الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

تحريرُ حال «العلاء بن سَلمة الهذلي»، وشيخه «شيبة أبي قلابة»! وأوهام تتعلق بحديثهما!

تحريرُ حال «العلاء بن سَلمة الهذلي»، وشيخه «شيبة أبي قلابة»! وأوهام تتعلق بحديثهما!

سُئلت عما جاء في كتاب "الفرائد على مجمع الزوائد «ترجمة الرواة الذين لم يعرفهم الحافظ الهيثمي»" لخليل العربي (ص: 118):

"231 – شيبة:

قال: لم أجد من ذكره.

قلت: هو شيبة أبو قلابة القيسي؛ فقد روى حديثه أبو نعيم في "دلائل النبوة"، وترجم له الدولابي في "الكنى". وروى له حديثًا آخر بنفس السند عن سعيد بن إياس الجريري، عن أبي نضرة العبدي، عن جابر مرفوعًا: "يا بني سلمة دياركم إنما تكتب آثاركم".

ثم وجدت هذه الرواية بنفس السند عند أحمد، وأبي عوانة، وأبي يعلى، ولكن جاء عندهم: شعبة، عن سعيد الجريري.

وأنا أذهب إلى أن (شعبة) مُصَحَّفة من (شيبة)، ولو أن الحديث حقاً من رواية شعبة لكان مسلم أولى الناس بإخراجه في "صحيحه" من طريقه، ولكننا لما وجدناه رواه في "الصحيح" من طريق عبد الوارث وكهمس، كلاهما عن الجريري به، علمنا أنه أعرض عن رواية أبي قلابة؛ شيبة القيسي لعدم شهرته.

وفي تخريج الدولابي لهذه الرواية على الصواب لدليل لا يدع لأحد مقالًا من أن شعبة مُحَرَّفَة من شيبة.

وبذلك يكون شيبة هذا مِمَّن يعتبر به؛ لرواية عبد الرحمن بن مهدي عنه كما هو عند أبي يعلى في "مسنده"، والله أعلم".

هل صحّ ما ذهب إليه من أن "شعبة" مُصحّفة من "شيبة"، وأن مسلماً أعرض عن رواية أبي قلابة هذا؟!

فـأجبت:

كلامه هذا لا خطام له ولا زِمام، وإنما هو ظنّ وأوهام! وعدم فهم وجرأة إقدام على فنّ صار كلأ مباحا، تسوّره كثير ممن يظنّ نفسه سبّاحا! ولو عرف قدره لأراح واستراح، والله المستعان، وعليه التكلان.

أولاً: قوله: "لو كان الحديث من رواية شعبة لكان مسلم أولى الناس بإخراجه في صحيحه من طريقه.." ليس بلازم! وقد تكون رواية شعبة لم تقع له، ووقعت له رواية عبدالوارث وكهمس فأخرجهما.

فلا دليل على أن مسلماً وقعت له رواية شيبة فأعرض عنها لعدم شهرته! وفي ظني أنه لو وقعت له لرواها في المتابعات كعادته.

فالقول بأنه أعرض عنها ضرب من الخيال والأوهام والأحلام!

ثانياً: عبدالرحمن بن مهدي كثير الرواية عن شعبة، فكيف نجعل شعبة في روايته "شيبة"! بل رواه جمع عن شعبة، فإذا قلنا بان "شعبة" في الإسناد محرف من "شيبة" لزم أن يكون كل من رواه عن شيبة هذا، ولم ينفرد به ابن مهدي عنه! فهل يُعقل أن يروي هذا الحديث عن "شيبة" هذا المجهول جماعة هم أصلا من أصحاب "شعبة" ولا يُعرفه أهل العلم!

ولازم ذلك أن يكون مشهوراً معروفاً، فكيف لا نجد له ترجمة، ولا يعرفه أحد؟!

فقوله هذا أيضاً من الخيالات والأوهام، ولا دليل على ذلك.

ثالثاً: لا أدري كيف أن تخريج الدولابي للرواية دليل على أن "شعبة" محرفة من "شيبة"!!

كلا الروايتين محفوظة من حديث شعبة، وحديث شيبة، والدولابي أخرج رواية شيبة لأن عادته أنه يذكر حديثاً لمن يذكره من أصحاب الكنى، فساق لشيبة أبي قلابة هذا الحديث، ولا علاقة لروايته برواية شعبة، ولا تعدّ دليلاً على التوهم بأن "شعبة" محرفة من "شيبة".

وسأعرض للروايات كلها:

الحديث رواه الدولابي في «الكنى والأسماء» (2/914) (1605) قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْهَيْثَمِ الْعَلَاءُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ شَيْبَةُ القَيْسِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: كَانَتْ مَنَازِلُنَا بِسَلْعٍ، وَسَلْعٌ عَلَى مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ: وَخَلَتِ الْبِقَاعُ دُونَنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَرَدْنَا النُّقْلَةَ فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ إِنَّمَا تُكْتَبُ آثَارُكُمْ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْبِقَاعُ قَدْ خَلَتْ دُونَنَا إِلَى الْمَسْجِدِ قَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ فَإِنَّمَا تُكْتَبُ آثَارُكُمْ».

فهذا الحديث عن أبي قلابة شيبة هذا تفرد به: أبو الهيثم العلاء بن سلمة. وأورده الدولابي لأنه ذكر كنيته في كتابه.

وقد أورد الهيثمي له حديثاً آخر في «مجمع الزوائد» (2/182) وقال: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنِ الْجَرِيرِيِّ إِلَّا شَيْبَةُ. قُلْتُ: وَلَمْ أَجِدْ مَنْ ذَكَرَهُ وَلَا الرَّاوِي عَنْهُ".

وهذا الذي استدركه صاحب ذلك الكتاب على الهيثمي وقال بتحريف اسم "شعبة" وأنه هو هذا "شيبة"، وقال بأن الدولابي ترجم له!

وحقيقة الدولابي لم يترجم له! بل ذكر له الحديث عندما ذكره وكنيته، وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في «موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر» (1/242) معلقاً على قول الطبراني السابق، فقال: "قلت: الجريري اسمه سعيد بن إياس بصري ثقة، لكنه اختلط أخيرًا، والراوي عنه لم يذكره أحد ممن صنّف في «الكنى» إلا الدولابي، فإنه أخرج له بهذا الإسناد حديثاً غير هذا، وقال إنه بصري قيسي. ولم أر له في تاريخ البخاري ولا كتاب ابن أبي حاتم ذكراً ولا للراوي عنه".

وسيأتي الكلام على العلاء بن سلمة هذا لاحقاً إن شاء الله.

هذه الرواية التي ذكرها الدولابي اعتمد عليها صاحب «الفرائد» على أن الرواية التي فيها "شعبة" محرفة من «شيبة»!

فهل يُعقل أن جماعة من المصنفين رووه من حديث شعبة وقع فيها كلها التحريف المزعوم؟!

·       من رواه عن شعبة:

رواه أحمد في «مسنده» (23/241) (14992) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عَبْدِالْوَارِثِ. و(23/372) (15194) عن أبي النضر هَاشِم بن القاسم.

ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (4/115) (2157) عن زُهَيْر، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ.

ورواه أبو عوانة في «مستخرجه» (1/323) (1148) عن الكُزْبُرَانِيّ، عن مِسْكِين بْن بُكَيْرٍ. وعن الصَّغَانِيّ، عن أَبي النَّضْرِ. وعن أَبي قِلَابَةَ عن عَبْدالصَّمَدِ بْن عَبْدِالْوَارِثِ.

ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/353) (2628) من طريق عَبْدالْمَلِكِ بْن مُحَمَّدٍ، عن عَبْدالصَّمَدِ بْن عَبْدِالْوَارِثِ.

ورواه الخطيب في «تاريخ بغداد» (11/8) (3168) عن الحَسَن بْن أَبِي بَكْرٍ، عن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاسِ بْنِ نَجِيحٍ الْبَزَّاز، عن عَبْداللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ كَثِيرٍ الدَّوْرَقِيِّ، عن مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيمَ.

وهو في مخطوط «الجزء الأول والثاني من حديث أبي بكر محمد بن العباس بن نجيح البزاز» (135).

كلهم (عبدالصمد بن عبدالوارث، وهاشم بن القاسم، وعبدالرحمن بن مهدي، ومسكين بن بُكير الحراني، ومسلم بن إبراهيم الأزدي) عن شُعْبَة، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: أَرَدْنَا أَنْ نَبِيعَ دُورَنَا وَنَتَحَوَّلَ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا فُلَانُ - لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ - دِيَارَكُمْ، فَإِنَّمَا تُكْتَبُ آثَارُكُمْ». هَذَا لَفْظُ أَبِي النَّضْرِ، وَقَالَ مِسْكِينٌ: أَرَدْنَا أَنْ نَبِيعَ دُورَنَا وَنَشْتَرِيَ قُرْبَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دِيَارَكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ». وَأَمَّا عَبْدُالصَّمَدِ فَقَالَ: أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَبِيعُوا دُورَهُمْ وَيَتَحَوَّلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ أَتَرْغَبُونَ أَنْ تُكْتَبَ آثَارُكُمْ؟».

وقال أبو نُعيم في «الحلية» (3/100) بعد أن رواه من طريق آخر: "وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ".

فهل بعد هذا نقول بأن ما جاء في رواية الدولابي تدل على أن ما جاء في الروايات الأخرى محرفة؟!

هذا لا يقوله عاقل!

فهؤلاء الخمسة الذين رووه أصحاب شعبة المعروفين، فكيف نقول بأن الحديث هو لشيبة المجهول هذا؟!

فكلّ ما بناه صاحب «الفرائد» أوهى من بيت العنكبوت! وعلى قوله فشيبة هذا يُعد ثقة لا أنه يعتبر به لرواية ابن مهدي عنه! بل روى عنه خمسة من كبار الثقات!

وهذا ضرب من الخيال!

فالحديث رواه شعبة عن الجريري، وعدم رواية مسلم له من حديث شعبة، وروايته من طرق أخرى عن الجريري لا يعني أنه أعرض عنه كما ادّعى صاحب «الفرائد» لأنه عن «شيبة» هذا!!

فالظاهر أن رواية شعبة له ليست عند مسلم، أو هي عنده واكتفى برواية كهمس وعبدالوارث.

·       وهم!

وهنا ننبه على خطأ له حيث قال: "رواه في "الصحيح" من طريق عبد الوارث وكهمس، كلاهما عن الجريري به"!

وهذا وهم، فمسلم أخرج الحديث من طريق عَبْدِالْوَارِثِ، عن الجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ.

وأخرجه من طريق كَهْمَس، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ.

فكهمس لم يروه عن الجريري، بل عن أبي نضرة، وهو متابع للجريري في روايته عن أبي نضرة.

·       حال شيبة والعلاء بن سلمة:

وقد روى العلاء بن سلمة عن شيبة عدة أحاديث بهذا الإسناد، تفرد بها عنه، وكلاهما مجهول لا يُعرف!

روى أبو نُعيم في «الحلية» (3/100) قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بنُ حَمْدَانَ، قَالَ: حدثَنَا الحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حدثَنَا العَلَاءُ بْنُ سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حدثَنَا شَيْبَةُ أَبُو قِلَابَةَ الْقَيْسِيُّ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».

قال أبو نُعيم: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ، لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْهُ".

وروى الطبراني في «المعجم الأوسط» (5/244) (5211) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّقَطِيُّ قَالَ: حدثنَا الْعَلَاءُ بْنُ سَلَمَةَ الْهُذَلِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حدثنَا شَيْبَةُ أَبُو قِلَابَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، فَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَيْهَا»، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْإِسْلَامَ قَدِ انْتَهَى، وَكَثُرَ النَّاسُ، وَتَأْتِيكَ الْوُفُودُ مِنَ الْآفَاقِ، فَلَوْ أَمَرْتَ بِصَنْعَةِ شَيْءٍ لِتَشْخَصَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِرَجُلٍ: «أَتَصْنَعُ الْمِنْبَرَ؟» فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ: فُلَانٌ. قَالَ: «لَسْتَ صَاحِبَهُ»، فَدَعَا آخَرَ، فَقَالَ: «أَتَصْنَعُ الْمِنْبَرَ؟»، فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَةِ هَذَا، فَقَالَ: «نَعَمْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ». قَالَ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ إِبْرَاهِيمُ: قَالَ: «خُذْ فِي صَنْعَتِهِ»، فَلَمَّا صَنَعَهُ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَحَنَّتِ الْجِذْعُ جِذْعُ النَّخْلَةِ حَنِينَ النَّاقَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَوْ قَالَ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَنَزَلَ فَالْتَزَمَهَا فَسَكَنَتْ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ تَرَكْتُهَا لَحَنَّتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَوْ لَحَنَّتْ مَا تَرَكْتُهَا».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ إِلَّا شَيْبَةُ أَبُو قِلَابَةَ".

وواه أبو نُعيم في «دلائل النبوة» (ص: 400) (305) عن الطبراني.

قلت: وهذا الحديث بهذا السياق لا يُعرف إلا من حديث شيبة!

والقصة صحيحة من دون ذكر من صنع المنبر.

وكذا من حديث أبي نضرة، رواه أحمد في «مسنده» (22/187) (14282) عن مُحَمَّد بن أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ - أَوْ قَالَ: إِلَى جِذْعٍ -، ثُمَّ اتَّخَذَ مِنْبَرًا، قَالَ: فَحَنَّ الْجِذْعُ، قَالَ جَابِرٌ: حَتَّى سَمِعَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ لَمْ يَأْتِهِ لَحَنَّ أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

·       وهم لابن حجر!

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (2/398): "وجَاءَ فِي صَانِعِ الْمِنْبَرِ أَقْوَالٌ أُخْرَى: أَحَدُهَا: اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ الْعَلَاءُ بْنُ مَسْلَمَةَ الرَّوَّاسُ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ".

قلت: هذا وهم منه رحمه الله، وإنما هو «العلاء بن سلمة» لا ابن مسلمة! كأنه سقط من نسخته حرف الميم! والعجيب أنه جاء في الإسناد: "الهذلي البصري"، والرواس بغدادي، مولى بني تميم.

والعلاء بن مسلمة مجهول على كل حال.

وقد ذكره الدولابي في «الكنى والأسماء» (3/1156) قال: "وَأَبُو الْهَيْثَمِ الْعَلَاءُ بْنُ سَلَمَةَ"، ثم روى له (3/1158) (2021) قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْهَيْثَمِ الْعَلَاءُ بْنُ سلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيِّ قَالَ: حَدَّثَتْنِي صَفِيَّةُ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلِيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَّبَتُ إِلَيَّهِ كَتِفَ لَحْمٍ فَأَكَلَهَا فَكُنْتُ أَسْحَاهَا لَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى».

ووقع في المطبوع «مَسْلَمَةَ» وهو خطأ! والصواب كما ذكره قبل «سَلَمَةَ».

·       أوهام للخطيب البغدادي!

ذكر الخطيب في «تالي تلخيص المتشابه» [تحقيق مشهور حسن، وأحمد الشقيرات] (2/457): «العَلَاء بن مسلمة، والعَلَاء بن سَلمَة».

قال: "الأول: العَلَاء بن مسلمة بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَبُو سَالم الرواس، مولى بني تَمِيم من أهل بَغْدَاد. حدّث عَن أبي حَفْص عمر بن حَفْص الْعَبْدي، وَعبدالمجِيد بن عبدالعَزِيز بن أبي رواد، وجعفر بن عون الْكُوفِي، وَمُحَمّد بن مُصعب القرقساني. روى عَنهُ: أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن نصر المنصوري، وَأحمد بن القَاسِم أَخُو أبي اللَّيْث الْفَرَائِضِي، وَعمر بن مُحَمَّد السذابي".

ثم قال: "والثَّانِي: العَلَاء بن سَلمَة الْهُذلِيّ ابْن أخي سليم بن حَيَّان البَصْرِيّ. حدّث عَن أبي شيبَة إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الْعَبْسِي، وَسَهل بن أسلم العَدوي. روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس الْكُدَيْمِي".

ثم ساق له حديثاً قال: أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبيدالله بن مُحَمَّد الحنائي، قال: أخبرنَا أَحْمد بن سلمَان بن الحسن النجاد، قال: حَدثنَا مُحَمَّد بن يُونُس بن مُوسَى القرشِي، قال: حَدثنَا العَلَاء بن سَلمَة، قال: حَدثنَا أَبُو شيبَة، عَن الْجريرِي، عَن أبي نَضرة، عَن جَابر، قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّه من لم يعرف حقّ بني هَاشم وَالْأَنْصَار والمهاجرين فقد جحدني حَقي، وَمن جحدني حَقي عذبه الله عز وَجل».

قلت: وهم الخطيب في ذكر الثاني وخلطه مع الراوي عن شيبة!

فالعلاء بن مسلمة الهذلي ابن أخي سليم بن حيّان ليس هو العلاء بن سلمة الذي يروي عن شيبة أبي قلابة!

فالذي ذكره الخطيب هو "العلاء بن مسلمة" لا "بن سلمة"، فسقط عنده حرف الميم فظنّ أنه هو الراوي عن شيبة! ثم وقع وهم في إسناد الحديث "حدثنا أبو شيبة"! فقال الخطيب هو: "أبو شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي"! وإنما هو: "حدثنا شيبة" و"أبو" زيادة في الإسناد! وهو شيبة أبو قلابة المجهول الذي يروي عنه العلاء بن سلمة الهذلي البصري وهو مجهول أيضاً.

وابن أخي سليم بن حيان آخر.

ذكره الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» تمييزاً.

قال (22/539): "العلاء بن مسلمة بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن إسحاق الرواس، أَبُو سالم البغدادي، مولى بني تميم".

ثم قال: "(تمييز) العلاء بن مسلمة بن حيان بن بسطام الهذلي البَصْرِيّ ابْن أخي سليم بْن حيان. يروي عَن: سهل بْن أسلم العدوي.

ذكرناه للتمييز بينهما".

وأما محققا كتاب الخطيب فمشيا على ما أورده الخطيب ولم يفعلا شيئا!

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

شاركنا تعليقك