الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«المَورد الغَمْر» فِي بَيَان علّة حديث: «ذَهَبَ الظَّمَأ، وَابْتَلَّتِ العُرُوق، وَثَبَتَ الأَجْر»، والرد على «الغِمْر، الغُمْر»!

«المَورد الغَمْر» فِي بَيَان علّة حديث: «ذَهَبَ الظَّمَأ، وَابْتَلَّتِ العُرُوق، وَثَبَتَ الأَجْر»، والرد على «الغِمْر، الغُمْر»!

 

سألني أحد الإخوة عن تصحيح بعضهم لحديث مروان بن المُفقّع، عَن ابْنِ عُمَر قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، وردّه على من ضعفه؟!

فسمعت ما قاله ذلك المتكلم في مقطع منشور له، وقرأت ما كتبه تبعاً لذلك، فوجدته لا يمتّ لعلم العلل بصلة! ويحتاج لأن يُبين ما أخطأ به لإفادة طلبة العلم، وتصحيحِ المنهج الذي دخله كثير ممن لا يُحسنه!

وعجبت كيف يتكلم هذا المُتكلّم في «العلل»، ويُدلّس على الناس!

فالأصل أن من يتكلم على حديث علَّلَه بعض أهل العلم، وحسّنه بعضهم أن ينقل كل كلامهم فيه، ولا يترك شاردة ولا واردة إلا بيّنها! لكن صاحبنا راح يُشرّق ويغرّب في أشياء الحُجّة فيها عليه لا له!

والعجب أنه - هداه الله - لم يتكلم عن العلة الظاهرة للحديث فيما يبدو للمتخصص في علل الحديث! وسأبين لك أخي السائل وفقك الله ذلك بالتفصيل، والعلة الحقيقية للحديث إن شاء الله.

·          تخريج الحديث:

رواه أبو داود في «سننه»، كتاب الصيام، باب القول عند الإفطار، (4/39) (2357) عن عبدالله بن محمدِ بنِ يحيى أبي محمد الضعيف.

والنسائي في «السنن الكبرى»، كتاب الصيام، مَا يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ، (3/374) (3315) عن قُرَيْش بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الباروديّ.

والطبراني في «المعجم الكبير» [جـ 13، 14 (ص: 308) (14097)] عن جعفر بن محمَّد الفِرْيابي، عن عبدالله بن أبي عَوانة الشَّاشي.

والدارقطني في «سننه» (3/156) (2279) عن الحُسَيْن بن إِسْمَاعِيلَ المحاملي، عن عَلِيّ بن مُسْلِمٍ الطوسيّ.

والحاكم في «المستدرك» (1/584) (1536) عن أَبي حَامِدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الخَطِيب المروزي، عن إِبْرَاهِيم بن هِلَال بن عمر القرشي البوزنجرديّ. [ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (4/403) (8133) عن الحاكم].

والبغوي في «شرح السنة» (6/265) (1740)، والبيهقي في «الدعوات الكبير» (2/97) (499)، و«السنن الكبرى» (4/403) (8133) من طريق أَبي العَبَّاسِ الْأَصَمّ مُحَمَّد بن يَعْقُوبَ، عن أبي بكرٍ يَحْيَى بن أَبِي طَالِبٍ البغداديّ.

وقَوام السنة أبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (2/372) (1804)، والمزي في «تهذيب الكمال» (27/391) من طريق أَبي الفَرَجِ مَسْعُود بْنِ الْحَسَنِ بْنِ القَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ الثَّقَفِيّ الأصبهاني. كلاهما (قوام السنة، وأبو الفرج) عن أَبي عَمْرو عَبْدالوَهَّابِ بْنِ أَبي عَبدالله بنِ مَنده، عن والِده أَبي عَبْدِاللَّهِ الحافظ، عن أَبي بكر مُحَمَّد بْن علي بْن مُحَمَّد المَرْوَزِيّ، عن أَحْمَد بن بَكْرِ بْنِ سَيْفٍ الْمَرْوَزِيّ أبي بكر الجَصِّيني الفقيه.

كلهم (عبدالله الضَّعيف، وقُريش، وعبدالله بن أبي عوانة، وعلي الطوسي، وإبراهيم بن هلال، ويحيى بن أبي طالب، وأبو بكر الجَصِّيني) عن عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ المُفقّع، قَالَ: "رَأَيْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَطَعَ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ". وقَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ»".

وفي رواية أبي بكر الجَصِّيني: "مَرَوَانُ المُفقّع، قال: رَأَيْتُ عَبداللهِ بْنَ عُمَر، وسَمِعْتُهُ قال: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قال...".

قلت:

لو نظرنا إلى طريقة رواية الحديث وقد اتفق عليها الرواة عن علي بن الحسن أن مروان المُفقّع قال بأنه رأى ابن عمر يفعل هذا الفعل.

ثم جاء في الرواية: "وقال"، وفي رواية الجصيني فقط: "وسمعته قال"! فمن هو الذي قال؟ ومن القائل: "وسمعته"؟

تصرف أهل العلم على أن القائل في الرواية هو: "ابن عمر"، ولهذا عدّوه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم! وليس كذلك!

فمروان هذا أخبر أنه رأى ابن عمر يقبض على لحيته، ويقص ما زاد على القبضة، ثم تابع الحسين بن واقد ما سمعه من مروان، فقال: "وقال" - أي مروان، لا ابن عمر! فصاحب القول هو مروان، ويُبيّن هذا بجلاء ما رواه أبو بكر ابن أبي الدنيا في كتابه «فضائل رمضان» (ص: 57) (29) قال: حَدَّثَنِي أَبِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ: أخبرنا عَلِيُّ بنُ شَقِيقٍ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ مَرْوَانَ الْمُفَقَّعِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».

ووالد أبي بكر هو: محمد بن عُبيد بن سفيان، حدّث عن هُشيم بن بشير، وجرير بن عبدالحميد، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. وروى عنه ابنه أبو بكر أحاديث مستقيمة كما قال الخطيب في ترجمته من «تاريخه».

فهذه الرواية بيّنت أن صاحب القول هو مروان لا ابن عمر، فهو أخبر عن رؤيته لابن عمر وفعله، ثم حدّث بهذا الحديث المرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما جاء في رواية الجصيني: "وسمعته قال" أي: قال الحسين بن واقد: "وسمعت مروان قال"، لا أن مروان قال: "وسمعته - أي ابن عمر - قال"!! فهذا لا يستقيم مع الرواية.

والرؤية لا تعني السماع، فكم من راو رأى بعض الصحابة ولم يسمع منهم! فلو سمع منه، فهذا يعني أنه سمع منه عندما لقيه، وابن عمر كان يفعل ما رآه مروان في الحج أو العمرة كما رواه نَافِعٌ قال: «كَانَ ابن عُمَرَ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ»، فالفعل ليس على عمومه في كل وقت، وإنما كان يفعله في حج أو عمرة متأولاً - رضي الله عنه -.

فمروان قد رأى ابن عمر في حج أو عمرة فأخبر عما رآه يفعل، لكن لا يوجد ما يثبت أنه سمع منه، وما ذكره من القول عند الإفطار لا يُناسب الموضع الذي رآه فيه وهو في الحج أو العمرة، فلو كان ابن عمر حدّث بهذا الحديث وسمعه منه مروان هذا لكان سمعه منه على الأقل من كان مع ابن عمر كمولاه نافع أو ربما ابنه سالم، فمثل هذا الحديث في الدعاء عند الإفطار لا يمكن أن يخفى على نافع أو سالم؛ لأنهم كانوا دائماً مع ابن عمر، في رمضان وغير رمضان، فهل يُعقل أنه كان يُحدّث بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم لم يسمعوه منه، وهم يرونه عند الإفطار في رمضان وغيره، ولم يسمعوا منه هذا الدعاء؟!!

وقد كان نافع حريصاً على نقل أخبار ابن عمر مع الصيام والإفطار، فقد روى: «أن ابنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا كَانَ مُقِيمًا لَمْ يُفْطِرْ وَإِذَا كَانَ مُسَافِرًا لَمْ يَصُمْ فَإِذَا قَدِمَ أَفْطَرَ أَيَّامًا لِغَاشِيَتِهِ ثُمَّ يَصُومُ»، علّق البخاري بعضه، ووصله الحافظ في «تغليق التعليق» (3/467)، وروى نافع: «أن ابْنَ عُمَرَ كان يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ، وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الحِسَابِ»، كما عند أبي داود (2320).

فهذه قرينة تدلّ على أن مروان هذا لم يسمعه من ابن عمر، بل لم يُحدث به ابن عمر، وهو إنما رآه فقط، وحدّث حسين بن واقد به مرسلاً لا أنه حدثه به عن ابن عمر.

وإنما أُتي الأمر فيمن حسبه عن ابن عمر من طريقة سياق الحديث، وهو بعد أن ذكر أنه رأى ابن عمر، وحدث بهذا الحديث المرسل ظنّ أهل العلم أنه قوله: "قال" = يعني ابن عمر!! وليس كذلك، وإنما الذي "قال" هو نفسه كما في رواية والد أبي بكر ابن أبي الدنيا.

وكذلك طريقة سياق الحديث تدلّ عليه، فالحسين بن واقد يقول: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ المُفقّع، قَالَ: "رَأَيْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَطَعَ مَا زَادَ عَلَى الكَفِّ".

وقَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ»".

فالقائل في كليهما هو: مروان المُفقّع.

فالحديث يرويه حسين بن واقد، عن مروان، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ»"، مرسلاً.

فلا مدخل لابن عمر في هذه الرواية، والحديث مرسل.

ولا علاقة بين ما أخبر به مروان عن قصّ اللحية من فعل ابن عمر، وبين حديث دعاء الإفطار!

ولعل قائلاً يقول: قد يكون حصل سقط في رواية ابن أبي الدنيا سقط من إسنادها "ابن عمر"، فلم التعويل عليها؟

فأقول: لا يوجد ما يدلّ على وجود سقط فيها، وكان ذلك يتّجه لو أن كل الرواة رووه عن "الحسن بن علي، عن حسين بن واقد، عن مروان، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم"!

فكلّ الرواة - سوى والد أبي بكر ابن أبي الدنيا - رووه بجمع الروايتين، ومن جعل ابن عمر هو صاحب الحديث الثاني فهو ظنّ منه كما سيأتي في رواية البزار الآتية!

فوالد أبي بكر ابن أبي الدنيا أتقن روايته، ويؤيده ظاهر الرواية أن صاحب القول الثاني هو مروان المقفع، فلا دليل على أن مروان المقفع سمع هذا من ابن عمر، ولا أن ابن عمر حدّث به! وإنما هو أخبر عن رؤيته لابن عمر يفعل فعلاً، ثم تلميذه حسين بن واقد أتبع هذه الرواية برواية أخرى له مرسلة، والظاهر أنه جمعهما لأنه لم يسمع منه إلا هاتين الروايتين، فجمعهما عنه، ومن هنا ظنّ أهل العلم أن الرواية المرسلة عن ابن عمر؛ لأن الرواية الأولى إنما كان يُخبر فيها عن ابن عمر، وليس كذلك! إذ يرد ذلك أن هذا لا يمكن أن يخفى على أصحاب ابن عمر وأهل بيته حتى ينفرد مجهول بذلك، وكذلك لا علاقة بين رؤيته لابن عمر يقصّ ما زاد على الكف من لحيته، وبين هذا القول! فهذا في حج أو عمرة، وهذا في الصيام!

وقد يعترض البعض بأن هذا لا يلزم!

فأقول: هذا هو الأصل؛ فلو كان سمع من ابن عمر هذا لكان لسبب سيما وكثير من الصحابة لم يكونوا يُحدّثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لسبب، ومنهم ابن عمر، وقد كان قليل التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الشعبي: "صحبت ابن عمر سنة فما رأيته يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حديثاً واحداً".

·          رواية البزار!

وقد رواه البزار في «مسنده» (12/24) (5395) قال: حَدَّثنا إبراهيم بن سَعِيد الجوهري، قال: حَدَّثنا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ، عَن حُسَيْنِ بن واقد، عَن مروان بن المُفقّع، عَن ابْنِ عُمَر قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».

قلت: كذا في رواية البزار! وأصل الرواية كما بينته آنفاً ليس فيها: "مروان عن ابن عمر"! وإنما هذا من تصرف الرواة، وكأنه من تصرف الجوهري، أسقط الجزء المتعلق برؤية مروان لابن عمر، وروى هذا عنه!

والإسناد فيه قلب! "الحسن بن علي بن شقيق"، وإنما هو: "علي بن الحسن بن شقيق".

فمن عدّ هذا الحديث عن ابن عمر ظنّ أن مروان حدث به عنه! ولهذا ذكر المزي في «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» (6/46) ترجمة: "مروان بن سالم المُفقّع، عن ابن عمر"، وذكر فيها هذا الحديث. وذكر فيه قصة!

فقال ابن حجر في «النكت الظراف»: "القصة المذكورة أثر عن ابن عمر، موقوف في قصّ ما زاد على القبضة من اللحية"، ثم ساق لفظ النسائي، ثم قال: "وهذا جزء من الحديث".

·    حكم أهل العلم على الرواية:

ولم أجد من نبّه إلى أن هذه الرواية مرسلة! ومع ذلك فقد استغرب بعض أهل العلم هذه الرواية المرفوعة.

قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم إلاَّ مِن هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ".

وقال الدارقطني: "تَفَرَّدَ بِهِ الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ".

وقال الحَافِظُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ ابن مَنده: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَمْ نَكْتُبْهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ الحُسَيْنِ بنِ واقِدٍ".

وقال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَقَدِ احْتَجَّا بِالحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، وَمَرْوَانَ بنِ المُفقّع".

لكن نقل ابن حجر في «إتحاف المهرة» (8/677) عن الحاكم أنه قال: "صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ".

قلت: لم يحتج البخاري بالحسين بن واقد، وإنما استشهد به استشهاداً.

ولم يرد ذكر لمروان المُفقّع في «صحيحه» قط!

وقد تعقّب ابن حجر الحاكم في «تهذيب التهذيب» فقال: "زعم الحاكم في المستدرك أن البخاري احتج به فوهم، ولعله اشتبه عليه بمروان الأصفر".

قلت: كأن الحاكم قصد تعليق البخاري لفعل ابن عمر أنه كان يقصّ من لحيته ما زاد على القبضة، وأنه قصد رواية مروان هذا؟ فهذا مُحتمل.

وقد صرّح الزيلعي في «نصب الراية» (2/457) أنه علّق له! فقال عند ذكره لهذا الدعاء - كَانَ النَّبِيُّ عليه الصلاة السلام إذَا أَفْطَرَ، قَالَ: "ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَتْ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ"- قال: "وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ تعليقاً".

قلت: وهذا وهم على وهم!

فالبخاري لم يُعلّق هذا الحديث، وكأن الزيعلي لما رأى تعليق البخاري لأثر عمر في قصّ ما طال على القبضة، ودعاء الإفطار جزء منه، قال بأن البخاري علّقه! وليس كذلك.

فالبخاري لم يُعلّق أثر مروان في قص ما زاد على اللحية، وإنما علّق أثر نافع.

فقد روى البخاري في «صحيحه» (7/160) من طريق نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ: «إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ».

وإنما قلت علّق له لقول الزيلعي وقول الحاكم، وهو وإن كانت صورته التعليق لكنه موصول بالإسناد السابق، وقد رواه مالك في «الموطأ» (1/396) (187) عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ «إِذَا حَلَقَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ».

وذَكَرَ السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَهَّابِ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَصَّرَ مِنْ لِحْيَتِهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَانَ يَقْبِضُ عَلَيْهَا وَيَأْخُذُ مِنْ طَرَفِهَا مَا خَرَجَ مِنَ الْقَبْضَةِ». [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (24/146)].

·          ترجمة مروان المُفقّع:

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/374) (1605): "مروان المُفقّع. روى عن ابن عُمَر".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/271) (1241): "مروان مولى هند بنت المهلب بن أبي صفرة. روى عن أنس بن مالك. روى عنه: هشام بن حسان، وحماد بن زيد. سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول:

مروان المُفقّع، روى عن ابن عمر حديثاً مرفوعاً. روى عنه حسين بن واقد.

ولا أدري هو مروان مولى هند أم غيره".

قال عبدالرحمن: ذكره أبي عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين أنه قال: "مروان مولى هند، ثقة. روى عنه: حماد بن زيد".

قلت: لم يُفرد ابن أبي حاتم مروان المفقع بترجمة، وإنما ذكره ضمن ترجمة مروان مولى هند، فكأنه يميل إلى أنه هو!

والصحيح أنه ليس هو، فمروان مولى هند معروف عند البصريين، بخلاف مروان الذي روى عنه الحسين! وقد فرق بينهما البخاري وابن حبان.

وذكر أبو حاتم أن مروان هذا روى عن ابن عمر حديثاً مرفوعاً، ويقصد حديث الدعاء عند الإفطار.

وذكره ابن حبان في «ثقات التابعين» (5/424) (5518) قال: "مَرْوَان بن المُفقّع، قَالَ: رَأَيْت ابن عمر قبض على لحيته فَقص مَا فضل عَن الْكَفّ. روى عَنْهُ: الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ".

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (27/390) (5872): "مروان بن سالم المقفع. رَوَى عَن: عَبداللَّهِ بْن عُمَر بْن الخطاب. رَوَى عَنه: الحسين بْن واقد المروزي، وعزرة بن ثابت الأَنْصارِيّ".

وقال الذهبي في «الكاشف» (2/253) (5365): "مروان بن سالم عن ابن عمر، وعنه: الحسين بن واقد، وعزرة بن ثابت. وُثّق".

وقال في «الميزان» (4/91) (8426): "مروان بن سالم المقفع، عن ابن عمر، مرفوعًا: يقول: «إذا أفطر ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله». رواه عنه الحسين بن واقد. وحدّث عنه: عزرة بن ثابت".

وقال سبط ابن العجمي في «الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث» (ص: 255) (762) - بعد أن ساق كلام الذهبي في الميزان -: "لم يذكر فِيهِ الذَّهَبِيّ توثيقاً... واستنكر عَلَيْهِ هذا الحَدِيث الَّذِي سَاقه فِي تَرْجَمته فِيمَا يظْهر، وَقد ذكره فِي تذهيبه، وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَذكر توثيقه عَن ابن حبَان، وَفِي الكاشف قَالَ فِيهِ: وثق، وَقد رَأَيْته فِي ثِقَات ابن حبَان".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص: 526) (6569): "مروان بن سالم المفقع - بفاء ثم قاف ثقيلة، مصريٌّ: مقبولٌ. من الرابعة. (د س)".

وتعقبه صاحبا «التحرير» (3/362) فقالا: "بل: مجهولٌ الحال، فقد تفرَّد بالرواية عنه اثنان فقط، وذكره ابنُ حبان".

وعلقا في الحاشية على تقييد ابن حجر للمفقع: "هكذا قيده المصنّف وما أصاب، فهو بقاف ثم بفاء: المُقَفع، جَوَّد المزي تقييده بخطه، وهو كذلك في القاموس، وكذلك سيذكره المصنّف نفسه في الألقاب من كتابه هذا، فهو وهم منه رحمه الله".

وأخذ عادل مرشد تعليقهما هذا بحروفه ووضعه في حاشية تحقيقه لكتاب «التقريب» (ص458) دون الإشارة أن الكلام لهما لا له!!

قلت:

أولاً: وقع تحريف في الترجمة التي ذكرها ابن حجر: "مصري"! وكذا وجدتها في كافة المطبوعات! وفي تحرير بشار وشعيب! وطبعة عادل مرشد! والصواب: "بصري".

فكيف يكون مصرياً؟! وإنما اجتهد ابن حجر فقال: "بصري"؛ لأن حسين بن واقد يروي عن بعض البصريين، ولأن المزي ذكر بأن عزرة بن ثابت يروي عنه، وعزرة بصري، فمن هنا قال بأنه بصري.

ويحتمل أنه بصري، والأقرب عندي أنه مروزي؛ لأن حسين بن واقد مروزي، على أنه كثير من الرواة البصريين نزلوا مرو، والعكس، والله أعلم.

ثانياً: بالنسبة لضبط اللقب، فكلا الضبطين محتمل، سيما وأن الفاء والقاف لا فرق بينهما إلا في نقطة، فلا نستطيع توهيم ابن حجر!

فالمزي ضبطه «المقفع»، وكذلك الفيروز آبادي في «القاموس» قال: "ورجُلٌ مُقَفَّعُ اليَدَيْنِ، كمُعَظَّمٍ: مُتَشَنِّجُهُما، ومَرْوَانُ بنُ المُقَفَّعِ: تابِعِيٌّ".

فلا ندري هل كان ذلك الرجل له هذه الصفة، مع احتمال اللقب الآخر.

قال في «القاموس»: "المُفَقَّعُ، كمُعَظَّمٍ: الخُفُّ المُخَرْطَمُ، وَفِي حديثِ شُرَيْحٍ: وعليهِم خِفافٌ لَهَا فُقْعٌ، أَي خَراطيمُ. وتَفاقَعَتْ عَيناهُ: ابْيَضَّتا، من قولِهم: أَبيَضُ فِقِّيعٌ، قيل: انْشَقَّتا، من قَوْلهم: انْفَقَعَ: انْشَقَّ، وَقيل: رَمِصَتا".

ثالثاً: ذكر ابن حجر «المقفع» في آخر كتابه، إنما ذكره كما هو عند المزي (1/35): "المُقعد... المُقَفَّع: مروان بن سالم... المُقَوِّم..."، فهو لا يستطيع تغييره عن الأصل. نعم ربما كان ينبغي التنبيه عليه، لكن هذا لا يعني أنه خالف نفسه كما زعم بشار وشعيب، وتبعهما مرشد دون نظر!!

رابعاً: لم أجد رواية عزرة بن ثابت عن مروان هذا! فلا ندري ما هو مستند المزي لذلك! فلو كان عزرة روى عنه لربما كان معروفاً، لكن تفرد بالرواية عنه فيما يظهر لنا الحسين بن واقد المروزي.

فكل من ترجم له إنما اعتمد على روايته هذه، وجعلوا له رواية عن ابن عمر! وليس كذلك، ولا تُعرف عنه أية معلومات.

ويمكن أن نصوغ ترجمة له فنقول:

مروان بن سالم المُفَقَّع - أو المُقَفَّع -، بصري أو مروزي، رأى ابن عمر في الحج أو العمرة يقصّ من لحيته ما زاد على الكفّ. ولم يسمع منه. وأرسل حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء عند الإفطار. وهو مجهول الحال. وقد تفرد بالرواية عنه: حسين بن واقد المروزي.

والحسين هذا مشّاه بعض أهل العلم كأبي زرعة، والنسائي، وأبي داود فقالوا: "لا بأس به"، ووثقه ابن معين.

واستنكر حديثه الإمام أحمد.

قال الأثرم: قال أحمد: في أحاديثه زيادة، ما أدري أي شيء هي، ونفض يده.

وقال الساجي: فيه نظر، وهو صدوق يهم. قال أحمد: أحاديثه ما أدري إيش هي.

وقال الذهبي في «الميزان»: "وثقه ابن معين وغيره، واستنكر أحمد بعض حديثه، وحرك رأسه، كأنه لم يرضه لما قيل له: إنه روى هذا الحديث الذي رواه معاذ بن أسد، حدثنا الفضل بن موسى، حدثنا الحسين بن واقد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر - مرفوعاً: «لوددت أن عندنا خبزة بيضاء من برة سمراء...». وروى علي بن الحسين بن واقد، حدثنا أبي، عن أبي الزبير، عن جابر - مرفوعاً: «أتيت بمقاليد الدنيا على فرس أبلق عليه قطيفة سندس». هذا منكر".

قلت: فمثل الحسين لا يقبل تفرده بحديث مرفوع!

فلو قلنا بأن الحديث يرويه مروان عن ابن عمر، فلا نقبله من جهة الحسين بن واقد!

فكيف نقبل تفرده عمن يروي عن ابن عمر حديثاً ليس معروفاً عند أصحاب ابن عمر؟ مع جهالة حال مروان هذا!

فالحديث منكر! والصواب أنه مرسل، ولا مدخل لابن عمر فيه!

وقد استغرب الأئمة هذا الحديث كالبزار، والدارقطني، وابن منده. ووجه الاستغراب: تفرد الحسين بن واقد عن رجل مجهول عن ابن عمر! كيف ينفرد هذا المجهول عن ابن عمر بهذا الحديث، ولا يُعرف عن أصحاب ابن عمر!

ومروان هذا مجهول الحال، وحكم ابن حجر عليه بأنه "مقبول" عند المتابعة، لكنه لم يُتابع عليه.

·          قول الألباني في الحديث، ومناقشته!

وذكره الألباني في «الإرواء» (4/39) (920): وقال: "حسن".

ثم قال: "ثم إن مروان بن سالم قد روى عنه غير الحسين بن واقد: عزرة بن ثابت، وهو وإن لم يوثقه غير ابن حبان، فأورده في «الثقات» (1/223)، فيقويه تحسين الدارقطني لحديثه كما رأيت وتصحيح من صححه كما يأتي. والحديث قال الحاكم عقبه: (صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بالحسين بن واقد، ومروان بن المُفقّع). قلت: وفيه أوهام:

الأول: أنه ليس على شرط الشيخين، يعرف ذلك مما سبق في ترجمة الحسين ومروان، وقد انتبه لبعض هذا الذهبي فقال في «تلخيصه»: (على شرط البخاري، احتج بمروان وهو ابن المُفقّع، وهو ابن سالم).

الثاني: الحسين بن واقد لم يرو له البخاري محتجاً به، بل تعليقاً.

الثالث: أن مروان بن المُفقّع لم يحتج به البخاري ولا مسلم، ولم يخرجا له شيئاً، والذهبي نفسه في «الميزان» لما ترجمه أشار إلى أنه من رجال أبي داود والنسائي فقط.

وقال الحافظ في «التهذيب»: "زعم الحاكم في المستدرك أن البخاري احتج به، فوهم، ولعله اشتبه عليه بمروان الأصفر".

قلت: قول الحافظ هذا، قد نبهني إلى شيء، طالما كنت عنه غافلا، وهو أن الذي في «المستدرك»: (... على شرط الشيخين، فقد احتجا..." وهم من بعض النساخ، وهو في قوله: (الشيخين) والصواب (البخاري) كما يشعر به نقل الحافظ عنه، ويؤيده قول الذهبي في تلخيصه كما سبق: (على شرط البخاري احتج بمروان).

وكنت أظن سابقاً أيضاً أن هذا القول من الذهبي متعقباً به على الحاكم، والآن تبين لي أنه حكاية منه لقول الحاكم مقراً له عليه كما هي عادته، وأما عند التعقب فإنه يصدره بقوله (قلت...)، وذلك ما لم يصنعه هنا، فتصويب نسخة المستدرك: (صحيح على شرط البخاري، فقد احتج...) والله أعلم" انتهى كلامه.

قلت:

أولاً: حسّن الألباني الحديث معتمداً على إيراد ابن حبان لمروان في الثقات، ورواية اثنين عنه، وتحسين الدارقطني له!

وهذا كله فيه نظر!

فابن حبان على قاعدته المعروفة أنه يورد في كتابه كل من روى شيئاً ولم يتكلم فيه أحد، فهو على شرطه، وليس معنى ذلك أنه ثقة، فهو مستور الحال على أقل الأحوال.

وأما رواية اثنين عنه فهذا فيه نظر! كما تقدم الكلام عليه! فقول المزي إن عزرة روى عنه فيه نظر!

وأما تحسين الدارقطني فهو لم يقصد التحسين الاصطلاحي الحادث، وإنما يقصد الغرابة كما هو الحال من خلال استقراء كل ما أطلق عليه الحسن في كتابه.

وعلى فرض صحة تحسين الدارقطني له بمعنى القبول، فهو مردود بجهالة حال مروان! وبعلة الإرسال التي بينتها آنفاً، وبتفرد الحسين بن واقد!

ثانياً: محاولة الألباني تصحيح كلام الحاكم في «المستدرك» محاولة جيدة، لكنه لم يُصب في ذلك.

فقد نقل ابن الملقن في «البدر المنير» (5/711) قول الحاكم عن هذا الحديث، فقال: "وقَالَ الحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ".

وقول ابن حجر متعقباً الحاكم عن عدم تخريج البخاري له لا يعني أن نصه عن البخاري فقط، بل ذكر الشيخين أولى؛ لأن مسلماً احتج بالحسين بن واقد.

وربما يكون هناك اختلاف في بعض النسخ، والله أعلم.

·         الرد على كلام بعض الأغمار في ردّه على من ضعّف الحديث!

وقد كتب بعض الأغمار رداً على من ضعّف الحديث، وسأسوق كلامه في فقرات، ثم أبيّن غلطاته فيها.

أولاً: قال: "وقد أخرجه جمع منهم أبوداود في السنن، باب القول عند الإفطار، والنسائي في السنن الكبرى، وفي عمل اليوم والليلة للنسائي وغيرهم كثير".

قلت: هذا نقص في التخريج، وبيان مدار الرواية! فأهم شيء عند المتكلّم في العلل أن يُظهر مدار الرواية، ومن روى الحديث عنه لبيان شهرته في أي طبقة!

ثانياً: قال متحدثاً عن أسباب تصحيحه للحديث: "أسباب التصحيح وأبرز من حكم بصحته. وهي كثيرة لكن أبرزها...".

قلت: قوله: "لكن أبرزها" يوحي بأن عنده أسباباً أخرى! ولعل الأمر عكس ذلك، فإن الأصل في سياق الحِجاج الإتيان بكل ما يعين المتكلم على إثبات قوله، والله أعلم بحقيقة ذلك!

ثالثاً: قال: "أسباب تتعلق بالراوي وهو مروان بن المُفقّع: أنه من طبقة التابعين وهي طبقة يحتمل النقاد عدم شهرتهم ويقبلون حديثهم أحياناً بالقرائن. قال الإمام الذهبي: "(وأما المجهولون من الرواة فإن كان الرجل من كبار التابعين، أو أوساطهم احتُمل حديثه، وتلقي بحسن الظن، إذا سلم من مخالفة الأصول، ومن ركاكة الألفاظ)".

قلت: نعم، يحتمل الأئمة النقاد بعض مَنْ لم يشتهروا في طبقة التابعين بالقرائن، لكن ما هذه القرائن هنا في هذا الراوي؟

ثم كلام الذهبي لا ينطبق على مروان هذا! فعلى أقل الأحوال يجب أن يكون الراوي عنه ثقة مطلقاً، لا راو يخطئ ويهم، وينفرد بالمناكير مثل الحسين بن واقد!

ثم هناك قرينة ترد قبول حديثه، وهو عدم معرفة أصحاب ابن عمر هذا الحديث! فكيف يتفرد به راو مجهول مثل مروان؟!

رابعاً: قال: "أنه صرح بلقي ابن عمر وسماعه منه هذا الحديث".

قلت: هو صرح برؤية ابن عمر يقص ما زاد على القبضة من لحيته، ولم يصرح أنه سمع منه! وقد بينت أن ما جاء في الحديث: "وقال" إنما هو مروان نفسه لا ابن عمر.

وقد بيّنت أن ابن عمر كان يفعل ذلك في حج أو عمرة، فهذا يعني أنه رآه هناك، فهل يسمع منه حديثاً ينفرد به دون أصحابه ومن يلازمه؟!!

فالرؤية واللقاء شيء، والسماع شيء آخر!

والنص صريح بأنه رأى ابن عمر يفعل، ولم يسمع منه! وعلى فرض أنه سمع منه هذا الدعاء، فما مناسبته في ذلك الموقف؟! وأين أصحابه الذين يلازمونه عنه؟!

روى الخطيب في «تاريخه» (1/581) من طريق عمرو بن دينار، قَالَ: قدم عَبْداللَّهِ بن الحارث حاجّاً، فأتى ابن عُمَر فسلّم والقوم جلوس، فلم يره بَشَّ به كما كان يفعل، فقال: يا أبا عَبْدالرَّحْمَنِ أما تعرفني؟ قَالَ: بلى ألست بَبَّه؟ قَالَ: فشق ذلك عليه وضحك القوم، ففطن عَبْداللَّهِ بْن عُمَر، فقال: إن الذي قلت لا بأس به، ليس يعيب الرجل. إنما كان غلاماً خادراً، وكانت أمه تنزيه أو تنبزه تقول:

لأنكحن ببَّه *** جارية خدبّه

فمجلس ابن عمر كان عامراً بطلبة العلم في الحضر والسفر، والحجّ والعمرة، فأين هم عن هذا الدعاء؟!

خامساً: قال: "أن ابن حبان ذكره في الثقات، وسكت عليه المتقدمون كالبخاري وابن أبي حاتم، فلم يصرحوا بجرحه أو بجهالته، وقد روى عنه اثنان، وهما الحسين بن واقد وعزرة بن ثابت، وقال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب (ص: 526) (مصري مقبول)".

قلت: ذكر ابن حبان له على قاعدته في إيراد كل من له رواية ولا يوجد فيه أي كلام للعلماء، وهذا لا يعني التوثيق، فكم من أمثال هذا أورده ابن حبان في كتابه، وروى المناكير!

وسكوت البخاري وابن أبي حاتم لا ينبغي أن تخرج ممن يتكلم عن العلل!! فهل يُنسب لساكت قول؟

ثم البخاري ليس من شرطه أن يذكر الجرح والتعديل في كتابه! فشرط كتابه أن يذكر كل من له رواية، وهو في تراجمه يعتمد على ما يروي الراوي كما فعل هنا في ترجمة مروان، فذكره لذلك.

وأما ابن أبي حاتم - فالأصل الكلام على رأي أبيه لأنه هو ينقل عنه، فأبو حاتم ذكر مروان مولى هند وفي أثناء ترجمته ذكر مروان هذا، فكأنه يرى احتمالية أنه هو نفسه، وقد بينت آنفاً أنه ليس هو.

وعليه فالأصل أنه مجهول بحسب ما نعرفه من تصرف أبي حاتم في هؤلاء الرواة.

ثم ليس شرطاً عند أبي حاتم أو ابنه التصريح بتجريح أو جهالة كل ما يورده في كتابه.

وأما قول ابن حجر فهو حجة عليه لا له! فهو قال: "مقبول" وقد بين ابن حجر في مقدمة كتابه أنه إذا قال في الراوي مقبول = يعني إذا توبع، وإلا فليّن الحديث، وهنا مروان لم يتابع عليه! فكيف يحتج بكلام ابن حجر وهو لا يدري ماذا قال عن هذا المصطلح في كتابه؟!

ثم مشى عليه التحريف الواقع في الكتاب "مصري"! والصواب "بصري".

سادساً: قال: "أسباب تتعلق بالمروي: أن فيه قصة تدل على مزيد ضبط ابن المُفقّع له، فهو يخبر عن أمر رآه وسمعه فقال مروان المُفقّع: رأيت عبدالله بن عمر قبض على لحيته فقطع ما زاد على الكف.

ومن كلام أئمة النقد الدال على تقويتهم الرواية بقرينة القصة:

*قالَ أَحْمد بن حَنْبَل: "إِذا كَانَ فِي الحَدِيث قصَّة دلّ على أَن راوية حفظه". انظر (الفتح 1/363).

*وقال أبو حاتم في علل ابنه برقم 1203 عند الكلام على حديث (نهى عن التبتل) بعد أن صححه قال: لأن لسعد بن هشام قصة في سؤاله عائشة عن ترك النكاح يعني التبتل).

*ذكر البقاعي في النكت الوفية أن من القواعد أن الروايتين إذا اختلفت قدم الذي ذكر قصة في حديثه، لأن ذكرها مظنة لزيادة ضبطه".

قلت: لا شك أن ورود قصة في الرواية حدثت للراوي هي قرينة على ضبطه، لكن هذا ليس على إطلاقه، فبعض الرواة القصة تدل على نكارة حديثهم!

ثم أين القصة التي ذكرها مروان هذا مما يدل على ضبطه للحديث؟!

نعم هو أخبر أنه رأى ابن عمر يقص ما زاد على القبضة من لحيته، وهذا ليس محل النزاع، وإنما محل النزاع في الرواية التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فرؤيته لابن عمر شيء، وروايته شيء آخر! فهل القصة لها علاقة بهذه الرواية حتى نقول: إنه ضبط الحديث؟!!

فليس في القصة أنه سأل ابن عمر عن شيء وحفظ منه جوابه ونحو ذلك!

فرؤيته له لذلك الفعل شيء، والحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء آخر لا علاقة له بحفظ ولا بنحوه!!

ثم ما استشهد به من كلام أبي حاتم في تصحيح حديث سعد بن هشام لأن فيه قصة في سؤاله عائشة فيه نظر! وهذا يدل على قلّة فهم!

فهل القصة التي ذكرها أبو حاتم هي من جعلته يصحح الحديث لأن في ذلك مزيد ضبط؟! الحديث كلمتان (نهى عن التبتل)! فهل هذا يحتاج لقصة حتى يضبطه الراوي؟

إن كان ذلك كذلك فهذا سوء فهم! فأبو حاتم سأله ابنه عن حديث رَوَاهُ أَشْعَثُ بنُ عبدالملك، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عائِشَة: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن التَّبَتُّل».

وَرَوَاهُ معاذُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادة، عَنِ الْحَسَنِ، عن سَمُرَة: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ التَّبَتُّل».

قلتُ: أيُّهما أصَحُّ؟

قَالَ أَبِي: "قَتادةُ أحفظُ مِنْ أَشْعَث، وأحسَبُ الحديثَيْنِ صحيحَيْنِ؛ لأنَّ لِسَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قِصَّةً فِي سُؤَالِهِ عائِشَةَ عَنْ تَرْك النِّكاح؛ يَعْنِي: التَّبَتُّلَ".

فالاختلاف هنا على الحسن، لكن أبا حاتم صحح حديث قتادة لأنه حافظ، وصحح حديث أشعث لأن في حديثه أن سعد بن هشام سأل عائشة عن ترك النكاح، فأجابته بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل.

فهذه القصة دلت على أن سعد بن هشام سمع الحديث من عائشة، وليس فيه وهم على الحسن. والقصة ليست مرجحاً أن سعد بن هشام حفظ الحديث، وإنما هي دليل على أنه سألها = يعني صحة ما نقله عنها.

وأما القاعدة التي ذكرها عن البقاعي: "ومنَ القواعدِ أَنَّ الراويينِ إذا اختلفا قُدّمَ الذي ذكرَ قصةً في حديثهِ؛ لأنَّ ذِكرَها مظنةٌ لزيادةِ ضبطهِ"، فقاعدة جيدة لكن البقاعي ذكرها هنا عند اختلاف الرواة.

وفي حديثنا هذا لا يوجد اختلاف! وإنما تفرد راو بحديث لم يُتابع عليه!

سابعاً: قال: "إن أبا داود والنسائي عندما أخرجوا حديثه لم يتعقبوه بشيء بل بوبوا له بابا وهو باب القول عند الإفطار، ولا ريب أن سكوتهم عن الحديث يعد قرينة من قرائن تقويته وصلاحه عندهم.

وقال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: مروان المُفقّع روى عن ابن عمر حديثا مرفوعا.

فأبو حاتم هنا ذكر روايته لهذا الحديث دون أن ينكرها أو يتعقبها وفي هذا قرينة لقبوله حديثه هذا".

قلت: وهل يلزم أبا داود والنسائي إذا خرجا حديثاً أن يتعقباه؟ وأن تبويبهما عليه وسكوتهما عنه قرينة على قبولهما له؟! فهذا لا يقوله عاقل بله إنسان يتكلم في علل الأحاديث!!

فكم عدد الأحاديث التي أخرجها أبو داود والنسائي وتعقباها؟! فعلى هذا كل حديث سكتا عنه فهو مقبول عندهما = وهذا يعني صحة جُلّ ما في كتابيهما!

وكم من الأحاديث بوّبا عليها وهي أحاديث ضعيفة، بل وبعضها منكر، فهل هذا يدل على احتجاجهما بها لتبويبهما عليها؟

وهذا أبو داود ذكر في الباب نفسه حديث معاذ بن زُهْرة، أنه بلغه أن النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلم- كان إذا أفطر، قال: «اللَهُمَّ لك صُمْتُ، وعلى رِزْقِكَ أفْطَرْتُ».

فسكت عنه وهو ضعيف! والمعترض نفسه ضعفه وقال إنه متفق على ضعفه.

ومن المعروف أن أصحاب السنن يوردون في الأبواب ما وقع لهم من أحاديث سواء أصحيحة كانت أم ضعيفة، ولا نلزمهم بأن عدم تعقبهم لها بأنهم يقبلونها؛ لأن الأصل عندهم إيرادها دون الكلام عليها.

وأما أن أبا حاتم لما ذكر أنه روى عن ابن عمر حديثا مرفوعا ولم يتعقبه ولم ينكره يعني أن هذه قرينة على قبوله! فلا أدري من أين يأتي هذا المعترض بهذه الأوهام والخيالات!!

بل إن من خبر طريقة أبي حاتم في كلامه يدرك أنه يستغرب روايته لهذا الحديث عن ابن عمر ويتفرد به! فسياقه لها من باب الاستغراب والاستنكار، ولا يلزم منه التصريح بذلك.

فليس كل حديث يشير إليه في بعض التراجم ولم يتكلم عليه نقول بأن هذه قرينة على قبوله! فهذا لا يقول به أحد!

فهو أحياناً يقول في بعض التراجم: "روى حديثاً واحداً" دون أن يُعقّب بشيء، فهل يعني هذا أنه يقبله؟

ثامناً: قال: "أن جمعا من العلماء حكموا على إسناد الحديث أنه حسن ومنهم: الدارقطني، وابن حجر، والألباني، وغيرهم".

قلت: حتى لو حسّنوه، فالأصل النظر في حال الرواة، فتحسينهم له لا يقضي بأنه ليس معلولاً!

وكلام الدارقطني سيأتي الكلام عليه، وأما ابن حجر فيحسن مثل هذا وهو معروف بذلك، بل يحسن بعض المناكير! وأما الألباني فحدِّث ولا حرج! كان مشروعه تنقية السنة من الضعيف، فملأها بالضعيف والمنكرات!!

تاسعاً: قال - وهو يرد على الشيخ عبدالله السعد بأنه لا يلزم من تحسين الدارقطني له أنه مقبول، ومتنه محفوظ؛ لأن الحسن عند المتقدمين أوسع منه عند المتأخرين، وأحياناً يطلقونه على الغريب، أو يريدون حسن ألفاظه...-، قال: "فهذا غير صحيح هنا لأمور: أن الدارقطني قال في رواية أخرى: (تفرد به الحسين، وإسناده حسن لا بأس به) كما في إتحاف المهرة لابن حجر، وهذه الزيادة تؤكد أن الدارقطني قصد بكلامه تقوية الحديث، ولم يقصد أي معنى آخر".

قلت: قول الشيخ السعد هو الصواب، فالمتقدمون يطلقون "الحسن" في الغالب على الحديث الغريب، ومن تتبع ذلك عند الدارقطني في «السنن» عرف ذلك، فهو يقول هذا في الأحاديث الغريبة!

وما قاله بأن الدارقطني قال في رواية أخرى مستدلاً بما ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (8/677): "وقال الدارقطني: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. لا بَأْسَ بِهِ". فهذا فيه نظر!

فها هو ابن حجر نفسه قد نقل عن الدارقطني في «التلخيص الحبير» (2/445) قال: "قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ".

فأين قول الدارقطني: "لا بأس به"؟!!

ثم ها هو ابن الملقن ينقل في «البدر المنير» (5/711) قول الدارقطني: "قالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده حسن".

فأين قول الدارقطني: "لا بأس به"؟!

والأرجح عندي أن قوله: "لا بأس به" كلام ابن حجر، فبعد أن ساق كلام الدارقطني، قال هو هذا الكلام عن الحديث.

وهذا المصطلح: "إسناده حسن لا بأس به" لا يستخدمه الدارقطني في كتابه بالجمع هكذا، وإنما استخدم مصطلح "لا بأس به" منفرداً في أحاديث قليلة جداً.

ولو أراد الدارقطني ما ذهب إليه المعترض لقال عن الحديث: "إسناد حسن كلهم ثقات"، أو "هذا إسناد حسن صحيح كلهم ثقات" كما في كتابه عن بعض الأحاديث، فالأرجح أنه إذا قال: "إسناده حسن" = يعني أنه غريب!

وما احتج به مما هو عند ابن حجر في «الإتحاف» فيه نظر!

عاشراً: قال: "أن العلماء نقلوا تحسين الدارقطنى للحديث دون أن يتعقبوه بشيء بل حملوه على ظاهر معناه من الاحتجاج به. ومن هؤلاء العلماء: الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن، وابن قدامة في المغني، وابن تيمية في شرح العمدة، وابن الملقن في البدر المنير، وابن حجر في التلخيص الحبير".

قلت: وهل يلزم أن يتعقبوه؟!

ثم عادة أهل العلم أنهم ينقلون أحكام المتقدمين على الأحاديث، فالدارقطني قال عنه بأنه حسن، فنقلوه، فكان ماذا؟!

إن رأوا أنه قصد الحسن = يعني القبول فهذا رأيهم، ونخالفهم في ذلك للعلل التي قدمناها.

أحد عشر: قال: "أن جماهير العلماء استحبوا الدعاء بمثل هذا الدعاء عند الفطر. وممن نص على استحبابه من علماء الشافعية: الماوردي... وممن نص على استحبابه من علماء الحنابلة: ابن تيمية...".

قلت: الفقهاء عادة لا ينظرون لعلل الأحاديث، وهم يعملون بكثير من الأحاديث الضعيفة، ويستحبون ذلك، فالعمل والاستحباب لا يعني صحة الحديث، وقد رُوي هذا الدعاء عند الفطر عن الإمام الزاهد الربيع بن خُثيم (ت 65هـ)، وأنه كان يقول: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت»، وفي لفظ: «اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا» كما في «طبقات ابن سعد» - وسيأتي الكلام على إسناده إن شاء الله -، فأصل الدعاء عند وقت الإفطار مرويٌّ عن بعض السلف، وهو انتهاء أداء طاعة واجبة، ومظنّة قبول الدعاء فيها كما استحب الدعاء قبل السلام من الصلاة وبعده فيما صح من الأذكار والأخبار! فلا يستغرب حينها استحباب الفقهاء للدعاء لأجل ذلك.

فهذه إجابات سريعة على ما قاله المُعترِض، والله المستعان.

وما أجمل قول الفقيه القاضي أبي القاسم عبدالوهاب المُهلبيّ البَهَنْسِيّ (ت 685هـ) في نظمه لمُثَلَّثاتِ قُطْرُب:

غَديرُ ماءٍ يا حبيبِي الغَمْرُ // والحِقْدُ في الصَّدرِ فذاكَ الغِمْرُ

والجاهِلُ الأحْمَقُ فهو الغُمْرُ // يُعْلَفُ أتْباناً مَعَ الثِّيرانِ

·       حديث مُعَاذ أَبي زَهْرَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ»!

والحديث مشهور أيضاً من رواية معاذ أبي زهرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً.

رواه مُحَمَّد بن فُضَيْلٍ الضّبيّ في جزء «الدعاء» (ص: 237) (66). [ورواه عنه: ابن أبي شيبة في «مصنفه»، مَا قَالُوا فِي الصَّائِمِ إذَا أَفْطَرَ مَا يَقُولُ؟، (6/330) (9837)].

وعبدالله بنُ المُبَارَكِ في «الزهد» (1/495) (1410) عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِي.

وأبو داود في «المراسيل» (ص: 124) (99)، وفي «سننه» (4/40) (2358) عن مُسَدَّد بن مُسَرهَد الأسَدي، عَنْ هُشَيْم بن بشير السلميّ.

ويحيى بن صاعدٍ في «زياداته على الزهد» (1/495) (1411) عن عَبْداللَّهِ بن أَحْمَدَ بنِ يُونُسَ أَبي حَصِينٍ، عن عَبْثَر بن القَاسِمِ أَبي زُبَيْدٍ.

والبغوي في «معجم الصحابة» (5/291) من طريق فُضيل بن عِياض.

كلهم (ابن فُضيل، والثوري، وهُشيم، وعَبثر، وفُضيل) عن حُصَيْن بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ الكوفيِّ، عن مُعَاذ أَبي زُهْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ».

وقَالَ: وَكَانَ الرَّبِيعُ بنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصُمْتُ، وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْتُ».

وفي رواية أبي داود: عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ». ولم يذكر قول الربيع بن خُثيم.

·       الاختلاف على سفيان الثوري!

رواه ابن المبارك عن سفيان الثوري، عن حصين، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وخالفه الأشجعي، فرواه عن سفيان، وزاد فيه رجلاً بين حصين ومعاذ! وكذا خالف في متنه!

رواه ابنُ السُّنّي في «عمل اليوم والليلة» (ص: 429) (479) من طريق أَبي النَّضْرِ هاشم بن القاسم.

والبيهقي في «الدعوات الكبير» (2/99) (501)، و«شعب الإيمان» (5/406) (3619) من طريق إِبْرَاهِيمَ بن أَبِي اللَّيْثِ.

كلاهما عن عُبيدالله الْأَشْجَعِيّ الكوفيّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصُمْتُ، وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْتُ».

وعبيدالله الأشجعي من أعلم الناس بحديث سفيان، وكان راويته. وابن المبارك ثقة أيضاً.

ورواية ابن المبارك عن سفيان، موافقة للروايات الأخرى عن حصين دون ذكر الرجل!

فرواية الأشجعي من باب المزيد في متصل الأسانيد، وهي وهم، زاد رجلاً في إسناد متصل = حصين عن معاذ. وقد وجدت أوهاماً للأشجعي عن سفيان، يخالف ما يرويه الجماعة عن سفيان! [انظر بحثي: «الدُّرُ الثمين» في عدم سماع عبدالله بن بُريدة من عائشة أمّ المؤمنين].

ومما يؤيد رواية ابن المبارك عن سفيان، ما رواه ابن سعد في «الطبقات» (6/225) عن مُحَمَّد بن عَبْدِاللَّهِ الأَسَدِيّ أبي أحمد الزبيريّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْنَا وَعَلَى رِزْقِكَ أفطرنا».

وهذا الجزء الثاني من الرواية نفسها، لم يذكر الزبيري بين سفيان وحصين أحداً.

·       تعقّب على البيهقي!

والعجب من البيهقي فكأنه غفل عن رواية ابن المبارك عن الثوري، فلما ساق الحديث من طريق أبي داود السجستاني في «فضائل الأوقات» (ص: 302) قال: "وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُعَاذٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصُمْتُ، وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْتُ»".

قلت: فجعل الثوري مخالفاً لمن رواه عن حصين بزيادة الرجل، وقد تبيّن أن ابن المبارك رواه عنه دون ذكر الرجل، وكذا أبو أحمد الزبيري، وإنما الذي زاد فيه الرجل هو الأشجعي!

وربما الذي جعل البيهقي يذهب إلى هذا أنه لم يقف على رواية ابن المبارك عن الثوري عن حصين، عن معاذ، وإنما هو روى الحديث من «سنن أبي داود».

·       خطأ لشعيب الأرنؤوط!

وكذا فعل شعيب الأرنؤوط ومساعده في تحقيق «سنن أبي داود» (4/40) فذكرا في الحاشية: "وأخرجه عبدالله بن المبارك في «الزهد» (1410) و(1411)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» 3/100، وأبو داود في «مراسيله» (99)، والبيهقي في «الكبرى» 4/239، والبغوي في «شرح السنة» (1741) من طرق عن حصين، بهذا الإسناد، وأخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (479) من طريق سفيان الثوري، عن حصين بن عبدالرحمن، عن رجل، عن معاذ بن زهرة. بزيادة رجل قبل معاذ بن زهرة".

قلت: العجيب أن رواية ابن المبارك في «الزهد» عن سفيان، وكذا رواية البغوي، وشعيب أشار لها، فكيف يُصوّر المسألة أن الثوري خالف أصحاب حصين فزاد فيه رجلاً؟!

وإنما الاختلاف على الثوري، وقد وهم الأشجعي في زيادة الرجل، ولا علاقة للثوري بهذا الوهم! فكان ينبغي عليه كمحقق أن يُبيّن الاختلاف على سفيان لا أن يجعله هو المخالف لأصحاب حصين!! والله المستعان.

·       سقط في كتاب «الزهد» لابن المبارك!

سقط من كتاب «الزهد» لابن المبارك، رواية الحسين المروزي عنه، رواية ابن صاعد عن المروزي، بتحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، وكذا النسخة التي بتحقيق: أحمد فريد، سقط من الإسناد "عن سفيان"، فصار الحديث: "عن ابن المبارك، عن حصين"!

ورواية ابن صاعد رواها الشجري في «أماليه»، وجاءت عنده على الصواب.

قال (ص: 116): أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَةَ الْبَغْدَادِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِأَصْفَهَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَيْفٍ الْبَغْدَادِيُّ الْكَاتِبُ، إِمْلَاءً بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ مَوْلَى الْمَنْصُورِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، الحديث.

فكأنه سقط "عن سفيان" من النسخة المشتهرة عن ابن صاعد.

وقد رواه البغوي في «شرح السنة» (6/265) (1741) من طريق إِبْرَاهِيم بن عَبْدِاللَّهِ الخَلالُ، قال: حدثنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُعَاذٍ، به.

وكذا سقط من رواية نُعيم بن حماد عن ابن المبارك!

فجاء في كتاب «الزهد» - رواية نُعيم بن حماد (2/663) (1422): [عن] حصين، عن معاذ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أفطر... الحديث.

قال محققه د. عامر صبري: "ما بين المعقوفتين من المطبوع، وجاء في الأصل: (أخبرنا) وهو خطأ بلا شك؛ لأن ابن المبارك لا يروي عن حصين بن عبدالرحمن مباشرة، وإنما يروي عنه بطريق بعض شيوخه، ومنهم سفيان بن عيينة كما جاء في النص رقم (702)" انتهى كلامه.

قلت: يبدو أن السقط جاء في أكثر من نسخة عن ابن المبارك! وعامر صبري لم يستطع معرفة هذا السقط من الإسناد! وهو: "سفيان الثوري".

·       نسبة خطأ في إسناد الشجري في «الأمالي»!

قال يحيى بن الحسين الشجري الجرجاني (ت 499هـ) في «أماليه» (ص: 116): أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَةَ الْبَغْدَادِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِأَصْفَهَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَيْفٍ الْبَغْدَادِيُّ الْكَاتِبُ، إِمْلَاءً بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ مَوْلَى الْمَنْصُورِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ». وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ، يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصُمْتُ وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْتُ».

وهو كذلك في «ترتيب الأمالي الخميسية للشجري» [ترتيب القاضي محيي الدين محمد القرشي العبشمي (ت610هـ)] (1/354) (1250)].

فهذا الحديث ليس عن "معاذ بن جبل"! وقد نسبه بعضهم في الإسناد فوهم!

والأصل في رواية ابن صاعد: "عن معاذ" دون نسبة، وقد نبّه ابن صاعد على أنه ليس ابن جبل، وكأنه يُحذّر من ذلك لئلا يأتي أحد فينسبه!

قَالَ ابنُ صَاعِدٍ في روايته: "وهَذَا مُعَاذٌ لَيْسَ هُوَ ابْنَ جَبَلٍ، إِنَّمَا هُوَ: مُعَاذٌ أَبُو زَهْرَةَ".

والذي جعل ابن صاعد يُنبّه على ذلك أنه إذا أُطلق "معاذ" في الإسناد بعد ذكر التابعي، فإنما هو "ابن جبل"، وهو المشهور في الصحابة باسم معاذ، إلا أن ما خشيه ابن صاعد قد حصل فنسبه بعضهم فوهم!

وهذا يحصل أحياناً لبعض الرواة وخاصة في الأسماء المشهور في الصحابة، فإذا تعدّى الإسناد التابعي وجاء بعده اسم وهذا الاسم لصحابي مشهور، فقد يُخطئ بعض الرواة وينسبه خطأً! وإن كان حصين بن عبدالرحمن لم يدرك معاذ بن جبل، لكن العبرة في شهرة الاسم مع معاصرة التابعي للصحابي الذي نُسب في الإسناد كما حصل في حديث صيام عرفة أنه يُكفّر سنتين، فقد رواه عبدالله بن مَعبد الزماني البصري - وهو تابعي - عن أبي قتادة! والمشهور بهذه الكنية في الصحابة: "الأنصاري"، فصار الحديث: "عن أبي قتادة الأنصاري"! وإنما هو: "عن أبي قتادة العدوي" وهو تابعي بصري. وقد فصّلت ذلك في كتابي: [«كشفُ الغِطاء» عن علّة حديث «فضل صوم يومي عرفة وعاشوراء»].

·       من هو راوي قول الرَّبِيع بن خُثَيْمٍ؟!

الحديث يرويه جماعة عن حُصَيْن بن عبدالرحمن، عن مُعَاذ أَبي زهْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ». وقَالَ: وَكَانَ الرَّبِيعُ بنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصُمْتُ، وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْتُ».

وجاء في جزء «الدعاء» لمحمد بن فُضيل (ص: 237) (66) رواية عَلِيّ بن المُنْذِرٍ الكوفي المعروف بالطريقي، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي زُهْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَامَ، ثُمَّ أَفْطَرَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ».

ثم قال (67): حَدَّثَنَا ابنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصُمْتُ، وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْتُ».

لكن قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/330): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي زُهْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَامَ، ثُمَّ أَفْطَرَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْت وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْت».

قَالَ: وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصُمْت، وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْت».

قلت: رواية ابن أبي شيبة عن ابن فضيل مثل رواية الجماعة عن حصين، لكن في رواية علي بن المنذر عن ابن فضيل فصّل القول الثاني، وجعله عن حصين! ووقع خطأ في الاسم، فقال: "أبو حصين"! وكأنه خطأ من النسخ!

فظاهر رواية الجماعة عن حصين أن قول الربيع هو بالإسناد نفسه، فيكون صاحب القول هو "معاذ أبو زهرة"، يعني روى حصين عنه حديثه المرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم روى عنه عن الربيع بن خثيم أنه كان يقول...

ويؤيد ذلك ما رواه ابن سعد في «الطبقات» (6/225) عن مُحَمَّد بن عَبْدِاللَّهِ الأَسَدِيّ، عن سُفْيَان الثوري، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْنَا، وَعَلَى رِزْقِكَ أفطرنا».

ورواه ابن سعد أيضاً عن الفَضْلُ بنِ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ هِلالِ بنِ يِسَافٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بنِ خُثَيْمٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت».

ورواية شريك فيها وهم! فحصين يروي عن معاذ عن الربيع، لا عن هلال بن يساف عن الربيع! وشريك سيء الحفظ! وقد وهم في ذكر "هلال بن يساف"! وسبب وهمه أنه لم يضبط اسم معاذ، وقال "عن هلال بن يساف" لأنه مشهور بالرواية عن الربيع بن خُثيم.

لكن يُستفاد من رواية شَريك هذه إثبات الواسطة بين حصين وبين الربيع.

وقد جعل د. عامر صبري أثناء تحقيقه لكتاب «الزهد» لابن المبارك قول الربيع هذا يرويه عنه حصين!

فقال (2/663): "هذا موصول بما سبق، ورواه محمد بن فضيل بن غزوان في كتاب الدعاء (67) عن حصين بن عبدالرحمن عن ابن خثيم به. وحصين لم يدرك ابن خثيم".

قلت: الأرجح أن هذا القول رواه حصين عن معاذ عن الربيع، فاللفظ الأول في الحديث: "عن معاذ أبي زهرة قال..."، واللفظ الثاني: "وقال..." هو تابع لقائل القول الأول، فيكون هو معاذ هذا، والله أعلم.

وعلى كلا الحالين، فهذا لا يصح عن الربيع بن خُثيم.

فإن كان راويه عنه: معاذ، فهو مجهول لا يُعرف! وإن كان حصين فهو منقطع؛ لأنه لم يسمع منه، فحصين مات سنة (136هـ) وله (93) سنة = يعني أنه ولد سنة (43هـ)، والربيع بن خثيم مات سنة (65هـ)، يعني كان عمر حصين لما مات الربيع (22) سنة تقريباً، فهو قد عاصره، لكن لم يسمع منه، وأهل الكوفة كانوا يتأخرون في السماع.

·       رأي شعيب الأرنؤوط في قول الربيع!

قال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على «سنن أبي داود» (4/41): "وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» 6/189 من طريق سفيان الثوري، عن حصين، عن معاذ، عن الربيع بن خُثيم قوله. فجعله من قول الربيع بن خثيم، وليس من قول النبي -صلَّى الله عليه وسلم-، والظاهر أنه هو الصواب، فقد أُسنِد من وجه آخر عند ابن سعد أيضاً 6/189 من طريق شريك النخعي، عن حصين، عن هلال بن يِساف، عن الربيع بن خثيم، قوله، وشريك يعتبر به عند المتابعة" انتهى.

قلت: هذا كلام ليس بمستقيم! فالذي روى القولين: المرسل المرفوع، والموقوف هو معاذ نفسه، وليست المسألة أنه اختلف عليه حتى نقول بأن فلاناً رواه عنه من قوله، وهو الصواب!!

ثم إن رواية شريك وهم، ولم يروه هلال بن يساف، وإنما هو من رواية معاذ أبي زهرة، ولكن شريك لسوء حفظه لم يضبطه.

والرَّبِيْعُ بنٌ خُثيم الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، أَبُو يَزِيْد الكُوْفِيُّ (ت 65هـ)، أَدْرَكَ زَمَانَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَرْسَلَ عَنْهُ، وكان من أَوْرَعَ أَصْحَابِ عَبْدِاللهِ بن مسعود، فيُحتمل هذا القول عنه، إلا أنه لا يُعرف إلا من طريق حصين بن عبدالرحمن، وحصين ثقة، لكن تغير حفظه ونسي آخر عمره! وهو من تفرد بكلا الإسنادين عن معاذ، ولا يُعرف إلى في هذا الحديث!

·       ترجمة مُعاذ أبي زُهرة:

ترجم أهل العلم لمعاذ هذا بهذا الحديث المرسل الذي رواه عنه حصين.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/364) (1568): "مُعَاذ أَبُو زهرة. قالَ حصين، مرسل، قاله يحيى بن معين".

كذا ترجم له البخاري! يعني أن حصينا روى عنه، وهو مرسل كما قال ابن معين.

وكأنه وقف على اختلاف آخر على حصين، فترجم له أيضاً (1/227) (711): "مُحَمَّد بن معاذ: كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ إفطاره: «لك صمت»، قَالَه لنا مُوسَى: سَمِعَ عَبْدالعزيز بْن مُسْلِم: سَمِعَ حصيناً، مرسل".

قلت: ذكر البخاري هنا اختلافاً آخر على حصين!

فرواه موسى بن إسماعيل التبوذكي، عن عبدالعزيز بن مسلم القسملي المروزي، عن حصين بن عبدالرحمن، عن محمد بن معاذ.

فسماه حصين هنا: "محمد بن معاذ"! وهذا يؤكد ما قلته سابقاً أن حصيناً كان قد ساء حفظه.

·       تعقّب أبي حاتم للبخاري!

وقد تعقّب أبو حاتم البخاري في هذه الترجمة! فقال ابن أبي حاتم في «بيان خطأ البخاري في تاريخه» (ص: 8) (27): "[محمد بن معاذ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند إفطاره. روى عنه حصين بن عبدالرحمن].

وإنما هو معاذ أبو زهرة. ويُقال: أبو حنيفة. سمعت أبي يقول كما قال".

قلت: يعني أن البخاري أخطأ في هذه الترجمة فقال: "محمد بن معاذ"، والصواب أنه "معاذ أبو زهرة"!

وهذا تعقّب مردود! فالبخاري لا دخل له إن كان هناك خطأ! فهو إنما ترجم له بحسب ما وقع في الإسناد، وهو قد ترجم لمعاذ أيضاً كما تقدم.

وقد أحسن المعلمي عندما علّق على كلام أبي حاتم بقوله: "فإن كان خطأ فممن فوق البخاري".

ثم علّق على ما وقع في الكتاب: "ويقال: أبو حنيفة"، فقال: "كذا وقع في الأصل ولم أجدها في «الجرح والتعديل» ولا غيره، وأخشى أن يكون الصواب «ويقال: ابن زهرة»".

قلت: لا بدّ أن تكون محرّفة، والصواب كما قال المعلمي: "ويقال: ابن زهرة".

وقد نقل المزي في «تهذيب الكمال» (28/122) عن البخاري أنه قال: "معاذ أَبُو زهرة: قال حصين: حُدثت عنه، مرسل".

قلت: لعل هذا في نسخة أخرى من نسخ «تاريخ البخاري»، فإن صحّ فهذا اختلاف آخر على حصين أنه يروي عن معاذ بواسطة مجهولة! وهذا يدّعم رواية الأشجعي عن الثوري بزيادته رجلاً في إسناده بين حصين ومعاذ!

فيبدو أن الاختلاف شديد على حصين، وأنه كان يضطرب فيه بسبب تغير حفظه، والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/248) (1126): "معاذ أبو زهرة: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً. روى عنه: الحصين بن عبدالرحمن. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في «ثقات التابعين» (7/482) (11056) قال: "معَاذ أَبُو زهرَة الضَّبِّيّ: يروي المَرَاسِيل. روى عَنهُ حُصَيْن بن عبدالرَّحْمَن".

وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (10/190) (354): "والذي ذكره بلفظ الكنية: البخاري في «التاريخ»، وتبعه ابن أبي حاتم، والذي ذكر أن زهرة اسم والده هو الذي وقع في «السنن» لأبي داود، وفي «المراسيل»، لكن وقع عنده: عن معاذ بن زهرة: أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أخرج ابن السني الحديث من وجه آخر عن حصين بلفظ آخر، ولم يقل في سياقه أنه بلغه. وقال أبو موسى في «الذيل» لما ذكره: وقال جعفر بن يونس في الصحابة: من قال إن له صحبة فقد غلط أو كما قال".

وقال في «التقريب» (ص: 536) (6731): "معاذ بن زهرة، ويقال: معاذ أبو زهرة. مقبول، من الثالثة، أرسل حديثاً فوهم من ذكره في الصحابة".

وتعقبه صاحبا «التحرير» (3/389) فقالا: "بل: مجهولٌ، فقد تفرَّد بالرواية عنه حصين بن عبدالرحمن، وذكره ابن حبان وحده في الثقات، وحديثه الواحد الذي أخرجه له أبو داود مرسل".

قلت: إنما لم يجهّله ابن حجر؛ لأن هناك من ذكره في الصحابة، ومنهجه أنه إذا كان الرجل مختلف في أنه صحابي أم لا، فإنه لا يجهله!

والصواب أنه ليس بصحابي، وإنما هو في عداد التابعين، وحديثه مرسل، ولم يُتابع عليه، وقول ابن حجر في الراوي: "مقبول" = يعني إذا تُوبع، وإلا فهو ليّن الحديث.

قال البغوي في «معجم الصحابة» (5/291): "معاذ بن زهرة. روى فضيل بن عياض عن حصين، عن معاذ بن زهرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صام قال: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت».

وقال أبو القاسم: ولا أدري لمعاذ بن زهرة صحبة أم لا".

قلت: وهذه رواية أخرى عن حصين يرويها عنه: فضيل بن عياض مثل رواية الجماعة كما سبق.

وقال مغلطاي في «الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة» (2/187) (977): مُعَاذ أبو زُهْرةَ. حدَّث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صام قال: «اللهم لك صمت».

قال أبو موسى: أوردَه يحيى بن يونس في «الصَّحابة»، وقال جَعفر: هو من التابعين، ومن قال: إن له صحبةً فقد غلط".

·       شواهد الحديث:

وقد رُوي الحديث عن بعض الصحابة، ولا يصح من ذلك شيء، وطرق هذه الشواهد منكرة، وواهية!

·       شاهد أنس بن مالك:

رواه الطبراني في «الدعاء» (2/1229) (918)، وفي «المعجم الأوسط» (7/298) (7549)، وفي «المعجم الصغير» (2/133) (912) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَبِيبٍ العَسَّالُ الْأَصْبَهَانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ، قال: حَدَّثَنَا دَاوُدُ الزِّبْرِقَانُ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، تَقَبَّلْ مِنِّي, إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».

ورواه أبو نُعيم في «تاريخ أصبهان» (2/188، 276) عن الطبراني.

ورواه الدارقطني في «الأفراد» (ص: 102) (21) عن أحمد بن محمد بن يوسف بن مسعدة، عن محمد بن إبراهيم، به.

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِهِ عَنْ شُعْبَةَ إِلَّا دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، تَفَرَّدَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو، وَلَا كَتَبْنَاهُ إِلَّا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ".

وقال الدارقطني: "هذا حديث غريب من حديث شعبة بن الحجاج، عن ثابت البناني، عن أنس! تفرد به داود بن الزبرقان عنه، وتفرد به إسماعيل بن عمرو البجلي، عن داود بن الزبرقان".

وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/156) (4892)، وقال: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ".

قلت: هذا حديث مُنكر!

إِسْمَاعِيلُ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ، كُوفِيٌّ كَانَ بِأَصْبِهَانَ، ضعّفه أبو حاتم والدارقطني!

وقال ابن عدي: "حدّث بأحاديث لا يُتابع عليها".

وقال العقيلي: "في حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ، ويُحِيلُ على مَنْ لَا يَحْتَمِلُ".

ودَاوُدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ: متروك مُتّهم!

قال يَحْيَى بن مَعِين: "دَاوُد بن الزِّبْرِقَان: لَيْسَ بِشَيْءٍ".

وقال أبو زرعة: "متروك".

وقال أبو داود: "ضعيف، تُرك حديثه".

وقال الجوزجاني: "كذاب".

وقد ذكره ابن عدي وساق له بضعة عشر حديثاً استنكرها، وقال: "عامة ما يرويه لا يتابع عليه". [ميزان الاعتدال للذهبي].

·       طريق آخر عن أنس بن مالك:

وروى الخطيب في «تلخيص المتشابه في الرسم» (2/659) عن أَبي تَمَّامٍ مُحَمَّد بْنِ الْحَسَنِ القَاضِي العَبْدِيّ.

والشجري في «أماليه» (ص: 176) عن أَبي القَاسِمِ التَّنُوخِيّ.

كلاهما عن أبي الحسين مُحَمَّد بن المُظَفَّرِ الحَافِظ، عن مُحَمَّد بن خَلَف وَكيع، قَالَ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ هَاشِمِ بنِ سَعِيدٍ السِّمْسَار، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي هَاشِمُ بنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدِ بْنِ زَرْبِيٍّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ».

قلت: وهذا منكرٌ أيضاً! سعيد بن زَرْبي ليس بشيء، منكر الحديث!

قال ابن معين: "سَعِيد بن زَرْبي: ليس بشيء".

وقال البُخَارِيّ: "سَعِيدُ بنُ زَرْبِيٍّ، عَنْ ثَابِتٍ، وَغَيْرِهِ، عِنْدَهُ عَجَائِبُ".

وقال أبو حاتم: "سعيد بن زربي ضعيف الحديث، منكر الحديث، عنده عجائب من المناكير".

وقال أبو داود: "ضعيفٌ".

وقال النسائي: "لَيْسَ بِثِقَة".

وقال ابن حبان: "كَانَ مِمَّن يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات عَلَى قلَّة رِوَايَته".

وذكر له ابن عدي بعض المنكرات، ثم قال: "وهو يأتي عن كل من يروي عنه بأشياء لا يتابعه عليها أحد، وعامة حديثه على ذلك".

·       شاهد ابن عبّاس:

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/146) (12720) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ الحَضْرَمِيُّ، قال: حدثنا يُوسُفُ بْنُ قَيْسٍ البَغْدَادِيُّ، قال: حدثنا عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».

قلت: هذا كذب! وعبدالملك منكر الحديث متروك، يكذب!

قال أَبُو غَسَّانَ: سَأَلْتُ بَهْزَ بنَ أَسَدٍ، قُلْتُ: عَبْدُالمَلِكِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ؟ قَالَ: "حَدَّثَنَا عَنْهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ، مُنْكَرَاتٌ، كِذَابٌ".

وقال يَحْيَى: "عَبْدُالمَلِكِ بنُ هَارُونَ كَذَّابٌ".

وقال أَحْمَد: "ضَعِيفُ الحَدِيثِ".

وقال البُخَارِيَّ: "مُنْكَرُ الحَدِيثِ".

وقال أبو حاتم: "متروك الحديث، ذاهب الحديث".

وقال النسائي: "مَتْرُوك الحَدِيث".

وقال السعدي: "دجّال كذاب".

وقال ابن حبان: "كَانَ مِمَّن يضع الحَدِيث، لَا يحل كِتَابَة حَدِيثه إِلَّا على جِهَة الِاعْتِبَار، وهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: عبدالملك بن أبي عَمْرو حَتَّى لَا يعرف كَانَ كنية هَارُون أَبُو عَمْرو".

وقال أبو بكر البرقاني: سَألْتُهُ - يعني: الدارقطني - عن عبدالمَلِكِ بن هَارُون بن عنترة؟ فقَالَ: "مَتْرُوكٌ، يَكذب. وأبوه يُحْتَجُّ بِهِ".

وقال السجزي: وسمعته - يعني: الحاكم - يقول: "عبدالملك بن هارون بن عنترة: ذاهب الحديث جداً".

·       شاهد عليّ بن أبي طالب:

رواه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» [كما في «بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث» (1/526) (469)] عن عَبْدِالرَّحِيمِ بنِ وَاقِدٍ الواقدي الخراسانيّ.

والشجري في «أماليه» (ص: 103) من طريق عَبْدالمَلِكِ بنِ يَزِيدَ.

كلاهما عن حَمَّاد بن عَمْرٍو النُّصَيْبِيّ، عَنِ السَّرِيِّ بنِ خَالِدِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا عَلِيُّ، إِذَا تَوَضَّأْتَ فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَمَامَ الْوُضُوءِ، وَتَمَامَ الصَّلَاةِ، وَتَمَامَ رِضْوَانِكَ، وَتَمَامَ مَغْفِرَتِكَ، فَهَذِهِ زَكَاةُ الْوُضُوءِ...» في حديث طويل، وفيه:

«يَا عَلِيُّ إِذَا كُنْتَ صَائِمًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَقُلْ بَعْدَ إِفْطَارِكَ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ».

قلت: هذا كذب موضوع! والمتّهم به حَمَّاد بن عَمْرو الْنَّصِيْبِيّ.

وقد ذكره ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/84) وقال: "هَذَا حَدِيث مَوْضُوعٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

قال يَحْيَى بن مَعِيْنٍ: "حَمَّاد بن عَمْرو الْنَّصِيْبِيُّ، شَيْخٌ ضَعِيْفٌ، لَمْ يَكُنْ يَكْذِب".

وقال مرة: "لم يكن بثقة، قد رأيته".

وقال البخاري: "مُنْكَرُ الحَدِيثِ".

وقال أبو حاتم: "منكر الحديث، ضعيف الحديث جداً".

وقال أبو زُرعة الرازي: "واهي الحديث".

وقال النسائي: "مَتْرُوك الحَدِيث".

وقال السعدي الجوزجاني: "كان يكذب، لم يدع للحليم في نفسه منه هاجساً".

وقال ابن حبان: "يضع الحَدِيث وضعاً عَلَى الثِّقَات... لا تحلّ كِتَابَة حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب".

قلت: والرواة عن حماد هنا: عبدالرحيم بن واقد، قال فيه الخطيب: "في حديثه غرائب ومناكير؛ لأنها عن الضعفاء والمجاهيل".

وعبدالملك بن يزِيد لا يُعرف! وروى عن أبي عوَانَة خبراً كذباً فِي ترك التَّزْوِيج!

·       خلاصة وفوائد:

1- الحديث يرويه: عبدالله الضَّعيف، وقُريش، وعبدالله بن أبي عوانة، وعلي الطوسي، وإبراهيم بن هلال، ويحيى بن أبي طالب، وأبو بكر الجَصِّيني كلهم عن عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ المُفقّع، قَالَ: "رَأَيْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَطَعَ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ". وقَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ»".

وفي رواية أبي بكر الجَصِّيني: "مَرَوَانُ المُفقّع، قال: رَأَيْتُ عَبداللهِ بْنَ عُمَر، وسَمِعْتُهُ قال: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قال...".

ظنّ أهل العلم أن مروان يروي هذا الحديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم! وليس كذلك!

فالحسين بن واقد يقول: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ المُفقّع، قَالَ: "رَأَيْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَطَعَ مَا زَادَ عَلَى الكَفِّ".

وقَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ»".

فالقائل في كليهما هو: مروان المُفقّع.

2- مروان هذا أخبر أنه رأى ابن عمر يقبض على لحيته، ويقص ما زاد على القبضة، ثم تابع الحسين بن واقد ما سمعه من مروان، فقال: "وقال" - أي مروان، لا ابن عمر! فصاحب القول هو مروان، ويُبيّن هذا بجلاء ما رواه أبو بكر ابن أبي الدنيا في كتابه «فضائل رمضان» (ص: 57) (29) قال: حَدَّثَنِي أَبِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ: أخبرنا عَلِيُّ بنُ شَقِيقٍ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ مَرْوَانَ الْمُفَقَّعِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».

3- ما ذكره مروان من القول عند الإفطار لا يُناسب الموضع الذي رأى فيه ابن عمر وهو في الحج أو العمرة، فلو كان ابن عمر حدّث بهذا الحديث وسمعه منه مروان هذا لكان سمعه منه على الأقل من كان مع ابن عمر كمولاه نافع أو ربما ابنه سالم، فمثل هذا الحديث في الدعاء عند الإفطار لا يمكن أن يخفى على نافع أو سالم؛ لأنهم كانوا دائماً مع ابن عمر، في رمضان وغير رمضان، فهل يُعقل أنه كان يُحدّث بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم لم يسمعوه منه، وهم يرونه عند الإفطار في رمضان وغيره، ولم يسمعوا منه هذا الدعاء؟!!

فهذه قرينة تدلّ على أن مروان هذا لم يسمعه من ابن عمر، بل لم يُحدث به ابن عمر، وهو إنما رآه فقط، وحدّث حسين بن واقد به مرسلاً لا أنه حدثه به عن ابن عمر.

وإنما أُتي الأمر فيمن حسبه عن ابن عمر من طريقة سياق الحديث، وهو بعد أن ذكر أنه رأى ابن عمر، وحدث بهذا الحديث المرسل ظنّ أهل العلم أنه قوله: "قال" = يعني ابن عمر!! وليس كذلك، وإنما الذي "قال" هو نفسه كما في رواية والد أبي بكر ابن أبي الدنيا.

4- الحديث يرويه حسين بن واقد، عن مروان، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ»"، مرسلاً.

ولا مدخل لابن عمر في هذه الرواية، والحديث مرسل.

5- ما ذكره مروان من رؤيته لابن عمر ليس فيه أنه سمع منه!

6- جاء في رواية البزار عن إبراهيم بن سَعِيد الجوهري، قال: حَدَّثنا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ، عَن حُسَيْنِ بن واقد، عَن مروان بن المُفقّع، عَن ابْنِ عُمَر.

والظاهر أن إبراهيم الجوهري أو البزار اختصره من الرواية الكاملة، فجعله "عن ابن عمر"! ولم يروه أحد ممن روى الحديث عن علي بن الحسن هكذا!

وانقلب الاسم هنا أيضاً "الحسن بن علي بن شقيق"! وإنما هو: "علي بن الحسن بن شقيق".

7- استغرب البزار، والحافظ ابن منده هذا الحديث! وحكم عليه الدارقطني بأن إسناده حسن، والصواب أنه يقول هذا في الإسناد الغريب، فيكون موافقاً للبزار وغيره.

8- صحح الحاكم الحديث على شرط الشيخين كعادته فوهم!

9- حسن الحديث ابن حجر، والألباني، وبعض المعاصرين دون التنبه لعلة الحديث!

10- مروان بن سالم المُفَقَّع - أو المُقَفَّع -، بصري أو مروزي، رأى ابن عمر في الحج أو العمرة يقصّ من لحيته ما زاد على الكفّ. ولم يسمع منه. وأرسل حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء عند الإفطار. وهو مجهول الحال. وقد تفرد بالرواية عنه: حسين بن واقد المروزي.

11- تكلّم أهل العلم في حفظ الحسين بن واقد ووهمه في الحديث، واستنكر أحمد حديثه، فلا يُقبل ما انفرد به من أحاديث.

12- إخراج أصحاب السنن للحديث دون الكلام عليه وتعقبه لا يعني أنهم يقبلونه! فهم لم يشترطوا الكلام على ما يذكرونه في كتبهم، وأنه إذا لم يتعقبوا شيئاً فهو مقبول عندهم!

13- أهل النقد قد يقبلون رواية التابعي المجهول بشروط، منها: عدم وجود نكارة في حديثه، وأن يكون الذي يروي عنه ثقة لا كلام فيه.

14- ابن حبان يورد في «ثقاته» من كانت له رواية، ولا يوجد فيه جرح ولا تعديل، فهو عنده على الأصل في أنه على السلامة ومستور الحال حتى يتبين له خلاف ذلك. وإيراده لهؤلاء في كتابه لا يعني أنهم ثقات.

15- لم يشترط البخاري الكلام على كل من يوردهم في «تاريخه»، وعدم كلامه على الرواة لا يعني أنهم ثقات عنده أو أنه يقبل حديثهم، بل الأصل أن الجرح والتعديل ليس أصلاً في كتابه؛ لأن شرطه الأساس هو تثبيت اسم الراوي في كتابه، وربما يذكر شيئا عن حاله، وهذا نادر.

16- عدم تكلّم أبي حاتم عن بعض الرواة الذين يوردهم ابنه في «الجرح والتعديل» وهم المسكوت عنهم لا يعني قبولهم عنده! سيما من لا يعرف إلا في حديث واحد مثل مروان المقفع.

17- أورد ابن أبي حاتم ذكر مروان المقفع في ترجمة «مروان مولى هند بنت المهلب»، وذكر عن أبيه أنه يروي حديثاً مرفوعاً عن ابن عمر! ونقل عنه قوله: "ولا أدري هو مروان مولى هند أم غيره؟" فهو ليس متأكداً أنه هو! وفي ذات الوقت كأنه يستغرب هذا الحديث سواءً كان مروان هذا مولى هند أم غيره.

18- لا يجوز الاحتجاج بمن يقول فيهم ابن حجر في «التقريب»: "مقبول" حتى تكون هناك متابعة صحيحة لذلك الراوي؛ لأنه نص في المقدمة على أنه يكون مقبولاً إذا توبع، وإن لم يُتابع فهو ليّن الحديث = يعني ضعيف.

19- ورود قصة في الحديث تُعدّ قرينة على ضبط بعض الرواة للحديث، لكن هذا ليس على إطلاقه! فربما وجود القصة يدل على عدم الضبط، بل وعلى الكذب أحياناً كما في روايات أبي غالب حزوّر الذي يُقال عنه صاحب أبي أُمامة.

والعلماء استخدموا وجود القصة في الغالب في الترجيح بين الرواة الذين يختلفون في حديث ما، فيرجحون رواية من ذكر القصة على من لم يذكرها.

20- إلزام أبي داود بقبوله لكل حديث يخرجه في «سننه» ولا يتعقبّه فيه إلزام بأنه يقبل الأحاديث الضعيفة! فهو قد أخرج حديث مروان المقفع ولم يتكلم عليه، وأخرج بعده حديث معاذ أبي زهرة وهو مرسل ضعيف، وقد رواه في «مراسيله»! فهل ننسب له بأنه يقبل كلا الحديثين؟!

21- أصحاب «السنن» يوردون في الباب الأحاديث المشهورة فيه، وأحياناً يوردون الضعيف، بل والمنكر دون الكلام عليه!

22- ليس من عادة الدارقطني استخدام المصطلح المركب: "إسناده حسن. لا بأس به"!! وإنما يستخدم كل واحد على حدة "إسناده حسن" والأصل أنه يقصد بذلك الغرابة إذا أفرده، إلا إذا جمعه مع توثيق رجاله، كقوله: "إسناده حسن، ورواته كلهم ثقات"، أو جمع الصحة مع الحسن، كقوله: "إسناد حسن صحيح"، أو الحكم باتصاله، كقوله: "هذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ".

ونجده أحياناً يحكم بأن الحديث إسناده حسن مع الكلم في الراوي كقوله عن حديث: "هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وابنُ لَهِيعَةَ لَيْسَ بِالقَوِيِّ".

وكان نادراً ما يستخدم مصطلح "لا بأس به".

23- إذا اتفق العلماء على نقل كلام لعالم من كتاب له، كنقلهم عن الدارقطني أنه قال في حديث: "إسناد حسن"، وزاد بعضهم لفظاً آخر، فلا ننسبه له، والغالب أنه من قول من نقل عنه، فيكون نقل قول ذلك الإمام، ثم أنشأ حكماً هو من عنده، سيما وأن الأحكام المنقولة في سنن الدارقطني تحتاج مزيد تحرير؛ لأن هناك من يُنكر أن تكون للدارقطني!

24- ليس بالضرورة أن العلماء إذا لم يتعقبوا قولاً أو حكماً لعالم أنهم يوافقونه عليه!

25- استحباب الفقهاء العمل بالحديث الضعيف لا يعني تصحيح الحديث وقبوله! ومعارضة من يضعّفه بذلك العمل!

26- روى محمد بن فُضيل، والثوري، وهُشيم، وعَبثر، وفُضيل بن عياض عن حُصَيْن بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ الكوفيِّ، عن مُعَاذ أَبي زُهْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ».

وقَالَ: وَكَانَ الرَّبِيعُ بنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصُمْتُ، وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْتُ».

وفي رواية أبي داود: عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ». ولم يذكر قول الربيع بن خُثيم.

وهذا الحديث تفرد به حصين عن معاذ أبي زهرة! ومعاذ لا يُعرف إلا في هذه الرواية، وهو مجهول!

27- اختلف على سفيان الثوري في هذا الحديث:

فرواه ابن المبارك عن سفيان الثوري، عن حصين، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وخالفه الأشجعي، فرواه عن سفيان، وزاد فيه رجلاً بين حصين ومعاذ! وكذا خالف في متنه!

وبحسب القواعد الحديثية ترجح رواية ابن المبارك؛ لأنه وافق الجماعة عن حصين دون ذكر الرجل! وعليه فرواية الأشجعي من باب "المزيد في متصل الأسانيد".

وهو، وإن كان من أعلم الناس بحديث الثوري، إلا أنه يهم في بعض حديثه عنه.

28- سقط من كتاب «الزهد» لابن المبارك، رواية الحسين المروزي عنه، رواية ابن صاعد عن المروزي، بتحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، وكذا النسخة التي بتحقيق: أحمد فريد، سقط من الإسناد "عن سفيان"، فصار الحديث: "عن ابن المبارك، عن حصين"!

وكذا سقط من رواية نُعيم بن حماد عن ابن المبارك!

29- نبّه ابن صاعد في روايته أن "معاذا" في هذا الحديث ليس بابن جبل لئلا ينسبه أحد خطأ! وما خشيه حصل فيما رواه الشجري في «أماليه» لهذا الحديث من رواية ابن صاعد! فجاء فيه: "عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ"! وقد أخطأ في نسبته بعضهم!

30- الحديث رواه حُصَيْن بن عبدالرحمن، عن مُعَاذ أَبي زهْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ». وقَالَ: وَكَانَ الرَّبِيعُ بنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصُمْتُ، وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْتُ».

فمن هو القائل في الموضع الثاني؟ هل هو معاذ نفسه أم حصين؟

كلاهما محتمل، لكن الأدلة على أن هذا من رواية معاذ عن الربيع.

وعلى كلا الاحتمالين فالأثر لا يصح عن الربيع، فمعاذ هذا مجهول لا يعرف! وحصين لم يسمع من الربيع!

وقد اضطرب حصين في هذا الإسناد، وذكر البخاري أن عبدالعزيز بن مسلم رواه عن حصين عن محمد بن معاذ!

ونقل المزي عن البخاري أنه قال: "قال حصين: حُدثت عنه - أي معاذ - مرسل"!

31- تعقّب أبو حاتم الرازي البخاري في ترجمته لمحمد بن معاذ، وأن الصواب: "معاذ أبو زهرة"! وهذا تعقب مردود! فالبخاري لم يخطئ في ذلك؛ وإنما هو سمع الحديث هكذا، فترجم له هكذا، وأفرد ترجمة لمعاذ أيضاً.

32- قول شعيب الأرنؤوط إن أصل حديث معاذ المرسل هو قول الربيع بن خثيم فيه نظر! فهو ليس أصله؛ لأن معاذاً روى الحديث المرسل، ثم روى الموقوف على الربيع، فلو كان غيره من روى الحديث الآخر لربما كان لكلامه وجهة نظر!

33- ذكر بعض أهل العلم "معاذ أبو زهرة" في الصحابة فوهم في ذلك! والصواب أنه تابعي مجهول.

34- قال ابن حجر في معاذ هذا بأنه "مقبول"، فتعقبه صاحبا التحرير بأنه مجهول، وقد أصابا في أنه مجهول، لكن يُعتذر لابن حجر أنه لم يقل فيه "مجهول" لأن العلماء أوردوه فيمن اختلف في صحبته، وهو لا يقول مجهول عمن اختلف في صحبته.

35- حديث معاذ أبي زهرة مرسل ضعيف، ولم يتابعه عليه أحد.

36- رُوي للحديث عدد من الشواهد، من حديث أنس، وابن عباس، وعليّ، وكلها باطلة منكرة!

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: د. خالد الحايك

28 رمضان 1441هـ.

شاركنا تعليقك