الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

حديث ضعيف يستدلون به على عدم كُفر تارك الصلاة! «الرجل الذي جُلد في قبره...»!

حديث ضعيف يستدلون به على عدم كُفر تارك الصلاة! «الرجل الذي جُلد في قبره...»!

·       تخريج الحديث:

أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3185) قال: حَدَّثَنَا فَهْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، قالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ الوَاسِطِيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ أَنْ يُضْرَبَ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً، فَجُلِدَ جَلْدَةً وَاحِدَةً، فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا، فَلَمَّا ارْتَفَعَ عَنْهُ قَالَ: عَلَامَ جَلَدْتُمُونِي؟، قَالُوا: إِنَّكَ صَلَّيْتَ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَمَرَرْتَ عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ».

·       تنبيه على تحريف في إسناد المطبوع!!

وقع في المطبوع: "جعفر بن سليمان" وهو خطأ! والصواب: "حفص بن سليمان".

وأخرجه ابن سمعون الواعظ في «أماليه» (212) من طريق مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيلَ، عن عَمْرو بن عَوْنٍ الوَاسِطِيّ، به.

وأخرجه الشجري في «أماليه» [بترتيب القاضي العبشمي] (2290) من طريق أَبي عُمَرَ الضَّرِير، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيِّ، - قَالَ حَمَّادٌ: أَحْسَبُهُ عَنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى فِي قَبْرِهِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّا جَالِدُوكَ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاقِصُهُمْ، وَيُنَاقِصُونَهُ حَتَّى قَالُوا: إِنَّا جَالِدُوكَ جَلْدَةً وَاحِدَةً، قَالَ: أَخْبُرونِي لِمَ تَجْلِدُونِي؟ قَالُوا: نَجْلِدُكَ، ثُمَّ نُخْبِرُكَ، قَالَ: فَجَلَدُوهُ جَلْدَةً وَاحِدَةً، قَالَ: فَاضْطَرَمَ عَلَيْهِا فِيهَا قَبْرُهُ نَارًا، فَلَمَّا سَرَى عَنْهُ، قَالَ: أَخْبِرُونِي لِمَ جَلَدْتُمُونِي؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ صَلَاةَ كَذَا وَكَذَا بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَمَرَرْتَ بِأَخِيكَ وَهُوَ يُظْلَمُ فَلَمْ تَنْصُرْهُ».

·       الحكم على الحديث:

قلت:

عاصم بن أبي النجود مضطرب الحديث سيء الحفظ!

فرواه حفص بن سليمان عنه عن شقيق بن سلمة أبي وائل عن ابن مسعود مرفوعاً!

ورواه حماد بن سلمة عنه عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل، مرسلاً.

والصواب رواية حماد بن سلمة عنه، وحفص بن سليمان الأسدي القارئ المشهور متروك الحديث.

وقد تُوبع عاصم بن أبي النجود في روايته عن أبي إسحاق.

تابعه شَريك بن عبدالله القاضي الكوفي المشهور.

أخرجه أبو بكر الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (934) عن إِبْرَاهِيم الحَرْبِيّ، عن يَحْيَى، عن شُرَيْك، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قالَ: «أتى رَجُلٌ فِي قَبْرِهِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّا ضَارِبُوكَ مِئَةَ ضَرْبَةٍ. فَقَالَ: لَا طَاقَةَ لِي بِمِئَةِ ضَرْبَةٍ مِنْ عَذَابِ اللهِ. فَقِيلَ لَهُ: فَخَمْسِينَ ضَرْبَةً! فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ؛ حَتَّى قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ ضَارِبِيَّ؛ فضربة واحد. فَضُرِبَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً الْتَهَبَ قَبْرُهُ نَارًا، فَلَمَّا احْتَرَقَ؛ قِيلَ لَهُ: تَدْرِي فِيمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا. قِيلَ لَهُ: مَرَرْتَ بِمَظْلُومٍ فِي الدُّنْيَا فَلَمْ تَنْصُرْهُ، وَصَلَّيْتَ صَلَاةً وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَأَنْتَ تَعْلَمُ».

وأبو ميسرة هو عَمْرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي.

وشريك ضعيف، لكن روايته هذه تصلح في المتابعات مع رواية عاصم لأنها ليست مرفوعة، فهي رواية مرسلة.

فهذه القصة مرسلة منكرة!!

·       متابعة واهية!

وقد أورد ابن عدي في ترجمة «يحيى بن هاشم» من «الكامل» (9/122) هذا الحديث من روايته عَنِ الأَعْمَش، عَن أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبداللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وسَلَّم قَال: «أَتَى رَجُلٌ فِي قَبْرِهِ فَقِيلَ إِنَّا جَالِدُوكَ ثَلاثَ جَلْدَاتٍ قَالَ وَلِمَ قَالَ لأَنَّكَ صَلَّيْتَ الصَّلاةَ بِغَيْرِ طَهُورٍ وَمَرَرْتَ بِمَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ».

ويحيى بن هاشم متروك الحديث، وكذبه ابن معين.

·       تصحيح الألباني للحديث!!

وقد ذكره الألباني في «صحيحته» برقم (2774)، وذكر تخريج الطحاوي له في «مشكل الآثار»، ثم قال: "قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات من رجال التهذيب غير فهد هذا، وهو ثقة ثبت كما قال ابن يونس في "الغرباء" كما في "رجال معاني الآثار" (85/1)، وعاصم هو ابن أبي النجود وهو ابن بهدلة، قال الحافظ: "صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين". والحديث أورده المنذري في "الترغيب" (3/148) برواية أبي الشيخ ابن حيان في "كتاب التوبيخ"، وأشار إلى تضعيفه! ففاته هذا المصدر العزيز بالسند الجيد. وليس الحديث في الجزء المطبوع من "كتاب التوبيخ". وللحديث شاهد من حديث ابن عمر نحوه مختصراً ليس فيه دعاء المضروب، وإسناده ضعيف كما هو مبين في الكتاب الآخر (2188)".

قلت: اغتر الألباني بما وقع في المطبوع في إسناده: "جعفر بن سليمان"!! وهو الضبعي البصري (ت178هـ) ولهذا قال رجاله ثقات رجال التهذيب!! وقد بينت فيما سبق أنه محرّف!! والصواب أنه "حفص بن سليمان" وهو الكوفي صاحب القراءة المشهورة (ت180هـ) كما هو عند ابن سمعون، وحفص متروك الحديث.

وكلاهما من نفس الطبقة إلا أن الأول كوفي، والثاني بصري، وعاصم بن بهدلة وهو ابن أبي النجود المقرئ المشهور كوفي (ت128هـ).

ولا يُعرف لجعفر بن سليمان رواية عن عاصم! وإنما المشهور بالرواية عنه حفص صاحبه المقرئ.

ثم على فرض أنه جعفر بن سليمان، فيضعّف بعاصم بن أبي النجود، ولا يُحتج بما انفرد به لسوء حفظه!

هذا إن كان عاصم بن أبي النجود قد تفرد به! لكنه قد تُوبع عليه كما بينا آنفاً، تابعه عليه شريك القاضي.

وقد أوهم الألباني بقوله: "وحديثه في الصحيحين"!!! فالذي يقرأ قوله هذا يظنّ أن الشيخين احتجا به! وليس كذلك، فحديثه فيهما مقرون بغيره، وهو قليل.

ولم يقف الألباني على علة الحديث وهي: الإرسال كما بينته آنفاً.

·       من استدل بهذا الحديث!

فالحديث مرسل منكر!! ومع ذلك استدل به الطحاوي على عدم كفر تارك الصلاة، وتبعه على ذلك الحافظ ابن عبدالبر!!! وكذلك الألباني!!!

قال الطحاوي بعد أن أخرج الحديث: "فكَانَ في ذلك مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ تَارِكَ تِلْكَ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا، وَفِي إجَابَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءَهُ، مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا كَانَ دُعَاؤُهُ دَاخِلًا فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: 14]".

وقال ابن عبدالبر في «التمهيد» (4/239): "وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكَافِرٍ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْإِسْلَامِ إِذَا كَانَ مُؤْمِنًا بِهَا مُعْتَقِدًا لَهَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يُضْرَبَ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ اللَّهَ وَيَدْعُوهُ حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ نَارًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ عَلَامَ جَلَدْتُمُونِي قَالُوا إِنَّكَ صَلَّيْتَ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَمَرَرْتَ عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ» قالَ الطَّحَاوِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكَافِرٍ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ فَلَمْ يُصَلِّ، وَقَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا مَا أُجِيبَتْ لَهُ دَعْوَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَ حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ هَذَا فِي بَابِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «خمس صلوات كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى العِبَادِ»".

وقال الألباني بعد أن صححه: "من فقه الحديث: قال الطحاوي عقبه: "فيه ما قد دل أن تارك الصلاة لم يكن بذلك كافرا، لأنه لو كان كافراً لكان دعاؤه باطلا لقول الله تعالى: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}. ونقله عنه ابن عبدالبر في "التمهيد" (4/239) وأقره، بل وأيده بتأويل الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة على أن معناها: "من ترك الصلاة جاحدا لها معاندا مستكبرا غير مقر بفرضها. وألزم من قال بكفره بها وقبلها على ظاهرها فيهم أن يكفر القاتل والشاتم للمسلم، وأن يكفر الزاني و.. و.. إلى غير ذلك مما جاء في الأحاديث لا يخرج بها العلماء المؤمن من الإسلام، وإن كان بفعل ذلك فاسقا عندهم، فغير نكير أن تكون الآثار في تارك الصلاة كذلك". قلت: وهذا هو الحق".

قلت: هذا كله بنوه على صحة الحديث! وليس كذلك!! فكلامهم واستدلالهم به مردود!!

والحمد لله رب العالمين.

 

شاركنا تعليقك