الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«عَرْفُ البَشام» في ضَعْف حديث «الدعاء بالبركة لليمن والشّام».

«عَرْفُ البَشام» في ضَعْف حديث «الدعاء بالبركة لليمن والشّام».

دراسة تطبيقية على أصحاب الراوي «أصحاب نافع».

 

الحمد لله الذي له الجوار المنشآت في البحر كالأعلام، والصلاة والسلام على نبيه خير الأنام، وعلى آله وصحبه الأخيار الأعلام، وبعد:

فإنّ حديث الدعاء بالبركة لليمن والشام من الأحاديث المشهورة على ألسنة الناس، وقد خرّجه الإمام البخاري في كتابه الصحيح، وعليه العمدة في التصنيف في فضائل الشام!

وبعد البحث المُضني الحثيث، وصلت إلى ضعف الحديث، وسبكته في روض بسّام، فصار كالتحفة للأنام، ولِطيبِ ما فيه سميته:

«عَرْفُ البَشام» في ضعف حديث «الدعاء بالبركة لليمن والشّام».

والعَرْفُ هو الريح الطيّب، والبَشامُ: شَجَرٌ عطر الرائحة، ورقه يسوّد الشعر ويستاك بقضبه.

فأسأل الله سبحانه وتعالى السداد، ومنه أطلب المعونة والإرشاد.

·       تخريج الحديث:

روى الإمام البخاريّ في «صحيحه»، باب ما قِيلَ في الزَّلَازِلِ وَالْآيَاتِ، (1/351) قال: حدثنا محمد بن الْمُثَنَّى، قال: حدثنا حُسَيْنُ بن الحَسَنِ، قال: حدثنا ابن عَوْنٍ، عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ، قال: «اللهم بَارِكْ لنا في شَامِنَا، وفي يَمَنِنا، قال: قالوا، وفي نَجْدِنَا، قال: قال: اللهم بَارِكْ لنا في شَامِنَا وفي يَمَنِنَا، قال: قالوا، وفي نَجْدِنَا، قال: قال: هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

هكذا جاء موقوفاً في هذا الموضع!

وأخرجه مرفوعاً في باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الفِتْنَةُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ» (6/2598)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِاللَّهِ، قال: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟ فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

وأخرجه أحمد في «مسنده» (2/118).

والترمذي في «الجامع» (5/733) عن بِشْر بن آدَمَ ابن ابْنَةِ أَزْهَرَ السَّمَّانِ.

وابن حبان في «صحيحه» (16/290)، ذكر دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم بالبركة للشام واليمن، عن الحسن بن سفيان، عن بشر بن آدم بن بنت أزهر.

وابن عساكر في «تاريخه» (1/133) من طريق العباس بن محمد الدوري، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن إبراهيم الدورقي.

كلهم (أحمد، وبشر بن آدم، وعباس الدوري، والذهلي، والدورقي) عن أَزْهَر بن سَعْدٍ أبي بَكْرٍ السَّمَّان الباهلي البصري، عن ابن عَوْنٍ، به.

قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عَوْنٍ. وَقَدْ رُوِيَ هذَا الحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

·       الاختلاف على ابن عون في الرفع والوقف!

قلت: رواه حسين بن الحسن صاحب ابن عون عنه عن نافع عن ابن عمر موقوفاً.

ورواه أزهر السمان عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً.

قال ابن حجر في «الفتح» (2/522): "هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلت لنا بِصُورَة المَوْقُوف عَن ابن عُمَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ، لَمْ يَذْكُرِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: سَقَطَ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النُّسْخَةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، انْتَهَى. وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنْ آلِ مَالِكِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِع، وَرَوَاهُ أَزْهَر السمان عَن ابن عَوْنٍ مُصَرِّحًا فِيهِ بِذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْفِتَنِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَيْضًا هُنَاكَ وَنَذْكُرُ فِيهِ مَنْ وَافَقَ أَزْهَرَ عَلَى التَّصْرِيحِ بِرَفْعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".

قلت: ذكر هناك رواية عبيدالله بن عبدالله بن عون وسيأتي الكلام عليها قريباً.

وقال العيني في «العمدة» (7/58): "قال الحميدي: اختلف على ابن عون فيه فروي عنه مسنداً، وروي عنه موقوفاً على ابن عمر من قوله. والخلاف إنما وقع من حسين بن الحسن؛ فإنه هو الذي روى الوقف، وأما أزهر السمان وعبيدالله بن عبدالله بن عون فروياه عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وفي رواية: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث. وقال ابن التين: قال الشيخ أبو الحسن: سقط من سنده ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مثل هذا لا يُدرى بالرأي، وقال النسفي: قال أبو عبدالله هذا الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ أن ابن عون كان يوقفه".

وقال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف:3/456]: "تفرد به أزهر بن سعد عن ابن عون!".

قلت: لعله قصد مرفوعاً؛ لأن رواية الحسين موقوفة، ومع هذا لم يتفرد به أزهر، وقد تابعه على رفعه عبيدالله بن عبدالله بن عون عن أبيه.

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/384) قال: حدثنا الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بن مَسْعُودٍ، قال: حدثنا عُبَيْدُاللَّهِ بن عبداللَّهِ بن عَوْنٍ، عن أبيه، عن نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ: أن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا في شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ في يَمَنِنَا، فَقَالَهَا مِرَارًا، فلما كان في الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وفي عِرَاقِنَا، قال: إِنَّ بها الزَّلازِلَ وَالْفِتَنَ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

قلت: عبيدالله بن عبدالله بن عون رجلٌ صالح الحديث، وحديثه ليس بالكثير، والغريب أنه ليس بمكثر من الحديث عن أبيه!

·       غرابة الحديث!

وبعض الأئمة صححوا الحديث ولكنهم استغربوا طريقه هذا كما سبق من كلام الترمذي.

وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (3/836): "هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ".

وقال في «السير» (15/356): "هذا حديث صحيح الإسناد غريب".

قلت: نعم، هو غريب من هذا الوجه أو هذه الطريق، وهذا ما يقصدونه بالغرابة هنا، وليست الغرابة هنا أنهم يضعفونه بها ألبتة! - فتنبه يا مَنْ تقرأ الكلام-.

فالحديث لا يُعرف بهذا اللفظ إلا من حديث ابن عون، فإن ثبت أن أزهر تفرد برفعه؛ فيكون هذا مما وهم فيه - رحمه الله-.

·       حديث منكر لأزهر عن ابن عون!

وقد أورد له العقيلي في الضغفاء حديثاً منكراً عن ابن عون، وساق له حديث فاطمة في التسبيح، وصله أزهر، وخالفه غيره فأرسله، وحكى العقيلي وأبو العرب الصقلي في الضعفاء أن الإمام أحمد قال: ابن أبي عدي أحبّ إليّ من أزهر.

وذكر العقيلي عن علي المديني قال: رأيت في أصل أزهر في حديث علي في قصة فاطمة في التسبيح عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، مرسلاً، فكلمت أزهر فيه وشككته فأبى!

قلت: يُحتمل أن ابن عون كان يقفه، فوهم أزهر فرفعه، وكذا عبيدالله بن عبدالله بن عون، وخالفهما الحسين بن الحسن صاحب ابن عون.

على أني لا أعوّل كثيراً على هذه الرواية الموقوفة طالما أنها جاءت مرفوعة في طريق أخرى.

فلا مستند إلى وقْفِه سوى رواية حسين بن حسن بن يسار، عن ابن عون.

وهذا الطريق: ما عرفتُ أحدًا رواها سوى البخاري، وعليه اعتمدت في أن هذا الخبر قد اختلف فيه على ابن عون وقفًا ورفْعًا!

ولكن جزم أبو الحسن القابسي بسقوط ذِكْر النبي - صلى الله عليه وسلم- من نسخة: «الصحيح» وقال: "ولا بدّ منه".

وقد يؤيد ذلك: أني رأيت الشيخ المحدِّث الفقيه أبا المعالي المُشَرَّف بن المرجَّى بن إبراهيم المقدسي قد أخرج هذا الحديث في كتابه: « فضائل بيت المقدس» [ص/430/الطبعة العلمية]، فقال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن موسى، قال: أخبرنا أبو زيد الفقيه، قال: أخبرنا الفربري، قال: أخبرنا البخاري، قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثنا ابن عون، عن نافع، عن عبدالله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهم بارك لنا في شامنا، وفي يمننا». قالوا: وفي نجدنا. قال: «هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان».

هكذا رواه أبو زيد الفقيه عن الفربري عن البخاري موصولًا غير موقوف.

وأبو زيد هذا: هو مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، الفقيه المشهور صاحب أَبِي إِسْحَاقَ المَرْوَزِيِّ.

وكان أبو زيد هذا أجَلَّ مَنْ روى «صحيح البخاري» عن الفربري، كما يقول الخطيب البغدادي.

فصحَّ بهذا ما جزم به أبو الحسن القابسي من سقوط ذِكْر النبي - صلى الله عليه وسلم- من نسخة: «الصحيح».

وهذا السقوط: أراه من اختلاف الرواة فيه على أبي زيد المروزي خاصة، فقد جزم الحافظ في «الفتح» أن جميع الروايات وقعتْ له بصورة الموقوف، وهو قد وقف على رواية أبي زيد ونقل عنها كثيرًا في «الفتح».

فالحاصل: أن الصواب هو كون رواية الحسين بن الحسن عن ابن عون مرفوعة غير موقوفة، وقد حفظ ذلك بعض رواة نُسَخ «الصحيح» وأغفل ذلك بعضهم من باب الاختصار؛ اكتفاءًا بوضوح السياق على الرفْع.

وقد أشرت إلى أن البدر العيني قد نقل في «العمدة» عن إِبْرَاهِيم بن معقل النَّسَفِيّ (وهو أحد رواة نُسَخ الصحيح) أنه نقل عن البخاري أنه قال عقب روايته: "هذَا الحَدِيث مَرْفُوع إِلَى النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- إلا أَن ابن عون كَانَ يوقفه".

ومراد البخاري: أن صورته صورة المرسل، وإلا فسياقه واضح جدًا على الرفع، وعادة جماعة من المتقدمين أنهم كانوا لا يرون المرفوع إلا بذِكر النبي - صلى الله عليه وسلم- فيه صريحًا أو شِبْه الصريح دون إشارة.

ومما يؤكد أن البخاري كان يقصد هذا المعنى: أن التصريح بذِكر النبي - صلى الله عليه وسلم- فيه سافر في هذا الطريق = قد وقع في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري عن البخاري في «صحيحه». كما مضى.

فحاصل هذا: أن أكثر نسخ: «الصحيح» قد ورد فيها الحديث على صورة الموقوف، وذكر بعض رواة: «الصحيح» كلام البخاري على هذا الوقف، وهو وقْفٌ صوري كما سبق، لأن سياقه ظاهر جدًا في كونه مرفوعًا.

ووقع في بعض النسخ مرفوعًا بزيادة ذِكْر النبي - صلى الله عليه وسلم- فيه صريحًا دون إشارة.

وعليه فيمكن أن يُقال: يُحتمل أن يكون ابن عون كان يرفعه، فوهم الحسين بن الحسن فأوقفه! وقد خالفه أزهر وعبيدالله بن عون فرفعاه عن ابن عون.

وأين يقع الحسين بن الحسن من أزهر بن سعد في اتساع حديثه وشهرته بالطلب ومنزلته من الضبط والإتقان! وقد قدَّمه حماد بن زيد على سائر أصحاب ابن عون، بل جزم ابن معين بكون أزهر كان: «أروى الناس عن ابن عون وأعرفهم بحديثه».

وقال أيضًا في رواية الغلابي عنه: «لم يكن أحد أثبت في ابن عون من أزهر، وبعده سليم بن أخضر». ونحوه قال الدارقطني أيضًا.

فكيف وقد توبع أزهر على رفْعِه عن ابن عون أيضًا!

وكون أزهر كان ربما غلط أو وهم في بعض رواياته عمومًا أو عن ابن عون خصوصًا، فهذا لا يضره، مع أنه كان يخالف ما في كتابه! فيصل المرسل ويرفع الموقوف!

والخلاصة أن سياق الخبر يدل على رفْعه لا محالة، فكيف وقد وقع في بعض «نُسَخ صحيح البخاري» التصريح بذِكْر النبي - صلى الله عليه وسلم-؟!

وأنا لم أجزم بكون الوقف هو الصواب وما عداه الخطأ المحض، وإنما تعرَّضْتُ له كما تعرَّض له الحميدي وغيره ممن جزم بكون رواية الحسن بن الحسين عن ابن عون موقوفة غير مرفوعة.

بل أشار الدارقطني لهذا أيضًا عندما جزم في كتابه: «الأفراد والغرائب». بتفرد أزهر بن سعد عن ابن عون مرفوعًا. والدارقطني لا يخفى عليه طريق الحسن بن الحسين الموقوف عن ابن عون عند البخاري.

بل ذكر البخاري نفسه أن ابن عون كان يوقفه. وسواء كان هذا الوقف صُورِيًّا أو في حُكْم المرفوع كما يراه بعضهم، فإنه يقال عنه: موقوف. ولا ريب أن هذا يقابل المرفوع عندهم على كل حال.

بل مَنْ حكم على طريق الحسن بن الحسين بالوقف من الأئمة الذين ذكرناهم: لا ندري رأيهم فيه من حيث كونه يدل على الرفع أو له حُكْمُه، بل الأصل عندهم أن الموقوف دون المرفوع.

ولم يكن عمدتي في تضعيف هذا الخبر: هو قضية الوقف هنا، بقدْرِ ما أردتُ تبيان الاختلاف فيه، وأنه لو ثبت تفرد أزهر به مرفوعًا؛ فقد يكون وهم في ذلك، مع ثقته ومعرفته واختصاصه بابن عون.

وإنما احتملتُ هذا الوجه: بما ذكرتُه من أن أصل الزيادة ثابتة عن شيخ ابن عون - وهو الحسن البصري- مرسلة، كما سيأتي لاحقاً، وكذا مخالفة مَنْ خالف ابن عون فيها عن نافع فلم يذكروها. وغير ذلك من القرائن.

وهذا كله يدور في فلَك الاحتمال حتى لا يُحمّل كلامي ما لا يحتمل، ولذلك لم أعتمد عليه، ولا يمَّمْتُ شطْرَ هِمَّتِي إليه.

·       اتفاق الحفاظ على لفظ معين في الحديث، وزيادة ابن عون!

وهذا الحديث بهذا اللفظ لم يأت به إلا ابن عون عن نافع! والمعروف عن نافع بغير هذا اللفظ بجزء منه فقط.

رواه جماعة عن نَافِع، عَنِ ابن عُمَرَ، قال: رأيت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ إلى الْمَشْرِقِ وَيَقُولُ: «ها إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا من حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

أخرجه أحمد في «المسند» (2/18) عن يحيى القطان، عن عُبيدالله بن عمر العُمري.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (4/2229) عن عُبَيْداللَّهِ بن عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ وَمُحَمَّد بن المثنى وعُبَيْدالله بن سعيد، كلّهم عن يحيى الْقَطَّانِ، به.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (6/2598) عن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ، عن لَيْث بن سعد. ومسلم في «صحيحه» (4/2228) عن قتيبة بن سعيد ومحمّد بن رُمْح، كلاهما عن الليث.

وأخرجه أحمد في «مسنده» (2/91) عن أبي النّضر، عن الليث.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (3/1130) عن مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، عن جُوَيْرِيَة، بن أسماء.

كلّهم (عُبيدالله بن عبدالله بن عمر، والليث بن سعد، وجويرية بن أسماء) عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو مُسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقِ يقول: «ألا إِنَّ الْفِتْنَةَ ها هنا، ألا إِنَّ الْفِتْنَةَ ها هنا من حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

وقد رواه عن ابن عمر أيضاً: عبدالله بن دينار، وسالم بن عبدالله بن عمر.

أما حديث عبدالله بن دينار:

فأخرجه مالك في «الموطأ» (2/975) عنه، عن عبدالله بن عُمَرَ.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (3/1192) عن عبدالله بن مَسلمة، عن مالك، به.

وأخرجه أحمد في «مسنده» (2/111) عن مُؤمّل، عن سفيان، عن عبدالله بن دينار.

وفي (2/23، 26) عن وَكِيع، عن عِكْرِمَة بن عَمَّارٍ، عن سَالِمٍ. وفي (2/73) عن عَفَّان، عبدالْعَزِيزِ بن مُسْلِمٍ، عن عبداللَّهِ بن دِينَارٍ.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (4/2228) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، به.

وأما حديث سالم:

فأخرجه البخاري في «صحيحه» (6/2598) عن عبداللَّهِ بن مُحَمَّدٍ، هِشَام بن يُوسُفَ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَالِمٍ، عن أبيه.

وأخرجه أيضاً (3/1293) عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (4/2228) عن حَرْمَلَة بن يحيى، عن ابن وَهْبٍ، عن يُونُس، عن ابن شِهَابٍ الزهري.

وأخرجه أيضاً عن ابن نُمير، عن إسحاق بن سليمان، عن حنظلة، عن سالم.

وأخرجه أحمد في «مسنده» (2/140) عن حَجَّاج، عن لَيْث، عن عُقَيْل، عَنِ ابن شِهَابٍ.

قلت: فهذا هو المحفوظ عن ابن عمر - رضي الله عنهما- بهذا اللفظ، رواه عنه ابنه سالم، ونافع مولاه، وعبدالله بن دينار.

والذي يعنينا هنا أصحاب الإمام نافع، فقد رواه عنه ثلاثة من أصحابه بهذا اللفظ، وهم عبيدالله بن عمر العمري، والليث بن سعد، وجويرية بن أسماء.

وتفرد عبدالله بن عون البصريّ بروايته عن ابن عمر باللفظ الأول الذي فيه الدعاء بالبركة للشام واليمن.

وهذا الذي جعل الترمذي والذهبي بأن يستغرباه؛ لأنه لم يروه بهذا اللفظ عن نافع إلا ابن عون!

·       طبقات أصحاب نافع:

ولا شك أن رواية غيره مقدمة عليه، سيما وعبيدالله بن عمر من الطبقة الأولى من أصحاب نافع كما اتفق على ذلك الإمامان: ابن المديني والنسائي، وابن عون في الطبقة الثانية باتفاق ابن المديني والنسائي، ووافق عبيدالله عليه اثنان من الثقات: الليث وجويرية.

سُئل علي بن المديني: من أثبت أصحاب نافع؟ قال: "مالك وإتقانه، وأيوب وفضله، وعبيدالله وحفظه".

وقال يحيى القطان: "أثبت أصحاب نافع: أيوب، وعبيدالله بن عمر، ومالك...".

وقال المروذي وابن هانئ عن أحمد قال: "أثبت أصحاب نافع: عبيدالله".

وقال أبو حاتم الرازي: سألت أحمد بن حنبل عن مالك وعبيدالله وأيوب، أيهم أثبت في نافع؟ فقال: "عبيدالله أثبتهم وأحفظهم وأكثرهم رواية".

وقال أبو داود: قلت لأحمد، أصحاب نافع؟ قال: "أعلم الناس بنافع عبيدالله وأرواهم".

وقال عمرو بن علي الصيرفي: ذكرت ليحيى بن سعيد قول عبدالرحمن بن مهدي: إن مالكاً في نافع أثبت من عبيدالله بن عمر؟ فغضب وقال: "هو أثبت من عبيدالله؟!".

وقال النسائي: "أثبت أصحاب نافع: مالك، ثم أيوب، ثم عبيدالله بن عمر، ثم عمر بن نافع، ثم يحيى بن سعيد، ثم ابن عون، ثم صالح بن كيسان، ثم موسى بن عقبة، ثم ابن جريج، ثم كثير بن فرقد، ثم الليث بن سعيد، ثم أصحابه على طبقاتهم".

وقال أحمد بن صالح: "عبيدالله بن عمر أحبّ إليّ من مالك في حديث نافع".

والعلماء يختلفون عادة في تقديم وتأخير بعض الأسماء في أصحاب الراوي، وهذا لا يعني أننا نرجّح ترتيباً على آخر دائماً، ولا أزعم أن كلام ابن المديني هو الحق ودونه الباطل! ولكني رأيته قد جوَّد ترتيب أصحاب نافع ومنازلهم منه بما لم يفعل ذلك إمامٌ غيره نعرفه على هذا الوجه؛ ولذلك قدَّم ابنُ رجب كلامَه على غيره في أول كلامه على أصحاب نافع في «شرح علل الترمذي». هذا مع ما عليه ابن المديني من المعرفة الواسعة بالعلل والرجال.

ومع هذا فأقوال أهل النقد متفقة على تقديم عبيدالله بن عمر على أقرانه من الطبقة الأولى من أصحاب نافع، فكيف إذا كان حديثه مُعارَضاً بمن هو في الطبقة الثانية كابن عون!

فأصحاب نافع الذين أكثروا عنه هم أصحاب الطبقات الأولى: عبيدالله، ومالك، وأيوب، وغيرهم، والحديث الذي تفرد به ابن عون عنه لم نجده عند أصحابه، فكيف يتفرد به دونهم؟!! فلو كانت له خصوصية فيه - كما قد يدّعي بعضهم- لقبلنا حديثه، كيف وهو الوقف في رواية ربما كان منه على مذهبه في الإنقاص من الحديث، والله أعلم.

·       أصل رواية ابن عون من حديث الحسن البصري (مرسل)!

وأرى أن الذي حصل لابن عون أنه دخل له متنٌ في آخر للتشابه بينهما، وهذا يحصل لبعض الرواة.

فهذا الحديث معروفٌ بالإرسال عند البصريين، رواه الحسن البصري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، مرسلاً.

والحسن من شيوخ عبدالله بن عون البصري، فكأنه اشتبه عليه ما في متنه من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من حيث يطلع قرن الشيطان».

فقد روى يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (3/77) قال: حدثنا قبيصة، قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن جحادة، قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في شامنا، فقال رجل لرسول الله: والعراق، فإن منها ميرتنا وفيها حاجتنا! قال: فسكت، ثم أعاد، فقال: هنا يطلع قرن الشيطان، وهنالك الزلازل والفتن».

·       قرائن وهم عبدالله بن عون في الحديث:

قلت: فهذا الحسن البصري يرويه مرسلاً، وابن عون تلميذه وهو بصري، فكأنه أخذه منه، ولما رواه اشتبه عليه فدخل له متن في آخر.

واتقان ابن عون وحفظه عموماً لا ينفي هذا الاحتمال مع قرينة أن الحديث عند شيخه الحسن مرسلاً.

وقد يقول قائل: "قد يكون الحسن البصري سمع هذا الخبر موصولًا من ابن عون أو بلغه عنه أو غيره، فأرسله كعادته"!

أقول: هذا كان يتجه لو كان هذا الحديث معروفا عن نافع من غير طريق ابن عون، فعندها نقول بأن الحسن ربما سمعه من تلميذه فأرسله؛ لأن عادة الحسن الإرسال وخاصة فيما يسمعه ممن هو أصغر منه. ولكن ابن عون تفرد به عن نافع فلا بدّ أن تكون هذه الزيادة أتى بها من مصدر آخر.

والخلاصة أن حديث ابن عون عن نافع بهذا اللفظ غريب! تفرد به، وغيره من الثقات يروونه عن نافع دون الدعاء المذكور، ومن المستحيل أن يتفرد راوٍ على من هم أوثق منه في شيخ مكثر مثل نافع.

وقرينة أن هذا الحديث يرويه شيخ ابن عون في البصرة مرسلاً، يؤيد أن ابن عون دخل له حديث في حديث بسبب التشابه في بعض متنه.

وأيضاً ابن عون بصري، وعادة الغرباء أنه قد يقع لهم الوهم في غير شيوخ بلدهم، ونافع مدني، وهنا يقدّم أصحابه المدنيون الثقات على غيرهم من تلاميذه الغرباء كابن عون هنا، والله أعلم.

فمن أحاط بمجموع كلامنا في هذا المقام خُبْرًا: أدرك لطيف المَنْزَع في هذا الاحتمال الذي لم نقطع به أيضًا.

وكم كشف الحسنُ بمراسيله أوهامَ جماعة من الثقات وغيرهم فيما يروونه موصولًا؟

ولما خرّج ابن عساكر طرق هذا الحديث في «تاريخه» في «باب دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم للشام بالبركة وما يرجى بيمن دعائه صلى الله عليه وسلم من رفع السوء عن أهلها» (1/130) ختمها بطريق الحسن المرسل، فأخرجه من طريق يعقوب بن سفيان (1/138)، فربما أراد الإشارة إلى أن أصل هذا الحديث المرفوع هو مرسل الحسن البصري، والله أعلم.

·       نظرة في لفظ حديث الحسن المرسل!

ورُبّ معترض يعترض بأن هناك فرق في بعض الألفاظ التي في الحديث الذي رواه ابن عون والحديث المرسل عن الحسن!

فأقول: عادة إذا كان الحديث مرسلاً فإن أهل العلم لا يضبطونه، فيقع تحريف أو سقط أو زيادة فيه، ففي المرسل ذكر: "مدينتنا" وفي حديث ابن عون: "يمننا"، وفي المرسل: "والعراق"، وفي حديث ابن عون: "نجدنا"، وهذا قريب لا اختلاف فيه، ولهذا رأى بعض أهل العلم أن المقصود بنجد في حديث ابن عون هو العراق.

فقد يكون فعلاً حصل تحريف فيه: تحرفت "مدينتنا" إلى "يمننا" أو أنه جاء في الحديث المرسل ذكر الجهة اليمانية كما الشامية جهة أيضاً! والله أعلم.

والذي يهمنا هنا هو أصل الحديث، وما دخله من (تحريف وغيره)، فهذا من خلال الاستقراء يحدث للرواة في الأحاديث المرسلة؛ لأن العناية بها ليس مثل العناية بالحديث المرفوع، والله أعلم.

ثم هذا (التحريف وغيره) من صنوف التبديل لا يلزم أن يكون من قبيل ابن عون، فلعله ممن دونه.

وفي كتاب: (تصحيفات المحدثين) لأبي أحمد العسكري من تحريفات الثقات والأثبات في الأخبار والآثار = ما لا يُذْكَر معه ما احتملناه من التحريف والإبدال في رواية ابن عون هنا!

بل هذا ابن عون نفسه ذكر أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ أنه ذُكِرَ عنده شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ فَقَالَ عنه (ذَاكَ رَجُلٌ نَزَكُوهُ). قال أبو حاتم: (يَعْنِي: طَعَنُوا فِيهِ، كَأَنَّهُمْ ضَرَبُوه بِالنَّيَازِكِ؛ فَصَحَّفَ أَصْحَابُ الحدِيثِ وَقَالُوا: ذَاكَ رَجُلٌ تَرَكُوهُ).

قلت: فإذا كان أصحاب الحديث قد صحَّفوا على ابن عون في هذا الخبر، فما المانع من أن يفعلها بعضهم في حديثه هنا!؟

·       شبهات والرد عليها!

1- ولعل قائل يقول: "الإعلال بمجرد تفرد ابن عون بزيادة الدعاء لأهل الشام وغيرهم في هذا الخبر = ضعيف عند النظر والتأمل، وابن عون وإن كان جماعة من الأئمة قد عدُّوه من الطبقة الثانية من أصحاب نافع، إلا أنه كان له به مزيد مؤانسة، ولحديثه فضْلُ رعاية وعناية، فكانت بينهما مكاتبات ومراسلات تدل على صداقة ومزيد اختصاص.

هذا إلى كون ابن عون كان من أولئك الأفراد في زمانه ممن: «يستعمل الأخبار ويتفقَّد صحة الأسانيد وسقمها» كما وصفه مسلم في «مقدمة صحيحه».

هذا مع الشهرة بالضبط والحِفظ والإتقان والبراءة من التدليس، بحيث كان شعبة يقول: «شَكُّ ابنِ عَوْنٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يَقِيْنِ غَيْرِه». وشعبة يدري ما يقول.

وقد ثبت أن ابن عون كان ممن يقصر في الأخبار عن عمد؛ كأيوب وحماد بن زيد وجماعة من أهل البصرة؛ وهذا من شديد التوقي وبالغ التحري الذي اشتهر به هؤلاء.

وقد نقل مغلطاي في «الإكمال» عن ابن المبارك أنه قال: «كل حديثِ الناسِ: يزيدُ، ووجدتُ ابنَ عون ينقص».

فمن كان بهذا الحال: يشق جدًا على الناقد المتأخر أن يعل حديثًا بتفرده أو بمجرد ما يزيده في الأسانيد والمتون وإنْ خالفه غيره من الثقات فلم يتابعوه في تلك الزيادة!

فابن عون معروف مشهور بالنقص في الرواية سندًا ومتنًا، فإذا جاء يومًا بزيادة لم يأت بها غيره؛ كان ذلك أوفر وأدْعَى أن يكون قد ضبط وحفظ ما أتى به من الزيادة؛ لكونه خرج عن المألوف من عادته، ولا يكون خروجه إلا لمزيد يقظة وبالِغ حِفْظ وضبْط. وهذه قرينة ظاهرة على ثبوت هذه الزيادة بلا ريب.

فليس في حديث ابن عون معارضة لحديث غيره، وإنما الرجل حفظ ما أغفله غيره، والظاهر أن نافعًا حدَّث بهذا الحديث غير مرة، فسمعه منه ابن عون مُجَوَّدًا بتلك الزيادة في أوله من الدعاء لأهل الشام، وأدَّى ذلك ابن عون كما سمعه.

ثم حدَّث به نافع مرة أخرى في مجلس أو مجلسين فلم ينشط لِذِكْر تلك الزيادة في أوله (ولعل ذلك كان في وقت مذاكرة أو مناسبة وقعتْ له) فسمعه منه عبيدالله العمري وغيره هكذا. وكل ذلك صحيح ثابت عنه بنقْلِ الثقات العدول"!!

أقول:

أولاً: لا نشك في ثقة ابن عون وحفظه وتيقظه وغير ذلك، لكن هذا لا يعني أنه لا يخطئ أبداً! ولا علاقة لمسألة أن شكّه أحبّ إلى شعبة من يقين غيره؛ لأن المسألة هنا ليست في الشك بينه وبين الآخرين.

ثانياً: تفقده لصحة الأسانيد وسقمها لا علاقة له بالرواية هنا! وليس كل ما رواه هو نصّ على صحته!

ثالثاً: وأما أنه كان ينقص في الحديث فكلام أهل النقد في هذا إنما هو في إنقاصه بعض الرواة، أو وقف المرفوع أو إرسال الموصول احتياطاً إذا شك في الرواية. ولم يتعرضوا في هذا للزيادة في متن الحديث أو النقصان منه! فمن يدّعي أن "ابن عون معروف مشهور بالنقص في الرواية سندًا ومتنًا" فهي دعوى بلا دليل! قاس فيها قائلها انقاصه في المتن انقاصه في السند، وبنى على ذلك أنه إذا زاد في المتن فهذا يدلّ على مزيد حفظ وتثبت!! وهل من لم يزد وخالفه ليسوا بذاك التثبت واليقظة؟!!

رابعاً: وأما أن ما زاده ابن عون لا يعارض حديث غيره فهذا صحيح، لكن البحث في هل ثبتت هذه الزيادة من حديث نافع أم لا؟ ورد الزيادة وقبولها ليس على إطلاقه وإنما يخضع للقرائن.

خامساً: وأما أن ابن عون حفظ ما أغفله غيره وأنه سمعه مرتين، وأن نافعاً حدث به في مجلسين فنشط مرة ولم ينشط مرة! فهذا ضرب من الخيال!! ولا يوجد قرينة تعضد هذا الاحتمال الذي هو من الأوهام!

2- ولعل قائل يقول: أين الخلاف عند أهل العلم في تصحيح هذا الحديث؟ مَنْ مِنْ أهل النقد والعلل ضعفه؟ وهل انتقده الدارقطني؟ فما وجه المقايسة بين الطبقات إذن؟ ولا خلاف بين أهل العلم في الحديث؟).

فأقول له:

بل الخلاف قائم وإنْ كرهتَ ذلك، فصنيع البخاري في «صحيحه» إن لم يدل على ضعْفِ تلك الزيادة عنده؛ فلا أقل من أنها ليست على شرْطِه.

فلم يبق في يدك أيها القائل من تصحيح الأوائل سوى الترمذي وحده! وهو قد استغربه من حديث ابن عون؛ ولا يزال تصحيحه دون تصحيح البخاري ومسلم وأضرابهما كما هو متفق عليه بين أهل الحديث.

ولن ندور هنا حول قول ابن دِحْيَة في «العَلَم المشهور»: "وكم حَسّن الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة وأسانيد واهية!". ولن نعتصم بقول ابن القيم: "الترمذي يصحّح أحاديثَ لم يتابعه غيره على تصحيحها. بل يصحّح ما يضعّفه غيره أو ينكره"، ثم ضرب أمثلة على ذلك.

ولا بقول الذهبي: "فلا يُغتَرّ بتحسين الترمذي. فعند المحاقَقَةِ غالبُها ضعاف"، ولا بقوله في مكان آخر: "فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي".

نعم، الترمذي إمام له اجتهاده في الجرح والتعديل والنقد والتعليل، ولكن وجدنا بالاستقراء أنه كان فيه نوع تساهل بالنسبة إلى غيره من حُذَّاق مشيخته وأقرانه، كما كان في يحيى القطان وأبي حاتم الرازي وابن خراش والأزدي وأمثالهم نوع تشدد - كما قيل -، وهذا بالنسبة إلى المهَرة من مشيختهم وأقرانهم أيضًا.

وإنما وقفْنا على هذا الضرب من التساهل أو التشدد بعرْضِه على تصرفات الكبار من الأئمة الصنْعة، وليس بمجرد التشهي فضلًا عن التهوُّر في الحُكْم على الكبار بما يناقض حقيقة الحال.

ولا ينكر مُنْصف أو عارِف أن استقراء تصرفات الأئمة، ومقابلاتها على تصرفات أضرابهم: فيه ما فيه من الفوائد بالوقوف على منازلهم وتفاوتهم في قبول الأخبار وردِّها.

3- ولعل قائل يقول: كيف غفل أئمة العلل وأطباؤه كابن المديني وابن معين وأحمد وأبو زرعة وأبو حاتم عن علّة هذا الحديث؟ هل غابت عن أمام الصنعة البخاري؟ ثم غابت عن تلميذه الترمذي ثم الدارقطني..إلخ!!

أقول:

نلزم قائل هذا بأن يأتينا بتصحيح هؤلاء لهذا الحديث - دون الترمذي وما يُظن عن البخاري تصحيحه لإخراجه في كتابه-، وأين هذا في عالم الإمكان؟! فمن أين لهذا القائل أن يجزم بكون هؤلاء وقفوا على صحة هذا الحديث عندهم؛ فلذلك تنكَّبوا إعلاله؟!

·       حوار مع بعضهم!

أرسلت هذا البحث لأحد دكاترة الحديث ممن كتب في أصحاب الرواة في رسالته العلمية، فدار بيني وبينه نقاش حول رواية ابن عون وأنها شاذة عن الروايات الأخرى.

وهذا ما دار بيننا:

قال: "إن المخالفة التي قال النقاد أنها مخالفة تعد منكرة أو شاذة في المخالفة التي حملت منافاة! فأين المنافاة في الزيادة التي زادها ابن عون؟ وإثبات ما لم يثبتوا ليس فيه منافاة"!

فقلت: من أين لك أنّ النقاد قالوا بأن الزيادة الشاذة أو المنكرة يجب أن تكون فيها منافاة!!! وهذه القاعدة التي ذكرتها أثبتها أولاً؟

قال: من خلال واقع عمل النقاد نفهم ذلك، ومن خلال حديثهم في زيادة الثقة.

فقلت له: هذا ليس بصحيح.

فقال: ارجع إلى كتب فلان في زيادة الثقة!!

قلت: ما هكذا تورد الإبل! أما المنافاة فخارج محل النزاع حتى تعتبرها قاعدة؛ لأننا متفقون عليها، فكلّ زيادة فيها منافاة لغيرها فهي مردودة، ولكن نحن نتكلم عن الزيادات مطلقاً! فعلى هذه القاعدة نقبل كل زيادة من الثقة هكذا دون قرائن!!

فأنا رددت زيادة الثقة هنا بقرائن:

الأولى: أنه خالف أصحاب الطبقة الأولى من أصحاب نافع في اللفظ فزاد عليهم.

الثانية: وكذلك من تابع نافعاً عليه وهو سالم بدون الزيادة، وهذا يدلّ على أنها لا تحفظ عن ابن عمر.

والثالثة: أن الزيادة عند شيخ ابن عون مرسلة، وهو الحسن البصري، وهذه قرينة على أن أصل زيادته من رواية شيخه الحسن، وإن لم نقف على روايته هو عن الحسن؛ لأن المراسيل ليس لها ذاك الاهتمام من الرواة وروايتها.

والحاصل أن قبول كل زيادة ليس هو واقع عمل المحدّثين أبداً، بل هم على قبول الزيادة بقرائن، وإلا ردوها، فالأصل فيها الرد، ما لم تأت قرينة تدل على قبولها، والله أعلم.

·       دعوى اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات!

وزيادة في بيان منهج الأخ في "إن المخالفة التي قال النقاد أنها مخالفة تعد منكرة أو شاذة في المخالفة التي حملت منافاة"...

أقول: إن دعوى اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات قد أكثر المتأخرون من التذرُّع بها في الاعتراض على من ردّ زيادة بعض الثقات بكونها غير منافية، فلا وجه لردها! ثم يرددون العبارة المشهورة، من كون زيادة الثقة مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق!

وهذا المنهج ينفرد به متأخرو الزمان وحدهم! ولا يعرفه الأئمة المتقدمون ألبتة، وكلامهم وتصرفاتهم تدل على عدم اعتبار ذلك، وأنهم قد يردون زيادة الثقة ويجزمون بذلك دون أن تكون بينها وبين غيرها أدنى وجهٍ من المنافاة.

·       أمثلة على رد الأئمة النقاد لزيادات بعض الثقات مما لا منافاة فيها لغيرها!

والأمثلة على ذلك كثيرة مبثوثة في كلام النقاد الأوائل من أئمة هذا الفن. فمنها:

1- ما زاده ابن عيينة في حديث أبي سعيد الخدري في إخراج زكاة الفطر، قال ابن عيينة فيه: (أو صاعًا من دقيق) ثم شك مرة فقال: (دقيق أو سلت)! وقد أنكر عليه ابن المديني وجماعة من الحفاظ هذه الزيادة في حديث أبي سعيد، وجزم بعضهم بوهمه فيها، وقد خالفه ابن المبارك ويحيى القطان وجماعة كلهم رووه عن ابن عجلان - وهو شيخ ابن عيينة - فلم يذكروها فيه.

هذا: مع أن تلك الزيادة التي أتى بها ابن عيينة غير منافية أصلًا لرواية المخالفين؛ بل فيها زيادة على ما جاءوا به وحسب، ومع ذلك فقد أنكروها عليه. وقد تركها ابن عيينة بعد ذلك ولم يعد يذكرها.

2- وكذا تفرد علي بن مسهر في زيادة الإراقة في حديث أبي هريرة في غسل الإناء مما ولغه فيه الكلب، فقال ابن مسهر فيه: (فليرقه، ثم ليغسله..!)

وقد خالفه شعبة وأبو معاوية الضرير، وجماعة كلهم رواه عن الأعمش - وهو شيخ ابن مسهر- فلم يذكروا فيه تلك الزيادة من الإراقة!

وقد جزم حمزة الكناني بكونها زيادة غير محفوظة، وهكذا أشار مسلم والنسائي وابن منده وابن عبد البر وغيرهم.

هذا: مع أن تلك الزيادة ليست منافيةً لمعنى أصل حديث أبي هريرة في غسل الإناء.

3- وزاد ابن عيينة أيضًا زيادة: (فإنه بركة) في حديث سلمان بن عامر مرفوعاً: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور).

وقد رواه جماعة عن عاصم الأحول - شيخ سفيان فيه- فلم يذكروا فيه تلك الزيادة!

قال النسائي عقب رواية ابن عيينة: "هذا الحرف: (فإنه بركة) لا نعلم أن أحدًا ذكره غير ابن عيينة، ولا أحسبه محفوظًا!".

هذا: مع أن تلك الزيادة غير منافية لأصل الحديث عند التأمل.

وهناك نماذج أخرى في تصاريف أئمة هذا الشأن تدل على عدم التفاتهم إلى اعتبار المنافاة في رد زيادة الثقات إذا ثبت عندهم خطأها بالقرائن التي وقعتْ لهم.

·       كيف خرّج البخاري هذا الحديث في صحيحه؟!

وقد يعترض معترض: وهل خفي ذلك على الإمام البخاري، حيث أخرج حديث ليث عن نافع وحديث ابن عون عن نافع في المكان نفسه؟

فأقول:

أرى أن البخاريّ - رحمه الله- ليس بغافلٍ عن ذلك، وتخريجه لهذا الحديث في صحيحه فيه إشارة إلى أنه لا يحتج به؛ وإنما يحتج بما جاء فيه على ما يؤيد تبويبه؛ ولهذا ساقه في المتابعات لا في الأصول، وقد ذكر هذا الحديث في موضعين:

أما الموضع الأول: ففي (باب مَا قِيلَ فِي الزَّلاَزِلِ وَالآيَاتِ) ثم ساق حديث عَبْدِالرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ - وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ - حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ».

ثم ساق حديث حُسَيْن بن الحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، وَفِي يَمَنِنَا» قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا» قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: قَالَ: «هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

فالبخاريّ - رحمه الله- ذكر هذين الحديثين لتعلقهما بالباب الذي بوّبه، ولا شك أن الحديث الأول أصح وأنقى، وهو حديث عام، والثاني وهو حديث ابن عون عن نافع عن ابن عمر موقوفاً، وفيه ما يتعلق بالباب، إلا أن فيه تخصيص وهو: أن الزلازل في هذه الجهة! وهذا فيه بُعد، فالزلازل علامة من علامات الساعة، ولا يقتصر وجودها على جهة دون أخرى، ولهذا تبويب البخاري أعم، حيث ذكر: (الزلازل والآيات) والآيات يقصد بها التي جاءت في حديث أبي هريرة، ومنها الفتن عموماً، بخلاف الموضع الثاني الذي جاء لذكر فتنة واحدة!!

وهو قوله (بَاب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم الْفِتْنَةُ من قِبَلِ الْمَشْرِقِ) وساق فيه ثلاثة أحاديث.

الأول: حديث الزُّهْرِيِّ، عن سَالِمٍ، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قام إلى جَنْبِ الْمِنْبَرِ فقال: «الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، الْفِتْنَةُ هَا هُنَا من حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ - أو قال: قَرْنُ الشَّمْسِ».

ثم حديث لَيْث، عن نَافِعٍ عن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ يقول: «ألا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا من حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

ثم ساق حديث أَزْهَر بن سَعْدٍ، عن ابن عَوْنٍ، عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ قال: ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم بَارِكْ لنا في شَأْمِنَا، اللهم بَارِكْ لنا في يَمَنِنَا، قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ: وفي نَجْدِنَا، قال: اللهم بَارِكْ لنا في شَأْمِنَا، اللهم بَارِكْ لنا في يَمَنِنَا، قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ: وفي نَجْدِنَا، فَأَظُنُّهُ قال في الثَّالِثَةِ: هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

قلت: فالحديث أخرجه البخاري في آخر الباب وفيه ذكر الفتن، مع أن الحديث الأول والثاني يتحدث عن فتنة واحدة! وكأن البخاري - رحمه الله- أراد أن يقول: ما روي عن نافع موافق لما روي عن سالم، وقد خولف أصحاب نافع عليه، فذكر فيه: "الزلازل والفتن"، يعني يضعّفه من خلال هذا العرض، سيما وقد ذكره في الموضوع الأول بالوقف، وعدّ الفتن عموماً من ضمن الآيات التي تظهر في آخر الزمان.

ولو أن البخاريّ يرى صحة ما في حديث ابن عون لاستفاد من الحديث - كعادته لما يقطعه في عدة أبواب - في فضل الشام واليمن! ولكنه لم يترجم على ذلك في كتابه، والله أعلم.

وأما الفتنة التي قصدها النبي صلى الله عليه وسلم هي مرادة في قوله: هي ما حصل بعد وفاته من الردّة التي جاءت من جهة اليمامة - وهي الرياض الآن من أرض نجد - وادّعاء مسيلمة النبوة وخروجه من تلك الجهة.

وقد أشار إلى هذا ابن حبان في «صحيحه» (15/24) فذكر باب: (ذكر الإخبار بأن أول حادثة في هذه الأمة تكون من البحرين)، ثم ساق حديث عبدالله بن دينار، عن ابن عمر أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير نحو المشرق ويقول: «ها إن الفتنة، ها هنا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان».

ثم قال ابن حبان: "مشرق المدينة، هو البحرين، ومسيلمة منها وخروجه كان أول حادث حدث في الإسلام".

قلت: كأن ابن حبان كان يرى أن اليمامة من أعمال البحرين، ولهذا قال هنا: «البحرين» ولم يذكر «اليمامة»!

قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/347) عندما ذكر «البحرين»: "وربما عدّ بعضهم اليمامة من أعمالها والصحيح أن اليمامة عمل برأسه في وسط الطريق بين مكة والبحرين".

·       استدلال سالم بن عبدالله بالحديث على ما حصل في العراق من فتن!

وقد استدل سالم بن عبدالله بحديث أبيه على ما حصل في العراق من فتن، فروى مسلم في «صحيحه» (4/2229) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانَ، وَوَاصِلُ بنُ عَبْدِالْأَعْلَى، وَأَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ - وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبَانَ - قَالُوا: حَدَّثَنَا ابنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بنَ عَبْدِاللهِ بنِ عُمَرَ، يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ مَا أَسْأَلَكُمْ عَنِ الصَّغِيرَةِ، وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَاللهِ بنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ هَاهُنَا» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ «مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ» وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا قَتَلَ مُوسَى الَّذِي قَتَلَ، مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، خَطَأً فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}.

فذكر سالم هذا الحديث في الفتنة في العراق وهي في جهة الشرق بالنسبة للمدينة، وهذا يدل على أنه استدل بهذا الحديث عن أبيه في تعميم الفتنة، وهذا فهمه - رحمه الله-، فإما أن تكون الفتنة هي واحدة وهي ما أشرنا إليه من فتنة مسيلمة، وإما أن تكون الفتنة عامة، هي وغيرها من جهة المشرق: اليمامة، والعراق، وغيرهما، كما فهم سالم بن عبدالله.

وهذا الحديث يدلّ على ضعف ما رواه ابن عون عن نافع عن ابن عمر؛ لأنه لو صحّ عن ابن عمر لكان الأولى بسالم أن يحتج به على أهل العراق، وهو أقرب إلى حالهم التي ذكرها، ويدلّ أيضاً على ضعف ما رُوي من حديث سالم عن أبيه مثل متن ابن عون عن نافع عن ابن عمر، وسنبيّن ذلك لاحقاً إن شاء الله تعالى.

وقد يتوهم متوهمٌ أني أشاحح البخاري في تصحيح الحديث! فأنا لا أنازع البخاري فضلًا عن مشاححته، وإنما أرى أنه لا يَحتَج بتلك الزيادة في حديث ابن عون، وأنها ليست على شرطه في «صحيحه» أصلا! وهنا يكون بيت القصيد الذي قد لا يهتد إليه المتوهم، ولا أوقفتْه عيون اليقظة عليه!

وقد يُتوهم أيضاً أني أتلمس الأعذار للبخاري وهو لا يحتاج إلى الأعذار!! فهذه أيضًا من شِعْبِ ذلك الوادي! أعني الغفلة عن وضوع عبارتنا للناظرين سوى هذا المتوهم!

فهذا الذي قد يسميه المتوهم: (أعذارًا) ما هي كذلك، وإنما هي الإفصاح وكشْفُ اللثام عن طريقة إخراج البخاري لهذه الزيادة في «صحيحه»، وأنه لم يحتج بها البتة، وإنما ساقها تبعًا لا استقلالًا، وكان عمدته على أصل الحديث الذي رواه الجماعة عن نافع دون ما تفرَّد به ابن عون في أوله.

·       مسالك البخاري في الإعلال في «صحيحه»:

وكل ناقِد حاذِق يدري أن من عادة البخاري في «صحيحه» أنه إذا ساق حديثًا على شرطه لكن وقع فيه تصحيف في لفْظة، أو إرسال في فقرة، أو غلطة في كلمة، أو وهم في زيادة، فإنه ينبِّه على ذلك ولا يدعه، وله في هذا التنبيه مسلكان:

المسلك الأول: أن يُصَرِّح بردِّ أو غلط أو وَهَم تلك الأغاليط من الزيادات أو التصحيف أو إدراج أو الإرسال أو غير ذلك بعبارة واضحة دالَّة على المطلوب.

وهو يفعل ذلك في الأسانيد والطرق جميعًا كما يفعله في المتون سواء.

ولا بأس بإيراد نماذج معدودة في كلامه على بعض الألفاظ والأسانيد المعلولة في «صحيحه».

-         نماذج من إعلال البخاري للطرق والأسانيد:

1- فمن ذلك: أنه ساق في (باب فَضْلِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ): حديث الأَعْمَش، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَالضَّحَّاكُ الْمَشْرِقِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مرفوعًا: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ....».

قال البخاري: "عَنْ إِبْرَاهِيمَ مُرْسَلٌ، وَعَنِ الضَّحَّاكِ الْمَشْرِقِيِّ مُسْنَدٌ".

قلت: يعني بـــ «المُرسَل»: المنقطع.

2- وساق في باب: (الْخُلْعِ وَكَيْفَ الطَّلاَقُ فِيهِ): حديث أَزْهَر بْن جَمِيلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: «... أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم-....».

قَالَ البخاري: "لا يُتابَعُ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ".

قلت: يعني لا يُتابَع أَزْهَر بْن جَمِيلٍ عليه بِذِكْر ابن عباس فيه، فقد خالفه أصحاب الثقفي فأرسلوه عنه عن خالد عن عكرمة ليس فيه ابن عباس.

3- وساق في بَاب (الْمُكْثِرُونَ هُمْ الْمُقِلُّونَ): حديث عمر بن حفص بن غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي: حدثنا الْأَعْمَشُ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا- وَاللَّهِ- أَبُو ذَرٍّ بِالرَّبْذَةِ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْشِي فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ عِشَاءً....» إلخ.

ووقع في آخره: (قَالَ الْأَعْمَشُ: قُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ وَهْبٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ. قَالَ: أَشْهَدُ لَحَدَّثَنِيهِ أَبُو ذَرٍّ بِالرَّبْذَةِ).

قال البخاري: "مُرْسَلٌ لَا يَصِحُّ إِنَّمَا أَرَدْنَا لِلْمَعْرِفَةِ وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ..".

قلت: قد سقط هذا الحديث من أكثر نسخ البخاري، وهو ثابت (فِي النُّسْخَةِ الْبَغْدَادِيَّةِ الَّتِي صَحَّحَهَا العَلَّامَةُ أَبُو مُحَمَّدِ بنُ الصَّغَانِيِّ اللُّغَوِيُّ بَعْدَ أَنْ سَمِعَهَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الْوَقْتِ وَقَابَلَهَا عَلَى عِدَّةِ نُسَخٍ وَجَعَلَ لَهَا عَلَامَاتٍ).

وقد نص على هذا الحافظ في «الفتح» فقال: "قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ رِوَايَةِ حَفْصٍ: «حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مُرْسَلٌ لَا يَصِحُّ إِنَّمَا أَرَدْنَا لِلْمَعْرِفَةِ» أَيْ إِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نَذْكُرَهُ لِلْمَعْرِفَةِ بِحَالِهِ". ثم قال بعد شرْح كلام البخاري: "قُلْتُ: فَلِهَذَا هُوَ سَاقِطٌ مِنْ مُعْظَمِ النُّسَخِ وَثَبَتَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ".

-         نماذج من إعلال البخاري لبعض الألفاظ في المتون:

1- فمن ذلك أنه ساق في باب: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} الرَّاجِعُ المُنِيبُ): حديث مُغِيرَة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً....».

ثم قال البخاري: "قَالَ شُعَيْبٌ وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: تِسْعِينَ. وَهُوَ أَصَحُّ".

قلت: وقد ساق البخاري رواية شعيب في كتاب: (الأيمان والنذور).

2- وساق في (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُتَأَوِّلِينَ): حديث أَبي عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ فُلَانٍ قَالَ: «تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ وَحِبَّانُ بنُ عَطِيَّةَ...». وفيه قول أبي عوانة في روايته: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ حَاجٍ...».

قال البخاري: "خَاخٍ أَصَحُّ، وَلَكِنْ كَذَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: «حَاجٍ» وَحَاجٍ: تَصْحِيفٌ، وَهُوَ مَوْضِعٌ، وَهُشَيْمٌ يَقُولُ: خَاخٍ".

3- وساق في كتاب: (كِتَاب الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ): حديث مُعْتَمِر قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفًا أَنَّ أَبَا الْمِنْهَالِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَرْزَةَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُغْنِيكُمْ أَوْ نَعَشَكُمْ بِالْإِسْلَامِ...».

قال البخاري: "وَقَعَ هَاهُنَا: «يُغْنِيكُمْ» وَإِنَّمَا هُوَ نَعَشَكُمْ".

4- وساق في باب: (بَاب الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...). حديث قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُالله بنُ عَبْدِالله بنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ...». وفيه قول أبي بكر: «وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا».

قال البخاري: "قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ وَعَبْدُاللَّهِ عَنْ اللَّيْثِ: «عَنَاقًا» وَهُوَ أَصَحُّ".

قلت: ويقيت نماذج أخرى من تعليلاته في الأسانيد والمتون قد ضربْتُ عن ذِكْرِها صفحًا؛ طلبًا للاختصار.

أمَّا تعليلاته للأسانيد والمتون المعلَّقة غير الموصولة، فهي كثيرة وفِيرة، غير أنها ليست على شرطنا هنا، وإنما انتخبْنا ما أورده بسنده الخالص الذي قال فيه: «حدثنا» و«أخبرنا».

·       الإشارة إلى إعلال البخاري في «الصحيح» دون تصريح:

وأما المسلك الثاني: فإنه لا يُصَرِّح بردِّ أو غلط أو وَهَم تلك الأغاليط من الزيادات أو التصحيف أو الإرسال أو غير ذلك بعبارة واضحة دالَّة على المطلوب، غير أنه يُلَوِّح بذلك بإشارات دقيقة يدركها الحاذِقون ممن درسوا «صحيحه»، وفقِهوا منهجه في التبويب والترتيب والتقديم والتأخير، ومناسبة تراجمِه لأحاديث الباب، وغير ذلك من المسالك الظاهرة أو الخفية.

وهو يفعل ذلك في الأسانيد والطرق جميعًا أيضًا كما يفعله في المتون سواء.

ولا بأس إنْ سُقْنا هنا جملة يستكْشِف بها الغافلُ عَمْياءَ الحال، وتعود على السائل بعائدِ السؤال.

1- فمن ذلك: أنه ساق في (بَابٌ إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الْإِسْلَامُ) حديث أبي الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: قال ابْنُ شِهَابٍ: «يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى وَإِنْ كَانَ لِغَيَّةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ يَدَّعِي أَبَوَاهُ الْإِسْلَامَ أَوْ أَبُوهُ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّيَ عَلَيْهِ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ.... » إلخ.

قلت: وهذا منقطع كما ترى؛ لكن ما أورده البخاري من هذا الطريق إلا لبيان تفسير ابن شهاب وحسب، والحديث عنده موصول من طريق آخر.

وهذا ما جزم به الحافظ في «الفتح» فقال: "حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَنَّ «كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على الْفطْرَة» أخرجه من طَرِيق ابن شِهَابٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُنْقَطِعًا، وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَالِاعْتِمَادُ فِي الْمَرْفُوعِ عَلَى الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ؛ وَإِنَّمَا أورد المنقطعة لقَوْل ابن شهَاب الَّذِي استنبطه من الحَدِيث".

2- وساق في (بَاب اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ مِنْ الْإِيمَانِ) حديث رَوْح قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا....» إلخ.

قال الحافظ في «الفتح»: "الحسن: هُوَ ابن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ. وَمُحَمّد: هُوَ ابن سِيرِينَ، وَهُوَ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْحَسَنِ، فَالْحَسَنُ وابن سِيرِينَ حَدَّثَا بِهِ عَوْفًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إما مُجْتَمعين وَإما مُتَفَرّقين.

فَأَما بن سِيرِينَ: فَسَمَاعُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ.

وَأَمَّا الْحَسَنُ: فَمُخْتَلَفٌ فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى نَفْيِهِ وَتَوْهِيمِ مَنْ أَثْبَتَهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ، فَلَا تُحْمَلُ عَنْعَنَتُهُ عَلَى السَّمَاعِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا سَمِعَ.

وَقَدْ وَقَعَ لَهُ نَظِيرُ هَذَا فِي قِصَّةِ مُوسَى، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ فِيهَا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ عَوْفٍ عَنْهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثًا آخَرَ، وَاعْتِمَادُهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ".

قلت: فمن يحتج بثبوت سماع الحسن من أبي هريرة؛ اتكاءً على إخراج البخاري لهذا الحديث؛ لا يكون إلا غالطًا متوهِّمًا.

ومثل هذا: وقع في رواية عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة في قصة الحديبية المشهورة، وقد أخرجها البخاري في مواضع من «صحيحه»، ولم يحتج فيها برواية مروان، لكونه لا صحبة له كما جزم به الحافظ في مواضع من «الفتح» وهو يتكلم على هذا الحديث، وإنما كان عمدة البخاري على طريق المسور، غير أنه حدَّث به كما وقع له.

3- وساق في (بَاب ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ) حديثه عن هُدْبَة بن خَالِدٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ [ح] وقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهِشَامٌ قَالَا: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بنِ صَعْصَعَةَ... وساق حديث الإسراء المشهور.

ثم قال البخاري: "وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ".

قال الحافظ في «الفتح»: "وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: «وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ... إِلَخْ.

يُرِيدُ: أَنَّ هَمَّامًا فَصَّلَ فِي سِيَاقِهِ قِصَّةَ البَيْتِ المَعْمُورِ مِنْ قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، فَرَوَى أَصْلَ الحَدِيثِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَقِصَّةَ البَيْتِ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الحَسَنِ، وَأَمَّا سَعِيدٌ وَهُوَ ابن أَبِي عَرُوبَةَ وَهِشَامٌ وَهُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ فَأَدْرَجَا قِصَّةَ البَيْتِ المَعْمُورِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ هَمَّامٍ وَهِيَ مَوْصُولَةٌ هُنَا عَنْ هُدْبَةَ عَنْهُ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ...".

قلت: فالبخاري لم يجزم بهذا الإدراج في حديث سعيد وهشام عن قتادة، وإنما أشار إليه عقب روايته كما ترى.

4- وساق في (بَاب إِذَا الْتَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا): حديث حَمَّاد بن زيد عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ الحَسَنِ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلَاحِي لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ قِيلَ فَهَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ».

قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: "فَذَكَرْتُ هَذَا الحَدِيثَ لِأَيُّوبَ وَيُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَانِي بِهِ، فَقَالَا: إِنَّمَا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ الحَسَنُ عَنْ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ..".

قال الحافظ في «الفتح»: "قَوْلُهُ: «عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ» هُوَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَكَانَ سَيِّئَ الضَّبْطِ، هَكَذَا جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ الْمُبْهَمُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ...".

ثم قال: "قَوْلُهُ: «قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ» هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: «فَقَالَا إِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَسَنُ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ» يَعْنِي أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ أَخْطَأَ فِي حَذْفِ الْأَحْنَفِ بَيْنَ الْحَسَنِ وَأَبِي بَكْرَةَ...".

وقال الحافظ أيضًا في «مقدمة الفتح»: "حَمَّاد: هُوَ ابن زيد عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ هُوَ عَمْرُو بنُ عبيد رَأس الاعتزال؛ وَإِنَّمَا سَاق الحَدِيث من طَرِيقه ليُبَيِّن غلَطه فِيهِ".

قلت: ثبت بهذا أن البخاري لم يحتج برواية الحسن عن أبي بكرة في هذا الحديث، وأنها ليست على شرطه، وإنما ساق هذا الطريق ليكشف اللثام عن خطأ مَنْ رواه هكذا عن الحسن دون واسطة بينه وبين أبي بكرة.

5- وساق في (بَابُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ) حديثًا من رواية مَالِك عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، ثم قال عقبه: "وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ".

قلت: وهذا الطريق الثاني غير موصول، وقد انتقده الدارقطني على البخاري فقال: "هَذَا مُنْقَطع، وَقد وَصله حَفْص بن غياث عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلمَة، وَوَصله مَالك عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة. كَذَلِك فِي الْمُوَطَّأ".

نقله عنه الحافظ في «مقدمة الفتح» ثم قال: "قلت حَدِيث مَالك عِنْد البُخَارِيّ فِي هَذَا الْمَكَان مقرون بِحَدِيث أبي مَرْوَان... وَإِنَّمَا اعْتمد البُخَارِيّ فِيهِ رِوَايَة مَالك الَّتِي أثبت فِيهَا ذكر زَيْنَب ثمَّ سَاق مَعهَا رِوَايَة هِشَام الَّتِي سَقَطت مِنْهَا حاكيا للْخلاف فِيهِ على عُرْوَة كعادته...".

قلت: فيكون طريق أبي مروان ليس على شرط البخاري؟ وإنما أورده للسبب الذي ذكره الحافظ آنفًا.

6- وساق في (بَاب أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ): حديث عُقَيْلٍ ومعمر كلاهما عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ...» إلخ.

وفيه: «وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ».

وقد بيَّن الحافظ في «الفتح» أن هذا الكلام الأخير كله من بلاغات الزهري، فقال: "ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلَ: «فِيمَا بَلَغَنَا» هُوَ الزُّهْرِيُّ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ فِي جُمْلَةِ مَا وَصَلَ إِلَيْنَا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِه الْقِصَّة وَهُوَ مِنْ بَلَاغَاتِ الزُّهْرِيِّ وَلَيْسَ مَوْصُولًا، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور".

قلت: واحتمال الكرماني الثاني ضعيف عند النظر والتأمل، والصواب أن هذه الألفاظ هي من بلاغات الزهري وليست بقيةَ الخبر الموصول من حديث عائشة، كما بَيَّن ذلك ابن حجر.

فليس هذا على شرْط البخاري وما قصدَه؛ وإنما روى القصة كما وصلتْه ولم يُرِم الاحتجاج بهذا البلاغ، وإنما أورده كما وقع عنده، واحتجاجه إنما هو بأصل الحديث عن عائشة، كما هي كعادته في ذلك.

7- وساق البخاري حديث ابن عيينة، قال: حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَة: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ».

قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ الحسَنُ بْنُ عُمَارَةَ جَاءَنَا بِهَذَا الحَدِيثِ عَنْهُ قَالَ: سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ فَأَتَيْتُهُ. فَقَالَ شَبِيبٌ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ الحَيَّ يُخْبِرُونَهُ عَنْهُ وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

ثم ساق البخاري عقبه من طريق ابن عمر وأنس مرفوعًا: «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ». وساق ثالثًا في نفْس المعنى عن أبي هريرة.

قلت: قد جزم المنذري ومغلطاي وابن القطان وغيرهم بكون حديث شبيب عن أهل الحيِّ عن عروة ليس من شرط البخاري البتة، ولو كان على شرْطه لأخرجه فِي كتاب الْبيُوع وَالْوكَالَة، كَمَا جرتْ عَادَته فِي الحَدِيث الَّذِي يشْتَمل على أَحْكَام أَن يذكرهُ فِي الْأَبْوَاب الَّتِي تصلح لَهُ، وَلم يُخرجهُ إلاَّ هُنَا، وَقد ذكر بعده حَدِيث الْخَيل من رِوَايَة ابْن عمر وَأنس وَأبي هُرَيْرَة، فَدلَّ ذَلِك على أَن مُرَاده حَدِيث الْخَيل فَقَط، إِذْ هُوَ الذي على شَرطه.

فالحاصل: أن حديث شراء الشاتين لم يقصد البخاري الاحتجاج به، وإنّما وقع عرَضًا في سياق روايته لحديث الخيل، والبخاري إنما يروي الحديث كما سمعه ووقع له، وكانت فيه هذه الحكاية، فذكرها. فهي غير مقصودة له.

ويدلّ على ذلك: أنّ البخاري قد وضعه بين أحاديث في فضائل الخيل، ولم يضعه في أبواب البيوع.

·       الغرض من بيان مسلك البخاري في الإعلال في «صحيحه»:

وهناك أمثلة غير التي ذكرناها في هذا المعنى موجودة في «الصحيح»، وقد تنكَّبْنا عن المعلقات من المتون والطرق التي يذكرها البخاري ثم يشير إلى إعلالها بنحو المسلك الماضي دون أن يصرِّح بذلك.

وهذا الباب جدير بالتصنيف، وما وقع عند مسلم أكثر مما وقع عند البخاري.

وإنما كان غرضُنا منه: هو بيان أن البخاري قد يذكر الخبر في «صحيحه» على سبيل الاحتجاج، لكن ربما يقع في سنده أو متنه ما لا يكون على شرْطِه؛ فيُنَبِّه على ذلك بطريقته التي أسلَفْنا نماذج منها على السَّوِيَّة.

وقد ذكرت في أول المبحث كيف خرَّج البخاري هذا الحديث في «صحيحه» أعني: حديث ابن عون عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: «اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا...». وأنه ما ساقه إلا للاستدلال بما في آخره: «هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»، استدل به على التبويب، وهذا القدْر هو الذي توبع عليه ابن عون عن نافع: «حيث يطلع قرن الشيطان».

وهو المراد من تبويب البخاري عليه في الموضِعَيْن اللذَيْن ذكره فيهما.

ولو كان البخاري يقصد تلك الزيادة لذاتها، لعقد لها بابًا في «صحيحه» في فضائل أهل الشام، وفضائل أهل اليمن.

فالحاصل: أن زيادة ابن عون في هذا الحديث لم تكن مقصودة، وإنما ذكرها البخاري كما وقعتْ له، وقد ذكرْنا أجناس هذا التصرُّف في «صحيحه» من قبل.

·       قول ابن عبدالبر في أن هذا الحديث من أعلام النبوة!

قال ابن عبدالبر في «الاستذكار» (8/221) في حديث ابن عون عن نافع: "وفي هذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لإخباره عن الشام، وهي يومئذ دار كفر".

ثم قال في حديث عبدالله بن دينار عن ابن عمر في الفتنة من جهة المشرق (8/519): "إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - إلى ناحية المشرق بالفتنة؛ لأن الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين هي قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهي كانت سبب وقعة الجمل وحروب صفين كانت في ناحية المشرق، ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق، وما وراءها من المشرق".

قلت: قوله - رحمه الله - إنه من أعلام النبوة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نسب الشام إلى المسلمين، فقال: "اللهم بارك لنا في شامنا"! ولكن ليس من هديه صلى الله عليه وسلم في إعلام النبوة أن ينسب الشيء هكذا، ولم يكون السؤال عن نجد؟! سواءاً أكانت نجد من الجزيرة أم العراق؟! ولِم لَمْ يذكرون أرضاً أخرى؟!! هل الذين سألوا من الصحابة كانوا من نجد، أم ماذا؟ وهل يعقل أن تُقصر الفتن فقط في المشرق - بحسب حديث ابن عون-؟!! فوجب أن نحمل ما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم في الفتنة هي فتنة الردة!

وبشارته صلى الله عليه وسلم بفتح الشام عموماً جاء واضحاً في حديث جابر بن سَمُرة وأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

فهذه بشارة بفتح أرض الفرس (العراق وما حولها) وأرض قيصر (الشام وما حولها) وإنفاق كنوزهما في سبيل الله.

فلو أراد النبيّ صلى الله عليه وسلم البشارة بفتح الشام في ذلك الحديث - على فرض صحته-، فلم لم يذكر فتح العراق عندما قالوا له: ونجدنا يا رسول الله؟! مما يدلّ على أنه أراد في هذا الجهة فقط عموماً.

والبشارة بفتح الشام والعراق وغيرهما جاء في أحاديث أخرى صحيحة صريحة دون نسبتها كما جاء في حديث ابن عون.

فقد روى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ أَبِي زُهَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تُفْتَحُ اليَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الشَّأْمُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ العِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ».

واستدل بعض أهل العلم أيضاً بفتح الشام وغيرها بتعيين النبيّ صلى الله عليه وسلم مواقيت الحجّ لهذه البلاد.

فروى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ المَدِينَةِ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّأْمِ مِنَ الجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ اليَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ».

قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (1/279): "دعاؤه صلى الله عليه وسلم للشام يعني لأهلها، كتوقيته لأهل الشام الجُحفة، ولأهل اليمن يَلملم، علماً منه بأن الشام سينتقل إليها الإسلام، وكذلك وقت لأهل نجد قرناً، يعني علماً منه بأن العراق ستكون كذلك، وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم".

وقال (15/141): "كما وقت لأهل الشام الجحفة، والشام كلها يومئذ دار كفر كما كانت العراق يومئذ دار كفر، فوقت المواقيت لأهل النواحي؛ لأنه علم أنه سيفتح الله على أمته الشام والعراق وغيرهما من البلدان، ولم تفتح الشام ولا العراق جميعاً إلا على عهد عمر، وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل السير، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منعت العراق دينارها ودرهمها، ومنعت الشام إردبها ومديها وقفيزها،  بمعنى ستمنع عند أهل العلم، وقال صلى الله عليه وسلم: ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، وقال عليه السلام: زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زُوي لي منها".

وقال النووي في «شرح صحيح مسلم» (8/82): "لا يمتنع أن يخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم به لعلمه بأنه سيفتح ويكون ذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، والإخبار بالمغيبات المستقبلات، كما أنه صلى الله عليه وسلم وَقّت لأهل الشام الجحفة في جميع الأحاديث الصحيحة، ومعلوم أن الشام لم يكن فتح حينئذ، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بفتح الشام واليمن والعراق، وأنهم يأتون إليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه زويت له مشارق الارض ومغاربها، وقال: سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها، وأنهم سيفتحون مصر وهي أرض يذكر فيها القيراط..".

وقال العيني في «عمدة القاري» (2/220) - وذكر حديثاً-: "وأما تعليل الدارقطني للحديث بقوله: إنه لم يكن عراق يومئذ فقد ضعفه العلماء وقالوا: مثل هذا لا يعلل به الحديث، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم عما لم يكن في زمانه مما كان ويكون، وهذا كان من معجزاته صلى الله عليه وسلم مع ما أخبر به أنه سيكون لهم مهل ويسلمون ويحجون فكان ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل الشام الجحفة ولم يكن فتح، وقد أقطع النبي صلى الله عليه وسلم بلد الخليل عليه الصلاة والسلام لتميم الداري وكتب له بذلك ولم يكن الشام إذ ذاك...".

وقال أيضاً (9/142): "وكذلك وقت لأهل الشام ومصر الجحفة، ولم تكونا افتتحتا في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم علم أن سيفتح الله تعالى على أمته الشام ومصر والعراق وغيرها من الأقاليم، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: منعت العراق دينارها ودرهمها، ومنعت الشام إردبَّها بمعنى ستمنع..".

قلت: تعيينه صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت ليس صريحاً في البشارة بفتحها مثل الحديث السابق؛ وذلك أنه كان بعض المسلمين يعيشون حول هذه الأماكن التي ذكرت في الحديث، وكذلك المناطق الأبعد منها التي في جهة الشام وجهة اليمن وغيرهما، فالحديث مقصوده هنا الجهة ولا يلزم منه أهل تلك البلد، ولكن بعد فتحها وأصبح سكانها من المسلمين بقي هذا الميقات لهم أيضاً، والله أعلم.

قال السندي: "قوله: (اللهم بارك لنا في شامنا): كأنه أراد به الناحية الشامية من المدينة... فأهل الشام أسلموا بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

فالجُحفة، بالضم ثم السكون والفاء، كانت قرية كبيرة طريق المدينة من مكة لمن أتى عن طريق البحر، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمروا على المدينة فإن مروا بالمدينة فميقاتهم ذو الحليفة.

وأما حديث فتح مصر الذي أشار إليه النووي وهو في صحيح مسلم، لكنه مرسل ولا يصح كما فصلته في بحثي: «دُررُ السِّمْطِ» في ضَعْف أحاديث «الوِصاية بالقِبط».

·       حديث فرد من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه!

وأما حديث: «منعت العراق...»، فهو من أفراد الإمام مسلم.

أخرجه مسلم في «صحيحه» (4/2220) من حديث زُهَيْر بن معاوية، عن سُهَيْلِ بن أبي صَالِحٍ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنَعَتْ العِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتْ الشام مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، - شَهِدَ على ذلك لَحْمُ أبي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ-».

وهذا الحديث تفرد به سهيل عن أبيه! وقد ذكره ابن عدي في منكراته من ترجمته من «الكامل» (3/448) ثم قال: "وهذا الحديث لا يُعرف إلا بسهيل عن أبيه عن أبي هريرة، ولا أعلم رواه عن سهيل إلا رجلين: زهير بن معاوية هذا الذي ذكرته، وعياش بن عباس القتباني".

وسماع سهيل من أبيه ثابت لا شك فيه، ولكن كان في حفظه شيء أدى إلى عدم ضبطه؛ وذلك أن أخاه مات فحزن عليه، فأصابته آفة بسبب ذلك؛ فخفّ ضبطه، ولهذا تركه البخاري، وروى له الإمام مسلم لأن شرطه أدنى من شرط الإمام البخاري.

وأما ما ادّعي أن مسلماً سبر حديثه، فهل هذا يعني أن الإمام البخاري لم يسبرها! وهو إمام المحدّثين، ولهذا أخرج له في المتابعات والشواهد بخلاف الإمام مسلم الذي أخرج له في الأصول!

فالحديث إذا تفرّد به سهيل ولم توجد قرينة تزيل الشبهة عن عدم ضبطه إياه فلا يُقبل، كما فصلته في مواضع أخرى.

وقد أخرج البخاري معناه تعليقاً دون ذكر البلدان!

أخرجه في «صحيحه» (3/1161) قال: قال أبو مُوسَى - وهو: محمد بن المثنى-: حدثنا هَاشِمُ بن القَاسِمِ - هو: أبو النضر التميميّ- قال: حدثنا إِسْحَاقُ بن سَعِيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: «كَيْفَ أَنْتُمْ إذا لم تَجْتَبُوا دِينَارًا ولا دِرْهَمًا، فَقِيلَ له: وَكَيْفَ تَرَى ذلك كَائِنًا يا أَبَا هُرَيْرَةَ! قال: إِي، وَالَّذِي نَفْسُ أبي هُرَيْرَةَ بيده عن قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ، قالوا: عَمَّ ذَاكَ، قال: تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَشُدُّ الله عز وجل قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَمْنَعُونَ ما في أَيْدِيهِمْ».

قلت: هذا الحديث رواه أحمد في «مسنده» (14/117) (8386) عن أَبي النَّضْرِ، به.

وقد توبع أبو النضر عليه:

رواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (11/507) (6631) عن بِشْر بن الوَلِيدِ.

والبيهقي في «شعب الإيمان» (6/202) (4051) من طريق يَحْيَى بن عَبْدِالحَمِيدِ الحماني.

كلاهما عن إِسْحَاق بن سَعِيدٍ القُرَشِيّ، به.

فالحديث متصل وسنده صحيح، ولا أدري لم علّقه البخاري عن شيخه!!

·       قصة إقطاع النبيّ صلى الله عليه وسلم الخليل لتميم الدّاري منكرة!

وأما ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الخليل لتميم الداري فهو منكر لا يصح!

وقد ذكر ابن عساكر في تاريخه أسانيد هذا الخبر، وهي معلولة، وهناك روايات أخرى في كتب أهل العلم لكنها مرسلة، وهذه الحكاية مشهورة عند أهل العلم، ولم يتكلم عنها أحد من المتقدمين، وما ذكره ابن سعد في طبقاته إنما هو من رواية شيخه الواقدي، وهو كذّاب، وقد اشتهرت عند المتأخرين، وألف بعضهم رسائل في ذلك كالسيوطي وغيره، والوثيقة التي قالوا بأنها بخط عليّ بن أبي طالب عن أهل الخليل ورآها بعض أهل العلم، فإنها غير ثابتة عدا عن الأخطاء النحوية الواضحة فيها!! فكيف يخطئ علي - رضي الله عنه- في النحو، وهو الذي أشار على أبي الأسود الدؤلي أن يضع هذا العلم.

·       متابعات لابن عون عن نافع!

وهناك روايات أخرى عن نافع موافقة لرواية ابن عون، وكذا رُوي هذا الحديث من حديث سالم عن أبيه، وكلّ ذلك لم يصح، وهذا تفصيله:

·       رواية عبدالرحمن بن عطاء عن نافع!

روى الإمام أحمد في «مسنده» (2/90) قال: حدثنا أبو عبدالرحمن، قال: حدثنا سَعِيدٌ، قال: حدثنا عبدالرحمن بن عَطَاءٍ، عن نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «اللهم بَارِكْ لنا في شامنا وَيَمَنِنَا مَرَّتَيْنِ، فقال رَجُلٌ: وفي مَشْرِقِنَا يا رَسُولَ اللَّهِ، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: من هُنَالِكَ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ولها تِسْعَةُ أعشار الشَّرِّ».

وأخرجه البزار في «مسنده» (12/202) (5880) عن بِشْر بن آدم.

والروياني في «مسنده» (2/421) عن أبي إسحاق إبراهيم بن منقذ.

والجوزجاني في «الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير» (1/395) (222) من طريق أَبي الْأَزْهَرِ أَحْمَد بن الْأَزْهَرِ.

ثلاثتهم (بشر، وابن منقذ، وأبو الأزهر) عن عَبداللَّهِ بن يَزِيدَ أَبي عَبْدِالرَّحْمَنِ المُقْرِئ، به.

·       خطأ في مسند الروياني! ووهم للمزي!

ووقع في كتاب الروياني: "عن عثمان بن عطاء"، وهو خطأ!

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (1/135) من طريق الروياني كذلك.

وقال: "كذا قال (عثمان بن عطاء) وإنما هو عبدالرحمن بن عطاء بن كعب، مصري".

وقد اعتمد المزي على هذه الرواية في ذكر سعيد بن أبي أيوب المصريّ من الرواة عن عثمان بن عطاء في ترجمته من «تهذيب الكمال» (19/442)!! وعثمان بن عطاء هو الخراساني (ت155هـ) وهو منكر الحديث.

·       وهم للطبراني!

وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/249) عن أحمد بن طاهر، عن جده حرملة بن يحيى، عن عبدالله بن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب، عن عبدالرحمن بن عطاء، به.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبدالرحمن بن عطاء إلا سعيد بن أبي أيوب! تفرد به ابن وهب".

قلت: لم يتفرد به ابن وهب، بل تابعه عليه: عبدالله بن يزيد المقرئ كما عند أحمد وغيره.

·       من هو عبدالرحمن بن عطاء هذا؟ وهل هناك عبدالرحمن بن عطاء آخر؟

وعبدالرحمن بن عطاء هذا لم يذكره ابن المديني ولا النسائي في أصحاب نافع! ولا يُعرف له عن نافع إلا هذا الحديث!!

وبه ترجم له الأئمة.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/334): "عبدالرحمن بن عطاء، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما-، روى عنه سعيد بن أبي أيوب. وقال عمرو بن الحارث: حدثنا عبدالرحمن بن عطاء بن كعب: سمع عبدالكريم البصري".

في أصل التاريخ: عبدالرحمن بن [أبي] عطاء! وزيادة "أبي" خطأ!

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/268): "عبدالرحمن بن عطاء بن كعب، روى عن نافع وعبدالكريم البصري، روى عنه عمرو بن الحارث وسعيد بن أبي أيوب، سمعت أبي يقول ذلك، وسألته عنه، فقال: شيخ مديني".

وقال ابن حبان في «الثقات» (7/71): "عبدالرحمن بن عطاء بن كعب، مصري، أصله من المدينة، يروي عن نافع، روى عنه عمرو بن الحارث وسعيد بن أبي أيوب، يُعتبر حديثه إذا روى عن غير عبدالكريم بن أمية، مات سنة ثلاث وأربعين ومائة، كنيته أبو محمد".

وقد ذُكر في تهذيب الكمال في أسماء الرّجال وتهذيبه للتمييز بعد أن ذكروا: "عبدالرحمن بن عطاء القرشي مولاهم أبو محمد بن بنت أبي لبيبة الذارع المدني صاحب الشارعة، وهي أرض عند رواقي رومة بطرف المدينة".

قال المزي في «تهذيب الكمال» (17/285): "(تمييز): عَبْدالرَّحْمَن بن عطاء بن كعب، مديني أيضاً. يرَوي عَن: عَبْدالكريم أَبِي أمية البَصْرِيّ، ونافع مولى ابن عُمَر. ويروي عَنه: سَعِيد بن أَبي أيوب، وعَمْرو بن الحارث: المِصْرِيان. ذكره ابن أَبي حاتم فِي كتابه، وَقَال: سَأَلتُ أَبِي عنه، فقال: شيخ مديني. ذكرناه للتمييز بينهما".

·       استدراك لابن حجر، والاستدراك عليه!

قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (6/231) متعقباً كلام المزي: "قلت: لم يفرق بينهما أحد غير ابن أبي حاتم، وأما البخاري والنسائي وابن حبان وابن سعد فلم يذكروا إلا واحداً، وقال ابن يونس في تاريخ مصر: عبدالرحمن بن عطاء بن كعب العامري، روى عنه من أهل مصر: عمرو بن الحارث ويحيى بن أيوب، فقال: توفي بأسوان من صعيد مصر سنة (143هـ)، وهو الذي قال فيه مالك: غرّب نفسه، فذكر وفاته من عند ابن يونس دليل على أنه هو الذي ذكره ابن سعد وغيره، وكذلك ما قدمناه من كلام ابن حبان، والله أعلم".

وقال في «تقريب التهذيب» (ص346): "عبدالرحمن بن عطاء بن كعب المدني، أفرده ابن أبي حاتم وحده، وهو هو عند البخاري، والنسائي، وابن سعد، وغيرهم".

وتبعه السخاوي فقال في «التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة» (2/140): "عبدالرحمن بن عطاء بن كعب: أبو محمد المدني الأصل، المصري، روى عن نافع وعبدالكريم أبي أمية، يروي عنه عمرو بن الحارث وسعيد بن أبي أيوب، يعتبر بحديثه إذا روى عن غير عبدالكريم أبي أمية، قاله ابن حبان في ثالثة ثقاته، وفرق ابن أبي حاتم بينه وبين الذي بعده، وقال: سألت أبي عنه فقال: شيخ، ولم يفرق البخاري والنسائي وابن حبان وابن سعد بينهما، ولم يذكروا إلا واحداً، وقول ابن يونس في تاريخ مصر إنه توفي بأسوان من صعيد مصر سنة ثلاث وأربعين ومائة يوافق قول ابن سعد في وفاته، وقول ابن حبان في كونه مصرياً دليل لكونهما واحداً".

قلت: بل فرّق بينهما البخاري أيضاً، فذكره بعده بقليل.

قال (5/336): "عَبْدالرَّحْمَن بن عطاء، سمع عَبْدالملك بن جَابِر، روى عَنْهُ ابن أَبِي ذئب وحاتم، فيهِ نظر".

وكذلك فرّق بينهما ابن حبان، فإنه قال في ثقاته (7/79): "عَبْدالرَّحْمَنِ بن عَطاء بن أبي لَبِيبَة يروي عَنْ عبدالْملك بن جَابر بن عتِيك، روى عَنهُ ابن أَبِي ذِئْب".

·       وهم لابن حبان!

بل إنه ذكر ثالثاً فرق بينه وبين الذي يروي عن عبدالملك بن جابر!

قال (7/80): "عَبْدالرَّحْمَنِ بن عَطاء، يروي عَنْ مُحَمَّد بن جَابر بن عبداللَّهِ، روى عَنْهُ حَاتِم بن إِسْمَاعِيل".

هكذا فرّق بينهما ابن حبان وهما واحد.

وأما ابن سعد فذكر أنه توفي بالمدينة بخلاف الذي ذكره ابن يونس وأنه توفي بأسوان! وكأن ابن حجر جزم بأنهما واحدا؛ لأن ابن حبان وابن يونس ذكرا وفاة كل واحد منهما في السنة نفسها!

وترجمة ابن سعد للآخر تدلّ على أنه غيره.

قال في «الطبقات الكبرى» (5/422): "عَبْدُالرَّحْمَنِ بن عَطَاءٍ، صَاحِبُ الشَارِعة؛ وَهِيَ أَرْضٌ عِنْدَ زُقاق رُومَةَ بِطَرَفِ المَدِينَةِ. وَكَانَ عَبْدُالرَّحْمَنِ يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ مَوَالِي قُرَيْشٍ. وروى عنه ابنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَدَاوُدُ بنُ قَيْسٍ الْفَرَّاءُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلَالٍ. وَتُوُفِّيَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَطَاءٍ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ. وَكَانَ ثِقَةً، قَلِيلَ الحَدِيثِ".

وهذا يُوحي أنهما اثنان؛ لأن هذا توفي بالمدينة، والآخر في مصر!!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/269): "عبدالرحمن بن عطاء المديني، روى عن عبدالملك بن جابر بن عتيك، ومحمد بن جابر بن عبدالله، روى عنه: ابن أبي ذئب، وسليمان بن بلال، وحاتم بن إسماعيل، وداود بن قيس، سمعت أبي يقول ذلك، وسألته عنه فقال: شيخ. قلت: أدخله البخاري في كتاب الضعفاء فقال: يُحوّل من هناك" انتهى.

قلت: حتى لو فرضنا أنهما واحد، فهذا الأخير قال فيه البخاري: "فيه نظر"، أي هالك، وضعفه أبو حاتم أيضاً، وتوثيق ابن سعد لا يصمد أمام تضعيف هذين الجبلين، وقد نُقل أن النسائي وثقه كذلك، والصواب أنه ضعيف.

وقال الأزدي: "لا يصح حديثه".

وقال ابن وضاح: "كان رفيق مالك في الطلب".

وقال الحاكم أبو أحمد: "ليس بقوي عندهم".

وقال ابن عبدالبر: "ليس عندهم بذاك، وترك مالك الرواية عنه وهو جاره".

ويُحتمل أنهما واحد سمع منه بالمدينة من ذكر من أهل العلم، ثم نزل مصر فسمع منه أهلها، فترجم أهل العلم لهما بحسب كل من روى عنه، ترجموا له في أهل المدينة ومن روى عنه من أهلها، ثم ترجموا له في أهل مصر ومن روى عنه من أهلها، وهو الذي قال فيه الإمام مالك بن أنس: "كان أصحاب ربيعة أربعة: عبدالرحمن بن عطاء أضاع نفسه.."، وفي رواية: "غرّب نفسه.."، وهذا الذي يميل إليه القلب.

فهو مدني نزل مصر، وحدّث بهذا الحديث عن نافع في مصر، ولهذا رواه عنه أهلها، ولم يروه عنه أهل المدينة، وهو ضعيف الحديث، واتفق ابن يونس وابن سعد في ذكر سنة وفاته، إلا أن ابن سعد خالف ابن يونس وقال بأنه توفي في المدينة، والأرجح ما قاله ابن يونس.

ولو صحّ أن عبدالرحمن بن عطاء الذي روى عن نافع وعبدالكريم البصري، ويروي عنه أهل مصر، غير عبدالرحمن بن عطاء المدني، لكان المصري هذا مجهول الحال!!

وعلى كلا الحالين فحديثه ضعيف، ولا يُستشهد به، وفيه ألفاظ منكرة بيّنة، وقول مالك فيه: "غرّب نفسه"، أي أضاع حديثه برحيله، وكأنه يغمزه بهذا ويضعّفه.

·       طريقة المعاصرين في تحسين إسناد حديث ما! واستنكار يعض ألفاظه!!

والعجب من الشيخ شعيب ورفاقه كيف حسّنوا هذا الحديث!!

قالوا أثناء كلامهم على «مسند أحمد» (ط الرسالة: 9/459): "إسناده حسن، عبدالرحمن بن عطاء: هو عبدالرحمن بن عطاء بن كعب العامري المدني... أورده البخاري في التاريخ الكبير: 5/324 فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال ابن أبي حاتم في الجرج والتعديل: 5/268-269: سألت أبي عنه، فقال: شيخ مديني، وذكره ابن حبان في الثقات: 7/71، وقال: مصري أصله من المدينة، يعتبر حديثه إذا روى عن غير عبدالكريم أبي أمية. قلنا: وقد فات الحسيني وابن حجر أن يترجما له مع أنه من شرطهما، وأما ابن حجر فقد توهم في تهذيب التهذيب: 6/231 بأنه هو نفسه عبدالرحمن بن عطاء القرشي مولاهم ابن بنت أبي لبيبة الذارع المدني، الذي خرج له أبو داود والترمذي، وزعم أنه لم يفرق بينهما أحد غير ابن أبي حاتم، وأما البخاري والنسائي وابن حبان وابن سعد، فلم يذكروا إلا واحداً، وهذا تعجُّل منه رحمه الله، فإن البخاري وابن حبان قد ذكرا لهما ترجمتين منفصلتين، وتابعه على وهمه هذا الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث. وباقي رجال الإسناد ثقات من رجال الشيخين... وأخرجه الطبراني في الأوسط (1910) من طريق عبدالله بن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب، بهذا الإسناد. وعنده: "تسعة أعشار الكفر"، بدل: "الشر"، وزاد: "وبه الداء العضال"، وقال: لم يرو هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عطاء إلا سعيد بن أبي أيوب، تفرد به ابن وهب. قلنا: وقوله: "وبها تسعة أعشار الشر"، تفرد به عبدالرحمن بن عطاء، لم يتابعه عليه أحد، وهو منكر" انتهى.

قلت: هذه طريقة سقيمة للتعامل مع الحديث!، فكيف يُحكم على بعض ألفاظه بالنكارة، ثم يُحسن إسناده! ألا تدل هذه النكارة على عدم صحة الإسناد مع قرينة أن راويه أصلاً ليّن الحديث، ولا يعرف في أصحاب نافع، فحديثه عنه منكر.

وقد تتبعت حديث عبدالرحمن بن عطاء القرشي صاحب الشارعة - على قلته - فوجدته كلّه منكر؛ ولهذا أطلق فيه البخاري القول: "فيه نظر"، أي تالف وهالك.

والخلاصة أن هذه المتابعة لا تصلح لتقوية حديث ابن عون عن نافع؛ لما فيها من النكارة، وضعف راويها.

وقد يُرجح بعضهم أن عبدالرحمن بن عطاء المدني غير المصري؛ لأن بعض المصريين نسبوه: "عبدالرحمن بن عطاء بن كعب".

·       رواية ابن لهيعة المصري عن عبدالرحمن بن عطاء عن عبدالكريم بن أبي أمية:

فقد روى أبو عُبيد القاسم بن سلاَّم في كتاب «الأموال» (ص595) عن عثمان بن صالح، قال: حدثني أبو الأسود، عن ابن لهيعة، عن عبدالرحمن بن عطاء بن كعب، عن عبدالكريم البصري: أن رجلاً قال لابن عباس: إني جعلت عشراً من الإبل في سبيل الله، فهل عليّ فيها زكاة، فقال ابن عباس: عضلة أو معضلة يا أبا هريرة، ليست بأدنى من التي في بيت عائشة، فقل، فقال أبو هريرة: أستعين بالله، لا زكاة عليك.

فقال ابن عباس: أصبت، كل ما لا يحمل على ظهره، ولا ينتفع بضرعه، ولا يصاب من نتاجه، فلا زكاة فيه.

فقال عبدالله بن عمرو: أصبتما".

قلت: كذا نسبه ابن لهيعة "عبدالرحمن بن عطاء بن كعب"! وابن لهيعة ضعيف! وهذا حديث مرسل ضعيف!

وعلى هذا الإسناد اعتمد ابن حبان في قوله السابق إنه يُعتبر بحديث عبدالرحمن بن عطاء من غير روايته عن عبدالكريم بن أبي أمية! وهو ابن أبي المخارق، وإما قال ذلك لضعف عبدالكريم! والصحيح أنه لا يُعتبر برواية عبدالرحمن بن عطاء مطلقاً!

فالظاهر أن ابن لهيعة وهم في نسبته! والله أعلم.

·       رواية أبي عُبيد حاجب سليمان بن عبدالملك عن نافع:

ورُوي عن نافع من طريق آخر:

رواه أبو أمية الطرسوسي في «مسند عبدالله بن عمر» (69).

والطبراني في «مسند الشاميين» (2/270) (1319) عن أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ صَدَقَةَ، عن أَبي فَرْوَةَ يَزِيد بن مُحَمَّدِ بنِ يَزِيدَ بنِ سِنَانٍ الرَّهَاوِيّ.

كلاهما (الطرسوسي، وأبو فروة) عن مُحَمَّد بن يَزِيدَ بنِ سِنَانٍ الرَّهَاوِيّ، عن يَزِيد الرّهاوي، قال: حَدَّثَنَا أَبُو رَزِينٍ الفِلَسْطِينِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ - حَاجِبِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِالْمَلِكِ-، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَكَّتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا» ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، العِرَاقُ وَمِصْرُ؟ فَقَالَ: «هُنَاكَ يَنْبُتُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، وَثَمَّ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ».

ورواه الحاكم أبو أحمد عن إبراهيم بن محمد العمري، عن أبي فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان، عن أبيه، عن جده. [تاريخ دمشق لابن عساكر (1/135)].

قلت: وهذا إسناد منكر، مسلسل بالضعفاء!

فمحمد بن يزيد بن سِنان بن يزيد، أبو يزيد التميميّ، مولاهم الجَزَريّ الرُّهاويّ، قال فيه أبو حاتم: "ليس بالمتين، هو أشد غفلة من أبيه مع أنه كان رجلا صالحا، لم يكن من أحلاس الحديث، صدوق وكان يرجع إلى ستر وصلاح، وكان النفيلي يرضاه".

وقال النسائيّ: "ليس بالقويّ".

وقال الدَّارَقُطْنيّ: "ضعيف".

ووالده يزِيد بن سِنَان ليس بشيء!

قال معاوية بن صالح وعباس الدوري، عَن يَحْيى بن معين، قال: "أبو فروة الرهاوي يزيد بن سنان ليس حديثه بشَيْءٍ".

قال أحمد بن حنبل: "أبو فروة يزيد بن سنان ضعيف".

وقَال علي بن المديني: "ضعيف الحديث".

وقَال البُخارِيُّ: "مقارب الحديث إلا أن ابنه محمدا يروي عَنْه مناكير".

وقَال أَبُو حاتم: "محله الصدق، وكان الغالب عَلَيْهِ الغفلة، يكتب حديثه ولا يحتج بِهِ".

وقال أبو زرعة: "ليس بقوي".

وَقَال أَبُو عُبَيد الآجري، عَن أبي دَاوُد: "أَبُو فروة الجزري ليس بشيءٍ، وابنه ليس بشيءٍ".

وقال السعدي: "فيه لين وضعف".

وَقَال النَّسَائي: "ضعيف، متروك الحديث".

وَقَال فِي موضع آخر: "ليس بثقة".

وقال محمد بن عبدالله بن عمار الأزدي: "منكر الحديث".

وقال ابن حبان: "كَانَ مِمَّن يخطىء كثيرا حَتَّى يروي عَن الثِّقَات مَا لا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات، لَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ إِذا وَافق الثِّقَات فَكيف إِذا انْفَرد بالمعضلات".

وقال ابن عدي: "وعَامَّةُ حديثه غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ".

وأبو رَزين الفلسطيني مجهول.

ذكره ابن منده في «فتح الباب في الكنى والألقاب» (2732) قال: "أَبُو رزين: حدث عَن: أبي عبيد حَاجِب بن سُلَيْمَان. روى عَنهُ: سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد".

وذكره ابن عبدالبر في «الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى» (2/1185) (1628) وقال: "أبو رَزِين، المدني، القرشي، الأموي، عن أبى عبيد مولى ابن أزهر، روى عنه يزيد بن سنان".

·       من رُوي عنه عن ابن عمر:

وقد رُوي عن ابن عمر من غير طريق نافع! رُوي عن سالم بن عبدالله، وأنس بن سِيرين، وبشر بن حارث المدني الأزدي، عن ابن عمر.

·       رواية سالم بن عبدالله عن أبيه:

رواهُ زياد بن بَيان، وتوبة العنبري، كلاهما عن سالم، عن أبيه.

أما حديث زياد بن بَيان:

فرواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/245) (4098) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَعِيدٍ قَالَ: حدثنا حَمَّادُ بنُ إِسْمَاعِيلَ ابنِ عُلَيَّةَ قَالَ: حدثنا أَبِي قَالَ: حدثنا زِيَادُ بنُ بَيَانٍ قَالَ: حدثنا سَالِمُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ويَمَنِنَا»، فَقَالَ رَجُلٌ: وَالعِرَاقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي حَرَمِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ويَمَنِنَا» فَقَالَ رَجُلٌ: وَالْعِرَاقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مِنْ ثَمَّ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، وَتَهِيجُ الْفِتَنُ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ زِيَادِ بنِ بَيَانٍ إِلَّا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، تَفَرَّدَ بِهِ عنه: ابْنَهُ حَمَّادٌ"!

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/131) من طريق أبي الطاهر أحمد بن أحمد بن عبدالله الذهلي، عن محمد بن عبدوس بن كامل السراج، عن حماد بن إسماعيل بن علية، به.

ولم يتفرد به حماد عن أبيه كما زعم الطبراني! بل تابعه عليه سُلَيْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ خَالِدٍ الْأَقْطَعُ.

أخرجه أبو بكر ابن المقرئ في «معجمه» (66)، وأبو عليّ القشيري في «تاريخ الرقة» (145) كلاهما عن مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ، قَاضِي طَبَرِيَّةَ، عن سُلَيْمَان بن عُمَرَ بنِ خَالِدٍ الْأَقْطَعُ، عن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيمَ ابن عُلَيَّةَ، به.

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/132)، وابن العديم في «تاريخ حلب» (1/342) من طريق أبي بكر ابن المقرئ.

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/305): "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ".

قلت: تفرد به زِيَادُ بنُ بَيَانٍ الرَّقِّيُّ، وكان عابداً، حديثه قليل جداً، وهو مستور الحال، مشّاه النسائي، وذكره ابن حبان وابن خلفون في كتاب «الثقات»، وخرّج الحاكم حديثه في «المستدرك»، وذكره العقيلي في «جملة الضعفاء»، وكذلك أبو العرب.

وتفرده عن سالم لا يُحتمل! فأين الرواة الثقات من أصحاب سالم عن هذا الحديث كالزهري وغيره. فحديثه عن سالم منكر!

قال مغلطاي في «الإكمال» (5/97): "وقد روى له النسائي في كتاب «الجرح والتعديل» عن سالم عن أبيه يرفعه: «اللهم بارك لنا في مدينتنا» الحديث".

قلت: وله حديث منكر في المهدي، لا يعرف إلا به! استنكره البخاري، وقال: "في إسناده نظر"!

وأما حديث توبة العنبريّ:

فرواه يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (3/75) عن محمد بن عبدالعزيز الرمليّ، وسعيد بن أسد، كلاهما عن ضمرة بن ربيعة، عن عبدالله بن شوذب، عن توبة العنبري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي صاعنا، وفي مدنا، وفي يمننا، وفي شامنا، فقال الرجل، يا رسول الله، وفي عراقنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: بها الزلازل والفتن، ومنها يطلع قرن الشيطان».

كذا رواه ضمرة بن ربيعة الفلسطيني عن عبدالله بن شوذب عن توبة!

وخالفه الوليد بن مزيد البيروتي، فرواه عن ابن شوذب عن مطر الوراق وغيره عن توبة!

أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (2/246) قال: حدثنا عبدالله بن العباس بن الوليد بن مَزيد البيروتي، قال: حدثني أبي، قال: أخبرني أبي، قال: حدثني عبدالله بن شوذب، قال: حدثني عبدالله بن القاسم، ومطر الوراق، وكثير أبو سهل، عن توبة العنبري، به.

قال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: 3/372]: "تفرد به عباس بن الوليد بن مزيد البيروتي، عن أبيه، عن ابن شوذب، عن عبدالله بن القاسم ومطر وكثير أبي سهل عن توبة، ورواه ضمرة عن ابن شوذب عن توبة، لم يذكر بينهما أحد! هكذا رواه عبدالله بن الجهم الأنماطي عن ضمرة".

قلت: وكذا رواه الحسن بن رافع الرملي، وأبو عمير عيسى بن محمد بن النحاس، عن ضمرة.

وهذا الجمع بين هؤلاء الرواة غريبٌ جداً! فكيف يتفرد ابن شوذب بهذا الحديث عن ثلاثة من الرواة عن توبة!! فيُحتمل أن الخطأ فيه من الوليد، فإن له أوهاماً مثل ذلك: فالأوزاعي لم يسمع من خالد بن اللجلاج، إنما روى عن عبدالرحمن بن يزيد عنه، وقد أخطأ الوليد بن مزيد في جمعه بين الأوزاعي وعبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن خالد بن اللجلاج. [تهذيب التهذيب: 6/218].

ويُحتمل أن ضمرة بن حبيب قصّر فيه، فلم يضبطه، فإنه يهم في بعض حديثه.

وقد سئِل الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل» (13/137) فقال: "يرويه زياد بن بيان، وتوبة العنبريّ، عن سالم. حدّث به عبدالله بن شوذب، واختلف عنه: فرواه ضمرة بن ربيعة عن عبدالله بن شوذب [عن توبة] عن سالم عن أبيه.

وخالفه الوليد بن مزيد، فرواه عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق وعبدالله بن القاسم وكثير بن زياد، عن توبة. وقول الوليد بن مزيد أصح".

قلت: فهنا رجّح الدارقطني رواية الوليد، وفي «الأفراد» لم يُرجِّح! بل أشار لتفرد عباس بن الوليد به.

وهذا الترجيح من الدارقطني يؤيد أن الخطأ من ضمرة، ولم يضبط سنده عن ابن شوذب، ويؤيد هذا: أنه ربما شك في سنده أيضًا!

فقد رواه عيسى بن محمد بن النحاس- الثقة الحافظ - عن ضمرة فقال: عن ابن شوذب عن توبة العنبري عن سالم -أراه عن أبيه، به... أخرجه ابن عساكر في «تاريخه». وهذا الشك من ضمرة دليل على عدم ضبْطِه لهذا الخبر عن ابن شوذب.

ومما يؤيد صحة رواية الوليد: أن أبا طاهر المخلص قد أخرج هذا الحديث في الجزء السابع من «الفوائد المنتقاة الغرائب عن الشيوخ العوالي/انتقاء أبي الفتح ابن أبي الفوارس» [رقم/10/مخطوط ظاهرية دمشق]، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخه» [1/130-131].

وأخرجه أيضًا: محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني في جزء فيه: «عدة مجالس من أماليه» [رقم/318/مخطوط ظاهرية دمشق]، ومن طريقه أيضًا ابن عساكر في «تاريخه» [1/131].

كلاهما من طريقين عن العباس بن الوليد بن مزيد العذري، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبدالله بن شوذب قال: حدثني عبدالله بن القاسم، ومطر، وكثير أبو سهل، عن توبة العنبري، عن سالم بن عبدالله، عن أبيه به...

ووقع عندهما في آخره: "قال ابن شوذب: إلا أن كثيرًا لم يذكر مكة، وقال: مكة يمانية، أي قد دخلت في جملة اليمن". لفظ رواية المخلص.

وقول ابن شوذب هذا: فيه دلالة قوية على ضَبْطِه وتثبُّته وحِفْظِه لسند هذا الخبر ومتنه عمن أخذه عنهم، بحيث أنه ضَبَط ما ذكره عبدُالله بنُ القاسم ومطر الوراق مما أغفله كثير أبو سهل ولم يحفظه في روايته.

وفي رواية سعيد بن أسد عن ضمرة ابن شوذب عند (سفيان بن يعقوب في المعرفة والتاريخ): "قال ابن شوذب: ترون أن مكة في هذا الحديث يمانية".

وفي رواية المخلص المتقدمة: "قال ابن شوذب: إلا أن كثيرًا لم يذكر مكة، وقال: مكة يمانية"، قال ابن عساكر: قال ابن صاعد: "وزاده ضمرة عن عبدالله بن شوذب عن توبة لم يذكر بينهما آخر".

قلت: فالزيادة من ابن شوذب في كلا الروايتين.

وعلى كلّ حال، فالحديث مما تفرد به عبدالله بن شوذب سواءً أكان طريق الوليد أصح أم طريق ضمرة! وربما أنه كان يضطرب فيه!!

وقد أورد أبو نُعيم هذا الحديث في غرائب عبدالله بن شوذب من ترجمته في «حلية الأولياء» (6/133) كما هي عادته في كتابه أنه يورد بعض الغرائب التي رواها من يُترجِم له. وقد أورد له عدّة أحاديث ثم قال: "كلّ ما رويناه عن ابن شوذب فمن غرائب حديثه! منها ما تفرد به ضمرة، ومنها ما تفرد به أيوب بن سويد".

وكان أبو نُعيم ساق حديث ضمرة عن ابن شوذب، ثم قال: "ورواه الوليد بن مزيد عن ابن شوذب عن مطر عن توبة"، ثم ساق روايته.

وعبدالله بن شوذب من أهل بلخ، نزل البصرة، ثم انتقل إلى الشام فأقام فيها، وهو لا بأس به، وقد روى عن الحسن البصري، ولم يسمع منه، والحديث معروف عن الحسن البصري مرسلاً، فلعله هو أصل حديثه، وهم فيه، والله أعلم.

وكأن هذا الحديث كان منتشراً في البصرة، وهذا يؤيد أنه أصل حديث ابن عون البصري.

وقد وصف ابن حبان ابن شوذب بالإغراب في الحديث!

قال في «مشاهير علماء الأمصار» (ص181): "عبدالله بن شوذب أبو عبدالرحمن، أصله من البصرة، سكن الشام، مات سنة ست وخمسين ومائة، وكان متيقظاً، يُغرب".

ثمّ إن رواية توبة العنبري البصري عن سالم غريبة جداً! فلا يُعرف أنه روى عنه! وأين أصحاب سالم عن هذا الحديث حتى ينفرد عنه به راوٍ لا يُعرف أنه من أصحابه أو أنه روى عنه!

والأصل أن التابعي إذا كان كثير الحديث وله أصحاب يحملون حديثه، وجاءت رواية عن راو عن هذا المشهور ولا يُعرف أنه روى عنه، فهذا الإسناد لا يُقبل أبداً، فيكون معلولاً، ولا بدّ.

بل أين أصحاب توبة الثقات كشعبة والثوري وغيرهما عن هذا الحديث لو كان عنده!! فقد أغرب به ابن شوذب!

وبالجملة فهذا الحديث لا يصح عن سالم، ولو كان صحيحاً عنه لاحتج به على أهل العراق لما نقدهم كما سبق بيانه.

·       متابعة لنافع - بحسب رواية ابن عون عنه-: حديث بِشر بن حربٍ عن ابن عمر!

روى أحمد في «مسنده» (2/126) قال: حدثنا يُونُسُ، قال: حدثنا حَمَّاد - يعني ابن زيد-، عن بِشْرِ بن حَرْبٍ، قال: سمعت ابن عُمَرَ يقول: سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم بَارِكْ لنا في مَدِينَتِنَا، وفي صَاعِنَا، وَمُدِّنَا، وَيَمَنِنَا، وشامنا، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ فقال: من ههنا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، من ههنا الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ».

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (1/137) من طريق مُسدد بن مُسرهد، وخلف بن هشام، كلاهما عن حماد بن زيد، به.

قلت: كذا رواه بشر بن حرب، وهو متفقٌ على ضعفه.

قال عبّاس الدّوري «تاريخ ابن معين» (رواية الدوري) (4/298): حدثنا يحيى، قال: حدثنا عارم، عن حماد بن زيد، قال: جعلت أُحدِّث أيوب بحديث بشر بن حرب، فقال: "كأني أسمع حديث نافع"، قال يحيى: "كأنه مدحه".

قلت: يعني كأن بشر بن حرب سمع حديث نافع؛ لأن ما حدّث به حماد بن زيد أيوبَ من حديثه إنما يُشبه حديث نافع. فهو هنا على الاحتمال.

ويُفسره ما جاء في «تاريخ ابن أبي خيثمة» قال: قلت ليحيى: كيف حديثه؟ فقال: "لم يزل عندي متروكاً، حتى بلغني عن أيوب قوله: كأنه سمع حديث نافع"! [إكمال تهذيب الكمال: 2/392].

فُيحتمل أنه كان يأخذ حديث نافع عن ابن عمر ويحدّث به عن ابن عمر، أو ما يُنسب لنافع عن ابن عمر، ولهذا نجد له مناكير عن ابن عمر لم يحدّث بها حتى نافع! فربما ذكر نافعاً في حديثه وربما أسقطه!

على أنه جاء في رواية الدوري عن ابن معين: "كأني أسمع" أو "كأنك تسمع"، يعني أن حديثه موافق لحديث نافع، أي عن ابن عمر.

قال يعقوب بن شيبة: حدثني محمد بن إسماعيل، عن أبي داود، قال يحيى بن معين: "بشر بن حرب كان حماد بن زيد يُطريه، وليس هو كذلك إلى الضعف ما هو".

فهو ضعيف عند ابن معين، وكان متروكاً عنده حتى بلغه كلام أيوب فيه، فهو ضعيف يُكتب حديثه، ولا تترك روايته.

وقال الذهبي في «الميزان» (2/25): "وكان حماد بن زيد يمدحه".

وقول الذهبي هذا إنما حكاه عن ابن خراش، وابن خراش إنما أخذه من ابن معين، وإلا فالذهبي قال عنه في «ديوان الضعفاء»: "تابعي لَيِّن".

فكلمة أيوب لا ترفع من شأن بشر بن حرب على التحقيق، وقد حكى ابن معين إطراء حماد ثم ردَّه عليه.

·       فهم فيه نظر للشيخ أحمد شاكر!

والعجب من الشيخ أحمد شاكر كيف صحح حديثه بما نقل حماد عن أيوب! وأنه أراد تشبيهه بنافع!

قال الشيخ أثناء تحقيقه لمسند أحمد وتعليقه عليه: "فرأينا أن حديثه صحيح، لما نقلناه من أن حماد بن زيد سأل أيوب عنه، فقال: "كأنما تسمع حديث نافع، كأنه مدحه". وأيوب من شيوخ حماد بن زيد، ومن طبقة مقاربة لطبقة بشر بن حرب، وحماد إمام جليل ليس بدون شُعبة في الحديث، فتشبيه أيوب بشراً بنافع توثيق قوي، وإقرار حماد إياه، وهو من الرواة عن بشر، يؤكد هذا التوثيق ويرفعه، وهما يتحدثان عن شيخ رأياه وعرفاه وسمعا حديثه. وكفى بهذا حجة".

قلت: قد اتفق النقّاد على ضعّف بشر بن حرب فكيف يكون مثل نافع في القوة، ويتفرد عن ابن عمر بأحاديث لم يروها نافع؟!!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/71): "رأيت علي بن المديني يضعفه، يروي عن ابن عمر، قال عليّ: وكان يحيى لا يروي عنه، وهو بصري".

وقال في «التاريخ الأوسط» (1/312): "ورأيت علياً وسليمان بن حرب يُضعفانه".

وقال في «الضعفاء الصغير» (ص22): "رأيت علي بن المديني يضعفه، يروي عن ابن عمر، يتكلمون فيه".

وقال محمد بن عثمان ابن أبي شيبة في «سُؤالاته» (ص46): سألت علي بن عبدالله عن بشر بن حرب، فقال: "كان ثقة عندنا".

قلت: قد تقدّم أن ابن المديني ضعفه كما نقل البخاري عنه، فيُحتمل أن عثمان وهم في نقله، أو أن ابن المديني كان يرى أنه ثقة، ثم تغيّر اجتهاده فيه، والله أعلم.

وقال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (1/250): سألت أبي عن بشر بن حرب، فقلت: يُعتمد على حديثه، فقال: "ليس هو ممن يُترك حديثه".

وقال أبو بكر المروذي: سألته - يعني أحمد- عن بشر بن حرب، فقال: "نحن صيام" - وضعفه.

وقال ابن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عن بشر بن حرب، فقال: "ضعيف".

وقال ابن معين (رواية ابن محرز) (1/70) وقيل له: بشر بن حرب ضعيف؟ قال: "نعم، نعم".

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي عمرو النَّدبي، فقال: "شيخ ضعيف الحديث، هو وأبو هارون العبدي متقاربان، وبشر بن حرب أحبّ إليّ منه، وأنس بن سيرين أحبّ إليّ من بشر".

قال: سئل أبو زرعة عن بشر بن حرب، فقال: "ضعيف الحديث" [الجرح والتعديل:2/353].

وقال النسائي: "ضعيف".

وقال أبو داود: "ليس بشيء".

وقال السعدي: "لا يُحمد حديثه".

وكانت كُنْيَتُهُ "أَبُو عَمْرٍو النَّدَبِيُّ"، وقَدْ رَوَى عَنْ شُعْبَةَ، وكَانَ يُكَنِّيهِ يَقُولُ: "أَبُو عُمَرَ النَّدَبِيُّ".

قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: "مَا عَلِمَ شُعْبَةُ بِشْرَ بْنَ حَرْبٍ إِنَّمَا كَانَ بِشْرٌ شَيْخًا لَنَا"، فكأن شعبة كان يضعفه ولهذا كان إذا روى عنه كنّاه!

وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/186): "وكان ابن مهدي لا يرضاه لانفراده عن الثقات بما ليس من أحاديثهم".

وقال العجلي في «معرفة الثقات» (ص246): "بشر بن حرب الأزدي ضعيف الحديث، وهو صدوق" - أي صدوق في دينه.

وقال ابن خِراش: "متروك".

وذكره العقيلي في «الضعفاء» (1/138).

وأورد له ابن عدي بعض المناكير في ترجمته من «الكامل» (2/9) ثم قال: "وبشر بن حرب له غير ما ذكرت من الروايات، ولا أعرف في رواياته حديثاً منكراً، وهو عندي لا بأس به".

وقولنا: إن ابن عدي أورد له بعض المناكير لا يتعارض مع قول ابن عدي في آخر ترجمته: "ولا أعرف في رواياته حديثاً منكراً، وهو عندي لا بأس به".

فقد يتسرع بعض القرّاء ويظنون هذا! فأنا لم أقل بأن ابن عدي أنكر عليه جملة من حديثه، وإنما جزَمْتُ بكونه أورد له مناكير، ولا يلزم من هذا أن ابن عدي يراها كذلك.

فهي مناكير عندي لا أرتاب فيها، ولابن عدي رأيه في أفراد هذا الشيخ، فهو إمام مجتهد لا تثريب عليه، وهذا رأيه الخاص، ويقابله تنصيص ابن معين وجماعة من الكبار- وهم أقعد بهذا الفن من ابن عدي بلا ريب- على ضَعْفِ الرجل - أي بشر- جملة واحدة!

وانظر كيف نقل الزيلعي كلام ابن عدي وقال عن حديث ذكره له في ترجمته: "أعله ببشر بن حرب".

قال الزيلعي في «نصب الراية» (2/130): "حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي «الْكَامِلِ» عَنْ بِشْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْقُنُوتَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَبِدْعَةٌ، مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ شَهْرٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِبِشْرِ بْنِ حَرْبٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ. وَابْنِ مَعِينٍ".

وقد تتبعت حديثه عن ابن عمر فوجدت فيه بعض المناكير والتفردات! وهو بحسب ما يرويه صحب ابن عمر وخرج معه للسوق ولا نشكك في سماعه منه، لكنه يبدو أنه لم يكن متقناً في الحديث، ولم يحفظ عن ابن عمر، فكأنه كان يأخذ حديث نافع عن ابن عمر فيحدث عن ابن عمر به مع عدم اتقان له!

وهنا في حديث: «اللهم بَارِكْ لنا في مَدِينَتِنَا، وفي صَاعِنَا، وَمُدِّنَا»! ولا يُحفظ ذلك عن ابن عمر!

على أن قول ابن عدي عنه: (لا بأس به)، فكثيرًا ما يُطْلِق تلك العبارة ولا يريد بها أكثر من أن صاحبها صدوقًا في نفْسِه لا يتعمد الكذب، كما نصَّ عليه المعلمي اليماني في بعض حواشيه على «الفوائد المجموعة».

·       تعقب المعلقين على مسند أحمد! وكذا على صاحبي التحرير!!

والعجب من شعيب ورفاقه يقولون في تعليقهم على «مسند أحمد» (ط الرسالة: 10/244) على حديث له: "حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير بشر- وهو ابن حرب الأزدي فقد روى له النسائي وابن ماجه، وفيه ضعف، لكن يُعتبر به في المتابعات والشواهد".

قلت: قولهم "فيه ضعف" يوهم أنه يمكن تمشية حديثه وليس كذلك، وإنما هو أقرب إلى الترك، وحديثه ليس بشيء، فكيف يعتبر بالمتابعات والشواهد!

بل الأعجب أن ابن حجر لما قال عنه في «التقريب»: (صدوق فيه لين)، تعقّبه شعيب الأرنؤوط وصاحبه بشار في «تحرير التقريب» (1/171) فقالا: "بل: ضعيفٌ، ضعَّفه علي ابن المديني، ويحيى بن معين، ومحمد بن سعد، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، والنسائي، وسليمان بن حرب. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال ابن خراش: متروكٌ. وذكره ابن حبان في المجروحين، وقال: روى عنه الحمادان، وتركه يحيى القطان، وكان ابن مهدي لا يرضاه"!

قلت: الظاهر أنهما لم يفهما مصطلحات الحافظ ابن حجر ولهذا يستدركون عليه في كثير من التراجم، فهذه العبارة (صدوق فيه لين)، يقولها ابن حجر كثيرًا فيمن هم إلى الضعف أقرب منهم إلى غيره!

وعليه فلا يصح قول الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/137): "وثقه أيوب وابن عدي"! فأيوب وابن عدي لم يوثقاه!

وقال في موضع آخر (4/116): "وفيه توثيق لين"!

قلت: لا أدري كيف يكون التوثيق ليناً!

ولا يصح قول العيني في «عمدة القاري» (7/23): "وثقه أيوب ومشّاه ابن عدي"!

·       أحاديث بشر بن حرب عن ابن عمر لا تُشبه حديث ابن عمر!

وقد روى بشر بن حرب عن ابن عمر أحاديث منكرة!

قال أبو عبدالله المقدمي: قال أبي: قال علي بن المديني: "أحاديثه عن ابن عمر مناكير، لا تُشبه حديث ابن عمر".

وهذا الحديث من مناكيره عن ابن عمر. وقد رُوي أيضاً عنه كذلك كما هو المحفوظ عن ابن عمر.

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» برقم (14067) قال: حدثنا عليُّ بن عبدالعزيز، قال: حدثنا عارِمٌ، قال: حدثنا حمَّاد بن زيد، عن بِشْر بن حرب، عن ابن عمر، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عند حُجْرَة عائشة: «مِنْ هُنَا الفِتْنَةُ» - وأشارَ بيده نحو المَشْرِق - و«مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

فهذا الحديث بهذا اللفظ محفوظ عن نافع عن ابن عمر، وهذا يفسر لنا قول أيوب عن حديث بشر: "كأني أسمع حديث نافع"، فكأنه كان يأخذ حديث نافع ويحدّث به عن ابن عمر، ويُحتمل أنه سمعه من ابن عمر، فيكون قد تابع نافعاً عليه، والله أعلم.

وبشر بن حرب (بصري) وراوي الحديث عن نافع (عبدالله بن عون) بصري، فيُحتمل أن أصل حديث ابن عون هو حديث بشر هذا! فالحديث لا يرويه عن ابن عمر أصحابه المدنيون، ولا يُعرف عن ابن عمر إلا من طريق بشر البصري، ولا عن نافع إلا من طريق ابن عون البصري، وأصله عند الحسن البصري. والله أعلم.

·       متابعة أخرى لنافع - بحسب رواية ابن عون عنه-: حديث أنس بن سيرين عن ابن عمر:

وروى الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/252) قال: حدثنا محمد بن أبان، قال: حدثنا محمد بن عباد بن آدم، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَنَسِ بنِ سِيرِينَ، عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ويَمَنِنَا»، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْمَشْرِقَ، فَقَالَ: «مِنْ هَاهُنَا يَخْرُجُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ وَالزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَمِنْ هَاهُنَا الْفَدَّادُونَ».

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيث عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ إِلَّا عَبَّادُ بنُ آدَمَ، تَفَرَّدَ بِهِ ابنُهُ".

قلت: محمد بن عبّاد بن آدم ضعيف، وله غرائب يتفرد بها! وتفرداته لا تُقبل.

قال ابن حبان في «الثقات» (9/114): "محمد بن عباد بن آدم من أهل البصرة... يُغرِب".

قال ابن حجر في «التقريب»: "محمد بن عبّاد بن آدم الهُذَلي، البصري: مقبولٌ" = يعني إذا تُوبع! ولم يُتابع، فهو ليّن الحديث.

وقد تعقّب صاحبا «التحرير» (3/262) ابن حجر! فقالا: "• صدوقٌ حسن الحديث، فقد روى عنه جمع من الثقات، منهم: النسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يُغرب".

قلت: بل هو ضعيف، وحديثه قليل، وهو من أقران البخاري، وربما بقي إلى بعد سنة (250هـ)! ورواية الجمع عنه لا يعني توثيقه! ونص ابن حبان على أنه "يغرب" على قلة حديثه يدلّ على ضعفه!

وعبّاد بن آدم والد محمد مجهول الحال! تفرد بالرواية عنه ابنه محمد!

قال الذهبي في «الميزان» (2/365): "عباد بن آدم الهذلي: عن شبعة. ما روى عنه سوى ولده محمد. لا يُدرى حاله".

وقال في «ديوان الضعفاء» (2068): "عباد بن آدم الهذلي: شيخ مجهول، كان بعد المائتين".

وقال ابن حجر في «التقريب»: "عَبَّادُ بن آدمَ الهُذَلي، البصري: مجهولٌ".

فهذه الرواية منكرة! وهي بصرية أيضاً، وهذا يؤكد لنا انتشار هذا الحديث في البصرة، وأصله من عندهم!

والخلاصة أن هذا الحديث بهذا اللفظ لم يصح عن ابن عمر، والمتابعات التي رُويت لحديث نافع كما رواه أزهر معلولة، والله أعلم.

·       شواهد الحديث:

وللحديث بعض الشواهد من حديث معاذ بن جبل، وابن عباس!

·       حديث معاذ بن جبل:

أما حديث معاذ:

فرواه الخطيب البغدادي في «تاريخه» (1/321) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَنْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَلِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، عَنِ ابْن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مَعْنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا وَفِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا وَفِي حِجَازِنَا. قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي عِرَاقِنَا، فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي عِرَاقِنَا، فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي عِرَاقِنَا، فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَبْكِي، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمِنَ الْعِرَاقِ أَنْتَ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ هَمَّ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ لا تَفْعَلْ، فَإِنِّي جَعَلْتُ خَزَائِنَ عِلْمِي فِيهِمْ، وَأَسْكَنْتُ الرَّحْمَةَ قُلُوبَهُمْ».

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (1/137) من طريق الخطيب.

قلت: هذا حديث باطل سنداً ومتناً! والحمل فيه على محمد بن أحمد الحليمي!

قال ابن ماكولا في «الإكمال» (3/80): "أبو عمر محمد بن أحمد الحليمي، من ولد حليمة ظئر النبي صلى الله عليه وسلم، كان بالأنبار، روى عن آدم بن أبي إياس أربعة أحاديث منكرة".

وقال الذهبي في «الميزان» (6/53): "محمد بن أحمد الحليمي من ولد حليمة السعدية، روى عن آدم بن أبي إياس أحاديث منكرة، بل باطلة. قال أبو نصر بن ماكولا: الحمل عليه فيها".

ومنها ما رواه عن آدم، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن معن بن الوليد، عن خالد بن معدان، عن معاذ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة نصب لإبراهيم ولي منبران أمام العرش، ونصب لأبي بكر كرسي فيجلس عليه، فينادي مناد: يا لك من صديق بين خليل وحبيب».

·       حديث ابن عبّاس:

وأما حديث ابن عباس:

فرواه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/84) (12553) قال: حدثنا محمد بن عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، قال: حدثنا أبو الدَّرْدَاءِ عبدالعَزِيزِ بن المُنِيبِ، قال: حدثنا إِسْحَاقُ بن عبداللَّهِ بن كَيْسَانَ، عن أبيه، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال: دَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا في صَاعِنَا، وَمُدِّنَا، وَبَارِكْ لنا في مَكَّتِنَا وَمَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لنا في شَامِنَا وَيَمَنِنَا، فقال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ يا نَبِيَّ اللَّهِ، وَعِرَاقِنَا، فقال: إِنَّ بها قَرْنَ الشَّيْطَانِ، وتهيج الْفِتَنِ وَإِنَّ الْجَفَاءَ بِالْمَشْرِقِ».

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (1/138) من طريق الطبراني.

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/305): "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ".

قلت: بل بعض رجاله ضعفاء!

لم يروه عن سعيد بن جبير إلا عبدالله بن كيسان، ولا عنه إلا ابنه إسحاق! تفرد به أبو الدَّرْدَاءِ عبدالعَزِيزِ بن المُنِيبِ، وهو صدوق، وعبدالله وابنه ضعيفان! حديثهما منكر!

قال البُخارِيّ: "عَبدالله بن كيسان أبو مجاهد المروزي، سمع منه عيسى بن يُونُس: منكر الحديث".

وقال العقيلي: "عَبْدُاللَّهِ بنُ كَيْسَانَ المَرْوَزِيُّ فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ كَثِيرٌ".

وقال النسائي: "عبدالله بن كيسَان أَبُو مُجَاهِد مروزي: لَيْسَ بِالقَوِيّ".

وقال الدارقطني في «العلل» (12/384): "عبدالله بن كيسان لم يكن بالقوي".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/33) قال: "عَبْداللَّهِ بْن كيسَان المروزِي: كنيته أَبُو مُجَاهِد، يروي عَنْ عِكْرِمَة والحسن وَابْن سِيرِين وثابت. روى عَنْهُ: الْفضل بْن مُوسَى وَابْنه إِسْحَاق بْن عَبْدالله بْن كيسَان. يُتّقى حَدِيثه من رِوَايَة ابْنه عَنْهُ".

وأعاده مرة ثانية بعد صفحات (7/52) وقال: "عَبْداللَّهِ بْن كيسَان من أهل مرو، يروي عَن ثَابت. روى عَنْهُ ابْنه إِسْحَاق بْن عَبْداللَّهِ بْن كيسَان: يُخطىء".

وابنه إسحاق منكر الحديث!

قال البخاري: "إِسحاق: مُنكَر، لَيْسَ من أهل الحديث".

وقال أبو حاتم: "واسحاق ابن لعبدالله ابن كيسان: هو ضعيف الحديث".

وقالَ أبو أحْمَد الحَاكِم: "مُنكر الحَدِيث".

والخلاصة أن حديث الدعاء بالبركة للشام واليمن لم يصح من أيّ طريق، وأصله من حديث أهل البصرة، وكلّ طرقه معلولة، وشواهده باطلة، والله تعالى أعلم.

·       كلام أهل العلم حول هذا الحديث!

اختلف أهل العلم في تفسير قوله «نجدنا» الوارد في هذا الحديث الذي رواه ابن عون عن نافع. فمنهم من حمله على نجد المعروفة، ومنهم من قال بأن المقصود هو بلاد العراق.

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (13/47): "وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان ذلك سبباً للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة.

وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد: ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور؛ فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة. انتهى.

وعرف بهذا وهاء ما قاله الداودي أن نجداً من ناحية العراق، فإنه توهم أن نجداً موضع مخصوص، وليس كذلك بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجداً والمنخفض غوراً".

وفي «القاموس المحيط» (ص: 321): "النَّجْدُ: ما أشْرَفَ من الأرضِ... وما خَالَفَ الغَوْرَ، أي: تِهامَةَ، وتُضَمُّ جِيمُهُ مُذَكَّرٌ، أعْلاهُ تِهامَةُ واليَمنُ، وأسْفَلُهُ العِراقُ والشامُ، وأوَّلُهُ من جِهَةِ الحِجاز ذاتُ عِرْق".

وفي «تاج العروس» (9/202): "والنَّجْدُ: مَا خَالَف الغَوْرَ، أَي تِهَامَةَ. ونَجْدٌ من بِلَاد العربِ مَا كَانَ فَوق العالِيَةِ، والعالِيَةُ مَا كَانَ فَوق نَجْدٍ إِلى أَرض تِهَامَةَ إِلى مَا وَرَاءَ مَكَّةَ فَمَا دُونَ ذَلِك إِلى أَرْضِ العِرَاقِ فَهُوَ نَجْدٌ".

قلت: النبيّ صلى الله عليه وسلم يخاطب أصحابه بما هو معروف عندهم، فقوله: "وشامنا" شيء معروف لديهم، ولما قالوا: "ونجدنا" لا شك أنه مكان معروف عندهم، وقد جاء في الصحيح: "بَعَثَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ من بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ له ثُمَامَةُ بن أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ".

وجاء أيضاً: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً فيها عبداللَّهِ بن عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَتْ سِهَامُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أو أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا".

فلو صحّ الحديث كان ينبغي حمله على هذا المعروف.

ولكن الذي صحّ هو أنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جهة المشرق وقال بأنها منبع الفتن من حيث يطلع قرن الشيطان.

وهنا النبيّ صلى الله عليه وسلم يتحدث عن جهة لا عن مكان معين، فكلّ ما في جهة المشرق من جهة المدينة يكون فيها الفتن، من نجد المعروفة وهي اليمامة، مروراً بما يوازيها، وكذلك العراق، وجهات إيران الآن، وكل ما في تلك الجهة.

وكانت أول حادثة في هذه الأمة من اليمامة، وهي مشرق المدينة، وقد خرج منها مُسيلمة، ومنها خرجت جيوش الردة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عمر ابن عبدالبر: "إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - إلى ناحية المشرق بالفتنة؛ لأن الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين هي قتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وهي كانت سبب وقعة الجمل، وحروب صفين كانت في ناحية المشرق، ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق".

والدجال سيخرج من تلك الناحية، وكذلك يأجوج ومأجوج، فنجد وبلاد مضر وربيعة وفارس وما وراءها كله مشرق من المدينة والشرق والمشرق سواء.

وكون خروج الفتن من تلك الناحية، أي جهة المشرق، لا يعني أنه ليس فيها أي خير، فقد خرج خير كثير من نجد كالدعوة النجدية = دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأولاده وتلاميذه، ومن تبعهم، وكذلك أرض العراق كانت منبع العلماء، وبلاد ما وراء النهر، فكما أن الفتن تخرج من تلك الناحية وهي فتن شديدة، إلا أن الخير أيضاً موجود فيها، ولله الحمد والمنة، ولهذا تكلم صلى الله عليه وسلم على الجهة لا على الأرض والنّاس، فليست كلّ أرض المشرق فيها ذلك، والله أعلم.

·       الخلاصة والفوائد:

لقد خلصت في هذا البحث إلى جملة من النتائج والفوائد، ومن أهمها:

1- حديث: «اللهم بَارِكْ لنا في شَامِنَا، وفي يَمَنِنا، قال: قالوا، وفي نَجْدِنَا، قال: قال: اللهم بَارِكْ لنا في شَامِنَا وفي يَمَنِنَا، قال: قالوا، وفي نَجْدِنَا، قال: قال: هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»...

خرّجه البخاري في «صحيحه» في موضعين: أحدهما موقوف، والآخر مرفوع!

وصححه الترمذي وابن حبان والذهبي وغيرهم.

2- الحديث رواه حسين بن الحسن صاحب ابن عون عنه عن نافع عن ابن عمر موقوفاً.

ورواه أزهر السمّان عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً.

والمعوّل على الرواية المرفوعة.

وقد جزم أبو الحسن القابسي بسقوط ذِكْر النبي - صلى الله عليه وسلم- من نسخة: «الصحيح» وقال: "ولا بدّ منه".

وهو كذلك في رواية أبي زيد الفقيه عن الفربري عن البخاري مرفوعاً غير موقوف.

3- عبيدالله بن عبدالله بن عون رجلٌ صالح الحديث، وحديثه ليس بالكثير، والغريب أنه ليس بمكثر من الحديث عن أبيه!

4- هذا الحديث بهذا اللفظ لم يأت به إلا ابن عون عن نافع! والمعروف عن نافع بغير هذا اللفظ بجزء منه فقط.

رواه جماعة كبيرة عن نَافِع، عَنِ ابن عُمَرَ، قال: رأيت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ إلى المَشْرِقِ وَيَقُولُ: «ها إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا من حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

ورواه عن ابن عمر كذلك: ابنه سالم، وعبدالله بن دينار.

5- عبيدالله بن عمر من الطبقة الأولى من أصحاب نافع كما اتفق على ذلك الإمامان: ابن المديني والنسائي، وابن عون في الطبقة الثانية باتفاق ابن المديني والنسائي، ووافق عبيدالله عليه اثنان من الثقات: الليث بن سعد، وجويرية بن أسماء.

6- يختلف العلماء عادة في تقديم وتأخير بعض الأسماء في أصحاب الراوي، وهذا لا يعني أننا نرجّح ترتيباً على آخر دائماً، وأفضل من جوَّد ترتيب أصحاب نافع ومنازلهم هو ابن المديني؛ ولذلك قدَّم ابنُ رجب كلامَه على غيره في أول كلامه على أصحاب نافع في «شرح علل الترمذي»، هذا مع ما عليه ابن المديني من المعرفة الواسعة بالعلل والرجال.

7- أقوال أهل النقد متفقة على تقديم عبيدالله بن عمر على أقرانه من الطبقة الأولى من أصحاب نافع، وأصحاب نافع الذين أكثروا عنه هم أصحاب الطبقات الأولى: عبيدالله، ومالك، وأيوب، وغيرهم، والحديث الذي تفرد به ابن عون - وهو في الطبقة الثانية من أصحابه - عنه لم نجده عند أصحابه، فكيف يتفرد به دونهم؟!

8- أرى أن الذي حصل لابن عون أنه دخل له متنٌ في آخر للتشابه بينهما، وهذا يحصل لبعض الرواة! فالحديث معروفٌ بالإرسال عند البصريين، رواه الحسن البصري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، مرسلاً. والحسن من شيوخ عبدالله بن عون البصري، فكأنه سمعه منه، ولما حدّث به اشتبه عليه ما في متنه من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من حيث يطلع قرن الشيطان».

9- عبدالله بن عون بصري، وعادة الغرباء أنه قد يقع لهم الوهم في غير شيوخ بلدهم، ونافع مدني، وهنا يقدّم أصحابه المدنيون الثقات على غيرهم من تلاميذه الغرباء كابن عون.

10- حديث الحسن المرسل لا يختلف عن حديث ابن عون المعروف إلا في لفظ: "مدينتنا" وفي حديث ابن عون: "يمننا"، وفي المرسل: "والعراق"، وفي حديث ابن عون: "نجدنا"، وهذا قريب لا اختلاف فيه، ولهذا رأى بعض أهل العلم أن المقصود بنجد في حديث ابن عون هو العراق.

وقد يكون لفظ: "مدينتنا" تحرف إلى "يمننا"!

وعادة إذا كان الحديث مرسلاً فإن أهل العلم لا يضبطونه، فيقع تحريف أو سقط أو زيادة فيه.

11- إتقان ابن عون في الحديث عموماً وتثبته لا يعني عدم وقوعه في الوهم أحياناً! فلا أحد ينجو من الخطأ في الحديث!

12- قبول كل زيادة ليس هو واقع عمل المحدّثين أبداً، بل هم على قبول الزيادة بقرائن، وإلا ردوها، فالأصل فيها الرد، ما لم تأت قرينة تدل على قبولها.

13- دعوى اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات قد أكثر المتأخرون من التذرُّع بها في الاعتراض على من ردّ زيادة بعض الثقات بكونها غير منافية، فلا وجه لردها! ثم يرددون العبارة المشهورة، من كون زيادة الثقة مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق! وهذا المنهج ينفرد به متأخرو الزمان وحدهم! ولا يعرفه الأئمة المتقدمون ألبتة، وكلامهم وتصرفاتهم تدل على عدم اعتبار ذلك، وأنهم قد يردون زيادة الثقة ويجزمون بذلك دون أن تكون بينها وبين غيرها أدنى وجهٍ من المنافاة، والأمثلة على ذلك كثيرة في كلامهم.

14- تخريج البخاري لهذا الحديث في صحيحه فيه إشارة إلى أنه لا يحتج به؛ وإنما يحتج بما جاء فيه على ما يؤيد تبويبه؛ ولهذا ساقه في المتابعات لا في الأصول، وما ساقه إلا للاستدلال بما في آخره: «هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»، استدل به على التبويب: "باب ما قِيلَ في الزَّلَازِلِ وَالْآيَاتِ"، وفي الموضع الثاني في أنّ الفتنة في جهة المشرق: "باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الفِتْنَةُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ»". ولو كان البخاري يقصد تلك الزيادة لذاتها، لعقد لها بابًا في «صحيحه» في فضائل أهل الشام، وفضائل أهل اليمن.

15- الفتنة التي قصدها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان»: هي ما حصل بعد وفاته من الردّة التي جاءت من جهة اليمامة.

16- الخبر الذي ورد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الخليل لتميم الداري خبر منكر لا يصح! وقد ذكر ابن عساكر في تاريخه أسانيد هذا الخبر، وهي معلولة، وهناك روايات أخرى في كتب أهل العلم لكنها مرسلة، وهذه الحكاية مشهورة عند أهل العلم، ولم يتكلم عنها أحد من المتقدمين، وما ذكره ابن سعد في طبقاته إنما هو من رواية شيخه الواقدي، وهو متّهم في روايته، وقد اشتهرت عند المتأخرين، وألف بعضهم رسائل في ذلك كالسيوطي وغيره، والوثيقة التي قالوا بأنها بخط عليّ بن أبي طالب عن أهل الخليل ورآها بعض أهل العلم، فإنها غير ثابتة عدا عن الأخطاء النحوية الواضحة فيها!! فكيف يخطئ علي - رضي الله عنه- في النحو، وهو الذي أشار على أبي الأسود الدؤلي أن يضع هذا العلم.

17- عبدالرحمن بن عطاء راوي هذا الحديث عن نافع اختلف فيه! فقيل هو مدني، وقيل: مصري، وقيل هما واحد، وقيل اثنان! والراجح عندي أنهما واحد، وهو مدني نزل مصر، وبها مات، وحديثه قليل منكر! ولا يصلح حديثه في المتابعات إذ لا يُعرف أنه من أصحاب نافع!

18- روى الحديث مُحَمَّد بن يَزِيدَ بنِ سِنَانٍ الرَّهَاوِيّ، عن أبيه يَزِيد الرّهاوي، عن أَبي رَزِينٍ الفِلَسْطِينِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ - حَاجِبِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِالْمَلِكِ-، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وهذا إسناد منكر! وفي متنه بعض الألفاظ المنكرة كذكر: "مصر" فيه!

19- روى زِيَادُ بنُ بَيَانٍ الرقيّ الحديث عن سَالِم بن عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ! ورواية زياد عن سالم منكرة!

20- روى عبدالله بن شوذب هذا الحديث عن توبة العنبري، عن سالم بن عبدالله، عن أبيه! وقد اختلف فيه على ابن شوذب: فرواه ضمرة بن ربيعة عنه عن توبة العنبري، عن سالم، عن أبيه. وخالفه الوليد بن مزيد، فرواه عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق وعبدالله بن القاسم وكثير بن زياد، عن توبة، عن سالم، عن أبيه! وقد اضطرب فيه عبدالله بن شوذب وأغرب! ولا تُعرف رواية لتوبة العنبري عن سالم، وهي منكرة!

21- روى الحديث بِشْر بن حَرْبٍ البصري، عن ابن عُمَرَ مرفوعاً! وبشر متفق على ضعفه، وكان يروي عن ابن عمر المناكير! وقد تَرَكَهُ يَحْيَى القَطَّانُ، وكانَ ابنُ المَدِينِيِّ لا يَرْضَاهُ؛ لِانْفِرَادِهِ عَنِ الثِّقَاتِ بمَا لَيْسَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ!

22- رُوي الحديث عن أَنَسِ بنِ سِيرِينَ، عَنِ ابنِ عُمَرَ! وهي رواية منكرة! تفرد بها محمد بن عباد بن آدم، عن أبيه، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ أنس! ومحمد بن عباد ضعيف لا يُحتمل تفرده! ووالده مجهول الحال!

23- للحديث شواهد مروية عن معاذ بن جبل وعبدالله بن عباس، وأسانيدها منكرة!

24- صحّ أنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جهة المشرق وقال بأنها منبع الفتن من حيث يطلع قرن الشيطان، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يتحدث عن جهة لا عن مكان معين، فكلّ ما في جهة المشرق من جهة المدينة يكون فيها الفتن، من نجد المعروفة وهي اليمامة، مروراً بما يوازيها، وكذلك العراق، وجهات إيران الآن، وكل ما في تلك الجهة، وكانت أول حادثة في هذه الأمة من اليمامة، وهي مشرق المدينة، ومنها خرج مُسيلمة، ومنها خرجت جيوش الردة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

25- قد يذكر البخاري الخبر في «صحيحه» على سبيل الاحتجاج، لكن ربما يقع في سنده أو متنه ما لا يكون على شرْطِه؛ فيُنَبِّه على ذلك بطريقة ذكية.

26- الخلاصة أن حديث الدعاء بالبركة لليمن والشام لم يصح من أيّ طريق، وأصله من حديث أهل البصرة، وكلّ طرقه معلولة، وشواهده باطلة، والله تعالى أعلم.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: أبو صهيب خالد الحايك.

في شهر رجب لسنة 1433 للهجرة النبوية.

وكانت مراجعته وتنقيح بعض ما فيه في العشر الأواخر من رمضان لسنة 1440 للهجرة النبوية.

 

شاركنا تعليقك