٍ وعَزرة بن يحيى وعَزرة بن عبدالرّحمن الكوفيّ، روى عنهم قَتادة، هل هم واحد أو اثنان أو ثلاثة؟! وفوائد أخرى.

ذكر أهل العلم أن قتادة يروي عن ثلاثة اسمهم: "عزرة":

الأول: عزرة بن تميم:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (7/65): "عزرة بن تميم عن أبي هريرة، روى عنه قتادة".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (7/21): "عزرة بن تميم، روى عن أبي هريرة. روى عنه قتادة. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في ((الثقات)) (5/279): "عزرة بن تميم يروي عن أبي هريرة، روى عنه قتادة".

وقال الذهبي في ((الكاشف)) (2/20): "عزرة بن تميم عن أبي هريرة، وعنه قتادة وخالد الحذاء. فيه لِين".

وقال ابن حجر في ((تقريب التهذيب)) (ص390): "عَزْرة، بفتح أوله وسكون الزاي وفتح الراء ثم هاء، بن تميم. بصري. روى عنه قتادة. مقبول. من الثالثة (س)".

قلت: قال الحافظ بأنه بصري لأن قتادة بصري، ولهذا فرّق هو وغيره بينه وبين عزرة الآخر؛ لأن هذا الأخير كوفي.

وعزرة هذا لا يُعرف إلا في حديثٍ رواهُ النسائي في ((السنن الكبرى))، باب عدد صلاة الصبح، (1/176) رقم (463) قال: أخبرنا عَمرو بن علي، قال: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَةً مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى».

وهذا الحديث لم يذكره الحافظ ابن عساكر في أطرافه، فاستدركه عليه الحافظ المزي في ((تحفة الأشراف)) (10/258) رقم (14168).

ورواهُ الدارقطني في ((سننه)) (1/381) عن محمد بن مخلد عن العباس بن يزيد عن معاذ، به.

كذا روى هذا الحديث معاذ بن هشام عن أبيه هشام الدستوائي عن قتادة.

وأشار النسائي إلى أنّ همام بن يحيى العَوْذي خالفه.

قال النسائي بعد أن روى حديث هشام: "خالفه همام بن يحيى".

قال: أنبأ أبو داود قال: حدثنا أبو الوليد –هو الطيالسي-، قال: حدّثنا هَمَّامٌ قَالَ: سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي خِلَاسٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يُتِمُّ صَلَاتَهُ)).

ورواه الإمام أحمد في ((مسنده)) (2/490) رقم (10364) عن بَهز بن أسد العمّي وعفان بن مسلم، قالا: حدثنا همام، به.

ورواه الدارقطني في ((سننه)) (1/382) من طريق عفّان بن مسلم ومحمد بن سنان العَوَقيّ، كلاهما عن همام، مثله.

وَهم لِهمام بن يحيى الْعَوذي:

ورُوي هذا الحديث عن همام بإسنادٍ آخر:

رواه الإمام أحمد في ((مسنده)) (2/521) و(2/347) عن عبدالصمد بن عبدالوارث، قال: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ صَلَّى مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى)).

ورواه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (2/94) رقم (986) عن إسحاق بن منصور، عن عبدالصمد، به.

ورواه ابن حبان في ((صحيحه)) (4/450) رقم (1581) عن أحمد بن يحيى ابن زهير، عن زيد بن أخزم، عن عبدالصمد بن عبدالوارث، به.

قلت: كذا تفرّد به همام عن قتادة بهذا الإسناد، فصار له فيه إسنادان عن قتادة.

وقد صحح هذا الإسناد ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، وكذلك الشيخ الألباني في ((الصحيحة)) رقم (2475).

وهذا الإسناد عندي وهم من همّام –رحمه الله-، ويؤيده ما رواه الإمام أحمد في ((مسنده)) (2/306) رقم (8042) قال: حَدَّثَنَا بَهْزٌ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ هَمَّامٌ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ بَشِيرِ ابنِ نَهِيكٍ -وَلَا أَظُنُّهُ إِلَّا عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ)).

فهذا الإسناد مما وجده همام في كتابه؛ وقوله: "ولا أظنه" هو تخمين منه، وهو يدلّ على أنه لم يضبط إسناده، والله أعلم.

والصواب عن همام عن قتادة عن خِلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة. وسيأتي ترجيح هذا الإسناد إن شاء الله تعالى.

وقد روى الترمذي في ((الجامع))، باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس، (2/287) رقم (423) قال: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ الْبَصْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ ابنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَ مَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ)).

ورواه ابن حبان في ((صحيحه))، باب ذكر الأمر لمن فاتته ركعتا الفجر أن يصليهما بعد طلوع الشمس، (6/224) رقم (2472) من طريق عبدالقدوس ابن محمد الحَبْحابي.

ورواه الدارقطني في ((سننه)) (1/382)، والحاكم في ((المستدرك)) (1/408) من طريق أبي بدر عبَّاد بن الوليد الْغُبَري.

ورواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (2/484) من طريق أحمد بن يوسف السُّلَمي.

كلّهم عن عمرو بن عاصم، به.

قَالَ الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ".

وقال: "وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هَمَّامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ هَذَا إِلا عَمْرَو بنَ عَاصِمٍ الْكِلابِيَّ! وَالْمَعْرُوفُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

وقال البيهقي: "تفرد به عمرو بن عاصم والله تعالى أعلم. وعمرو بن عاصم ثقة".

وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: "إسناده صحيح على شرط البخاري. عمرو بن عاصم: هو ابن عبدالله بن الوازع الكلابي القيسي أبو عثمان البصري الحافظ. وأخرجه ابن خزيمة... وأخرجه الترمذي... والحاكم... والبيهقي... والدارقطني... من طرق عن عمرو بن عاصم، به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي".

تعقّب الشيخ شعيب الأرنؤوط والدكتور بشار معروف:

قلت: هذا حديث ضعيف، تفرد به عمرو بن عاصم عن همام بهذا اللفظ. والمعروف عن همام بغير هذا اللفظ كما أشار الترمذي. وقد خالف عمرو بن عاصم: عبدالصمد وبهز، وروايتهما أرجح من روايته، ومن صححه فقد أخطأ.

والعجب من الشيخ شعيب! فإنه نقل أن الترمذي أخرجه ولكنه لم ينقل كلامه المتقدم من مخالفة عمرو بن عاصم لغيره في لفظه، ومقصد تخريج الترمذي له هو بيان هذه المخالفة. ولم يلتفت الشيخ شعيب إلى هذه المخالفة فصححه على شرط البخاري! وهذا فيه مجازفة؛ لأن البخاري خرّج لعمرو بن عاصم عن همام عن أنس، وعن عمرو عن همام عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، ولم يخرّج لعمرو بن عاصم عن هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ!! فكيف يكون على شرط البخاري؟!!

وكذلك العجب منه كيف يقول بأن الذهبي قد وافق الحاكم على تصحيحه! فالذهبي إنما هو ملخص لكلام الحاكم ولا يوافقه على شيء، ومقولة أنه يوافقه مقولة منقوضة بالأدلة العلمية.

فالحديث أخطأ فيه عمرو بن عاصم، وهو ثقة، وليس من شرط الثقة أنه لا يُخطئ أبداً.

وقد قال ابن حجر عنه في ((التقريب)) (ص423): "صدوق في حفظه شيء".

فاعترض عليه صاحبا ((التحرير)) فقالا في ((تحريرهما)) (3/97): "بل: هو صدوقٌ حسن الحديث، فقد روى عنه جمعٌ غفير من الثقات، منهم البخاري في صحيحه، ووثقه ابن سعد، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن معين: صالح، وفي رواية: صدوق. واحتج به مسلم في الصحيح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو داود: لا أنشط لحديثه. ولا نعلم من أين أتى بقوله: ((في حفظه شيء))" انتهى كلامهما.

قلت: لو راجعتما كتب العلل، كعلل ابن أبي حاتم، وعلل الدارقطني، وغيرهما، لعرفتما من أين جاء الحافظ ابن حجر بهذا القول.

نعم، لن نجد أحد منهم نصّ عليه، وإنما ذكر أهل العلم في كتبهم وخاصة كتب العلل أوهام له خالف فيها غيره من الحفاظ، وتفرّد بعدد لا بأس به من الأحاديث كما في (الغرائب والأفراد للدارقطني، الأطراف).

فالحافظ ابن حجر - رحمه الله - قد سبر حديثه وحاله فأطلق هذا القول فيه. وقوله هذا لا يعني أنه لا يحتج به، بل هو يعلم أن البخاري قد أخرج له، ولكن كيف أخرج البخاري له؟ قد أخرج له البخاري ستة أو سبعة أحاديث، قد توبع عليها - رحمه الله - ولها شواهد خرّج بعضها الإمام البخاري نفسه في بعض المواضع التي أخرج له فيها.

فهو ليس حجة مطلقاً في حديثه، فهو كغيره يصيب ويخطئ، وبسبر حديثه يتبيّن لنا أن في حفظه شيء كما حققه الحافظ ابن حجر، فلا اعتراض عليه. واعتراضات صاحبي التحرير عليه في أكثرها ليست نابعة عن تحقيق علمي، وإنما عن عدم فهم أحياناً أو تمشياً مع ظواهر الكلام المنقول عن الأئمة أحياناً أخرى، وغير ذلك مما بينته في غير هذا الموضع، ولله الحمد.

·       متابعة لعبدالصمد وبهز عن همام أم وهم لأحمد بن عتيق؟

مرت بنا رواية أبي الوليد الطيالسي وعفّان بن مسلم وبهز بن أسد ومحمد بن سنان العَوَقيّ، أربعتهم عن همام عن قتادة عن خِلاس عَن أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((من صلى ركعة من الصبح ثم طلعت الشمس فليُتِمّ صَلاتَه)).

ورواية محمد بن سنان رواها عنه: أبو النضر أحمد بن عتيق العتيقي المروزي.

وروى الدارقطني في ((سننه)) (1/382)، والحاكم في ((المستدرك على الصحيحين)) (1/408) من طريق أبي النضر أحمد بن عتيق المروزي، عن محمد ابن سنان، قال: حدثنا همام قال: سمعت قتادة يُحدث عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من صلّى ركعة من الصبح ثم طلعت الشمس فليصل الصبح)).

قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين إن كان محفوظاً بهذا الإسناد، فإن أحمد بن عتيق المروزي هذا ثقة إلا أنه حدّث به مرة أخرى بإسناد آخر.

حدثناه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى: حدثنا عمر بن علي الجوهري: حدثنا أبو النضر أحمد بن عتيق العتيقي: حدثنا محمد بن سنان العوقي: حدثنا همام عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليتم صلاته)).

قال الحاكم: "كلا الإسنادين صحيحان فقد احتجا جميعا بخلاس بن عمرو شاهداً".

قلت: لمحمد بن سنان في هذا الحديث عن همام إسنادان:

الأول: تابعه عليه أبو الوليد الطيالسي وعفان بن مسلم.

والثاني: تابعه عليه عبدالصمد وبهز بن أسد.

والإسنادان محفوظان عن همام، فتوهيم أحمد بن عتيق لا ينبغي هنا؛ لأن محمد ابن سنان قد توبع في كلا الإسنادين، وتفرد أحمد بن عتيق بهما عنه لا يُستغرب طالما أن الإسنادين محفوظين عن همام، ورواية ابن عتيق لهما عن محمد بن سنان يدلّ على أنه ضبط كلا الروايتين، فكلا الإسنادين صحيحان كما قال الحاكم، ولكن الإسناد عن النضر بن أنس لا يُعرف إلا من حديث همام، وقد بيّنا ما فيه، والله أعلم وأحكم.

الخلاصة في أمر هذا الحديث:

مما سبق أُرجح أن الصواب في هذا الحديث: عن همام عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة.

وقد تابع هماماً عليه سعيد بن أبي عروبة.

رواه الإمام أحمد في ((مسنده)) (2/489) رقم (10344) حدثنا عن محمد ابن جعفر وروح قالا: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن خلاس، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((من صلى من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس ثم طلعت فليصل إليها أخرى)).

ورواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (1/379) من طريق محمد بن إسماعيل الصائغ، عن روح، عن سعيد بن أبي عروبة، به.

ورواه الإمام أحمد في ((مسنده)) (2/236) رقم (7215) عن محمد بن أبي عَدي، عن سعيد، نحوه.

ورواه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/399) عن علي بن مَعبد، عبدالوهاب بن عطاء الخفاف، عن سعيد، به.

ورواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6/375)، وفي ((مسند الشاميين)) (2/59) عن محمد بن يزيد بن عبدالصمد الدمشقي، عن هشام بن عمار: حدثنا محمد بن شعيب قال: كان المطعم بن المقدام الصنعاني يُحدِّث عن سعيد بن أبي عروبة، نحوه.

والمطعم بن المقدام لا بأس به، وقد توبع عليه.

·       خِلاس عن علي!

فالحديث بهذا الإسناد هو الصواب، وهو حديثٌ صحيحٌ، رواته ثقات، وإن تكلّم بعضهم خِلاس بن عمرو. ومن ضعفه من أهل العلم أنكروا روايته عن عليّ رضي الله عنه، وبعضهم أنكر روايته؛ لأنها من كتاب، وهو صدوق حسن الحديث، وقد احتملوا حديثه عن أبي رافع عن أبي هريرة.

وأما ابن حبان فقد أجحف فيه! فقال في ((المجروحين)) (1/285): "خلاس ابن عمرو، من أهل البصرة. يروي عن أبي رافع. روى عنه سعيد بن أبي عروبة. منكر الحديث فيما يرويه. حدثني محمد بن المنذر: حدثنا أبو زرعة: حدثنا عقبة ابن مكرم: حدثنا الوليد بن خالد: قال شعبة: قال لي أيوب: لا ترو عن خلاس شيئاً".

قلت: لم أجد أحداً من أهل العلم ممن صنّف في الرّجال بعد ابن حبان تنبه إلى كلام ابن حبان في خلاس. وقول ابن حبان فيه مردود! وكلام أهل العلم فيه لا يجعله في هذه المرتبة التي ذكره فيها ابن حبان! وكأنه استند إلى قول أيوب هذا الذي ساقه.

وهذا النص الذي ذكره ساقه من كتاب ((تاريخ أبي زرعة)) (1505).

وهذا النصّ، وإن فُهم منه ما نُقل هنا؛ إلا أن غير أبا زرعة نقله بلفظٍ آخر.

رواه العقيلي (2/28) عن عبدالله بن أحمد بن حنبل وأحمد بن علي قالا: حدثنا عقبة بن مكرم، قال: حدثنا أبو الوليد بن خالد بن صخر أبو العباس الأعرابي، عن شعبة قال: قال لي أيوب: "لا تروي عن خلاس، فإنه صحفي". ثم قال - أي شعبة -: "إني أراه صحفياً".

ورواه ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/402) عن صالح بن أحمد بن حنبل عن علي بن المديني قال: سمعت الوليد بن خالد أبا العباس الأعرابي صاحب الهروي قال: قال لي شعبة: قال لي أيوب: "لا تروي عن خلاس فإنه صحفي". ثم قال لي بعد ذلك: "فإني أراه صحفياً".

وفي ((إكمال تهذيب الكمال)) (4/238) لمغلطاي تفسير ذلك: "أي هو أُمّي".

وأكثر ما عِيب عليه روايته عن علي، وأنها من كتاب. ولكن هذا لا يُستنكر؛ لأنه كان من شرطة عليّ، وقد روى فتاوى كثيرة عن عليّ يُشبه أنه حضرها وسمعها عندما قضى بها عليّ رضي الله عنه، ولعل ابن حبان قال قولته تلك بسبب هذا الذي يرويه عن عليّ، والله أعلم.

والذي أراه أنه سمع من عليّ رضي الله عنه.

قال العقيلي (2/28): حدثنا عبدالله قال: سألت أبي عن خلاس عن علي سمع منه شيئاً؟ فقال: "بعضهم يقول قد سمع منه. وكان خلاس من شرطة علي. كان في الشرطة".

قلت: فهذه إشارة من الإمام أحمد إلى أنه سمع منه؛ لأنه كان في شرطته، وهذه قرينة على أنه معه مما يدلّ على سماعه منه.

وقد قال ياقوت الحموي في ((معجم البلدان)) (2/315) كلاماً طيباً عنه، قال: "خلاس بن عمرو وكان فقهياً من أصحاب علي رضي الله عنه".

قلت: كأنه لما رأى ما رواه عن عليّ من قضايا عدّه من الفقهاء من أصحابه، وهذا استنباط جيّد.

·       سماع قتادة من خِلاس، ووهم لابن أبي حاتم بسبب الاختصار!

قال أبو خالد يزيد بن طهمان: قيل ليحيى: روى قتادة عن خلاس؟ قال: قد روى. ولم يذكر يحيى فيه سماع أم لا. (تاريخ ابن معين، رواية ابن طهمان: ص32).

وقال ابن أبي حاتم في ((المراسيل)) (ص169): أخبرنا عبدالله بن أحمد بن حنبل -فيما كتب إِليّ- قال: قال أبي: كان يحيى بن سعيد لا يُحدِّث عن قتادة عن خلاس بن عمرو شيئاً، يعني كأنه لم يسمع منه.

قلت: أما يحيى فظاهر كلامه أن قتادة سمع من خلاس، وإن لم يتعرض لذكر السماع.

وأما ما نقله ابن أبي حاتم عن يحيى بن سعيد أن قتادة لم يسمع من خلاس، فهو وهم شديد بسبب اختصاره لما رواه عن عبدالله بن أحمد عن أبيه.

قال عبدالله بن أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (1/531): سمعت أبي يقول: "كان يحيى بن سعيد لا يُحدث عن قتادة عن خلاس عن علي شيئاً، وكان يُحدِّث عن قتادة عن خلاس عن غير علي. كأنه يتوقى حديث خلاس عن علي وحده، يعني يقول: ليس هي صحاح أو لم يسمع منه".

وقال أيضاً (3/80): قال أبي: "كان يحيى لا يُحدث عن قتادة عن خلاس عن علي شيئاً، يعني كأنه لم يسمع منه. وكان يحدث عن قتادة عن خلاس عن غيره- عن عمّار".

قلت: فتبيّن من هذا أن يحيى بن سعيد إنما كان لا يحدث عن قتادة عن خلاس عن عليّ؛ لأنه لا يرى صحة سماع خلاس من عليّ، لا أنه ينفي سماع قتادة من خلاس.

فكلام أحمد عن رواية خلاس عن علي، لا عن قتادة عن خلاس، ويؤيد هذا قوله: "وكان يُحدّث عن قتادة عن خلاس عن غيره، كرواية خلاس عن عمّار.

وإنما أُتي ابن أبي حاتم بسبب اختصاره لكلام الإمام أحمد، فوقع في هذا الوهم الشديد.

فسماع قتادة من خلاس ثابت لا شك فيه.

قال عبدالله بن أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (1/528): قال أبي: "وقد سمع قتادة من خلاس. قال شعبة عن قتادة: سمعت خلاساً. وقال أبان عن قتادة: حدثنا خلاس، وهمام عن قتادة قال: حدثني خلاس".

متابعة العلائي لابن أبي حاتم دون تحقيق:

قال العلائي في ((تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل)) (ص263): "وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن قتادة عن خلاس بن عمرو شيئاً، يعني كأنه لم يسمع منه".

قلت: وهذا إنما أخذه من مراسيل ابن أبي حاتم، ولو أنه رجع إلى الأصول لما تبعه على هذا الوهم الشديد.

·       وهم للطبراني!

روى الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (1/190) برقم (603) قال: حدثنا أحمد بن القاسم، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا همام بن يحيى، فذكر الحديث.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا همام".

قلت: بل تابعه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.

بل تابعهما سعيد بن بشير الدمشقي أيضاً.

روى ابن عساكر في ((تاريخه)) (52/155) من طريق أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس التميمي، قال: حدثنا محمد بن بكار بن بلال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى الصبح قبل أن تطلع الشمس فليمض في صلاته)).

قلت: وهذا إسنادٌ حسنٌ.

·       إسناد حديث عَزْرة وتحقيق حاله:

اتفق همام وسعيد بن أبي عروبة وسعيد بن بشير عن قتادة في الإسناد السابق، وخالفهم هشام الدستوائي، فرواه عن قَتَادَةَ، عَن عَزْرَةَ بنِ تَمِيمٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ.

ولا شك أن رواية ثلاثة من الثقات عن قتادة أرجح من رواية ثقة رابع خالفهم، فمن هذا المنظور فإن رواية هشام الدستوائي عن قتادة بهذا الإسناد شاذة.

قال عليّ بن المديني - وذكر أصحاب قتادة -: "كان هشام الدَّستوائي أرواهم عنه، وكان سعيد أعلمهم به، وكان شعبة أعلمهم بما سمع قتادة وما لم يسمع. قال: ولم يكن هَمّام عندي بدون القوم في قتادة" (تهذيب الكمال: 30/306).

فسعيد بن أبي عروبة أعلم أصحاب قتادة بحديثه، وهمام ليس بدونه، وقد اتفقا على هذا الإسناد، وخالفهما هشام، فروايتهما أرجح، والله أعلم.

وهذا كلّه على فرْض صحة رواية هشام الدستوائي عن قتادة بهذا الإسناد! فقد تفرد بهذه الرواية عن هشام ابنه معاذ. ومعاذ من الثقات الذين روى لهم البخاري ومسلم، وهو مكثرٌ عن أبيه، ولكنه كان يهم في بعض أسانيد حديث أبيه.

وقد ذكره ابن عدي في ((الكامل)) (6/434)، وأورد له بعض الأسانيد التي وهم فيها، ثم قال: "وهو ربما يغلط في الشيء بعد الشيء، وأرجو أنه صدوق".

وقال الحافظ ابن حجر في ((التقريب)) (ص536): "صدوق، ربما وهم".

ومن الأحاديث التي أوردها له ابن عدي مما وهم فيها ما رواه عن أبيه، عن قتادة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن الْحَجُوري - هو حجر المدري -، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((العمرى جائزة لأهلها)).

قال ابن عدي: "وهذا رواه الثقات أصحاب عمرو عن طاوس عن حُجْر المدري عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم)).

ومن غرائب حديثه ما رواه عن أبيه عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: ((أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبيّ الله، إني شيخ كبير يشقُّ عليَّ القيام، فمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر. فقال: عليك بالسابعة)).

قال أبو القاسم البغوي: "ولا أعلم روى هذا الحديث بهذا الإسناد غير معاذ ابن هشام". (تاريخ بغداد: 10/469).

·       تعقّب الشيخ شعيب والدكتور بشار معروف!

علّق صاحبا التحرير على قول الحافظ ابن حجر في معاذ بن هشام: "صدوق ربما وهم"، فقالا (3/391): "بل: صدوقٌ حسن الحديث، فقد احتج به الشيخان في صحيحيهما، واختلف فيه قول ابن معين، فقال مرة: ثقة، وقال مرة: صدوق، وليس بحجة، وقال مرة: لم يكن بالثقة. وتوقف فيه أبو داود، ووثقه ابن قانع، وذكره ابن حبان في الثقات" انتهى كلامهما.

قلت: هذا الاعتراض ككثير من اعتراضاتهما على ابن حجر لا يلزمه، وهما - كما ذكرت سابقاً - يتعقبان ابن حجر دون وعي وتحقيق! فابن حجر يعرف أن الشيخين احتجا به، وهذا لا يعني أن كلّ حديثه صحيح محتج به! ولو أنهما اطلعا على ترجمة ((معاذ بن هشام)) عند ابن عدي لعرفا أن كلام ابن حجر فيه مستقيم، فهو صدوق، ولكنه يَهم في بعض الأسانيد، ومما يدل على أنهما لم يطلعا على هذه الترجمة أنهما لم يذكرا عمدة ابن حجر في قوله هذا، وهو قول ابن عدي: "وهو ربما يغلط في الشيء بعد الشيء، وأرجو أنه صدوق". فأين التحرير يا صاحبا التحرير؟!

ثُم إن قول ابن حجر: "صدوق ربما وهم" لا يعني أنه يضعفه حتى يُستدرك عليه بقول: "بل: هو صدوق حسن الحديث"!! وقولهما هذا بأنه حسن الحديث يعني أنه ليس في المرتبة العليا من الثقة، بل إن قول ابن حجر أحسن من قولهما وأعلى، فهو إنما ذكر: "ربما" التي تفيد التقليل، وهذا الوهم الذي ربما وقع لمعاذ ابن هشام لا يكاد يسلم منه أحد. فالمشكلة في فهم صاحبي التحرير، وتعقبهما مردود.

ولا أدري لِمَ لَمْ يأتيا بقول ابن حجر في ((هدي الساري))، وهو الكتاب الذي نافح فيه ابن حجر عن رواة الصحيح، فقال فيه (ص444): "معاذ بن هشام الدستوائي البصري من أصحاب الحديث الحذاق. وثقه يحيى بن معين في رواية عثمان الدارمي، واعتمده علي بن المديني. وقال الدوري عن ابن معين: صدوق وليس بحجة. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ليس بذاك القوي. وقال ابن عدي: ربما يغلط في الشيء وأرجو أنه صدوق. وتكلَّم فيه الْحُميدي من أجل القدر. قلت: لم يُكثر له البخاري واحتج به الباقون".

قلت: وعدم إكثار البخاري له؛ لأنه يغلط في حديثه، ومن تتبع ((علل ابن أبي حاتم)) يجد له أوهاماً في الأسانيد غير التي ذكرها ابن عدي.

وما نقله صاحبا التحرير عن ابن معين قوله فيه مرة: "لم يكن بالثقة"! خطأ شنيع منهما! ولا أدري من أين جاءا به؟! فقد تتبعت ترجمته في كلّ الكتب التي بين أيدينا فلم أجد هذا القول الذي نسباه إلى ابن معين! ولو صح عن ابن معين لكان هذا طعناً في دِين معاذ بن هشام، والعياذ بالله، فهلا وعى صاحبا التحرير ما يحررانه في كتابهما!!

وكان الأولى بهما أن يشيرا إلى كيفية التعامل مع أقوال ابن معين المختلفة في الراوي، لا أن يذكرا الخلاف فقط.

أما توثيقه له، فقال عثمان الدارمي: قلت ليحيى بن معين: معاذ بن هشام أثبت في شعبة أو غندر؟ فقال: "ثقة وثقة". فمن ذكر توثيق ابن معين له اعتمد على هذه الرواية، وكأن ابن معين وثقه في روايته عن شعبة كما هو غندر في شعبة أيضاً.

وما جاء من تضعيفه له بأنه ليس بالقوي وليس بحجة لغلطه في حديث أبيه، والله أعلم. ويُحتمل أنه وثقه أولاً، ثم ضعفه كما هي عادة ابن معين، ولا يُقال ضعفه أولاً ثم وثقه؛ لأن هذا خلاف عادة أهل الحديث.

الخلاصة في حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عزرة بن تميم:

قلت: فالظاهر أنّ معاذ بن هشام قد أخطأ على أبيه في حديثنا هذا، فرواه عنه عن قتادة عن عزرة بن تميم عن أبي هريرة. وذكر عزرة هنا وهم منه! فهو لا يُعرف إلا في هذا الإسناد المعلول.

قال عبدالله بن أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (3/295): قال أبي: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن عبدالواحد بن زياد عن وِقَاء قال: "رأيت عزرة". قال أبي: "عزرة بن تميم روى عنه قتادة عن أبي هريرة. ما روى عنه غير قتادة أعلمه".

قال عبدالله: "وهو القديم. وما سمعته من حديث قتادة إلا عن هشام، رواه ابنه معاذ بن هشام".

قلت: فرّق الإمام أحمد بين عزرة الذي روى عن سعيد بن جبير، وبين الذي روى عنه قتادة، وأشار إلى أن هذا الأخير تفرد بالرواية عنه قتادة، ثُم بيّن ابنه أن هذا لا يُعرف إلا من رواية معاذ بن هشام عن أبيه، وكأن يشير إلى عدم ثبوتها لتفرد معاذ بها.

·       تصحيحُ أبي حاتم لهذه الأسانيد الثلاثة ومناقشته في ذلك:

قال عبدالرحمن ابن أبي حاتم في ((علل الحديث)) (1/85): سألتُ أبي عن حديثٍ رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خِلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فيمن أدرك من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فطلعت الشمس فليصل إليها أخرى)، فقلت له: ما حالُ هذا الحديث؟ قال أبي: "قد روى هذا الحديث معاذ بن هشام عن أَبيه عن قتادة عن عِزرة بن تميم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه همام بن يحيى عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. أَحسب الثلاثة كلها صحاحاً؛ وقتادة كان واسع الحديث، وأحفظهم سعيد بن أبي عروبة قبل أن يختلط، ثم هشام، ثم همام".

قلت: صحح أبو حاتم هذه الأسانيد الثلاثة عن قتادة، واعتمد في ذلك على سعة حديث قتادة، فلا يُستغرب أن يكون عنده هذا الحديث من ثلاثة طرق. وهذه طريقة محمودة عند أهل النقد إذا كان المروي عنه واسع الحديث، فيمكن أن يحمل الحديث من طرق عديدة كقتادة والزهري والثوري وشعبة والأعمش، فهؤلاء مشهورون بسعة الرواية، فلا يُنكر عليهم هذا التوسع.

وكان يصح قول أبي حاتم لو لم يكن في أسانيد بعض هذه الطرق خللاً. فلو أن هذا الحديث توبع عليه هشام الدستوائي، وكذلك همام لو توبع في طريقه الأخرى، لكان كلام أبي حاتم مستقيماً.

ولكن قد عرفنا أن هماماً تفرد بأحد هذه الطرق، ووافق سعيد بن أبي عروبة في الطريق الأخرى، وتفرد معاذ بن هشام عن أبيه بالطريق الأولى، وقد بينا حال هذه الطرق، فيكون كلام أبي حاتم –رحمه الله- فيه نظر! وكأنه لم يستحضر هذه العلل التي ذكرناها.

ويمكن تأييد ما ذهبنا إليه بقول أبي حاتم أن أحفظ الثلاثة هو سعيد بن أبي عروبة، وقيّد ذلك قبل الاختلاط، وموافقة همام له في طريقه يدلّ على صحة روايته. وأما رواية هشام فإنها من رواية ابنه، وهي معلولة.

وذكر اختلاط ابن أبي عروبة هنا لا حاجة له؛ لأنه كما ذكرت قد تابعه همام عليه. وكذلك فقد روى أصحاب ابن أبي عروبة هذا الحديث عنه قبل اختلاطه وبعده.

فقد رواه عنه - كما سبق -: محمد بن جعفر وروح بن عبادة وابن أبي عدي وعبدالوهاب الخفاف والمطعم بن المقدام.

وروح وعبدالوهاب سمعا منه قبل اختلاطه، ومحمد بن جعفر غُندر وابن أبي عدي سمعا منه بعد اختلاطه.

الثاني: عَزرة بن يحيى:

·       الْخَلط بين عزرة بن تميم وعزرة الكوفي:

قال عبدالله بن أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (2/208): قلت لأبي في حديث قتادة عن عزرة بن تميم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم ركعتين من صلاة الصبح)، من عزرة هذا؟ قال أبي: "ليس هذا عزرة الذي روى عن الشعبي وسعيد بن جبير، هذا عزرة بن تميم. يعني رجلاً آخر".

قلت: نعم هو رجل آخر لا وجود له، وإنما جاء ذكره في رواية معاذ بن هشام عن أبيه، ولا تصح. فهو لا وجود له حقيقة في أصحاب أبي هريرة.

قال المزي في ((تهذيب الكمال)) (20/48): "روى عن أبي هريرة... روى عنه: خالد الحذّاء، وقتادة. قال أبو الحسن الميموني، عن أحمد بن حنبل: عزرة بن تميم، وعَزرة الأعور قد روى عنهما قتادة وخالد. وقال النسائي: عزرة الذي يروي عنه قتادة ليس بذاك القويّ".

قال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (7/172) مُعقباً على هذا الكلام: "قلت: لم أَر من صرَّح بأن خالداً روى عن عزرة بن تميم. والحكاية التي عن أحمد ليست صريحة في ذلك، والله أعلم".

وقال أيضاً في ترجمة ((عزرة بن عبدالرحمن)) (7/173): "قتادة قد روى عن ثلاثة كل منهم اسمه عزرة. فقول النسائي في التمييز: عزرة الذي روى عنه قتادة ليس بذاك القوي، لم يتعين في عزرة بن تميم كما ساقه فيه المؤلف فليتفطن لذلك. قلت: وعزرة بن يحيى لم أر له ذكراً في تاريخ البخاري".

وقال في ((التقريب)): "عَزرة، بفتح أوله وسكون الزاي وفتح الراء ثم هاء، ابن تميم، بصري، روى عنه قتادة، مقبول، من الثالثة".

فتعقّبه صاحبا التحرير، فقالا (3/11): "بل: ضعيفٌ يُعتبر به في المتابعات والشواهد، فقد تفرد بالرواية عنه قتادة وخالد الحذاء فقط، وذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له النسائي حديثاً واحداً... وقال: عزرة الذي يروي عنه قتادة ليس بذاك القوي. وزعم المصنف أن النسائي قد يكون قال ذلك في غير عزرة بن تميم هذا، وهو قول يحتاج إلى دليل".

قلت: قولكما الذي يحتاج إلى دليل. فقول النسائي هذا لا يوجد بعد تخريجه لهذا الحديث في ((سننه))، فلو أنه أراده لذكره بعد تخريجه لحديثه. وقول النسائي في عزرة الذي روى عنه قتادة مطلق، فلعله ابن تميم هذا أو الآخر، فما قاله ابن حجر سديد ولا تعقب عليه.

ومن ذكر من أهل العلم أن خالداً روى عن عزرة فإنما اعتمد ما نقله أبو الحسن الميموني عن أحمد كما سبق، وفيه نظر! فإن خالداً لم يرو عن عزرة بن تميم هذا، وقد سبق نقل كلام أحمد من طريق ابنه عبدالله أن قتادة هو الذي روى عن عزرة ولم يذكر خالداً. فلعل الميموني وهم في نقله، وقد قال ابن حجر: "لم أَر من صرَّح بأن خالداً روى عن عزرة بن تميم. والحكاية التي عن أحمد ليست صريحة في ذلك".

قلت: وهو كما قال - رحمه الله -.

واعتمد على ذلك أيضاً الذهبي، فقال في ((الكاشف)) (2/20): "عزرة بن تميم عن أبي هريرة، وعنه قتادة وخالد الحذاء. فيه لِين".

قلت: وتليينه له هنا اعتماداً على نقل شيخه المزي لكلام النسائي في ترجمة عزرة بن تميم، وقد صوّبنا كلام ابن حجر في ذلك، والله أعلم.

·       نقل الحاكم عن شيخه أبي عليّ الحافظ:

قال الحاكم في ((معرفة علوم الحديث)) (ص231): "وقد روى قتادة عن عزرة، وعن عزرة. وأحدهما: عزرة بن يحيى، والآخر عزرة بن تميم. وقد سألنا أبا عليّ الحافظ عن روايات قتادة فأملى عليّ ذلك بشواهدها، وقد أمليت كلام أبي عليّ على الناس فأغنى عن إعادته".

وأخرج في ((المستدرك)) (4/474) (8316) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّحْوِيُّ بِبَغْدَادَ، قال: حدثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ مِهْرَانَ، قال: حدثَنَا شَاذَانُ الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قال: حدثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [السجدة: 21] قَالَ: «مُصِيبَاتُ الدُّنْيَا الرُّومُ وَالْبَطْشَةُ أَوِ الدُّخَانُ»، قَالَ: ثُمَّ انْقَطَعَ شَيْءٌ، فَقَالَ: «هُوَ الدَّجَّالُ».

قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْحَافِظَ، عَنْ عَزْرَةَ هَذَا فَقَالَ: عَزْرَةُ بْنُ يَحْيَى، وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ بْنِ تَمِيمٍ".

قلت: كذا نقل الحاكم عن أبي عليّ، واعتمده مغلطاي فذكر هذا الكلام في ترجمة عزرة في ((إكماله)) (9/235).

قلت: قوله: "وقد روى شعبة عن قتادة عن عزرة بن تميم"! فيه نظر شديد؛ لأن ذكر عزرة بن تميم لم يرد إلا في حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة! فإما أن يكون وهماً من أبي عليّ الحافظ، أو من الحاكم، والأشبه أنه من الحاكم؛ لأن البيهقي روى في ((السنن الكبرى)) (4/336) حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يُلبي عن شبرمة، الحديث).

قال: وعزرة هذا هو عزرة بن يحيى. أخبرنا أبو عبدالله الحافظ - يعني الحاكم -، قال: سمعت أبا عليّ الحافظ يقول ذلك. قال: "وقد روى قتادة أيضاً عن عزرة بن تميم وعن عزرة بن عبدالرحمن".

فهذا هو الصواب عن أبي عليّ الحافظ من رواية الحاكم، فلعل ما ذكره في مستدركه - وكان يملي منه مجالس على الطلبة - وهم فيه، وأوهامه فيه كثيرة، والله أعلم.

·       خلطٌ للطحاوي ومن قبله لأبي عليّ الحافظ!

روى الطحاوي في ((مُشكل الآثار)) حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. قال: «من شبرمة؟» قال: أخ أو قريب لي. قال: «هل حججت قط؟» قال: لا. قال: «اجعل هذه عنك، ثم احجج عن شبرمة.»

قال الطحاوي: "فوجدنا هذا الحديث إنما يدور على عزرة، وعزرة هذا هو عزرة بن تميم، وقد ذكر لي هارون بن محمد العسقلاني عن الغلابي قال: كان يحيى بن سعيد لا يرضى عزرة، يعني صاحب هذا الحديث، وموضع يحيى من هذا هو الموضع الذي لا مثل له فيه".

وأعلّه ابن الجوزي أيضاً في ((التحقيق في أحاديث الخلاف)) (2/116) بعزرة، فقال: "عزرة. قال يحيى: لا شيء".

قلت: تقدّم قول أبي عليّ الحافظ أنه: "عزرة بن يحيى"، وليس "عزرة بن تميم"، وكذلك تقدمت إشارة ابن حجر إلى أن "عزرة بن يحيى" ليس له ذكر في تاريخ البخاري.

وقال في ((تهذيب التهذيب)) (7/173): "وأما الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة من طريق عبدة بن سليمان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قصة شبرمة، فوقع عندهما عزرة غير منسوب. وجزم البيهقي بأنه عزرة بن يحيى، ونقل عن أبي علي النيسابوري أنه قال: روى قتادة أيضاً عن عزرة بن تميم وعن عزرة بن عبدالرحمن، وعن هذا فقتادة قد روى عن ثلاثة كل منهم اسمه عزرة".

وقال في ((التقريب)) (ص390): "عزرة بن يحيى عن سعيد بن جبير في قصة شبرمة، وعنه قتادة أيضاً، نسب في رواية البيهقي، وبذلك جزم أبو علي النيسابوري، وهو مقبول من السادسة".

قلت: وقد تعقّب ابن عبدالهادي ابن الجوزي، فقال في ((تنقيح تحقيق أحاديث التعليق)) (2/389): "وقال البيهقي: وعزرة المذكور هو عزرة بن يحيى. أخبرنا أبو عبدالله الحافظ قال: سمعت أبا علي الحافظ يقول: ذاك معدود في أوهامه –أي: عمرو بن الحارث المصري، فإنه رواه عن قتادة ولم يذكر عزرة-، فإن قتادة لم يلق سعيد بن جبير. وقد روى قتادة أيضاً عن عزرة بن تميم، وعن عزرة بن عبدالرحمن".

قال ابن عبدالهادي: "والصحيح في عزرة بن عبدالرحمن ليس هو عروة بن يحيى، ولا يُعرف في الرواة عروة بن يحيى وإنما هو هذا - يعني ابن عبدالرحمن الخزاعي. وقد روى له مسلم ووثقه يحيى بن معين".

وأما كلام ابن حجر فهو غير محقق، وكلامه المحقق قاله في ((التلخيص الحبير)) (2/224)، قال: "وأعلّه ابن الجوزي بعزرة فقال: قال يحيى بن معين: عزرة لا شيء. ووهم في ذلك، إنما قال ذلك في عزرة بن قيس - هو اليحمدي البصري الذي يروي عن أم الفيض -. وأما هذا فهو ابن عبدالرحمن، ويقال فيه: ابن يحيى. وثقه يحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهما، وروى له مسلم".

وقول الحافظ في ((التقريب)): "نُسب في رواية البيهقي" وهم! فرواية البيهقي (4/336) ليست فيها نسبته، وإنما الذي نسبه البيهقي بعد أن ساق الرواية معتمداً في ذلك على كلام أبي عليّ الحافظ. ولم أره منسوباً في أي رواية، وعدم نسبته يدلّ على أنه عزرة المعروف صاحب قتادة، وهو ابن عبدالرحمن الآتي ذكره، ولم ينسبه ابن يحيى إلا أبو عليّ الحافظ، وهو وهم منه - رحمه الله - حيث فرّق بينهما، وإنما هما واحد، وهو: عزرة بن عبدالرحمن. والحديث المتقدم عن شعبة عن قتادة عن عزرة عن الحسن العرني الذي قال فيه أبو علي الحافظ: عزرة هذا هو ابن يحيى! وهم أيضاً منه.

والذي أراه أنه لا يوجد "عزرة بن تميم"، ولا "عزرة بن يحيى"، وإنما قتادة يروي عن عزرة واحد، وهو ابن عبدالرحمن الآتي.

وهذا ما رجّحه البزار، فإنه خرّج الحديث في ((مسنده)) (11/229) برقم (4998) من طريق عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة بالإسناد السابق مرفوعاً.

ثُم قال البزار: "وهذا الحديث قد رواه غير عبدة، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفاً. ولا نعلم أحداً أسنده عن ابن أبي عروبة إلا عبدة، ولا نعلم أسند عزرة عن سعيد عن ابن عباس إلا هذه الثلاثة الأحاديث، وعزرة رجل مشهور من أهل الكوفة، روى عنه داود بن أبي هند وقتادة، وهو عزرة بن عبدالرحمن".

·       اضطراب الحافظ ابن حجر في عزرة هذا!

سبق نقل كلام ابن حجر - رحمه الله - في ((التهذيب)) و ((التقريب)) وأنه كلام غير محقق، وما في ((التلخيص)) هو المحقق.

وقد قال أيضاً في ((النكت الظراف)) (الذي بهامش التحفة: 4/429 رقم 5564): "وقد جزم البيهقي في السنن الكبير بأن عزرة بن يحيى، ثم أسند عن الحاكم عن أبي علي النيسابوري، قال: روى قتادة أيضاً عن عزرة بن تميم، وعن عزرة بن عبدالرحمن. وقال أبو داود في المسائل: سألت أحمد، فقلت: حديث عزرة هذا؟ فقال: صحيح، وعزرة قديم السماع –يعني من ابن أبي عروبة. قال: فذكرته لأبي زرعة، فقال: الحديث صحيح".

قلت: هذا الذي قاله هنا ما قاله في التهذيب والتقريب، وهو غير صحيح، وقد تبع البيهقي الذي تبع الحاكم الذي تبع أبا عليّ الحافظ.

وقوله في تفسير كلام أحمد: "عزرة قديم السماع" يعني من ابن أبي عروبة، وهم شديد!! فعزرة إنما يروي سعيد بن جبير، وقتادة يروي عن عزرة، وابن أبي عروبة يروي عن قتادة.

ويُحتمل أن ابن حجر قصد: قديم السماع –يعني من سعيد، أي ابن جبير، فسبق نظره إلى سعيد بن أبي عروبة فكتبه هكذا، والله أعلم.

وقال الحافظ في ((الإصابة في تمييز الصحابة)) (3/312): "شبرمة غير منسوب. وقع ذكره في حديث صحيح. فروى أبو داود وأحمد وإسحاق وأبو يعلى والدارقطني والطبراني من طريق عزرة بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: سمع صلى الله عليه وسلم رجلاً يلبي عن شبرمة. فقال: أحججت؟ قال: لا. قال: هذه عن نفسك وحج عن شبرمة".

قلت: كذا في مطبوع الإصابة! فإن كان من ابن حجر فهو وهم؛ لأن هؤلاء الذين ذكرهم ممن رووا الحديث لم يأت في رواية واحد منهم نسبة "عزرة"، وإنما النسبة من الحافظ –رحمه الله- كما نسبه في كتبه المتقدمة، وكأن الأصل عنده: "عزرة بن يحيى"، فتحرّف في المطبوع، أو في أصله هكذا. وعلى كلٍّ فهو خطأ. وابن حجر يرى صحة رفع هذا الحديث، وهو مختلفٌ في رفعه ووقفه، والراجح أنه موقوف.

قال يزيد بن طهمان في روايته لكلام يحيى في الرجال (ص109): قيل ليحيى وأنا أسمع: روى عبدة عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يلبي عن شبرمة. ليس يوافقه الناس عليه؟ فقال: "هو موقوف عن سعيد إن شاء الله".

وقال الأثرم: قلت لأبي عبدالله - يعني أحمد بن حنبل: حديث قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: لبيك عن شبرمة. رفعه عبدة - يعني ابن سليمان؟ فقال: "ذاك خطأ. رواه عدة موقوفاً -يعني على ابن عباس، ليس فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم". وذكر مهنا عن أبي عبدالله نحو هذا.

الثالث: عزرة بن عبدالرحمن بن زُرارة الخزاعيّ الكوفي الأَعور:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (7/65): "عزرة بن عبدالرحمن الخزاعي الكوفي عن سعيد بن جبير وسعيد بن عبدالرحمن بن أبزى. روى عنه قتادة. نسبه شَيبان".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (7/21): "عزرة بن عبدالرحمن الخزاعي، كوفي. روى عن سعيد بن جبير والشعبي وابن ابزى. روى عنه قتادة. سمعت أبي يقول ذلك".

قال صالح بن أحمد بن حنبل: قال أبي: "عزرة: روى عنه قتادة وسليمان التيمي وداود بن أبي هند وخالد الحذاء".

وقال صالح: حدثنا علي بن المديني قال: قلت ليحيى بن سعيد القطان، من يعرف عزرة صاحب قتادة؟ قال يحيى: "بلى والله إني أعرفه".

قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: "عزرة الذي يروي عنه قتادة ثقة".

وقال محمد بن أحمد بن البراء: قال علي بن المديني: "عزرة بن عبدالرحمن ثقة، روى عنه قتادة وسليمان التيمي وعبدالكريم الجزري وغيرهم، ولم يسمع من البراء".

وقال ابن حبان في ((الثقات)) (7/300): "عزرة بن عبدالرحمن الخزاعي، من أهل الكوفة. يروي عن سعيد بن جبير وسعيد بن عبدالرحمن بن أبزى، روى عنه قتادة بن دعامة".

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص390): "عزرة بن عبدالرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي الأعور، شيخ لقتادة أيضاً، ثقة من السادسة. م د ت س".

كذا لقبّه: "الأعور" تبعاً للمزي في ((تهذيب الكمال)) (20/51).

ولكنه قال في ((تهذيب التهذيب)) (7/173): "وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات ولم يصفه بأنه أعور، وذكر في هذه الطبقة: عزرة ابن دينار الأعور، روى عن المكيين، روى عنه التيمي وداود بن أبي هند، والله أعلم".

·       هل عزرة بن عبدالرحمن هو عزرة بن دينار الأعور؟

قلت: لم يُرجح ابن حجر، وإنما ذكر تفريق ابن حبان بينهما.

قال ابن حبان في ((الثقات)) (7/299-300): "عزرة بن دينار الأعور، يروي عن المكيين. روى عنه سليمان التيمي وداود بن أبي هند وقرة بن خالد. وقد قيل: إنه عزرة بن سعد الأعور".

ثُم ذكر: "عزرة بن دينار: يروي عن الزبير بن خريق عن أبي أمامة. روى عنه جعفر بن برقان. ما أحلفه أن لا يكون بعزرة الأعور الذي روى عنه البصريون؛ لأن أحاديث عزرة الأعور مستقيمة، وما روى جعفر بن برقان عن عزرة هذا لا تشبه أحاديث عزرة الأعور. كأنهما اثنان، والله أعلم".

ثُم ذكر: "عزرة بن عبدالرحمن الخزاعي، من أهل الكوفة. يروي عن سعيد ابن جبير وسعيد بن عبدالرحمن بن أبزى، روى عنه قتادة بن دعامة".

ثُم ذكر: "عزرة: شيخ يروي عن الربيع بن خثيم. عداده في أهل الكوفة. روى عنه أبو طُعمة. إن لم يكن بعزرة بن دينار الأعور فلا أدري من هو".

قلت: لم يذكر البخاري "عزرة بن دينار الأعور"، وابن حبان إنما تبعه في ذكره الثلاثة الآخرين.

والحاصل أن ابن حبان فرّق بين عزرة بن عبدالرحمن الكوفي وبين عزرة بن دينار الأعور.

ولعله فهم ذلك من قول الإمام أحمد.

قال عبدالله بن أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (2/429): قال أبي في حديث قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير، قال أبي: "هو عزرة الأعور. وقال وقاء -يعني بن إياس: رأيته يختلف إلى ابن جبير معه التفسير يغيره في دواة. قال أبي: حدثناه عبدالرحمن بن مهدي عن عبدالواحد بن زياد عن وقاء قال: رأيت عزرة يختلف إلى سعيد بن جبير معه التفسير يغير في دواة".

وقال عبدالله (3/295): سمعت أبي يقول: "عزرة بن دينار الأعور: روى عنه عاصم الأحول وقتادة وخالد الحذاء والتيمي وداود بن أبي هند وأبو هاشم الرماني. وقال وقاء بن إياس: رأيت عزرة يختلف إلى سعيد بن جبير معه التفسير يغير في دواة".

وتعقّبه الإمام البخاري، فقال في ((التاريخ الأوسط)) (1/227): "قال وقاء ابن إياس: رأيت عزرة يختلف إلى سعيد بن جبير معه التفسير، وهو ابن عبدالرحمن الخزاعي، كوفي نسبه شيبان. وقال أحمد: هو ابن دينار الأعور، ولا أحسب يصح ابن دينار. روى عنه قتادة وعاصم وخالد والتيمي وداود".

قلت: ذهب الإمام أحمد إلى أن عزرة بن عبدالرحمن هو عزرة بن دينار وهو الأعور. وتعقّب البخاري له إنما هو في قوله: "ابن دينار" لا أن هناك رجل آخر اسمه: "عزرة بن دينار"، وكأن ابن حبان عندما فرّق بينهما وجعلهما اثنين فهم هذا! وهذا لا يصح. فلو كان هناك رجل آخر اسمه: "عزرة بن دينار الأعور" لذكره البخاري في تاريخه، وهو لم يذكره لأنه هو نفسه: "عزرة بن عبدالرحمن"، وإنما بين خطأ الإمام أحمد في تسمية أبيه: "ديناراً"، لا أنه يرى أنهما اثنان. والله أعلم وأحكم.

فالخلاصة:

- عزرة بن تميم ليس له وجود. وإنما هو خطأ في الرواية.

- عزرة بن يحيى هو ابن عبدالرحمن، وقد وهم من سماه ابن يحيى.

- عزرة بن عبدالرحمن الكوفي هو صاحب قتادة وهو معروف مشهور ثقة. وقد أخطأ من سمى أباه: "ابن دينار".

·       كلمة في الدكتور بشار معروف!

تقدم نقل قول ابن حجر: إن قتادة روى عن ثلاثة كل منهم اسمه عزرة، وقال: "فقول النسائي في التمييز: عزرة الذي روى عنه قتادة ليس بذاك القوي، لم يتعين في عزرة بن تميم كما ساقه فيه المؤلف فليتفطن لذلك".

فتعقبه الدكتور بشار عواد أثناء تحقيقه لتهذيب الكمال (20/52) فقال: "قلت: إن صح قول ابن حجر فكذلك قول ابن معين: عزرة الذي يروي عنه قتادة ثقة. وكذا قول يحيى بن سعيد: أنا أعرف عزرة صاحب قتادة. لم يتعين في عزرة بن عبدالرحمن أيضاً. والله أعلم".

قلت: ما هكذا تورد يا سعد الإبل. التحقيق في الرّجال لا يكون بالتشكيك وضرب الأقوال، وإطلاقها هكذا دون دليل.

والدكتور بشار معروف قد أقحم نفسه في هذا العلم الشريف، أعني علم الرجال، إقحاماً لاشتغاله بالتاريخ، وهذا ليس بعيب، ولكن علم الرّجال علم خطير لا يُحسنه كلّ أحد.

أقول: قول (اليَحيين) - رحمهما الله - واضح في أنه في صاحب قتادة، وهذا يعني أنه معروف مشهور، وهو ابن عبدالرحمن، فكيف يقول الدكتور بشار إن ذلك غير متعين؟! من أجل أن يرد على ابن حجر! وقد حررت كلام ابن حجر فيما سبق، ولله الحمد.

والذي أريد أن أنبه عليه هنا أنني لاحظت على الدكتور بشار في تحقيقاته لبعض كتب السنة، وكتابه المشترك مع الشيخ شعيب الأرنؤوط (تحرير التقريب) كأن هناك عداوة بينه وبين الحافظ ابن حجر، فكم يحبّ أن يخالفه ويتعقبه بأدنى شيء يخطر في باله دون تحقيق ووعي وفهم، والله المستعان.

نسأل الله أن يسلمنا ويرحمنا.

وكتب:

د. خالد بن محمود الحايك

22 جمادى الآخرة 1431هـ

5/6/2010م.

 

شاركنا تعليقك