الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«لَطائفُ الإِشارات» في تعليل أَحاديث: «دَاوُدَ بنِ أَبِي الفُرَات».

«لَطائفُ الإِشارات» في تعليل أَحاديث: «دَاوُدَ بنِ أَبِي الفُرَات».

 

حديث داود بن أبي الفرات ليس بالكثير، وقد خرّج له الإمام البخاري في «صحيحه» حديثين فقط، وعلّق له أثراً، وقد تفرد داود بالحديثين ولم يُتابع عليهما! ورغم ذلك أخرجهما البخاري، وقد يُوجّه بعضهم ذلك من باب الانتقاء، وأنه انتقى له من حديثه هذين الحديثين وصححهما!

ونحن لا نُنكر مسألة الانتقاء من حديث الراوي، لكن الوصول إلى ضوابط لها، والأسس التي قام عليها هذا الانتقاء عند الأئمة من الصعب بمكان! فنحن لسنا في عقل هذا الإمام أو ذاك حتى نقول بأنه انتقى هذا من أجل هذا السبب أو ذاك غالباً!

نعم، قد نتوصل لشيء منها، لكن هناك بعض الرواة نقف حيارى أمام انتقاء بعض الأئمة لحديثهم! فمثلاً يروي البخاري ومسلم من بعض النسح الحديثية، فلا يخرجان كلّ ما فيها مع وجود أحاديث فيها على شرطهما، بل بعضها يصلح لأن يكون في بعض الأبواب عند البخاري مثلاً! وهذه مسألة طويلة الذيل ليس هذا موضع بسطها.

وربما انتقى البخاريّ هذين الحديثين لكثرة من رواهما عن داود من أهل البصرة الثقات كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

ونستطيع القول بأن تخريج البخاري لهذين الحديثين لداود بن أبي الفرات في «صحيحه» هو تصحيح منه لها، وإلا لما أخرجها، ولا يوجد ما يدلّ على أنه أخرجها لسبب آخر كما يجتهد بعض أهل العلم في أنه أحياناً يُخرّج الحديث ليشير إلى علته! وقد يُعترض عليه - رحمه الله - بما يورده في كتابه بالحجة والبيان، وكل ذلك يرجع إلى الاجتهاد ممن مَلَك أدواته، وحذا حذو القوم في هذا العلم الشريف.

وسنبدأ بالترجمة لداود وعرض أقوال أهل العلم فيه، ثم نتكلم على الحديثين الذين أخرجهما له البخاري، وكذلك من أخرج له من بقية أصحاب الكتب الستة وغيرهم.

·       ترجمة داود بن أبي الفرات:

هو: دَاوُد بن أَبِي الفرات الكندي، وهو دَاوُد بن عمرو ابن أَبِي الفرات، أَبُو عَمْرو المروزيّ.

قال أبو بكر بن أَبي عاصم: مات سنة سبع وستين ومئة.

روى له البخاري، والتِّرْمِذِيّ، والنَّسَائي، وابن مَاجَهْ.

قال الإمام البخاري في «التاريخ الكبير» (3/236) (799): "دَاوُد بْن أَبِي الفرات الكندي، وهو دَاوُد بن عمرو ابن أَبِي الفرات أَبُو عَمْرو، كنّاه مُحَمَّد بْن عرعرة. وقال عُبَيْداللَّه بْن سَعِيد: قدم البصرة وكَانَ من أهل مرو. يُحدِّث عَنْ أَبِيه، وعَنِ الصائغ إِبْرَاهِيم، وأَبِي غالب، ومُحَمَّد بْن زيد".

قلت: العجيب أن البخاري لم يذكر هنا أنه روى عن "عَبْداللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ"، والحديثين اللذين أخرجهما له في «صحيحه» عن ابن بريدة!

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/419) (1916): "داود بن أبي الفرات، وهو داود بن عمرو بن الفرات، أبو عمرو. كان من أهل مرو، روى عن أبي غالب الخراساني، ومحمد بن زيد قاضي مرو، وابن بريدة، وعلباء بن أحمر، وإبراهيم الصائغ. روى عنه: أبو الوليد، وموسى بن إسماعيل، وعلي بن عثمان اللاحقي، وشيبان بن فرّوخ. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال مسلم في «الكنى والأسماء» (1/564) (2287): "أبو عمرو: داود بن أبي الفرات الكندي، عن إبراهيم الصايغ، وأبي غالب، ومحمد بن زيد. روى عنه: أبو الوليد، ومحمد بن عرعرة".

وقال ابن حبان في «الثقات» (8/234) (13185): "دَاوُد بن عَمْرو بن الْفُرَات ابن أبي الْفُرَات، أَبُو عَمْرو، من أهل مرو، وَسكن الْبَصْرَة. يروي عَن إِبْرَاهِيم بن الصَّائِغ. روى عَنهُ: ابن أبي الشَّوَارِب، وَأهل البَصْرَة".

قال عثمان بن سعيد الدارمي في «تاريخ ابن معين - روايته» (ص104) (320) عن أبي زكريا يحيى بن معين: وسَأَلْتُهُ عن داود بن أبي الفُرَات، ما حاله؟ فقال: "ثِقةٌ".

وقال ابن طهمان في «تاريخ ابن معين - روايته» (ص117) (382) عن ابن معين: "دَاوُد بن أبي الْفُرَات: لَيْسَ بِهِ بَأْس".

وقَالَ أَحْمد بن عَليّ بن مُسلم: حدثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ، قال: سَأَلت ابن الْمُبَارك عَن دَاوُد بن أبي الْفُرَات، فَقَالَ: "ثِقَة لَا يعلم بِهِ بَأْساً". [تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين (ص: 82) (342)، التعديل والتجريح للباجي (2/566)].

وقال العِجلي في «الثقات» (1/341) (426): "دَاوُد بن أبي الفُرَات العَبْدي: بَصرِي، ثِقَة".

كذا فيه «العبدي»! وهو تحريف! وإنما هو: «الكندي».

وقال الدارقطني في «العلل» (1/252): "وهو ثِقةٌ".

قال الحاكم في «سؤالاته للدارقطني» (315): قلت: داود بن أبي الفرات؟ قال: "ليس به بأس، أخرج البخاري عنه حديث أبي الأسود، وخالفوه فيه، وفي النفس من هذا الحديث شيء".

وقال مُغلطاي في «الإكمال» (4/262) (1463): "خرّج أبو حاتم البستي حديثه في «صحيحه»، وكذلك الحاكم. وقال ابن خلفون في «الثقات»: الكندي أو البكري".

وقال ابن عبدالهادي في «تعليقه على علل ابن أبي حاتم» (ص: 225): "وَدَاوُدُ الْكُنْدِيُّ: هُوَ ابْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ»".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص: 308) (1806): "داود بن أبي الفرات، عمرو بن الفرات، الكندي، المروزي، ثقة، من الثامنة".

·       دَاوُدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ أَبِي الفُرَاتِ مَوْلَى أَشْجَعَ المَدَنِيِّ:

هكذا ترجم له أهل العلم، وهناك آخر غيره يشابهه في الاسم، وقد يخلط بينهما بعضهم، وهو: "دَاوُدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ أَبِي الفُرَاتِ مَوْلَى أَشْجَعَ المَدَنِيِّ"، وهو ليس بالقوي، يُعتبر به.

ونقل ابن أبي حاتم في ترجمته أن ابن أبي خيثمة قال: سئل يحيى بن معين عن

داود بن أبي الفرات، فقال: "ثقة".

وأستغرب من نقله قول ابن معين في ترجمة المدني هذا، وقد تقدم ان ابن معين وثّق الآخر، فيحتمل أن ابن أبي حاتم وهم في ذكر قول ابن معين في ترجمة هذا المدني؛ لأن غالب أهل العلم يضعفون هذا المدني، ومنهم أبو حاتم، فقد قال ابنه عبدالرحمن: سمعت أبي يقول: "داود بن بكر بن أبي الفرات شيخ لا بأس به، ليس بالمتين".

·       وهم للذهبي!

وقد فرّق بينهما كل أهل العلم، ومنهم الإمام الذهبي، فذكر في «تاريخه» (4/46) (34): "دَاوُد بْن بَكْرِ بْنِ أبي الفُرات الأشْجعيّ، مولاهم، المدني" في طبقة من توفي بين سنة (151 - 160هـ)، وقال: "وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ليس بالمتين، ولا بأس به".

ثم ذكر (4/357) (106): "دَاوُد بْن أَبِي الفُرَاتِ، الْكِنْدِيّ المَرْوَزِيّ، ثُمَّ الْبَصْرِيّ" في طبقة من توفي بين سنة (161 - 170هـ)، وقال: "... وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْمَتِينِ...".

فذكر الذهبي قول أبي حاتم في كلا الترجمتين فأخطأ!!وإنما قول أبي حاتم في داود المدني، لا المروزي.

·       جاهلٌ خلط بينهما!

وحقيقة لم أجد من خلط بينهما لا قديماً ولا حديثاً إلا من واحد جاهل في الحديث، يظنّ نفسه محدثاً! فجعلهما واحداً!

قال صاحب كتاب «المعجم الصغير لرواة الإمام ابن جرير الطبري» (1/159) (1112) - [11197]: "(خ، ت، س، ق) داود بن أبي الفرات، هو أبو عمرو، داود بن بكر، وهو أبو الفرات، واسمه عمرو بن الفرات، العبدي، الكندي، المروزي، ثم المدني، ثم البصري، نسب لجدّه، توفي سنة سبع وستين ومائة، من الثامنة، ثقة".

قلت: هكذا خلط بين الترجمتين كـ "الكوكتيل"! مع أنّ أهل العلم فرقوا بينهما بتفريق واضح بيّن بحيث أفردوا كل ترجمة! بل إن البخاري ذكرهما متتابعتين.

فالذي هو من رواة الطبري: داود بن أبي الفرات المروزي لا المدني.

وداود بن بكر مدني، فصار عنده: المروزي المدني!! وقد جعل بكراً هو والد المروزي ثم زاد الطين بلّة فقال: "وهو أبو الفرات واسمه عمرو بن الفرات"! فهذا يعني أن داود اسمه "عمرو بن الفرات"! وكنيته "أبو الفرات"! وإنما عمرو هو والده وهو الذي كنيته "أبو الفرات"، والمشكلة لو أننا أردنا إحسان الظن فأرجعنا قوله: "وهو أبو الفرات واسمه عمرو بن الفرات" على والد داود لما استقام ذلك مع قوله قبل ذلك: "هو أبو عمرو داود بن بكر"! فكيف يكون والده هنا اسمه "بكر" ثم صار اسمه "عمرو بن الفرات"!!! وإنما هذا كله بسبب خلطه بين الترجمتين!

ونسبته "العبدي" كذا في كتاب العجلي، ونبهت عليها آنفاً أنها محرفة عن "الكندي".

وقوله: "نسب لجده" فهذا قاله ابن حجر في «التقريب» (ص: 308) (1807) في ترجمة المدني، قال: "داود بن أبي الفرات هو ابن بكر، نسب لجده".

وتبعه على ذلك تلميذه السخاوي في «التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة» (1/325) (1156) قال: "داود بن بكر بن أبي الفرات الأشجعي مولاهم، من أهل المدينة، أخو عبدالملك، وقد ينسب إلى جده".

ونبّه على ذلك الدارقطني في «سؤالات البرقاني» له (ص: 73) قال: "دَاوُد بن بَكْر بن أَبِي الفُرَات، وَيُقَالُ: دَاوُد بن أَبِي الفُرَات".

·       الخلاصة في حال داود بن أبي الفرات المروزي:

ونلاحظ أن أكثر أهل العلم من النقاد المتقدمين لم يتكلموا على داود بن أبي الفرات المروزي.

وثقه يحيى بن معين، ثم قال فيه: "لا بأس به"، ونُقل عن ابن المبارك أنه وثقه وأنه لا بأس به.

ولا بأس به هنا لا يعني التوثيق المطلق، وإنما هو في مرتبة الصدوق، ولهذا خرّج له البخاري حديثين فقط.

ثم وثقه الدارقطني، والعجلي، وتبعهما الذهبي، وابن عبدالهادي، وابن حجر، وكل ذلك يرجع لقول ابن معين فيه: "ثقة".

لكن كما نبهت فإن ابن معين قال فيه أيضاً "لا بأس به"، وهذا يدلّ على أن ابن معين لا يوثقه التوثيق المطلق إذ هناك فرق بين المصطلحين.

والخلاصة - بحسب كلام أهل العلم - أن داود بن أبي الفرات المروزي: صدوق.

فالأصل قبول حديثه، لكن إذا خولف فيه فهل نقدّمه على غيره؟ وكذلك إذا تفرد بحديث، فهل يُقبل تفرده وهو في طبقة لا يقبل فيها التفرد عن الشيخ إلا بقرائن؟

والجواب عن هذه الأسئلة يتبين لنا بعد عرض أحاديثه والكلام عليها.

·       الحديثان اللذان أخرجهما البخاري لداود بن أبي الفرات المروزي:

الحديث الأول:

روى البخاري في «صحيحه»، كتاب الجنائز، بَاب ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَى المَيِّتِ، (2/97) (1368) عن عَفَّان بْن مُسْلِمٍ الصَّفَّار.

وفي كتاب الشهادات، بَاب تَعْدِيلِ كَمْ يَجُوزُ؟ (3/169) (2643) عن مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ التَّبوذكيّ، قالا: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الفُرَاتِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ، فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ، فَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ: فَقُلْتُ: وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ، شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ» فَقُلْنَا: وَثَلاَثَةٌ، قَالَ: «وَثَلاَثَةٌ» فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ، قَالَ: «وَاثْنَانِ» ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الوَاحِدِ.

ورواه الترمذي في «جامعه» (2/364) (1059) عن يَحْيَى بْن مُوسَى، وَهَارُونَ بْنِ عَبْدِاللهِ البَزَّاز، كلاهما عن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ.

والنسائي في «سننه» (2/425) (2072) عن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ بن راهويه، عن هِشَام بْنِ عَبْدِالْمَلِكِ أبي الوليد الطيالسي، وَعَبْداللهِ بْنِ يَزِيدَ المقرئ.

وأبو داود الطيالسي في «مسنده» (1/26) (22).

وأحمد في «مسنده» (1/286) (139) عن يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ المؤدب. و(1/331) (204) عن أبي عبدالرحمن عَبْدِاللهِ بْن يَزِيدَ المقرئ. و(1/406) (318) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدِالوارث، وَعَفَّان الصفّار.

وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (1/135) (145) عن شَيْبَان.

والبزار في «مسنده» (1/441) (312) عن مُحَمَّدِ بْنِ المُثَنَّى، عن مُحَمَّدِ بْن الفَضْلِ السدوسي عارم.

والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (8/357) (3308) عن يَزِيد بْن سِنَانٍ، عن أَبي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ، وَشَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ.

وأبو نعيم الأصبهاني في «مستخرجه على صحيح البخاري» (521) عن فاروق الخطابي، عن أبي مسلم الكشي، عن أبي عمر الضرير الأكبر حفص بن عمر، وحجاج بن المنهال.

وابن حبان في «صحيحه» (7/297) (3028) عن أَحْمَد بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الموصلي، عن إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطَّالَقَانِيّ، عن أبي عبدالرحمن المُقْرِئ.

كلهم (عفان، والتبوذكي، وأبو داود الطيالسي، وأبو الوليد الطيالسي، وأبو عبدالرحمن المقرئ، وعبدالصمد، ويونس المؤدب، وشيبان بن فرّوخ، وعارِم، وأبو عمر الضرير، وحجاج) عن دَاوُد بْن أَبِي الفُرَاتِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عن عمر بن الخطاب.

قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

وقال البزار: "وَلَا نَعْلَمُ يُرْوَى هَذَا الْكَلَامُ عَنْ عُمَرَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ عُمَرَ، وَلَا رَوَى أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُمَرَ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ".

·       تعليل ابن المديني لهذا الحديث بالانقطاع!

قلت: تفرد بهذا الحديث داود بن أبي الفرات بهذا الإسناد! وقد أعلّه عليّ بن المديني بالانقطاع بين ابن بريدة وبين أبي الأسود!

فقد رواه علي بن المديني عن عبدالصمد بن عبدالوارث، عن داود بن أبي الفرات به، وقال: "لا نحفظه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده بعض الانقطاع؛ لأن عبدالله بن بريدة يدخل بينه وبين أبي الأسود: «يحيى بن يَعمر»، وقد أدرك أبا الأسود، ولم يقل فيه: «سمعت أبا الأسود»، وهو حديث حسن الإسناد إن كان عن أبي الأسود" انتهى كلامه. [مسند الفاروق لابن كثير: (1/242)].

هكذا أعلّه ابن المديني بعدم سماع ابن بريدة من أبي الأسود الدؤلي؛ لأنه يُدخل بينهما أحياناً "يحيى بن يعمر"، وهذه إشارة على عدم السماع، إذ لو كان سمع منه لما أدخله بينهما في روايات أخرى، وأيّد ذلك بأنه لم يقل في هذا الحديث: "سمعت أبا الأسود"، وهذه حجّة قوية.

وأشار البزار إلى أنه لا يعرف لأبي الأسود عن عمر إلا هذه الرواية، ولا يعرف أنه سمع من عمر.

نعم، أبو الأسود الديلي أو الدؤلي من أهل البصرة، وكان ممن أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ير النبي عليه الصلاة والسلام، وقاتل مع علي يوم الجمل وكان من أصحابه، وكان يستخلفه بعد ذلك ابن عباس بعد ذلك على البصرة وكان علوياً، ومات وهو ابن خمس وثمانين سنة تسع وستين = يعني أنه ولد تقريباً في بداية البعثة النبوية، لكن لا يُعرف أنه لقي أحداً من الصحابة المتقدمين، ولم يسمع منهم، وقد روى عن معاذ بن جبل، لكن قال ابن معين إنه لم يلقه.

·       مخالفة داود لغيره!

على أن داود بن أبي الفرات قد خُولف في هذا الحديث: خالفه عُمَرُ بنُ الْوَلِيدِ الشَّنِّيُّ.

رواه أحمد في «مسنده» (1/447) (389) قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قال: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْوَلِيدِ الشَّنِّيُّ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: «جَلَسَ عُمَرُ مَجْلِسًا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُهُ تَمُرُّ عَلَيْهِ الْجَنَائِزُ، قَالَ: فَمَرُّوا بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا خَيْرًا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مَرُّوا بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا خَيْرًا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مَرُّوا بِجِنَازَةٍ فَقَالُوا خَيْرًا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مَرُّوا بِجِنَازَةٍ فَقَالُوا: هَذَا كَانَ أَكْذَبَ النَّاسِ. فَقَالَ: إِنَّ أَكْذَبَ النَّاسِ أَكْذَبُهُمْ عَلَى اللهِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ مَنْ كَذَبَ عَلَى رُوحِهِ فِي جَسَدِهِ، قَالَ: قَالُوا: أَرَأَيْتَ إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ؟ قَالَ: وَجَبَتْ، قَالُوا: وَثَلاثَةٌ؟ قَالَ: وَجَبَتْ، قَالُوا: وَاثْنَيْنِ؟ قَالَ: وَجَبَتْ، وَلَأَنْ أَكُونَ قُلْتُ وَاحِدًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ. قَالَ: فَقِيلَ لِعُمَرَ: هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ بِرَأْيِكَ، أَمْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

هكذا رواه عمر بن الوليد عن ابن بريدة عن عمر، مرسلاً، ولم يذكر فيه "عن أبي الأسود".

·       تعليل الدارقطني للحديث بالانقطاع!

قال الدارقطني في «جزء في بيان علل أحاديث أودعها البخاري كتابه الصحيح» (ص: 26): "وهذا مما انفرد به داود بن أبي الفُرات، عن ابن بريدة، وغير داود أثبت منه.

وقال علي بن المديني في هذا الحديث: إن عبدالله بن بريدة إنما يروي عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الديلي، ولم يقل في هذا الحديث: سمعت أبا الأسود، فيكون متصلاً ذلك الحديث عنده من هذا الوجه.

قلت: وقد روى هذا الحديث وكيع - وهو من الحفاظ - عن عمر بن الوليد الشَّنِّي، عن عبدالله بن بريدة مرسلاً، لم يذكر فيه "أبا الأسود" ولا غيره، حدّث به أحمد بن حنبل، عن وكيع كذلك".

وقال الحاكم في «سؤالاته للدارقطني» (315): قلت: داود بن أبي الفرات؟ قال: "ليس به بأس، أخرج البخاري عنه حديث أبي الأسود، وخالفوه فيه، وفي النفس من هذا الحديث شيء".

قلت: عمر بن الوليد البصري ثقة، وثقه ابن معين، وأحمد، وأبو زرعة، وغيرهم. وليّنه القطان والنسائي، وهو قليل الحديث لا يعرف له حديثاً منكراً، وغالب رواياته عن عكرمة من المقاطيع، وقد أثنى عليه أبو حاتم بهذا ووصفه بالتثبت.

وقد أشار الدارقطني فيما سبق أن روايته أولى من رواية داود بن أبي الفرات، فتبيّن من هذا أن الحديث منقطع، وهو من مراسيل عبدالله بن بريدة، وكثير من روايات ابن بريدة مرسلة!

·       نكارة في الرواية!

ومما يدلّ على أن هذه الرواية مرسلة ما جاء فيها: "عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، فَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا..."!

فلا يُعرف تاريخياً أنه حدث في زمن عمر مرضاً مات فيه الناس موتاً ذريعاً!! فهذا من نكارة الحديث، وعادة تكون مثل هذه المناكير في الأحاديث المرسلة!

·       رد أحمد شاكر لرواية عمر بن الوليد المنقطعة! والرد عليه!

قال أحمد شاكر في رواية عمر بن الوليد أثناء تعليقه على «مسند أحمد» (1/325): "إسناده ضعيف، لانقطاعه. فإن عبدالله بن بريدة ولد سنة 15 ومات سنة 115 فلم يدرك عمر، ولكن أصل الحديث صحيح، رواه داود بن أبي الفرات عن عبدالله بن بريدة عن أبي الأسود الديلي عن عمر، وقد مضى ذلك 139، 204، 318. والظاهر أن الخطأ في هذه الرواية من عمر بن الوليد الشني، وهو ثقة، وثقه أحمد وابن معين وابن حبان وغيرهم، ولينه يحيى القطان، وقال ابن المدينى: "سمعت يحيى بن سعيد ذكر عمر بن الوليد فقال بيده يحركها، كأنه لا يقويه، قال علي: فاسترجعت، وقلت: إذا حركت يدك فقد أهلكته! قال: لست أعتمد عليه، ولكنه لا بأس به!" انتهى.

قلت: لا يوجد دليل على أن عمر بن الوليد أخطأ في الرواية! وكلام القطان فيه لا يعني الضعف المطلق، بل هو قال: "ولكنه لا بأس به"، ولا شك أن القطان يتكلم على أحاديثه المرفوعة، وهو أصلا قليل الرواية، ولا يكاد يوجد له حديثا مرفوعا، وهو كان متثبتاً فيما يرويه من مقاطيع ومراسيل، فلو أنه رفع حديثا وغيره خالفه فهنا لا يُعتمد عليه، لكن الحال هنا العكس، فهو قد أرسل الحديث، وغيره وصله، فهنا ترجح روايته لثقته أولا وحاله ليس بأقل من حال داود بن أبي الفرات، وكذلك تثبته فيما يرويه من مراسيل كما أثنى عليه أبو حاتم في ذلك.

·       نظرة يحيى القطان للرواة البصريين!

مع التنبيه على أن الاختلاف هنا بين بصريين: داود بن أبي الفرات، وعمر بن الوليد، ويحيى القطان لا يعبأ كثيراً بالرواة البصريين! فلو كان الاختلاف بين بصري وآخر ليس من أهل البصرة لكان لكلام القطان هنا وجه.

قال ابن الجُنيد في «سؤالاته لابن معين» (ص: 322) (198): سألت يحيى بن معين عن الربيع بن حبيب أبي سلمة، فقال: "شيخ بصري ثقة".

فقلت: إن يحيى القطان سئل عنه، قال: "هو نحو عمر بن الوليد الشني"!

فقال يحيى: "الربيع بن حبيب ثقة، وعمر بن الوليد ثقة".

ثم قال لي يحيى بن معين: "لم يكن عامة مشايخ البصريين يسوون عند يحيى بن سعيد شيئاً"، فذكر هماماً وغيره.

وهنا قاعدة مهمة، وهي: أننا لا نُعمل كلام يحيى القطان في راو بصري إذا كانت المقارنة بينه وبين راو بصري آخر!

على أنه نحتاج معرفة ما هي الأسباب التي دعت يحيى القطان الذهاب لهذا الرأي في البصريين! وأثر ذلك؟ وهذا ما سأبينه بإذن الله تعالى قريباً في بحث خاص.

·       قرينة على أن الأصح رواية عبدالله بن بريدة عن عمر دون ذكر «عن أبي الأسود»!

ومما يدلّ على أن الأصح هنا رواية ابن بريدة عن عمر: أن ابن بريدة روى قصة أخرى عن عمر كذلك من رواية داود بن أبي الفرات عنه، وهذا يعني أن ابن بريدة كان يروي بعض القصص المرسلة عن عمر، وداود قد زاد في إسناد هذه القصة فوهم.

روى ابن سعد «الطبقات» (3/216) قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيُّ قال: بينا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَعُسُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذَا امْرَأَةٌ تَقُولُ:

هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ... أَمْ هَلْ سَبِيلٌ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ؟

فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْهُ. فَإِذَا هُوَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَإِذَا هُوَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ شَعْرًا، وَأَصَبَحِهِمْ وَجْهًا. فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَطُمَّ شَعْرَهُ فَفَعَلَ. فَخَرَجَتْ جَبْهَتُهُ فَازْدَادَ حُسْنًا. فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَعْتَمَّ فَفَعَلَ. فَازْدَادَ حُسْنًا. فَقَالَ عُمَرُ: لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تُجَامِعُنِي بِأَرْضٍ أَنَا بِهَا! فَأَمَرَ لَهُ بِمَا يُصْلِحُهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ.

قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيُّ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَعُسُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِنِسْوَةٍ يَتَحَدَّثْنَ. فَإِذَا هُنَّ يَقُلْنَ: أَيُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصْبَحُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَبُو ذِئْبٍ. فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ إِذَا هُوَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ وَاللَّهِ ذِئْبُهُنَّ. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تُجَامِعُنِي بِأَرْضٍ أَنَا بها! قال: فإن كنت لا بد مُسَيِّرُنِي فَسَيِّرْنِي حَيْثُ سَيَّرْتَ ابْنَ عَمِّي. يَعْنِي نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ السُّلَمِيَّ. فَأَمَرَ لَهُ بِمَا يُصْلِحُهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ.

ورواه الخرائطي في «اعتلال القلوب» (2/395) (829) عن صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ بْنُ عَبْدِالْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، به.

ورواه الْحَافِظِ أَبو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكِسَائِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ دِيزِيلَ الْهَمْدَانِيِّ في «حديثه» (10)، عن مُوسَى بْن إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيّ، عن دَاوُد بْن أَبِي الْفُرَاتِ، به.

قال ابن حجر في «الإصابة» (6/382): "وقد أخرج ابن سعد والخرائطيّ بسند صحيح، عن عبداللَّه بن بريدة، قال: بينما عمر بن الخطاب يعسّ ذات ليلة في خلافته فإذا امرأة تقول...".

قلت: هذه قصة مشهورة تُروى بأسانيد غير هذه، لكنها كلها مرسلة ومُعضلة! وأسانيدها عراقية (بصرية، وكوفية) ولا تعرف عن أهل المدينة! وبعضها فيها زيادات وأشعار لا توجد في غيرها! ولا تكاد تجد كتاباً في التاريخ إلا ويذكرها حتى أصبحت مسلّمة، وذكرها بعض أهل الفقه في مسائل السياسة الشرعية! والذي أميل إليه أنها منكرة، والله أعلم.

وقد رواها ابن ديزيل أيضاً (11) عن سَعِيد بْن عُفَيْرٍ، قال: حَدَّثَنِي عُلْوَانُ بْنُ دَاوُدَ الْبَجَلِيُّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَعُسُّ فَسَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ، بنحوه.

ورواها هشام بن حسّان، عن محمد بن سيرين قال: كان عمر بن الخطاب، بنحوه.

ورُويت أيضاً عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ يَعُسُّ بِالْمَدِينَةِ إِذْ مَرَّ بِامْرَأَةٍ فِي بَيْتٍ وَهِيَ تَقُولُ، بنحوه.

فرواية داود بن أبي الفرات هذه القصة عن ابن بريدة عن عمر فيه إشارة أنه لم يكن يروي عن أبي الأسود عن عمر، ويعضد ذلك أنه لا توجد رواية لأبي الأسود عن عمر إلا في ذاك الحديث!

·       كلام الدارقطني على الحديث في «العلل»!

وسُئِلَ الدارقطني في «العلل» (2/247) (247) عَنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ جِيرَانِهِ بِخَيْرٍ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ»؟

فَقَالَ: "هُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ وَهُوَ ثِقَةٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ.

وَاخْتُلِفَ عَنْ دَاوُدَ، فَقَالَ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ: عَنْهُ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ.

وَوَهِمَ فِي ذِكْرِ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ فِي إِسْنَادِهِ، لِكَثْرَةِ مَنْ خَالَفَهُ مِنَ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ عن داود. مِنْهُمْ: عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَعَبْدُالصَّمَدِ بْنُ عَبْدِالْوَارِثِ، وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، وَيُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، وَأَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ الْمُقْرِيُّ، وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ، وَغَيْرُهُمْ، فَإِنَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ.

لَمْ يَذْكُرُوا بَيْنَهُمَا أَحَدًا.

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ عَنْ دَاوُدَ.

وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ الْوَلِيدِ الشَّنِّيُّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ مُرْسَلًا، عَنْ عُمَرَ، لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا.

والْمَحْفُوظُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَفَّانُ، وَمَنْ تَابَعَهُ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ.

وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِثْلَ مَا رَوَاهُ عَفَّانُ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ" انتهى.

·       تعقيب على كلام الدارقطني!

قلت: ظاهر كلامه هنا أنه يصحح الحديث ولا يرى تعليله! ويبدو أن هذا القول قاله قبل قوله الذي نقلناه عنه آنفاً بتعليله بالانقطاع!

وكان - رحمه الله - متردداً لقوله للحاكم لما سأله عن داود: "أخرج البخاري عنه حديث أبي الأسود، وخالفوه فيه، وفي النفس من هذا الحديث شيء".

ثم بعد ذلك أعلّه، ويؤيده ما ذكره في «التتبع» فقال (ص: 270) (126): "وقد أخرج البخاري حديث داود بن أبي الفرات عن ابن بريدة، وقد كتبت علته في موضع آخر".

وقال في الموضع الآخر (ص: 316) (162): "وأخرج البخاري من حديث داود بن أبي الفرات، عن ابن بريدة، عن أبي الأسود عن عمر: مر بجنازة فقال: وجبت. وقال علي بن المديني في «المسند»: ابن بريدة إنما يروي عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود، ولم يقل في هذا الحديث سمعت أبا الأسود فيكون متصلاً".

ثم قال: "وقد روى هذا الحديث وكيع عن عمر بن الوليد الشنّي، عن عبدالله بن بريدة، قال: جلس عمر، مرسلاً، ورفعه، ولم يذكر بين ابن بريدة وبين عمر أحداً".

·       رواية سَعِيدِ بْنِ زَرْبِيٍّ عن ابن بريدة!

وأما رواية سَعِيدِ بْنِ زَرْبِيٍّ فلم أقف عليها، وهو "متروك" عند الدارقطني نفسه! [الضعفاء له (2/156) (270)].

وقَالَ فيه يَحْيَى بن معين: "لَيْسَ بِشَيْءٍ".

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: "عِنْدَهُ عَجَائِبُ".

وقال مسلمٌ: "صاحب عجايب".

وقَالَ النَّسَائِيّ: "لَيْسَ بِثِقَةٍ".

وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، منكر الحديث، عنده عجائب من المناكير".

وقال ابن حبان: "وَكَانَ مِمَّن يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات عَلَى قلَّة رِوَايَته".

قلت: فمثله لا يُعتد بما يرويه مطلقاً! ولا تُعرف له رواية عن ابن بريدة، فربما - إن صحت الرواية عنه - أخذ الحديث من داود فهو من نفس طبقته، والله أعلم.

وقد وهم الدارقطني في ذكره أن مسلماً رواه! فمسلم لم يخرّجه في «صحيحه»!

·       قول ابن حجر في الحديث!

قال ابن حجر في «الفتح» (1/356) - بعد أن ذكر تعليل الدارقطني له، وكلام ابن المديني-: "وَلم أره إِلَى الْآن من حَدِيث عبدالله بن بُرَيْدَة إِلَّا بالعنعنة، فعلّته بَاقِيَة، إِلَّا أَن يُعْتَذر للْبُخَارِيّ عَن تَخْرِيجه بِأَن اعْتِمَاده فِي الْبَاب إِنَّمَا هُوَ على حَدِيثِ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ بِهَذِهِ القِصَّة سَوَاء".

وقال في موضع آخر (3/230): "وَقَدْ حَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ «التَّتَبُّعِ» عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيّ أَن ابن بُرَيْدَةَ إِنَّمَا يَرْوِي عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي هَذَا الحَدِيث: سَمِعت أَبَا الْأسود. قلت: وابن بُرَيْدَةَ وُلِدَ فِي عَهْدِ عُمَرَ، فَقَدْ أَدْرَكَ أَبَا الْأَسْوَدِ بِلَا رَيْبٍ، لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ لَا يكْتَفي بالمعاصرة، فَلَعَلَّهُ أَخْرَجَهُ شَاهِدًا، وَاكْتَفَى لِلْأَصْلِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي قَبْلَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

قلت: الحديث معلول بعدة علل:

الأولى: الانقطاع: فقد تفرد برفعه داود بن أبي الفرات، وخالفه عمر بن الوليد فأرسله، وعمر أوثق من داود.

الثانية: عدم سماع عبدالله بن بريدة من أبي الأسود الدؤلي.

الثالثة: عدم ثبوت سماع أبي الأسود من عمر.

الرابعة: نكارة المتن في أنه وقع في المدينة في عهد عمر مَرَض، وكان الناس يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا! فلا يُعرف أن وباء أو مرضاً حصل في عهد عمر ومات منه الناس موتاً ذريعاً!

الحديث الثاني:

روى البخاري في «صحيحه»، كتاب أحاديث الأنبياء، (4/175) (3474) عن مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ التبوذكيّ.

وفي كتاب الطب، بَاب أَجْرِ الصَّابِرِ فِي الطَّاعُونِ، (7/131) (5734) عن إِسْحَاق، عن حَبَّان بن هَلالِ.

وفي كتاب القدر، بَاب {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]، (8/127) (6619)، عن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيّ، عن النَّضْر بن شُميلٍ، قالوا: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الفُرَاتِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي: «أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ».

وهو في «مسند إسحاق بن راهويه» (3/743) (1353) عن النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ.

ورواه أيضاً (3/1016) (1761) عن المقرئ، وهو عبدالله بن يزيد..

ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (7/68) (7485) عن العَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وإِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، كلاهما عن يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ المؤدّب.

ورواه أحمد في «مسنده» (40/417) (24358) عن يُونُس بْن مُحَمَّدٍ. و(42/118) (25212) عن أَبي عَبْدِالرَّحْمَنِ المقرئ. و(43/235) (26139) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدِالوارث العنبريّ.

والبيهقي في «السنن الكبرى» (3/527) (6560) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيّ، عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ.

وابن عبدالبر في «التمهيد» (12/259) من طريق ابْنِ سَنْجَرَ، عن عَارِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ.

وأَبُو عَبْدِاللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفُرَاوِيُّ في «الأربعين المخرجة من مسموعاته» من طريق أبي القاسم عبدالله بن محمد البغويّ، عن شَيْبَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ - وَهُوَ: شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ-.

كلهم (التبوذكي، وحَبّان، والنضر، ويونس، والمقرئ، وعبدالصمد، وابن مهدي، وعارم، وشَيبان) عن دَاوُد بْن أَبِي الفُرَاتِ، عن عَبْداللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ.

·       إسحاق الذي روى عنه البخاري:

روى البخاري الحديث عن إسحاق عن حبّان.

قال ابن حجر في «فتح الباري» (10/192): "إِسْحَاقُ: هُوَ: ابن رَاهَوَيْهِ".

وتبعه على ذلك القسطلاني في «إرشاد الساري» (8/387).

وتعقّبه العيني في «عمدة القاري» (21/261) فقال: "قَالَ بَعضهم - يقصد ابن حجر-: ابْن رَاهَوَيْه، وَقَالَ الغسّاني: لَعَلَّه ابْن مَنْصُور. قلت: إِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج أَبُو يَعْقُوب الْمروزِي، انْتقل بِآخِرهِ إِلَى نيسابور وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وحبان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ، وَمن جملَة من روى عَنهُ إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَهُوَ يدل على أَن الصَّوَاب مَعَ الغساني".

قلت: أصاب العيني، فهو إِسْحَاقُ بن مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ، وقد ذكر المزي في ترجمة «حبان بن هلال» (5/329) أن إسحاق بْن منصور الكوسج روى عنه، ولم يذكر إسحاق بن راهويه، ولو كان الحديث عن إسحاق بن راهويه لوجدناه في «مسنده» كما وجدنا الرواية الأخرى التي رواها عن النضر بن شميل وأخرجها البخاري عنه، والله أعلم.

·       لفظ شاذ في رواية عبدالصمد عند أحمد: «فَيَمْكُثُ فِي بَيْتِهِ»!

جاء في رواية عبدالصمد بن عبدالوارث عند أحمد: «فَيَمْكُثُ فِي بَيْتِهِ»! وهو لفظ شاذ، والصواب: «في بلده» كما رواه بقية الرواة الآخرين دون اختلاف بينهم. فهي إما مصحفة، وهو الأقرب، أو رواها الراوي بفهمه!

·       الكلام على الحديث:

وهذا الحديث تَفَرَّدَ بِهِ داود بن أبي الفرات، ولا يُعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ يحيى بن يَعْمَر إلاَّ عبدالله بن بريدة، ولاَ يُعْلَمُ أنه يُرْوَى عَن عائشة إلاَّ مِنْ هَذَا الوجه!!

وتفرد داود بهذا الحديث لا يُقبل! فأين أصحاب ابن بريدة عنه؟ أين «حُسَيْن المُعَلِّمِ البصري»، وقد أكثر البخاري من رواية حديثه عن ابن بريدة في «صحيحه»، وكذلك «كَهْمَس بن الحَسَنِ»، وغيرهما من أصحاب ابن بريدة!

وأين الرواة عن عائشة الذين أكثروا عنها واستنزفوا حديثها مثل: عُرْوَة بن الزُّبَيْرِ، والقَاسِم بن مُحَمَّد ابن أبي بكر، وعَمْرَة بِنْت عَبْدِالرَّحْمَنِ، وعُبَيْداللَّهِ بن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، والأسود، ومسروق، وسُلَيْمَان بنِ يَسَارٍ، وغيرهم؟!

ولا يوجد ليحيى عن عائشة في الكتب الستة إلا هذا الحديث، بل لا تكاد توجد له رواية عنها في الكتب إلا في حديثين آخرين عند أحمد فيهما كلام!

·       قاعدة في العلل: تفرد بعض الرواة عن شيخ بحديث لا يعرفه أصحابه!

وهنا قاعدة مهمة، وهي: تفرد بعض الرواة برواية عن شيخ له أصحاب كُثر، ينفرد عنه بعضهم بحديث لا يعرفه أصحابه! وهي مسألة مهمة من مسائل التعليل.

وهذا مما يُصرّح بتعليله أهل النقد والعلل، ويُعبّرون عن ذلك بقولهم: "وأين أصحاب فلان عن هذا الحديث"؟ فكيف إذا كان المتفرد فيه بعض الكلام!

قال ابن أبي حاتم في «علل الحديث»: وسمعتُ أَبِي وذكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ قُرَّانُ بن تَمَّام، عَنْ أيمَنَ بنِ نَابِل، عَنْ قُدامَةَ الْعَامِرِيِّ؛ قَالَ: «رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يطوفُ بِالْبَيْتِ، يَسْتَلِمُ الحَجَر بِمِحْجَنِه».

فسمعتُ أَبِي يَقُولُ: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحديثَ عَنْ أَيْمَنَ إِلا قُرَّانٌ، وَلا أَرَاهُ مَحْفُوظًا، أَيْنَ كَانَ أصحابُ أيمَنَ بنِ نَابِل عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟!".

وروى نُعيم بن حمادٍ، عن عبد الوهَّاب الثقفي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عُقبة بن أوس، عن عبدالله بن عمرٍو، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤمِنُ أَحدكم حتّى يكونَ هواه تبعاً لما جئتُ به لا يزيغُ عنه».

فهذا الحديث تفرد به نعيم بن حماد عن عبدالوهاب.

وقد تكلم عليه الحافظ ابن رجب، ثم قال: "وأين كان أصحاب عبدالوهَّاب الثقفي، وأصحاب هشام بن حَسّان، وأصحاب ابن سيرين عن هذا الحديث حتى يتفرَّد به نعيم؟".

وأصل ذلك ما قاله طاوس الإمام التابعي في حديث صوم عرفة.

قال سُلَيْمَان الْأَحْوَل: ذَكَرْتُ لِطَاوُسٍ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَعْدِلُ صَوْمَ سَنَتَيْنِ، فَقَالَ: «أَيْنَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ ذَلِكَ؟».

فطاوس لا يرد كل حديث تفرد به تابعي عن صحابي كما قد يفهمه بعض الجهّال! وإنما قال ذلك لأن هذا الأجر في صوم هذا اليوم الأصل أن يكون مشتهراً بين أصحابه صلى الله عليه وسلم، وعرفة مناسبة سنوية لا يغفل عنها أحد لا في حياته صلى الله عليه وسلم ولا بعد مماته.

فلما انتشر بين الناس أن صوم هذا اليوم يكفّر سنتين أو يعدل صوم سنتين، ولم يُرو ذلك عن أبي بكر وعمر وهما ممن لازم النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف لا يعرفان فضيلة صيام هذا اليوم؟!

وكذا الحديث الذي رواه عبدالله بن مَعبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري في صيام هذا اليوم، كيف يتفرد به راوٍ بصري عن صحابي مدني ولا يعرف الحديث بين أصحاب أبي قتادة ولا في أهل بيته؟!

فهل يُعقل أن يتفرد الزماني بهذا الحديث عن أبي قتادة! ولا يعرف أنه لقي أبا قتادة أو سمع منه لا في اليقظة ولا في المنام!! فأين أصحاب أبي قتادة عن هذا الحديث؟!

·       هل سمع يَحْيَى بن يَعْمَرَ من عائشة؟

تخريج البخاري لهذا الحديث في «صحيحه» يعني أنه يثبت سماعه منها، وقد جاء عنده في رواية حَبَّان: "عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْنَا"، وفي رواية النضر: "عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَخْبَرَتْهُ".

لكن نفى ابن معين، وأبو داود سماعه من عائشة.

قال عبّاس الدوري في «تاريخ ابن معين - روايته» (4/214) (4026): سَمِعت يحيى بن معِين قَالَ: "يحيى بن يعمر لم يسمع من عَائِشَة".

وقال أبو عُبيد الآجري في «سؤالاته لأبي داود» (ص: 269) (370): قُلْت لأبي دَاوُد: يَحْيَى بن يَعْمَرَ سمع من عَائِشَةَ؟ قالَ: "لا".

وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (1/60): "يحيى بن يعمر القاضي أبو سليمان... روى عن أبي ذر، وعمّار، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وأبي الأسود الديلي وغيرهم... قال أبو داود: لم يسمع من عائشة. قلت: فما الظن بالذين قبله...". = يعني إذا كان لم يسمع من عائشة فكيف يسمع من أبي ذر (ت32هـ)، وعمار (ت37هـ)، لوفاتهما قبل عائشة (ت57هـ).

قلت: الراجح أن يحيى بن يعمر لم يسمع من عائشة، ولم يلقها! وذلك لأمور:

أولاً: نفي ابن معين، وأبي داود سماعه منها. ومال إلى هذا الذهبي فإنه أورد قول أبي داود، ولم يتعقبه، بل اعتمد عليه في أنه إذا لم يسمع من عائشة فكيف يسمع من أبي ذر وعمار!

ثانياً: لا يوجد ما يثبت أنه لقيها أو سمع منها إلا ما جاء في بعض روايات الحديث، وهذا غير كاف في إثبات السماع؛ إذ يكون هذا من باب السماع الذي لا يصح في الأسانيد، ولا عاضد يعضده! فلو سمع منها فمن غير الممكن أن لا نجد له عنها إلا هذا الحديث، وكيف لم ينتشر خبر لقيه بها وسماعه منها! وكذلك عدم وجود هذا الحديث عند من أكثر عنها من أهل بيتها وكبار التابعين!

وغالب روايات الحديث فيها ذكر «الإخبار» وهذا من داود نفسه! ولا يمكن الاعتماد عليه في ذلك لتفرده بالحديث، ولأنه ليس في مرتبة الثقة الذي يضبط هذه الأخبار.

ثالثاً: لا يوجد ليحيى عن عائشة إلا ثلاثة أحاديث، هذا، وآخران عند أحمد لا يصحان.

رابعاً: يحيى بن يعمر تابعيّ بصريّ، عاش هناك، ثم انتقل إلى خراسان وكان قاضيها، وكان كثير الرواية عن التابعين، ولم يكثر عن الصحابة؛ لأنه لم يلق إلا نفراً منهم كابن عمر، وابن عباس.

قال أبو عبدالله الحاكم في «تاريخ نيسابور»: "يحيى بن يعمر: فقيه، أديب، نحوي، مبرز، تابعي، كثير الرواية عن التابعين". [إكمال تهذيب الكمال (12/390)].

ولهذا قال ابن حجر في «التقريب» (ص: 1070): "وكان يُرسل".

خامساً: أنه لم يلق أي صحابي من أهل المدينة ممن مات مع عائشة أو قبلها أو بعدها بقليل كأبي هريرة.

سادساً: لم يذكر البخاري نفسه أنه سمع من عائشة كعادته في «التاريخ الكبير» (8/312)! بل قال في ترجمته: "سَمِعَ ابْن عَبَّاس (ت68هـ)، وعبداللَّه بْن عُمَر (73هـ)، وأبا الأسود الدؤلي (69هـ)".

فهنا حدد البخاري طبقة سماعه من الصحابة وغيرهم، فطبقة سماعه من الصحابة الذين توفوا بعد سنة (67هـ)، وعليه يكون البخاري خالف ما قرره في تاريخه! وهذا غريب!!!

سابعاً: أنه اختلف في وفاة يحيى بن يعمر:

فقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: "تُوُفِّيَ يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ قَبْلَ التِّسْعِيْنَ".

وقال أبو الفرج ابن الجوزي في «التاريخ المنتظم»: "أنه توفي سنة تسع وثمانين".

وذكره البخاري في فصل من مات ما بين التسعين إلى المائة.

وذكره مسلم في الطبقة الثانية من البصريين.

وقال مغلطاي: ورأيت بخط بعض الشيوخ ذكر ابن معشر في «تاريخ النحاة» أن يحيى بن يعمر توفي بعد العشرين ومائة.

وقال ابن الأثير الجزري وياقوت الحموي: توفي سنة تسع وعشرين ومائة بخراسان.

وذكر ابن حجر قول ابن الأثير في «تهذيب التهذيب» مستبعداً إياه فقال: "كذا قال! وفيه نظر! وقال غيره: مات في حدود العشرين، وقال أبو الفرج ابن الجوزي: مات سنة تسع وثمانين".

ولم يُرجّح ابن حجر!

فإن كانت وفاته قد تأخرت بعد المائة، فهذا يؤيد أنه لم يلق عائشة، ولم يسمع منها.

وعليه: فالحديث معلول، ولا يصح عن عائشة! وأرى أن فيه بعض النكارة المتنية!

ففي الحديث «فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ».

قال ابن حجر في «الفتح» (10/194): "اقْتَضَى مَنْطُوقُهُ أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الشَّهِيدِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِالطَّاعُونِ، وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ: أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ فَوَقَعَ بِهِ الطَّاعُونُ فَمَاتَ بِهِ، أَوْ وَقَعَ بِهِ وَلَمْ يَمُتْ بِهِ، أَوْ لَمْ يَقَعْ بِهِ أَصْلًا وَمَاتَ بِغَيْرِهِ عَاجِلًا أَوِ آجِلًا".

يعني هذه الصور الثلاثة لها مثل أجر الشهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد كما جاء مصرحاً به في أحاديث أخرى، فهو أصلاً شهيد فكيف يكون له مثل أجر الشهيد هنا؟

وقد حاول بعض أهل العلم الجواب عن ذلك بأجوبة لا تخلو من التعسّف والبُعد!

قال ابن حجر: "وَاسْتُنْبِطَ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ وَقَعَ بِهِ الطَّاعُونُ فَمَاتَ بِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الثَّوَابِ بِتَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ كَمَنْ يَمُوتُ غَرِيبًا بِالطَّاعُونِ أَوْ نُفَسَاءَ مَعَ الصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابُ، وَالتَّحْقِيقُ فِيمَا اقْتَضَاهُ حَدِيثُ الْبَابِ أَنَّهُ يَكُونُ شَهِيدًا بِوُقُوعِ الطَّاعُونِ بِهِ، وَيُضَافُ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ لِصَبْرِهِ وَثَبَاتِهِ، فَإِنَّ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ شَيْءٌ وَأَجْرَ الشَّهَادَةِ شَيْءٌ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ وَقَالَ: (هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي قَوْلِهِ «وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ»، وَفِي قَوْلِهِ فِي هَذَا: «فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ» وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: بَلْ دَرَجَاتُ الشُّهَدَاءِ مُتَفَاوِتَةٌ فَأَرْفَعُهَا مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَمَاتَ بِالطَّاعُونِ، وَدُونَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ مَنِ اتَّصَفَ بِهَا وَطُعِنَ وَلَمْ يَمُتْ بِهِ، وَدُونَهُ مَنِ اتَّصَفَ وَلَمْ يُطْعَنْ وَلَمْ يَمُتْ بِهِ)".

والخلاصة أن هذا الحديث تفرد به داود بن أبي الفرات، ولا يقبل تفرده هذا في هذه الطبقة سيما وهو مروزي نزل البصرة، ويروي الحديث عن عائشة وهي من المدينة، ولا يُعرف عند من أكثر من الرواية عنها كابن أختها عروة، وابن أخيها القاسم، وعَمرة بنت عبدالرحمن التي كانت في حجرها، وغيرهم من مواليها.

وكذلك لا يصح سماع يحيى بن يعمر من عائشة، ولم يلقها.

·       أحاديث داود بن أبي الفرات الأخرى:

وأما أحاديث داود بن أبي الفرات الأخرى، فمما وقفت عليه:

الحديث الأول:

روى عبدُ بن حُميد في «مسنده» [كما في المنتخب منه (ص: 205) (597)] عن مُحَمَّد بْنِ الْفَضْلِ عَارم.

وأحمد في «مسنده» (4/409) (2668) عن يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدِ الْمُؤَدِّب. [ورواه الحاكم في «مستدركه» (3/174) (4754)، والضياء المقدسي في «المختارة» (12/167) (187) من طريق أحمد]. و(5/77) (2901) عن أَبي عَبْدِالرَّحْمَنِ المقرئ. (5/113) (2957) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدالوارث.

وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (5/364) (2962) عن شَيْبَان بْن فَرُّوخٍ.

والنسائي في «السنن الكبرى» (7/388) (8297) عن العَبَّاس بْن مُحَمَّدٍ، عن يُونُس. و(7/389) (8299) عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ، عن أَبي النُّعْمَانِ عارم. و(7/391) (8306) عن عَمْرو بْنِ مَنْصُورٍ، عن الحَجَّاج بْن الْمِنْهَالِ.

وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (5/110) (2722) عن زُهَيْرِ بنِ حربٍ أبي خَيثمةَ، عن يُونُسَ بْن مُحَمَّدٍ المؤدب. [ورواه الضياء المقدسي في «المختارة» (12/167) (187) من طريق أبي يعلى].

وابن حبان في «صحيحه» (15/470) (7010) عن الحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عن مُحَمَّد بْنِ أبان الواسطيّ.

والطبراني في «المعجم الكبير» (11/336) (11928)، و(23/7) (1) عن عَلِيّ بْن عَبْدِالْعَزِيزِ، عن حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، وَعَارِمٍ أَبي النُّعْمَانِ. وعن أَحْمَد بْنِ عَلِيٍّ الْأَبَّار، عن عَلِيّ بْن عُثْمَانَ اللاحقيّ. و(22/407) (1019) عن عَبْداللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عن شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخ. [ورواه الضياء في «المختارة» (12/168) (189) من طريق الطبراني].

والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/140) (148) عن إبْرَاهِيم بْن أَبِي دَاوُدَ، عن عَلِيّ بْن عُثْمَانَ اللَّاحِقِيّ البَصْرِيّ.

والحاكم في «المستدرك» (2/539) (3836) من طريق عُثْمَان بْن سَعِيدٍ الدَّارِمِيّ، ويَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، كلاهما عن أَبي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ. و(2/650) (4160) من طريق هِشَام بْن عَلِيٍّ، عن مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ. و(3/204) (4852) من طريق الْعَبَّاس بْن مُحَمَّدٍ الدُّورِيّ، عن يُونُس بْن مُحَمَّدِ الْمُؤَدِّب.

وابن عساكر في «تاريخه» (70/108) من طريق أحمد بن أبي خيثمة، عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي.

كلهم (عارم، ويونس، والمقرئ، وعبدالصمد، وشيبان، وحجاج بن منهال، ومحمد بن أبان، وعلي بن عثمان، وأبو الوليد الطيالسي، والتبوذكي) عن دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ».

قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ".

وقال في الموضع الثاني: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ".

وفي الموضع الآخر: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

وقال الهيثمي في «المجمع» (9/223): "رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ".

وقال ابن حجر في «الفتح» (6/471): "إِسْنَاده صَحِيح".

وأورده الألباني في «صحيحته» (4/13) (1508).

قلت: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ إِلَّا داودَ بن أبي الفرات! ولا يُروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه!

وعِلباء بن أحمر اليشكري تابعي، أصله من البصرة، وسكن مرو، ووفاته ما بين سنة (101 - 110هـ) وهو تقريباً من طبقة عكرمة مولى ابن عباس (ت105هـ)، ولا نعرف له سماعاً من عكرمة! وأين أصحاب عكرمة عن هذا الحديث؟!

وعلباء ثقة، وهو غير علباء صاحب عليّ رضي الله عنه، وروى له مسلمٌ حديثاً واحداً تفرد به عن جدّه أبي زيد الأنصاري واسمه عمرو بن اخطب، وكان نزل البصرة.

ولا نُنكر أن عكرمة قدم مرو، لكن لا نعلم أنه حدّث بها أو سمع منه علباء!

قَال عباس بن مصعب المروزي عن عكرمة: "قَدِمَ مَرْوَ عَلَى مَخْلَدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ المُهَلَّبِ، وَكَانَ يَجْلِسُ فِي السَّرَّاجِيْنَ فِي دُكَّانِ أَبِي سَلَمَةَ السَّرَاجِ مُغِيْرَةَ بنِ مُسْلِمٍ، فَحَمَلَهُ عَلَى بَغْلَةٍ خَضْرَاءَ".

ومخلد كان على خراسان، فلما تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة ولّى على خراسان: الجراح بن عبدالله الحكمى، وأمره أن يبعث إليه بمخلد بن يزيد، وحينما قدم الجراح إلى خراسان عام تسعة وتسعين قبض على مخلد في الحال، وحبسه، ثم أوثق قيده بالسلاسل، وأرسله إلى عمر، ولما وصل مخلد بن يزيد بن المهلب إلى عمر بن عبدالعزيز سُرَّ عمر منه، وقال عنه قولاً كريما، وقال: "إن هذا أفضل من الوالد"، وأمر ألا يتعرضوا له، ولما مات مخلد بن يزيد بن المهلب صلى عليه عمر بن عبدالعزيز.

فعكرمة دخل مرو قبل سنة (99هـ)، لكن لم يثبت أن علباء سمع منه هناك! ولا يُعرف حديث عِلْبَاءِ بنِ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في أهل مرو إلا من رواية داود بن أبي الفرات، والحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/78): "علباء بن أحمر اليشكري: يُعدّ في البصريين. عن عمرو بن أخطب، وعكرمة. روى عَنْهُ: دَاوُد بن أَبِي الفرات، وحسين بن واقد".

والحسين بن واقد المروزي قاضي مرو (ت159هـ) من أقران داود بن أبي الفرات، وهو صدوق وعنده مناكير كثيرة في حديثه يتفرد بها! وأخشى أن داود أخذ حديث علباء عن عكرمة منه!

فداود يتفرد عن علباء، عن عكرمة، عن ابن عباس بأحاديث، والحسين بن واقد يتفرد عن علباء، عن عكرمة، عن ابن عباس بأحاديث قليلة! وهذه الأحاديث لا تُعرف من طريقيهما!

ثم وجدت عَبْدَالْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ الْحَنَفِيّ الْمَرْوَزِيّ قَاضِي مَرْوَ، توفي ما بين سنة (161 - 170هـ) يروي حديثاً عَنْ عَلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، في قصة إسلام ثُمامة ورجوعه إلى اليمامة ومنعه عن قريش الْمِيرَةِ، ونزول قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76]. رواه ابن منده كما قال في ابن حجر في «الإصابة» (1/526)، ورواه البيهقي في «دلائل النبوة» (4/81). وقد تفرد به عن علباء! وعبدالمؤمن مختلف فيه، وهو صدوق.

فحديث داود هذا منكر بهذا الإسناد! وفي متنه نكارة! فهل يحتاج صلى الله عليه وسلم أن يخَطَّ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ للإخبار عن أفضل نساء أهل الجنة؟!!

فمثل هذا كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في أشياء للتعليم وتقريب الصورة، ليركز في الذهن، كما فعل عندما تحدّث عن الأمل وطوله في الحديث الصحيح الذي رواه عَبْداللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الوَسَطِ، وَقَالَ: هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ: قَدْ أَحَاطَ بِهِ - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا».

الحديث الثاني:

روى الطبري في «تفسيره» (19/98)، وفي «تاريخه» (1/166) عن أَحْمَدَ بْنِ زُهَيْر أبي خيثمةَ.

والحاكم في «المستدرك» (2/598) (4013) عن عَلِيّ بْنِ حَمْشَاذَ الْعَدْل، عن هِشَام بْن عَلِيٍّ السَّدُوسِيّ. [ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (7/320) (5068) عن الحاكم].

كلاهما (ابن أبي خيثمة، وهشام بن علي) عن مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ التبوذكيّ، عن دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، قال: حدثنا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] قَالَ: «كَانَتْ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَإِدْرِيسَ أَلْفُ سَنَةٍ، وَأَنَّ بَطْنَيْنِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْكُنُ السَّهْلَ، وَالْآخَرُ يَسْكُنُ الْجَبَلَ وَكَانَ رِجَالُ الْجَبَلِ صِبَاحًا وَفِي النِّسَاءِ دَمَامَةٌ، وَكَانَتْ نِسَاءُ السَّهْلِ صِبَاحًا، وَفِي الرِّجَالِ دَمَامَةٌ، وَإِنَّ إِبْلِيسَ أَتَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السَّهْلِ فِي صُورَةِ غُلَامِ الرُّعَاةِ، فَجَاءَ فِيهِ بِصَوْتٍ لَمْ يَسْمَعِ النَّاسُ مِثْلَهُ، فَاتَّخَذُوا عِيدًا يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ، وَإِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ هَجَمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي عِيدِهِمْ ذَلِكَ، فَرَأَى النِّسَاءَ وَصَبَاحَتَهُنَّ، فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَتَحَوَّلُوا إِلَيْهِنَّ وَنَزَلُوا مَعَهُنَّ فَظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ فِيهِنَّ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]».

قلت: تفرد به عن علباء داود بن أبي الفرات! ولا يعرف عن ابن عباس إلا من هذا الوجه! ونكارته واضحة!

الحديث الثالث:

روى ابن أبي حاتم في «تفسيره» (6/2037) (10919) عن عَمَّار بْنِ خَالِدٍ الْوَاسِطِيّ، عن سَهْلِ بْنِ بَكَّارٍ، وسُلَيْمَانَ بْنِ حربٍ.

وفي «تفسيره» (6/2032) (10882) عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى. والواحدي في «التفسير» (2/575) (451) من طريق أَبي سَعِيدٍ عَبْداللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيّ، عن مُحَمَّد بْنِ أَيُّوبَ الرَّازِيّ. [ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (62/267) من طريق الواحدي]. كلاهما (محمد بن يحيى، ومحمد بن أيوب) عن عَلِيّ بْن عُثْمَانَ اللَّاحِقِيّ البَصْرِيّ.

والأزرقيّ في «أخبار مكة» (1/52) من طريق مَهْدِيّ بنِ أَبِي الْمَهْدِيِّ، عن بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ الْبَصْرِيّ.

أربعتهم (سهل بن بكّار، وسليمان بن حرب، وعلي بن عثمان، وبشر بن السّري) عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ الْكِنْدِيِّ، عَنْ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانُونَ رَجُلًا مَعَهُمْ أَهْلُوهُمْ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا أَقَامُوا فِي السَّفِينَةِ مِائَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَجَّهَ السَّفِينَةَ إِلَى مَكَّةَ، فَدَارَتْ بِالْبَيْتِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ وَجَّهَهَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْجُودِيِّ. قَالَ: فَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ فَبَعَثَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْغُرَابَ، لَيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْضِ، فَذَهَبَ فَوَقَعَ عَلَى الْجِيَفِ، وَأَبْطَأَ عَنْهُ، فَبَعَثَ الْحَمَامَةَ فَأَتَتْهُ بِوَرَقِ الزَّيْتُونِ، وَلَطَّخَتْ رِجْلَيْهَا بِالطِّينِ، فَعَرَفَ نُوحٌ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ نَضَبَ، فَهَبَطَ إِلَى أَسْفَلِ الْجُودِيِّ، فَابْتَنَى قَرْيَةً، وَسَمَّاهَا ثَمَانِينَ، فَأَصْبَحُوا ذَاتَ يَوْمٍ، وَقَدْ تَبَلْبَلَتْ أَلْسِنَتُهُمْ عَلَى ثَمَانِينَ لُغَةً، إِحْدَاهَا الْعَرَبِيَّةُ، قَالَ: فَكَانَ لَا يَفْقَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَكَانَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُعَبِّرُ عَنْهُمْ».

قلت: تفرد به داود بن أبي الفرات، ولا يعرف عن ابن عباس إلا من هذا الوجه!! وهو منكر جداً.

وقد ذكره بعض أهل التفسير في كتبهم، وجزم ابن كثير به في «تفسيره» (4/281) قال: "وَقَالَ عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.."، وكذا في «البداية والنهاية» (1/116) فقال: "وَرَوَى عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ"!!

ولم يثبت أن علباء حدّث به!

ورُوي بعضه عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نُوحًا بَعَثَ الْغُرَابَ لَيَنْظُرَ إِلَى الْمَاءِ، فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ الْحَمَامَةَ، فَأَتَتْهُ بِوَرَقِ الزَّيْتُونِ، فَأُعْطِيَتِ الطَّوْقَ الَّذِي فِي عُنُقِهَا، وَخِضَابَ رِجْلَيْهَا».

وهذا كله يرجع إلى الروايات الإسرائيلية!

الحديث الرابع:

روى الواحدي في «تفسيره» (3/544) (792) من طريق إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عن عَبْداللَّهِ بْن يَزِيدَ الْمُقْرِئ. [ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (17/102) من طريق الواحدي].

والثَّعْلَبِيُّ «تفسيره» (8/184) من طريق عبد بن حُميد، عن عارم محمّد بن الفضل.

كلاهما (المقرئ، وعارم) عن دَاوُد بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ علباء بن أحمر، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْتَعْدَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ عُظَمَائِهِمْ عند داود عليه السلام، فقال: أَنَّ هَذَا غَصَبَنِي بَقَرًا، فَسَأَلَهُ داود فجحد، فسأل الآخر الْبَيِّنَةُ؟ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَقَالَ لَهُمَا دَاوُدُ: قُومَا حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى دَاوُدَ فِي مَنَامِهِ أَنْ يَقْتُلَ الَّذِي اسْتَعْدَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذِهِ رُؤْيَا وَلَسْتُ أَعْجَلُ حَتَّى أتثبت، فأوحى إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى فَلَمْ يَفْعَلْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ تَأْتِيَهُ الْعُقُوبَةُ، فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أَقْتُلَكَ، فَقَالَ تَقْتُلُنِي بِغَيْرٍ بَيِّنَةٍ؟ قَالَ دَاوُدُ: نَعَمْ وَاللَّهِ لِأُنْفِذَنَّ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، فَلَمَّا عَرَفَ الرَّجُلُ أَنَّهُ قاتله، قال له: لَا تَعْجَلْ حَتَّى أُخْبِرَكَ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا أُخِذْتُ بِهَذَا الذَّنْبِ وَلَكِنِّي كُنْتُ اغْتَلْتُ وَالِدَ هَذَا فَقَتَلْتُهُ، فَلِذَلِكَ أُخِذْتُ، فَأَمَرَ بِهِ دَاوُدُ فَقُتِلَ، فَاشْتَدَّتْ هَيْبَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ ذَلِكَ لِدَاوُدَ، وَاشْتَدَّ بِهِ مُلْكُهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَشَدَدْنا مُلْكَهُ}».

قلت: تفرد به داود بن أبي الفرات، ولا يعرف عن ابن عباس إلا من هذا الوجه!!

الحديث الخامس:

روى الطبري في «تفسيره» (17/627) عن أَحْمَد بْن عَمْرٍو الْبَصْرِيّ، عن عَمْرو بْنِ عَاصِمٍ الْكِلَابِيّ.

وابن أبي حاتم في «تفسيره» (5/1511) (8663)، (6/1836) (10207)، (9/2800) (15843) عن مُحَمَّد بْنِ عَمَّارِ بْنِ الْحَارِثِ الرَّازِيّ، عن سَهْلِ بْنِ بَكَّارٍ.

كلاهما (عمرو، وسهل) عن دَاوُدَ بْن أَبِي الْفُرَاتِ، عن عِلْبَاء بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ صَالِحًا النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ، فَآمَنُوا بِهِ وَاتَّبِعُوهُ، فَمَاتَ صَالِحٌ، فَرَجَعُوا عَنِ الْإِسْلَامِ، فَأَتَاهُمْ صَالِحٌ فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا صَالِحٌ، قَالُوا: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأْتِنَا بِآيَةٍ، فَأَتَاهُمْ بِالنَّاقَةِ، فَكَذِّبُوهُ وَعَقَرُوهَا، فَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ».

قلت: تفرد به داود بن أبي الفرات، ولا يعرف عن ابن عباس إلا من هذا الوجه!!

فهذه خمسة أحاديث يرويها داود بن أبي الفرات، عن علباء، عن عكرمة عن ابن عباس، ولم يتابعه عليها أحد!

ويبدو أنه كان في مرو نسخة عن علباء، عن عكرمة، عن ابن عباس، كانوا يروون منها، ولا تعرف أحاديثها عن عكرمة عن ابن عباس إلا عندهم!

وكان يروي منها: داود بن أبي الفرات، والحسين بن واقد، وعبدالمؤمن بن خالد، وثلاثتهم في طبقة واحدة! وهذا يقوّي ما أشرت إليه آنفاً أنه ربما كان بعضهم يأخذ الحديث من الآخر = أي من هذه النسخة! والله أعلم.

الحديث السادس:

روى أبو داود الطيالسي في «مسنده» (2/46) (691).

وابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/312) (229)، (2/246) (1881)، (20/71) (37253) عن يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ المؤدب. [رواه ابن ماجه في «سننه» (1/355) (563) عن ابن أبي شيبة].

وأحمد في «مسنده» (39/128) (23724) عن أَبي عَبْدِالرَّحْمَنِ الْمُقْرِئ، وَعَفَّان الصفّار. و(39/122) (23717) عَنْ عَبْدِالصَّمَدِ بْنِ عَبْدِالْوَارِثِ.

والترمذي في «العلل الكبير» (ص: 56) (71) عن مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عن ابن مَهْدِيٍّ.

والطبراني في «المعجم الكبير» (6/262) (6164) عن يُوسُفَ الْقَاضِي، وَأَبي خَلِيفَةَ الْفَضْل بْن الْحُبَابِ، وَمُحَمَّد بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ سَوْرَةَ الْبَغْدَادِيّ، كلهم عن أَبي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ. و(6165) عن عَبْدَان، عن زَيْد بْنِ الْحَرِيشِ، عن عَبْدِاللهِ بْن الزُّبَيْرِ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ. و(6166) عن جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيّ، عن سُلَيْمَانَ بْن عَبْدِالرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيّ، عن شُعَيْب بْنِ إِسْحَاقَ، عن سَعِيد بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ.

وابن حبان في «صحيحه» (4/175) (1344) عن أَبي خَلِيفَةَ، عن أَبي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ.

وابن عساكر في «تاريخه» (67/220) من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ. و(67/221) من طريق أبي يعلى الموصلي، عن شيبان.

وأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ في «معجم الصحابة» (3/170) (1086) عن شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ، وَطَالُوتَ بْنِ عَبَّادٍ. [وهو في «الجزء السادس من حديث شيبان بن فروخ وغيره» - رواية أبي بكر محمد بن محمد الباغندي-، (88). وفي «نسخة طَالُوت بن عَبَّادٍ الصَّيْرَفِيّ» (95)].

ومُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ العَدني في «مسنده» عن بِشر بن السّري. [كما في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري» (1/387)].

كلهم (أبو داود الطيالسي، ومحمد بن يونس، والمقرئ، وعفان، وعبدالصمد، وابن مهدي، وأبو الوليد الطيالسي، وأيوب، وسعيد بن أبي عروبة، وشَيبان بن فرّوخ، وزيد بن الحُباب، وطالوت بن عبّاد، وبشر بن السري) عن دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ فَرَأَى رَجُلًا قَدْ أَحْدَثَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ لِلْوُضُوءِ، فَقَالَ سَلْمَانُ: امْسَحْ عَلَيْهِمَا، وَعَلَى عِمامَتِكَ، وَقَالَ سَلْمَانُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهِ وَخُفَّيْهِ».

قالَ الْحَافِظُ عَبْدُالْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الْمُرَاوَزَةِ، لا أَعْلَمُ رَوَاهُ غَيْرَ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ قَاضِي مَرْوَ". [تعليق ابن عبدالهادي على العلل لابن أبي حاتم (ص: 227)].

فهذا الحديث تفرد به داود بن أبي الفرات، ولا يعرف عن سلمان إلا من هذا الوجه!

وأَيُّوب السَّخْتِيَانِيّ، وسَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَةَ أَكْبَرُ مِنْ داود بن أبي الفرات.

وأبو شُريح، وأبو مسلم مجهولان!

قال الترمذي في «العلل الكبير» (ص: 56): سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قُلْتُ: أَبُو شُرَيْحٍ، مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: "لَا أَدْرِي، لَا أَعْرِفُ اسْمَهُ، وَلَا أَعْرِفُ اسْمَ أَبِي مُسْلِمٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ عَبْدُالسَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَقَلَبَهُ فَقَالَ: عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ".

قلت: رواية عبدالسلام بن حرب معلولة، ولم يُنبّه على ذلك البخاري! فالحديث لا يحفظ عن قتادة! وإنما عن ابن أبي عروبة، عن داود بن أبي الفرات! فوهم عبدالسلام في جعله "عن قتادة"، وفي قلب الإسناد الذي أشار إليه البخاري!

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/629) (157): وسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ أبو غَسَّان النَّهْدي، عن عبدالسَّلام بْن حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي عَروبة، عن قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي شُرَيْح، عَنْ سَلْمان، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فِي المسح عَلَى الخُفَّين والعِمامة.

وَرَوَاهُ شُعَيب بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَروبة، عَنْ داود الكِنْدي، عن محمد بن زيد، عَنْ أَبِي شُرَيْح، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فِي المسح؟

فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: "هذا حديثٌ وَهِمَ فيه عبدُالسَّلامِ بنُ حَرْب".

الحديث السابع:

روى أبو داود الطيالسي في «مسنده» (1/248) (313).

وأحمد في «مسنده» (6/291) (3746) عن عَبْداللهِ بْنِ يَزيِدَ المُقرئ، وَيُونُسَ بن محمد. و(7/102) (3996) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدالوارث.

وابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/462) (20277) عن زَيْد بْن حُبَابٍ.

وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (9/221) (5320) عن أَبي خَيْثَمَةَ، عن يُونُس بْن مُحَمَّدٍ. و(5321) عن شَيْبَان بن فرّوخ. [وهو في «الجزء السادس من حديث شيبان بن فروخ وغيره» - رواية أبي بكر محمد بن محمد الباغندي (89)].

والشاشي في «مسنده» (2/164) (717) عن عِيسَى بْن أَحْمَدَ، عن النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ. و(2/174) (736) عن أَبي قِلَابَةَ الرَّقَاشِيّ، عن أَبي الْوَلِيدِ هِشَام بْن عَبْدِالْمَلِكِ الطيالسي.

والطبراني في «المعجم الكبير» (10/106) (10109) عن عَلِيّ بْن عَبْدِالْعَزِيزِ، عن حَجَّاج بْن الْمِنْهَالِ.

والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (7/372) (2926) عن عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عن طَالُوتَ بْنِ عَبَّادٍ.

وأبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» (1/331) (623) من طريق محمد بن إِسماعِيل، عن عارِم.

كلهم (أبو داود الطيالسي، والمقرئ، ويونس، وعبدالصمد، وزيد بن حُباب، وشَيبان بن فرّوح، والنضر بن شميل، وأبو الوليد الطيالسي، وحجاج بن المنهال، وعارم) عن دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْأَعْيُنِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا ابْنُ مَسْعُودٍ يَخْطُبُ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ هُوَ بِحَيَّةٍ تَمْشِي عَلَى الْجِدَارِ، فَقَطَعَ خُطْبَتَهُ وَضَرَبَهَا بِعُصَيَّةٍ حَتَّى قَتْلَهَا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَتْلَ حَيَّةً فَكَأَنَّمَا قَتْلَ رَجُلًا مُشْرِكًا».

وفي لفظ: «مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَإِنَّمَا قَتَلَ رَجُلًا كَافِرًا قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ الْقَتْلُ».

قلت: وهذا تفرد به داود بن أبي الفرات عن محمد بن زيد!

وأبو الأعين هذا جهّله وضعفه يحيى.

قال ابن أَبي خيثمة: سُئل يحيى بن مَعين، عن أَبي الأَعيَن العَبدي، الذي يَروي عن أَبي الأَحوص؟ فقال: "ضعيف، ولا يُعرف".

وقال عباس بن محمد الدُّوري: سمعتُ يحيى بن مَعين، يقول: داود بن أَبي الفُرَات، عن أَبي الأَعيَن، عن أَبي الأَحوص، مَن أَبو الأَعين هذا؟ قال: "لا أَدري".

وقال العجلي في «الثقات» (2/383) (2081): "أَبُو الْأَعْين الْعَبْدي" ثِقَة".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/655) (11926).

ثم أعاد ذكره في «المجروحين» (3/150) (1263) وقال: "كَانَ مِمَّن يَأْتِي بأَشْيَاء مَقْلُوبَة وأوهام معمولة كَأَنَّهُ تعمدها لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ"، ثم ذكر له هذا الحديث، وساقه عن أبي يعلى الموصلي بهذا الإسناد، ثم قال: "فِي نُسْخَةٍ كَتَبْنَاهَا عَنْهُ بِهَذَا الإِسْنَادِ مَا لِشَيْءٍ مِنْهَا أصل يرجع إليه".

قلت: كأن هذه نسخة كان يرويها داود بن أبي الفرات، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عن أبي الأعين وغيره.

ودَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ سمع من مُحَمَّد بْن زَيْدٍ الْعَبْدِيّ القاضي، وكان يقول: "حدثنا وَكَانَ شَيْخَ صِدْقٍ".

الحديث الثامن:

روى أبو داود الطيالسي في «مسنده» (1/243) (305).

وأحمد في «مسنده» (6/292) (3747) عن عَبْداللهِ بْن يَزِيدَ، وَيُونُس. و(6/312) (3768) عن أَبي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ. و(7/102) (3997) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدالوارث، وَرَوْح بن عُبادة.

وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (9/215) (5314) عن أَبي خَيْثَمَةَ، عن عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ. و(5315) عن شَيْبَان بن فرّوخ. [وهو في «الجزء السادس من حديث شيبان بن فروخ وغيره» - رواية أبي بكر محمد بن محمد الباغندي (90)].

والطبراني في «المعجم الكبير» (10/106) (10110) عن عَلِيِّ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، وَأَبي مُسْلِمٍ الْكَشِّيِّ، كلاهما عن حَجَّاج بْنِ الْمِنْهَالِ الْأَنْمَاطِيّ.

والشاشي في «مسنده» (2/168) (727) عن أَبي يَحْيَى الْعَسْقَلَانِيّ، عن النَّضْر بْن شُمَيْلٍ.

والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (8/322) (3272) عن يَزِيد بن سنان، عن حَبَّان بْن هِلَالٍ، وَشَيْبَان بْن فَرُّوخَ.

كلهم (أبو داود الطيالسي، والمقرئ، ويونس، وأبو سعيد، وعبدالصمد، وروح، وعثمان بن عمر، وشيبان، وحجاج، والنضر، وحَبَّان) عن دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عن مُحَمَّد بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْأَعْيَنِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ أَهُمْ مِنْ نَسْلِ الْيَهُودِ؟ فَقَالَ: «لَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَلْعَنْ قَوْمًا قَطُّ فَمَسَخَهُمْ فَيَكُونُ لَهُمْ نَسْلٌ وَلَكِنْ هَذَا خَلْقٌ كَانَ، فَلَمَّا غَضِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْيَهُودِ فَمَسَخَهُمْ جَعَلَهُمْ مِثْلَهُمْ».

قلت: وهذا أيضاً لا يُعرف إلا من رواية داود بن أبي الفرات عن محمد بن زيد!

الحديث التاسع:

روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/297) (177) عن زَيْدِ بْنِ الحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَوَضَّأَ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي بَاطِنِ أُذُنَيْهِ وَظَاهِرِهِمَا، فَمَسَحَهُمَا».

قلت: هذا لا يُعرف عن عمر إلا من حديث داود عن محمد بن زيد!

الحديث العاشر:

روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/133) (19267) عن ابْن عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَ غَائِبًا مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ إذَا شَهِدَتْ عَلَى ذَلِكَ الشُّهُودُ».

قلت: كان محمد بن زيد قاضي مرو من أصحاب سعيد بن المسيّب، وهذا القول مشهور عن سعيد.

الحديث الحادي عشر:

روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/391) (20009) عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك أو بَازيك فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَهُ».

قلت: وهذا رواه هِشَام، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الْكَلْبِ يُرْسَلُ عَلَى الصَّيْدِ، فَقَالَ: كُلْ، وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ، فَقُلْت: عَنْ مَنْ؟ قَالَ: عَنْ سَلْمَانَ.

الحديث الثاني عشر:

روى البيهقي في «السنن الكبرى» (6/136) (11445) من طريق الْحَسَن بْن عِيسَى بْن ماسرجس مولى ابْن الْمُبَارَك، وحِبَّانَ بن موسى المروزي، كلاهما عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «قَضَى عُمَرُ فِي أَمَةٍ غَزَا مَوْلَاهَا وَأَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِهَا، ثُمَّ بَدَا لِمَوْلَاهَا فَأَعْتَقَهَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ بِيعَتِ الْجَارِيَةُ، فَحَسَبُوا فَإِذَا عِتْقُهَا قَبْلَ بَيْعِهَا، فَقَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنْ يُقْضَى بِعِتْقِهَا، وَيُرَدَّ ثَمَنُهَا، وَيُؤْخَذَ صَدَاقُهَا، لَمَّا كَانَ قَدْ وَطِئَهَا».

وفي رواية حِبَّانَ: قَالَ فِيهِ: "فَقَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ رَضِيَ الله عنه".

واعتمد الذهبي في «تهذيبه للسنن الكبرى» (5/2211) (9283): ابن المبارك، عن داود بن أبي الفرات، عن محمد بن زيد: قضى عمر بن عبدالعزيز...

الحديث الثالث عشر:

روى أحمد في «مسنده» (4/62) (2169) عن عَبْداللهِ بْنِ يَزِيدَ المقرئ. و(5/217) (3105) عن عَبْدِالصَّمَدِ.

وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (4/446) (2572) عن زُهَيْر، عن يُونُس بْن مُحَمَّدٍ.

والطبراني في «المعجم الكبير» (11/159) (11357) عن عَلِيِّ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، عن مُحَمَّد بْنِ كَثِيرٍ العَبْدِيّ.

وأبو نُعيم في «تاريخ أصبهان» (1/212) عن عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عن إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عن مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ.

كلهم (المقرئ، وعبدالصمد، ويونس، ومحمد بن كثير) عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّى نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ يَوْمَ فِطْرٍ رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ، ثُمَّ خَطَبَ بَعْدَ الصَّلاةِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ بِلالٍ، فَانْطَلَقَ إِلَى النِّسَاءِ فَخَطَبَهُنَّ، ثُمَّ أَمَرَ بِلالًا بَعْدَ مَا قَفَّى مِنْ عِنْدِهِنَّ أَنْ يَأْتِيَهُنَّ فَيَأْمُرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ».

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/159) (11357)، وابن عدي في «الكامل» (4/45) (5400) من طريق حَسَّان بْن إِبْرَاهِيمَ قاضي كرمان، عن إِبْرَاهِيم الصَّائِغ، به.

وهذا الحديث أورده ابن عدي في مناكير «حسان بن إبراهيم» من ترجمته، وقال فيه: "لا يرويه عن إبراهيم الصائغ غير حسان هذا".

وقال فيه أبو عَرُوبة الحرّاني: "كأن حديثه كلها فوائد - أي غرائب، ولا يرويه عن زهير غير حسان بن إبراهيم".

قلت: قد تابعه داود بن أبي الفرات.

وقال ابن عدي في نهاية ترجمته: "ولحسان شيء من الأصناف، وله حديث كثير، وقد حدّث بإفرادات كثيرة عن أَبَان بن تغلب أَيضًا، وعن إبراهيم الصائغ، وعن لَيث بن أَبي سُلَيم، وعاصم الأحول، وسائر الشيوخ، فلم أجد له أنكر مما ذكرته من هذه الأحاديث، وحسان عندي من أهل الصدق إلا أنه يغلط في الشيء، وليس ممن يظن به أنه يتعمد في باب الرواية إسنادًا ومتنا، وإنما هو وَهْمٌ منه، وهو عندي لا بأس به".

قلت: إِبْرَاهِيم بْن ميمون أَبو إِسحاق الصائغ المروزي يروي عَنْ عطاء، ونافع، وحديثه عنهما لا يُتابع على أكثره، وقد حدّث بحديثهما عنه: دَاوُد بْن أَبي الفرات، وحسان بْن إِبْرَاهِيم. وهو صالح، يُكتب حديثه، ولا يُحتج به.

فإن كان ثمة علّة في هذه الأحاديث، فهي من إبراهيم الصائغ، وتفرداته مردودة. وكأن داود بن أبي الفرات كان عنده نسخة عنه عن عطاء بن أبي رباح فيها أحاديث مرفوعة، ومسائل عنه.

الحديث الرابع عشر:

روى البخاري في «القراءة خلف الإمام» (ص: 5) (16) عن مُوسَى بن إسماعيل التبوذكي.

والسرّاج في «حديثه» (3/209) (2516) عن أَبي يَحْيَى الْبَزَّاز، عن يُونُس بْن مُحَمَّدٍ.

والطبراني في «المعجم الأوسط» (8/92) (8066) عن مُوسَى بن هَارُونَ، عن شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخ.

ثلاثتهم (موسى، ويونس، وشيبان) عن دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ، وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَمَا أَعْلَنَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحْنُ نُعْلِنُهُ، وَمَا أَسَرَّ فَنَحْنُ نُسِرُّهُ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ إِلَّا دَاوُدُ أَبُو الْفُرَاتِ، وَعَوْنُ بْنُ مُعَمَّرٍ".

قلت: عَون بن مُعَمّر البجلي، شيخ خراساني، سكن البصرة، وهو ثقة.

وهذا الأثر معروف عن عطاء بنحوه، رواه عنه جماعة، منهم: ابْنُ جُرَيْجٍ.

الحديث الخامس عشر:

روى أحمد في «مسنده» (40/418) (24359) عن يُونُس. و(42/116) (25207) عن أَبي عَبْدِالرَّحْمَنِ المُقْرِئ.

والسرّاج في «حديثه» (2/219) (917) عن أَبي يَحْيَى الْبَزَّاز، عن يُونُس بْن مُحَمَّدٍ.

والطبراني في «المعجم الأوسط» (8/92) (8065) عن مُوسَى بن هَارُونَ، عن شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخ. [وهو في «الجزء السادس من حديث شيبان بن فروخ وغيره» - رواية أبي بكر محمد بن محمد الباغندي-، (73)].

ثلاثتهم (يونس، والمقرئ، وشيبان) عن دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وقال: أَلَيْسَ هُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ، وَأَخَوَاتِكُمْ، وَعَمَّاتِكُمْ».

وفي رواية الْمُقْرِئُ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّهُ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ، قَالَ عَطَاءٌ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فذكره.

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ إِلَّا دَاوُدُ أَبُو الْفُرَاتِ، وَعَوْنُ بْنُ مُعَمَّرٍ".

·       خطأ في كتاب أبي نُعيم «تاريخ أصبهان»!

والحديث رواه أبو نُعيم في «تاريخ أصبهان» (1/212) قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ: حدثنا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ: حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ: حدثنا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ... الحديث.

هكذا جاء فيه: «داود بن عبدالرحمن العطار»! وهو خطأ! والصواب: «داود بن أبي الفرات» فالحديث حديثه، وقد تقدمت رواية شيبان عنه.

وكأنه كان في الإسناد غير منسوب «داود» فنسبه بعضهم خطأ!

الحديث السادس عشر:

روى أحمد في «مسنده» (36/128) (21795).

والبزار في «مسنده» (7/13) (2558) عن عَبْدِالْوَارِثِ بْنِ عَبْدِالصَّمَدِ بن عبدالوارث.

كلاهما (أحمد، وعبدالوارث) عن عبدالصمد بن عبدالوارث العنبريّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ».

قلت: تفرد به داود عن الصائغ!

والحديث محفوظ عن عطاء من طرق أخرى وفيه أن أبا سعيد الخدري لقي ابن عباس، وحدثه به عن أسامة.

الحديث السابع عشر:

روى البيهقي في «السنن الكبير» (3/430) (6246) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قال: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قال: حدثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حدثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حدثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِي: الصَّائِغَ -، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنِي أَخِيهَا الذَّهَبَ» - يعني في الخروج للعيد.

قال البيهقي: "وهَذَا إِنْ كَانَ حَفِظَهُ الرَّاوِي فِي الْبَنِينِ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلُغُوا، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ: «وَيَلْبَسُ الصِّبْيَانُ أَحْسَنَ مَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا، وَيَلْبِسُونَ الْحُلِيَّ وَالصُّبُغَ يَعْنِي: يَوْمَ الْعِيدِ»".

قَالَ: "وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللهُ يَكْرَهُهُ".

قلت: لا يعرف عن عطاء إلا من رواية الصائغ! تفرد به عنه داود!

الحديث الثامن عشر:

روى ابْنُ زَنْجَوَيْه في «الأموال» (3/946) (1703) قال: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ السَّدُوسِيُّ، قال: قَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّايغِ قَالَ: سُئِلَ عَطَاءٌ: تَاجِرٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فِي أَصْنَافٍ شَتَّى، حَضَرَ زَكَاتُهُ، أَعَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ مَتَاعَهُ عَلَى نَحْوِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ثَمَنَهُ، فَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ؟. قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَخْرَجَ مِنْهُ زَكَاتَهُ، وَمَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَخْرَجَ مِنْهُ إِذَا بَاعَهُ».

الحديث التاسع عشر:

روى ابْنُ زَنْجَوَيْه في «الأموال» (3/977) (1773) قال: أخبرنا أَبُو النُّعْمَانِ، قال: حدثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الفُرَاتِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، قَالَ: سُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ الْحُلِيِّ: أَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ قَالَ: «الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَمْ أَسْمَعْ فِي الْجَوْهَرِ شَيْئًا».

الحديث العشرون:

روى ابْنُ أبي شيبة في «مصنفه» (1/290) (147) قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: «يُمْسَحُ الرَّأْسُ مَرَّةً وَاحِدَةً».

الحديث الحادي والعشرون:

روى ابْنُ أبي شيبة في «مصنفه» (10/453) (20247) قال: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: «فِي الذِّئْبِ لاَ يُؤْكَلُ، وَالْيَرْبُوعُ يُؤْكَلُ».

الحديث الثاني والعشرون:

روى ابْنُ أبي شيبة في «مصنفه» (10/622) (20955) قال: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حباب، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، وعَبْدِاللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَنَافِعٍ قَالُوا: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ».

الحديث الثالث والعشرون:

روى أبو نُعيم في «حلية الأولياء» (9/22) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قال: حدثَنَا أَبُو يَحْيَى، قال: حدثَنَا رُسْتَهْ، قال: حدثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قال: حدثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي رَجُلٍ قَالَ: أَنَا أُهْدِي وَلِيدَةَ أَهْلِي فَعَجَزَ فِي يَمِينِهِ. فَقَالَ: «يُهْدِي كَبْشًا».

الحديث الرابع والعشرون:

قال البخاري في «صحيحه» في بعض تراجمه (7/49): "وَقَالَ دَاوُدُ عَنْ إِبْراهِيمَ الصَّائِغِ، سُئِلَ عَطَاءٌ: عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ العَهْدِ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي العِدَّةِ، أَهِيَ امْرَأَتُهُ؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَصَدَاقٍ»".

قال ابن حجر في «الفتح» (9/421): "قَوْلُهُ (وَقَالَ دَاوُد) هُوَ: ابن أَبِي الْفُرَاتِ... وَصله ابن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَطَاءٍ بِمَعْنَاهُ".

وبيّض له في «التغليق» (4/463).

الحديث الخامس والعشرون:

روى أبو داود في «سننه» (5/156) (3254) قال: حدَّثنا حميدُ بن مَسعَدةَ الشاميُّ، قال: حدَّثنا حسَّان - يعني ابنَ إبراهيمَ- قال: حدَّثنا إبراهيمُ - يعني ابن ميمون الصائغَ- عن عطاء: اللَّغْو في اليمين، قال: قالت عائشةُ: إن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم قال: «هو كلامُ الرجلِ في بيتِه، كلاَّ واللهِ، وبَلَى والله».

قال أبو داود: "روَى هذا الحديثَ داودُ بن أبي الفُرات، عن إبراهيمَ الصائغ، عن عطاء، عن عائشة موقوفاً، ورواه الزهري وعبدالملك ابن أبي سليمان ومالك بن مِغْوَلٍ، كلُّهم عن عطاءٍ، عن عائشة موقوفاً أيضاً".

قلت: يعني أن داود خالف حسان بن إبراهيم فيه، فرفعه حسان، ووقفه داود، وهو الصواب كما هو المحفوظ عن عطاء عن عائشة.

الحديث السادس والعشرون:

روى عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ في «زوائده على كتاب الزهد» (ص156) (1054) قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قال: أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ - مَوْلَى خَالِدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْقُرَشِيِّ -، قَالَ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَنْزِلُ عَلَيْنَا بِمَكَّةَ، وَكَانَ يَتَهَجَّدُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لِي ذَاتَ لَيْلَةٍ قَبْلَ الصُّبْحِ: يَا أَبَا غَالِبٍ، أَلَا تَقُومُ تُصَلِّي وَلَوْ تَقْرَأُ بِثُلُثِ الْقُرْآنِ؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، قَدْ دَنَا الصُّبْحُ فَكَيْفَ أَقْرَأُ بِثُلُثِ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: إِنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ».

رواه أبو نُعيم في «الحلية» (1/304) عن أَبي بَكْرِ بْنِ مَالِكٍ القطيعيّ، عن عَبْداللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.

قلت: تفرد به داود عن أبي غالب! ولا يُعرف عن ابن عمر إلا من هذا الوجه!

وذكر البخاري في ترجمته من «التاريخ الكبير» (3/134): وقال حَماد بْن زيد: عَنْ أَبِي غالبٍ: "كان ابن عمر ينزل على خالد بن عَبداللهِ بْن أَسِيد، فكنتُ أَحمله".

وأَبو غَالِب صَاحِب أَبِي أُمَامَة اسْمُهُ: حَزَوَّر، وهو بصريّ. وقد اختلف فيه أهل العلم، وهو ليس بثقة! ينفرد بقصص منكرة عن بعض الصحابة! ولا يُعرف أنه لقي ابن عمر! وهو متّهم عندي.

الحديث السابع والعشرون:

روى محمدُ بنُ نَصرٍ المروزي في «السنة» (ص: 22) (56) عن إِسْحَاق بْن إبراهيم ابن راهويه، قال: أَنْبَأنا الْمُقْرِئُ، قال: حدثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو غَالِبٍ، أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ، أَخْبَرَهُ: «أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ تَزِيدُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ»، قُلْتُ: قَدْ تَعْلَمُ مَا فِي السَّوَادِ الْأَعْظَمِ، وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ؟ فَقَالَ: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَكَارِهٌ لِأَعْمَالِهِمْ، وَلَكِنْ عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ، وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ خَيْرٌ مِنَ الْفُجُورِ وَالْمَعْصِيَةِ".

قلت: هذا الحديث جزء من حديث الخوارج الذي يرويه أبو غالب عن أبي أمامة! ولا يعرف إلا به، وهو منكر!

ورُوي عنه أيضاً مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "قَالُوا: يَا أَبَا أُمَامَةَ، أَلَيْسَ فِي السَّوَادِ الْأَعْظَمِ مَا فِيهِ. قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّا لَنَكْرَهُ مَا يَعْمَلُونَ".

قال أبو نُعيم الأصبهاني: "حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ - أي عن أبي غالب- الحَمَّادَانِ، وَمَعْمَرٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، وَالرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، وَأَشْعَثُ بْنُ عَبْدِالْمَلِكِ، وَسَلَامُ بْنُ مِسْكِينٍ، وَأَبُو مُرِّيٍّ قَطَرِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْحُدَّانِيُّ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ مِهْرَانَ، وَعُمَرُ بْنُ أَبِي خَلِيفَةَ، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ، وَدَاوُدُ بْنُ سُلَيْكٍ، وَسَلْمُ بْنُ زُرَيْرٍ، وَخُلَيْدُ بْنُ دِعْلِجٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، مِنْهُمْ مَنْ طَوَّلَهُ وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ".

الحديث الثامن والعشرون:

روى الطبراني في «مسند الشاميين» (3/350) (2449) قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْوَاسِطِيُّ، قال: حدثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَيْفٍ الْأَزْدِيِّ البصري، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي الْمُسْهِرِ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَرِيضٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَعَلِيٌّ قَدْ أَسْنَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «صَالِحٌ»، قُلْتُ لِعَلِيٍّ: أَلَا تَدَعُنِي فَأُسْنِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِي، فَإِنَّكَ قَدْ سَهِرَتْ وَأَعْيَيْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا هُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ يَا حُذَيْفَةَ، ادْنُ مِنِّي» فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: «يَا حُذَيْفَةُ مَنْ خُتِمَ لَهُ بِصَوْمِ يَوْمٍ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، يَا حُذَيْفَةُ مَنْ خُتِمَ لَهُ بِصَدَقَةٍ عَلَى مِسْكِينٍ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي أُعْلِنُ أَمْ أُسِرُّ؟ قَالَ: «بَلْ أَعْلِنْ».

ورواه أبو نُعيم في «الحلية» (5/208) عن أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْمَهْرَجَانِ، عن الْحَسَنِ بْن عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيّ، به.

ثم قال: "مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ نُعَيْمٍ، غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ، تَفَرَّدَ بِهِ دَاوُدُ".

قلت: هو كما قال أبو نعيم، فإن هذا الحديث لا يُعرف من حديث عطاء الخراساني! تفرد به داود عن أبي رجاء!

·       تنبيه:

ووقع في مطبوع «الحلية»: "عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي سَهْلٍ..."! والأصوب ما جاء في مطبوع «مسند الشاميين»، فقد جاء هكذا في «أمالي الشجري» (1/34): "... عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، عَنْ نُعَيْمِ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ...".

وذكره الذهبي مختصراً في «السير» (14/364) من طريق سُفْيَان، عَنْ نُعَيْمِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي المُسْهِرِ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ يَوْماً قَبْلَ مَوْتِهِ يُرِيْدُ وَجْهَ اللهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ».

ثم قال: "هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، وَلاَ أَعرِفُ هَذَا التَّابِعِيَّ، وَلاَ ذَكَرَهُ أَبُو أَحْمَدَ فِي «الكُنَى»".

قلت: الحديث يُروى عن نعيم واختلف عليه، فبعضهم يرويه عنه عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، وبعضهم يرويه عنه عَنْ حُذَيْفَةَ دون واسطة! فكأنه كان أحياناً يذكر الواسطة "أبا المسهر" هذا، وهو مجهول! وأحياناً يسقطه! والحديث لا يصح على كل الأحوال!

وهذا آخر ما تيسر لنا من جمع ما روى داود بن أبي الفرات من حديث وآثار، ولا شك أن له أحاديث أخرى، لكن هذا ما رواه أهل العلم عنه ووقفنا عليه بحسب الاستطاعة.

والخلاصة في داود بن أبي الفرات من خلال النظر في حديثه أنه صدوق في نفسه، يَهم في حديثه ويُخطئ، فيُكتب حديثه للاعتبار، ولا يُحتج به، إذ غالبه إفرادات وغرائب عن المراوزة! ولا يُتابع عليه، وسماع بعض أعيان أهل البصرة لبعض حديثه وروايته لا يعني قبوله، وإنما هو من باب الشّرَه في سماع الأحاديث التي ليست عندهم، فهو جاء لهم بأحاديث من مرو لا توجد عندهم، والرواية عنه لا يعني الاحتجاج به. والله أعلم.

·       فوائد البحث:

1- تيسر لي - بحمد الله - جمع (30) حديثاً وأثراً لداود بن أبي الفرات من كافة كتب الرواية، وقد أخرج البخاري له في «صحيحه» حديثين فقط، وعلّق له أثراً، وقد تفرد داود بالحديثين ولم يُتابع عليهما! بل خُولف في أحدهما!

2- داود بن أبي الفرات مروزي، سكن البصرة، وأكثر أهل العلم من النقاد المتقدمين لم يتكلموا على حاله. وقد وثقه يحيى بن معين، ثم قال فيه: "لا بأس به"، ونُقل عن ابن المبارك أنه وثقه، وأنه لا بأس به. ولا بأس به هنا لا يعني التوثيق المطلق، وإنما هو في مرتبة الصدوق، ولا نشك أنه ثقة في نفسه، لكنه في الحديث في مرتبة الاعتبار والنظر فيه.

وقد وثقه الدارقطني، والعجلي، وتبعهما الذهبي، وابن عبدالهادي، وابن حجر، وكل ذلك يرجع لقول ابن معين فيه: "ثقة"، لكن قال فيه ابن معين أيضاً "لا بأس به"، وهذا يدلّ على أن ابن معين لا يوثقه التوثيق المطلق إذ هناك فرق بين المصطلحين.

3- روى كثير من ثقات أهل البصرة عنه كالتبوذكي، وحَبّان بن هلال، والنضر بن شُميل، ويونس المؤدب، وعبدالله بن يزيد المقرئ، وعبدالصمد بن عبدالوارث، وابن مهدي، وعارم، وشَيبان بن فرّوخ، وسعيد بن أبي عروبة - وهو أكبر منه-، وغيرهم، ولم يُكثروا عنه، وسبب تحديثهم عنه أنه جاء من مرو بأحاديث ليست عندهم، فسمعوا منه، وكأن رواية هؤلاء الثقات عنه جعلت البخاري ينتقي حديثين مسندين من حديثه، ويخرجهما في كتابه.

4- روى له البخاري حديثه عن عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ... الحديث.

وقد أعلّه ابن المديني، والدارقطني بالإرسال، وأشار البزار إلى تعليله بالتفرد!

5- الحديث معلول بعدة علل:

الأولى: الانقطاع: فقد تفرد بوصله داود بن أبي الفرات، وخالفه عمر بن الوليد الشَّنِّيُّ فأرسله، وعمر أوثق من داود.

الثانية: عدم سماع عبدالله بن بريدة من أبي الأسود الدؤلي؛ لأن بينهما واسطة.

الثالثة: عدم ثبوت سماع أبي الأسود من عمر.

الرابعة: نكارة المتن في أنه وقع في المدينة في عهد عمر مَرَض، وكان الناس يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا! فلا يُعرف أن وباء أو مرضاً حصل في عهد عمر ومات منه الناس موتاً ذريعاً!

6- أبو الأسود الدؤلي أسلم على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقاتل مع عليّ، لكن لا يُعرف أنه لقي أحداً من الصحابة المتقدمين، ولم يسمع منهم كعمر، ومعاذ، وأبي ذر، وغيرهم.

7- رد الشيخ أحمد شاكر رواية عمر بن الوليد المرسلة، وقدّم عليها رواية داود المتصلة، وجزم بخطئه وإن كان ثقة، إلا أن يحيى القطان ليّنه!

وكلام الشيخ مردود إذ جُلّ أهل العلم على توثيقه، ولا يوجد ما يثبت أنه أخطأ في روايته، بل هو قد ضبطها، وكان أبو حاتم يثني على ضبطه في المقاطيع، وتليين يحيى له لا عبرة له في مقابل راو بصري آخر؛ لأن يحيى كان له رأيٌ سيءٌ في عامة الرواة البصريين كما قال ابن معين، فلا يعتمد قوله في بصري على آخر بصري.

8- من القرائن التي تدلّ على أن دَاوُد بْن أَبِي الْفُرَاتِ وهم في وصل الرواية أنه يروي عن عَبْداللَّهِ بن بُرَيْدَةَ، عن عُمر بن الخطاب قصة سماعه تلك المرأة في نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ! وهي مرسلة، فهذا يعني أنه كان يرسل حديث ابن بريدة عن عمر.

9- قصة سماع عمر تلك المرأة في نصر بن حجاج قصة مشهورة تُروى بأسانيد مرسلة ومُعضلة! وأسانيدها عراقية (بصرية، وكوفية) ولا تعرف عن أهل المدينة! وبعضها فيها زيادات وأشعار لا توجد في غيرها! ولا تكاد تجد كتاباً في التاريخ إلا ويذكرها حتى أصبحت مُسلّمة، وذكرها بعض أهل الفقه في مسائل السياسة الشرعية! وأرى أنها منكرة!

10- اضطرب الدارقطني في حكمه على حديث داود الذي خرّجه البخاري في «صحيحه»! فظاهر كلامه في «العلل» أنه ليس معلولاً، ثم توقف فيه لما سأله الحاكم عن داود، فقال: "أخرج البخاري عنه حديث أبي الأسود، وخالفوه فيه، وفي النفس من هذا الحديث شيء"، ثم أعلّه في «التتبع» صراحة.

11- هذا الحديث من الأحاديث التي أقرّ الحافظ ابن حجر أن علته باقية، إلا أن يُعتذر للبخاري أنه ربما أَخْرَجَهُ شَاهِدًا، وَاكْتَفَى لِلْأَصْلِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي قَبْلَهُ.

12- الحديث الثاني الذي أخرجه البخاري لداود بن أبي الفرات عن عَبْداللَّهِ بن بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي: «أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ».

وقد تفرد به داود، ولم يتابعه عليه أحد! ولا يعرف عن عائشة إلا من هذا الوجه.

12- روى البخاري الحديث عن إسحاق عن حبّان بن هلال، فذهب ابن حجر إلى أن إسحاق هذا هو: ابن راهويه، وتعقبه العيني بأن الصواب ما ذهب إليه الغسّاني وهو: إسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج، وتصويبه هو الصواب، ووهم ابن حجر في ذلك.

13- جاء في رواية عبدالصمد بن عبدالوارث عند أحمد: «فَيَمْكُثُ فِي بَيْتِهِ»! وهو لفظ شاذ، والصواب: «في بلده» كما رواه بقية الرواة الآخرين دون اختلاف بينهم. فهي إما مُحرّفة، وهو الأقرب، أو رواها الراوي بفهمه!

14- من قواعد العلل المهمة: تفرد بعض الرواة عن شيخ بحديث لا يعرفه أصحابه! فيُصرّح بتعليله أهل النقد والعلل، ويُعبّرون عن ذلك بقولهم: "وأين أصحاب فلان عن هذا الحديث"؟ فكيف إذا كان المتفرد فيه بعض الكلام! أو من طبقة لا يُحتمل تفرده فيها!

15- تخريج البخاري لحديث داود، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن عائشة يعني أنه يثبت سماع يحيى من عائشة سيما وجاء في بعض الطرق لفظ "الإخبار"!

ونفى سماعه منها: ابن معين، وأبو داود.

والراجح أن يحيى بن يعمر لم يسمع من عائشة، ولم يلقها! وذلك لأمور:

أولاً: النفي الصريح من إمامين ناقدين بعدم السماع وهما: ابن معين، وأبي داود. ومال إلى هذا الذهبي فإنه أورد قول أبي داود، ولم يتعقبه، بل اعتمد عليه في أنه إذا لم يسمع من عائشة فكيف يسمع من أبي ذر وعمّار ممن توفي قبلها!

ثانياً: لا يوجد ما يثبت أنه لقيها أو سمع منها إلا ما جاء في بعض روايات الحديث، وهذا غير كاف في إثبات السماع؛ إذ يكون هذا من باب السماع الذي لا يصح في الأسانيد، ولا عاضد يعضده! فلو سمع منها فمن غير الممكن أن لا نجد له عنها إلا هذا الحديث، وكيف لم ينتشر خبر لقيه بها وسماعه منها! وكذلك عدم وجود هذا الحديث عند من أكثر عنها من أهل بيتها وكبار التابعين!

وغالب روايات الحديث فيها ذكر «الإخبار» وهذا من داود نفسه! ولا يمكن الاعتماد عليه في ذلك لتفرده بالحديث، ولأنه ليس في مرتبة الثقة الذي يضبط هذه الأخبار.

ثالثاً: لا يوجد ليحيى عن عائشة إلا ثلاثة أحاديث، هذا، وآخران عند أحمد لا يصحان.

رابعاً: يحيى بن يعمر تابعيّ بصريّ، عاش هناك، ثم انتقل إلى خراسان وكان قاضيها، وكان كثير الرواية عن التابعين، ولم يكثر عن الصحابة؛ لأنه لم يلق إلا نفراً منهم كابن عمر، وابن عباس.

قال أبو عبدالله الحاكم في «تاريخ نيسابور»: "يحيى بن يعمر: فقيه، أديب، نحوي، مبرز، تابعي، كثير الرواية عن التابعين".

ولهذا قال ابن حجر في «التقريب»: "وكان يُرسل".

خامساً: أنه لم يلق أي صحابي من أهل المدينة ممن مات مع عائشة أو قبلها أو بعدها بقليل كأبي هريرة.

سادساً: لم يذكر البخاري نفسه أنه سمع من عائشة كعادته في «التاريخ الكبير»! بل قال في ترجمته: "سَمِعَ ابْن عَبَّاس (ت68هـ)، وعبداللَّه بْن عُمَر (73هـ)، وأبا الأسود الدؤلي (69هـ)".

فهنا حدد البخاري طبقة سماعه من الصحابة وغيرهم، فطبقة سماعه من الصحابة الذين توفوا بعد سنة (67هـ)، وعليه يكون البخاري خالف ما قرره في تاريخه! وهذا غريب!!!

سابعاً: أنه اختلف في وفاة يحيى بن يعمر:

فقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: "تُوُفِّيَ يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ قَبْلَ التِّسْعِيْنَ".

وقال أبو الفرج ابن الجوزي في «التاريخ المنتظم»: "أنه توفي سنة تسع وثمانين".

وذكره البخاري في فصل من مات ما بين التسعين إلى المائة.

وذكره مسلم في الطبقة الثانية من البصريين.

وقال مغلطاي: ورأيت بخط بعض الشيوخ ذكر ابن معشر في «تاريخ النحاة» أن يحيى بن يعمر توفي بعد العشرين ومائة.

وقال ابن الأثير الجزري وياقوت الحموي: توفي سنة تسع وعشرين ومائة بخراسان.

وذكر ابن حجر قول ابن الأثير في «تهذيب التهذيب» مستبعداً إياه فقال: "كذا قال! وفيه نظر! وقال غيره: مات في حدود العشرين، وقال أبو الفرج ابن الجوزي: مات سنة تسع وثمانين".

ولم يُرجّح ابن حجر!

فإن كانت وفاته قد تأخرت بعد المائة، فهذا يؤيد أنه لم يلق عائشة، ولم يسمع منها.

وعليه: فالحديث معلول، ولا يصح عن عائشة! لعدم ثبوت سماع يحيى بن يعمر منها، وفيه بعض النكارة المتنية!

16- تفرد داود بن أبي الفرات به لا يُحتمل، ولا يقبل في هذه الطبقة سيما وهو مروزي نزل البصرة، ويروي الحديث عن عائشة وهي من المدينة، ولا يُعرف عند من أكثر من الرواية عنها كابن أختها عروة، وابن أخيها القاسم، وعَمرة بنت عبدالرحمن التي كانت في حجرها، وغيرهم من مواليها.

17- بقية حديث داود بن أبي الفرات الذي وقفت عليه (28) عن رواة مروزيين، تفرد بكثير منها عنهم، وبعضهم كان ضعيفاً، وكأنه كان يروي نسخاً عن بعضهم.

18- تفرد داود بن أبي الفرات عن عِلباء بن أحمر اليشكري بخمسة أحاديث، ولم يتابعه عليها أحد = واحد منها فيه نكارة، والأربعة من الإسرائيليات، ولا تعرف عن ابن عباس إلا من حديثه! وهي منكرة!!

19- عِلباء بن أحمر تابعي، أصله من البصرة، وسكن مرو، ووفاته ما بين سنة (101 - 110هـ) وهو تقريباً من طبقة عكرمة مولى ابن عباس (ت105هـ)، ولا نعرف له سماعاً من عكرمة! وهو غير علباء صاحب عليّ رضي الله عنه.

20- روى دَاوُد بن أَبِي الفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ العبدي قاضي مرو أحاديث مسندة، وبعض الآثار عنه عن سعيد بن المسيب، وكان محمد بن زيد من أصحاب سعيد.

وتفرد داود بأربعة أحاديث عن محمد بن زيد، منها ثلاثة عنه عن شيخين مجهولين!

وروى عنه عن سعيد بن المسيب أثرين من قوله.

وروى عنه قضاءً من أقضية عمر بن الخطاب أو عمر بن عبدالعزيز.

21- روى داود بن أبي الفرات عدة أحاديث وآثار عن إِبْرَاهِيم بْن ميمون أَبي إِسحاق الصائغ المروزي، وهو صالح، لا يُحتج بحديثه، وكأنه كانت عنده نسخة عنه.

وجميع ما روى داود عن إبراهيم عن عطاء بن أبي رباح، منها ما أسنده إبراهيم، وغالب ذلك من آراء عطاء.

أسند عنه ستة أحاديث، وغالبها تفرد بها! وتوبع على بعضها، وسبعة أسئلة عن عطاء.

22- روى داود بن أبي الفرات حديثين منكرين عن أبي غالب حزوّر وهو منكر الحديث.

23- روى دَاوُدُ بنُ أَبِي الفُرَاتِ حديثاً عَنْ أَبِي رَجَاءٍ مُحَمَّدِ بنِ سَيْفٍ الْأَزْدِيِّ البصري، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي الْمُسْهِرِ، عَنْ حُذَيْفَةَ، وقد تفرد بهذا الحديث! ولا يعرف عن عطاء الخراساني إلا من حديثه!

24- الخلاصة في حال داود بن أبي الفرات أنه يَهم في حديثه ويُخطئ، فيُكتب حديثه للاعتبار، ولا يُحتج به؛ لأن غالب حديثه - على قلته- إفرادات وغرائب لا يُتابع عليها!

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: د. خالد الحايك.

شاركنا تعليقك