الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«الإِملاء» لعلل حديث «سَماع النِّدَاء، وعلى اليد الْإِنَاء»!

«الإِملاء» لعلل حديث «سَماع النِّدَاء، وعلى اليد الْإِنَاء»!

 

سُئِلت عن حديث «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ، فَلَا يَضَعُهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ» هل هو صحيح؟!

فأجبت:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فهذا حديث معلول، وتفصيله في الآتي إن شاء الله.

الحديث رواه أحمد في «مسنده» (15/284) (9474) عن غَسَّان بن الرَّبيع الموصليّ. و(16/368) (10629) عن رَوْح بن عُبادة.

وأبو داود في «سننه»، باب في الرجل يسمع النداء والإناءُ على يده، (4/34) (2350) عن عَبْدِالْأَعْلَى بن حَمَّادٍ النَّرْسِيّ. [ورواه الدارقطني في «سننه» (3/114) (2182) عن مُحَمَّد بن يَحْيَى بْنِ مِرْدَاسٍ، عن أَبي دَاوُدَ. ثم قال: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "أَسْنَدَهُ رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ كَمَا قَالَ عَبْدُالْأَعْلَى"].

والحاكم في «مستدركه» (1/320) (729) من طريق عَفَّان بن مُسلم الصفّار، وعَبْدالوَاحِدِ بن غِيَاثٍ الصّيرفيّ. و(1/588) (1552) من طريق الحَسَن بن سُفْيَانَ، عن عَبْدالْأَعْلَى بن حَمَّادٍ النَّرْسِيّ.

كلهم (غسان، وروح، وعبدالأعلى، وعفان، وعبدالواحد) عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو بن علقمة، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ، فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ».

قال الحاكم في الموضعين: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، ولمْ يُخَرِّجَاهُ".

ونقل ابن حجر في «إتحاف المهرة» (16/119) (20479) عن الدارقطني أنه قال: "كلهم ثقات".

·       تفرد حماد بن سلمة به!

قلت: تفرد به حماد بن سلمة بهذا الإسناد! وقد رُوي عنه بأسانيد أخرى!

رواه أحمد في «مسنده» (16/368) (10630) عن رَوْح بن عُبادة.

والحاكم في «مستدركه» (1/320) (729) من طريق أَحْمَد بن عَمْرِو بْنِ جَعْفَرٍ، عن عَبْدالوَاحِدِ بن غِيَاثٍ.

كلاهما (روح، وعبدالواحد) عن حَمَّاد، عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: «وَكَانَ المُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ إِذَا بَزَغَ الفَجْرُ».

ولما ذكر ابن حزم هذا الحديث في «المحلى» (4/370) زاد: "قالَ حَمَّادٌ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ: كَانَ أَبِي يُفْتِي بِهَذَا".

ثم قال: "ومِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: حدثنا حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: أَحْرَزْتُهَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ".

ورُوي عن حماد بإسناد آخر:

رواه أحمد في «مسنده» (15/284) (9474) عن غَسَّان بن الربيع، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ يُونُس بن عُبيد، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ الْأَذَانَ، وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ، فَلَا يَدَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهُ».

·       اضطراب حماد بن سلمة فيه!

قلت: فتحصّل من هذا أن حماد بن سلمة يتفرد به، ويُروى عنه بعدة أسانيد:

فرواه عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعاً.

ورواه عن عمّار بن أبي عمّار، عن أبي هريرة، مرفوعاً.

ورواه عن حُمَيْد بن هِلال العدوي، عَنْ أَبِي رَافِعٍ الصائغ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، موقوفاً.

ورواه عَنْ يُونُس بن عُبيد، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلاً.

فالذي يظهر لي أن حماد بن سلمة كان يضطرب فيه، ويُعَلّ المرفوع بمرسل الحسن البصري، فأصل المرفوع هو مرسل الحسن.

وقد رواه عبدالرزاق في «مصنفه» (4/172) (7369) عَنِ ابنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ أَبِي مُوسَى، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِي، وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ؟ قَالَ: «اشْرَبْ».

وهذا من مراسيل الحسن أيضاً.

فكأن حماد بن سلمة كان يهم فيه فيرويه مرفوعاً بسلوكه الجادة: "محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة".

ويُشبه أن يكون محفوظاً من قول أبي هريرة؛ لأن حماداً ذكره في روايتين! أحدهما سلك فيها الجادة "محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة"، والثانية: "عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة"، فهذا يدلّ على أنه كان يحفظ فيه شيئاً عن أبي هريرة، لكنه كان يضطرب في روايته، ويؤيد ذلك روايته عن حميد، عن أبي رافع أو غيره، عن أبي هريرة موقوفاً.

ومحمد بن عمرو بن علقمة لم يروه، فلا يُعل الحديث بضعفه، ولا يُحسن أو يُصحح بطريق عمار بن أبي عمار؛ لأن أسانيد الحديث كلها من رواية حماد بن سلمة، وكان يضطرب فيه.

·       تعليل أبي حاتم للحديث.

قال ابن أبي حاتم في «علل الأحاديث» (2/235): وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ رَوْحُ بنُ عُبَادة، عَنْ حمَّاد، عن محمد بن عَمْرو، عَنْ أَبِي سَلَمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ، فَلاَ يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ»؟

قلتُ لأَبِي: ورَوَى رَوْحٌ أَيْضًا عَنْ حمَّاد، عَنْ عَمَّار بْنِ أَبِي عَمَّار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: «وَكَانَ المُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ إذا بَزَغَ الفَجْرُ».

قَالَ أَبِي: "هذانِ الحديثانِ لَيْسَا بِصَحِيحَينِ؛ أمَّا حديثُ عمَّار: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ، وعمَّارٌ ثقةٌ. والحديثُ الآخَرُ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ".

قلت: تصحيح أبي حاتم الوقف على أبي هريرة هو الصواب كما بينته آنفاً.

·       تصحيح الألباني للحديث والرد عليه!

وقد ذكر الألباني الحديث في كتابه «صحيح سنن أبي داود» (7/115) (2035)، وقال: "إسناده حسن صحيح، وصححه الحاكم والذهبي وعبدالحق الإشبيلي، واحتج به ابن حزم".

ثم قال عن إسناد أبي داود: "وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ إلا أنه إنما أخرج لمحمد بن عمرو متابعة، وهو حسن الحديث. وحماد: هو ابن سلمة. وقد صححه جمع كما يأتي، ومنهم الحافظ عبدالحق الإشبيلي في أحكامه بسكوته عليه، وقد نص في مقدمته: أن ما سكت عنه فهو صحيح عنده".

ثم قال: "ولحماد فيه شيخ آخر، فقال أحمد: ثنا روح: ثنا حماد عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة ... به. وهذا إسناد جيد، ورجاله رجال مسلم".

ثم ذكر مرسل الحسن، وحديث حميد الموقوف، ثم قال: "وهذا إسناد صحيح موقوف، ولا اختلاف بينه وبين المرفوع، كما لا اختلاف بين المسند والمرسل؛ فإنها أحاديث عدة عن شيوخ ثقات، حدث عنهم حماد بما سمع منهم؛ فإنه كان موصوفًا بالحفظ، فليس كثيرًا عليه أن يروي عن جمع من شيوخه حديثًا واحدًا، أو عدة أحاديث في المسألة الواحدة! ولذلك فإني أرى أن الصواب لم يكن حليف أبي حاتم حين قال في حديث روح عن حماد عن شيخيه الأولين: (هذان الحديثان ليسا بصحيحين: أما حديث عمار؛ فعن أبي هريرة موقوف، وعمار ثقة. والحديث الآخر؛ ليس بصحيح). ذكره ابنه في (العلل) (1/123 - 124)!

ومن الغريب أنه لم يذكر الحجة في جزمه بأن حديث عمار الثقة موقوف! وقد رواه حماد الثقة عنه مرفوعًا، والمفروض أن يذكر المخالف له في ذلك.

ثم كيف يجزم بعدم صحة الحديث؛ وله شاهد صحيح كما تقدم، وشواهد موصولة أخرى يقطع الواقف عليها بأن الحديث صحيح بلا ريب؟! وقد خرجتها في الصحيحة (1394) من حديث أبي أمامة وجابر وغيرهما؛ فلتراجع" انتهى كلامه.

قلت: كلام الألباني مردود جملة وتفصيلا. فهل يُعقل أن يتفرد راو بحديث واحد من عدة طرق عن أربعة شيوخ؟! فحتى لو كان حافظا فلا يُعقل ذلك، فكيف إذا كان مثل حماد الذي ثبت أنه يُخطئ في حديثه يُقبل منه؟!

وكيف لا يوجد اختلاف بين المرفوع والموقوف والمسند والمرسل؟! فعلى هذا فقد أبطل الألباني علم العلل!

فإذا كان الأئمة يُعلون المرفوع بالمرسل من طريق آخر، فمن باب أولى إعلاله والراوي نفسه الذي يروي المرفوع والمرسل.

ثم ردّه لكلام أبي حاتم بحجة أنه لم يُبين الحجة في كلامه فهو مردود! فالناقد أحياناً يُعلل بعض الطرق دون أن يذكر الطريق التي تُعلّه، ولا يمكن أن يُعلل دون دليل، سيما وكلام أبي حاتم قائم على الاختصار في مجمله.

وها هي رواية الحسن المرسلة تُعلّ ما رواه حماد من المسند.

وأما تصويب أبي حاتم رواية الوقف على أبي هريرة فلا شك أنه ثبت عنده ذلك، وها هو حديث حماد المتقدم عن حميد عن أبي رافع أو غيره عن أبي هريرة يثبت صحة الموقوف على أبي هريرة.

وأما كيف جزم أبو حاتم بعدم صحة الحديث لوجود شاهد صحيح فهذا من العجب!! فهل من منهج أبي حاتم في العلل عندما يُعلل الحديث أو بعض الطرق يشير إلى الشواهد؟ ثم هل هذا الشاهد يصححه أبو حاتم حتى نعترض عليه بذلك؟

وقد ذكر الألباني الحديث في «صحيحته» (3/381) (1394) وخرّجه، وقال: "وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وفيه نظر؛ فإن محمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم مقرونا بغيره، فهو حسن. نعم لم يتفرد به ابن عمرو، فقد قال حماد بن سلمة أيضا: عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله... وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وله شواهد كثيرة:

1 - شاهد قوي مرسل يرويه حماد أيضا عن يونس عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه أحمد (2/423) مقرونا مع روايته الأولى.

2 - وشاهد آخر موصول يرويه الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: (أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر، قال: أشربها يا رسول الله؟ قال: نعم، فشربها). أخرجه ابن جرير (3/527/3017) بإسنادين عنه، وهذا إسناد حسن.

3 - وروى ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: سألت جابر عن الرجل يريد الصيام والإناء على يده ليشرب منه، فيسمع النداء؟ قال جابر: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليشرب. أخرجه أحمد (3/348): حدثنا موسى حدثنا ابن لهيعة.

قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد. وتابعه الوليد بن مسلم أخبرنا ابن لهيعة به. أخرجه أبو الحسين الكلابي في "نسخة أبي العباس طاهر بن محمد".

ورجاله ثقات رجال مسلم، غير ابن لهيعة فإنه سيء الحفظ، وأما الهيثمي فقال في "المجمع" (3/153): "رواه أحمد، وإسناده حسن"!

4 - وروى أبو إسحاق عن عبدالله بن معقل عن بلال قال: (أتيت النبي صلى الله عليه

وسلم أوذنه لصلاة الفجر، وهو يريد الصيام، فدعا بإناء فشرب، ثم ناولني فشربت، ثم خرجنا إلى الصلاة). أخرجه ابن جرير (3018 و3019) وأحمد (6/12) ورجاله ثقات رجال الشيخين، فهو إسناد صحيح لولا أن أبا إسحاق وهو السبيعي - كان اختلط، مع تدليسه. لكنه يتقوى برواية جعفر بن برقان عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال نحوه. أخرجه أحمد (6/13).

5 - وروى مطيع بن راشد: حدثني توبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنظر من في المسجد فادعه، فدخلت - يعني - المسجد، فإذا أبو بكر وعمر فدعوتهما، فأتيته بشيء، فوضعته بين يديه، فأكل وأكلوا، ثم خرجوا، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة).

أخرجه البزار (رقم 993) كشف الأستار وقال: "لا نعلم أسند توبة عن أنس إلا هذا وآخر، ولا رواهما عنه إلا مطيع". قال الحافظ بن حجر في زوائده (ص/106): إسناده حسن".

قلت: وكذلك قال الهيثمي في "المجمع" (3/152).

6 - وروى قيس بن الربيع عن زهير بن أبي ثابت الأعمى عن تميم بن عياض عن ابن عمر قال: (كان علقمة بن علاثة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رويدا يا بلال! يتسحر علقمة، وهو يتسحر برأس). أخرجه الطيالسي (رقم 885 - ترتيبه) والطبراني في "الكبير" كما في "المجمع" (3/153) وقال: "وقيس بن الربيع وثقه شعبة وسفيان الثوري، وفيه كلام".

قلت: وهو حسن الحديث في الشواهد لأنه في نفسه صدوق، وإنما يخشى من سوء حفظه، فإذا روى ما وافق الثقات اعتبر بحديثه.

ومن الآثار في ذلك ما روى شبيب بن غرقدة البارقي عن حبان بن الحارث قال: (تسحرنا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما فرغنا من السحور أمر المؤذن فأقام الصلاة). أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (1/106) والمخلص في "الفوائد المنتقاة" (8/11/1). ورجاله ثقات غير حبان هذا، أورده ابن أبي حاتم (1/2/269) بهذه الرواية ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فأورده في "الثقات" (1/27)" انتهى كلامه.

قلت:

أولاً: محمد بن عمرو لم يروه، والعهدة فيه على حماد بن سلمة! وعليه فلا يصح أن نقول بأن محمد بن عمرو قد تُوبع عليه! فلا يوجد من رواه عن أبي سلمة حتى نقول إن محمد بن عمرو قد توبع عليه! وعليه فلا نعدّ رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة متابعة لرواية عمار بن أبي عمار!

ثانياً: الذهبي لا يوافق الحاكم على أحكامه، وإنما هو يلخص كلامه فقط.

ثالثاً: لا أدري كيف نقوي الحديث المسند هذا بالمرسل؟! والأصل عند أهل النقد والعلل تعليله بالمرسل سيما وكلا الإسنادين يرويها حماد بن سلمة!

رابعاً: وأما شاهد أبي أمامة فهو منكر!

رواه أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ في «مسنده» [كما في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (2/180) (1292)] قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ الْبَلْخِيُّ، سَمِعْتُ أبي، قال: أنبأنا الحسين، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: «أقيمت الصلاة والإناء في يد عُمَرَ، فَقَالَ: أَشْرَبُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَشَرِبَهَا».

قَالَ: وحدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ، قال: حدثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قال: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ وَاقِدٍ... فَذَكَرَهُ بِتَمَامِهِ.

والحسين بن واقد له مناكير! وأبو غالب منكر الحديث.

خامساً: وأما شاهد جابر فقد تفرد به ابن لهيعة عن أبي الزبير، ولا يُعتد بتفرد ابن لهيعة لضعفه.

سادساً: وأما شاهد بلال فمعلول لا يصح.

رواه أحمد في «مسنده» (39/322) (23889) عن يَحْيَى بن آدَمَ، وأَبي أَحْمَدَ الزبيري. و(39/327) (23895) عن حُسَيْن بن مُحَمَّدٍ. كلهم عن إِسْرَائِيل بن يونس بن أبي إسحاق.

ورواه أبو محمد الفاكهي في «فوائده» (ص: 219) (67) عن خَلَّاد بن يَحْيَى. والشاشي في «مسنده» (2/368) (972) من طريق عُبَيْداللَّهِ بن مُوسَى. و(973) من طريق عَبْدالرَّحْمَنِ بن غَزْوَانَ. والطبراني في «المعجم الكبير» (1/355) (1083) من طريق مُحَمَّد بن الحَسَنِ المُزَنِيّ. كلهم عن يُونُس بن أَبِي إِسْحَاقَ.

كلاهما (إسرائيل، ويونس) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَعْقِلِ بنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ بِلَالٌ: «أَتَيْتُ أُوذِنُهُ بِالصَّلَاةِ وَهُوَ يُرِيدُ الصِّيَامَ، قَالَ: فَدَعَا بِالْإِنَاءِ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ».

قلت: وهذا منقطع! فعبدالله بن مَعقل (ت بعد 88هـ) لم يدرك بلال بن رباح (ت 17 أو 18هـ).

وطبقة سماعه من الصحابة الذين توفوا بعد سنة (30هـ) فقد ذكر البخاري أنه سَمِعَ ابْن مَسْعُود (ت32هـ).

على أنه يُحتمل أن أبا إسحاق السبيعي كان يضطرب فيه، فقد رواه الشاشي أيضاً في «مسنده» (2/369) (975) عن عَبَّاس الدُّورِيّ، عن عُبَيْداللَّهِ بن مُوسَى، عن إِسْرَائِيل، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ: أَنَّ بِلَالًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الصَّلَاةَ، فَنَاوَلَ شَرَابًا فَشَرِبَ، ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى.

هكذا رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن معاوية بن قرة المزني (ت113هـ) مرسلاً.

فالحديث مرسل على كل الأحوال.

وأما الحديث الذي قوّى به الألباني هذا الحديث فهو معلول أيضاً!

رواه أحمد في «مسنده» (39/330) (23901) عن وَكِيع، عن جَعْفَر بن بُرْقَانَ، عَنْ شَدَّادٍ مَوْلَى عِيَاضِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ بِلَالٍ: «أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَوَجَدَهُ يَتَسَحَّرُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ».

قال ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (3/226) (4569): وَسُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِيْن: عَنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ، عَنْ جَعْفَر بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ شَدَّادٍ مَوْلَى عِيَاضِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ بلالٍ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ الْفَجْرُ؟ فَكَتَبَ يَحْيَى بِيَدِهِ عَلَى «شَدَّادٍ عَنْ بِلالٍ»: "مرسلٌ".

قلت: وشداد هذا مجهول لا يُعرف!

سابعاً: وأما شاهد أنس فلا يصح!

رواه أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ في «مسنده» [كما في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (4/279) (3566).

والبزار في «مسنده» (14/17) (7410) عن عَبدة بن عَبد اللَّهِ.

وبَحشل في «تاريخ واسط» (ص: 229) عن مَالِك بن خَالِدٍ.

ثلاثتهم (ابن أبي شيبة، وعبدة، ومالك) عن زيد بن الحباب، عن مُطيع بن راشد، عن تَوْبَة العَنْبَرِيّ، قَالَ: حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «انْظُرْ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ، فَادْعُهُ». فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، فَدَعَوْتُهُمَا فَطَعِمُوا ثُمَّ خَرَجُوا فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ الصُّبْحَ.

قَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: "دُلَّنِي عَلَى هَذَا الشَّيْخِ شُعْبَةَ".

وقال البزار: "ولا نعلم أسند توبة العنبري، عَن أَنَس إلاَّ هذين الحديثين - هذا وحديث آخر-، ولاَ رواهما عنه إلاَّ مطيع بن راشد".

وقال البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة»: "هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ".

قلت: مطيع بن راشد هذا مجهول الحال، وكون شعبة دلّ زيد بن الحباب عليه لا يعني توثيقه، فربما أثنى شعبة على خلقه، ولو أنه حدّث شعبة بهذا الحديث لضعفه! لأنه لو كان عند توبة العنبري لكان عند شعبة، وشعبة قد سمع من توبة.

وقول الألباني: "قال الحافظ ابن حجر في زوائده (ص/106): إسناده حسن"! فيه نظر! فالذي قال ذلك هو البوصيري، فلعله وهم في ذلك، فنسبه لابن حجر بدل البوصيري!

ثامناً: وأما شاهد ابن عمر فضعيف أيضاً.

رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (3/414) (2010).

وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ في «مسنده» [كما في «المنتخب منه» (2/60) (850)] عن يَحْيَى بن عَبْدِالحَمِيدِ الحِمَّانِيّ.

والبزار في «مسنده» (12/8) (5369) عن عَمْرو بن عَلِيٍّ، عن أَبي قُتَيبة سَلْم بن قتيبة.

والطبراني في «المعجم الكبير» [جـ 13، 14 (ص: 196) (13905)] عن عليّ بن عبدالعزيز البغوي، عن عاصِم بن عليٍّ الواسطي.

وابن عدي في «الكامل» (8/623) (14066) عن عبدان، وعلي بن سعيد، عن جُبَارَة بن المُغَلِّسِ الحِمَّانِيّ.

كلهم (الطيالسي، ويحيى الحماني، وأَبُو قُتَيبة، وعاصم بن علي، وجُبارة) عن قَيْس بن الربيع، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ الْأَعْمَى، عَنْ تَمِيمِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُوَيْدًا يَا بِلَالُ، يَتَسَحَّرُ عَلْقَمَةُ. قَالَ: وَهُوَ يَتَسَحَّرُ بِرَأْسٍ».

قال البزار: "وهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى عَن ابْنِ عُمَر إلاَّ مِن هَذَا الْوَجْهِ، وَإنَّما كَانَ بِلالٌ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الفَجْرِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: رويدك يَفْرَغَ عَلْقَمَةُ مِنْ سُحُورِهِ؛ لأَنَّ عَلْقَمَةَ لَمْ يكن يعرف أن بلال يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَوْ أَذَّنَ بِلالٌ امْتَنَعَ علقمة لقلة معرفته بأن بلال يؤذن قبل الفجر".

ورواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (41/141) من طريق أبي عبدالله بن منده، عن سهل بن السري، عن أحمد بن محمد بن عمر القرشي، عن سعيد بن عتاب، عن موسى بن داود، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، قال: حدثني علقمة بن علاثة قال: «أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤوسا».

قال ابن عساكر: "وهذا حديث غريب جداً! والمحفوظ عن قيس بن الربيع، عن زهير بن أبي ثابت، عن تميم بن عياض، عن ابن عمر".

وقال أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (4/ 2178) بعد أن ذكر رواية يحيى الحماني عن قيس: "رَوَاهُ عَمْرُو بنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، فَقَالَ: عَنْ عِيَاضِ بْنِ تَمِيمٍ".

قلت: كذا في مطبوع كتاب أبي نُعيم! يعني أن عمرو بن أبي قيس تابع قيس بن الربيع عليه! وفيه نظر! لأن الحديث حديث قيس بن الربيع! وكأن في الكتاب سقط: "عمرو بن أبي..." "عن قيس"، ولو كان الحديث من طريق غير قيس لساقه أبو نُعيم بإسناده، وجرت العادة على التنبيه إذا كان الاختلاف في قلب الاسم من طريق واحد وهو قيس هنا.

وكأن أبا نُعيم قصد رواية عَمْرو بن عَلِيٍّ، عن أَبي قُتَيبة، عن قَيْس، عَن زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَن تَمِيمِ بْنِ عِيَاضٍ، أَوْ فُلانِ بْنِ عِيَاضٍ...

فيكون سقط من النسخة [علي.. عن... قتيبة.. عن] فصارت "عمرو بن أبي قيس"!

والحديث تفرد به قيس بن الربيع، وتفرده لا يُقبل فهو سيء الحفظ شديد الاضطراب، بل تركه بعض أهل العلم.

وأتعجب من قول الألباني فيه: "وهو حسن الحديث في الشواهد لأنه في نفسه صدوق، وإنما يخشى من سوء حفظه، فإذا روى ما وافق الثقات اعتبر بحديثه"!! فأين موافقته للثقات للاعتبار به؟! فهذه الرواية قد تفرد بها، فكيف يستشهد بها؟!

ثم الألباني نفسه يقول في «صحيح سنن أبي داود» (3/36) عن هذه الرواية: "وأما تميم بن عياض؛ فلم أعرفه".

قلت: هو مجهول لا يُعرف إلا في هذه الرواية!

وروى أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (4/2178) (5461) من طريق سَوَّار بن مُصْعَبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، قَالَ: «دَخَلَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا لَهُ بِرَأْسٍ».

قلت: وسوار بن مصعب الكوفي ليس بشيء منكر الحديث.

تاسعاً: وأما أثر شبيب بن غرقدة البارقي عن حبان بن الحارث قال: (تسحرنا مع علي بن أبي طالب...) فقد عزاه الألباني للطحاوي في «شرح المعاني»، والمخلص في «الفوائد المنتقاه»! مع أن الإسنادين مختلفين!

فالطحاوي رواه في «شرح معاني الآثار» (1/179) من طريق مُعْتَمِر بن سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ يُحَدِّثُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ حَيَّانَ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ السُّحُورِ، أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ».

وترجم ابن حجر في «إتحاف المهرة» (11/595): "قُرَّةُ بنُ حَيَّانَ بنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ"، وذكر الحديث وعزاه للطحاوي في «شرح معاني الآثار».

وفي «المخلصيات» (2/335) (103) من طريق أبي حفصٍ، عن منصورٍ، عن شبيبِ بنِ غرقدةَ البارقيِّ، عن حبانَ بنِ الحارثِ.

قلت: وما وقع عند الطحاوي وتابعه عليه ابن حجر يبدو أنه محرّف!

والصواب: "شَبِيب بن غَرْقَدَةَ، عَنْ حِبَّانَ بنِ الحَارِثِ، عن عليّ".

رواه عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (4/231) (7609). ومُسدد في «مسنده» [كما في «المطالب العالية» (6/120) (1059)] عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: أَتَيْتُ عَلِيًّا وَهُوَ مُعَسْكِرٌ بِدَيْرِ أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَتَسَحَّرُ، فَقَالَ: «ادْنُ» قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ الصِّيَامَ قَالَ: «وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ» فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: «أَقِمُ الصَّلَاةَ».

ورواه الدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (1/413) من طريق إسماعيل القاضي، قال: حَدَّثَنا علي، قال: حَدَّثَنا سُفْيان، به.

فقال سُفْيان: حدثناه مَنْصُور، عن شبيب، ثم سمعته من شبيب.

وقال سُفْيان مرة أخرى: سمع رجلاً من قومه يقال له: حبان بن الحارث، كناه شريك، عن شبيب، عَن أبي عَقِيل حِبَّان بن الحارث.

وقال أحمد: حَدَّثَنا ابن عُيَيْنة قال: سَمِعتُ منصوراً يُحَدِّث عن شبيب فقالوا: إنه حي فذهبت إليه فسألته؟ فقال: أَخْبَرني حِبَّان بن الحارث فذكر هذا الحديث.

ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/120) (9023) عن جَرِير، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ، قَالَ: «تَسَحَّرْت مَعَ عَلِيٍّ، ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يُقِيمَ».

وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/83) (301): "حِبّان بن الحارث، أَبو عَقِيل.

قَالَ ابْن محبوب: عَنْ عُمَر الأبار، عَنْ منصور، عَنْ شبيب، عَنْ حِبّان بْن الحارث؛ تسحرنا مع علي.

وقال جَرير: عَنْ منصور، عَنْ شبيب، عَنْ أَبِي عَقِيل.

وقال حُسَين: عَنْ زائدة، عَنْ شبيب، عَنْ طارق بْن قُرَّة، وحِبّان بْن الحارث، بِهَذا.

وقال مُحَمد بْن سَعِيد: عَنْ شَرِيك، عَنْ شبيب، عَنْ حِبّان، قَالَ: أهللنا مَعَ علي، فسار بنا إلى النهروان.

وقال ابن شَرِيك: حَدَّثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثني شبيب، عَنْ أَبِي عَقِيل حِبّان بْن الحارث، أُراه من بارق، نحوه.

حَدَّثني إِسحاق، قَالَ: حدَّثنا عفان، قَالَ: حدثنا أَبو الأحوص، قَالَ: حدَّثنا شبيب، عَنْ حِبّان بْن الحارث، وطارق، مِثلَهُ.

حدَّثنا مُحَمد، قال: حدَّثنا غُندَر، قَالَ: حدَّثنا شُعبة، عَنْ شبيب، عَنْ حِبّان؛ تسحرنا مَعَ علي".

قلت: فالأثر عن شَبِيبِ بنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ حِبان بن الحارث، عن عليّ.

وكأنه ما وقع في بعض الأسانيد: "طارق بن قرة" هو تحريف أيضاً! لأن الأثر يرويه حبان وهو يروي ما حصل معه، ولا يعرف طارق هذا! ولم يترجم له البخاري. لكن ترجم له ابن أبي حاتم، وابن حبان.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/486) (2133): "طارق بن قرة: روى عن علي. روى عنه: شبيب بن غرقدة. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/395) (3529): "طَارق بن قُرَّة يَرْوِي عَن علي. روى عَنهُ شبيب بن غرقدة".

وهذا الأثر صحيح، لكن لا يفيد الألباني فيما ذهب إليه من تقوية ذاك الحديث المعلول! فهذا الأثر أقصى ما فيه هو تأخير عليّ للسحور.

وحتى لو أردنا الاستشهاد به فهو مثل الموقوف من قول أبي هريرة الذي تقدّم.

والخلاصة أن هذه الشواهد التي ذكرها الألباني كلها ضعيفة واهية، ولا تصلح لأن تشد من عضد الحديث المعلول أصلاً!

·       تراجع مِقبل الوادعي عن تصحيح الحديث.

وقد ذكر مقبل الوادعي الحديث في كتابه «الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين» (2/469) (1459)، ثم لما وقف على قول أبي حاتم المتقدم في تعليله ذكره في كتابه «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» (ص: 437) (468).

·       تحسين شعيب الأرنؤوط للحديث!

قال شعيب الأرنؤوط ورفاقه في تعليقهم على «مسند أحمد» (16/368): "إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو- وهو ابن علقمة الليثي-، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح".

وقال في تعليقه على «سنن أبي داود» (4/35): "حديث صحيح، وهذا إسناده حسن. محمد بن عمرو - وهو ابن علقمة الليثي - صدوق حسن الحديث، لكنه قد توبع".

ثم ذكر تخريجه، وقال: "وقال الدارقطني: هذا حديث حسن. وصححه الحاكم على شرط مسلم. وأخرجه أحمد.. و... من طريقين عن حماد بن سلمة، عن عمّار ابن أبي عمّار، عن أبي هريرة. وإسناده صحيح" انتهى.

قلت: هذه طريقة شعيب الأرنؤوط في النظر في ظواهر الأسانيد والحكم عليها دون الالتفات إلى العلل واختلاف الطرق!

فكما بينت آنفاً كل طرق الحديث يرويها حماد بن سلمة، فكيف نقبلها وهي متعارضة؟!

ومحمد بن عمرو لم يروه أصلاً، ورواية عمار بن أبي عمار لا تُعدّ متابعة له كما وضحت ذلك أيضاً، ورجّح أبو حاتم أنها موقوفة.

ونقله عن الدارقطني أنه قال فيه: "هذا حديث حسن"! غريب! فلم أقف عليه في «سننه»! وقد نقلت عن ابن حجر عنه قال: "كلهم ثقات" أي رجاله!

ثم لما تعرض للكلام على حديث غسان بن الربيع، ومرسل الحسن البصري (15/284) قال: "إسناده حسن من الطريق الأول، وإسناده الثاني - وهو حماد، عن يونس بن عبيد، عن الحسن البصري- منقطع، فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة..."!!

قلت: هو مرسل؛ لأن الحسن رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شأن لذكر سماع الحسن من أبي هريرة!! فالحسن لم يذكر أنه عن أبي هريرة!

والخلاصة أن هذا الحديث معلول، وأصله من مرسل الحسن البصري، وشواهده واهية.

ويُشبه أن يكون صحيحاً من قول أبي هريرة.

وقد نقل ابن حزم عن هشام بن عروة أن أباه عروة كان يُفتي به.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وكتب: د. خالد الحايك

9 رمضان 1441هـ.

شاركنا تعليقك