الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

الفَجرُ الذي «بَزَغ» في بيان أحاديث الأَمر بقتل «الوَزَغ».

الفَجرُ الذي «بَزَغ» في بيان أحاديث الأَمر بقتل «الوَزَغ».

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّه الأمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وبعد:

فقد وردت أحاديث عدّة في الأمر بقتل «الوَزَغ» والأجر على ذلك، والسبب في قتلها! وقد تتبعت الأحاديث في ذلك، فوجدتها تدور حول مسائل ثلاث، هي:

الأولى: في تسمية «الوَزَغ» بالفويسق.

الثانية: الأمر بقتله.

الثالثة: الأجر على قتله.

وسنتبين هذه المسائل بعد تخريج الأحاديث في ذلك والكلام عليها بإذن الله تعالى.

·       حديث عَائِشَةَ - رضي الله عنها -:

روى البخاري في «صحيحه» (3/14) (1831) عن إِسْمَاعِيل ابن أَبِي أُوَيْسٍ. [وهو في الثاني عشر من «الخلعيات» (9) من طريق إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاقَ المَعْرُوف بِتُرُنْجَةَ، عن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس].

وابن حبان في «صحيحه» (9/276) (3963) عن عُمَر بن مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيّ، عن أَبي طاهر بن السرح. وأبو طاهر المُخلّص في «المخلصيات» (45) عن يحيى بن محمدِ بنِ صاعدٍ، عن بحر بن نصرٍ الخَولانيّ. كلاهما (أبو طاهر، وبحر) عن عبدالله بن وَهْبٍ.

كلاهما (ابن أبي أويس، وابن وهب) عن مَالِك بن أَنَسٍ.

ورواه البخاري أيضاً (4/128) (3306) عن سَعِيد بن عُفَيْرٍ. ومسلم في «صحيحه» (4/1758) (2239) عن أَبي الطَّاهِرِ ابن السّرح وحَرْمَلَة بن يحيى التّجيبيّ. والنسائي في «السنن الكبرى» (4/104) (3855) عن وَهْب بن بَيَانٍ المِصْرِيّ. وابن ماجه في «سننه» (4/380) (3230) عن أَحْمَد بن عَمْرِو بنِ السَّرْحِ. وابن حبان في «صحيحه» (9/276) (3963) عن عُمَر بن مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيّ، عن أَبي طاهر بن السرح. وأبو طاهر المخلص في «المخلصيات» (45) عن يحيى بنُ محمدِ بنِ صاعدٍ، عن بحر بن نصرٍ الخَولانيّ. كلهم (سعيد، وأبو الطاهر، وحرملة، ووهب، وبحر) عَنِ ابنِ وَهْبٍ.

ورواه أحمد في «مسنده» (43/394) (26382) عن عَامِر بن صَالِحٍ الزبيريّ المدنيّ.

كلاهما (ابن وهب، وعامر) عن يُونُس بن يَزِيدَ الأَيليّ.

كلاهما (مالك، ويونس) عَنِ ابنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلوَزَغِ: «فُوَيْسِقٌ»، "وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ".

·       قول ابن حبان في روايته لهذا الحديث: "غريب"! وبيان ذلك.

وقد قرن ابن حبان بين مالك ويزيد في روايته أبي الطاهر ابن السرح عن ابن وهب، عن مَالِك، وَيُونُس، ثم قال: "وهذا غريب"!!

ولا أدري ما الذي قصده بهذا! فإن كان قصد غرابة الحديث عن عائشة فهذا لا يُسلّم له، فالحديث صحيح عنها، وإن كان قصد غرابة جمع ابن وهب بين مالك ويونس عن ابن شهاب - وهو الأقرب - فهذا قد يُسلّم له، وقد رواه بحر بن نصر عن ابن وهب عنهما أيضاً، فهذا الجمع بينهما من ابن وهب، فالله أعلم.

ثم وجدت ابن حجر يقول في «تغليق التعليق» (3/518): "وَأخرجه ابْن حبَان عَن عمر بن مُحَمَّد بن يحيى، عَن أبي الطَّاهِر، وَزَاد مَعَ يُونُس مَالِكًا وَاسْتَغْرَبَهُ، وَلَيْسَ بغريب لما سَيَأْتِي".

قلت: فصح أن ابن حبان استغرب زيادة مالك في إسناده لا أنه استغرب أصل الحديث، وردّ ابن حجر هذا الاستغراب برواية بحر بن نصر عن ابن وهب عنهما، فكأن ابن حجر فهم أن ابن حبان يستغرب رواية عمر بن محمد عن أبي الطاهر، وبرواية بحر لهذا الحديث عن ابن وهب يعني زوال الغرابة!

والذي أراه أن ابن حبان استغرب ذلك من ابن وهب لا من عمر بن محمد، ولا من أبي الطاهر، وكأنه يرى أنه غريب عن مالك!

ولهذا أورده الدارقطني في «غرائب مَالك»! وكيف يرويه مالك ولا يُعرف إلا من طريق ابن وهب، وابن أبي أويس!! وابن أبي أويس متكلّم فيه! وابن وهب وجدت له بعض الأوهام في مثل هذا الجمع الذي يجمعه بين الشيوخ، فالله أعلم.

·       الزيادة في رواية البخاري من قائلها؟

وزاد في رواية سَعِيد بن عُفَيْرٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عن يُونُس عند البخاري: «وَزَعَمَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ».

وهذه الزيادة لم يذكرها إلا سعيد بن عُفير كما رواه البخاري. فمن هو قائل هذا؟

قال العيني في «عمدة القاري» (15/194): "قَوْله: «وَزعم سعد بن أبي وَقاص»، قَائِل ذَلِك فِي الظَّاهِر عُرْوَة، وزعم بِمَعْنى: قَالَ، وَيُحْتَمل أَن يكون عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، هَذَا أقرب من حيثية مَا يَقْتَضِيهِ التَّرْكِيب".

وقال الحافظ ابن حجر في «مقدمة الفتح»: "قَوْله عقب حَدِيث ابن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة فِي الوزغ: «وَزعم سعد بن أبي وَقاص»، القَائِل «وَزعم سعد» هُوَ الزُّهْرِيّ كَمَا بَينه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «غرائب مَالك» لَهُ وهُوَ مُنْقَطع، وَقد وَصله مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيه".

وقال في «الفتح» (6/354): "قَوْلُهُ: «وَزَعَمَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ» قَائِلُ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُرْوَةَ، فَيَكُونُ مُتَّصِلًا، فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَعْدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةَ فَيَكُونُ مِنْ رِوَايَةِ القَرِينِ عَنْ قَرِينِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الْأَخِيرُ أَرْجَحُ، فَإِنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ أَخْرَجَهُ فِي «الغَرَائِبِ» من طَرِيق ابن وهب عَن يُونُس وَمَالك مَعًا عَن ابن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْوَزَغِ: فُوَيْسِقٌ»، وَعَن ابن شِهَابٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بقتل الوزغ»، وَقد أخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وابن ماجه وابن حبَان حَدِيث عَائِشَة من طَرِيق ابن وهب وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ حَدِيثُ سَعْدٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَأحمد وابن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا»، وَكَأَنَّ الزُّهْرِيَّ وَصَلَهُ لِمَعْمَرٍ، وَأَرْسَلَهُ لِيُونُسَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشُّرَّاحِ وَلَا مِنْ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ، فَلِلَّهِ الحَمْدُ".

وقال في «تغليق التعليق» (3/518): "إِن كَانَ القَائِل «وَزعم سعد» عُرْوَة فَهُوَ مُتَّصِل، فَإِنَّهُ سمع من سعد، وكَذَا إِن كَانَت عَائِشَة، وَإِن كَانَ الزُّهْرِيّ فَهُوَ مُنْقَطع، وَيحْتَمل أَن يكون القَائِل «وَزعم سعد» هُوَ البُخَارِيّ فَيكون مُعَلّقا، وَفِيه بُعد شَدِيد. وَقد أخرجه مُسلم عَن أبي الطَّاهِر وحرملة كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلم يقل فِيهِ: «وَزعم سعد» إِلَى آخِره، وَلَا فِي رِوَايَة أبي الطَّاهِر أَيْضاً: «وَلم أسمعهُ أَمر بقتْله».

وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن وهب بن بَيَان، وَأخرجه ابن مَاجَه عَن أبي الطَّاهِر كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب كَمَا قَالَ مُسلم عَن أبي الطَّاهِر كَذَلِك. وَقد أخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن حبَان وَأحمد من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الوزغ وَسَماهُ فويسقا»، فَيحْتَمل أَن يكون الزُّهْرِيّ وَصله لمعمر بِذكر عَامر، وأرسله ليونس، ثمَّ وجدت هَذَا الِاحْتِمَال بِعَيْنِه صَرِيحًا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فِي «غرائب مَالك» فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن أبي مُحَمَّد ابن صاعد عَن بَحر بن نصر عَن ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي مَالك وَيُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للوزغ فويسق». وعَن ابن شهَاب، عَن سعد بن أبي وَقاص: «أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الوزغ»، ثمَّ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق أُخْرَى عَن مَالك وَحده عَن ابْن شهَاب، وَزَاد: «لم أسمعهُ أَمر بقتْله»، وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيث سعد، وَظهر بِهَذَا تعْيين القَائِل فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: «وَزعم سعد» أَنه الزُّهْرِيّ، وَأَنه لَيْسَ بمعلّق، فَللَّه الْحَمد على مَا أنعم".

قلت: ما حققه الحافظ ابن حجر هو الصواب، وهو تحرير نفيس، فقائل ذلك هو الزهري، فهو لما روى حديث عائشة وأنها قالت «لم أسمعه أمر بقتله»، قال: «وَزَعَمَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ» لبيان أن هناك من خالف عائشة في ذلك، وإنما قال «زعم» لأن الحديث عنده مرسل، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله، ويؤيده نسبته لسعد أنه ابن أبي وقاص، فلو كان القائل عائشة لقالت: «وزعم سعد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم...»، والله أعلم.

·       مخالفة عبدالرحمن بن إسحاق العامريّ في روايته عن الزهريّ!

وروى أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (2/143) (831)، وأَحْمَدُ بن إبراهيم الدورقيّ في «مسند سعد بن أبي وقاص» (ص: 45) (14) كلاهما عن وَهْب بن بَقِيَّةَ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ الواسطيّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتُلُوا الفُوَيْسِقَ» - يَعْنِي الوَزَغَ.

قلت: عبدالرحمن بن إسحاق هو: العامريّ المدنيّ، وهو ليس بذاك القوي، وفي حفظه شيء! وقد وهم في قوله «اقْتُلُوا»! والمحفوظ عن الزهري في حديث عائشة تسمية الوزغ بالفويسق، ولم تذكر القتل!

وقد سئل الدارقطني في «العلل» (14/121) (3471) عن حديث عروة عن عائشة، فقال: "يرويه الزهري، واختلف عنه:

فرواه مالك، ويونس، ومعمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

ورواه عبدالرحمن بن إسحاق، واختلف عنه في إسناده:

فرواه خالد الواسطي، عن عبدالرحمن بن إسحاق، عن الزهري.

وخالفه إبراهيم بن طهمان، فرواه عن عباد بن إسحاق، وهو عبدالرحمن، عن عمر بن سعيد، عن الزهري، وقال في متنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتلوا الفويسق، يعني الوزغ».

وكذلك قال في حديث خالد الواسطي، عن عبدالرحمن بن إسحاق.

وذلك وهمٌ من عبدالرحمن بن إسحاق.

والصحيح بِهَذَا الْإِسْنَادِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «الوزغ فويسق»، قالت عائشة: ولم أسمع النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله" انتهى.

قلت: قد تقدم الكلام عن رواية مالك وأنها غريبة! وسيأتي الكلام على رواية معمر إن شاء الله.

والخلاصة أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى الوَزَغ: «فُوَيْسِقا».

قال ابن الجوزي: "وأصل الفسق: الخُرُوج، وقد سميت الفَأْرَة فويسقة لخروجها من جحرها على النَّاس، كَذَلِك قَالَ الفراء وَغَيره. فَلَمَّا كَانَ الوزغ يخرج من جُحْره فيؤذي النَّاس سَمَّاهُ فويسقاً، وَيُمكن أَن يُقَال لما صدر مِنْهُ الْأَذَى كَمَا يصدر من الْفَاسِق سمي بذلك".

والتصغير هنا للذم والتحقير.

قال القرطبي: "سمي به لخروجه عن جنس الحيوان للضرر أو لخروجه عن حكم الحيوان المحترم الذي يمتنع قتله".

وقالَ ابنُ المَلَكِ: "وَمِنْ شَغَفِهَا إِفْسَادُ الطَّعَامِ خُصُوصًا المِلْحَ، فَإِنَّهَا إِذَا لَمْ تَجِدْ طَرِيقًا إِلَى إِفْسَادِهِ ارْتَقَتِ السَّقْفَ وَأَلْقَتْ خَرَأَهَا فِي مَوْضِعٍ يُحَاذِيهِ. وَفِي الحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ جِبِلَّتَهَا عَلَى الْإِسَاءَةِ".

وقالَ النَّوَوِيُّ: "تَسْمِيَتُهُ فُوَيْسِقًا؛ لِأَنَّهُ نَظِيرُ الفَوَاسِقِ الخَمْسِ الَّتِي تُقْتَلُ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ، وَأَصْلُ الفِسْقِ الخُرُوجُ عَنِ الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ، وَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ خَرَجَتْ عَنْ خُلُقِ مُعْظَمِ الْحَشَرَاتِ بِزِيَادَةِ الضَّرَرِ وَالْأَذَى. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَمَّا تَصْغِيرُهُ فَلِلتَّعْظِيمِ كَمَا فِي دُوَيْهِيَةٍ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ التُّورِبِشْتِيُّ أَوْ لِلتَّحْقِيرِ لِإِلْحَاقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَوَاسِقِ الخَمْسِ. انتهى، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَتَدَبَّرْ".

·       حديث آخر عن عائشة فيه الأمر بالقتل!

وقد ثبت أن عائشة لم تسمع من النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الوزغ!

وجاء في رواية عنها أنه أمر بذلك!

رواه أحمد في «مسنده» (41/80) (24534) عن عَفَّان الصفّار. و(41/294) (24780) عن أَسْوَد بن عَامِرٍ شاذَان.

وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (7/317) (4357) عن شَيْبَان بن فَرُّوخَ.

وابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/456) (20258) عن يُونُس بن مُحَمَّدٍ المؤدّب. [ورواه ابن ماجه في «سننه» (4/381) (3231) عن ابن أَبِي شَيْبَةَ].

وابن حبان في «صحيحه» (12/447) (5631) من طريق عُثْمَان بن أَبِي شَيْبَةَ، عن يُونُسَ بنِ مُحَمَّدٍ.

كلهم (عفان، وشاذان، وشيبان، ويونس المؤدب) عَنْ جَرِيرِ بنِ حَازِمٍ، قال: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي سَائِبَةُ، مَوْلَاةٌ لِلْفَاكِهِ بنِ المُغِيرَةِ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَرَأَيْتُ فِي بَيْتِهَا رُمْحًا مَوْضُوعًا، قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَصْنَعُونَ بِهَذَا الرُّمْحِ؟ قَالَتْ: «هَذَا لِهَذِهِ الْأَوْزَاغِ نَقْتُلُهُنَّ بِهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ لَمْ تَكُنْ فِي الْأَرْضِ دَابَّةٌ إِلَّا تُطْفِئُ النَّارَ عَنْهُ، غَيْرَ الْوَزَغِ، كَانَ يَنْفُخُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ».

وفي رواية شيبان لم يذكر اسمها، وفي آخره: "قال جَرِيرٌ: وأَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ السَّرَّاجُ أَنَّ اسْمَهَا سَائِبَةُ. قال شَيْبَانُ: يَعْنِي اسْمَ مَوْلاةِ الْفَاكِهِ".

وكذا رواه ابن عساكر في «تاريخه» (6/186) من طريق محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، عن شيبان، عن جرير.

ورواه أحمد أيضاً في «مسنده» (43/24) (25827) عن إِسْمَاعِيل بن عُليّة، عن أَيُّوب السختياني، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَإِذَا رُمْحٌ مَنْصُوبٌ، فَقَالَتْ: مَا هَذَا الرُّمْحُ؟ فَقَالَتْ: نَقْتُلُ بِهِ الْأَوْزَاغَ، ثُمَّ حَدَّثَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ، جَعَلَتِ الدَّوَابُّ كُلُّهَا تُطْفِئُ عَنْهُ، إِلَّا الْوَزَغَ فَإِنَّهُ جَعَلَ يَنْفُخُهَا عليه».

ورواه أحمد في «مسنده» (42/430) (25643)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (2/530) (1113) عن مُحَمَّد بن بَكْرٍ البُرْسَانيّ. والفاكهي في «أخبار مكة» (3/377) من طريق عَبْدالمَجِيدِ بن أَبِي رَوَّادٍ. كلاهما عن ابن جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ: أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اقْتُلُوا الْوَزَغَ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّارَ». قَالَ: «وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقْتُلُهُنَّ».

·       الاختلاف على نافع في الحديث!

فيظهر من هذا أنه قد اختلف فيه على نافع:

رواه جَرِيرُ بنِ حَازِمٍ، عن نَافِع، عن سَائِبَة مَوْلَاة لِلْفَاكِهِ بنِ المُغِيرَةِ، عن عَائِشَةَ.

ورواه أَيُّوب السختياني، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ، مرسلاً.

ورواه عَبْدُاللَّهِ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي أُمَيَّة، عن نَافِع، عن عَائِشَةَ، مرسلاً.

وقد عرض الدارقطني لرواية جرير وابن أبي أمية، ورجّح رواية جرير، فقال في «العلل» (14/440) (3789): "يرويه نافع، واختلف عنه:

فرواه جرير بن حازم، وعبدالرحمن السَّراج، عن نافع، عن سائبة، عن عائشة.

ورواه ابن جريج، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أبي أمية، عن نافع، عن عائشة، مرسلاً.

وحديث جرير بن حازم أصح" انتهى.

قلت: عبدالرحمن السراج لم يرو هذا الحديث عن نافع، وإنما ذكر اسم هذه المولاة كما في رواية شيبان، وقوله هذ لا يدلّ على أنه روى هذه الرواية عن نافع، وإنما روى رواية أخرى عن نافع عن هذه المولاة كما سيأتي.

وعبدالله بن عبدالرحمن بن أبي أمية مجهول لا يُعرف! وروايته مرسلة، ويؤيدها رواية أيوب المرسلة، وهذا هو الراجح في هذه الرواية.

وقد ثبتت رواية نافع عن هذه المرأة عن عائشة لحديث آخر.

رواه مالك في «الموطأ» (2/976) (32) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَائِبَةَ مَوْلَاةٍ لِعَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الجِنَّانِ الَّتِي فِي البُيُوتِ، إِلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ، وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ، وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ».

وهذا مرسل! وفيه: «مولاة لعائشة»! وهو خطأ! وإنما هي مولاة لفاكه بن المغيرة.

قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (16/131): "هَكَذَا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةَ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيثُ عِنْدَ القَعْنَبِيِّ وَلَا عِنْدَ ابْنِ بُكَيْرٍ وَلَا عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ وَلَا عِنْدَ ابنِ القَاسِمِ لَا مُرْسَلًا وَلَا غَيْرَ مُرْسَلٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ مُرْسَلًا، وَمِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ أَيْضًا، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَحُفَّاظُهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا متصلاً".

ثم رواه من طريق عُبَيْداللَّهِ بن عُمَرَ، وأيوب، وعبدالرحمن السراج، جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَائِبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.

ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (7/319) (4358) عن شَيْبَان بن فَرُّوخَ، عن جَرِير بن حازم، عن نَافِع، عَنْ مَوْلَاةٍ لِفَاكِهِ بنِ المُغِيرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ غَيْرَ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ وَالْبَتْرَاءِ؛ فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْأَبْصَارَ، وَيَقْتُلَانِ أَوْلَادَ الْحَبَالَى فِي بُطُونِهِنَّ، وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْهُمَا فَلَيْسَ مِنَّا».

فهنا لم يُذكر اسم هذه المولاة، ولهذا جاء في الرواية السابقة: ": "قال جَرِيرٌ: وأَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ السَّرَّاجُ أَنَّ اسْمَهَا سَائِبَةُ. قال شَيْبَانُ: يَعْنِي اسْمَ مَوْلاةِ الفَاكِهِ".

فكأن جريرًا لما روى الروايتين عن نافع ولم يذكر نافع اسمها أخبره باسمها عبدالرحمن السراج؛ لأنه روى هذا الحديث عن نافع، وهذا لا يعني أنه روى الرواية السابقة عن نافع كما قال الدارقطني!

ورواه أحمد في «مسنده» (41/82) (24535) عن عفان بن مسلم الصفَّار، وحسين بن محمد المَرُّوذي، عن جرير بن حازم. و(40/265) (24219) عن يَحْيَى القطان، ومُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ الطنافسي، كلاهما عن عُبَيْداللهِ بن عمر. و(42/71) (25142) عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ، عن شُعْبَة، عَنْ عَبْدِ رَبٍّ بن سَعِيدٍ.

ورواه أبو يعلى في «مسنده» (8/212) (4776) عن عَبْداللَّهِ بن مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، عن جُوَيْرِيَة بن أسماء الضبعيّ.

كلهم (جرير، وعبيدالله بن عمر، وعبد رب، وجويرية) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَائِبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، به.

وهذا الحديث مشهور عن نافع بهذا الإسناد.

وهو مشهور وصحيح عن عائشة من طرق أخرى من غير طريق نافع، قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَلْتَمِسُ البَصَرَ وَيُصِيبُ الحَبَلَ».

وليس في الصحيح عن عائشة ما جاء في حديث هذه المولاة: «وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْهُمَا فَلَيْسَ مِنَّا»!.

وقد سئل الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل» (14/439) (3788)، فقال: "يرويه أيوب السختياني، وعبدالرحمن السراج، وعبدالله بن سليمان الطويل، وعبدالله بن نافع، وجرير بن حازم، وعبيدالله بن عمر، وعبد ربه بن سعيد، عن نافع، عن سائبة، عن عائشة.

قال ذلك مُعتمر، وخالد بن الحارث، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ نافع، عن سائبة.

وخالفهم عبدالله بن نُمير، وعقبة بن خالد، فقالا: عن عبيدالله، عن نافع، عن عائشة.

وخالفهم ليث بن أبي سليم، ومحمد بن عبدالرحمن بن المجبر، فروياه، عن نافع، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، وحديث سائبة أشبه بالصواب" انتهى.

[تنبيه: ذكر الدارقطني أن رواية ابن نمير عن عبيدالله ليس فيها: سائبة! لكن ساق ابن عبالبر روايته في «التمهيد» (16/132)، و«الاستذكار» (27/254) من طريق أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ سَائِبَةَ عَنْ عَائِشَةَ، فذكر "سائبة".

وزاد في «الاستذكار»: ورَوَاهُ اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَائِبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ... قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا ذُو الطُّفْيَتَيْنِ؟ قَالَ: ذُو الخَطَّيْنِ فِي ظَهْرِهِ.

ووقع في مطبوع الدارقطني: "قال ذلك معمر..."! وهو تحريف، وإنما هو: "مُعْتَمِرُ"، وهو: ابنُ سُلَيْمَانَ، وساق روايته ابن عبدالبر في «التمهيد»].

قلت: الظاهر أن نافعاً كان أحياناً يُحدّث بالحديث مرسلاً، وأحياناً يسنده عن سائبة مولاة الفاكه.

·       وهم لعبدالله بن نافع عن أبيه!

والحديث رواه أَبُو دَاوُدَ الطيالسي في «مسنده» (3/129) (1646) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ نَافِعٍ: أَخْبَره أَبوه، عَنِ السَّائِبِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ - يَعْنِي مِنَ الحَيَّاتِ - إِلَّا الْأَبْتَرُ وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَخْطِفَانِ الْأَبْصَارَ وَيَقْتُلَانِ الْحَبَلَ فِي بُطُونِ النِّسَاءِ، فَمَنْ لَمْ يَقْتُلْهَا فَلَيْسَ مِنَّا».

قلت: أخطأ عبدالله - وكان ضعيفاً - في قوله: "عن السائب"!! 

قال الخطيب في «المتفق والمفترق» (3/1457): "كذا قال «عن السائب»، وإنما هو: عن سائبة عن عائشة".

وزعم شعيب الأرنؤوط ورفاقة أن الخطأ في مطبوع الطيالسي! وقد تحرّف! وليس كذلك!

قالوا في تعليقهم على «مسند أحمد» (40/266): "وأخرجه الطيالسي (1542) عن عبدالله بن نافع، عن نافع، به، ووقع في المطبوع: السائب بدل سائبة، وهو تحريف".

وقد نقله البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (6/86) (5403): "قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: وحدثَنَا عبدُاللَّهِ بنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السَّائِبِ، عَنْ عَائِشَةَ...".

·       سائِبَة مَولاة الفَاكِهِ بن المغيرة، المَخزُومي:

وسائبة هذه تفرد بالرواية عنها نافع مولى ابن عمر! وهي مجهولة لا يُعرف حالها!

ـ قال عباس الدُّوري: سمعتُ يحيى يقول، في حديث سائِبَة، عن عائشة: "غُندَر يقول: سيابة".

وذكرها ابن حبان في «الثقات» (4/351) (3298): "سائبة مولاة الفَاكِهَ بن المُغيرَة: تروي عَن عَائِشَة، روى عَنْهَا: نَافِع مولى ابن عمر".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص: 748) (8603): "سائبة مولاة الفاكه بن المغيرة: مقبولة، من الثالثة (ق)".

وتعقبه صاحبا «تحرير تقريب التهذيب» (4/419) فقالا: "بل: مجهولةٌ، كما قال الذهبي في «الثقات»، فقد تفرَّد بالرواية عنها نافع مولى ابن عمر، ولم يوثقها أحد".

قلت: مقبول عند ابن حجر يعني إذا تُوبع على حديثه، لكن هذا الحديث الذي أخرجه لها ابن ماجه لم تُتابع عليه، فهي ليّنة على مصطلحه، وكأنه نظر إلى الحديث الآخر عن عائشة الذي يتعلق بقتل الْأَبْتَر وَذي الطُّفْيَتَيْنِ، فهذا مشهور ومعروف عن عائشة، وقد توبعت عليه، إلا أن في روايتها زيادة منكرة، وهي: «فَمَنْ لَمْ يَقْتُلْهَا فَلَيْسَ مِنَّا»! وهذه النكارة تجعلها في مصاف الضعفاء، فكيف وهي مجهولة لا تُعرف!!

فحديثها أنها دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَرَأَت فِي بَيْتِهَا رُمْحًا مَوْضُوعًا، فقالت: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَصْنَعُونَ بِهَذَا الرُّمْحِ؟ قَالَتْ: «هَذَا لِهَذِهِ الْأَوْزَاغِ نَقْتُلُهُنَّ بِهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ لَمْ تَكُنْ فِي الْأَرْضِ دَابَّةٌ إِلَّا تُطْفِئُ النَّارَ عَنْهُ، غَيْرَ الْوَزَغِ، كَانَ يَنْفُخُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ»، لم تُتابع عليه! وهو مخالف لما ثبت عن عائشة أنها قالت: "وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ" - تعني: الوزغ.

فالحديث فيه اختلاف على نافع، وكان يرسله أحياناً، وسائبة مجهولة لا تُعرف، وفي حديثها نكارة!

ولم يثبت عن عائشة أنها رفعت أمر قتل الوزغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

·       رواية مرسلة عن عائشة!

وروى النسائي في «السنن الكبرى» (4/84) (3800) قال: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ: «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَبِيَدِهَا عُكَّازٌ، فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: لِهَذِهِ الوَزَغُ لِأَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ إِلَّا يُطْفِئُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا هَذِهِ الدَّابَّةُ، فَأَمَرَنَا بِقَتْلِهَا، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ الجِنَّانِ إِلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ وَيُسْقِطَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ».

قلت: تفرد به معاذ بن هشام عن أبيه! ولم أقف عليه من حديث قتادة إلا من رواية معاذ بن هشام! ومعاذ - وإن كان ثقة - يتفرد عن أبيه عن قتادة بأحاديث لا تُعرف عند أصحاب قتادة! ووقفت على جملة من المناكير له ينفرد بها عن أبيه، أو يخالف أصحاب قتادة فيها.

وعلى فرض صحة الإسناد إلى ابن المسيب، فهو مرسل، والمرسل ضعيف!

ولا يُقال هنا إن بعض أهل النقد قالوا: "مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات"، أو: "مرسلات سعيد بن المسيب صحاح"!

فهذا منهم لا يعني صحة كل ما يرويه ابن المسيب من مراسيل، وإنما مراسيله في الجملة أصح من مراسيل غيره؛ لأن لكثير منها أصل صحيح، وأما ما لا يعرف له أصل صحيح فلا يُحتج به، ولا تُمشّى عليه هذه العبارة من أقوال النقاد! كيف وقد استنكر يحيى القطان مرسل سعيد بن المسيب عن أبي بكر الصديق، وقال عنها: "شبه الريح"!

ولعل هذا المرسل - إن صح عن ابن المسيب - هو أصل الأحاديث المرفوعة الأخرى عن المرأة عن عائشة، ويُحتمل أن هذا المرسل وقع فيه الخطأ في إسناده، وهو إنما يرجع لحديث تلك المرأة المجهولة عن عائشة، فالله أعلم.

·       تصحيح الألباني لحديث سائبة عن عائشة بمرسل ابن المسيب!

وقد أورد الألباني الحديث في «صحيحته» (1581) وقال بعد أن أشار لتخريج ابن ماجه له: "قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير السائبة هذه قال الذهبي: (تفرد عنها نافع).

قلت: يشير إلى أنها مجهولة، فقول البوصيري في «الزوائد» (2/194): (هذا إسناد صحيح) غير صحيح لجهالة المذكورة، لكنها قد توبعت، فقد أخرج النسائي (2/27) من طريق قتادة عن سعد بن المسيب: أن امرأة دخلت على عائشة وبيدها عكاز... الحديث نحوه.

قلت: وهذا إسناد صحيح إن كان سعيد بن المسيب سمعه من عائشة، وإلا فإن ظاهره أنه من مرسله. والله أعلم.

وقد خالفه عبدالحميد بن جبير فقال: عن سعيد بن المسيب عن أم شريك رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وقال: كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام. أخرجه البخاري (6/305 - فتح) وابن ماجه وأحمد (6/421 و462) وليس عندهما الشطر الثاني منه" انتهى.

قلت: رواية سعيد المرسلة ليس متابعة لسائبة! والصحيح أنه مرسل، ولم يسمع ابن المسيب من عائشة.

وقوله: "وقد خالفه عبدالحميد بن جبير" يقصد خالف قتادة! لكن هل هذه الرواية تدلّ على مخالفة قتادة لرواية عبدالحميد بن جبير؟!

فالأصل أولاً إثبات صحة الرواية إلى قتادة، وعلى فرض صحتها، فهل تعد هذه مخالفة؟!

وإذا كانت مخالفة، فلم لا نحكم لرواية قتادة على رواية عبدالحميد بن جبير؟!

ثم إن رواية قتادة تختلف عن رواية عبدالحميد بن جبير! وسيأتي الكلام على رواية عبدالحميد - إن شاء الله -.

·       رواية أخرى غريبة عن عائشة!

وروى عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/445) (8392) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَتِ الضُّفْدَعُ تُطْفِئُ النَّارَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ الْوَزَغُ يَنْفُخُ فِيهِ، فَنُهِيَ عَنْ قَتْلِ هَذَا، وَأُمِرَ بِقَتْلِ هَذَا».

قلت: ظاهر إسناده الصحة على شرط الصحيحين، وقد صححه كذلك بعض المعاصرين!

 لكن لم يروه عن الزهري إلا مَعمر! تفرد به! ولا يُعرف عن عروة عن عائشة إلا من هذا الطريق!!

ثم وجدت السيوطي ينقل هذا من كتاب عبدالرزاق في «الدر المنثور في التفسير بالمأثور» (5/639) بخلاف ما في المطبوع!

 قال: "وأخرج عبدالرَّزَّاق فِي «المُصَنّف»: أخبرنَا معمر، عَن قَتَادَة، عَن بَعضهم، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كَانَت الضفدع تُطْفِئ النَّار عَن إِبْرَاهِيم، وَكَانَت الوزغ تنفخ عَلَيْهِ، وَنهى عَن قتل هَذَا، وَأمر بقتل هَذَا»".

قلت: ما نقله السيوطي هو الأقرب للصواب؛ لأنه لا يمكن أن يكون هذا الحديث عن الزهري بهذا الإسناد ولا يرويه إلا معمر! ولا يعرف أيضاً عن عروة عن عائشة!

فيكون حصل هناك خلل في بعض نسخ «مصنف عبدالرزاق»، وكأنه دخل للناسخ إسناد في آخر فسبق نظره إلى إسناد آخر، فقد جاء هذا الإسناد في حديث آخر قبله بعدة أحاديث (4/442) (8374) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الحَرَمَ والحِلِّ: الحَدَأَةِ، وَالغُرَابِ، وَالفَأْرَةِ، وَالكَلْبِ العَقُورِ». وهو مشهور عن الزهري، رواه عنه معمر وغيره.

فما في مطبوع «مصنف عبدالرزاق» خطأ!

ويؤيده أن عَبْدالرَّزَّاقِ رواه في «تفسيره» (2/387) (1870) قَالَ: أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قال: «كَانَتِ الوَزَغُ تَنْفُخُ عَلَى النَّارِ، وَكَانَتِ الضَّفَادِعُ تُطْفِئُهَا فَأُمِرَ بِقَتْلِ هَذَا، وَنُهِيَ عَنْ قَتْلِ هَذَا».

ولو كان عند عبدالرزاق بالإسناد الآخر لذكره، لكن ما في تفسيره يؤيد ما ذكره السيوطي من نقله من مصنفه.

وروى عَبْدُالرَّزَّاقِ أيضاً في «تفسيره» (2/387) (1869) قَالَ: أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «لَمْ تَأْتِهِ يَوْمَئِذٍ دَابَّةٌ إِلَّا أَطْفَأَتِ النَّارَ عَنْهُ إِلَّا الْوَزَغَ».

فالحديث مرسل.

والحمد لله على هذه الفائدة العظيمة.

·       ما رُوي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقْتُلُ الأَوْزَاغَ:

وقد رُويت بعض الآثار أن عائشة كانت تقتل الأوزاغ.

روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/456) (20254) قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ حَنْظَلَةَ بن أبي سفيان، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا كَانَتْ تَقْتُلُ الأَوْزَاغَ».

وقال (20255): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ».

قلت: وهذه أسانيد صحيحة.

وروى عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/447) (8400) عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: «كَانَ لِعَائِشَةَ رُمْحٌ تَقْتُلُ بِهِ الْأَوْزَاغَ».

قلت: عاصم بن عبيدالله العدوي المدني ضعيف، لكن رواية حنظلة السابقة عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق تؤيده.

وروى الفاكهي في «أخبار مكة» (3/381) (2290) عن عَبْدالجَبَّارِ بن العَلَاءِ، عن بِشْر بن السَّرِيِّ، عن حَنْظَلَة بن أبي سفيان، قَالَ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَسُئِلَ عَنِ الْأَوْزَاغِ، أَتُقْتَلُ فِي الحَرَمِ؟ فَقَالَ: "رَأَيْتُ أُمَّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - تَأْمُرُ بِقَتْلِهِ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

قلت: وهذا إسناد جيد، وقد توبع بشر بن السري عليه كما سبق.

وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/457) (20261) عن عُبَيْداللهِ بن مُوسَى، عَنْ أبي العُميس، عَنْ أبيه، قَالَ: «كانت لعائشة قناة تقتل بها الوزغ».

قلت: هذا إسناد صحيح.

وأَبُو العميس هو: عتبَة بن عبدالله بن عتبَة عبدالله بن مَسْعُود، وهو ثِقَة. وأبوه ثقة.

وروى الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/100) (6973) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، قال: حدثَنَا مُطَهَّرُ بنُ الحَكَمِ المَرْوَزِيُّ، قال: حدثَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قال: حَدَّثَنِي مَطَرٌ الوَرَّاقُ، عَنْ أُمِّ السَّائِبِ، أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، وَمَعَهَا عُودٌ تَتْبَعُ الوَزَغَ فَتَقْتُلُهُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ مَا شَأْنُ هَذَا الْوَزَغِ؟ فَقَالَتْ: «لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ يَرُدُّ غَيْرَ هَذَا، فَأُمِرْنَا بِقَتْلِهِ».

قلت: تفرد به مطهر بن الحكم بهذا الإسناد! وهو مستور الحال، ولا أعرف لهم فيه جرحاً ولا تعديلاً!

والحسين بن واقد فيه كلام، ومطر الوراق ضعيف! وأم السائب هذه لا تعرف إلا في هذا الحديث، وإن صح الحديث إلى مطر فربما هي "سائبة" صاحبة الحديث السابق!

والإسناد غريب وضعيف على كلّ حال.

والخلاصة أنه لم يثبت عن عائشة أنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الأوزاغ، وإنما سماها «فويسقة»، وثبت أن عائشة كانت تقتلها؛ لأنها من الفواسق، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الفواسق في أحاديث أخرى، منها ما روته عائشة نفسها.

·       حديث أُمِّ شَرِيكٍ:

وجاء الأمر بقتل الوزغ من حديث أمّ شَريك - رضي الله عنها -.

رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/446) (8395).

وابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/454) (20251).

وأحمد في «مسنده» (45/593) (27619).

وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (5/104) (2210).

والحُمَيْدِيُّ في «مسنده» (1/344) (353).

والبخاري في «صحيحه» (4/128) (3307) عن صَدَقَة بن الفَضْلِ.

ومسلم في «صحيحه» (4/1757) (2237) عن عَمْرو النَّاقِد، وابن أَبِي عُمَرَ.

والنسائي في «السنن الكبرى» (4/104) (3854) عن مُحَمَّد بن عَبْدِاللهِ بنِ يَزِيدَ المقرئ المَكِّيّ.

وأَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ في «حديثه» (ص: 339) (319) عن عَلِيّ بن القَاسِمِ بنِ الفَضْلِ، عن الحَسَن بنِ عَرَفَةَ.

وأبو عوانة في «مستخرجه» (9898) عن أَبي مسلم الكَجِّي، عن إبراهيم بن بشّار.

والمَحاملي في «أماليه» - رواية ابن يحيى البيع - (ص: 137) (101) عن مُحَمَّد بن أَبِي عَوْنٍ.

كلهم (عبدالرزاق، وابن أبي شيبة، وأحمد، وابن راهويه، والحميدي، وصدقة، وعمرو، وابن أبي عمر، ومحمد المكي، والحسن بن عرفة، وإبراهيم، وابن أبي عون) عن سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. [ورواه مسلم في «صحيحه» (4/1757) (2237)، وابن ماجه في «سننه» (4/379) (3228)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (6/107) (3325) ثلاثتهم عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ. ورواه مسلم في «صحيحه» (4/1757) (2237) عن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيمَ ابن راهويه. ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (25/97) (250) من طريق عبدالرزاق].

ورواه أحمد في «مسنده» (45/359) (27365) عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ القطّان، ومحمد بن بَكْر البُرساني، وَرَوْح بن عُبادة.

ورواه عبدالله بن صالح كاتب الليث في «نسخته» (ص: 132) (1592) عن ابن وَهْبٍ.

ورواه ابن سعد في «الطبقات» (8/124) عن مُحَمَّد بنِ عُمَرَ الواقدي.

ورواه البخاري في «صحيحه» (4/141) (3359)، وعبد بن حُميد في «مسنده» [كما في المنتخب منه (2/399) [1557]، والبيهقي في «السنن الكبرى» (5/346) (10049) من طريق أَبي حَاتِمٍ الرَّازِيّ، و(9/531) (19367) من طريق عَلِيّ بن الحَسَنِ الهِلَالِيّ. وأبو عوانة في «مستخرجه» (9896) عن علي بن حرب، ويوسف بن مسلم، وعمار بن رجاء. كلهم (البخاري، وعبد بن حميد، وأبو حاتم، والهلالي، وعلي، ويوسف، وعمار) عن عُبَيْداللَّهِ بن مُوسَى الكوفي. [وقال البخاري: عن عُبَيْداللَّهِ بن مُوسَى، أَوْ ابن سَلاَمٍ عَنْهُ].

ورواه مسلم في «صحيحه» (4/1757) (2237) عن أَبي الطَّاهِرِ، عن ابن وَهْبٍ، وعن مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي خَلَفٍ، عن رَوْح بن عبادة، وعن عَبْد بن حُمَيْدٍ، عن مُحَمَّد بن بَكْرٍ.

والدارمي في «سننه» (2/1271) (2043) عن أَبي عَاصِمٍ.

وأبو عوانة في «مستخرجه» (9895) عن عمار بن رجاء وأبي يوسف الفارسي وأبي داود الحراني، جميعاً عن أبي عاصم الضَّحَّاك بن مَخْلَدٍ. و(9893) عن يونس بن عبدالأعلى، عن ابن وهب. و(9894) عن الصغاني، عن روح بن عبادة. و(9897) عن أَبي حميد عبدالله بن محمد بن أبي عمرو المصيصي، عن حجاج المصيصي.

والفاكهي في «أخبار مكة» (3/377) (2289) عن سَعِيد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ، عن عَبْدالمَجِيدِ بن أَبِي رَوَّادٍ.

والأزرقي في «أخبار مكة» (2/149) عن جَدِّه، عن مُسْلِم بن خالد الزَّنجيّ.

كلهم (يحيى القطان، والبُرساني، وروح، وابن وهب، والواقدي، وعبيدالله بن موسى، وأبو عاصم، وحجاج، وابن أبي روّاد، ومسلم بن خالد) عن ابنِ جُرَيْجٍ. [ورواه ابن حبان في «صحيحه» (12/451) (5634) عن عُمَر بن مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيّ، عن أَبي طَاهِرٍ ابن السرح، عن ابن وَهْبٍ].

كلاهما (ابن عُيينة، وابن جُريج) عَنْ عَبْدِالحَمِيدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ شَيْبَةَ، عَنِ ابنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ».

·       زيادة منكرة في الحديث، زادها عُبيدالله بن موسى: "كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ»!!

وزاد عُبَيْدُاللَّهِ بنُ مُوسَى في روايته كما عند البخاري، وعبد بن حُميد وغيرهما: "وقَالَ: كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ".

قال أبو عوانة في «مستخرجه»: "زاد عبيدالله بن موسى وحده: «وكانت تنفخ على إبراهيم». لم يزدها غيره، ولا هي عند مسلم". [وانظر «إتحاف المهرة» لابن حجر (23642)].

فالحديث رواه عن ابن جريج جماعة كبيرة لم يذكر أحد منهم هذه الزيادة!

ولا توجد في «الجزء المعروف لابن جُريج» (ص: 110) (46) قال: أَخْبَرَنِي عَبْدُالحَمِيدِ بنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، أَنَّ ابنَ المُسَيِّبِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ: «أَنَّهَا اسْتَأْمَرَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ الوِزْغَانِ فَأَمَرَهَا بِقَتْلِهَا». قَالَ: "وَأُمُّ شَرِيكٍ أَحَدُ نِسَاءِ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ".

وعُبيدالله بن موسى العبسيّ ثقة، فيه بعض الكلام، وله بعض التفردات والأخطاء!

قَالَ أَحْمَدُ - وسئل عن حديث رواه عبيدالله -: "لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ هَذَا غَلَطٌ مِنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ مُوسَى، لم يَكُنْ صَاحِبَ حَدِيثٍ". [المنتخب من العلل للخلاّل (ص: 223)].

وقَالَ الفضل بن زياد: وَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ قُلْتُ: يَجْرِي عِنْدَكَ ابْنُ فُضَيْلٍ مَجْرَى عُبَيْدِاللَّهِ بنِ مُوسَى؟ قَالَ: "لَا، كَانَ ابْنُ فُضَيْلٍ أَسْتَرَ، وَكَانَ عُبَيْدُاللَّهِ صَاحِبَ تَخْلِيطٍ، وَرَوَى أَحَادِيثَ سُوءٍ". [المعرفة والتاريخ (2/173)].

وقال عثمان بن سعيد: قال يحيى بن معين: "يحيى بن يمان أرجو أن يكون صدوقاً، وحديثه ليس بالقوي، وعُبيدالله بن موسى ثقة، ما أقربه من ابن يمان".

وقد حملوا على عبيدالله غلوه في التشيّع، ولهذا قال فيه الذهبي في «الميزان» (3/16): "ثقة في نفسه، لكنه شيعي مُحترق".

ولما ذكره العقيلي في جملة «الضعفاء» (3/127) ذكر حديثه عن ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ بِمَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ».

وقال: "ولَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ".

وله تفردات كثيرة ذكرها الدارقطني في «الغرائب والأفراد».

وهو هنا قد تفرد بزيادة: «وكانت تنفخ على إبراهيم»! لم يتابعه عليها أحد من أصحاب ابن جريج، ولا توجد في كتاب ابن جريج!

والعجب من البخاري - رحمه الله - كيف احتج بزيادته مع تفرده ومخالفته للجماعة، فأوردها في «كِتَاب أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ»، «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]"!!!

·       هل روى سعيد بن المسيّب الحديث مرسلاً؟!

روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/455) (20252) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيد، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ - يَعْنِي الوَزَغَ».

كذا جاء في طبعة محمد عوّامة!

وقال في الحاشية: "سعيد: هو ابن المسيب، فالحديث مرسل، ورجاله ثقات، وتقدم مراراً أن مراسيل سعيد من أصح المراسيل عندهم. وتقدم قبله من روايته عن أم شريك رضي الله عنها".

وكذا في طبعة سعيد اللحام / دار الفكر، (4/636): "عن سعيد"!

وكذلك في طبعة كمال يوسف الحوت / دار الرشد، (4/260) (19892): "عن سعيد"!

وأيضاً في طبعة سعد الشثري / دار كنوز إشبيليا، (11/217) (20252): "عن سعيد"، وعلق بقوله: "مرسل، سعيد تابعي"!

قلت: وهذا كله خطأ! والصواب: "عن سعد" - وهو: ابن أبي وقاص، تحرّف إلى "سعيد" فصار: "ابن المسيب"!!

ورواية ابن أبي شيبة هي أحد وجوه الاختلاف في حديث عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَرَ بِقِتْلِ الوَزَغِ».

قال الدارقطني في بيانه لهذا الاختلاف في «العلل» (4/340) (613): "وَاخْتُلِفَ عَنْ مَعْمَرٍ، فَرَوَاهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أبيه.

ورَوَاهُ عَبْدُالْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعْدٍ، لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا".

فـ «سعيد بن المسيب» لا دخل له في هذه الرواية.

وعلى رأي محققي «مصنف ابن أبي شيبة» يكون الزهري قد خالف عبدالحميد بن جبير في روايته!

فرواه الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيد بن المسيب، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلاً.

ورواه عَبْدُالحَمِيدِ بنُ جُبَيْرِ بنِ شَيْبَةَ، عن ابن المُسَيِّبِ، عن أُمَّ شَرِيكٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، متصلاً.

فربما يأتينا أحدهم ويُعلّ رواية عبدالحميد المتصلة برواية الزهري المرسلة! والله المستعان.

وهكذا يفعل بنا التحقيق التجاري لكتب السنة الذي يتسابق إليه كثير من الناس للاسترزاق به، أو لكسب الشهرة في هذا العلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

·       سقطٌ وتصحيفٌ عجيبٌ لأبي مُسلمٍ الكَشِّيّ!!

وقد روى الطبراني في «المعجم الكبير» (25/97) (251).

وابن النَّقُّوْرِ في «الفوائد الحسان» (ص: 78) (36) من طريق أَبي بَكْرٍ القَطيعيّ أَحْمَد بن جَعْفَرِ بنِ حِمْدَانَ بنِ مَالِكٍ.

كلاهما (الطبراني، والقطيعي) عن أَبي مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيم بن عَبْدِاللَّهِ بنِ مُسْلِمٍ الكَشِّيِّ، قال: حدثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَبْدِالحَمِيدِ بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيْبِ، عَنْ أُمِّ شُرَيْكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ».

وأشار شعيب الأرنؤوط ورفاقه في تعليقهم على «مسند أحمد» (45/360) لرواية الطبراني، وقالوا: "وعبدالحميد بن جعفر: قال الحافظ: ربما وهم".

قلت: سقط على أبي مسلم: "ابن جريج"! وتصحّف عليه "عبدالحميد بن جبير بن شيبة" إلى "عبدالحميد بن جعفر عن أبي إدريس"!!

تصحف "جبير" إلى "جعفر"! وتصحف "بن شيبة" إلى "أبي إدريس"!!

والحديث رواه الدارمي، وعمار بن رجاء، وأبو يوسف الفارسي، وأبو داود الحراني، جميعاً عن أبي عاصم الضَّحَّاك بن مَخْلَدٍ، عن ابن جُريج، عَنْ عَبْدِالحَمِيدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ شَيْبَةَ، عَنِ ابنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ».

فالخطأ في الحديث من أبي مسلم الكَجيّ (الكَشي)، وكان إماماً حافظاً ثقة، شيخ عصره، إلا أنه سَمِعَ مِنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْل فِي الحدَاثَة كما قال الذهبي في «السير» (13/423)، فكأنه تصّحف عليه في حداثته، والله أعلم.

والعجب من شعيب الأرنؤوط ومن معه كيف جعلوا "عبدالحميد بن جعفر" هنا هو: "عبدالحميد بن جعفر بن عَبداللَّه بن الحكم بن رافع بن سنان الأَنْصارِيّ، الأوسي"، وهو يروي عن أبي عاصم، لا العكس!

·       لا يصح حديث في أن الوَزغ كان ينفخ النار على إبراهيم عليه الصلاة والسلام!

وكلّ الروايات التي جاء فيها أن الوزغ كان ينفخ النار على إبراهيم لما وضعه قومه في النار لحرقه معلولة، ولا يصح منها شيء!

وهي منكرة! فما شأن الوزغ وإبراهيم عليه الصلاة والسلام؟ ولِمَ ينفخ النار عليه؟! وهل نفخه على صغر حجمه يحافظ على اشتعال النار؟! ثم أليس يُعاقب ذاك الوزغ الذي فعل ذلك لا الوزغ في الدنيا كلها!!

فهذا لفظ منكر، وهو يُشبه الإسرائيليات، وقد نسبه بعض المفسرين له، لكن لم أقف على إسناد لذلك، وهو مشهور عن قتادة والزهري مرسلاً، ومراسيلهما شبه الريح، لا يُحتج بها.

قال القرطبي في «تفسيره» (11/304): "وقالَ كَعْبٌ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ: وَلَمْ تَبْقَ يَوْمَئِذٍ دَابَّةٌ إِلَّا أَطْفَأَتْ عَنْهُ النَّارَ إِلَّا الوَزَغُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا وَسَمَّاهَا فُوَيْسِقَةٌ".

وقد بنى بعض أهل العلم على هذا الحديث أن ما كان يفعله الوزغ هو سبب الأمر بقتله!

فقد بوّب ابن حبان في «صحيحه» (12/447) على هذا الحديث: "ذِكْرُ العِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ".

وقال البيضاوي: "قوله: «كان ينفخ على إبراهيم» بيان لخبث هذا النوع وفساده، وأنه بلغ في ذلك مبلغاً استعمله الشيطان فحمله على أن ينفخ في النار التي ألقي فيها الخليل، وسعى في اشتعالها، وهو في الجملة من ذوات السموم المؤذية".

ورُوي أن الوزغ كان ينفخ النار أيضاً لما أحرق بيت المقدس!

رواه أبو عُبيد القاسم بن سلاّم في «غريب الحديث» (4/470) عن إِسْحَاق بن سليمان الرَّازِيّ.

والفاكهي في «أخبار مكة» (3/381) (2291) من طريق بِشْر بن السَّرِيِّ.

والبيهقي في «السنن الكبرى» (9/534) (19381) من طريق عَبْدالوَهَّابِ بن عَطَاءٍ.

ثلاثتهم عن حَنْظَلَة بن أَبِي سُفْيَانَ، عَنِ القَاسِمِ بنِ محَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَتِ الْأَوْزَاغُ يَوْمَ أُحْرِقَ بَيْتُ المَقْدِسِ جَعَلَتْ تَنْفُخُ النَّارَ بِأَفْوَاهِهَا، والوَطْوَاطُ تُطْفِئُهَا بِأَجْنِحَتِهَا».

قال البيهقي: "هذا مَوْقُوفَ، وإِسْنَادُه صَحِيحٌ".

وقال ابن حجر في «التلخيص» (4/379) بعد أن ذكر كلام البيهقي: "قُلْت: وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ بِغَيْرِ تَوْقِيفٍ، وَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ يَأْخُذُ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ".

قلت: كأن ابن حجر - رحمه الله - يرى أن هذا يُشبه ما يرويه أهل الكتاب، لكنه استبعد ذلك؛ لأن عائشة لم تكن تأخذ عن أهل الكتاب، وطالما أنه صحّ إليها فهو مما لا يُقال بالرأي؛ لأنه إخبار عن شيء قديم مضى لا تعرفه عائشة ولا العرب، فهو في حكم المرفوع الذي لا بدّ أن يكون قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم.

والذي أراه أنه منكر! وهو يُشبه الإسرائيليات، ولا أجزم بأن عائشة حدثت به، وإن كان الإسناد ظاهره الصحة.

وهو لا يُعرف عن عائشة، ولا عن القاسم إلا من رواية حنظلة! وحنظلة متفق على ثقته، لكن تفرده به عن القاسم فيه نظر! ولو كانت عائشة حدثت به، فلم تقفه؟!

وحنظلة خرّج له البخاري ومسلم حديثين اتفقا عليهما أحدهما في غُسل الجنابة، والآخر في الصلاة، ولم يتكلم فيه أحد، وذكره ابن عدي في «الضعفاء» (4/145) لكنه لم يذكر ما يدلّ على ضعف فيه!

ولهذا قال الذهبي في «السير» (6/337): "وَقَدْ تَنَاكَدَ ابنُ عَدِيٍّ فِي ذِكْرِهِ لَهُ فِي «الكَامِلِ»، فَمَا أَبدَى شَيْئاً يَتعلَّقُ بِهِ عَلَيْهِ مُتَعنِّتٌ أَصلاً".

وقال في «الميزان» (1/620): "ذكره ابن عدي وإلا لما كنت أذكره". ثم قال: "ثم ساق له ابن عدي حديثاً منكراً، ولعله وقع الخلل فيه من الرواة إليه، فقال: حدثنا أحمد بن عبدالله بن سابور، وما كتبته إلا عنه، حدثنا الفضل بن الصباح، حدثنا إسحاق الرازي، عن حنظلة، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اغسلوا قتلاكم». رواته ثقات ونكارته بيّنة".

وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (3/61): "وذكره ابن عدي في «الكامل» وأورد له حديثاً استنكره، لعل العلة فيه من غيره".

وقد ذكر ابن عدي في ترجمته ما رواه يعقوب بن شيبة، قال: سمعت علياً، وقيل له: كيف رواية حنظلة عن سالم؟ فقال علي: "رواية حنظلة عن سالم وادٍ، ورواية موسى بن عقبة وادٍ آخر، وأحاديث الزُّهْري عن سالم كأنها أحاديث نافع"، فقال رجل لعلي، وأنا أسمعُ: هذا يدل على أن حديث سالم حديث كثير؟ قال: "أجل".

فكأن ابن عدي فهم من هذا تضعيف ابن المديني لحنظلة، ولذا ذكره في الضعفاء!

وقد رد ذلك الذهبي، فقال في «الميزان»: "وهذا القول من ابن المديني لا يدل على غمز في حنظلة بوجه، بل هو دال على جلالته، وأنه نظير موسى، وابن شهاب في حديثه عن سالم، فحنظلة إذاً ثقة بإجماع".

ثم نقل ابن عدي توثيق الأئمة لحنظلة، وأورد له بعض الأحاديث التي بيّن هو علتها وأن العهدة فيها ليست على حنظلة، ثم ختم ترجمته بقوله: "عامة ما يروي حنظلة مستقيم، ولحنظلة أحاديث صالحة، وإذا حدّث عنه ثقة فهو مستقيم الحديث".

قلت: هو ثقة متفق عليه، لكن هذه الرواية الموقوفة تفرد بها عن القاسم عن عائشة، وهي منكرة تشبه الإسرائيليات!

وقد رُوي ما يُشبه ذلك فيما يتعلق بالخفاش عن عبدالله بن عمرو بن العاص، وكان يُحدّث من كتب أهل الكتاب.

فقد روى البيهقي في «السنن الكبرى» (9/534) (19382) من طريق عَبْدالوَهَّابِ بن عطاء الخفّاف، عن هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «لَا تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ، وَلَا تَقْتُلُوا الخُفَّاشَ فَإِنَّهُ لَمَّا خَرِبَ بَيْتُ المَقْدِسِ قَالَ: يَا رَبِّ سَلِّطْنِي عَلَى البَحْرِ حَتَّى أُغْرِقَهُمْ».

قال البيهقي: "هذا مَوْقُوف، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ".

وقال ابن حجر معلقاً على كلام البيهقي: "فَهُوَ وإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ صَحِيحًا، لَكِنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَأْخُذُ عَنْ الْإِسْرَائِيلِيَّات".

قلت: هو يُشبه الإسرائيليات، وهو منكر! والله أعلم.

·       الاختلاف على هشام الدستوائي!

الأثر رواه عَبْدالوَهَّابِ بن عطاء الخفّاف، عن هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرٍو.

ورَوَاهُ يَحْيَى القطَّان، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتادة، عَنْ زُرارَة، عن عبدالله بن عمرو.

وخالفهما مُعاذ بن هِشَامٍ، فرواه عَنْ أَبِيهِ هشام، عَنْ قَتادة، عَنْ زُرارَة، عن أبي الحَكَم عبدالرحمن بن أَبِي نُعْمٍ، عن عبدالله بن عَمْرٍو، قَالَ: «لَا تَقْتُلُوا الضُّفْدَعَ؛ فَإِنَّ صَوْتَهَا الَّذِي تَسْمَعُونَ تَسْبِيحٌ، وَتَقْدِيسٌ». [علل ابن أبي حاتم (6/265)].

زاد فيه رجلاً: «ابن أبي نُعم».

ورواه مُعتمر بن سليمان التَّيْمِيِّ، عَنْ سَعِيد بن أبي عَروبة، عَنْ قَتَادَةَ، عن زُرَارَة، عَنِ أبي الحكم عبدالرحمن ابنِ أَبِي نُعْمٍ البجليّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عمرو. [«مصنف عَبْدالرَّزَّاقِ» (4/541) (8418)].

وَرَوَاهُ شُعبة، عَنْ قَتادة، عَنْ زُرارَة، عن ابن أبي نُعْمٍ، عن عبدالله بن عمرو. [ابن أبي شيبة في «المصنف» (12/150) (24178) عن يَزِيد بن هَارُونَ، عن شُعْبَة].

وقد رجّح أبو زُرعة الرازي حديث من زاد ابن أبي نعم فيه، فقال - كما نقل ابن أبي حاتم في «العلل» (6/265)-: "حَدِيث شُعبة أصحُّ، وَأَبُو الحَكَم: هو عبدالرحمن بن أَبِي نُعْمٍ".

·       تنبيه!

جاء الحديث في مطبوع «مصنف عبدالرزاق» (8418) بتحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي: "عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ"!

فنقله صاحب كتاب «أنيس الساري» (11/1175) فقال: "قلت: واختلف فيه على قتادة، فرواه سعيد بن أبي عَروبة عن قتادة قال: سمعت زرارة يحدث عن ابن أبي نُعْم، عن ابن عمر، قال: لا تقتلوا الضفادع...".

وكذا فعل محققو «علل ابن أبي حاتم» بإشراف سعد الحميد (6/265)، فقالوا: "وأخرجها عبدالرزاق في "المصنف (8418) من طريق سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنِ ابْنِ أبي نعم، عن عبدالله بن عمر، موقوفًا. هكذا جاء: ابن عمر بدل: ابن عمرو".

وكذا وقع في طبعة دار التأصيل للمصنف (4/212) (8579)!

والصواب: عبدالله بن عَمرو، لا ابن عمر! سقطت الواو منه فصار "ابن عمر"! وكان الأولى بالمحققين تصحيحه؛ لأن الحديث حديث عبدالله بن عمرو بن العاص.

·       ثبوت أمره صلى الله عليه وسلم بقتل الأوزاغ.

فقد ثبت أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ في حديث أمّ شريك، ولم يثبت أنه أمر بقتله لأنه كان ينفخ النار على إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، والظاهر أنه أمر بقتله لأنه من الفواسق كما سمّاه في حديث عائشة، ولهذا بوّب ابن حبان في «صحيحه» على (2/247): "ذِكْرُ الأَمْرِ بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ إِذْ هُنَّ مِنَ الفَوَاسِقِ". وكانت عائشة تقتل الوزغ لأنها سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم تسميته بالفويسق، ولم تسمعه يأمر بذلك.

قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (15/187): "ولَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: «لَمْ أَسْمَعِ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ» بِشَهَادَةٍن وَالقَوْلُ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الوَزَغَ لَيْسَ بِصَيْدٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا أُبِيحُ أَكْلُهُ".

ثم قال: "والْآثَارُ فِي قَتْلِ الوَزَغِ كَثِيرَةٌ جِدًّا".

وكأن هناك من أهل العلم من كره قتل الوزغ! فقد بوّب ابن حبان في «صحيحه» (12/451): "ذِكْرُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ كَرِهَ قَتْلَهَا"، وساق حديث أم شريك.

قال ابن المُلقّن في «البدر المنير» (9/385): "ورَأَيْت فِي «صَحِيح ابن حبَان» تَرْجَمَة تدل عَلَى أَن بعض العلمَاء كره قَتلهَا، يُقَال ذكر الْأَمر بقتل الأوزاغ ضد قَول من كره قَتلهَا ثمَّ ذكر حَدِيث أم شريك السالف".

وقد ذهب ابن شاهين إلى أن الأمر بقتل الوزغ نسخ عدم الأمر بقتله، فإنه ذكر في «ناسخ الحديث ومنسوخه» (ص: 479) حديث عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَمَّى الْوَزَغَ فَاسِقًا، وَلَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِ»، ثم ذكر حديث سعد بن أبي وقاص - وسيأتي الكلام عليه - وحديث أُمِّ شَرِيكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ» = يعني أن حديث أم شريك نسخ قول عائشة أنها لم تسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الوزغ.

وإيراد ابن شاهين لهذه الأحاديث في الناسخ والمنسوخ فيه نظر! والله أعلم.

·       حديث سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ:

ورواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/445) (8390) قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الوَزَغِ، وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا».

رواه أحمد في «مسنده» (3/108) (1523). [رواه أبو داود في «سننه» (7/537) (5262) عن أحمد].

ورواه عبد بن حميد في «مسنده» [كما في «المنتخب» منه (1/161) (141)]. [رواه مسلم في «صحيحه» (4/1758) (2238) عن عبد بن حُمَيْدٍ].

ورواه البزار في «مسنده» (3/295) (1086) عن الحُسَيْنِ بن مَهْدِيٍّ.

ورواه مسلم في «صحيحه» (4/1758) (2238) عن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيمَ ابن راهويه.

ورواه ابن عبدالبر في «التمهيد» (15/187) من طريق أَبي مُصْعَبٍ أَحْمَد بنِ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيّ.

كلهم (أحمد، وعبد بن حُميد، والحسين بن مهدي، وابن راهويه، وأبو مصعب الزهري) عن عَبْدالرَّزَّاقِ، به.

·       وهم عبدالرزاق في هذه الرواية! والصواب الإرسال.

كذا تفرد به عبدالرزاق عن معمر، بهذا الإسناد. وخالفه فيه عبدالأعلى بن عبدالأعلى السّاميّ، فلم يذكر «عامر بن سعد»!

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/455) (20252) عن عَبْدالأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعد، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ - يَعْنِي الوَزَغَ».

ورواية عبدالأعلى أصح من رواية عبدالرزاق، وهو المحفوظ من حديث الزهري.

رواه مالك في «الموطأ» - رواية محمد بن الحسن الشيباني - (ص: 147) (430) عن ابن شِهَابٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، كَانَ يَقُولُ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ».

ورواه أبو طاهر المُخلّص في «المخلصيات» (1/389) (46) عن يحيى بن محمد بن صاعد، عن بحر بن نصرٍ: عن ابن وهبٍ، عن مالك ويونس، عن ابنِ شهابٍ، عن سعدِ بنِ أبي وقاصٍ: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَر بقتلِ الوَزَغِ».

قال: "لم يذكُرْ بينَ الزُّهريِّ وسعدٍ أحداً".

وقال البزار بعد أن روى حديث عبدالرزاق: "وهَذَا الحَدِيثُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا عَنْ عَامِرٍ عَنْهُ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، إِلَّا الزُّهْرِيُّ، وَلَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، إِلَّا مَعْمَرٌ، وَلَا عَنْ مَعْمَرٍ، إِلَّا عَبْدُالرَّزَّاقِ، إِلَّا حَدِيثًا أَخْطَأَ فِيهِ يَحْيَى بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَهُوَ ضَعِيفُ الحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ سَعْدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ يَحْيَى بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ".

وسئل الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل» (4/340) (613) فقال: "يُحَدِّثُ بِهِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَهُ خَالِدٌ الوَاسِطِيُّ عَنْهُ.

وخَالَفَهُ إِبْرَاهِيمُ بنُ طَهْمَانَ، فَرَوَاهُ عَنْهُ، عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

وَاخْتُلِفَ عَنْ مَعْمَرٍ، فَرَوَاهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أبيه.

وَرَوَاهُ عَبْدُالْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعْدٍ، لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا.

وكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ، وَمَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعْدٍ. وهُوَ الصَّحِيحُ.

وحَدَّثَ بِهِ البَاغَنْدِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ. وَوَهِمَ فِيهِ.

وَرَوَاهُ يَحْيَى بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ سَعْدٍ، وَوَهِمَ فِيهِ أَيْضًا، وَالصَّوَابُ المُرْسَلُ.

وَرَوَاهُ عُمَرُ بنُ حَبِيبٍ الْقَاضِي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عَائِشَةَ، عَنْ سَعْدٍ. وَلَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ".

قلت: رجّح الدارقطني الإرسال = أي ليس فيه «عامر بن سعد»، وهو الصواب.

وقال الدارقطني في «الإلزامات والتتبع» (ص: 192) (62): "وأخرج مسلم حديث معمر، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن سعد: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سمّى الوزغ فويسقاً».

خالفه مالك ويونس وعقيل، رووه عن الزهري، عن سعد، مرسلاً.

ورواه عباد بن إسحاق، عن عمر بن سعيد، عن الزهري مثل معمر".

وقال العيني في «عمدة القاري» (10/185): "وقَالَ أَبُو الحسن الباغندي فِي «علله»: أَنه وهم، والصَّوَاب أَنه مُرْسل، وروى مَالك عَن ابن شهَاب عَن سعد بن أبي وَقاص أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتْله، وَفِيه انْقِطَاع بَين الزُّهْرِيّ وَسعد، وَقَالَ ابن المَوَّاز عَن مَالك، قَالَ: سَمِعت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الوزغ، وَعَن أم شريك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتلها".

·       أوهام لبعض الرواة في هذا الحديث!

ورجّح العقيلي أيضاً الإرسال.

فقد ذكر في ترجمة «يَحْيَى بن أَبِي أُنَيْسَةَ الجَزَرِيّ» - وهو ليس بشيء - (4/392) من «الضعفاء» حديثه عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِلْوَزَغِ: «فُوَيْسِقٌ»، وَلَمْ أَسْمَعْهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَسَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ».

ثم ساق رواية إِسْحَاق بن مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ، عن مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، كَانَ يَذْكُرُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الأوزاغ».

ثم قال: "وهَذَا أَوْلَى". = يعني ترجيح الرواية المرسلة.

وفي طبعة دار التأصيل لضعفاء العقيلي (4/233) زيادة: "وقال عبيدالله بن عُمر، عن ابن شهاب: وبلغني أنّ سعد بن أبي وقاص كان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتله".

يعني هذه متابعة لمالك من عبيدالله بن عمر العُمري في أنه مرسل.

وروى ابن المُظفر في «غرائب مالك» (ص: 61) (21) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ، قال: حدثنا عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حدثنا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَزَيْدُ بنُ الْحُبَابِ، قَالَا: حدثنا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قال: حَدَّثَنِي عَامِرُ بنُ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ».

قَالَ ابن المظفر: "فِي «المُوَطَّأِ»: مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعْدٍ".

قلت: بيّن ابن المظفر أن الصواب فيه: عن مالك، عن الزهري، عن سعد، مرسلاً. وقد أخطأ من ذكر فيه: «عامر بن سعد»!

وقد سبق كلام الدارقطني: "وحَدَّثَ بِهِ البَاغَنْدِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ. وَوَهِمَ فِيهِ".

فجعل الدارقطني الوهم من الباغندي وهو: محمد بن محمد بن سليمان.

وأستبعد أن يكون الوهم من الباغندي! وهو إنما ذكره في «علله» كما نقله العيني فيما سبق، وبيّن أَن الصَّوَاب هو المُرْسل، وأن مَالكاً رواه عَن ابن شهَاب عَن سعد بن أبي وَقاص، ثم قال: "وَفِيه انْقِطَاع بَين الزُّهْرِيّ وَسعد".

فهو يُبيّن علة الحديث فذكر رواية عثمان بن أبي شيبة لبيان وهم عثمان فيها! وليس هو من وهم فيها كما قال الدارقطني، وعثمان ثقة، لكنه وهم في هذه الرواية، والله أعلم.

وروى أبو بكر الإسماعيلي في «معجم شيوخه» (3/785) (394) قال: حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ حَاتِمِ بنِ مُسَبِّحٍ العُكْلِيُّ - بِالبَصْرَةِ -، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالْأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، قال: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى الوَزَغَ فُوَيْسِقَةً، وَأَمَرَ بِقَتْلِهَا».

قلت: تفرد به مُسَبِّح بن حاتم! والمحفوظ: عن مالك، عن الزهري، عن سعد بن أبي وقاص، مرسلاً. ولا مدخل لسعيد بن المسيب فيه!

ومُسبِّح هذا أخباريّ مُقرئ مستور الحال.

قال الدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (4/2098): "مُسَبِّح بن حاتم العكلي: بَصْريّ أخباري. حَدَّثَنا عنه جَمَاعة من شُيُوخِنا".

وكذا قال ابن ماكولا في «الإكمال»: (7/190): "مسبح بن حاتم العكلي: بصري أخباري".

وذكره الذهبي في «تاريخه» (6/1056) (523) في طبقة من توفوا ما بين سنة (291 - 300 هـ)، وقال: "بصري أخباري. رَوَى عَنْهُ: أبو الشيخ. مات سنة ثمان وتسعين" - يعني ومائتين.

وذكره ابن ناصر الدين في «توضيح المشتبه» (8/156) وقال: "حدّث عَنهُ: أَبُو الشَّيْخ ابن حَيَّان".

قلت: الظاهر أنه لم يكن متمرساً في الحديث وضبطه، وإنما يعنى بالأخبار، ويبدو لي أنه وقع له خطأ في إسناد الحديث ربما عند كتابته له.

فالحديث يرويه مَالِك، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فربما تكرر اسم «سعد» لما كتب الحديث، ثم تصحف عليه إلى «سعيد» فنسبه: «سعيد بن المسيب»، والله أعلم.

وعلى العموم، فهو لا يُحتج بما انفرد به، والمحفوظ من حديث مالك خلافه، وهذا يكفي في ردّ روايته.

وقد روى الدورقي في «مسند سعد بن أبي وقاص» (ص: 45) (15) عن وَهْب بن بَقِيَّةَ، عن خَالِد الواسطي، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ.

وقد بيّن الدارقطني فيما سبق نقله وهم عبدالرحمن فيه!

وسبق أيضاً ذكر روايته عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتُلُوا الفُوَيْسِقَ» - يَعْنِي الوَزَغَ، ووهمه في تلك الرواية أيضاً، وهو سيء الحفظ.

والخلاصة أن حديث سعد بن أبي وقاص محفوظ من رواية الزهري عنه مرسلاً. ولهذا لما كان الزهري يروي أحياناً حديث عائشة = يرويه عن عروة عنها، يقول: «وَزَعَمَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ». وهذا في رواية سَعِيد بن عُفَيْرٍ عند البخاري، وهو من قول الزهري كما حرّره الحافظ ابن حجر، وسبق بيانه.

·       حديث أبي هريرة في أجر من قتل الوزغ!

وقد جاء في بعض الأحاديث أن من قتل الوزغ فله أجر على ذلك.

رواه أحمد في «مسنده» (14/296) (8659) عن حَسَن بن موسى الأشيب. وأبو عوانة في «مستخرجه» (9903) عن أبي أمية، عن أبي نعيم. كلاهما (حسن، وأبو نعيم) عن زُهَيْر بن معاوية.

والبزار في «مسنده» (16/51) (9092) عن إسحاق بن يوسف. ومسلمٌ في «صحيحه» (4/1758) (2240) عن يَحْيَى بن يَحْيَى. كلاهما (إسحاق، ويحيى) عن خَالِد بن عَبْدِاللهِ الواسطي.

ورواه مسلم أيضاً (2240) عن قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ. وأبو عوانة في «مستخرجه» (9902) عن أبي علي الزعفراني، عن عفّان. كلاهما (قتيبة، وعفان) عن أَبي عَوَانَةَ الوضّاح اليشكري.

ورواه مسلم (2240) عن زُهَيْر بن حَرْبٍ. وابن عدي في «الكامل» (6/46) (8879) عن الحسين بن عَبدالله القطان، عن مُحمد بن قدامة بن أعين. كلاهما (زهير، وابن أعين) عن جَرِير بن عبدالحميد.

ورواه مسلم في «صحيحه» (2240)، وأبو داود في «سننه» (7/537) (5263). وأبو عوانة في «مستخرجه» (9904) عن أبي علي الزعفراني. ثلاثتهم (مسلم، وأبو داود، والزعفراني) عن مُحَمَّد بن الصَّبَّاحِ البزَّاز، عن إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّاء.

ورواه مسلم في «صحيحه» (2240)، والترمذي في «جامعه» (3/128) (1482) عن أَبي كُرَيْبٍ، عن وَكِيع. وأبو الحسنِ عليِّ بنِ أحمدَ بنِ عمرَ بنِ حفصٍ الحَمَّاميِّ المُقرئِ في «حديثه» (33) من طريق عليّ بن الحسينِ بنِ بشيرٍ الدِّهقانُ، عن عمرو بن عبدِاللهِ، عن أَبيه. كلاهما (عبدالله، ووكيع) عَنْ سُفْيَانَ الثوريّ.

ورواه ابن ماجه في «سننه» (4/379) (3229) عن مُحَمَّد بن عَبْدِالمَلِكِ بنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، عن عَبْدالعَزِيزِ بن المُخْتَارِ.

كلهم (زهير، وخالد، وأبو عوانة، وجرير، وإسماعيل، والثوري، وعبدالعزيز بن المختار) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، لِدُونِ الْأُولَى، وَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، لِدُونِ الثَّانِيَةِ».

وفي رواية زهير: "قَالَ سُهَيْلٌ: الْأُولَى أَكْثَرُ".

·       تعقب على الإمام مسلم!

قال مسلم: "في حديث جَرِير وَحْدَهُ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ، وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ»".

قلت: في رواية مُحمد بن قدامة بن أعين عن جرير عند ابن عدي مثل بقية الروايات بلفظ: «من قتل وزغاً في أول ضربة كان له كذا وكذا من حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك».

فالأصح أن يُقال: في رواية زهير بن حرب عن جرير وحده، فلفظ «مائة حسنة» في رواية زهير فقط عن جرير.

·       الحكم على الحديث:

وهذا الحديث تفرد به سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة!

قال البزار: "وهَذَا الحديثُ لاَ نَعْلَمْهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هريرة - رضي الله عنه - إلا من حديث سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة".

وقال الترمذي: "وفِي البَابِ عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ، وسَعْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ شَرِيكٍ"، وقال: "حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

قلت: بوّب الترمذي على هذا الحديث: «بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الوَزَغِ» والحديث فيه الأجر على قتله، ولهذا قال في الباب عمن ذكرهم، لكن كان الأنسب أن يوضع هذا في باب خاص في الأجر على قتل الوزغ لئلا يظن ظان أن الأحاديث التي في الباب هي أيضاً في الأجر! فالذي في أجر قتله تفرد به سهيل بن أبي صالح بهذا الإسناد.

والأمر بقتل الوزغ لم يصح مُسنداً إلا من حديث أم شريك، وأما حديث عائشة فصح من قولها، وحديث سعد مرسل، وحديث ابن مسعود يتعلق بالأجر لكنه لا يصح.

وسهيل بن أبي صالح صدوق أصابه مرض حزناً على موت أخ له، فنسي بعض حديثه، واختلط عليه، ولا يقبل ما يتفرد به إلا بقرينة تدلّ على أنه حفظ الحديث كما حررته في غير موضع من الكلام على أحاديثه، ومنها: «المَورد العذب الرائق» في حديث «الأَعماق ودابِق».

وهذا الحديث من تفرداته عن أبيه! ولا يعرف عن أبيه إلا من طريقه، ولم يروه أحد من أصحاب أبي هريرة! فأين هم من هذا الحديث؟!

وقد أورد ابن عدي هذا الحديث في «ترجمته» من «الكامل»، وتبعه على ذلك الذهبي في «الميزان» (2/243)، وهما يوردان في ترجمة الراوي ما استنكر من حديثه.

وعدّه الذهبي في «السير» (5/459) مِنْ غَرَائِبِ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ!

فالحديث من منكرات سهيل بن أبي صالح التي تفرد بها عن أبيه عن أبي هريرة!

·       هل حديث الثوري غريب؟

قال أبو الفتحِ ابنِ أبي الفوارسِ في تخريجه لحديث الحَمَّاميِّ المُقرئِ: "غريبٌ مِن حديثِ الثوريِّ، وهذه نُسخةٌ عن الثوريِّ غريبةٌ".

يقصد نسخة أبي الحسنِ عليّ بن الحسينِ بنِ بشيرٍ الدِّهقان، عن عمرو بن عبدِاللهِ، عن أَبيه، عن سفيانَ الثوري.

وهي نسخة غريبة كما قال! وعلي بن الحسين كوفي حدث عنه بعض الأئمة، ولم يترجم له أحد! وعمرو بن عبدالله وأبوه مجهولان!

وقد تقدم أن مسلماً والترمذي روياه عن أَبي كُرَيْبٍ، عن وَكِيع، عن سفيان!

ونقل أبو موسى المديني في كتابه «اللطائف من علوم المعارف» (ص: 804) قول الطَّبَرَانِيّ في هذا الحديث: "لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ إِلا وَكِيعٌ"!

فهو أيضاً غريب من حديث! تفرد به عن وكيع: أبو كُريبٍ، وهو: محمد بن العلاء الكوفي، وهو ثقة حافظ، وله بعض التفردات.

فكلا الإسنادين عن سفيان فيهما غرابة!

ومن الأحاديث الغريبة التي أشار إليها ابن أبي الفوارس أيضاً من تلك النسخة الغريبة عن سفيان ما رواه الحمامي أيضاً في «حديثه عن شيوخه» (34) عن أبي القاسمِ الحسن بن أَحمدَ بنِ جعفرِ بنِ حطيطٍ، عن أبي الحسنِ عليّ بن الحسينِ بنِ بشيرٍ الدِّهقان، عن عمرو بن عبدِاللهِ، قال: حدثنا أَبي، عن سفيانَ، عن سهيلِ بنِ أبي صالحٍ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ: «مَن اشتَرَى شاةً مُصَرَّاةً ولم يَتَبينْ فالمُشتري بالخِيارِ ثلاثةَ أيامٍ، إنْ شاءَ ردَّها، وصاعاً مِن تمرٍ».

قال ابن أبي الفوارس: "غريبٌ مِن حديثِ الثوريِّ، وهو محفوظٌ بهذا الإسنادِ".

قلت: رواه مسلم في «صحيحه» (3/1158) (1524) عن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ، عن يَعْقُوب بن عَبْدِالرَّحْمَنِ القَارِيَّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ».

وهذه الطريق أيضاً فيها غرابة!

والحديث محفوظ من حديث الأعرج، وابن سيرين، ووهب بن مُنبّه، ومحمد بن زياد، كلهم عن أبي هريرة، بنحوه.

وقد بوّب البخاري في «صحيحه»: "بَاب النَّهْي للْبَائِع أَن لَا يحفل الْإِبِل وَالْغنم وَالْبَقر"، وقال عقب حَدِيث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تصروا الْإِبِل... الحَدِيث»، وَفِيه: «وَإِن شَاءَ ردهَا وَصَاع تمر»: "وَيذكر عَن أبي صَالح، وَمُجاهد، والوليد بن رَبَاح، ومُوسَى بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «صَاع تمر»، وَقَالَ بَعضهم عَن ابْن سِيرِين: «صَاعا من طَعَام، وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا»، وَقَالَ بَعضهم عَن ابْن سِيرِين: «صَاعا من تمر»، وَلم يذكر «ثَلَاثًا»، وَالتَّمْر أَكثر".

فكأن البخاري - رحمه الله - يُضعّف الروايات عن أبي صالح، ومجاهد، والوليد بن رباح، وموسى بن يسار! وقد وصل هذه الروايات الحافظ ابن حجر في «تغليق التعليق» (3/247) وتكلّم على ضعف بعضها، وكلها عندي ضعيفة، ولم يتعرض ابن حجر للاختلاف في رواية موسى بن يسار في الاختلاف على من روى عنه الحديث، وهو: داود بن قيس! فقد رُوي عنه مرفوعاً وموقوفاً، وكأن البخاري يُرجح الوقف، والله أعلم.

·       رواية أخرى لإِسْمَاعِيل بنِ زَكَرِيَّا الخُلْقَانِيّ!

ورواه مسلمٌ أيضاً في «صحيحه»، وأبو داود في «سننه» (7/537) (5264)، وأبو عوانة في «مستخرجه» (9905) عن أبي علي الزعفراني وأبي إسماعيل الترمذي. أربعتهم (مسلم، وأبو داود، والزعفراني، وأبو إسماعيل) عن مُحَمَّد بن الصَّبَّاحِ البزّاز، عن إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّاءَ، عَنْ سُهَيْلٍ، حَدَّثَتْنِي أُخْتِي أو أَخي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حَسَنَةً».

وفي رواية مسلم: "حدَّثتني أُختي عن أبي هريرة". ولم يذكر "أخي".

وهذه الرواية أخرّها مسلم عن الرواية السابقة، وقد حصل اختلاف في نسخ كتاب مسلم في إسنادها!

قال أبو موسى المديني في كتابه «اللطائف من علوم المعارف» (ص: 805): "وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي «الصَّحِيحِ» عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ سُهَيْلٍ، قَالَ: وحَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ أَبِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «فِي أَوَّل ضَرْبَةٍ سَبْعُونَ حَسَنَةً».

ورَوَاهُ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَقَالَ: قَالَ سُهَيْلٌ: وَحَدَّثَنِي أَخِي، أَوْ أَبي بِالشَّكِّ".

وقال أبو عليّ الغسّاني في «تقييد المهمل وتمييز المشكل» (3/907): "حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل وزغةً في أول ضربةٍ فله كذا وكذا».

ثم عقب بعد ذلك بقوله: حدثنا محمد بن الصباح، قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن سهيل، قال: حدثني أخي، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في أول ضربةٍ سبعين حسنة».

هكذا رُوي في هذا الإسناد، عن أبي أحمد الجلودي: سهيل: حدثني أخي، عن أبي هريرة.

وفي نسخة أبي العباس الرازي، عن أبي أحمد: حدثتني أختي، وكذلك في نسخةٍ عن الكسائي.

وذكر هذا الحديث أبو داود في كتاب «السنن» بهذا الإسناد؛ فقال: حدثني أخي أو أختي.

وفي نسخة أبي العلاء في هذا الإسناد: سهيل، حدثني أبي، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خطأ.

قال أبو محمد عبدالغني: إسماعيل بن زكريا يقول في هذا الإسناد: حدثني أخي".

قال أبو علي الغساني: "ولكن وقع في أصل أبي العلاء: حدثني أبي. وفي كتاب «الأطراف» لأبي مسعود: قال سهيل: وحدثني أخي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم".

ونقل المازري صاحب «المعلم بفوائد مسلم» (3/192) هذا كله بحروفه دون نسبته للغسّاني، ونقله القاضي عياض في «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (7/174) عن المازري.

وقال النووي في «شرحه على مسلم» (14/238): "كَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ: «أُخْتِي»، وَفِي بَعْضِهَا: «أَخِي» بِالتَّذْكِيرِ، وَفِي بَعْضِهَا: «أَبِي»، وَذَكَرَ القَاضِي الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ، قَالُوا: وَرِوَايَةُ أَبِي خَطَأٌ، وَهِيَ الوَاقِعَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي العَلَاءِ بْنِ بَاهَانَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي داود: «أخي أو أختي». قَالَ القَاضِي: أُخْتُ سُهَيْلٍ: سَوْدَةُ، وَأَخَوَاهُ: هِشَامٌ وَعَبَّادٌ".

وقال المزي في «تحفة الأشراف» (9/395): "وقال في آخره: عن سهيل: حدثني أخي أو أختي، عن أبي هريرة... فذكره. وفي رواية أبي الحسن بن العبد: قال: حدثني أبي أو أخي، عن أبي هريرة".

قلت: أيّاً كان الصحيح من هذه الرواية: «أخي أو أختي» فهي رواية منكرة! فقد تفرد بها إسماعيل بن زكريا الخُلقاني! ولم يُتابعه عليها أحد!

وقد روى الحديث على الصواب كغيره ممن رواه عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، ثم تفرد بهذا الإسناد، وقال في المتن: «سبعون»!!

وهو ليس بالقوي، ولا يُحتج بما انفرد به!

قال ابن معين: "ثقة"، وقال فيه مرة: "لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ"، وقال مرة: "صالح"، فقيل لَهُ: فحجة هُوَ؟ قَالَ: "الحجَّة شَيْء آخر". وقال مرة: "ضعيف الحديث".

فالظاهر أن رأيه استقر على تضعيفه، فكان عنده ثقة، ثم نزل به لمرتبة الصدوق، ثم التضعيف.

وقال عَبْدُالمَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ المَيْمُونِيُّ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ: إِسْمَاعِيلُ بنُ زَكَرِيَّا كَيْفَ هُوَ؟ فَقَالَ لِي: "أَمَّا الْأَحَادِيثُ المَشْهُورَةُ الَّتِي يَرْوِيهَا فَهُوَ فِيهَا مُقَارِبُ الحَدِيثِ، صالح، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ يَنْشَرِحُ الصَّدْرُ لَهُ، هُوَ شَيْخٌ لَيْسَ يُعْرَفُ هَكَذَا" - يُرِيدُ بِالطَّلَبِ. = هُوَ شَيْخٌ لَيْسَ يُعْرَفُ بِالطَّلَبِ.

وقال عَبْدُاللَّهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "إِسْمَاعِيلُ بنُ زَكَرِيَّا الخُلْقَانِيُّ حَدِيثُهُ حَدِيثٌ مُقَارِبٌ".

وقال أَبو داود: قلت لأحمد بن حنبل: إِسماعيل بن زكريا؟ قال: "هو أَبو زياد كان هاهنا، ما كان به بأس".

وقال الفضل بن زياد: سأَلتُ أَبا عبدالله أَحمد بن حَنبل، عن أبي شهاب، وإِسماعيل بن زكريا، فقال: "كلاهما ثقة".

وقال أبو داود: "كان ثقة".

وقال أبو حاتم: "صالح".

وقَال النَّسَائي: "أرجو أن لا يكون به بأس".

وقال مرة: "ليس بالقوي".

وقال العجلي: "ضعيف الحديث".

وقال ابن خِراش: "صدوق".

وقال الذهبي: "صدوق شيعي".

وقال ابن حجر: "صدوق يُخطىء قليلاً".

ولما ذكر له ابن عدي بعض الأحاديث الغريبة في ترجمته من «الكامل» (2/136) قال: "ولإسماعيل من الحديث صدر صالح، وهو حسن الحديث، يكتب حديثه.

وذكره أبو عبدالله الحاكم في باب: «من عيب على مسلم إخراج حديثه». وقال: "حديثه مقارب".

فتعقبه مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (2/172): "وكأنه ذهل - رحمه الله - عن تخريج البخاري له أيضاً".

قال ابن حجر في «مقدمة الفتح»: "إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا الخلقاني أَبُو زِيَاد، لقبه شقوصا، اخْتلف فِيهِ قَول أَحْمد بن حَنْبَل، وَيحيى بن معِين، وَقَالَ النَّسَائِيّ: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ، وَوَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح، وَقَالَ ابن عدي: هُوَ حسن الحَدِيث يكْتب حَدِيثه. قلت: روى لَهُ الْجَمَاعَة لَكِن لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى أَرْبَعَة أَحَادِيث، ثَلَاثَة مِنْهَا أخرجهَا من رِوَايَة غَيره بمتابعته، وَالرَّابِع أخرجه عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَنهُ عَن أبي بردة عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَن أبي مُوسَى فِي قصَّة الرجل الَّذِي أثنى عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قطعْتُمْ ظهر الرجل»، وَلِهَذَا شَاهد من حَدِيث أبي بكرَة وَغَيره، وَالله أعلم".

قلت: الخلاصة فيه أنه ليّن ليس بقوي، ولا يقبل تفرده بالحديث.

·       شاهد ابن مسعود:

وللحديث شاهد عن ابن مسعود:

رواه أحمد في «مسنده» (7/91) (3984). وابن حبان في «صحيحه» (12/446) (5630) من طريق مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيّ. كلاهما (أحمد، والأحمسي) عن أَسْبَاط بن مُحَمَّدٍ القرشيّ الكوفيّ.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (10/207) (10492) من طريق يَحْيَى بن عَبْدِاللهِ بنِ يَسَارٍ البَجَلِيّ، عن أَبي كُدَيْنَةَ يحيى بن المهلّب.

ورواه العَوَّام بن حَوْشَب [كما في «علل ابن أبي حاتم» (6/239) (2486)].

ثلاثتهم (أسباط، وأبو كُدينة، والعوام) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ سليمان بن أبي سليمان الكوفي، عَنِ المُسَيِّبِ بنِ رَافِعٍ، عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَلَهُ سَبْعُ حَسَنَاتٍ، وَمَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَمَنْ تَرَكَ حَيَّةً مَخَافَةَ عَاقِبَتِهَا فَلَيْسَ مِنَّا».

قلت: هذا منقطع! المسيّب (ت 105هـ) لم يَلق ابن مسعود (ت 32هـ).

قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص: 207): سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "المُسَيِّبُ بنُ رَافِعٍ عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ: مُرْسَلٌ".

وقال: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى: "المُسَيِّبُ بنُ رَافِعٍ لَمْ يَلْقَ ابنَ مَسْعُودٍ".

وقال: قِيلَ لِأَبِي زُرْعَةَ: المُسَيِّبُ بنُ رَافِعٍ سَمِعَ مِنْ عَبْدِاللَّهِ؟ فَقَالَ: "لا" - بِرَأْسِهِ.

وقال عَبَّاس الدُّورِيُّ عَنْ يحيى بن مَعِين، قال عن المسيب: "لم يسمع من أحد من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إلا من البراء بن عازب، وأبي إياس عامر بن عبدة".

وقد اختلف على أبي إسحاق الشيباني فيه أيضاً!

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (6/239) (2486): سألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ العَوَّام بنُ حَوْشَب، عَنْ سُلَيمان الشَّيباني، عَنِ المُسيَّب بن رافع، عَنْ عبدالله بن مسعود، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَلَهُ سَبْعُ حَسَنَاتٍ، ومَنْ قَتَلَ وَزَغَةً كَانَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، ومَنْ تَرَكَ حَيَّةً مَخَافَةَ طَلَبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا».

ورواه عبدالواحد بنُ زِيَادٍ، عَنِ الشَّيباني، عَنِ المُسيَّب، عن عبدالله، موقوفًا؟

قال أبي: عبدالواحد أَوثَقُ مِنَ العَوَّام".

قلت: عبدالواحد ليس بأوثق من العوام، بل العوام أوثق منه.

وقد تُوبع العوام عليه كما سبق، تابعه: أسباط بن محمد، وأبو كدينة.

على أن الدارقطني أشار إلى أن رواية عبدالواحد مرفوعة، وليست موقوفة! فإنه قال لما سئل عن هذا الحديث في «العلل» (5/274) (877): "يَرْوِيهِ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ أَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وعَبْدُالوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ الوَاسِطِيُّ، عن الشيباني، عن المسيب بن رافع، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَيْسَ حَدِيثُ خَالِدٍ إِلَّا فِي تَرْكِ قَتْلِ الحَيَّةِ.

ورَوَاهُ عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ المُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَوَقَفَهُ أَبُو شِهَابٍ الحَنَاطُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ المُسَيَّبِ، عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ قَوْلَهُ، ورفعه صحيح".

قلت: ذكر الدارقطني رواية عبدالواحد بن زياد العبدي وأنها مرفوعة. ثم ذكر الاختلاف على الشيباني في الوقف والرفع، والاتصال والإرسال.

وقوله "رفعه صحيح" ليس تصحيحاً للحديث، وإنما هو تصحيح للرواية المرفوعة، فقد ثبت أن الشيباني رفعها، كما ثبت أنه وقفها، لكن تبقى مسألة الإرسال بين المسيب وابن مسعود، وقد بيّنه رواية عباد بن العوام حيث جعل بينهما رجلاً، وهو مجهول.

والظاهر أن أبا إسحاق الشيباني كان يصله أحياناً، ويقفه أخرى، ويرسله أحياناً، ويسنده أخرى، وهو ثقة حجة لم يُوصف بتدليس.

والحديث ضعيف لا يُعرف من حدّث به عن ابن مسعود، ولعل هذه الرواية هي أصل رواية سهيل بن أبي صالح، وأبو إسحاق الشيباني وسهيل قرينان توفيا في سنة واحدة (140هـ)، مع الاختلاف في المتن، وسهيل كان قد نسي بعض حديثه ولم يحفظه بسبب المرض الذي أصابه حزناً على وفاة أخيه، والله أعلم.

·       شاهد عائشة:

ورُوي أيضاً من حديث عائشة:

رواه أبو طاهر المخلّص في «حديثه» (1/390) (47) عن يحيى بن صاعد، عن بحر بن نصرٍ الخولانيّ.

والطبراني في «المعجم الأوسط» (8/369) (8900) عن مِقْدَام، عن أَصْبَغ بن الفَرَجِ.

وابن عدي في «الكامل» (8/455) (13579) عن مُحمد بن تمام البهراني، عن عَبدالله بن زيد الخشاب الرملي.

ثلاثتهم (بحر، وأصبغ، والخشاب) عن ابن وهبٍ، عن أبي صخرٍ حُميد بن زياد، عن عبدِالكريمِ بنِ أبي المُخارقِ، عن عطاءِ بنِ أبي رباحٍ، عن عائشةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه دخلَ عَليها فوجَدَ عندَها جريدةً فيها زُجُّ رُمحٍ، فقالَ: يَا أَمتاهُ، ما هَذا الزُّجُّ؟ قالتْ: أَقتلُ به الأَوزاغَ، قالتْ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَن قَتلَ وَزَغَةً مَحا اللهُ عنه سبعَ خَطيئاتٍ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَطَاءٍ إِلَّا عَبْدُالكَرِيمِ بْنُ أَبِي المُخَارِقِ، تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو صَخْرٍ".

وقد أورده ابن عدي في ترجمة «عبدالكريم بن أبي المخارق» (8/455)، وقال: "ولعبدالكريم أبي أمية من الحديث غير ما ذكرت، والضّعف بيّن على كل ما يرويه".

وهذا الحديث كما قال الطبراني تفرد به أبو صخر المدني - وهو ليس بالقوي -  عن عبدالكريم هكذا مرفوعاً، وخالفه فيه مِسعر بن كِدام.

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/456) (20257) عن وَكِيع، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَبْدِالكَرِيمِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً كُفِّرَ عَنْهُ سَبْعَ خَطِيئَاتٍ».

وخالفهما ابن عيينة.

رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/446) (8394) عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِالكَرِيمِ بنِ أَبِي المُخَارِقِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ، وَزَغًا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ سَبْعَ خَطِيئَاتٍ».

قلت: فكان عبدالكريم بن أبي المخارق يضطرب فيه، وهو ليس بشيء، شبه المتروك.

·       رواية أخرى عن عائشة!

وروُي عن عائشة من طريق آخر باطل!

رواه عبدالرزاق في «مصنفه» (4/445) (8391) قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بنُ كَثِيرٍ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ، وَزَغًا رَفَعَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَ دَرَجَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ تِسْعَ خَطِيئَاتٍ». قَالَ القَاسِمُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغًا، ثُمَّ أَقْبَلَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ».

قلت: هذا منكر! وعباد بن كثير البصري ليس بشيء، وشيخه مجهول لا يُعرف!

·       شاهد زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ:

ورُوي أيضاً عن زيد بن ثابت:

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/455) (20253).

والطبراني في «المعجم الكبير» (5/106) (4738) من طريق مُسَدَّد بن مُسرهد.

وابن عساكر في «تاريخه» (19/300) من طريق عبيدالله بن سعيد السرخسيّ.

ثلاثتهم (ابن أبي شيبة، ومُسدد، وعبيدالله) عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ القطّان، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الخَطْمِيِّ، قَالَ: حدَّثَنِي خَالِي عَبْدُالرَّحْمَنِ، عنْ جَدِّي عُقْبَةَ بنِ فَاكِهٍ، قَالَ: أَتَيْتُ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ نِصْفَ النَّهَارِ فَاسْتَأْذَنْت عَلَيْهِ فَخَرَجَ مُتَّزِرًا، بِيَدِهِ الرُّمْحُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا خَارِجَةَ، مَا بَالُ الرُّمْحِ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: «كُنْتُ أَطْلُبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ الخَبِيثَةَ الَّتِي يَكْتُبُ اللهُ بِقَتْلِهَا الْحَسَنَةَ وَيَمْحُو بِهَا السَّيِّئَةَ، وَهِي: الوَزَغُ».

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/47): "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ، وَفِيهِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عُقْبَةَ بنِ الفَاكِهِ. تَفَرَّدَ عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيُّ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ".

قلت: هذا حديث منكر! تفرد به أبو جعفر الخطمي، وهو: عُمَير بن يَزيد.

وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ.

قال البيهقي في «السنن الكبرى» (6/227): "ولَمْ أَرَ البُخَارِيَّ ولَا مُسْلِمًا احْتَجَّا بِهِ فِي حَدِيثٍ".

وخاله عبدالرحمن مجهول الحال!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/371) (1175): "عَبْدالرحمن خال أَبِي جَعْفَر الخطمي المَدَنِيّ، عَنْ عقبة بن الفاكه".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/305) (1452): "عبدالرحمن خال أبي جعفر الخطمي المديني، روى عن عقبة بن الفاكه. سمعت أبي يقول ذلك".

وجاء ذكر عبدالرحمن في حديث رواه يُوسُفُ بنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ، عن أَبي جَعْفَرٍ الخَطْمِيُّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَدِّهِ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ».

رواه ابن ماجه، وغيره.

قال الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/186): "لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي جعفرٍ الْخَطْمِيِّ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ إِلَّا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ وَعَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ".

قلت: يوسف بن خالد هالك مُتّهم بالكذب! وعدي بن الفضل متروك الحديث!

فالحديث مُنكر!

وبحسب هذا الإسناد ترجموا لعبدالرحمن!

قال المزي في «تهذيب الكمال» (17/289) (3908): "عَبْدالرَّحْمَن بن عقبة بن الفاكه بن سعد الأَنْصارِيّ المدني خال أَبِي جَعْفَر الخطمي. رَوَى عَن: جده الفاكه بْن سعد، وله صحبة".

وقال ابن حجر في «التقريب»: "عبدُالرحمن بن عُقبة بن الفَاكِه، بكسر الكاف، الأنصاري، المدني: مجهولٌ".

وهو مجهول كما قال ابن حجر!

·       شاهد ابن عبّاس:

ورُوي أيضاً من حديث ابن عباس:

رواه محمد بن إبراهيم الجرجاني في «أماليه» (6/186).

وابن عساكر في «تاريخه» (6/186) من طريق أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري.

كلاهما (الجرجاني، والحيري) عن أبي العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأصمّ، عن أبي محمدٍ جَعْفَر بن عَنْبَسَةَ بنِ عَمْرِو بنِ يَعْقُوبَ اليَشْكُرِيّ، عن عمر بن حفص المكي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عبّاس، قال: قيل لابن عباس، هذا وزغ بعد أن عَمي، فقال: أرشدوني إليه، فأرشدوه إليه، فضربه ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل وزغة كتبت له عشر حسنات، ومُحيت عنه عشر سيئات، ورفعت له عشر درجات. فقيل له: يا رسول الله، ما له؟ قال: إنه أعان على إبراهيم حين أوقدت النار».

قلت: هذا مُنكر! تفرد بِهِ عمر بن حَفْص المَكِّيّ عَن ابْن جريج، وَلم يروه عَنهُ غير جَعْفَر بن عَنبسة!!!

وعُمَرُ بنُ حَفْصٍ المَكِّيُّ: ليسَ بشيءٍ، متروك الحديث.

وجعفر بن عنبسة ليس بذاك المشهور، وقد جهّله البيهقي، وابن القطان.

وقال الحاكم، عن الدارقطني، قال: "يُحدّث عن الضعفاء، ليس به بأس".

وقال الذهبي: "كان مُقرئاً مُجوداً".

·       رواية أخرى عن ابن عباس لكن ليس فيها ذكر الأجر!

ورُوي عن ابن عباس من طريق آخر، لكن دون ذكر أجر من قتل الوزغ!

رواه الفاكهي في «أخبار مكة» (3/382) (2294) عن عَمْرو بن مُحَمَّدٍ.

والطبراني في «المعجم الكبير» (11/202) (11495)، وفي «الأوسط» عن عَلِيّ بن عَبْدِالعَزِيزِ البغوي، ومُحَمَّد بن عَلِيٍّ الصَّائِغ المَكِّيّ.

ثلاثتهم عن عَبْداللهِ بن مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيّ، عن عُمَر بن قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتُلُوا الوَزَغَ، وَلَوْ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذا الحَدِيث عَنْ عَطَاءٍ إِلَّا عُمَرُ بنُ قَيْسٍ".

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/229): "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ، وَفِيهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ الْمَكِّيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ".

قلت: عمر بن قيس المكي المعروف بسندول ليس بثقة، منكر الحديث!

·       رواية موقوفة على ابن عباس!

ورُوي عن ابن عباس موقوفاً عليه بمعناه!

رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/446) (8396) عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً، فَلَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».

وخالفه وكيع، ولم يذكر فيه: «ابن عباس»!

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/456) (20256) عن وَكِيع، عَنْ سُفْيَانَ الثوريّ، عَنْ حَبِيبِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً كَانَتْ لَهُ بِهَا صَدَقَةٌ».

وتابعه: عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.

رواه الحسين بن حرب في «البِر والصلة» (ص: 163) (320) قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَرَأَى سَامَّ أَبْرَصَ فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ هَذَا فَلَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».

قلت: وهذا إسناد جيد، وبه يثبت أن هذا القول من كلام سعيد بن جبير.

ورُوي عن قتادة بمعناه.

رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/447) (8397) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ يَرْوِيهِ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً كَانَ لَهُ قِيرَاطُ أَجْرٍ».

قلت: والخلاصة أنه لم يصح شيء في أجر قتل الوزغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم.

وصحّ من قول سعيد بن جبير (ت 95هـ)، ومن قول قتادة (ت 117هـ).

وصح أن أبا إسحاق الشيباني (ت 140هـ) رواه عن رجل مجهول عن ابن مسعود.

وهذه الآثار جاء فيها في الأجر: «له كذا حسنة» أو «له صدقة» أو «له قيراط أجر»!

وهذا الاختلاف يدلّ على أن الأجر المنتشر بين أهل العلم لا يصح فيه شيء، وأنه من المراسيل المنتشرة بينهم، والله أعلم.

·       من رُوي عنه من السلف أنه كان يأمر بقتل الوزغ:

·       الرواية عن ابن عمر!

ورُوي عن ابن عمر أنه كان يأمر بقتل الوزغ.

رواه ابن الجعد في «مسنده» (ص: 332) (2280) عن شَرِيك، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الوَزَغِ وَيَقُولُ: هُوَ شَيْطَانٌ».

ورواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/447) (8398) عَنِ ابنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «اقْتُلُوا الوَزَغَ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ».

ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (8/793) (16098) عن حَفْص، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: «اقْتُلُوا الوَزَغَ فِي الحِلِّ والحَرَمِ».

قلت: هكذا رواه ليث بن أبي سُليم، واضطرب فيه! فرواه عن نافه عن ابن عمر، وعن مجاهد عن ابن عمر، واضطرب في لفظه كذلك!

وهو ضعيف اختلط في آخر عمره، وكان يضطرب في حديثه، فلا يُحتج به!

وخالفه عثمان بن الأسود المكي فرواه عن مجاهد قوله.

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/457) (20262) عن عُبَيْداللهِ بن مُوسَى، عَنْ عُثْمَانَ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الوَزَغِ».

قلت: وهذا إسناد صحيح.

·       الرواية عن أُمّ سَلمة!

ورُوي الأمر بقتل الوزع عن أم سلمة - رضي الله عنها -.

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/457) (20259) عن خَالِد بن مَخْلَدٍ القَطوانيّ، عَنْ مُوسَى بنِ يَعْقُوبَ الزّمعيّ المدني، قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمَّتِي قُرَيْبَةُ بِنْتُ عَبْدِاللهِ بنِ وَهْبٍ، قَالَتْ: «كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَأْمُرُ بِقَتْلِ الوَزَغِ».

قلت: هذا إسناد ضعيف!

موسى بن يعقوب وثقه ابن معين.

وَقَال علي بن المديني: "ضعيف الحديث، منكر الحديث".

وقال النسائي: "ليس بالقوي".

وقال أبو داود: "هو صالح".

وقُريبة عمته مجهولة!

·       كلمة في ترتيب الإمام مسلم لأحاديث الباب في «صحيحه»!

ترتيب مسلمٌ للأحاديث في الباب شغل أهل العلم وطلبته على مر العصور، وتنازعوا في تخريج الإمام مسلم للعلل في «صحيحه» وكيفية تخريجه لها، فمن قائل إنه يؤخرها إلى آخر الباب حتى ظهر من يقول بأنه يبدأ أحياناً بالحديث المعلول!

وذهب بعضهم إلى أنه لا يخرّج العلل، وكل ما يرويه صحيح!

وقد ظهرت رسائل جامعية، وبحوث كثيرة في هذا الباب، وكان الاضطراب في هذه المسألة واضح عند غالب من كتب فيها!

وقد أبنت عن رأيي في هذه المسألة في مواضع أخرى، وخلاصته أن الإمام - رحمه الله - يُخرّج العلل في كتابه، لكن تفوته أحياناً! وله عدة طرق في ذلك، ولكن أحياناً تتوقف وتتعجب منه في بعض الأبواب فلا تستطيع الجزم برأيه في ذلك! فرحم الله الإمام الذي تركنا في حيرة أحياناً.

قال الإمام في هذا الباب:

(1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وابْنُ أَبِي عُمَرَ، - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرُونَ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِالحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَهَا بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَمَرَ.

وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، [ح] وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، [ح] وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُالْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اسْتَأْمَرَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَتْلِ الْوِزْغَانِ «فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا».

وَأُمُّ شَرِيكٍ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. اتَّفَقَ لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي خَلَفٍ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَحَدِيثُ ابْنِ وَهْبٍ قَرِيبٌ مِنْهُ.

(2) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا».

(3) وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِلْوَزَغِ الْفُوَيْسِقُ». زَادَ حَرْمَلَةُ: قَالَتْ: "وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ".

(4) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِاللهِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، لِدُونِ الْأُولَى، وَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، لِدُونِ الثَّانِيَةِ».

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، [ح] وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، [ح] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِي ابْنَ زَكَرِيَّاءَ -، [ح] وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ كُلُّهُمْ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ خَالِدٍ، عَنْ سُهَيْلٍ إِلَّا جَرِيرًا وَحْدَهُ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ «مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ، وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ».

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِي ابْنَ زَكَرِيَّاءَ -، عَنْ سُهَيْلٍ، حَدَّثَتْنِي أُخْتِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حَسَنَةً».

قلت: بدأ مسلمٌ - رحمه الله - الباب بحديث أمّ شريك، وجمع روايات الحديث، وهذا أصح ما في الباب، وقد صرّح في مقدمة كتابه أنه يقدّم أصح الطرق، وقد اتفق مع البخاري في تخريج هذا الحديث.

ثم ثنّى بحديث سعد بن أبي وقاص، وثلّث بحديث عائشة.

فمن يرى أن كل ما يخرجه في «صحيحه» صحيح، فلا يلتفت إلى أي قول آخر!

ومن يرى أنه يُبيّن العلل، فكيف نوجّه تقديمه حديث سعد المعلول على حديث عائشة الصحيح؟

وهل يُعقل أنه خرّجه لبيان علته؟ وأنه عرف الطرق الأخرى التي أعلته؟ أم أنه لم يلق لها بالاً، فصحح الحديث؟!

ثم بعد أن خرّج أحاديث الأمر بقتل الوزغ، ساق حديث الأجر في قتلها، فهل يرى صحة الحديث؟

وهل يرى صحة الرواية الأخيرة، أم أنه أخّرها في آخر الباب لبيان علتها كما يقول بعض أهل العلم؟!

حقيقة الجزم بأيّ شيء فيه صعوبة!

·       خلاصة وفوائد:

1- ثبت عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ لِلوَزَغِ: «فُوَيْسِقٌ»، وثبت أنها لم تسمعْهُ يأَمَر بِقَتْلِهِ. والحديث الصحيح في ذلك يرويه الزهري، عن عروة بن الزبير، عنها.

2- زاد سَعِيد بن عُفَيْرٍ، عَنِ ابنِ وَهْبٍ، عن يُونُس عند البخاري في حديث عائشة: «وَزَعَمَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ»! واختلف العلماء في قائل هذه العبارة، والراجح أن قائلها هو راوي الحديث الإمام الزهريّ، كما بينه الحافظ ابن حجر. وكأنه أخذه من الحديث المرسل الذي يرويه عن سعد بصيغة «بلغني عن سعد».

3- ثبت عن عائشة أيضاً أنها كانت تقتل الوزغ؛ وذلك لتسمية النبي صلى الله عليه وسلم له بالفويسق، وقد سمعت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحِدَأَةُ»، فطالما أن الوزغ سماه صلى الله عليه وسلم فويسقا، فجاز قتله مثل هذه الخمس.

4- حديث نَافِعٍ مولى ابن عمر، عن سَائِبَة مَوْلَاة الفَاكِهِ بنِ المُغِيرَةِ، أنها دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ، فَرَأَت فِي بَيْتِهَا رُمْحًا مَوْضُوعًا تقتل به الْأَوْزَاغِ لأمر النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم بقتلها؛ لأنها كانت تنفخ النّار على إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِيها، حديث ضعيف لا يصح لجهالة سائبة هذه، فهي لا تعرف إلا من رواية نافع عنها!

وكذلك للاختلاف على نافع فيه، وقد رُوي عنه: أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ، مرسلاً.

5- روى نافع حديثاً آخر عَنْ سائبة مَوْلَاة الِفَاكِهِ بنِ المُغِيرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ غَيْرَ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ وَالْبَتْرَاءِ؛ فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْأَبْصَارَ، وَيَقْتُلَانِ أَوْلَادَ الْحَبَالَى فِي بُطُونِهِنَّ، وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْهُمَا فَلَيْسَ مِنَّا».

وقد رُوي عن نافع مرسلاً، ومتصلاً.

وهو حديث مشهور وصحيح عن عائشة من طرق أخرى من غير طريق نافع، وليس في الصحيح عن عائشة ما جاء في حديث هذه المولاة: «وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْهُمَا فَلَيْسَ مِنَّا»! وهذه نكارة في حديث سائبة!

6- روى مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ الدستوائي، عن أَبِيه، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ: «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَبِيَدِهَا عُكَّازٌ... الحديث»، وهذا تفرد به معاذ عن أبيه هشام! وهو مرسل، فإن صح فيُحتمل أنه هو أصل الأحاديث المرفوعة الأخرى عن المرأة عن عائشة، ويُحتمل أن هذا المرسل وقع فيه الخطأ في إسناده، وهو إنما يرجع لحديث تلك المرأة المجهولة عن عائشة، فالله أعلم.

7- صحح الألباني حديث سائبة المجهولة بحديث ابن المسيب المرسل! وهذا يخالف منهج أئمة النقد والتعليل!

8- جاء في مطبوع كتاب عَبْدالرَّزَّاقِ الصنعاني «المصنف» (4/445) (8392) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَتِ الضُّفْدَعُ تُطْفِئُ النَّارَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ الْوَزَغُ يَنْفُخُ فِيهِ، فَنُهِيَ عَنْ قَتْلِ هَذَا، وَأُمِرَ بِقَتْلِ هَذَا».

وظاهر إسناده الصحة على شرط الصحيحين، وقد صححه كذلك بعض المعاصرين! لكن لم يروه عن الزهري إلا مَعمر! تفرد به! ولا يُعرف عن عروة عن عائشة إلا من هذا الطريق!!

ثم تبيّن لي أنه حصل خلل في النسخة التي طبع منها كتاب عبدالرزاق، والصواب ما نقله السيوطي في «الدر المنثور في التفسير بالمأثور» (5/639) قال: "وأخرج عبدالرَّزَّاق فِي «المُصَنّف»: أخبرنَا معمر، عَن قَتَادَة، عَن بَعضهم، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كَانَت الضفدع تُطْفِئ النَّار عَن إِبْرَاهِيم، وَكَانَت الوزغ تنفخ عَلَيْهِ، وَنهى عَن قتل هَذَا، وَأمر بقتل هَذَا»".

ويؤيده أن عَبْدالرَّزَّاقِ رواه في «تفسيره» (2/387) (1870) قَالَ: أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قال: «كَانَتِ الوَزَغُ تَنْفُخُ عَلَى النَّارِ، وَكَانَتِ الضَّفَادِعُ تُطْفِئُهَا فَأُمِرَ بِقَتْلِ هَذَا، وَنُهِيَ عَنْ قَتْلِ هَذَا».

ولو كان عند عبدالرزاق بالإسناد الآخر لذكره، لكن ما في تفسيره يؤيد ما ذكره السيوطي من نقله من مصنفه.

وروى عَبْدُالرَّزَّاقِ أيضاً في «تفسيره» (2/387) (1869) قَالَ: أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «لَمْ تَأْتِهِ يَوْمَئِذٍ دَابَّةٌ إِلَّا أَطْفَأَتِ النَّارَ عَنْهُ إِلَّا الْوَزَغَ».

فالحديث عن معمر، عن قتادة، مرسل. وليس عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة!

9- ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الوزغ من حديث أُمِّ شَرِيكٍ - رضي لله عنها -، رواه عَبْدِالحَمِيدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ شَيْبَةَ، عَنِ ابنِ المُسَيِّبِ، عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ».

10- الزيادة التي في «صحيح البخاري» في رواية عُبَيْدُاللَّهِ بنُ مُوسَى في روايته عن ابن جُريج: «وقَالَ: كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ»، زيادة منكرة! وقد تفرد بها عبيدالله دون أصحاب ابن جريج وهم جماعة كبيرة رووا الحديث عنه، ولم يذكرها أحد منهم، ولا توجد في «الجزء المعروف لابن جُريج» المطبوع! وعبيدالله ثقة تكلموا فيه لبعض المخالفات والتفردات.

وقد احتج البخاري بهذه الزيادة - مع تفرد عبيدالله بها ومخالفته للجماعة - فأوردها في «كِتَاب أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ»، «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]"! فغفر الله له ورحمه.

11- جاء في كل مطبوعات «مصنف ابن أبي شيبة» (10/455) (20252) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيد، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ - يَعْنِي الوَزَغَ».

وقال بعض محققي الكتاب أن سعيدا هذا هو: ابن المسيب! وهذا خطأ! فلا مدخل لسعيد بن المسيب هنا في هذا الحديث! و«سعيد» هنا مصحّف، والصواب: «سعد»، وهو: ابن أبي وقاص، ورواية الزهري لحديثه المرسل هذا مشهورة.

12- روى أَبو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيم بن عَبْدِاللَّهِ بنِ مُسْلِمٍ الكَشِّيُّ، عن أَبي عَاصِمٍ الضَّحَّاك بن مَخْلَدٍ، عَنْ عَبْدِالحَمِيدِ بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيْبِ، عَنْ أُمِّ شُرَيْكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ».

وقد سقط على أبي مسلم في هذا الحديث: "عن ابن جريج"! وتصحّف عليه "عبدالحميد بن جبير بن شيبة" إلى "عبدالحميد بن جعفر عن أبي إدريس"!!

تصحف "جبير" إلى "جعفر"! وتصحف "بن شيبة" إلى "أبي إدريس"!!

والحديث رواه الدارمي، وعمار بن رجاء، وأبو يوسف الفارسي، وأبو داود الحراني، جميعاً عن أبي عاصم الضَّحَّاك بن مَخْلَدٍ، عن ابن جُريج، عَنْ عَبْدِالحَمِيدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ شَيْبَةَ، عَنِ ابنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ».

13- كلّ الروايات التي جاء فيها أن الوزغ كان ينفخ النار على إبراهيم لما وضعه قومه في النار لحرقه معلولة، ولا يصح منها شيء! وهي منكرة تشبه الإسرائيليات! وقد نسبها بعض أهل التفسير لكعب الأحبار، لكن لم أجد أيّ إسناد إليه.

14- رُوي عن عائشة، قالت: «كَانَتِ الْأَوْزَاغُ يَوْمَ أُحْرِقَ بَيْتُ المَقْدِسِ جَعَلَتْ تَنْفُخُ النَّارَ بِأَفْوَاهِهَا، والوَطْوَاطُ تُطْفِئُهَا بِأَجْنِحَتِهَا».

وهذا رواه جماعة عن حَنْظَلَة بن أَبِي سُفْيَانَ، عَنِ القَاسِمِ بنِ محَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ! وهو إسناد ظاهرة الصحة. لكن أرى أنه منكر، يُشبه الإسرائيليات! ولا يُعرف عن عائشة ولا أنها تحدّث بمثل هذه الأخبار! وحنظلة متفق على ثقته، لكن تفرده به عن القاسم فيه نظر! ولو كانت عائشة حدثت به، فلم تقفه؟!

وقد خرّج البخاري ومسلم لحنظلة حديثين اتفقا عليهما أحدهما في غُسل الجنابة، والآخر في الصلاة، ولم يتكلم فيه أحد، وذكره ابن عدي في «الضعفاء» (4/145) لكنه لم يذكر ما يدلّ على ضعف فيه!

وقد رُوي ما يُشبه ذلك عن عبدالله بن عمرو بن العاص: «لَا تَقْتُلُوا الخُفَّاشَ فَإِنَّهُ لَمَّا خَرِبَ بَيْتُ المَقْدِسِ قَالَ: يَا رَبِّ سَلِّطْنِي عَلَى البَحْرِ حَتَّى أُغْرِقَهُمْ».

وعبدالله كان يُحدّث من كتب أهل الكتاب، وهذا من الإسرائيليات.

15- جاء في مطبوعات «مصنف عبدالرزاق الصنعاني» (4/451) (8418) عَنِ ابْنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةً، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَا تَقْتُلُوا الضُّفْدَعَ؛ فَإِنَّ صَوْتَهَا الَّذِي تَسْمَعُونَ تَسْبِيحٌ، وَتَقْدِيسٌ». وما جاء فيه «عبدالله بن عمر» خطأ! والصواب: «عبدالله بن عمرو»، سقط منه حرف الواو.

16- كأن هناك من أهل العلم من كره قتل الوزغ! فقد بوّب ابن حبان في «صحيحه» (12/451): "ذِكْرُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ كَرِهَ قَتْلَهَا"، وساق حديث أم شريك. وقد صحّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتله.

17- ذهب ابن شاهين إلى أن الأمر بقتل الوزغ نسخ عدم الأمر بقتله، فإنه ذكر في «ناسخ الحديث ومنسوخه» حديث عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَمَّى الْوَزَغَ فَاسِقًا، وَلَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِ»، ثم ذكر حديث أُمِّ شَرِيكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ» = يعني أن حديث أم شريك نسخ قول عائشة أنها لم تسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الوزغ.

وإيراد ابن شاهين لهذه الأحاديث في الناسخ والمنسوخ فيه نظر!

18- حديث عبدالرزاق، عن مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الوَزَغِ، وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا»، أخرجه مسلمٌ في «صحيحه» وغيره، وهو حديث معلول!

تفرد به عبدالرزاق عن معمر، بهذا الإسناد. وخالفه فيه عبدالأعلى بن عبدالأعلى السّاميّ، فرواه عن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعد، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يذكر «عامر بن سعد»، وهو الصواب. وكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ، وَمَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعْدٍ، مرسلاً.

19- حديث أجر قتل الوزغ تفرد بروايته سُهَيْل بن أبي صالح، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، لِدُونِ الْأُولَى، وَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، لِدُونِ الثَّانِيَةِ». أخرجه مسلم في «صحيحه»، وصححه الترمذي.

ولا يُعرف لا عن أبي هريرة، ولا عن أبي صالح إلا من رواية سهيل! ولم يُتابع عليه! وقد عدّه ابن عدي، والذهبي من غرائب حديث سهيل!

وهو حديث منكر! وتفرد سهيل لا يُقبل إلا إذا كانت هناك قرينة تدلّ على حفظه للحديث.

20- نسخة أبي الحسنِ عليّ بن الحسينِ بنِ بشيرٍ الدِّهقان، عن عمرو بن عبدِاللهِ، عن أَبيه، عن سفيانَ الثوري، نسخة غريبة، فيها أحاديث ليست محفوظة عن الثوري، وبعضها محفوظ من طرق أخرى.

21- حديث مسلم في «صحيحه» عن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ، عن يَعْقُوب بن عَبْدِالرَّحْمَنِ القَارِيَّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ»، حديث غريب! أشار البخاري إلى ضعفه في «صحيحه»، وهو محفوظ من طرق أخرى عن أبي هريرة، لكن لا يحفظ عن أبي صالح إلا من رواية ابنه سهيل! ولا عن سهيل إلا من رواية يعقوب القارّي! وقد وجدت يعقوب ينفرد عن سهيل بأحاديث لا تعرف إلا من طريقه، وبينت في بعض المواضع أنه كان يهم في حديثه عن سهيل لما نزل مصر، وحدّث بها!

22- روى إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّاءَ، عَنْ سُهَيْلٍ، حَدَّثَتْنِي أُخْتِي أو أَخي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حَسَنَةً».

وفي رواية مسلم: "حدَّثتني أُختي عن أبي هريرة". ولم يذكر "أخي".

وحصل اختلاف في نسخ كتاب مسلم، وفي كتاب أبي داود!

وهذا الحديث بهذا اللفظ تفرد به إسماعيل بن زكريا عن سهيل، وهو ليس بالقوي، ولا يقبل ما تفرد به.

وقد روى الحديث أيضاً على الصواب عن سهيل كرواية الجماعة عن سهيل دون ذكر هذا اللفظ، وكأنه كان يضطرب في إسناده، ومتنه!

23- رُوي بعض الشواهد في أجر قتل الوزغ من حديث ابن مسعود، وعائشة، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وكلها واهية منكرة!

24- لم يصح شيء في أجر قتل الوزغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم.

وصحّ من قول سعيد بن جبير (ت 95هـ)، ومن قول قتادة (ت 117هـ).

وصح أن أبا إسحاق الشيباني (ت 140هـ) رواه عن رجل مجهول عن ابن مسعود. وأبو إسحاق من أقران سهيل بن أبي صالح (ت 140هـ)، فلعل رواية أبي إسحاق هي أصل رواية سهيل، مع اختلاف متنيهما، واضطراب سهيل في حفظه!

وهذه الآثار جاء فيها في الأجر: «له كذا حسنة» أو «له صدقة» أو «له قيراط أجر»! وهذا الاختلاف يدلّ على عدم ثبوت شيء في ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه.

25- لم يثبت عن ابن عمر أنه كان يأمر بقتل الوزغ، وإنما ثبت ذلك عن مجاهد.

26- لم يثبت عن أم سلمة أنها أمرت بقتل الوزغ!

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: د. خالد الحايك.

16 مُحرّم 1442هـ.

شاركنا تعليقك