الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«خُلاصة النتائج» من الأحاديث الواردة في «الخوارج».

«خُلاصة النتائج» من الأحاديث الواردة في «الخوارج».

 

 

ورد في الخوارج الذين أخبر عنهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وظهروا في زمن عليّ - رضي الله عنه - أحاديث صحيحة ثابتة.

وسُموا بالخوارج؛ لخروجهم "على خَيْرِ فِرْقَةٍ مِنَ النَّاس" كما في الحديث الصحيح، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن أوصاف لهم.

وهناك أحاديث تتكلم عن الخوارج وهي ليست صحيحة، ومن خلال هذا البحث سنعرض لكلّ هذه الروايات - إن شاء الله تعالى-.

قال حَرْبٌ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ، عن الخَوَارِجِ؟ قالَ: "شر قومٍ، ما أعلم في الأرض قوماً شَرًّا مِنْهُمْ، صحَّ فِيهِمِ الحديثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عَشَرَةِ وُجُوهٍ" [المنتخب من علل الخلال (ص259)]

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى»: "وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث بقتال الخوارج، وهي متواترة عند أهل العلم بالحديث. قال الإمام أحمد: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه، وقد رواها مسلم في صحيحه، وروى البخاري منها ثلاثة أوجه: حديث علي، وأبي سعيد الخدري، وسهل بن حنيف، وفي السنن، والمسانيد طرق أخر متعددة".

وقال في موضع آخر: "وقد استفاضت الأحاديث الصحيحة في وصفهم وذمهم والأمر بقتالهم عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أحمد بن حنبل: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه، وقد روى مسلم في صحيحه حديثهم من عشرة أوجه كأنها هي التي أشار إليها أحمد بن حنبل فإن مسلما أخذ عن أحمد. وقد روى البخاري حديثهم من عدة أوجه".

ونقل ابن حجر في «الفتح» (12/302) عن الطبري قال: "ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب أو بعضه: عبدالله بن مسعود، وأبو ذر، وابن عباس، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وحذيفة، وأبو بكرة، وعائشة، وجابر، وأبو برزة، وأبو أمامة، وعبدالله بن أبي أوفى، وسهل بن حنيف، وسلمان الفارسي".

قال ابن حجر: "قلت: ورافع بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، وعمار بن ياسر، وجُندب بن عبدالله البجلي، وعبدالرحمن بن عديس، وعقبة بن عامر، وطلق بن علي، وأبو هريرة... فهؤلاء خمسة وعشرون نفساً من الصحابة، والطرق إلى كثرتهم متعددة كعلي وأبي سعيد وعبدالله بن عمر وأبي بكرة وأبي برزة وأبي ذر فيفيد مجموع خبرهما القطع بصحة ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: لم تصح كلّ هذه الطرق وقد صح بعضها كما سأبينه إن شاء الله.

·       ربط النبيّ صلى الله عليه وسلم قصة اعتراض الأعرابيّ على قسمته بظهور الخوارج.

أخرج البخاري في «صحيحه»، (باب والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ)، (4/1714) قال: حدثنا محمد بن كَثِيرٍ، قال: أخبرنا سُفْيَانُ، عن أبيه، عن ابن أبي نُعْمٍ، عن أبي سَعِيدٍ - رضي الله عنه – قال: «بُعِثَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ، فَقَسَمَهُ بين أَرْبَعَةٍ، وقال أَتَأَلَّفُهُمْ، فقال رَجُلٌ: ما عَدَلْتَ! فقال: يَخْرُجُ من ضِئْضِئِ هذا قَوْمٌ يَمْرُقُونَ من الدِّينِ».

وأخرج أيضاً في باب (قوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إليه})، (6/2702) قال: حدثنا قَبِيصَةُ، قال: حدثنا سُفْيَانُ، عن أبيه، عن ابن أبي نُعْمٍ - أو أبي نُعْمٍ شَكَّ قَبِيصَةُ - عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قال: «بُعِثَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِذُهيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بين أَرْبَعَةٍ».

وحدثني إِسْحَاقُ بن نَصْرٍ، قال: حدثنا عبدالرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا سُفْيَانُ، عن أبيه، عن ابن أبي نُعْمٍ، عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قال: «بَعَثَ عَلِيٌّ - وهو في اليمن - إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ في تُرْبَتِهَا فَقَسَمَهَا بين الْأَقْرَعِ بن حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بن بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بن عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ، وَبَيْنَ زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَتَغَيَّظَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ، فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا! قال: إنما أَتَأَلَّفُهُمْ. فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فقال: يا محمد، اتَّقِ اللَّهَ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إذا عَصَيْتُهُ، فَيَأْمَنُنِي على أَهْلِ الأرض ولا تأمنونني! فَسَأَلَ رَجُلٌ من الْقَوْمِ قَتْلَهُ - أُرَاهُ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ النبي صلى الله عليه وسلم فلما وَلَّى قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ من ضِئْضِئِ هذا قَوْمًا يقرؤون الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ من الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قتْلَ عَادٍ».

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (2/741) عن هنَّاد بن السَّرِيِّ، عن أبي الْأَحْوَصِ، عن سَعِيدِ بن مَسْرُوقٍ – والد سفيان- عن عبدالرحمن بن أبي نُعْمٍ.

وعن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ، عن عبدالوَاحِدِ، عن عُمَارَةَ بن الْقَعْقَاعِ، عبدالرحمن بن أبي نُعْمٍ.

وعن عُثْمَان بن أبي شَيْبَةَ، عن جَرِير، عن عُمَارَةَ بن الْقَعْقَاعِ بهذا الإسناد قال: «وعَلْقَمَةُ بن عُلَاثَةَ، ولم يذكر عَامِرَ بن الطُّفَيْلِ، وقال: ناتىء الْجَبْهَةِ، ولم يَقُلْ نَاشِزُ، وزاد: فَقَامَ إليه عُمَرُ بن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه – فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، ألا أَضْرِبُ عُنُقَهُ! قال: لا، قال: ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَامَ إليه خَالِدٌ سَيْفُ اللَّهِ، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، ألا أَضْرِبُ عُنُقَهُ! قال: لا، فقال: إنه سَيَخْرُجُ من ضِئْضِئِ هذا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ لَيِّنًا رَطْبًا». وقال: قال عُمَارَةُ: "حَسِبْتُهُ قال: لئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قتْلَ ثَمُودَ".

وعن ابن نُمَيْرٍ، عن ابن فُضَيْلٍ، عن عُمَارَةَ بن الْقَعْقَاعِ بهذا الإسناد، وقال: «بين أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: زَيْدُ الْخَيْرِ وَالْأَقْرَعُ بن حَابِسٍ وَعُيَيْنَةُ بن حِصْنٍ وَعَلْقَمَةُ بن عُلَاثَةَ أو عَامِرُ بن الطُّفَيْلِ. وقال: نَاشِزُ الْجَبْهَةِ كَرِوَايَةِ عبدالوَاحِدِ. وقال: إنه سَيَخْرُجُ من ضِئْضِئِ هذا قَوْمٌ، ولم يذكر: لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قتْلَ ثَمُودَ».

فهذا إخبارٌ منه صلى الله عليه وسلم بأنه سيخرج لهذا الرجل الذي اعترض عليه في القسمة وقال له: "اعدل" أصحاب وصفهم في الحديث.

وهذا الرجل الأعرابي الجافي هو: (ذو الخويصرة التميمي) كما جاء مصرحاً به في بعض روايات الصحيح، وفي بعض الروايات (عبدالله بن ذي الخويصرة)، وجاء عند أبي داود اسمه (نافع)، ورجّحه السُّهيلي، وقيل: اسمه (حرقوص بن زهير السعدي) وجزم به ابن سعد.

والأول هو الصحيح؛ لأنه جاء مصرحاً به في الأحاديث الصحيحة.

ومما جاء في أوصافه: (غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ) يعني: أن عينيه داخلتان في محاجرهما لاصقتين بقعر الحدقة، وهو ضد الجحوظ.

(مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ) أي: غليظهما، يقال: وقد أشرفت وجنتاه أي علتا، وأصله من الشرف وهو العلو، والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين.

(ناتِئُ الْجَبِينِ)، أي مرتفعه، وقيل: مرتفع على ما حوله، وقال النووي: الجبين جانب الجبهة، ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة.

(كَثُّ اللِّحْيَةِ) يعني: كثير شعرها غير مسبلة.

(محلوقُ الرَّأْسِ) فيه مخالفة للصحابة؛ لأنهم كانوا يوفرون شعورهم لا يحلقونها، وسيأتي في حديث (أن الخوارج سيماهم التحليق)، وكانت طريقة الخوارج حلق رؤوسهم.

فهل هذا الرجل هو نفسه الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث وهو آية خروجهم؟! قال: «آيَتُهُمْ رَجُلٌ إحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثدْي المَرْأةِ أوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ».

عدّ بعض أهل العلم أن هذا الرجل التميمي هو نفسه الذي جاء ذكره كآية على خروجهم وقتله عليّ – رضي الله عنه-. وفرّق بينهما آخرون.

قال الذهبي: "ذو الخويصرة القائل فقال يا رسول الله: اعدل، يقال: هو حرقوص بن زهير رأس الخوارج، قُتل في الخوارج يوم النهر".

وأخرج الثعلبي في «تفسيره» ثم الواحدي في «أسباب النزول» من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن عبدالرزاق فقال: "ابن ذي الخويصرة التميمي، وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج"، وقد اعتمد على ذلك ابن الأثير فترجم لذي الخويصرة في الصحابة وذكر الطبري حرقوص بن زهير في الصحابة، وذكر أن له في فتوح العراق أثراً وأنه الذي افتتح سوق الأهواز، ثم كان مع علي في حرورية، ثم صار مع الخوارج فقتل معهم".

وقال ابن الأثير: ذو الثدية أحد الخوارج الذين قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بحروراء من جانب الكوفة، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: وآية ذلك أن فيهم رجلاً أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ومثل البضعة يدَّرد، أو يقال له ذو الثدي أيضاً، وذو الثدية وهو حبشي واسمه نافع".

قال العيني في «عمدة القاري» (16/142): "وفي تفسير الثعلبي: (بينا رسول الله يقسم غنائم هوازن جاءه ذو الخويصرة التميمي أصل الخوارج، فقال: اعدل. قال: هذا غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد). وقال ابن الأثير في كتاب الأذواء: (ذو الخويصرة رجل صحابي من بني تميم، وهو الذي قال للنبي في قسم قسمه اعدل) انتهى. ولما ذكره السهيلي عقبه بقوله: (ويُذكر عن الواقدي أنه حرقوص بن زهير الكعبي من سعد تميم، وكان لحرقوص هذا مشاهد كثيرة مشهورة محمودة في حرب العراق مع الفرس أيام عمر رضي الله تعالى عنه، ثم صار خارجياً. قال: وليس ذو الخويصرة هذا هو ذو الثدية الذي قتله علي رضي الله تعالى عنه بالنهروان، ذاك اسمه نافع، ذكره أبو داود، وقيل المعروف أن ذا الثدية اسمه حرقوص، وهو الذي حمل على علي رضي الله تعالى ليقتله، فقتله علي رضي الله تعالى عنه".

قلت: فظاهر كلام العيني التفريق بينهما.

وقد اضطرب ابن حجر في ذلك! فقال في «مقدمة الفتح» (ص299): "حديث أبي سعيد (آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة) هو: ذو الخويصرة التميمي، واسمه نافع، أخرجه ابن أبي شيبة في آخر كتابه، وقيل: حرقوص، وقيل: ثرملة، وقيل غير ذلك".

وقال في (ص340): "حديث أبي سعيد (جاء عبدالله بن ذي الخويصرة التميمي، فقال: أعدل يا رسول الله) تقدم عند المصنف من رواية أبي سعيد أيضاً (جاء ذو الخويصرة) وهو أصوب، وفي هذا الحديث (آيتهم رجل إحدى ثدييه مثل ثدي المرأة) واسم هذا المذكور المقتول في وقعة النهر نافع كما تقدم، وقاتله اسمه الأشهب البجلي".

قلت: ظاهر تصرفه أنه في الموضع الأول يرى أن ذا الخويصرة هو ذو الثدية الذي اسمه نافع، وفي الموضع الثاني فرق بينهما، ولكن إحالته على أن اسمه نافع في الموضع الثاني وأنه تقدم كأنه ظنّ أنه فرّق بينهما، والله أعلم.

وقال في «الإصابة» (2/409): "ذو الثدية: له ذكر فيمن قتل مع الخوارج في النهروان، ويُقال: هو ذو الخويصرة الآتي".

ثم قال: "ولقصة ذي الثدية طرق كثيرة جداً استوعبها محمد بن قدامة في كتاب الخوارج، وأصح ما ورد فيها ما أخرجه مسلم في صحيحه وأبو داود من طريق محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي أن علياً ذكر أهل النهروان فقال: فيهم رجل مودن اليد أو مجدع اليد لولا أن تنظروا لنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد، فقلت له: أنت سمعته؟ قال: إي ورب الكعبة. وقال أبو الربيع الزهراني: حدثنا حماد: حدثنا جميل بن مرة، عن أبي الوضيء: أن علياً لما فرغ من أهل النهروان، قال: التسموا المجدع فطلبوه، ثم جاءوا فقالوا: لم نجده! قال: ارجعوا ثلاثا كل ذلك لا يجدونه، فقال علي: والله ما كذبت ولا كذبت، قال: فوجدوه تحت القتلى في طين فكأني أنظر إليه حبشي عليه مربطة إحدى ثدييه مثل ثدي المرأة عليها شعيرات مثل الذي على ذنب اليربوع، أخرجه أبو داود. قلت: وللقصة الأولى شاهدان عند محمد بن قدامة أحدهما من مرسل الحسن فذكر شبيها بالقصة، والآخر من طريق مسلمة بن أبي بكرة عن أبيه عن محمد بن قدامة والحاكم في المستدرك ولم يسم الرجل فيهما".

ثم ذكر (2/411): "ذو الخويصرة التميمي، ذكره ابن الأثير في الصحابة مستدركاً على من قبله، ولم يورد في ترجمته سوى ما أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ذات يوم قسما، فقال ذو الخويصرة رجل من بني تميم يا رسول الله اعدل، فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل، الحديث. وأخرجه من طريق تفسير الثعلبي ثم من طريق تفسير عبدالرزاق كذلك، ولكن قال فيه: إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير فذكره. قلت: ووقع في موضع آخر في البخاري، فقال: عبدالله بن ذي الخويصرة، وعندي في ذكره في الصحابة وقفة".

وأما الخطيب فظاهر كلامه في تعيين الرجل المبهم في بعض الأحاديث أنه هو! فقد ذكر في «غوامض الأسماء المبهمة» (2/543): (ذو الخويصرة حرقوس نافع ذو الثدية عبدالله)، ثم ساق من طريق مالك: أن يحيى بن سعيد أخبره عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبدالله قال: "أبصرت عيناي وسمع أذناني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وفي ثوب بلال فضة ورسول الله يقسمها للناس يعطيهم، فقال له رجل: يا رسول الله، إعدل...".

ثم ساق عن عبدالرحمن بن عبدالله بن محمد بن يزيد قال: "الرجل هو ذو الخويصرة، واسمه حرقوص، وقيل نافع التميمي، وقيل إنه عبدالله".

قال: "وذكر محمد بن سعد كاتب الواقدي أن اسم ذي الخويصرة: حرقوص بن زهير".

ثم ساق من طريق صالح بن عبدالله بن المغيرة، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، عن أبي سعيد الخدري قال: "حضرت مع عليّ يوم قتالهم بالنهروان، قال: فالتمسه عليّ فلم يجده - يعني ذا الثدية – قال: حتى وجده بعد ذلك تحت جدار على هذا النعت، قال: فقال: من يعرف هذا؟ فقال رجل من القوم: نحن نعرفه، هذا حرقوص وأمه ها هنا، فأرسل إلى أمه، فقال لها: ممن هذا؟ فقالت: ما أدري يا أمير ألمؤمنين إلا أني كنت أرعى غنماً لي في الجاهلية بالربذة فغشي علي شيء كهيئة الظلمة فحملت منه فولدت هذا".

ثم ساق من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهوية، قال: حدثني شبانة بن سوار، قال: حدثني نعيم بن حكيم قال: قال أبو مريم الحنفي: "كان المُخْدَجُ يُقال له: نافع ذو الثُّدَيَّةُ، وكان ضاوياً صغيراً، وكان في عضده مثل ثدي المرأة وحلمة كحلمة المراة عليه شعرات كأنها سبلة السِّنَّوْرِ".

وروى أبو داود في «سننه» برقم (4770) قال: حدَّثنا بِشرُ بن خالدٍ، قال: حدَّثنا شَبابةُ بن سَوَّار، عن نُعَيم بن حكيم عن أبي مريم، قال: "إن كانَ ذلك المُخْدَجُ لمعنا يومئذٍ في المسجد، نُجالِسُه باللَّيل والنَّهار، وكان فقيراً، ورأيتُه مع المساكين يشهدُ طعامَ علىّ مع الناس، وقد كلسوتُهُ بُرنُساً لي".

قال أبو مريم: "وكان المُخْدَجُ يُسمَّى نافعاً ذا الثُّديَّة، وكان في يده مثل ثَدْي المرأة، على رأسِه حَلَمة مثلُ حلمةِ الثَّدْي، عليه شُعيراتٌ مثلُ سِبالةِ السِّنُّور".

قال أبو داود: "هو عند الناس اسمه حُرْقُوص".

قلت: الصواب أن ذا الخويصرة الذي اعترض على قسمة النبيّ صلى الله عليه وسلم غير الرجل الأسود الحبشي الذي عدّه النبي صلى الله عليه وسلم آية لخروج هؤلاء واسمه نافع أو حرقوص.

وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم «يخرج - وفي رواية: سيخرج- من ضِئْضِئِ هذا أو في عَقِبِ هذا قوم..» إشارة إلى الأصل، وهو أنه باعتراضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حليق الرأس، سيأتي من يشابهه ويخرجون من الطاعة وعلامتهم حلق الرؤوس، فكأنهم من عقبه أو نسله يسيرون على نهجه بإنكارهم السنّة.

قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (23/332): "قوله: (يخرج) وقوله (إن لهذا أصحاباً) يخرجون عند اختلاف من الناس يدل على أنهم لم يكونوا خرجوا بعد، وأنهم يخرجون فيهم، وقد استدل بنحو هذا الاستدلال من زعم أن ذا الخويصرة ليس ذا الثدية، والله أعلم.

ويُحتمل قوله (إن لهذا أصحاباً) يريد على مذهبه، وإن لم يكونوا ممن صحبه كما يقال لأتباع الشافعي وأتباع مالك وأتباع أبي حنيفة وغيرهم من الفقهاء فيمن تبعهم على مذاهبهم هؤلاء أصحاب فلان وهذا من أصحاب فلان، والله أعلم.

ويقال إن ذا الخويصرة اسمه حرقوص، ورُوي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: حرقوص بن زهير هو ذو الثدية، وهو الذي قال للنبي: ما عدلت".

قلت: ذو الثدية ليس من قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اعدل!

وكان ظهور هؤلاء أيام عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقد قتلهم بالنهروان.

قال ابن كثير: "ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونِحل كثيرة منتشرة".

قلت: هذا التشعب في الأهواء والمقالات لا يخرج عن باب البدع، ودرج أهل العلم على نسبة هذه الأهواء للخوارج الأُول، وفيه نظر! كما سيأتي تحريره إن شاء الله تعالى.

·       الأحاديث الواردة في الخوارج:

1- حديث عليّ بن أبي طالب:

حديث عليّ هو أشهر أحاديث الخوارج؛ لأنه هو الذي قاتلهم في خلافته، وقد روى هذا الحديث عن عليّ رواة كُثر وقفت منهم على أربعين راوياً.

نقل ابن حجر في «الفتح» (12/302) عن الطبري قال: "وروى هذا الحديث في الخوارج عن علي تاماً ومختصراً: عُبيدالله بن أبي رافع، وسويد بن غفلة، وعبيدة بن عمرو السلمانيّ، وزيد بن وهب، وكليب الجرمي، وطارق بن زياد، وأبو مريم".

وزاد ابن حجر ممن رواه عن عليّ أيضاً، قال: "قلت: وأبو وضيء، وأبو كثير، وأبو موسى، وأبو وائل في مسند إسحاق بن راهويه والطبراني، وأبو جحيفة عند البزار، وأبو جعفر الفراء مولى علي، أخرجه الطبراني في الأوسط، وكثير بن نَمِر، وعاصم بن ضمرة".

قلت: ورواه عن عليّ أيضاً: ميسرة أبو صالح، والمُخَارِقِ بن سُلَيْمٍ، وعُمَيْر أبو كَبِيرٍ، وسليم بن بَلج، وزر بن حبيش، وأبو مؤمن، وأبو سليمان المرعشي، وأبو خليفة الطائي، وعبدالله بن شداد، وجُوين، وعبدالله بن حنين، وزبّان بن صبرة، وحُصين، والحارث بن مالك، وحبّان بن الحارث، ورافع بن سلمة، وقيس بن أبي حازم، وكثير البجلي، ومسلم بن أبي مسلم، ومسروق بن الأجدع، وخُليد العصري، وعبدالواحد أبو عرفجة، وأبو الأحوص الجُشمي، وجابر أبو خالد، وحكيم بن سعد.

وهذا تفصيل الروايات التي وقفت عليها:

1- حديث عُبيدالله بن أبي رافع عن عليّ:

عُبيدالله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسم أبي رافع أسلم، سمع أباه وعلي بن أبي طالب وأبا هريرة، وكان كاتب عليّ بن أبي طالب، وحضر معه وقعة الخوارج بالنهروان.

روى مسلم في «صحيحه» (2/749) برقم (1066) قال: حدثني أبو الطَّاهِرِ وَيُونُسُ بن عبدالأعلى، قالا: أخبرنا عبداللَّهِ بن وَهْبٍ، قال: أخبرني عَمْرُو بن الحَارِثِ، عن بُكَيْرِ بن الأَشَجِّ، عن بُسْرِ بن سَعِيدٍ، عن عُبَيْدِاللَّهِ بن أبي رَافِعٍ مولى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ الحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ وهو مع عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه قالوا: (لا حُكْمَ إلا لِلَّهِ)، قال عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بها بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وصَفَ نَاسًا إني لَأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ في هؤُلَاءِ، يَقُولُونَ الحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لا يَجُوزُ هذا منهم - وَأَشَارَ إلى حَلْقِهِ - من أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إليه، منهم أَسْوَدُ إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْيُ شَاةٍ أو حَلَمَةُ ثَدْيٍ، فلما قَتَلَهُمْ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه قال: انْظُرُوا، فَنَظَرُوا فلم يَجِدُوا شيئا، فقال: ارْجِعُوا، فَوَاللَّهِ ما كَذَبْتُ ولا كُذِبْتُ مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا، ثُمَّ وَجَدُوهُ في خَرِبَةٍ فَأَتَوْا بِهِ حتى وَضَعُوهُ بين يَدَيْهِ.

قال عُبَيْدُاللَّهِ: وأنا حَاضِرُ ذلك من أَمْرِهِمْ، وَقَوْلِ عَلِيٍّ فِيهِمْ».

زَادَ يُونُسُ في رِوَايَتِهِ: قال بُكَيْرٌ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ عن ابن حُنين أَنَّهُ قال: "رأيت ذلك الْأَسْوَدَ".

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى»، باب (ذكر ما خُصَّ به عليّ من قتال المارقين)، (5/160) برقم (8562) عن الحارث بن مسكين، عن ابن وهب، به.

وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»، باب (ذكر البيان بأن الخوارج من أبغض خلق الله جل وعلا إليه)، (15/387) برقم (6939) عن عبدالله بن محمد بن سلم، عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، وذكر ابن سلم آخر معه، عن بكير بن الأشج، به.

2- حديث سُويد بن غفلة عن عليّ:

سُويد بن غَفَلة أبو أمية الجعفي الكوفي، تابعي كبير مُخضرم، أدرك النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان في زمنه رجلاً، وأعطى الصدقة في زمنه، ولم يره على الصحيح. نزل الكوفة ومات بها سنة ثمانين أو بعدها، وله مائة وثلاثون سنة أو أكثر؛ لأنه كان يقول: أنا لِدَةُ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدْتُ عام الفيل، وأنا أصغر منه بسنتين - إن صح ذلك-!

[ولَدَةُ الرَّجُلِ: الَّذِي وُلِدَ مَعَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ مِيلَادِهِ].

وهذا الحديث رواه عن سويد ثلاثة: خيثمة بن عبدالرحمن، وعبدالرحمن بن ثروان، وفي رواية عن أبي إسحاق السبيعي-، وشمر بن عطية الأسدي.

أما حديث خيثمة:

فأخرجه البخاري في «صحيحه»، باب (عَلَامَاتِ انُّبُوَّةِ في الإِسْلَامِ)، (3/1321) برقم (3415)، وفي باب (إِثْمُ من رَاءَى بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أو تَأَكَّلَ بِهِ أو فَخَرَ بِهِ)، (4/1927) برقم (4770) قال: حدثنا محمد بن كَثِيرٍ، قال: أخبرنا سُفْيَانُ، عن الْأَعْمَشِ، عن خَيْثَمَةَ، عن سُوَيْدِ بن غَفَلَةَ، قال: قال عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: (إذا حَدَّثْتُكُمْ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَأَنْ أَخِرَّ من السَّمَاءِ أَحَبُّ إليّ من أَنْ أَكْذِبَ عليه، وإذا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فإن الحَرْبَ خَدْعَةٌ، سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يَأْتِي في آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ من خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فإن في قَتْلَهُمْ أجرا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يوم الْقِيَامَةِ».

وأخرجه أيضاً في باب (قَتْلِ الخَوَارِجِ والمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الحُجَّةِ عليهم)، (6/2539) برقم (6531) عن عُمَر بن حَفْصِ بن غِيَاثٍ، عن أبيه، عن الأَعْمَش، به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (2/746) برقم (1066) عن محمد بن عبداللَّهِ بن نُمَيْرٍ وعَبْدِاللَّهِ بن سَعِيدٍ الْأَشَجُّ جميعاً، عن وَكِيعٍ، عن الْأَعْمَش.

وعن إسحاق بن إبراهيم، عن عِيسَى بن يُونُسَ.

وعن محمد بن أبي بَكْرٍ المُقَدَّمِيّ وأبي بَكْرِ بن نَافِعٍ، جميعاً عن عبدالرحمن بن مَهْدِيٍّ، عن سُفْيَان، كلاهما عن الْأَعْمَشِ بهذا الإسناد، مثله.

وعن عُثْمَان بن أبي شَيْبَةَ عن جَرِير.

وعن أبي بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ وأبي كُرَيْبٍ وزُهيْر بن حَرْبٍ، جميعاً عن أبي مُعَاوِيَةَ، كلاهما عن الْأَعْمَشِ بهذا الإسناد، ولَيْسَ في حَدِيثِهِمَا «يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ».

وأخرجه عبدالرزاق في «مصنفه» (10/157) برقم (18677) عن الثوري، عن الأعمش، به.

وأخرجه أحمد في «مسنده» (1/81) عن أبي مُعَاوِيَةَ، عن الأَعْمَش.

وفي (1/131) عن وكِيع، عن الأَعْمَش وعَبْدالرحمن، عن سُفْيَانَ، عن الأعمش، به.

وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»، باب (ذكر الأمر بقتل الحرورية إذا خرجت تريد شق عصا المسلمين)، (15/136) برقم (6739)  عن أبي خليفة، عن محمد بن كثير العبدي، عن سفيان، عن الأعمش، به.

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/160) برقم (8563) عن محمد بن معاوية بن يزيد، عن علي بن هاشم، عن الأعمش، به.

وأما حديث أبي قيس الأودي:

فرواه أبو إسحاق السبيعي عن سويد، واختلف عليه:

فرواه إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سويد بن غفلة، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج قوم من آخر الزمان يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السهم من الرمية، قتالهم حقّ على كلّ مسلم».

أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/161) برقم (8564) عن أحمد بن سليمان والقاسم بن زكريا، قالا حدثنا عبيد، عن إسرائيل.

وأخرجه البزار في «مسنده» (2/188) برقم (567) عن محمد بن مرزوق، عن عبدالله بن رجاء، عن إسرائيل.

وخالفه يوسف بن أبي إسحاق فأدخل بين أبي إسحاق وبين سويد بن غفلة: عبدالرحمن بن ثروان الأودي.

أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» برقم (8565)  عن زكريا بن يحيى، عن محمد بن العلاء، عن إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن أبي قيس الأودي، عن سويد بن غفلة، عن علي، نحوه.

وأخرجه البزار في «مسنده» (2/187) برقم (566) عن أبي كريب، عن إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن أبي قيس الأودي، عن سويد بن غفلة، عن علي.

فلم يدخل إسرائيل عن أبي إسحاق بين أبي إسحاق وبين سويد بن غفلة أحداً.

وأما حديث شمر:

فأخرجه الطيالسي في «مسنده» (ص24) برقم (168) عن قيس بن الربيع، عن شمر بن عطية، عن سويد بن غفلة الجعفي قال: "كان عليّ يخرج إلى السوق، فيقول: صدق الله ورسوله، فقيل له: قولك (صدق الله ورسوله)، فقال: صدق الله ورسوله إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، فوالله لئن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أحبّ إليّ من أن أقول، سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم أسمع، وإذا حدثتكم عن نفسي فإنما أنا رجل محارب، والحرب خدعة، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج في آخر الزمان أقوام أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فمن أدركهم فليقتلهم أو ليقاتلهم فإن لمن قتلهم أجراً في قتلهم يوم القيامة".

يلاحظ أن الحديث جاء بلفظ «يَأْتِي في آخِرِ الزَّمَانِ»، وفي لفظ: «سيخرج – أو يخرج- في آخِرِ الزَّمَانِ».

وهذا سبّب إشكالية قديماً وحديثاً وهو أن هؤلاء ظهروا في زمن عليّ فكيف يكون آخر الزمان؟! وعليه فقد حمل كثير من المعاصرين هذا الحديث على امتداد هؤلاء إلى آخر الزمان! فأيّ جماعة تظهر فيقول لها خصومها هؤلاء من أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم!

قال ابن حجر في «الفتح» (12/287): "قوله (سيخرج قوم في آخر الزمان) كذا وقع في هذه الرواية، وفي حديث أبي برزة عند النسائي: (يخرج في آخر الزمان قوم)، وهذا قد يخالف حديث أبي سعيد المذكور في الباب بعده؛ فإن مقتضاه أنهم خرجوا في خلافة عليّ، وكذا أكثر الأحاديث الواردة في أمرهم. وأجاب ابن التين بأن المراد زمان الصحابة، وفيه نظر؛ لأن آخر زمان الصحابة كان على رأس المائة وهم قد خرجوا قبل ذلك بأكثر من ستين سنة، ويمكن الجمع بأن المراد بآخر الزمان زمان خلافة النبوة، فإن في حديث سفينة المخرج في السنن وصحيح ابن حبان وغيره مرفوعاً: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تصير ملكاً)، وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر خلافة عليّ سنة ثمان وثلاثين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدون الثلاثين بنحو سنتين".

ونقل العيني في «عمدة القاري» (24/86) اعتراض ابن حجر وجوابه، ثم قال: "قلت يسقط السؤال من الأول إن قلنا بتعدد خروج الخوارج وقد وقع خروجهم مراراً".

قلت: جواب العيني فيه نظر! فالحديث واضح في الخوارج الذي قتلهم عليّ، ولا دخل لمسألة تعدد خروجهم حتى يحمله على ذلك ويسقط السؤال من الأول!!

وجواب ابن حجر فيه تكلّف، وحديث الخلافة بعدي لا يصح!

والذي أراه أن سويد بن غفلة أخطأ في لفظ الحديث، والأحاديث الأخرى عن عليّ كلها لم يذكروا هذه اللفظة، ويمكن أن يُحمل قوله أنه اعتقد أن زمانه هو آخر الزمان كما يعتقد كثير من الناس لكثرة ما يرى من فتن يقول: نحن في آخر الزمان، فظنّ أن خروجهم من علامات آخر الزمان، والله أعلم.

وقد تفرد سويد أيضاً بزيادة «قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ»! ولم يروها عن عليّ إلا هو!!

3- حديث عَبيدة السلمانيّ عن عليّ:

عَبيدة بن عمرو السلماني الفقيه المراديّ الكوفي، أسلم في عام فتح مكة بأرض اليمن ولا صحبة له، وأخذ عن عليّ وابن مسعود وغيرهما، وبرع في الفقه وكان ثبتاً في الحديث (ت72هـ).

روى حديثه هذا محمد بن سيرين، وقد رواه جماعة عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن عليّ منهم: أيوب السختياني، وعبدالله بن عون، وقتادة، ويونس بن عبيد، وعوف الأعرابي، وأبو عمرو بن العلاء، وجرير بن حازم، ويزيد بن إبراهيم التستري، وهشام بن حسّان.

فأما حديث أيوب:

فأخرجه مسلم في «صحيحه» (2/747) برقم (1066) قال: حدثنا محمد بن أبي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، قال: حدثنا ابن عُلَيَّةَ وَحَمَّادُ بن زَيْدٍ [ح].

وحدثنا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، قال: حدثنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ [ح].

وحدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ وزُهيْرُ بن حَرْبٍ - واللفظ لَهُمَا – قالا: حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّةَ، عن أَيُّوبَ، عن مُحَمَّدٍ عن عَبِيدَةَ، عن عَلِيٍّ قال: «ذَكَرَ الْخَوَارِجَ فقال: فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ أو مُودَنُ الْيَدِ أو مَثْدُونُ الْيَدِ لوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا وعَدَ الله الَّذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ على لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، قال: قلت آنْتَ سَمِعْتَهُ من مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، قال: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ».

وأخرجه أحمد في «مسنده» (1/83) برقم (626) عن إسماعيل بن علية، عن أيوب. وفي (1/121) برقم (982) عن عُبَيْداللَّهِ بن عُمَرَ القواريري، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، عن أَيُّوب، به.

وأخرجه ابن ماجه في «سننه»، باب في ذِكْرِ الْخَوَارِجِ، (1/59) برقم (167) عن أبي بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، عن إسماعيل بن عُلَيَّةَ، عن أَيُّوبَ.

وأما حديث ابن عون:

فأخرجه مسلم أيضاً في «صحيحه» (2/748) قال: حدثنا محمد بن المُثَنَّى، قال: حدثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن ابن عَوْنٍ، عن مُحَمَّدٍ، عن عَبِيدَةَ، قال: لا أُحَدِّثُكُمْ إلا ما سمعت منه فذكر عن عَلِيٍّ نحو حديث أَيُّوبَ مَرْفُوعًا.

وأخرجه أحمد في «مسنده» (1/155) برقم (1330) عن ابن أبي عدي، عن ابن عون، به.

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/164) برقم (8572) عن قتيبة بن سعيد، عن ابن أبي عدي، عن ابن عون.

وأما حديث قتادة:

فأخرجه البزار في «مسنده» برقم (540) عن عمرو بن علي ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه.

وأما حديث يونس بن عبيد:

فأخرجه البزار في «مسنده» (2/172) برقم (541)  عن الفضل بن يعقوب الرخامي، عن الحسن بن بلال، عن مبارك بن فضالة.

وبرقم (542) عن محمد بن مرداس، عن عبدالله بن عيسى، كلاهما عن يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه.

وأما حديث عوف:

فأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/165) برقم (8573) عن إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عوف، قال: حدثنا محمد بن سيرين، قال: قال عبيدة السلماني: لما كان حيث أصيب أصحاب النهر، قال: قال علي، ابتغوا فيهم فإنهم إن كانوا هم القوم الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فيهم رجلا مخدج اليد.. الحديث.

وأخرجه البزار في «مسنده» برقم (543) عن عبدالله بن الصباح العطار، عن المعتمر بن سليمان، عن عوف، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه.

وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (1/370) برقم (475) قال: حدثنا عبيدالله بن عمر القواريري، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا عوف، قال: حدثنا محمد بن سيرين، قال: حدثنا عبيده السلماني، قال: «لما كان حيث أصيب أهل النهروان قال لنا علي: ابتغوا فيهم فإنهم إن كانوا القوم الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فيهم رجلا مخدج اليد أو مثدن اليد، قال: فابتغيناه فوجدناه فدعوناه إليه فقام عليه فقال: الله أكبر، لولا أن تبطروا لحدثتكم ما قضى الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لمن قتل هؤلاء. قال: قلت أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة. قال: فبلغ ذلك بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كأنها حسدته على ذلك». قال عوف: "عمداً أمسكت عنها" يعني: (فبلغ ذلك بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كأنها حسدته على ذلك).

وأما حديث أبي عمرو بن العلاء وجرير بن حازم:

فأخرجه أحمد في «مسنده» (1/95) برقم (735) عن وكِيع، قال: حدثنا جَرِيرُ بن حَازِمٍ وأبو عَمْرِو بن الْعَلاَءِ عَنِ ابن سِيرِينَ سَمِعَاهُ عن عَبِيدَةَ.

وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»، باب (ذكر وصف القوم الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه على تأويل القرآن)، (15/386) برقم (6938) عن محمد بن سعيد المروزي، عن سلم بن جنادة، عن وكيع، عن جرير بن حازم وأبي عمرو بن العلاء، عن محمد بن سيرين.

وأخرجه البزار في «مسنده» برقم (545) عن محمد بن عبدالرحيم، عن شبابة بن سوّار، عن أبي عمرو بن العلاء.

وبرقم (546) عن محمد بن الليث الهدادي، عن عبدالرحمن بن أبي بكر، عن جرير بن حازم، عن ابن سيرين.

وأما حديث يزيد بن إبراهيم:

فأخرجه البزار في «مسنده» برقم (544) عن يوسف بن موسى، عن وكيع، عن يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه.

وأما حديث هشام بن حسّان:

فأخرجه أحمد في «مسنده» (1/144) برقم (1223) عن يَزِيد، عن هِشَام، عن مُحَمَّد بن سيرين، عن عبيدة، عن عليّ.

4- حديث زيد بن وهب عن عليّ:

زيد بن وهب أبو سليمان الجهني الكوفي، مخضرم قديم. ارتحل إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم وصحبته، فقبض صلى الله عليه وسلم وزيد في الطريق. غزا في أيام عمر أذربيجان، وشهد مع عليّ مشاهده. توفي بعد وقعة الجماجم، في حدود سنة ثلاث وثمانين.

قال الذهبي: "متفق على الاحتجاج به إلا ما كان من يعقوب الفسوي فإنه قال في تاريخه: (في حديثه خلل كثير) ولم يصب الفسوي.

ثم إنه ساق من روايته قول عمر: يا حذيفة، بالله أنا من المنافقين؟ قال: وهذا محال، أخاف أن يكون كذباً.

قال: ومما يستدل به على ضعف حديثه روايته عن حذيفة: إن خرج الدجال تبعه من كان يحب عثمان.

ومن خلل روايته قوله: حدثنا - والله- أبو ذر بالربذة، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستقبلنا أحد، الحديث.

فهذا الذي استنكره الفسوي من حديثه ما سبق إليه، ولو فتحنا هذه الوساوس علينا لرددنا كثير من السنن الثابتة بالوهم الفاسد، ولا نفتح علينا في زيد بن وهب خاصة باب الاعتزال، فردوا حديثه الثابت عن ابن مسعود، حديث الصادق المصدوق وزيد سيد جليل القدر، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبض وزيد في الطريق. وروى عن عمر وعثمان وعلي والسابقين. وحديث عنه خلق.

ووثقه ابن معين وغيره حتى أن الأعمش قال: إذا حدثك زيد بن وهب عن أحد فكأنك سمعته من الذي حدثك عنه. قلت: مات قبل سنة تسعين أو بعدها" انتهى كلام الذهبي.

روى حديثه عن عليّ في الخوارج: سَلَمَةُ بن كُهَيْلٍ والأعمش.

أما حديث سلمة بن كُهيل:

فأخرجه مسلم في «صحيحه» (2/748) برقم (1066) قال: حدثنا عبد بن حُمَيْدٍ، قال: حدثنا عبدالرَّزَّاقِ بن هَمَّامٍ، قال: حدثنا عبدالمَلِكِ بن أبي سُلَيْمَانَ، قال: حدثنا سَلَمَةُ بن كُهَيْلٍ، قال: حدثني زَيْدُ بن وَهْبٍ الجُهَنِيُّ: «أَنَّهُ كان في الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مع عَلِيٍّ رضي الله عنه الَّذِينَ سَارُوا إلى الْخَوَارِجِ، فقال عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَيُّهَا الناس، إني سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (يَخْرُجُ قَوْمٌ من أُمَّتِي يقرأون الْقُرْآنَ ليس قِرَاءَتُكُمْ إلى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، ولا صَلَاتُكُمْ إلى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، ولا صِيَامُكُمْ إلى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يقرأون الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لهم وهو عليهم، لا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ)، لو يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ ما قُضِيَ لهم على لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم لاتكلوا عن الْعَمَلِ، وآيَةُ ذلك أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا له عَضُدٌ وَلَيْسَ له ذِرَاعٌ على رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ عليه شَعَرَاتٌ بِيضٌ، فَتَذْهَبُونَ إلى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ في ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، والله إني لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قد سَفَكُوا الدَّمَ الحَرَامَ وَأَغَارُوا في سَرْحِ الناس، فَسِيرُوا على اسْمِ اللَّهِ.

قال سَلَمَةُ بن كُهَيْلٍ: فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بن وَهْبٍ مَنْزِلًا حتى قال: مَرَرْنَا على قَنْطَرَةٍ، فلما الْتَقَيْنَا وَعَلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عبداللَّهِ بن وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ، فقال لهم: أَلْقُوا الرِّمَاحَ وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ من جُفُونِهَا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كما نَاشَدُوكُمْ يوم حَرُورَاءَ، فَرَجَعُوا فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ وَسَلُّوا السُّيُوفَ وَشَجَرَهُمْ الناس بِرِمَاحِهِمْ. قال: وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ وما أُصِيبَ من الناس يَوْمَئِذٍ إلا رَجُلَانِ. فقال عَلِيٌّ رضي الله عنه: الْتَمِسُوا فِيهِمْ الْمُخْدَجَ، فَالْتَمَسُوهُ فلم يَجِدُوهُ فَقَامَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِنَفْسِهِ حتى أتى نَاسًا قد قُتِلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ، قال: أَخِّرُوهُمْ فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ قال: صَدَقَ الله وَبَلَّغَ رَسُولُهُ. قال: فَقَامَ إليه عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ فقال: يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الله الذي لَا إِلَهَ إلا هو لَسَمِعْتَ هذا الحديث من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إِي والله الذي لَا إِلَهَ إلا هو حتى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثًا وهو يَحْلِفُ له».

وهو في «مصنف عبدالرزاق» (10/147) برقم (18650).

وأخرجه البزار في «مسنده» (2/197) برقم (581) عن أحمد بن منصور بن سيار، عن عبدالرزاق، به.

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/163) برقم (8571) عن العباس بن عبدالعظيم، عن عبدالرزاق، به.

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/163) برقم (8570) قال: أخبرنا عبدالأعلى بن واصل بن عبدالأعلى قال: حدثنا الفضل بن دُكين، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، عن زيد بن وهب، قال: «خطبنا علي بقنطرة الديزجان، فقال: إنه قد ذكر لي خارجة تخرج من قبل المشرق، وفيهم ذو الثدية فقاتلهم، فقالت الحرورية بعضهم لبعض: لا تكلموه فيردكم كما ردكم يوم حروراء، فشجر بعضهم بعضاً بالرماح، فقال رجل من أصحاب علي: اقطعوا العوالي والعوالي الرماح، فداروا واستداروا، وقتل من أصحاب عليّ اثنا عشر رجلاً أو ثلاثة عشر رجلاً، فقال علي: التمسوه المخدج، وذلك في يوم شات، فقالوا: ما نقدر عليه، فركب علي بغلة النبي صلى الله عليه وسلم الشهباء فأتى وهدة من الأرض، فقال: التمسوا في هؤلاء فأخرج، فقال: ما كذبت ولا كذبت، فقال: اعملوا ولا تتكلوا لولا أني أخاف أن تتكلوا لأخبرتكم بما قضى الله لكم على لسانه - يعني النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد شهدنا ناس باليمن، قالوا: كيف يا أمير المؤمنين، قال: كان هواؤهم معنا».

وأخرجه البزار في «مسنده» (2/195) برقم (580) عن صالح بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، عن أبي نُعيم الفضل بن دُكين، به.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/555) برقم (37898) عن يحيى بن آدَمَ، عن مُوسَى بن قَيْسٍ الحَضْرَمِيّ عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ، عن زَيْدِ بن وَهْبٍ، قال: خَطَبَنَا عَلِيٌّ بِالْمَدَائِنِ بِقَنْطَرَةٍ، فقال: قد ذُكِرَ لي أَنَّ خَارِجَةً تَخْرُجُ من قِبَلِ الْمَشْرِقِ فِيهِمْ ذُو الثُّدَيَّةِ.. وذكره.

وأما حديث الأعمش:

فأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/163) برقم (8569) قال: أخبرنا محمد بن عبدالأعلى، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن علي بن أبي طالب قال: «لما كان يوم النهروان لقي الخوارج فلم يبرحوا حتى شجروا بالرماح فقتلوا جميعاً. قال علي: اطلبوا ذا الثدية، فطلبوه فلم يجدوه، فقال علي: ما كذبت ولا كذبت، اطلبوه، فطلبوه فوجدوه في هدة من الأرض عليه ناس من القتلى، فإذا رجل على يده مثل سبلات السنور، فكبّر عليّ والناس، وأعجبهم ذلك».

كذا رواه أبو معاوية عن الأعمش وهو موافق للروايات السابقة مختصراً، لكن رواه محمد بن طلحة بن مُصرّف اليامي بلفظ يخالف هذا اللفظ المحفوظ من حديث زيد بن وهب!

أخرجه البزار في «مسنده» (2/195) برقم (579) عن محمد بن معمر البحرانيّ قال: أخبرنا أبو عامر العقدي، قال: أخبرنا محمد بن طلحة، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: «قام علي رضي الله عنه عند أصحاب النهر، فقال: ما سمعتموني أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوني به، وما سمعتموني أحدث في غير ذلك، فإن الحرب خدعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه يكون في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يمرقون من الدّين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر يوم القيامة، وإني لا أراهم إلا هؤلاء، ثم نهد أو نهض إليهم».

قلت: لم يضبطه محمد بن طلحة اليامي وهو ليس بالقوي، فكانه خلط لفظ حديث الأعمش عن زيد بلفظ آخر!

·       رأس الخوارج: عبدالله بن وهب الراسبي، ومن قُتل من أصحابه يوم النهروان:

روى الطيالسي في «مسنده» (ص23) قال: حدثنا شَريك، عن عثمان بن المغيرة – وهو عثمان بن أبي زرعة أبو المغيرة-، عن زيد بن وهب، قال: "جاء رأس الخوارج إلى عليّ، فقال له: اتق الله فإنك ميت. فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ولكني مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه - وأشار بيده إلى لحيته- عهد معهود وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى".

ورأس الخوارج هو عبدالله بن وهب الراسبي، وقيل: الشيباني، وقيل: السبائي، ولكن روى ابن أبي عاصم هذا الحديث في كتاب «السنة» (2/447) عن أبي مسعود، عن أبي داود الطيالسي، به، إلا أنه قال: "قام رَأْسُ الْخَوَارِجِ إلى عليّ، يُقَالَ لَهُ: الجعد بنُ بَعْجَةَ، فقال...".

ورواه علي بن الجعد في «مسنده» (ص316) برقم (2147) عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، به.

ورواه عبدالله بن أحمد في «زوائد المسند» (1/91) برقم (703) عن عليّ بن حَكِيمٍ الأودي، عن شَرِيك، به.

قلت: الجعد بن بعجة لم أجد من ذكره، فالله أعلم.

قال ابن حجر في «الإصابة» (5/100): "عبدالله بن وهب الراسبي من بني راسب بن مالك بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد، له إدراك، وشهد فتوح العراق مع سعد بن أبي وقاص، وذكر الطبري في التاريخ: أن سعداً أرسله مع المضارب العجلي وجماعة وأمّر عليهم ضرار بن الخطاب بأمر عمر إلى أناس اجتمعوا من الذين يقاتلونهم، ثم كان مع علي في حروبه، ولما وقع التحكيم فأنكره الخوارج واجتمعوا بالنهروان أمّروا عليهم عبدالله بن وهب الراسبي وكان عجباً في كثرة العبادة حتى لقب ذا الثفنات، كان لكثرة سجوده صار في يديه وركبتيه كثفنات البعير، وقتل الراسبي المذكور مع من قتل بالنهروان، وقصته في ذلك مشهورة، ذكره ابن الكلبي وغيره".

قلت: كانت وقعة النهروان بين عليّ رضي الله عنه والخوارج في شعبان سنة ثمان وثلاثين، وقتل أكثر أصحاب الراسبي، وقتل من أصحاب عليّ اثنا عشر رجلأ، ويُقال كانت هذه الوقعة في العام القابل، أي سنة تسع وثلاثين.

روى ابن عساكر في «تاريخه» (23/6) من طريق أبي بكر محمد بن الحسين بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، قال: حدثنا جدي يعقوب، قال: في تسمية من قتل من الخوارج يوم النهروان: (شريح بن أوفى، كان على الميسرة قتله قيس بن معا المرهبي من همدان). وكذا ذكره أبو حسان الزيادي.

وروى من طريق عبدالرحمن بن محمد، قال: أخبرني أبي، قال: حدثني أبو عبيد، قال: "سنة تسع وثلاثين فيها قتلت الخوارج من أهل النهر منهم: عبدالله بن وهب الراسبي، وزيد بن حصن الطائي، وشريح بن أبي أوفى العبسي، وأبي بن قيس النخعي، وكانوا هم القراء من أصحاب علي قبل الحكمين".

5- حديث كُلَيْبٍ الجَرْمِيُّ عن عليّ:

كُليب بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي، لم تثبت له صحبة وأرسل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وسمع من عمر وعليّ، وكان ثقة.

قال محمد بن سعد: "كان ثقة من قضاعة، ورأيتهم يستحسنون حديثه، ويحتجون به".

روى عنه ابنه عاصم، وهو صالح الحديث، فيه بعض الكلام.

أخرج حديث هذا النسائي في «السنن الكبرى»، باب (ثواب من قاتلهم – أي الخوارج)، (5/162) برقم (8568) قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُنْذِرِ، قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ فُضَيْلٍ، قالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: «كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ جَالِسًا إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابُ السَّفَرِ. قالَ - وَعَلِيٌّ يُكَلِّمُ النَّاسَ، وَيُكَلِّمُونَهُ - فقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَتَأْذَنُ أَنْ أَتَكَلَّمُ؟ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَشَغَلَهُ مَا هُوَ فِيهِ، فَجَلَسْتُ إِلَى الرَّجُلِ، فَسَأَلْتُهُ: مَا خَبَرُكَ؟ قالَ: كُنْتُ مُعْتَمِرًا، فَلَقِيتُ عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِي: «هؤُلَاءِ القَوْمُ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي أَرْضِكُمْ يُسَمُّونَ حَرُورِيَّةً! قُلْتُ: خَرَجُوا فِي مَوْضِعٍ يُسَمَّى حَرُورَاءَ، فَسُمُّوا بِذَلِكَ، فَقَالَتْ: طُوبَى لِمَنْ شَهِدَ هَلَكَتَهُمْ، لَوْ شَاءَ ابنُ أَبِي طَالِبٍ لَأَخَبَرَكُمْ خَبَرَهُمْ!، فَجِئْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ خَبَرِهِمْ، فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ قَالَ: أَيْنَ الْمُسْتَأْذِنُ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ كَمَا قَصَّ عَلَيْنَا. قال: إِنِّي دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ غَيْرُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ أَنْتَ يَا عَلِيُّ، وَقَوْمُ كَذَا وَكَذَا؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وقالَ: ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ: «قَوْمٌ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجٌ كَأَنَّ يَدَهُ ثَدْيٌ أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِمْ؟» قَالُوا: نَعَمْ. قالَ: «أُنَاشِدُكُمْ بِاللهِ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّهُ فِيهِمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قالَ: فَأَتَيْتُمُونِي، فَأَخْبَرْتُمُونِي أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ، فَحَلَفْتُ لَكُمْ بِاللهِ أَنَّهُ فِيهِمْ، فَأَتَيْتُمُونِي بِهِ تَسْحَبُونَهُ كَمَا نُعِتَ لَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ».

وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (1/363) برقم (472) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، وأَبي هِشَامٍ الرِّفَاعِيّ، عن مُحَمَّد بن فُضَيْلٍ، به.

وأخرجه عبدالله بن أحمد في «زوائد المسند» مفرقاً في حديثين بإسنادين (1/160) برقم (1378) قال: حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنِّي دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَالَ: «يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ كَيْفَ أَنْتَ وَقَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: قُلْتُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: قَوْمٌ يَخْرُجُونَ مِنَ المَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَمِنْهُمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ، كَأَنَّ يَدَيْهِ ثَدْيُ حَبَشِيَّة».

ثم برقم (1379) قال: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ أَبُو مَعْمَرٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ إِدْرِيسَ، قال: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قالَ: «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابُ السَّفَرِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَشُغِلَ عَنْهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنِّي دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَالَ لِي: كَيْفَ أَنْتَ وَقَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ فَقُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ عَادَ، فَقُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَقَالَ: قَوْمٌ يَخْرُجُونَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ، كَأَنَّ يَدَهُ ثَدْيُ حَبَشِيَّةٍ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلِ اخْبَرْتُكُمِ انَّ فِيهِمْ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ».

وأخرجه البزار في «مسنده» (3/93) برقم (872) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرٍ، قالَ: حدثنا أَبُو هِشَامٍ المَخْزُومِيُّ المُغِيرَةُ بنُ سَلَمَةَ، قالَ: حدثنا عَبْدُالوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، قالَ: حدثنا عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كَانَتْ مَجَالِسُ النَّاسِ المَسَاجِدُ حَتَّى رَجَعُوا مِنْ صِفِّينَ وَبَرَؤُوا مِنَ الْقَضِيَّةِ فَاسْتَخَفَّ النَّاسُ وَقَعَدُوا فِي السِّكَكِ يَتَخَبَّرُونَ الأَخْبَارَ فَبَيْنَمَا نَحْنُ قُعُودٌ عِنْدَ عَلِيٍّ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِأَمْرٍ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: ائْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ , قَالَ: فَشُغِلَ بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، قالَ: فَأَخَذْنَا الرَّجُلَ فَأَقْعَدْنَاهُ إِلَيْنَا.. وذكر الحديث بطوله.

قال ابن كثير: "إسناده جيد".

قلت: أصل قصة الخوارج صحيحة في الصحيحين ولم يخرجوه بهذا السياق، ولا من حديث عائشة رضي الله عنها. فذكر عائشة هنا وأن النبي صلى الله عليه وسلم حدث علياً به وهي موجودة غريب جداً!! ومن أغرب ما فيه: "طُوبَى لِمَنْ شَهِدَ هَلَكَتَهُمْ، لَوْ شَاءَ ابنُ أَبِي طَالِبٍ لَأَخَبَرَكُمْ خَبَرَهُمْ"!!

ولم يذكر عائشة في الحديث إلا عاصم عن أبيه، وعاصم صالح ليس بالمتقن في الحديث، وله غرائب في حديثه!

6- حديث طارق بن زياد عن عليّ:

قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (9/366): "طارق بن زياد: يُعدّ في الكوفيين، شهد مع علي بن أبى طالب الحرب بالنهروان، وروى عنه قصة المخدج، حدّث عنه إبراهيم بن عبدالأعلى".

وحديثه أخرجه أحمد في «مسنده» (1/107، 147) برقم (848) و(1254)، عن الوَلِيد بن القَاسِمِ بن الوَلِيدِ الهمداني، وأبي نُعيم، قالا: حدثنا إِسْرَائِيلُ، قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ – يَعْنِي: ابن عبدالأَعْلَى -، عن طَارِقِ بن زِيَادٍ، قال: «خَرَجْنَا مع علي إلى الْخَوَارِجِ فَقَتَلَهُمْ، ثُمَّ قال: انْظُرُوا فإن نبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: إنه سَيَخْرُجُ قَوْمٌ يَتَكَلَّمُونَ بِالحَقِّ لا يَجُوزُ حَلْقَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَقِّ كما يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، سِيمَاهُمْ أن منهم رَجُلاً أَسْوَدَ مُخْدَجَ الْيَدِ في يَدِهِ شَعَرَاتٌ سُودٌ، إن كان هو فَقَدْ قَتَلْتُمْ شَرَّ الناس، وإن لم يَكُنْ هو فَقَدْ قَتَلْتُمْ خَيْرَ الناس، فَبَكَيْنَا، ثُمَّ قال: اطْلُبُوا، فَطَلَبْنَا فَوَجَدْنَا الْمُخْدَجَ فَخَرَرْنَا سُجُوداً وَخَرَّ عليّ مَعَنَا سَاجِداً».

وأخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (6/233) عن عبيدالله بن موسى، عن إسرائيل، به.

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/161) برقم (8566) عن أحمد بن بكّار الحراني، عن مَخلد، عن إسرائيل، به.

وأخرجه البزار في «مسنده» (3/111) برقم (897) عن محمد بن مرزوق بن بكير، عن عثمان بن عمر، عن إسرائيل، به.

قال البزار: "ولا نعلم روى طارق بن زياد عن علي إلا هذا الحديث".

قال عبّاس الدوري: وسألت يحيى عن طارق بن زياد من هو؟ فقال: "حدثنا وكيع عن إسرائيل عن إبراهيم بن عبدالأعلى عن طارق بن زياد، لم أسمع به إلا في هذا الحديث".

وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/353): "طارق بن زياد: سمع علياً، روى عنه إبراهيم بن عبدالأعلى".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (4/395) قال: "طارق بن زياد: يروي عن علي، روى عنه إبراهيم بن عبدالأعلى".

وقال ابن خراش وابن حجر: "مجهول".

قلت: لا يُعرف إلا في هذا الحديث، والراوي عنه إبراهيم بن عبدالأعلى ثقة يروي عن أصحاب عليّ، والحديث ليس فيه نكارة، وقد صرّح أنه خرج مع عليّ، فحديث مقبول إن شاء الله.

7- حديث أبي مريم عن عليّ:

قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (12/455): "قيس أبو مريم المدائني: سمع علي بن أبي طالب، روى عنه نعيم بن حكيم المدائني".

وحديث أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/561) برقم (37927) قال: حدثنا عُبَيْدُاللهِ، قال: أخبرنا نُعَيْمُ بن حَكِيمٍ، قال: حدثني أبو مَرْيَمَ: «أَنَّ شُبِثَ بن رِبْعِيٍّ وابن الْكَوَّاءِ خَرَجَا من الكُوفَةِ إلى حَرُورَاءَ، فَأَمَرَ عَلِيٌّ الناس أَنْ يَخْرُجُوا بِسِلاَحِهِمْ فَخَرَجُوا إلَى المَسْجِدِ حتى امتلأ الْمَسْجِدُ، فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ: بِئْسَ ما صَنَعْتُمْ حين تَدْخُلُونَ المَسْجِدَ بِسِلاَحِكُمْ، اذْهبُوا إلَى جَبَّانَةِ مُرَادٍ حتى يَأْتِيَكُمْ أَمْرِي.

قال: قال أبو مَرْيَمَ: فَانْطَلَقْنَا إلى جَبَّانَةِ مُرَادٍ، فَكُنَّا بها سَاعَةً من نَهَارٍ، ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّ الْقَوْمَ قد رَجَعُوا وَأَنَّهُمْ زَاحِفُونَ.

قال: فَقُلْت أَنْطَلِقُ أنا فَأَنْظُرُ إلَيْهِمْ. قال: فَانْطَلَقْت فَجَعَلْت أَتَخَلَّلُ صُفُوفَهُمْ حتى انْتَهَيْت إلَى شَبَثِ بن رِبْعِيٍّ وابن الْكَوَّاءِ وَهُمَا وَاقِفَانِ مُتَوَرِّكَانِ على دَابَّتَيْهِمَا وَعَنْدَهُمْ رُسُلُ عَلِيٍّ يُنَاشِدُونَهُمَا اللَّهَ لَمَا رَجَعُوا وَهُمْ يَقُولُونَ لهم: نُعِيذُكُمْ بِاللهِ أَنْ تُعَجِّلُوا بِفِتْنَةِ الْعَامِ خَشْيَةَ عَامٍ قَابِلٍ، فَقَامَ رَجُلٌ منهم إلَى بَعْضِ رُسُلِ عَلِيٍّ فَعَقَرَ دَابَّتَهُ فَنَزَلَ الرَّجُلُ وهو يَسْتَرْجِعُ، فَحَمَلَ سَرْجَهُ فَانْطَلَقَ بِهِ وهُمَا يقولان: ما طَلَبْنَا إَلاَ مُنَابَذَتَهُمْ، وَهُمْ يُنَاشِدُونَهُمْ اللَّهَ فَمَكَثُوا سَاعَةً، ثُمَّ انْصَرَفُوا إلَى الْكُوفَةِ كَأَنَّهُ يَوْمُ أَضْحَى أو يَوْمُ فِطْرٍ، وكان يُحَدِّثُنَا قبل ذلك أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ من الإِسْلاَمِ يَمْرُقُونَ منه كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمْيَةِ عَلاَمَتُهُمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ. قال: فَسَمِعْت ذلك مِرَارًا كَثِيرَةً. قال: وَسَمِعَهُ نَافِعٌ الْمُخْدَعُ أَيْضًا حتى رَأَيْته يَتَكَرَّهُ طَعَامَهُ من كَثْرَةِ ما سَمِعَهُ منه. قال: وكان نَافِعٌ معنا في الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فيه بِالنَّهَارِ وَيَبِيتُ فيه بِاللَّيْلِ، وقد كَسَوْته بُرْنُسًا فَلَقِيته من الْغَدِ فَسَأَلْته هل كان خَرَجَ معنا الناس الَذِينَ خَرَجُوا إلى حَرُورَاءَ؟ قال: خَرَجْت أُرِيدُهُمْ حتي إذَا بَلَغْت إلي بَنِي فُلاَنٍ لَقِيَنِي صِبْيَانٌ فَنَزَعُوا سِلاَحِي فَرَجَعْت حتى إذَا كان الْحَوْلُ أو نَحْوُهُ خَرَجَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ وَسَارَ عَلِيٌّ إلَيْهِمْ فلم أَخْرُجْ معه. قال: وَخَرَجَ أَخِي أبو عبداللهِ وَمَوْلاَهُ مع عَلِيٍّ. قال: فَأَخْبَرَنِي أبو عبداللهِ أَنَّ عَلِيًّا سَارَ إلَيْهِمْ حتى إذَا كان حِذَاءَهُمْ على شاطئ النَّهْرَوَانِ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ يُنَاشِدُهُمْ اللَّهَ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فلم تَزَلْ رُسُلُهُ تَخْتَلِفُ إلَيْهِمْ حتى قَتَلُوا رَسُولَهُ، فلما رَأَى ذلك نَهَضَ إلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ حتى فَرَغَ منهم كُلِّهِمْ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْمُخْدَجَ فَالْتَمَسُوهُ، فقال بَعْضُهُمْ: ما نَجِدُهُ حَيًّا! وقال بَعْضُهُمْ: ما هو فِيهِمْ! ثُمَّ إنه جَاءَهُ رَجُلٌ فَبَشَّرَهُ، فقال: يا أمير المُؤْمِنِينَ، قد واللهِ وَجَدْنَاهُ تَحْتَ قَتِيلَيْنِ في سَاقَيْهِ. فقال: اقْطَعُوا يَدَهُ الْمُخْدَجَةَ وَأْتُونِي بها فلما أُتِيَ بها أَخَذَهَا بيده، ثُمَّ رَفَعَهَا، ثُمَّ قال: واللهِ ما كَذَبْت وَلاَ كُذِّبْت».

قلت: أصل الحديث صحيح، وفي بعض ألفاظه غرابة كأمر عليّ قطع يد المخدج!! وراوي الحديث نُعيم بن حكيم مشّاه بعض أهل العلم وفي حديثه نُكرة، وينفرد عن أبي مريم بمناكير!

وقد أخرج الحديث عبدالله بن أحمد في «زوائد المسند» (1/151) برقم (1302) عن أبي خَيْثَمَة، عن شَبَابَة بن سَوَّارٍ، عن نُعَيْم بن حَكِيمٍ، به، مختصراً «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم قال: إن قَوْماً يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ يقرؤون الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وقتلوا عَلاَمَتُهُمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ اليَدِ».

وأخرجه أبو داود في «سننه»، (باب في قتال الخوارج) (4/245) برقم (4770) عن بِشْرُ بن خَالِدٍ، عن شَبَابَة بن سَوَّارٍ، عن نُعَيْمِ بن حَكِيمٍ عن أبي مَرْيَمَ قال: "إن كان ذلك الْمُخْدَجُ لَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ في الْمَسْجِدِ نُجَالِسُهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وكان فَقِيرًا وَرَأَيْتُهُ مع الْمَسَاكِينِ يَشْهَدُ طَعَامَ عَلِيٍّ مع الناس، وقد كَسَوْتُهُ بُرْنُسًا لي.

قال أبو مَرْيَمَ: وكان الْمُخْدَجُ يُسَمَّى نَافِعًا ذَا الثُّدَيَّةِ، وكان في يَدِهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ على رَأْسِهِ حَلَمَةٌ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ عليه شُعَيْرَاتٌ مِثْلُ سِبَالَةِ السِّنَّوْرِ".

قال أبو دَاوُد: "وهو عِنْدَ الناس اسْمُهُ: حَرْقُوسُ".

قلت: قال ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (12/319): "حرقوص بن هبيرة، ويقال: ابن زهير الكوفي، من أصحاب علي، وهو ممن قتل يوم النهروان، وكان قدم دمشق في جملة المسيرين من الكوفة في خلافة عثمان فيما رواه علي بن محمد المدائني عن علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الشعبي".

ثم ساق بإسناده إلى أبي بشر الدولابي، قال: أخبرني محمد بن سعدان، عن الحسن بن عثمان قال: "قتل علي الخوارج بالنهروان وكان على الرجالة: حرقوص بن زهير، قتله حبيش بن ربيعة أبو المغيرة".

قلت: يُحتمل أنه هو، ويحتمل أنه غير هذا الذي روى عن علي: (أن رجلاً وقع على جارية امرأته فدرأ عنه الحد).

وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» (4/193): "حرقوس بن زهير، ويقال: بشير، وقد قيل: حرقوص بالصاد، يروي عن علي، روى عنه: الهيثم بن بدر".

ورواه أيضاً عبدالملك بن حكيم عن أبي مريم متابعاً أخاه على بعضه.

أخرجه الطيالسي في «مسنده» (ص24) برقم (165) قال: حدثنا أبو عوانة، عن عبدالملك بن حكيم ونعيم بن حكيم، كلاهما عن أبي مريم، قال: سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن ناساً من أمتي يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، علامتهم رجل مخدج اليد». قال أبو مريم: حدثني أخي - وكان خرج مع مولاه علي بالنهروان- قال: "لم يقاتلهم حتى قتلوا رسوله، فلما رأى ذلك نهض إليهم فقاتلهم فلما فرغ منهم قال: التمسوا المخدج، فجعلت الرسل تختلف فلا يقدر عليه، ثم جاء رجل بعد فبشره. قال: وجدناه في وطأة من الأرض تحت رجلين فقطع يديه والثدية فأخذها ونصبها، وقال: ما كذبت ولا كذبت - قالها مراراً".

وعبدالملك مستور الحال ليس بالمشهور.

قال الدوري: سئل يحيى عن نعيم بن حكيم الذي يُحدّث عن أبي مريم عن علي؟ فقال يحيى: "كان شبابة وغيره يروي عنه". فقيل ليحيى: كان له أخ يُقال له: عبدالملك بن حكيم؟ فقال: "نعم، وقد روى عبدالملك بن حكيم هذا عن أبي مريم أيضاً". قلت له: إنه يحدث ببعض أحاديث نعيم عن أبي مريم! فقال: "لعله قد سمعها" - ولم ينكر ذلك.

قلت: يعني استغرب الدوري تحديث عبدالملك عن أبي مريم بنفس الأحاديث التي يحدث بها أخوه نعيم عن أبي مريم! فقال ابن معين إنه ربما سمعها من أبي مريم كما سمعها أخوه من أبي مريم.

وهذا الحديث هو الوحيد الذي وقفت عليه مما حدث به عبدالملك وأخوه نعيم كلاهما عن أبي مريم، وهو لا بأس به إلا في ذكره أن الذي حدث أبا مريم بما حصل للمخدج هو أخوه الذي خرج مع عليّ! وفي حديث نعيم أنه هو الذي خرج مع عليّ. والذي أميل إليه أن عبدالملك قد أخذ حديث أبي مريم من أخيه نعيم، والله أعلم.

8- حديث أبي وَضِيء عن عليّ:

أبو الوَضِيء، مشهور بكنيته، واسمه: عبّاد بن نُسَيْب، وكان من فرسان عليّ على شرطته الخميس، وحضر معه وقعة الخوارج بالنهروان.

أخرج حديثه بطوله الحاكم في «المستدرك» (4/576) برقم (8617) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ يَحْيَى المُقْرِئُ بِبَغْدَادَ، وأَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ بِمَرْوَ، قالَا: حدثَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، قال: حدثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ بنُ عَبْدِالوَارِثِ بنِ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قال: حدثَنَا يَزِيدُ بنُ صَالِحٍ: أَنَّ أَبَا الْوَضِيءِ عَبَّادُ بنُ نَسِيبٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ قالَ: «كُنَّا فِي مَسِيرٍ عَامِدِينَ إِلَى الْكُوفَةِ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا بَلَغْنَا مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ مِنْ حَرُورَاءَ شَذَّ مِنَّا نَاسٌ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ: لَا يَهُولَنَّكُمْ أَمْرُهُمْ فَإِنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ، فَنَزَلْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ شَذَّ مَثْلَيْ مَنْ شَذَّ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ: لَا يَهُولَنَّكُمْ أَمْرُهُمْ فَإِنَّ أَمْرَهُمْ يَسِيرٌ، وقالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَبْدَأُوهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ يَبْدَأُوكُمْ، فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ وَاتَّقَيْنَا بُتُرُسِنَا فَجَعَلُوا يُنَاوِلُونَا بِالنُّشَّابِ وَالسِّهَامِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ دَنَوْا مِنَّا فَأَسْنَدُوا لَنَا الرَّمَّاحَ، ثُمَّ تَنَاوَلُونَا بِالسُّيُوفِ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَضَعُوا السُّيُوفَ فِينَا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ يُقَالُ لَهُ: صَعْصَعَةُ بنُ صُوحَانَ، فَنَادَى ثَلَاثًا فَقَالُوا: مَا تَشَاءُ؟ فَقَالَ: أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَخْرُجُوا بِأَرْضٍ تَكُونُ مَسَبَّةً عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَمْرُقُوا مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُمْ قَدْ وَضَعُوا فِينَا السُّيُوفَ، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: انْهَضُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَا كَانَ إِلَّا فُوَاقٌ مِنْ نَهَارٍ حَتَّى ضَجَعْنَا مَنْ ضَجَعْنَا وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي: أَنَّ قَائِدَ هَؤُلَاءِ رَجُلٌ مُخَدَّجُ الْيَدِ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِهِ شُعَيْرَاتٌ كَأَنَّهُنَّ ذَنَبُ يَرْبُوعٍ فَالْتَمِسُوهُ. فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا: إِنَّا لَمْ نَجِدْهُ، فَقَالَ: الْتَمِسُوهُ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ فَمَا زِلْنَا نَلْتَمِسُهُ حَتَّى جَاءَ عَلِيٌّ بِنَفْسِهِ إِلَى آخِرِ الْمَعْرَكَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: اقْلِبُوا ذَا، اقْلِبُوا ذَا، حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: هَا هُوَ ذَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ أَحَدٌ يُخْبِرُكُمْ مَنْ أَبُوهُ مَلَكٌ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا مَلَكٌ هَذَا مَلَكٌ، يَقُولُ عَلِيُّ: ابْنُ مَنْ؟ يَقُولُونَ: لَا نَدْرِي فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذَا، كُنْتُ أَرُوضُ مُهْرَةً لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ شَيْخً مِنْ بَنِي فُلَانً، وَأَضَعُ عَلَى ظَهْرِهَا جَوَالِقَ سَهْلَةً أُقْبِلُ بِهَا وَأُدْبِرُ إِذْ نَفَرَتِ الْمُهْرَةُ فَنَادَانِي، فَقَالَ: يَا غُلَامُ انْظُرْ فَإِنَّ الْمُهْرَةَ قَدْ نَفَرَتْ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَأَرَى خَيَالًا كَأَنَّهُ غَرْبٌ أَوْ شَاةٌ إِذْ أَشْرَفَ هَذَا عَلَيْنَا، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، قَالَ: وَمَا جَاءَ بِكَ شَعِثًا شَاحِبًا؟ قَالَ: جِئْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ فِي مُصَلَّى الْكُوفَةِ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ مَا لَنَا رَابِعٌ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى انْطَلَقَ بِهِ إِلَى الْبَيْتِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَاقَ إِلَيْكِ خَيْرًا، قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنِّي إِلَيْهِ لَفَقِيرَةٌ فَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ شَعِثٌ شَاحِبٌ كَمَا تَرَيْنَ جَاءَ مِنَ الْيَمَامَةِ لِيَعْبُدَ اللَّهَ فِي مُصَلَّى الْكُوفَةِ، فَكَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ وَيَدْعُو النَّاسَ حَتَّى اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَا إِنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي: أَنَّهُمْ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ مِنَ الْجِنِّ هَذَا أَكْبَرُهُمْ، وَالثَّانِي لَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَالثَّالِثُ فِيهِ ضَعْفٌ».

قال الحاكم: "وقد أَخْرَجَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثَ المُخَدَّجِ على سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ فِي المُسْنَدِ الصَّحِيحِ، ولمْ يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ، وهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ".

وأخرجه عبدالله بن أحمد في «زوائد المسند» (1/140) قال: حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ الشَّاعِرُ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُالصَّمَدِ بنُ عَبْدِالْوَارِثِ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ أَبِي صَالِحٍ: أَنَّ أَبَا الْوَضِيءِ عَبَّادًا حَدَّثَهُ: أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا عَامِدِينَ إِلَى الْكُوفَةِ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا بَلَغْنَا مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ - أَوْ ثَلاثٍ - مِنْ حَرُورَاءَ، شَذَّ مِنَّا نَاسٌ كَثِيرٌ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ: لَا يَهُولَنَّكُمْ أَمْرُهُمْ فَإِنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ - قالَ: فَحَمِدَ اللهَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ: إِنَّ خَلِيلِي أَخْبَرَنِي: أَنَّ قَائِدَ هَؤُلاءِ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ، عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِهِ شَعَرَاتٌ، كَأَنَّهُنَّ ذَنَبُ الْيَرْبُوعِ فَالْتَمَسُوهُ. فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا: إِنَّا لَمْ نَجِدْهُ. فَقَالَ: الْتَمِسُوهُ، فَوَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ ثَلَاثًا، فَقُلْنَا: لَمْ نَجِدْهُ، فَجَاءَ عَلِيٌّ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَ يَقُولُ: "اقْلِبُوا ذَا اقْلِبُوا ذَا" حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْكُوفَةِ فَقَالَ: هُوَ ذَا، قَالَ عَلِيٌّ: اللهُ أَكْبَرُ، لَا يَأْتِيكُمِ أَحَدٌ يُخْبِرُكُمْ مَنْ أَبُوهُ؟، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ هَذَا مَالِكٌ، هَذَا مَالِكٌ، يَقُولُ عَلِيٌّ: ابْنُ مَنْ هُو».

قال ابن كثير في «البداية والنهاية»: "وهذا السياق فيه غرابة جِدًّا".

قلت: نعم، وخاصة ما في آخره: «أَنَّهُمْ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ مِنَ الْجِنِّ هَذَا أَكْبَرُهُمْ، وَالثَّانِي لَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَالثَّالِثُ فِيهِ ضَعْفٌ»! فهذا منكرٌ جداً.

ويزيد بن أبي صالح أبو حبيب الدباغ وثقه يحيى بن معين وغيره، وقال أبو حاتم: "ليس بحديثه بأس، وهو أوثق من بقى بالبصرة من أصحاب أنس". وحدّ عنه وكيع وقال: "حدثنا وكان دباغاً، وكان حسن الحديث عنده أربعة أحاديث".

ورواه عن أبي الوضيء: جميل بن مرة الشيباني وكان ثقة، باختصار، فلا ندري هل كان عنده بطوله كما رواه يزيد بن صالح أم لا!

فأخرجه الطيالسي في «مسنده» (ص24) مختصراً، عن حماد بن زيد، عن جميل بن مرة، عن أبي الوضيء السحيمي قال: «كنا مع علي بن أبي طالب بالنهروان. قال: التمسوا المخدج، فالتمسوه فلم يجدوه، فأتوه فقال: ارجعوا فالتمسوه فوالله ما كذبت ولا كذبت، حتى قال لي ذلك مراراً، فرجعوا فوجدناه تحت القتلى في الطين، كأني أنظر إليه حبشي عليه قُريطق له ثدي كثدي المرأة عليه شعيرات كشعيرات التي على ذنب اليربوع، فسرّ بذلك علي رضي الله عنه".

وأخرجه عبدالله بن أحمد في «زوائد المسند» (1/139، 141) عن عُبَيْداللَّهِ بن عُمَرَ القواريري ومُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، كلاهما عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، به.

وأخرجه أبو داود في «سننه» برقم (4769) عن محمد بن عُبيدٍ، عن حماد بنُ زيد، به.

وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (1/421) برقم (555) عن أبي الربيع الزهراني، عن حماد، به.

9- حديث أبي كثير الأنصاريّ عن عليّ:

أبو كثير الأنصاري مولاهم، حضر مع علي وقعة الخوارج بالنهروان.

قال البخاري في «الكنى» (ص64): "أبو كثير الأنصاري: سمع علياً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يأتي قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. وقال الجعفي عبدالله بن محمد عن عمر: وحدثنا إسماعيل بن مسلم عن أبي كثير".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/429): "أبو كثير الأنصاري: سمع علي بن أبى طالب رضي الله عنه قال: حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم بأقوام يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية. روى عنه إسماعيل بن مسلم العبدي. سمعت أبي يقول ذلك".

أخرج حديثه أحمد في «مسنده» (1/88) برقم (672) قال: حدثنا أبو سَعِيدٍ مولى بَنِى هاشِمٍ، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بن مُسْلِمٍ العبدي، قال: حدثنا أبو كَثِيرٍ مولى الأَنْصَارِ قال: كنت مع سيدي مع علي بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه حَيْثُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ فَكَأَنَّ الناس وَجَدُوا في أَنْفُسِهِمْ من قَتْلِهِمْ، فقال علي رضي الله عنه: «يا أَيُّهَا الناس، أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قد حدثنا بِأَقْوَامٍ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَرْجِعُونَ فيه أَبَداً حتى يَرْجِعَ السَّهْمُ على فُوقِهِ، وإن آيَةَ ذلك أَنَّ فِيهِمْ رَجُلاً أَسْوَدَ مُخْدَجَ الْيَدِ أحد ثدييه كثدي المَرْأَةِ لها حَلَمَةٌ كَحَلَمَةِ ثدي المَرْأَةِ حَوْلَهُ سَبْعُ هُلْبَاتٍ فَالْتَمِسُوهُ، فإني أُرَاهُ فِيهِمْ فَالْتَمَسُوهُ فَوَجَدُوهُ إلى شَفِيرِ النَّهَرِ تَحْتَ الْقَتْلَى، فَأَخْرَجُوهُ فَكَبَّرَ علي رضي الله عنه، فقال: الله أَكْبَرُ، صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ، وإنه لَمُتَقَلِّدٌ قَوْساً له عربيه فَأَخَذَهَا بيده فَجَعَلَ يَطْعَنُ بها في مخدجيه، وَيَقُولُ: صَدَقَ الله رسوله، وكَبَّرَ الناس حين رَأَوْهُ وَاسْتَبْشَرُوا وذَهبَ عَنْهُمْ ما كَانَوا يَجِدُونَ».

وأخرجه الحُميدي في «مسنده» (1/31) برقم (59) عن عبدالملك بن إبراهيم، عن إسماعيل بن مسلم العبدي، به.

وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (1/372) برقم (478) عن نصر بن علي الجهضمي، عن أبيه، عن إسماعيل بن مسلم، به.

قلت: الحديث حسن إن شاء الله.

10- حديث أبي موسى الهَمْدَانِيِّ عن عليّ:

الحارث بن قيس أبو موسى الهمداني، يُعدّ في الكوفيين، سمع علي بن أبي طالب، وحضر معه الحرب بالنهروان.

أخرج حديثه عبدالرزاق في «المصنف» (3/358) قال: أخبرنا الثوري، عن محمد بن قيس، عن أبي موسى الهمذاني، قال: «كنت مع عليّ يوم النهروان، فقال: التمسوا ذا الثدية، فالتمسوه فجعلوا لا يجدونه فجعل يعرق جبين علي ويقول: والله ما كذبت ولا كذبت فالتمسوه. قال: فوجدناه في ساقية أو جدول تحت قتلى، فأتي به عليّ فخرَّ ساجداً».

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/561) برقم (37928) قال: حدثنا شَرِيكٌ، عن مُحَمَّدِ بن قَيْسٍ، عن أبي مُوسَى: «أن عَلِيًّا لَمَّا أُتِيَ بِالمُخْدَجِ سَجَدَ».

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/167) قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني، قال: حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري، قال: حدثنا عبيدالله بن موسى، قال: حدثنا إسرائيل، عن محمد بن قيس، قال: سمعت مالك بن الحارث يقول: «شهدت علياً رضي الله عنه يوم النهروان طلب المخدج فلم يقدر عليه فجعل جبينه يعرق وأخذه الكرب، ثم إنه قدر عليه فخرّ ساجداً، فقال: والله ما كذبت ولا كذبت».

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بذكر سجدة الشكر، وهو غريب صحيح في سجود الشكر!".

قلت: سيأتي ذكر سجود الشكر أيضاً في رواية أبي وائل التالية!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/279): "الحارث بن قيس أبو موسى، رأى علياً. روى عنه محمد بن قيس الكوفي".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/86): "الحارث بن قيس أبو موسى: روى عن علي، روى عنه محمد بن قيس. سمعت أبي يقول ذلك".

ولكنه ذكره في الكنى فجهّله!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/439): "أبو موسى الهمداني: روى عن علي رضي الله عنه قصة ذي الثدية. روى عنه رمح [كذا] سمعت أبي يقول: هو مجهول".

وقال مسلم في «الكنى والأسماء» (2/766): "أبو موسى: الحارث بن قيس، رأى علياً، روى عنه محمد بن قيس الأسدي".

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/133): "الحارث بن قيس أبو موسى، كوفي، رأى علياً. روى عنه محمد بن قيس الكوفي".

وسئل الدارقطني [كما في العلل: 4/196] عن حديث أبي موسى الهمداني عن علي قال: «اطلبوا المخدج، فوالله ما كذبت ولا كذبت.. الحديث»؟ فقال: "يرويه محمد بن قيس، واختلف عنه: فرواه الثوري عن محمد بن قيس عن أبي موسى عن علي، ورواه الحسن بن صالح عن محمد بن قيس عن عبدالله بن مالك عن علي، وخالفه إسرائيل فقال: عن محمد بن قيس عن مالك بن الحارث عن علي، ولعله اسم أبي موسى، والله أعلم".

قلت: اعتمد ذلك الخطيب فقال في «تاريخ بغداد» (8/206): "روى حديثه إسرائيل بن يونس عن محمد بن قيس فسمى أبا موسى: مالكاً، وسمى أباه: الحارث".

وقال الذهبي في «المقتنى في سرد الكنى» (2/103): "مالك بن عبدالله أو عبدالله بن مالك، وقيل: مالك بن الحارث الهمداني، ويقال: المرهبي، شهد علياً أتي بالمخدج، روى عنه محمد بن قيس الكوفي".

ثم قال: "الحارث بن قيس: رأى علياً وأتي بالمخدج. هو المذكور في اسمه أقوال، والأول أصح".

11- حديث أبي وائل شَقيق بن سلمة عن عليّ:

شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي، مُخضرم، قيل: مات بعد الجماجم، وقيل: مات في خلافة عمر بن عبدالعزيز، وله مائة سنة. ممن سكن الكوفة وورد المدائن مع علي بن أبي طالب حين قاتل الخوارج بالنهروان.

أخرج حديث في الخوارج البزار في «مسنده» (2/186) برقم (564) قال: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بنُ مُوسَى، قالَ: حدثنا إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، قالَ: سَمِعْتُ أَبَا سِنَانٍ، عَنْ حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قالَ: قُلْتُ لِشَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ: حدّثني عَنْ ذِي الثُّدَيَّةِ، قالَ: «لَمَّا قَاتَلْنَاهُمْ، قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اطْلُبُوا رَجُلًا عَلَامَتُهُ كَذَا وَكَذَا فَطَلَبْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ، فَقُلْنَا لَهُ: لَمْ نَجِدْهُ، فَبَكَى، فقَالَ: اطْلُبُوهُ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ، قالَ: فَطَلَبْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ، فَبَكَى، فَقَالَ: اطْلُبُوا فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ، فَطَلَبْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ، قالَ: فَرَكِبَ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءُ فَطَلَبْنَاهُ، فَوَجَدْنَاهُ تَحْتَ بُرْدِي فَلَمَّا رَآهُ سَجَدَ».

قال البزار: "ولا نَعْلَمُ رَوَى حَبِيبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلا هذا الحَدِيثَ".

قلت: أبو سنان سعيد بن سنان الشيباني ليس بالقوي، لكن تابعه حمزة بن حبيب الزيات الثقة.

أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (9/269) من طريق محمد بن كثير الكوفي، عن حمزة الزيات، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: شهدت النهروان مع علي بن أبي طالب، وذكر قصة المخدج.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (6/186) برقم (6142) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زُهيْرٍ الأُبُلِّيُّ قالَ: حدثنا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُنْدِيسَابُورِيُّ قالَ: حدثنا عَبْدُاللَّهِ بنُ رُشَيْدٍ قالَ: حدثنا أَبُو عُبَيْدَةَ مُجَّاعَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ أَبِي عِمْرَانَ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ قَوْلًا، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والخَلِيقَةِ، وَطُوبَى لِمَنْ قَتْلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ».

قال الطبراني: "لم يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ مُسْلِمٍ إِلا مجّاعَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُاللَّهِ بنُ رُشَيْدٍ".

قلت: هذا اللفظ ليس بمحفوظ من حديث أبي سلمة، وعبدالله بن رُشيد الجنديسابوري ليس بقوي، وشيخه مجّاعة ضعيف.

قال ابن عدي: "فأما ابن رشيد وحاضر بن مطهر فعندهما عن مجاعة نسخة طويلة وعامة ما يرويانه وغيرهما من حديث مجاعة يحمل بعضها بعضاً، وهو ممن يُحتمل ويُكتب حديثه".

12- حديث أبي جُحَيفة عن عليّ:

أبو جُحَيفة السُّوائيّ، واسمه وهب بن عبدالله ويعرف بوهب الخير، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، ويقال: إنه لم يكن بلغ الحلم وقت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد مع علي يوم النهروان وورد المدائن في صحبته، وكان صاحب شرطة عليّ. ومات سنة (74هـ) على الأصح.

أخرج حديثه في الخوارج الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (1/199) قال: أخبرنا أبو القاسم الأزهري، قال: حدثنا عليّ بن عبدالرحمن البكائي بالكوفة، قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن سليمان الحضرمي، قال: حدثنا يحيى - يعني عبدالحميد الحمّاني -، قال: حدثنا خالد بن عبدالله الواسطي، عن عطاء بن السائب، عن ميسرة، قال: قال أبو جحيفة: قال عليّ حين فرغنا من الحرورية: «إن فيهم رجلاً مخدجاً ليس في عضده عظم أو عضده حلمة كحلمة الثدي عليها شعرات طوال عقف، فالتمسوه فلم يوجد - وأنا فيمن يلتمس -. قال: فما رأيت علياً جزع جزعاً قط أشد من جزعه يومئذ! فقالوا: ما نجده يا أمير المؤمنين. قال: ويلكم، ما اسم هذا المكان؟ قالوا: النهروان. قال: كذبتم إنه لفيهم، فثورنا القتلى فلم نجده، فعدنا إليه، فقلنا: يا أمير المؤمنين، ما نجده! قال: ويلكم، ما اسم هذا المكان؟ قالوا: النهروان. قال: صدق الله ورسوله وكذبتم، إنه لفيهم فالتمسوه. فالتمسناه في ساقية فوجدناه، فجئنا به، فنظرت إلى عضده ليس فيها عظم وعليها حلمة كحلمة ثدي المرأة عليها شعرات طوال عقف».

قلت: سيأتي الكلام على هذه الرواية مع الرواية التالية.

13- حديث مَيْسرة أبي صالح عن عليّ:

مَيسرة أبو صالح، يُعدّ في الكوفيين، حدّث عن عليّ بن أبي طالب، وسويد بن غفلة. روى عنه: سلمة بن كُهيل، وعطاء بن السائب، وهلال بن خباب. وكان ممن حضر مع عليّ قتال الخوارج بالنهروان.

قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (6/223): "ميسرة أبو صالح، مولى كندة. روى عن علي بن أبي طالب، وله أحاديث. روى عنه عطاء بن السائب".

وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/374): "ميسرة أبو صالح عن علي، روى عنه عطاء بن السائب وسلمة بن كهيل. قال وكيع: يُعدُّ في الكوفيين".

ثم ذكره في باب «الكنى» (ص91): "أبو صالح ميسرة عن علي، روى عنه عطاء بن السائب".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/252): "ميسرة أبو صالح، كوفي. روى عن علي وسويد بن غفلة. روى عنه سلمة بن كهيل وعطاء بن السائب وهلال بن خباب. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/426) وقال: "ميسرة أبو صالح مولى كندة، كوفي، يروي عن علي بن أبي طالب. روى عنه سلمة بن كهيل وعطاء بن السائب".

روى حديثه في الخوارج الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (13/222) قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون النرسي، قال: أخبرنا علي بن عمر الحضرمي، قال: حدثنا حامد بن بلال البخاري، قال: حدثنا محمد بن عبدالله المقرئ، قال: حدثنا أبو أحمد بحير بن النضر، قال: حدثنا غُنْجار – وهو: عيسى بن موسى البخاري-، قال: حدثنا أبو حمزة – وهو: محمد بن ميمون السّكري-، عن عطاء بن السائب قال: دعاني ميسرة أبو صالح - وأرسل إلى رجلٍ يُقال له: أبو عيّاش مولى أبي جُحيفة السّوائي- قال: فحدَّثنا قال: «ما رأيت مثل جزع عليّ يوم النهروان! قال: جعل يقول: اطلبوا ذا الثدية. قال: وكنا نلتمسه وأنا فيمن يلتمسه فلا نجده فآتيه، فيقول: ما اسم هذا المكان؟ فنقول: نهروان. قال: فيجزع، ثم يقول: صدق الله ورسوله وكذبتم، والله إنه لفيهم. قال: ثم يعرق من شدة الجزع في غير حين عرق وأعاد ذلك مراراً يلتمسه، فلم يجده ونعود إليه فيقول: أي مكان هذا، وأي نهر هذا؟ قال: ثم قال: على يده حلمة كحلمة الثدي عليه سبع شعرات أو خمس شعرات عدداً، قال: فوجدناه كما قال".

قلت: عطاء بن السائب من أعيان أهل الكوفة ومن أعمدة الرواية فيها، وقد مشّاه بعض الأئمة فيمن روى عنه قديماً، وضعفوه فيمن روى عنه متأخراً بعد اختلاطه، وفي حديثه نُكرة. وهو يروي هذا الحديث عن ميسرة أبي صالح من أصحاب عليّ عن أبي جُحيفة من أصحاب عليّ أيضاً كما في الرواية السابقة، وهنا يرويه عن ميسرة مباشرة بوجود مولى لأبي جحيفة!

فلا أدري هل خلّط عطاء في هذا الحديث، فذكر هنا الرواية عن أبي جحيفة وإنما هو عن ميسرة بوجود مولى أبي جحيفة، ولا علاقة لأبي جحيفة به! – وإن كان أبا جحيفة حضر مع علي وقعة النهروان إلا أنه ربما لم يُحدّث بها.

وهذا محتمل جداً سيما والقصة هي هي وخاصة السؤال عن ذلك المكان، وهذا هو الأرجح؛ لأنه يروي كلا الحديثين عن ميسرة، وميسرة ممن حضر تلك الوقعة مع الخوارج، ويُرجّح هذا قوله: "دعاني ميسرة أبو صالح وأرسل إلى رجل يُقال له أبو عياش مولى أبي جحيفة السوائي، قال: فحدّثنا قال: ما رأيت.."، والله أعلم.

14- حديث أبي جعفر مولى عليّ عن عليّ:

أخرج الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/339) برقم (7666) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوسَى، قال: حدثنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ الإِصْطَخْرِيُّ، قال: حدثنَا الكِرْمَانِيُّ بنُ عَمْرٍو، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُالحَمِيدِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ الفَرَّاءُ، [عن أبيه]، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مَوْلَى عَلِيٍّ قالَ: شَهِدْتُ مَعَ عَلِيٍّ النَّهَرَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِهِمْ قَالَ: «اطْلُبُوا المُخَدَّجَ» ، فَطَلَبُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، وَأَمَرَ أَنْ يُوضَعَ عَلَى كُلِّ قَتِيلٍ قَصَبَةٌ، فَوَجَدُوهُ فِي وَهْدَةٍ فِي مُسْتَنْقَعِ مَاءٍ، رَجُلٌ أَسْوَدُ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فِي مَوْضِعِ يَدِهِ كَهَيْئَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، فَسَمِعَ أَحَدُ ابْنَيْهِ، يَعْنِي: الحَسَنَ أَوِ الحُسَيْنَ، يَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أراحَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هذِهِ العِصَابَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: «لَوْ لَمْ يُبْقَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ثَلَاثَةٌ لَكَانَ أَحَدُهُمْ عَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ، إِنَّهُمْ لَفِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وأرحامِ النِّسَاءِ».

قال الطبراني: "لم يَرْوِ هذَا الحَدِيثَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مَوْلَى عَلِيٍّ إِلَّا أَبُو جَعْفَرٍ الفَرَّاءُ، ولَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ إِلَا ابْنُهُ عَبْدُالحَمِيدِ، تَفَرَّدَ بِهِ: الكِرْمَانِيُّ بنُ عَمْرٍو أَخُو مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرٍو".

وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/242) قال: "وعن أبي جعفر الفرّاء مولى علي قال: شهدت مع علي النهر...".

ثم قال: "رواه الطبراني في الأوسط وفيه جماعة لم أعرفهم".

قلت: الحديث عن أبي جعفر مولى علي وليس بالفراء، وإنما الفراء هو أبو جعفر والد عبدالحميد، وسقط من الإسناد: "عن أبيه"، فصار: "عبدالحميد بن أبي جعفر عن أبي جعفر مولى علي"! فصار لقب مولى علي: "الفراء" لتشابه الاسم مع والد عبدالحميد: "أبي جعفر"، وهذا يبينه قول الطبراني في آخر الحديث: "لم يرو هذا الحديث عن أبي جعفر مولى علي إلا أبو جعفر الفراء.."، وهذا يدلّ على سقوط اسمه من الإسناد.

والحديث فيه بعض الألفاظ المنكرة التي لا توجد في غيره مما صحّ عن عليّ. وقد تفرد به الكرماني بن عَمْرو بن الْمُهلب بن عَمْرو بن شبيب الْأَزْدِيّ المعني، حدّث عَن حَمَّاد بن سَلمَة بحديث منكر! وهو أَخُو مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن الْمُهلب المعني شيخ البُخَارِيّ.

ولم أجد له ذكراً إلا في ثقات ابن حبان، وحديثه قليل جداً، وهو مجهول الحال، وهو يتفرد بالمناكير! وذِكر ابن حبان له في الثقات لا يرفع من حاله.

وعبدالحميد بن أبي جعفر الفراء، ووالده أبو جعفر واسمه: كيسان، كلاهما صالح الحديث.

وأبو جعفر مولى عليّ لا يُعرف إلا في هذه الرواية، ورواية أخرى أخرجها عبد بن حُميد [كما في المنتخب برقم:79] عن يَزِيد بن هارُونَ، عن سَالِم بن عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مَوْلَى عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ عَلِيًّا قالَ فِي يَوْمٍ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ: «سَبِّحِي حِينَ تَنَامِينَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدِي ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرِي أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ؛ فَهَذِهِ مِائَةٌ، وَهِيَ أَلْفُ حَسَنَةٍ، مَنْ قَالَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَنَامُ فَهِيَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً كُلَّ لَيْلَةٍ، وَكُلُّ عِرْقٍ فِي جَسَدِهِ يُمْحَى عَنْهُ بِهِ سَيِّئَةٌ, ويكتب لَهُ حَسَنَةٌ». قالَ عَلِيٌّ: "فمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ فَاطِمَةَ قَالَتْهَا لِي, وَلَا يَوْمَ صِفِّينَ".

قلت: وهذا إسناد مجهول! والمتن فيه نكارة! وأصله في الصحيحين من حديث ابن أبي لَيْلَى، قال: حدثنا عَلِيٌّ: «أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتْ النبي صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إليه ما تَلْقَى في يَدِها من الرَّحَى وبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ فلم تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذلك لِعَائِشَةَ فلما جاء أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قال: فجَاءَنَا وقد أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فذَهَبْنَا نَقُومُ فقال: على مَكَانِكُمَا، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حتى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ على بَطْنِي، فقال: ألا أَدُلُّكُمَا على خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا: إذا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أو أَوَيْتُمَا إلى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، واحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، فهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا من خَادِمٍ».

15- حديث كَثير بن نَمِر عن عليّ:

كثير هذا ذكره ابن سعد في أصحاب عليّ.

وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/207): "كثير بن نمر الحضرمي، يُعدّ في الكوفيين، سمع علياً. روى عنه: سلمة بن كهيل".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/157): "كثير بن نمر الحضرمي، كوفي، روى عن علي رضي الله عنه. روى عنه: سلمة بن كهيل. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (5/331): "كثير بن نمر الحضرمي، من أهل الكوفة، يروي عن علي بن أبي طالب. روى عنه: سلمة بن كهيل".

وقال ابن ماكولا في «الإكمال» (7/279): "كثير بن نمر الحضرمي، كوفي. حدّث عن الحسن بن علي بن أبي طالب، روى عنه أجلح بن حُجية الكندي".

قلت: حدث عن عليّ لا عن الحسن بن علي!

وقد أخرج حديثه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/562) برقم (37930) عن ابن نُمَيْرٍ، عن الأَجْلَحِ، عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ، عن كَثِيرِ بن نَمِرٍ، قال: «بَيْنَا أنا في الجُمُعَةِ وعَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ على المِنْبَرِ إذْ جاء رَجُلٌ، فقال: لا حُكْمَ إَلاَ لِلَّهِ، ثُمَّ قام آخَرُ فقال: لا حُكْمَ إلا لِلَّهِ، ثُمَّ قَامُوا من نَوَاحِي المَسْجِدِ يُحَكِّمُونَ اللَّهَ، فَأَشَارَ بيده اجْلِسُوا، نعم، لا حُكْمَ إلا لِلَّهِ كَلِمَةُ حَقٍّ يُبْتَغَى بها بَاطِلٌ، حُكْمُ اللهِ يُنْتَظَرُ فِيكُمْ الآنَ، لَكُمْ عَنْدِي ثَلاَثُ خِلالٍ ما كُنْتُمْ معنا: لنْ نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يَذْكُرَ فيها اسْمُهُ، ولا نَمْنَعُكُمْ فَيْئًا ما كانت أَيْدِيكُمْ مع أَيْدِينَا، ولا نُقَاتِلُكُمْ حتى تُقَاتِلُوا. ثُمَّ أَخَذَ في خُطْبَتِهِ».

قلت: الأجلح أبو حجية شيعي، وثقه ابن معين، وضعفه أبو حاتم والجوزجاني وغيرهما. وقد توبع عليه:

فأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/376) برقم (7771) عن محمد بن يعقوب، عن حفص بن عمرو، عن محمد بن كثير، عن الحارث بن حَصِيرة، عن سلمة بن كهيل، عن كثير بن نمر، قال: دخلت مسجد الكوفة عشية جمعة وعليّ يخطب الناس فقاموا من نواحي المسجد يحكمون، فقال بيده هكذا، ثم قال: كلمة حق يبتغى بها باطل.. فذكره.

قلت: محمد بن كثير الكوفي القرشي في حديثه وهم، وهو شيعي، وكذلك شيخه الحارث شيعيّ ضعيف!

والحديث أصله في مسلم من حديث عُبَيْدِاللَّهِ بن أبي رَافِعٍ: "أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لمَّا خَرَجَتْ على عَلِيٍّ وهو معه فَقَالُوا: لا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ. فقال عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بها بَاطِلٌ..".

وهذه الثلاثة التي ذكرها في الحديث مذكورة في حديث آخر عن سلمة عن كثير.

أخرجه أبو عُبيد في كتاب «الأموال» (1/296) قال: حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن كثير بن نمر، قال: جاء رجل برجل من الخوارج إلى عليّ، فقال: «يا أمير المؤمنين، إني وجدت هذا يسبك! قال: فسبّه كما سبني. قال: ويتوعدك! فقال: لا أقتل من لم يقتلني.

قال عليّ: لهم علينا ثلاث: أن لا نمنعهم المساجد أن يذكروا الله فيها، وأن لا نمنعهم الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا، وأن لا نقاتلهم حتى يقاتلونا».

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/464) برقم (37255) مختصراً، عن مُعَاوِيَة بن هِشَامٍ، عن سُفْيَانَن عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ، عن كَثِيرِ بن نُمِرٍ قال: «جاء رَجُلٌ بِرِجَالٍ إلى عَلِيٍّ، فقال: إنِّي رَأَيْت هَؤُلاَءِ يَتَوَعَّدُونَك، فَفَرُّوا وَأَخَذْتُ هذا، قال: أَفَأَقْتُلُ من لم يَقْتُلْنِي! قال: إنه سَبَّك! قال: سُبَّهُ أو دَع».

قلت: وهذ إسناد صحيح، وحديث الأجلح والحارث بن حصيرة عن سلمة بن كهيل وهذا أصله، وعموماً فالحديث حسن إن شاء الله.

16- حديث عاصم بن ضمرة عن عليّ:

عاصم بن ضَمرة السلولي الكوفي، من أصحاب عليّ رضي الله عنه. وثقه ابن معين وابن المديني. وقال أحمد: "هو أعلى من الحارث الأعور، وهو عندي حجة". وقال النسائي: "ليس به بأس". وعابوا عليه أنه يتفرد بأحاديث عن عليّ فيها نكارة! مات سنة (74هـ).

أخرج حديثه عن الخوارج ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/557) برقم (37907) قال: حدثنا عَفَّانَ، قال: حدثنا شُعْبَةُ، عن أبي إِسْحَاقَ، قال: سَمِعْت عَاصِمَ بن ضَمْرَةَ، قال: «إنَّ خَارِجَةً خَرَجَتْ على حُكْمٍ فَقَالُوا: لا حُكْمَ إلا لِلَّهِ. فقال عَلِيٌّ: إنه لا حُكْمَ إلا لِلَّهِ، ولكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لا إمْرَةَ! وَلاَ بُدَّ لِلنَّاسِ من أَمِيرٍ بَرٍّ أو فَاجِرٍ يَعْمَلُ في إمَارَتِهِ المُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ فيها الْكَافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللَّهُ فيه الأَجَلَ».

قلت: هذا إسناد لا بأس به، وله شاهد وهو التالي.

17- حديث المُخَارِقِ بن سُلَيْمٍ عن عليّ:

المُخارق بن سُليم الشيباني من أصحاب عليّ رضي الله عنه، وعدّه بعضهم صحابياً، ولا يصح، وهو تابعيّ كبير.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/430): "مخارق بن سليم الشيباني، يُعدّ في الكوفيين. سمع عمّاراً يوم الجمل يقول: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن يقاتل الرجل تحت راية قومه)، قاله صدقة، عن عقبة بن المغيرة، قال: حدثني إسحاق بن أبي إسحاق الشيباني، عن أبيه، عن المخارق".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/352): "مخارق بن سليم الشيباني، روى عن علي وعمّار. روى عنه: أبو إسحاق الشيباني. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في ثقات التابعين من كتابه «الثقات» (5/444): "مخارق بن سليم أبو قابوس: يروي عن علي بن أبي طالب وعمّار. روى عنه: ابنه عبدالله بن المخارق من حديث المسعودي". يعني: عبدالرحمن بن عبدالله المسعودي.

أخرج حديثه في الخوارج ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/463) برقم (37254) قال: حدثنا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عن الشَّيْبَانِيِّ – هو أبو إسحاق-، عن عبداللهِ بن المُخَارِقِ بن سُلَيْمٍ، عن أبيه، قال: قال عَلِيٌّ: «إنِّي لا أَرَى هؤُلاَءِ القَوْمَ إلا ظَاهِرِينَ عَلَيْكُمْ لِتُفَرِّقَكُمْ عن حَقِّكُمْ، وَاجْتِمَاعُهُمْ على بَاطِلِهِمْ، وَإِنَّ الإِمَامَ ليس يُشَاقُّ سَفَرُهُ، وَإِنَّهُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، فإذا كان عَلَيْكُمْ إمَامٌ يَعْدِلُ في الرَّعِيَّةِ، وَيَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، فَاسْمَعُوا له وَأَطِيعُوا، وإِنَّ الناس لا يُصْلِحُهُمْ إلا إمَامٌ بَرٌّ أو فَاجِرٌ؛ فَإِنْ كان بَرًّا فَلِلرَّاعِي وَلِلرَّعِيَّةِ، وإِنْ كان فاجِرًا عَبَدَ فيه المُؤْمِنُ رَبَّهُ، وعَمِلَ فيه الْفَاجِرُ إلَى أَجَلِهِ، وَإِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ على سَبِّي وعَلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي، فَمَنْ سَبَّنِي فَهُوَ في حِلٍّ من سَبِّي، ولا تبرؤوا من دِينِي فإِنِّي على الإِسْلاَمِ».

18- حديث سُليم بن بَلْج الفزاري عن عليّ:

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/122): "سليم بن بلج الفزاري. حدثني حسن بن مدرك: حدثنا يحيى بن حماد: حدثنا أبو عوانة: حدثنا أبو بلج يحيى بن سليم بن بلج: أخبرني أبي سليم بن بلج: أنه كان مع عليّ يوم النهروان. لم يرفعه".

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/329): "سليم بن بلج: يروي عن علي. روى عنه ابنه أبو بلج يحيى بن سليم".

أخرج حديثه في الخوارج النسائي في «السنن الكبرى» (5/162) برقم (8567) قال: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ، قالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ، قالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَلْجٍ يَحْيَى بنُ سُلَيْمِ بنِ بَلْجٍ، قالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي سُلَيْمُ بنُ بَلْجٍ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ فِي النَّهْرَوَانِ قالَ: «كُنْتُ قَبْلَ ذَلِكَ أُصَارِعُ رَجُلًا عَلَى يَدِهِ شَيْءٌ» فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ يَدِكَ؟ قَالَ: «أَكَلَهَا بَعِيرٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّهْرَوَانِ، وَقَتَلَ عَلِيٌّ الْحَرُورِيَّةَ، فَجَزِعَ عَلِيٌّ مِنْ قَتْلِهِمْ حِينَ لَمْ يَجِدْ ذَا الثُّدَيِّ فَطَافَ، حَتَّى وَجَدَهُ فِي سَاقِيَةٍ» فقَالَ: «صَدَقَ اللهُ، وَبَلَّغَ رَسُولُهُ» وقالَ: «وَفِي مَنْكِبَيْهِ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ فِي مِثْلِ حَلَمَةِ الثَّدْيِ».

قلت: حديث حسن.

19- حديث زِرِّ بن حُبَيشٍ عن عليّ:

زِر بن حُبيش أبو مريم الأسدي، أدرك الجاهلية. سمع عمر وعلياً. روى عنه: عاصم بن أبي النجود وأبو إسحاق الشيباني وغيرهما. عاش مائة وعشرين سنة، وتوفي سنة (82هـ).

أخرج حديثه في الخوارج النسائي في «السنن الكبرى» (5/165) برقم (8574) قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ، قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ عَمْرٌو – وهُوَ: ابنُ هاشِمٍ-، عَنْ إِسْمَاعِيلَ – وهُوَ: ابنُ أَبِي خَالِدٍ - قالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بنُ قَيْسٍ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: «أَنَا فَقَأْتُ عَيْنَ الفِتْنَةِ، ولوْلَا أَنَا مَا قُوتِلَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ، ولوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَتْرُكُوا الْعَمَلَ لَأَخْبَرْتُكُمْ بِالَّذِي قَضَى الله عَلَى لِسَانِ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَاتَلَهُمْ، مُبْصِرًا لِضَلَالَتِهِمْ، عَارِفًا بِالْهُدَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ».

وأخرجه أبو نُعيم في «حلية الأولياء» (4/186) عن أبي عمر بن حمّاد، عن الحسن بن سفيان، عن محمد بن عُبيد النّحاس، به.

قال أبو نُعيم: "غريب من حديث المنهال، وعمرو، وإسماعيل بن أبي خالد! لم نكتبه إلا بهذا الإسناد".

وأخرجه أبو نُعيم أيضاً في «حلية الأولياء» (1/68) عن محمد بن الحسين بن حميد، عن محمد بن تَسْنِيمٍ الحَضْرَمِيّ، عن علي بن الحسين بن عيسى بن زيد، عن جدّه عيسى بن زيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن زر، عن علي.

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (42/474) عن أم الفتح أمة السلام بنت أحمد بن كامل، قالت: حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع بن حميد اللخمي، قال: حدثنا أبو الطاهر محمد بن تَسنِيم الحضرمي، قال: حدثنا علي بن حسين بن عيسى بن زيد، عن أبيه، عن جدّه عيسى بن زيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن علي، به.

قلت: الصواب ما رواه أبو نعيم: "عن زر عن علي" كما هو عند النسائي. وكأنه سقط من نسخة أبي نعيم: "عن أبيه" كما في رواية ابن عساكر، والله أعلم.

وتابع عبدالرحمنُ الرؤاسيُّ إسماعيلَ بن أبي خالد عليه إلا أنه جعله: "عن قيس بن السكن عن عليّ".

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/528) برقم (37734) مطولاً، عن مَالِك بن إسْمَاعِيلَ أبي غسّان النّهدي، قال: حدثنا عبدالرحمن بن حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ، قال: حدثنا عَمْرُو بن قَيْسٍ المُلائي الكوفي، عن المِنْهَالِ بن عَمْرٍو - قال عبدالرحمن: أَظُنُّهُ عن قيسِ بن السَّكَنِ، قال: قال عَلِيٌّ على مِنْبَرِهِ: «إنِّي أنا فَقَأْت عَيْنَ الْفِتْنَةِ، وَلَوْ لم أَكُنْ فِيكُمْ ما قُوتِلَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَأَهْلُ النَّهْرِ، وَأَيْمُ اللهِ لَوْلاَ أَنْ تَتَّكِلُوا فَتَدَعُوا العَمَلَ لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا سَبَقَ لَكُمْ على لِسَانِ نَبِيِّكُمْ لِمَنْ قَاتَلَهُمْ مُبْصِرًا لضلالاتهم، عَارِفًا بِالَّذِي نَحْنُ عليه.

قال: ثُمَّ قال: سَلُونِي، فَإِنَّكُمْ لا تَسْأَلُونِي عن شَيْءٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَلا عن فِئَةٍ تَهْدِي مِائَةً وَتَضِلُّ مِائَةً إَلاَ حَدَّثْتُكُمْ، ولا شَايَعَهَا.

قال: فَقَامَ رَجُلٌ فقال: يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَدِّثْنَا عن البَلاَءِ؟ فقال أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: إذَا سَأَلَ سَائِلٌ فَلْيَعْقِلْ، وإذا سَأَلَ مسؤول فَلْيَتَثَبَّتْ، إنَّ من وَرَائِكُمْ امورا جَلَلاً وَبَلاَءً مُبْلِحًا مُكْلِحًا، والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لو قد فَقَدْتُمُونِي وَنَزَلَتْ جَرَاهِنَةُ الأُمُورِ وَحَقَائِقُ البَلاَءِ لَفَشِلَ كَثِيرٌ من السَّائِلِينَ ولا طرق كَثِيرٌ من الْمَسْئُولِينَ، وذَلِكَ إذَا فَصَلَتْ حَرْبُكُمْ وَكَشَفَتْ عن سَاقٍ لها وَصَارَتْ الدُّنْيَا بَلاَءً على أَهْلِهَا حتى يَفْتَحَ اللَّهُ لِبَقِيَّةِ الأَبْرَارِ.

قال: فَقَامَ رَجُلٌ، فقال: يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَدِّثْنَا عن الفِتْنَةِ؟ فقال: إنَّ الْفِتْنَةَ إذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ، وإذا أَدْبَرَتْ أَسْفَرَتْ، وَإِنَّمَا الْفِتَنُ نُحُومٌ كَنُحُومِ الرِّيَاحِ، يُصِبْنَ بَلَدًا وَيُخْطِئْنَ آخَرَ، فَانْصُرُوا أَقْوَامًا كَانُوا أَصْحَابَ رَايَاتٍ يوم بَدْرٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ تَنْصُرُوا وتؤجروا، أَلاَ إنَّ أَخْوَف الْفِتْنَةِ عَنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ، خَصَّتْ فِتْنَتُهَا وَعَمَّتْ بَلِيَّتُهَا، أَصَابَ الْبَلاَءُ من أَبْصَرَ فيها، وَأَخْطَأَ البَلاَءُ من عَمِيَ عنها، يَظْهَرُ أَهْلُ بَاطِلِهَا على أَهْلِ حَقِّهَا حتى تملأ الأَرْضُ عُدْوَانًا وَظُلْمًا، وَإِنَّ أَوَّلَ من يَكْسِرُ عَمَدَهَا وَيَضَعُ جَبَرُوتَهَا وَيَنْزِعُ أَوْتَادَها: اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، أَلاَ وَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَرْبَابَ سُوءٍ لَكُمْ من بَعْدِي كَالنَّابِ الضُّرُوسِ تَعَضُّ بِفِيهَا، وَتَرْكُضُ بِرِجْلِهَا، وَتَخْبِطُ بِيَدِها، وَتَمْنَعُ دُرَّها، أَلا إنه لا يَزَالُ بَلاَؤُهُمْ بِكُمْ حتى لا يَبْقَى في مِصْرٍ لَكُمْ إلا نَافِعٌ لهم أو غَيْرُ ضَارٍ، وَحَتَّى لا يَكُونَ نُصْرَةُ أَحَدِكُمْ منهم إلا كَنُصْرَةِ الْعَبْدِ من سَيِّدِهِ، وَأَيْمُ اللهِ لو فَرَّقُوكُمْ تَحْتَ كل كَوْكَبٍ لَجَمَعَكُمْ اللَّهُ أَيْسَرَ يَوْمٍ لهم.

قال: فَقَامَ رَجُلٌ فقال: هل بَعْدَ ذَلِكُمْ جَمَاعَةٌ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قال: ألا إنها جَمَاعَةٌ شَتَّى غير أَنَّ أَعْطِيَاتِكُمْ وَحَجَّكُمْ وَأَسْفَارَكُمْ وَاحِدٌ وَالْقُلُوبُ مُخْتَلِفَةٌ هكَذَا - ثُمَّ شَبَّكَ بين أَصَابِعِهِ – قال: مِمَّ ذَاكَ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قال: يَقْتُلُ هذا هذا، فِتْنَةٌ فَظِيعَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ليس فيها أمام هُدًى إلا عَلِمَ نَرَى نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ منها نَجَاةً وَلَسْنَا بِدُعَاةٍ. قال: وما بَعْدَ ذلك يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قال: يُفَرِّجُ اللَّهُ البَلاَءَ بِرَجُلٍ من أَهْلِ الْبَيْتِ تَفْرِيجَ الأَدِيمِ يَأْتِي بن خَبَرِهِ إلا ما يَسُومُهُمْ الْخَسْفُ وَيُسْقِيهِمْ بِكَأْسِ مَصِيرِهِ، وَدَّتْ قُرَيْشٌ بِالدُّنْيَا وما فيها لو يَقْدِرُونَ على مَقَامِ جَزْرٍ وَجَزُورٍ لأقبل منهم بَعْضُ الذي أَعْرَضَ عليهم الْيَوْمَ فَيَرُدُّونَهُ وَيَأْبَى إَلاَ قتلاً».

قلت: عبدالرحمن الرؤاسي قال: "أظنه عن قيس بن السكن"، وإسماعيل بن أبي خالد رواه على الجادة وروايته أصحّ، وكلاهما ثقة، وقد تفرد بالحديث عمرو بن قيس الملائي الكوفي وهو صدوق، والحديث غريب! فيه نكارة واضحة!!

20- حديث أبي مؤمن الواثلي عن عليّ:

أبو المؤمن الواثلي حضر مع عليّ حرب الخوارج بالنهروان.

قال البخاري في «الكنى» (ص74): "أبو مؤمن الواثلي رأى علياً، روى عنه سويد. يُعدّ في الكوفيين".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/444): "أبو مؤمن الواثلي، كوفي، رأى علياً رضي الله عنه. روى عنه: سويد بن عبيد العجلي. سمعت أبي يقول ذلك".

أخرج حديثه في الخوارج ابن أبي عاصم في كتاب «السنة» (2/447) برقم (919) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ بنُ عَبْدِالصَّمَدِ، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حدثنا سُوَيْدٌ العِجْلِيُّ صَاحِبُ القَصَبِ، قال: حدثنا أَبُو مُؤْمِنٍ الوَاثِلِيُّ، قالَ: «شَهِدْتُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ حِينَ قَتَلَ الْحَرُورِيَّةَ، فقالَ: انْظُرُوا فِي الْقَتْلَى رَجُلًا يَدُهُ كَأَنَّهَا ثَدْيُ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنِّي صَاحِبُهُ. فَقَلَبُوا الْقَتْلَى، فَلَمْ يَجِدُوهُ. قالَ: فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ: انْظُرُوا. قَالَ: وَتَحْتَ نَخْلَةٍ سَبْعَةُ نَفَرٍ، فَقَلَبُوا فَنَظَرُوا، فَإِذَا هُوَ فِيهِ، فَرَأَيْتُ جِيءَ بِهِ فِي رِجْلِهِ حَبْلٌ أَسْوَدٌ أُلْقِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَخَرَّ عَلِيٌّ سَاجِدًا وَقَالَ: أَبْشِرُوا قَتْلَاكُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ».

وأخرجه البزار في «مسنده» (3/113) برقم (900) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، ومُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرٍ، قالَا: حدثنا عَبْدُالصَّمَدِ، قالَ: حدثنا سُوَيْدُ بنُ عُبَيْدٍ العِجْلِيُّ، به.

قال البزار: "ولا نَعْلَمُ رَوَى أَبُو مُؤْمِنٍ عَنْ عَلِيٍّ إِلا هذا الحَدِيثَ".

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/229) برقم (8422) مختصراً، عن سُوَيْد بن عُبَيْدٍ العِجْلِيّ، عن أبي مُؤْمِنٍ الْوَاثلِيِّ قال: «شَهِدْتُ عَلِيًّا لَمَّا أتي بِالمُخْدَجِ سَجَدَ».

وأخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (14/362) من طريق يحيى بن مطرف، عن مسلم بن إبراهيم، عن سويد بن عبيد العجلي، به.

قلت: حديث سويد عن أبي المؤمن فيه بعض النكارة كقول "أخبرني أني صاحبه"!

وسويد قال عنه أبو حاتم: "شيخ"، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين.

وقال الذهبي: "أبو المؤمن الواثلي، وقيل: أبو المؤمر براء: لا يُعرف. له عن علي قصة ذي الثدية، وعنه سويد بن عبيد فقط. خرّج له النسائي في مسند عليّ".

21- حديث أبي سليمان المَرْعَشي عن عليّ:

ذكره الخطيب في «تاريخ بغداد» (14/364) قال: "أبو سليمان المرعشي: سمع علي بن أبي طالب وحضر معه قتال الخوارج بالنهروان، وروى عنه الجعد بن عثمان اليشكري".

ثم أخرج حديثه قال: أخبرنا الحسين بن أبي بكر، قال: أخبرنا عبدالصمد بن علي الطستي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر، قال: حدثنا شهاب بن عباد، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان، عن أبي سليمان المرعشي، قال: «لما سار عليّ إلى أهل النهر سرت معه، فلما نزلنا بحضرتهم أخذني غمّ لقتالهم لا يعلمه إلا الله تعالى! قال: حتى سقطت الماء مما أخذني من الغمّ. قال: فخرجت من الماء وقد شرح الله صدري لقتالهم. قال: فقال عليّ لأصحابه: لا تبدؤوهم. قال: فبدأ الخوارج فرموا، فقيل: يا أمير المؤمنين، قد رموا. قال: فأذن لهم بالقتال. قال: فحملت الخوارج على الناس حملة حتى بلغوا منهم شدة، ثم حملوا عليهم الثانية فبلغوا من الناس أشد من الأولى، ثم حملوا الثالثة حتى ظن الناس أنها الهزيمة. قال: فقال علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يقتلون منك عشرة ولا يبقى منهم عشرة. قال: فلما سمع الناس ذلك حملوا عليهم فقُتلوا. قال: فقال علي: إن فيهم رجلاً مخدج اليد أو مثدون أو مودن اليد، قال: فأتي به، قال: فقال علي: من رأى منكم هذا؟ فاسكت القوم، ثم قال علي: من رأى منكم هذا فاسكت القوم! ثم قال علي: من رأى منكم هذا؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين، رأيته جاء لكذا وكذا. قال: كذبت ما رأيته، ولكن هذا أمير خارجة خرجت من الجنّ».

قلت: الجعد بن عثمان أبو عثمان ليس بذاك المشهور، والقصة فيها نكارة بذكر أمير هؤلاء أنه من الجنّ!!

22- حديث أبي خليفة الطائي عن عليّ:

قال إبراهيم بن عمر: قلت لأبي، من أبو خليفة هذا؟ قال: "قرأ على عليّ بن أبي طالب".

وذكره الخطيب في «تاريخ بغداد» (14/365) قال: "أبو خليفة الطائي: سمع علي بن أبي طالب، وورد المدائن وحضر قتال أهل النهر".

قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: حدثنا أحمد إبراهيم بن الحسن، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن يوسف الجريري، قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز، قال: أخبرنا أبو الحسن المدائني، عن عمرو بن المقدام عمّن حدّثه عن أبي خليفة الطائي قال: «لما رجعنا من النهروان لقينا قبل أن ننتهي إلى المدائن أبا العيزار الطائي، فقال لعدي: يا أبا طريف أغانم سالم أم ظالم آثم؟ قال: بل غانم سالم. قال الحكم إذاً إليك، فقال الأسود بن يزيد والأسود بن قيس المراديان - وكانا مع عدي - ما أخرج هذا الكلام منك إلا شر، وإنا لنعرفك برأي القوم فأخذاه فأتيا به علياً، فقالا: إن هذا يرى رأي الخوارج! وقد قال كذا وكذا لعدي!! قال: فما أصنع به؟ قالا: تقتله. قال: اقتل من لا يخرج عليّ! قالا: فتحبسه. قال: وليست له جناية أحبسه عليها، خليا سبيل الرجل».

قلت: الإسناد ضعيف، ففيه مبهم "عمّن حدّث" عن أبي خليفة!

23- حديث عبدالله بن شداد عن عليّ:

عبدالله بن شَدّاد بن الهَاد الليثيّ المدنيّ، وكان ممن نزل الكوفة، وورد المدائن في صحبة علي بن أبي طالب لما خرج إلى حرب الخوارج بالنهروان. مات سنة (81 أو 82هـ).

أخرج حديثه في الخوارج أحمد في «المسند» (1/86) برقم (656) قال: حدثنا إِسْحَاقُ بن عِيسَى الطَّبَّاعُ، قال: حدثني يحيى بن سُلَيْمٍ، عن عبداللَّهِ بن عُثْمَانَ بن خيثم، عن عُبَيْدِاللَّهِ بن عِيَاضِ بن عَمْرٍو القاري، قال: «جاء عبداللَّهِ بن شَدَّادٍ فَدَخَلَ على عَائِشَةَ رضي الله عنها وَنَحْنُ عِنْدَهَا جُلُوسٌ مَرْجِعَهُ مِنَ الْعِرَاقِ ليالي قُتِلَ علي رضي الله عنه، فقالت له: يا عَبْدَاللَّهِ بن شَدَّادٍ، هل أنت صادقي عَمَّا أَسْأَلُكَ عنه، تُحَدِّثُنِى عن هؤُلاَءِ الْقَوْمِ الذي قَتَلَهُمْ علي رضي الله عنه. قال: ومالي لا أَصْدُقُكِ! قالت: فحدثني عن قِصَّتِهِمْ. قال: فإن عَلِيًّا رضي الله عنه لمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ وَحَكَمَ الحَكَمَانِ خَرَجَ عليه ثَمَانِيَةُ آلاَفٍ من قُرَّاءِ الناس، فَنَزَلُوا بِأَرْضٍ يُقَالُ لها: حَرُورَاءُ من جَانِبِ الْكُوفَةِ، وإنهم عَتَبُوا عليه، فَقَالُوا: انْسَلَخْتَ من قَمِيصٍ أَلْبَسَكَهُ الله تَعَالَى وَاسْمٍ سَمَّاكَ الله تَعَالَى بِهِ، ثُمَّ انْطَلَقْتَ فَحَكَّمْتَ في دِينِ اللَّهِ فلاَ حُكْمَ إلا لِلَّهِ تَعَالَى، فلما أن بَلَغ عَلِيًّا رضي الله عنه ما عَتَبُوا عليه وفارَقُوهُ عليه، فَأَمَرَ مُؤَذِّناً فَأَذَّنَ أن لا يَدْخُلَ على أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ إلا رَجُلٌ قد حَمَلَ القُرْآنَ، فلما أن امْتَلأَتِ الدَّارُ من قُرَّاءِ الناس دَعَا بِمُصْحَفٍ إِمَامٍ عَظِيمٍ فَوَضَعَهُ بين يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَصُكُّهُ بيده، وَيَقُولُ: أَيُّهَا الْمُصْحَفُ، حَدِّثِ الناس! فَنَادَاهُ الناس، فقَالُوا: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، ما تَسْأَلُ عنه! أنما هو مِدَادٌ في وَرَقٍ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِمَا رُوِينَا منه، فَمَاذَا تُرِيدُ؟ قال: أَصْحَابُكُمْ هؤُلاَءِ الَذِينَ خَرَجُوا بيني وَبَيْنَهُمْ كِتَابُ اللَّهِ، يقول الله تَعَالَى في كِتَابِهِ في امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً من أَهْلِهِ وَحَكَماً من أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا}، فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَعْظَمُ دَماً وَحُرْمَةً مِنِ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ، وَنَقَمُوا عَلَيَّ أن كَاتَبْتُ مُعَاوِيَةَ: كَتَبَ علي بن أبي طَالِبٍ، وقد جَاءَنَا سُهَيْلُ بن عَمْرٍو وَنَحْنُ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ حين صَالَحَ قَوْمَهُ قُرَيْشاً فَكَتَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ، فقال سُهَيْلٌ: لا تَكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ! فقال: كَيْف نَكْتُبُ؟ فقال: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَاكْتُبْ: مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ. فقال: لو أَعْلَمُ أنك رسول اللَّهِ لم أُخَالِفْكَ. فَكَتَبَ: هذا ما صَالَحَ محمد بن عبداللَّهِ قُرَيْشاً، يقول الله تَعَالَى في كِتَابِهِ {لقد كان لَكُمْ في رسول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كان يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ}، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيّ عَبْدَاللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه فَخَرَجْتُ معه حتى إذا تَوَسَّطْنَا عَسْكَرَهُمْ قام ابن الْكَوَّاءِ يَخْطُبُ الناس، فقال: يا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ، إن هذا عبداللَّهِ بن عَبَّاسٍ فَمَنْ لم يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَأَنَا أُعَرِّفُهُ، من كِتَابِ اللَّهِ ما يعرفة بِهِ، هذا مِمَّنْ نَزَلَ فيه وفي قَوْمِهِ {قَوْمٌ خَصِمُونَ} فَرُدُّوهُ إلى صَاحِبِهِ ولا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ، فَقَامَ خُطَبَاؤُهُمْ، فَقَالُوا: والله لَنُوَاضِعَنَّهُ كِتَابَ اللَّهِ، فَإِنْ جاء بِحَقٍّ نَعْرِفُهُ لنتبعه، وَإِنْ جاء بِبَاطِلٍ لَنُبَكِّتَنَّهُ بِبَاطِلِهِ، فَوَاضَعُوا عَبْدَاللَّهِ الْكِتَابَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَرَجَعَ منهم أَرْبَعَةُ آلاَفٍ كلهم تَائِبٌ فِيهِمُ ابن الْكَوَّاءِ حتى أَدْخَلَهُمْ على عليّ الْكُوفَةَ، فَبَعَثَ علي رضي الله عنه إلى بَقِيَّتِهِمْ، فقال: قد كان من أَمْرِنَا وَأَمْرِ الناس ما قد رَأَيْتُمْ فَقِفُوا حَيْثُ شِئْتُمْ حتى تَجْتَمِعَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ: ألا تَسْفِكُوا دَماً حَرَاماً أو تَقْطَعُوا سَبِيلاً أو تَظْلِمُوا ذِمَّةً، فَإِنَّكُمْ إن فَعَلْتُمْ فَقَدْ نَبَذْنَا إِلَيْكُمُ الحَرْبَ على سَوَاءٍ، إن اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ.

فقالت له عَائِشَةُ رضي الله عنها: يا ابن شَدَّادٍ، فَقَدْ قَتَلَهُمْ! فقال: والله ما بَعَثَ إِلَيْهِمْ حتى قَطَعُوا السَّبِيلَ، وسَفَكُوا الدَّمَ، واسْتَحَلُّوا أَهْلَ الذِّمَّةِ. فقالت: آللَّهِ! قال: آللَّهِ الذي لا إِلَهَ إلا هو، لقد كان. قالت: فما شيء بلغني عن أَهْلِ الذمة يحدثونه: يَقُولُونَ ذُو الثدي وَذُو الثدي؟ قال: قد رَأَيْتُهُ وَقُمْتُ مع علي رضي الله عنه عليه في الْقَتْلَى، فَدَعَا الناس، فقال: أَتَعْرِفُونَ هذا فما أَكْثَرَ من جاء يقول: قد رَأَيْتُهُ في مَسْجِدِ بَنِي فُلاَنٍ يصلي وَرَأَيْتُهُ في مَسْجِدِ بَنِي فُلاَنٍ يصلي، ولم يَأْتُوا فيه بِثَبَتٍ يُعْرَفُ إلا ذلك. قالت: فما قَوْلُ عَلِىٍّ رضي الله عنه حين قام عليه كما يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِرَاقِ؟ قال: سَمِعْتُهُ يقول: صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ. قالت: هل سَمِعْتَ منه أنه قال غير ذلك؟ قال: اللهم لا. قالت: أَجَلْ صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ، يَرْحَمُ الله عَلِيًّا إنه كان من كلاَمِهِ لا يَرَى شَيْئاً يُعْجِبُهُ إِلاَّ قال: صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ، فيَذْهَبُ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَكْذِبُونَ عليه، وَيَزِيدُونَ عليه في الحديث».

وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (1/367) برقم (474) عن إسحاق بن أبي إسرائيل، عن يحيى بن سليم، به.

وأخرجه الضياء المقدسي في «المختارة» (2/222) من طريق أبي عبدالله محمد بن يحيى ابن أبي عمر العدني، عن يحيى، به.

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (42/465) من طريق سويد بن سعيد، عن يحيى، به.

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/165) من طريق محمد بن كثير العبدي، قال: حدثنا يحيى بن سليم وعبدالله بن واقد، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن عبدالله بن شداد.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه إلا ذكر ذي الثدية، فقد أخرجه مسلم بأسانيد كثيرة".

قلت: قرن محمد بن كثير العبدي - وهو ثقة - عبدالله بن واقد بيحيى بن سليم، وسقط من الإسناد "عُبَيْداللَّهِ بن عِيَاضِ بن عَمْرٍو القَارِيّ"! فلا أدري هل رواه هكذا، أم سقط من نسخة الحاكم!

وتابعهما (يحيى بن سليم وعبدالله بن واقد وكلاهما لا بأس به): مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف.

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/180) من طريق إبراهيم بن محمد الشافعي، قال: عَرضَ عليَّ مُسْلم بن خالد الزَّنجي، عن ابن خثيم عن عبيدالله بن عياض، عن عبدالله بن شداد بن الهاد، به.

قال البيهقي: "حديث الثدية حديث صحيح قد ذكرناه فيما مضى، ويجوز أن لا يسمعه ابن شداد وسمعه غيره، والله أعلم".

قلت: الظاهر أنه سمعه وهو قد حضر حرب الخوارج، وحديثه هذا حسن إن شاء الله.

24- حديث جُوَين العَبدي عن عليّ:

جُوين والد أبي هارون العبدي: سمع علي بن أبي طالب وحضر معه يوم النهروان كما روى عنه ابنه أبو هارون.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/541): "جوين العبدي أبو أبي هارون العبدي، روى عن علي، روى عنه أبو هارون ابنه. سمعت أبي يقول ذلك".

أخرج حديثه في الخوارج عبدالرزاق في «المصنف» (10/150) برقم (18657) عن مَعْمَر، عن أبي هارون، قال: أخبرني أبي: أنه كان مع علي رضي الله عنه يوم قتل الحرورية، قال: «فلما قُتلوا أُمروا أن يلتمسوا الرجل، فالتمسوه مراراً حتى وجدوه في مكان، قال: خربة أو شيء - لا أدري ما هو – قال: فرفع عليّ يديه يدعو والناس يدعون، قال: ثم وضع يديه ثم رفعهما أيضاً، ثم قال: والله فالق الحبة وبارئ النسمة لولا أن تبطروا لأخبرتكم بما سبق من الفضل لمن قتلهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم».

وأخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (7/250) من طريق الطبراني، عن إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبدالرزاق، به.

قلت:أبو هارون العبدي عمارة بن جوين ليس بشيء متروك، وقد اتهموه بالكذب.

25- حديث عبدالله بن حُنين عن عليّ:

عبدالله بن حنين قيل إنه كان من كُتّاب عليّ وحضر معه يوم النهروان.

قال الذهبي في «السير» (4/604): "عبدالله بن حنين المدني، مولى العباس، أبو عليّ. يروي عن علي وأبي أيوب وابن عباس. وعنه: ابنه إبراهيم وابن المنكدر وشريك بن أبي نمر وأسامة بن زيد، وآخرون.ثقة كبير".

أخرج حديثه المَحاملي في «آماليه» برقم (144) عن أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثني موسى بن عبيدة، قال: حدثني يحيى بن الشبل، عن جدّه عبدالله بن حُنين - وكان من كُتَّاب علي رضي الله عنه - قال: «دخل علينا الخوارج، فقالوا: اشفعوا لنا إلى علي يذرنا نقاتل معاوية، فإن ظهرنا عليه لم نظهر إلا وقد أوهنا وقتلنا معاوية استراح منا. قال: فذكرنا ذلك لعليّ، فقال: ما كذبت ولا كذبت لأجاهدنهم. قال: فحكموا، فقال: كلمة حق يراد بها الباطل! قال: فقتلهم وهزمهم، فقال: التمسوا لي المخدج، فوجد قتيلاً. فقال علي رضي الله عنه: من يعرف هذا؟ فقال رجل من غني: أنا أعرفه. قال: بم تعرفه؟ قال: خرجت في ظهر لي أريد العراق فمررت بالمنصعة وهو مد لي رجليه، فقال: يا عبدالله، ما أنت مبلغي إلى العراق، فقلت: نعم، قال: فبلغته، قال: صدقت».

قلت: موسى بن عبيدة الرَّبذي ضعيف لا يُحتج به، والقصة فيها نكارة!

26- حديث عُمَيْر أبي كَبِيرٍ عن عليّ:

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/562) برقم (37933) قال: حدثنا أبو أُسَامَةَ، قال: حدثنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، قال: حدثنا مُجَالِدُ بن سَعِيدٍ، عن عُمَيْرِ بن زَوْدِيٍّ أبي كَبِيرٍ، قال: «خَطَبَنَا عَلِيٌّ يَوْمًا، فَقَامَ الْخَوَارِجُ فَقَطَعُوا عليه كَلاَمَهُ! قال: فَنَزَلَ فدَخَلَ وَدَخَلْنَا معه، فقال: أَلا أني إنَّمَا أُكِلْت يوم أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ، ثُمَّ قال: مَثَلِي مَثَلُ ثَلاَثَةِ أَثْوَارٍ وأَسَدٍ اجتمعن في أَجَمَةٍ أَبْيَضَ وَأَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، فَكَانَ إذَا أَرَادَ شيئا مِنْهُنَّ اجتمعن فامتنعن منه، فقال لِلْأَحْمَرِ والأَسْوَدِ: إنه لا يَفْضَحُنَا في أَجَمَتِنَا هذه إلا مكَانُ هذا الأَبْيَضِ فَخَلِّيَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ حتى آكُلَهُ، ثُمَّ أَخْلُو أنا وَأَنْتُمَا في هذه الأَجَمَةِ فَلَوْنُكُمَا على لَوْنِي وَلَوْنِي على لَوْنِكُمَا. قال: فَفَعَلاَ، قال: فَوَثَبَ عليه فلم يُلْبِثْهُ أَنْ قَتَلَهُ. قال: فكَانَ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا اجْتَمَعَا فَامْتَنَعَا منه، وقال لِلْأَحْمَرِ: يا أَحْمَرُ، إنه لا يُشْهِرُنَا في أَجَمَتِنَا هذه إَلاَ مَكَانُ هذا الأَسْوَدِ فَخَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حتى آكُلَهُ، ثُمَّ أَخْلُو أنا وَأَنْتَ فَلَوْنِي على لَوْنِك وَلَوْنُك على لَوْنِي! قال: فَأَمْسَكَ عنه فَوَثَبَ عليه فلم يُلْبِثْهُ أن قَتَلَهُ، ثُمَّ لبِثَ ما شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قال لِلْأَحْمَرِ: يا أَحْمَرُ، إنِّي آكُلُك، قال: تَأْكُلُنِي! قال: نعم، قال: أَمَا لا فَدَعَنْي حتى أُصَوِّتَ ثَلاَثَةَ أَصْوَاتٍ، ثُمَّ شَأْنُك بِي. قال: فقال ألا إنِّي إنَّمَا أُكِلْت يوم أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ، قال: ثُمَّ قال عَلِيٌّ: أَلا وإِنِّي إنَّمَا وَهَنْتُ يوم قُتِلَ عُثْمَان».

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (1/80) برقم (113) عن عَلِيّ بن عبدالعَزِيزِ، عن عَارِم، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، به.

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (39/472) من طريق سليمان بن حرب وأحمد بن عبدالله بن يونس، كلاهما عن حماد بن زيد، به.

قلت: تفرد به مُجالد بن سعيد وهو ضعيف جداً لا يُحتج به! والحديث منكر!!

وعمير أبو كبير لا يُعرف إلا في هذا الحديث! وقد ذكر ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (7/218): "رفيع أبو كبير: سمع من علي رضي الله عنه"! فلا أدري هل هو هذا تحرّف عنده! فالله أعلم.

27- حديث زَبَّان بن صَبِرَةَ الحَنَفِيّ عن عليّ:

أخرج ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/229) برقم (8424) قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا إسْمَاعِيلُ بن زَرْبِيٍّ، قال: حدثنا زَبَّانُ بن صَبِرَةَ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ شَهِدَ يوم النَّهْرَوَانِ قال: «وكُنْتُ فِيمَنْ اسْتَخْرَجَ ذَا الثُّدَيَّةِ فَبَشَّرَ بِهِ عَلِيًّا قبل أَنْ يَنْتَهِيَ إلَيْهِ فَانْتَهَيْتُ إلَيْهِ وهو سَاجِدٌ فَرِحًا بِهِ».

قلت: إسماعيل هذا مجهول الحال! وزبّان لا يُعرف!

28- حديث حُصينٍ عن عليّ:

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/199): "حصين: روى عن علي رضي الله عنه، وهو من شرطة عليّ. روى عنه: أبو إسحاق. سمعت أبي يقول ذلك".

أخرج حديثه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/562) برقم (37929) قال: حدثنا وَكِيعٌ، قال: حدثنا الأَعْمَشُ، عن أبي إِسْحَاقَ، عن حُصَيْنٍ - وكان صَاحِبَ شُرْطَةِ عَلِيٍّ – قال: قال عَلِيٌّ: «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ، أَيُّ حَدِيثٍ شَابُوا - يَعَنْي الخَوَارِجَ الذينَ قُتِلُوا».

وقد أورد هذا الإسناد ابن عساكر في ترجمة «حُضين بن المنذر» من «تاريخ دمشق» (14/398) من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: أخبرنا أبي، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حضين - وكان صاحب شرطة علي.

ثم ساق من كتاب خليفة بن خياط قال: قال أبو عبيدة في تسمية الأمراء من أصحاب علي يوم صفين: وعلى بكر البصرة: حضين بن المنذر الرقاشي أبو ساسان.

وقال العجلي في «معرفة الثقات» (ص307) (باب حضين بالضاد المعجمة): "حضين بن المنذر أبو ساسان السدوسي، بصري تابعي، ثقة، وكان رجلاً صالحاً، وكان على راية على رضي الله عنه يوم صفين".

قلت: هو حُضين – بالضاد المعجمة- (ت97هـ) لا حُصين – بالصاد المهملة-. وحديثه حسن.

29- حديث الحارث بن مالك عن عليّ:

ذكر ابن عبدالبر في «التمهيد» (23/334) قال: وروى يحيى بن آدم، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، عن محمد بن معن، عن الحارث بن مالك قال: «شهدت مع عليّ النهروان، فلما فرغ منهم قال: اطلبوه، اطلبوه، فطلبوه، فلم يقدروا على شيء، فأخذه الكرب، فرأيت جبينه يتحدر منه العرق، ثم وجده فخر ساجداً، وقال: والله ما كذبت ولا كذبت».

قلت: وهذا إسناد حسن.

30- حديث حبّان بن الحارث عن عليّ:

حبّان بن الحارث أبو عَقيلٍ الكوفي، شهد مع علي بن أبي طالب حرب الخوارج بالنهروان.

أخرج حديثه البخاري في ترجمته من «التاريخ الكبير» (3/83) عن محمد بن سعيد، عن شَريك، عن شَبيب، عن حبان، قال: «أهللنا مع عليّ، فسار بنا إلى النهروان».

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/269): "حبان بن الحارث: روى عن علي، روى عنه شَبيب بن غَرْقَدة. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/180): "حبان بن الحارث أبو عقيل: يروي عن علي، روى عنه شبيب. فقد قيل: حيان بن الحارث، والصحيح: حبان".

31- حديث رافع بن سلمة عن عليّ:

رافع بن سلمة أبو سفيان البجلي: يُعدّ في الكوفيين. سمع علي بن أبي طالب وشهد معه حرب الخوارج بالنهروان. روى عنه بشير بن ربيعة وجراح بن عبدالله الكوفيان. قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/306): "رافع بن سلمة البجلي: سمع علياً. روى عنه: بشير بن ربيعة".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/481): "رافع بن سلمة البجلي، كوفي. روى عن علي. روى عنه: بشير بن ربيعة. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/236): "رافع بن سلمة البجلي: يروي عن علي. روى عنه: بشير بن ربيعة".

وقال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (6/245): "رافع بن سلمة البجلي: سمع من علي وروى عنه".

أخرج حديثه في الخوارج الخطيب في «تاريخ بغداد» (8/419) قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْن بن سَعْدُونَ المَوْصِليّ، قال: أَخْبَرَنَا طلحة بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الشاهد، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ زَيْدَانَ بنِ بُرَيْدٍ، قال: حدّثنا هارون بن أبي بردة البجليّ، قال: حدّثني نصر بن مُزاحم، قال: حدّثنا عمر بن سعد، قال: حَدَّثَنَا جَرَّاحُ بنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ رَافِعِ بنِ سَلَمَةَ، قالَ: «كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ، فقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا أَنْ تَدَعُوا الْعَمَلَ لَنَبَّأْتُكُمْ بِمَا قَضَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَاتَلَ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ، مُبْصِرًا لِضَلالَتِهِمْ، عَارِفًا لِلنُّورِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ».

قلت: تفرد بهذا الإسناد نصر بن مُزاحم (ت212هـ) وهو رافضي جلد متروك.

قال العُقيلي: "شيعي، في حديثه اضطراب وخطأ كثير".

وقال أبو خيثمة: "كان كذاباً".

وقال أبو حاتم: "واهي الحديث، متروك".

فرافع بن سلمة لا يُعرف إلا من حديث ابن مزاحم، ولهذا قال ابن حجر في «تقريب التهذيب» (ص204): "رافع بن سلمة البجلي الكوفي: مجهول".

32- حديث قيس بن أبي حازم عن عليّ:

قيس بن أبي حازم أبو عبدالله الأحمسي، أدرك الجاهلية، وجاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ليبايعه فوجده قد توفي. وكان من ثقات التابعين الكبار. وقد كان نزل الكوفة، وحضر حرب الخوارج بالنهروان مع علي بن أبي طالب. مات سنة (90هـ أو قبلها بقليل).

أخرج حديثه في الخوارج الخطيب في «تاريخ بغداد» (12/448) قال: أَخْبَرَنِي الأَزْهرِيُّ، قال: حدّثنا محمّد بن المظفّر، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنِ عَلِيٍّ الكوفيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ يُونُسَ السُّوسِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، قالَ: «شَهِدْتُ النَّهْرَوَانَ مَعَ عَلِيٍّ. فقَالَ عَلِيٌّ: اطْلُبُوا ذَا الثُّدَيَّةِ، قَالَ فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يُوجَدْ. فَقَالَ عَلِيُّ ائْتُونِي بِبَغْلَةِ حَبِيبِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَوْهُ بِهَا، فَرَكِبَهَا، فَانْتَهَتْ إِلَى جَدْوَلٍ، فَقَالَ: اسْتَخْرِجُوهُ، فَاسْتَخْرَجُوا نَيِّفًا وَعِشْرِينَ قَتِيلا، وَإِذَا فِي أَسْفَلِ الْجَدْوَلِ رَجُلٌ أَسْوَدُ، أَدْلَمُ طَوِيلٌ، عَلَيْهِ قَمِيصُ حَدِيدٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: شُقُّوا عَنْهُ فَإِذَا لَهُ حَلَمَةُ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ، عليها طاقان شَعْرٍ. فَكُنَّا إِذَا جَرَرْنَاها اسْتَوَتْ مَعَ يَدِهِ الأُخْرَى، فَإِذَا سَيَّبْنَاهَا رَجَعَتْ. قَالَ فَخَرَّ عَلِيٌّ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ، وَلَوْلا أَنْ تَتَّكِلُوا فَتَتْرُكُوا الْعَمَلَ لَنَبَّأْتُكُمْ بِمَا قَضَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمُبْصِرُ الْهُدَى الَّذِي نَحْنُ عليه عارفا بضلالتهم».

قلت: وهذا إسناد صحيح.

33- حديث كثير البجلي عن عليّ:

كثير أبو الحسن البجلي الأحمسي: يُعدّ في الكوفيين. سمع علي بن أبي طالب، وزيد بن أرقم، وحضر مع علي الحرب بالنهروان. روى عنه ابنه الحسن.

أخرج حديثه في الخوارج الخطيب في «تاريخ بغداد» (12/478) قال: أخبرنا ولاد بن عليّ الكوفيّ، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، قال: حدّثنا أحمد بن حازم، قال: أخبرنا عبيدالله بن موسى، قال: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: «لمَّا قَتَلَ عَلِيٌّ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: أَلا إِنَّ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي أَنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَفْوَاهِهِمْ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمْيَةِ، أَلا وَإِنَّ عَلامَتَهُمْ ذُو الخُدَاجَةِ. فَطَلَبَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، فَقَالَ: عُودُوا فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا كُذِبْتُ وَلا كَذَبْتُ، فَعَادُوا فَجِيءَ بِهِ حَتَّى أُلْقِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَفِي يَدِهِ شَعْرَاتٌ سُودٌ».

قلت: الحديث حسن، وحال كثير وابنه الحسن لا بأس به.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/211): "كثير: سَمِعَ علياً، البجلي الأحمسي. يُعد فِي الكوفيين. سَمِعَ زيد بن أرقم. روى عنه ابنه الْحَسَن".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/159): "كثير روى عن علي بن أبي طالب وزيد بن أرقم. روى عنه ابنه الحسن بن كثير. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/331) وقال: "كثير الأحمسي البجلي، يروي عن علي بن أبي طالب وزيد بن أرقم. عداده في أهل الكوفة. روى عنه ابنه الحسن بن كثير".

وأما ابنه الحسن، فقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/34): "الحسن بن كثير العجلي الكوفي: روى عن حميد بن أبي عطاء عن عبدالله بن عمرو، روى عنه: ليث بن أبي سليم. سمعت أبي يقول ذلك".

ثم قال: "وروى عبيدالله بن موسى عن الحسن بن كثير عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المخدج. وروى أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن الحسن بن كثير عن أبيه عن علي أنه شهده وأبي بالأشعث بن قيس. وروى ابن المبارك عن عبدالوهاب بن الورد عن الحسن بن كثير عن عكرمة بن خالد".

34- حديث مسلم بن أبي مسلم عن عليّ:

قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (13/96): "مُسلم بن أبي مسلمٍ من تابعي أهل الكوفة، شهد مع عليّ بن أبي طالب حرب الخوارج بالنهروان. وحدّث عن عبدالله بن مسعود وحذيفة بن اليمان. روى عنه أبو إسحاق السبيعي".

ثم أخرج حديثه في الخوارج فقال: أخبرنا الأزهري، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْبَكَّائِيُّ- بِالْكُوفَةِ- قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله الحضرمي، قال: حدّثنا أحمد بن عثمان، قال: حدّثنا عبدالرّحمن بن شريك، قال: حدثني أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو إسحاق، عن مسلم بن أبي مسلم، قالَ: «كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ حين قاتل الحرورية، فقال: اطلبوا ذا الثدية، فطلبناه فلم نجده، ثم قالَ: اطلبوه فو الله ما كذبت ولا كذبت قَالَ: فطلبناه فاستخرجناه من بين القتلى، قالَ: فأخذ بيده فمدها على طرفها شعرات ليس فيها عظم».

قلت: الحديث حسن إن شاء الله.

35- حديث مسروق بن الأجدع عن عليّ:

مسروق بن الأجدع بن مالك، وهو مسروق بن عبدالرحمن أبو عائشة الهمداني، كوفي. من كبار ثقات التابعين. رأى أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وعبدالله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين. وكان ممن حضر مع علي حرب الخوارج بالنهروان. مات سنة (63هـ).

أخرج حديثه في الخوارج الخطيب في «تاريخ بغداد» في ترجمته (13/232) قال: أَخْبَرَنَا إبراهيم بن عُمَر البرمكي، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم، قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن يوسف الجريري، قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخزّاز، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن المدائني، عن عبد ربه بن نافع وبشير بن عاصم، عن ابن أبي ليلى، قال: «شهد مسروق النهر مع عليّ، فلما قتلهم قام علي وفي يده قدوم فضرب باباً، وقال: صدق الله ورسوله، فقلت: أسمعت من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا شيئا؟ قال: لا، ولكن الحرب خدعة».

36- حديث خُليد بن عبدالله العَصَريّ عن عليّ:

خُلَيد بن عَبْداللَّهِ أَبُو سُلَيْمَان العصريّ: تابعي عابد زاهد. حضر مَعَ عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ يوم النهروان، وحدّث عنه، وَعن أَبِي ذر الغفاري، وَأبي الدرداء. روى عنه: قتادة بن دعامة، وأبان بن أبي عياش.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/198): "خليد بن عبدالله أبو سليمان العصري العبدي البصري، عن أبي الدرداء. روى عنه: قتادة".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/383): "خليد بن عبدالله العصري أبو سليمان، بصري. روى عن أبي ذر، وأبي الدرداء. روى عنه: قتادة، وأبو الأشهب. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/210): "خليد بن عبدالله العصري البصري أبو سليمان العبدي: عِداده في أهل البصرة. يروي عن أبي الدرداء. روى عنه: قتادة، ويُقال: إن هذا مولى لأبي الدرداء، وهو الذي يروي عن الأحنف بن قيس".

أخرج حديثه في الخوارج الخطيب في «تاريخ بغداد» (8/340) قال: أخبرني الأزهري، قال: حدّثنا محمّد بن المظفر، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ ثَابِتٍ، قالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ جَدِّي مُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ، قال: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بنُ الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ الأَحْمَرِ، عَنْ يُونُسَ بنِ أَرْقَمَ، عَنْ أَبَانَ، عَنْ خُلَيْدٍ الْعَصَرِيِّ، قالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا يَقُولُ يَوْمَ النهْرَوَانِ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ، والمَارِقِينَ، والقَاسِطِينَ».

قلت: خليد العصري ثقة عابد، لكن أبان بن أبي عياش متروك!

وهذا الحديث يرويه بعض الرواة الشيعة الهلكى أو المجاهيل!

روى الحاكم في «المستدرك» (3/150) برقم (4674) قال: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بنُ يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ، قال: حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بْنِ شَبِيبٍ المَعْمَرِيُّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، قال: حدثنا سَلَمَةُ بنُ الْفَضْلِ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الأَحْوَلُ، عَنْ عتّابِ بنِ ثَعْلَبَةَ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ، وَالْقَاسِطِينَ، وَالْمَارِقِينَ».

قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (5/36): "عتاب بن ثعلبة: عداده في التابعين. روى عنه أبو زيد الأحول حديث قتال الناكثين، والإسناد مظلم، والمتن منكر".

وقال في «المغني في الضعفاء» (2/422): "عتاب بن ثعلبة: تابعي. روى عنه أبو زيد الأحوال في قتال الناكثين. إسناد مظلم".

تنبيه: تحرّف «عَتّاب» في مطبوعات المستدرك إلى «عِقَاب».

ثم روى الحاكم برقم (4675) قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ بَالَوَيْهِ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ يُونُسَ القُرَشِيُّ، قال: حدثنا عَبْدُالعَزِيزِ بنُ الْخَطَّابِ، قال: حدثنا عَلِيُّ بنُ غُرَابِ بنِ أَبِي فَاطِمَةَ، عَنِ الْأَصْبَغِ بنِ نُبَاتَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ: «تُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ، وَالْمَارِقِينَ بِالطُّرُقَاتِ، وَالنَّهْرَوَانَاتِ، وَبِالشَّعَفَاتِ». قالَ أَبُو أَيُّوبَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَعَ مَنْ تُقَاتِلُ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامِ؟ قالَ: «مَعَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ».

قلت: جاء في الإسناد (علي بن غراب بن أبي فاطمة)! وهو خطأ! وإنما هو (علي بن أبي فاطمة) وهو (عليّ بن الحزور) كان بعضهم يدلّسه بهذا. وأما (عليّ بن غراب) فآخر، وكان غالياً في التشيع منكر الحديث.

وعلي بن أبي فاطمة وهو علي بن الحزور هالك. وكذلك شيخه الأصبغ بن نباتة. وقد أورد ابن حبان هذا الحديث في ترجمة الأصبغ في كتاب المجروحين.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (4/172) برقم (4049) قال: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الْجَرْجَرَائِيُّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ، عَنِ الحَارِثِ بنِ حَصِيرَةَ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ مِخنَفِ بنِ سُلَيْمٍ، قالَ: أَتَيْنَا أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ وَهُوَ يَعْلِفُ خَيْلًا لَهُ بصعنبى، فَقُلْنَا عِنْدَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَبَا أَيُّوبَ قَاتَلْتُ الْمُشْرِكِينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جِئْتَ تُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَنِي بِقِتَالِ ثَلَاثَةٍ النَّاكِثِينَ، وَالْقَاسِطِينَ، وَالْمَارِقِينَ، فَقَدْ قَاتَلْتُ النَّاكِثِينَ، وَقَاتَلْتُ الْقَاسِطِينَ، وَأَنَا مُقَاتِلٌ إِنْ شَاءَ اللهُ الْمَارِقِينَ بِالشُّعُفَاتِ بِالطُّرُقَاتِ بِالنَّهْرَاواتِ وَمَا أَدْرِي مَا هُمْ؟».

وقد أورده ابن عدي في ترجمة «الحارث بن حصيرة» من «الكامل» (2/187) فقال: حدثنا علي بن سعيد بن بشير، قال: حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائي وعلي بن مسلم، قالا: حدثنا محمد بن كثير، به.

وأورد له أحاديث أخرى ثم قال: "والحارث هذا إذا روى عنه الكوفيون فهو عامة روايات الكوفيين عنه في فضائل أهل البيت، وإذا روى عنه عبدالواحد بن زياد والبصريون فرواياتهم عنه أحاديث متفرقة، وهو أحد من يعد من المحترقين بالكوفة في التشيع، وعلى ضعفه يُكتب حديثه".

وقال الذهبي في «الميزان» (7/382) و«المغني» (2/791): "أبو صادق عن مخنف بن سليم، وعنه الحارث بن حصيرة: إسناده مظلم".

ورُوي عن إِبْرَاهِيم النخعي، عن عَلْقَمَةَ، عن عليّ. وروي عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، ولا يصح من ذلك شيء.

وقد سئل الدارقطني عن حديث علقمة عن عبدالله قال: (أمر عليّ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين) [كما في العلل: 5/148]؟ فقال: "يرويه مسلم الأعور عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله، وخالفه الحسن بن عمرو الفقيمي، فرواه عن إبراهيم عن علقمة عن علي، ومنهم من أرسله عنه، وهو الصحيح عن إبراهيم عن علي مرسلاً".

والخلاصة أنه لم يصح في هذا الباب شيء.

37- حديث عبدالواحد أبي عَرْفَجة عن عليّ:

قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (11/3): "عبدالواحد أبو عرفجة بن عبدالواحد الأسدي: كوفي تابعي. سَمِعَ عَلِيّ بن أَبِي طالب، وحضر معه قتال أهل النهروان. روى عنه ابنه عرفجة".

ثم أخرج حديثه في الخوارج قال: أخبرنا الحسن بن أبي بكر، قال: أخبرنا أحمد بن إسحاق بن وهب البندار، قال: حدّثنا موسى بن إسحاق، قال: حدّثنا بنجاب بن الحارث، قال: أَخْبَرَنَا ابنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَرْفَجَةَ بنِ عَبْدِالوَاحِدِ الأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: «شَهِدْتُ عَلِيًّا حِينَ ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ النَّهْرَوَانِ، أَمَرَ بِرِثَثِهِمْ فَأُخْرِجَتْ إِلَى الرَّحْبَةِ، ثُمَّ قَالَ للناس: من عرف شيئاً فليأخذ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مَا عَرَفُوا حَتَّى كَانَ آخر ذلك قدر مِنْ نُحَاسٍ، فَمَكَثْنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لا يَعْرِفُهَا أَحَدٌ، ثُمَّ فَقَدْتُهَا فَلا أَدْرِي مَنْ أَخَذَها».

قلت: إسناد لا بأس به. وعبدالواحد لم يرو عنه إلا ابنه، وهو مستور الحال.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/56): "عَبْدالوَاحِدِ. روى الشيباني عَنْ عرفجة بن عَبْد الْوَاحِدِ عَنْ أَبِيه: سَمِعَ علياً رضى الله عَنْهُ قَوْله، في الكوفيين".

وقال ابن حبان في «الثقات» (5/128): "عَبْدالوَاحِد بن عرْفجَة: يروي عَن علي. عداده فِي أهل الكُوفَة. روى عَنهُ ابنه: عرْفجَة بن عَبْدالوَاحِد".

قلت: ما جاء عنده "بن عرفجة" خطأ! وإنما هو: "عبدالواحد أبو عرفجة".

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/65): "عرفجة بن عبدالواحد الأسدي عن أبيه عن علي. روى عنه: الشيباني".

وقال ابن حبان في «الثقات» (7/297): "عرفجة بن عبدالواحد الأسدي: يروي عن أبيه عن علي. عداده في أهل الكوفة. روى عنه: الشيباني وسهيل بن أبي صالح، وهو الذي يروي عن عاصم بن بهدلة".

قلت: خلط ابن حبان بين اثنين.

قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (7/161): "فرّق البخاري في التاريخ بين الذي يروي عن أبيه ويروي عنه الشيباني، وبين الذي يروي عن عاصم ويروي عنه سهيل، وجمعهما ابن حبان في الثقات.. والأول هو الصواب، والله أعلم".

38- حديث أبي الأحوص الجشمي عن عليّ:

قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (12/290): "عوف بن مالك بْن نضلة أَبُو الأحوص الجُشَمي: سَمع عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ، وعبداللَّه بن مسعود. روى عنه أَبُو إسحاق السبيعي، وحميد بن هلال العدوي، وعطاء بن السائب. وهو ممن نزل الكوفة وحضر النهروان مع عليّ، وكان ثقة".

ثم ساق حديثه في الخوارج قال: أخبرنا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بنُ عَبْدِاللَّهِ الطبري، قال: أخبرنا عليّ بن عمر الحافظ – هو الدارقطني-، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بنُ عَبْدِالصَّمَدِ بنِ المهتدي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن رشدين، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى الحميري، قال: حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ عَبْدَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ العَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قالَ: «لمَا كانَ يَوْمُ النَّهْرَوَانِ كُنَّا مَعَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ دُونَ النَّهْرِ، فَجَاءَتِ الحَرُورِيَّةُ حَتَّى نَزَلُوا مِنْ وَرَائِهِ. قالَ عليّ: لا تحركوهم حتى يحدثوا حدثا، فَانْطَلَقُوا إِلَى عَبْدِاللَّهِ بنِ خَبَّابٍ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا حَدِيثًا حَدَّثَكَ أَبُوكَ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي».

فَقَدَّمُوهُ إِلَى النَّهْرِ فَذَبَحُوهُ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ، فَأُتِيَ عَلِيٌّ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، نَادُوهُمْ أَنْ أَخْرِجُوا إِلَيْنَا قَاتِلَ عَبْدِاللَّهِ بنِ خباب، فقالوا: كلنا قَتَلَهُ- ثَلاثَ مَرَّاتٍ- فَقَالَ عَلِيٌّ لأَصْحَابِهِ: دُونَكُمُ الْقَوْمَ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ، وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ.

وهو في «سنن الدارقطني» (3/132).

قلت: أحمد بن محمد بن رشدين ضعيف له مناكير، واتهموه! وزكريا بن يحيى، ويقال له: ابن حكيم الحبطي: "ليس بشيء".

ورُوي عن الحكم من طريق أخرى: أخرجه الخطيب بطوله في «تاريخه» (1/205) قال: أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ محمّد الخلّال، قال: نبأنا عَبْدُالعَزِيزِ بنُ أَبِي صَابِرٍ الدَّلالُ، قَالَ: نبأنا يحيى بن محمّد بن صاعد، قال: نبأنا أَبُو خَيْثَمَةَ عَلِيُّ بنُ عَمْرِو بنِ خَالِدٍ الحراني بمصر، قال: حدّثني أبي، قال: نبأنا الحَكَمُ بنُ عَبْدَةَ الشَّيْبَانِيُّ الْبَصْرِيُّ - وهُوَ جَدُّ الجَرَوِيُّ لأُمِّهِ- عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قالَ: «كُنَّا مَعَ علي يوم النهروان، فجَاءَتِ الْحَرُورِيَّةُ فَكَانَتْ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ، قَالَ: وَاللَّهِ لا يُقْتَلُ الْيَوْمَ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ، ثُمَّ نَزَلُوا فَقَالُوا لِعَلِيٍّ: قَدْ نَزَلُوا. قَالَ وَاللَّهِ لا يُقْتَلُ الْيَوْمَ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ، فَأَعَادُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ عَلَيْهِ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُمْ عَلِيٌّ مِثْلَ قَوْلِهِ الأَوَّلِ. قَالَ فَقَالَتِ الْحَرُورِيَّةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَرَى عَلِيٌّ أَنَّا نَخَافُهُ، فَأَجَازُوا، فَقَالَ عَلِيٌّ لأَصْحَابِهِ: لا تُحَرِّكُوهُمْ حَتَّى يُحْدِثُوا حَدَثًا، فَذَهَبُوا إِلَى مَنْزِلِ عَبْدِالله بن خباب وكان نزله عَلَى شَطِّ النَّهْرِ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ مَنْزِلِهِ، فَقَالُوا: حدّثنا بحديث حدّثكه أبوك سمعه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي». فقَدَّمُوهُ إِلَى المَاءِ فَذَبَحُوهُ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ فَسَالَ دَمُهُ فِي الْمَاءِ مِثْلَ الشِّرَاكِ مَا امْذَقَرَّ. - قَالَ الحَكَمُ: فَسَأَلْتُ أَيُّوبَ: مَا امْذَقَرَّ؟ قالَ: مَا اخْتَلَطَ-، قَالَ وَأَخْرَجُوا أُمَّ وَلَدِهِ فَشَقُّوا عَمَّا فِي بَطْنِهَا، فَأُخْبِرَ عَلِيٌّ بِمَا صَنَعُوا. فقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، نَادُوهُمْ أَخْرِجُوا لَنَا قَاتِلَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ. قَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ، فَنَادَاهُمْ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يقول هذَا الْقَوْلِ. فَقَالَ عَلِيٌّ لأَصْحَابِهِ: دُونَكُمُ الْقَوْمَ. قال فما لبثوا أن قتلوهم جميعا، فَقَالَ عَلِيٌّ: اطْلُبُوا فِي الْقَوْمِ رَجُلا يَدُهُ كثدي المرأة. فطلبوا ثم رجعوا فَقَالُوا: مَا وَجَدْنَا. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ، وَإِنَّهُ لَفِي الْقَوْمِ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَجِيئُونَهُ فَيَقُولُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ؛ ثُمَّ قَامَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِقَتْلَى جَمِيعًا إِلا بَحَثَهُمْ فَلا يَجِدُهُ فِيهِمْ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى حُفْرَةٍ مِنَ الأَرْضِ فِيهَا قَتْلَى كَثِيرٌ فَأَمَرَ بِهِمْ فَبَحَثُوا فَوُجِدَ فِيهِمْ. فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: لولا أن تنتظروا لأَخْبَرْتُكُمْ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ قَتَلَ هؤلاء».

قلت: أبو خيثمة عليّ بن عمرو بن خالد الحرّاني لم أجد من ترجم له، وهو من شيوخ ابن خزيمة، ووالده من الثقات المعروفين، ويروي عن أبيه، وهو مستور الحال، مات سنة (273هـ).

والحكم بن عبدة البصري ضعّفه أبو الفتح الأزدي.

وقال ابن يونس في تاريخ الغرباء: "الحكم بن عبدة البصري قدم مصر، آخر من حدث عنه: الحارث بن مسكين".

وقال الآجري عن أبي داود: "الحكم بن عبدة الرعيني الدمشقي: ما عندي من علمه شيء".

قلت: وقد خولف في هذا الحديث فرواه ابن عُلية والقعنبي عن أيوب ولم يُسمّيا الراوي عن عليّ! وقد تفرد هو بذكر اسمه "أبو الأحوص"، وعليه أثبت الخطيب سماعه من عليّ، ولا يصحّ ذلك.

قال المزي في ترجمته من «تهذيب الكمال» (22/445): "روى عن علي بن أبي طالب، وقيل: لم يسمع منه".

ورواه أحمد في «مسنده» (5/110) برقم (21101)، وأبو خيثمة [كما رواه عنه أبو يعيلى في مسنده:13/176 برقم7215] كلاهما عن إِسْمَاعِيل بن إبراهيم – وهو: ابن عُلية-.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (4/60) برقم (3630) عن أب يَزِيدَ القَرَاطِيسِيّ، عن إِسْمَاعِيل بن مَسْلَمَةَ بن قَعْنَبٍ، عن أبيه مَسْلَمَةُ.

كلاهما (ابن علية ومسلمة القعنبي) عن أَيُّوب، عن حُمَيْدِ بن هِلاَلٍ، عن رَجُلٍ من عبد القَيْسِ كان مع الْخَوَارِجِ ثُمَّ فَارَقَهُمْ فقال: دخلوا قرية فخَرَجَ عبداللَّهِ بن خَبَّابٍ ذَعِراً يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَقَالُوا: لم تُرَعْ! قال: والله لقد رعتموني. قالوا: أنت عبداللَّهِ بن خَبَّابٍ صَاحِبُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: فَهَل سَمِعْتَ من أَبِيكَ حَدِيثاً يُحَدِّثُهُ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُحَدِّثُنَاهُ. قال: نعم، سَمِعْتُهُ يُحدّث عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً الْقَاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشي والماشي فيها خَيْرٌ مِنَ الساعي. قال: فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَاكَ فَكُنْ عَبْدَاللَّهِ المَقْتُولَ). قال أَيُّوبُ: ولا أَعْلَمُهُ إِلاَّ قال: (ولا تَكُنْ عَبْدَاللَّهِ الْقَاتِلَ). قالوا: أأنت سَمِعْتَ هذا من أَبِيكَ يُحَدِّثُهُ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! قال: نعم. قال: فَقَدَّمُوهُ على ضَفَّةِ النَّهَرِ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَسَالَ دَمُهُ كَأَنَّهُ شِرَاكُ نَعْلٍ ما أبذقر، وَبَقَرُوا أُمَّ وَلَدِهِ عَمَّا في بَطْنِهَا!

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (4/60) برقم (3631) من طريق سَعِيد بن عَامِرٍ، عن صَالِحِ بن رُسْتُمٍ، عن حُمَيْدِ بن هِلالٍ، به، نحوه.

ورواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/555) برقم (37896) عن يَزِيد بن هارُونَ، عن سُلَيْمَان بن المُغِيرَةِ، عن حُمَيْدِ بن هِلاَلٍ، به.

 ورواه ابن أبي عاصم في في «الآحاد والمثاني» (1/215) برقم (283) عن شيبان بن فروخ، عن سليمان بن المغيرة، به، وفيه: "فقالوا أنت ابن خباب صاحب رسول الله..".

ولعدم تسميته بعبدالله في هذا الحديث قال ابن أبي عاصم بعد إخراجه: "ولعل ابن خباب هذا ابن آخر غير عبدالله".

قلت: هذا إسناد ضعيف بسبب الرجل المجهول.

وقد رواه مَعمر بإسناد آخر مخالف!

أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (10/118) برقم (18578) عن مَعمر، قال: أخبرني غير واحد من عبد القيس، عن حميد بن هلال، عن أبيه، قال: «لقد أتيت الخوارج وإنهم لأحبّ قوم على وجه الأرض إليّ، فلم أزل فيهم حتى اختلفوا، فقيل لعلي: قاتلهم، فقال: لا حتى يقتلوا فمر بهم رجل فاستنكروا هيئته فساروا إليه فإذا هو عبدالله بن خباب، فقالوا: حدثنا ما سمعت أباك يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته يقول: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تكن فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي، والساعي في النار). قال: فأخذوه وأم ولده فذبحوهما في النار جميعاً على شط النهر. قال: ولقد رأيت دماءهما في النهر كأنهما شراكان، فأخبر بذلك علي، فقال لهم: أقيدوني من ابن خباب، قالوا: كلنا قتله، فحينئذ استحل قتالهم».

قلت: قد خالف معمر فيه جماعة كما سلف، فرووه عن حميد عن رجل من عبد القيس، فرواية معمر هذه شاذة. ورواية حميد عموماً ضعيفة لأن من حدّثه مجهول! وكان محمد بن سيرين يعيب عليه أنه يحدّث عن كلّ أحد ولا يُبالي!

قال ابن سيرين: "كان أربعة يُصدِّقون من حدّثهم ولا يُبالون ممن يسمعون: الحسن، وأبو العالية، وحميد بن هلال..".

وقد اعتمد حميد على هذه الرواية عن ذلك المجهول في أن علياً لم يستحل قتال الخوارج حتى قتلوا ابن خباب!

روى عبدالرزاق عن معمر، عن أيوب، عن حميد بن هلال العدوي، قال: "لم يستحل عليّ قتال الحروراء حتى قتلوا ابن خبّاب".

وروى أبو يعلى في «مسنده» (1/371) برقم (476) قال: حدثنا عبيدالله بن عمر القواريري، قال: حدثنا عبدالرحمن بن العريان الحارثي، قال: حدثنا الأزرق بن قيس، عن رجلٍ من عبد القيس، قال: «شهدت علياً يوم قتل أهل النهروان. قال: قال علي حين قتلوا [!! كذا]! علي بذي الثدية أو المخدج ذكر من ذلك شيئاً لا أحفظه. قال: فطلبوه فإذا هم بحبشي مثل البعير في منكبه مثل ثدي المرأة عليه. قال عبدالرحمن: أراه قال: شعر، فلو خرج روح إنسان من الفرح لخرج روح علي يومئذ! قال: صدق الله ورسوله من حدثني من الناس أنه رآه قبل مصرعه هذا فأنا كذاب».

قلت: هذا إسناد ضعيف بسبب الرجل المجهول!

وللحديث طريق آخر:

رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/554) برقم (37893) قال: حدثنا يَزِيدُ بن هارُونَ الْوَاسِطِيُّ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عن أبي مِجْلَزٍ، قال: «نهى عَلِيٌّ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْطُوا على الْخَوَارِجِ حتى يُحْدِثُوا حَدَثًا، فَمَرُّوا بِعَبْدِاللهِ بن خَبَّابٍ فَأَخَذُوهُ، فَمَرَّ بَعْضُهُمْ على تَمْرَةٍ سَاقِطَةٍ من نَخْلَةٍ فَأَخَذَهَا فَأَلْقَاهَا في فيه، فقال بَعْضُهُمْ: تَمْرَةُ مُعَاهَدٍ فَبِمَ اسْتَحْلَلْتهَا، فَأَلْقَاهَا من فيه، ثُمَّ مَرُّوا على خِنْزِيرٍ فَنَفَخَهُ بَعْضُهُمْ بِسَيْفِهِ، فقال بَعْضُهُمْ: خِنْزِيرُ مُعَاهدٍ فَبِمَ اسْتَحْلَلْته! فقال عبداللهِ: أَلا أَدُلُّكُمْ على ما هو أَعْظَمُ عَلَيْكُمْ حُرْمَةً من هذا؟ قَالَوا: نعم، قال: أنا. فَقَدَّمُوهُ فَضَرَبُوا عَنْقَهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ أَنْ أَقِيدُونَا بِعَبْدِاللهِ بن خَبَّابٍ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ: وكَيْفَ نُقِيدُك وَكُلُّنَا قَتَلَهُ! قال: أَوَكُلُّكُمْ قَتَلَهُ؟ قَالَوا: نعم. فقال: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْطُوا عليهم. قال: اطلبوا. قال: واللهِ لا يُقْتَلُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ ولا يَفْلِتُ منهم عَشَرَةٌ. قال: فَقَتَلُوهُمْ، فقال: اُطْلُبُوا فِيهِمْ ذَا الثِّدْيَةِ، فَطَلَبُوهُ فَأُتِيَ بِهِ، فقال: من يَعْرِفُهُ؟ فلم يَجِدُوا أَحَدًا يَعْرِفُهُ إلا رَجُلاً قال: أنا رَأَيْته بِالنَّجَفِ. قال: فقال عَلِيٌّ: صَدَقَ، هو من الجَانِّ».

ورواه أيضاً (7/560) برقم (37923) عن ابن عُلَيَّةَ عن التَّيْمِيِّ، به، نحوه.

قلت: هذا مرسل، وهو منكر جداً!

وأبو مجلز هو: لاحق بن حميد السدوسي البصري، وهو من ثقات التابعين من أصحاب أنس بن مالك، لكن أشار ابن أبي خيثمة عن ابن معين إلى أنه كان يدلّس، وجزم بذلك الدارقطني. وكان يحبّ علياً رضي الله عنه.

وقال الطيالسي عن شعبة: "كانت تجيئنا عنه أحاديث كأنه شيعي! وأحاديث كأنه عثماني".

وقد سُئِل الدارقطني [كما في العلل: 4/101] عن حديث قيس بن عباد، عن عليّ في قصة أهل النهروان وقتلهم لعبدالله بن خباب؟ فقال: "حدّث به عمر بن شبة عن يحيى القطان عن التيمي عن ابن مجلز مرسلاً، وهو أصح".

قلت: يعني يضعّف الدارقطني رواية من رفعه، والصواب أنه مرسل، وهو منكر.

والخلاصة أنه لم يصح أي حديث في قصة قتل الخوارج عبدالله بن خباب ونحره وبقر بطن أم ولده! فالقصة منكرة جداً، وقد يكونون قتلوه قتلة عادية لكن ليس بهذه الصورة التي جاءت في هذه الروايات المنكرة، والله أعلم.

39- حديث جابر أبي خالدٍ عن عليّ:

قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (7/236): "جابر أَبُو خالد: من تابعي أهل الكوفة، شهد مع عَلِيّ بن أَبِي طالب وقعة النهروان. روى عنه ابنه خالد".

ثم ساق حديثه في الخوارج، قال: أخبرنا أَبُو الصهباء ولاد بن علي الكوفيّ، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، قال: حدّثنا أحمد بن حازم، قال: أخبرنا عبيدالله بن موسى، قال: أخبرنا سكين بن عبدالعزيز، قالَ: حَدَّثَنَا حفص بن خالد بن جابر، عَنْ أبيه، عَنْ جده، قالَ: «إني لشاهد علياً يوم النهروان- لما أن عاين القوم- قَالَ لأصحابه: كفوا، فناداهم أن أقيدونا بدم عَبْداللَّهِ بن خباب- قالَ وكان عامل عَلِيّ عَلَى النهروان- قالوا: كلنا قتله، فقَالَ: اللَّه أكبر. قال فقال لأصحابه: ارموا فرموا، قالَ: فقالَ: احملوا، فحملوا فقتلهم، ثم قال: اطلبوا المخدج، فطلبوه فلم يجدوه. فقالَ: اطلبوه، فإني والله ما كَذَبْتُ، ولا كُذِبْتُ، ثم قالَ: يا عجلان ائتيني ببغلة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ بالبغلة فركبها، ثم سار فِي القتلى فقالَ: اطلبوه هاهنا، قالَ فاستخرجوه من تحت القتلى فِي نهر وطين لَهُ عضيدة مثل الثدي، تمدها فتمتد فتصير مثل الثدي، وتتركها فتنخمص، قَالَ: اللَّه أكبر والله لولا أن تبطروا لحدثتكم ما وعدكم اللَّه عَلَى لسان نبيكم لمن قاتلهم!».

قلت: الحديث ضعيف. تفرد به سكين بن عبدالعزيز العطّار البصري، وقد وثقه ابن معين ووكيع والعجلي، ومشّاه أبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات.

وضعفه أبو داود والنسائي. وقال ابن خزيمة: "لا أعرفه ولا أعرف أباه"، وقال في موضع آخر: "أنا برئ من عهدته، ومن عهدة أبيه".

وقال ابن عدي بعد أن ساق له بعض الأحاديث في ترجمته: "ولسكين غير ما ذكرت، وليس بالكثير، وفيما يرويه بعض النكرة! وأرجو أن بعضها يحمل بعضاً، وأنه لا بأس به؛ لأنه يروي عن قوم ضعفاء وليس هم بمعروفين، ولعل البلاء منهم ليس منه".

قلت: شيخه حفص وأبوه وجدّه لا يُعرفون.

أما حفص:

فقال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/362): "حفص بن خالد بن جابر: سمع أباه عن جده، قال الحسن بن علي: قتل علي ليلة نزل القرآن. سمع منه سكين بن عبدالعزيز".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/172): "حفص بن خالد بن جابر: روى عن أبيه. روى عنه: سكين بن عبدالعزيز. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (6/196): "حفص بن خالد بن جابر: يروي عن أبيه. روى عنه: سكين بن عبدالعزيز".

وأما خالد:

فقال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/143): "خالد بن جابر عن أبيه، سمع منه ابنه حفص. وروى هلال بن خباب عن خالد أبي حفص".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/323): "خالد بن جابر، روى عن الحسن بن علي. روى عنه: ابنه حفص بن خالد بن جابر. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال مسلم في «الأسماء والكنى» (1/202): "أبو حفص خالد بن جابر: سمع أباه. روى عنه: ابنه حفص وهلال بن خباب".

وقال ابن حبان في «الثقات» (6/252): "خالد بن جابر: يروي عن أبيه. روى عنه: هلال بن خباب وابنه حفص بن خالد".

40- حديث حكيم بن سعد عن عليّ:

قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (8/273): "حكيم بن سعد أبو تحيى، كوفي تابعي. حدّث عن علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه أبو إسحاق السبيعي وعمران بن ظبيان وجعفر بن عبدالرحمن وعبدالملك بن مسلم بن ثمامة الكوفيون. وكان أبو تحيى ممن شهد مع علي وقعة النهروان".

ثم ساق حديثه في الخوارج، فقال: أنبأنا محمّد بن الحسين بن سعدون البزّاز، قال: أنبأنا طلحة بن محمّد بن جعفر الشّاهد، قال: حَدَّثَنَا عَبْداللَّهِ بن زيدان بن يزيد بن هارون بن أبي بردة البجليّ، قال: حدّثني نصر بن مزاحم، قال: حَدَّثَنَا عُمَر بن سَعْد، عَنْ عَبْدالملك بن مسلم بن ثمامة، عَنْ حكيم بن سَعْد، قالَ: «ما هو إِلا أن لقينا أَهْل النهر فما لبثناهم، كأنما قيل لهم موتوا فماتوا، قبل أن تشتد شوكتهم، وَتعظم نكايتهم».

قلت: نصر بن مزاحم متروك، وينفرد عن عمر بن سعد بأحاديث لا يُتابع عليها!

فهذه جماعة كبيرة – وهم أربعون راوياً- رووا حديث الخوارج عن عليّ – رضي الله عنه- صحّ عن أكثر من نصفهم، وهناك سبعة عشر رواية في ألفاظها بعض النكارة أو أنها لا تصح، وهي رواية كليب، وأبي مريم، وأبي وضيء، وأبي جعفر مولى عليّ، وزِرّ بن حُبيش، وأبي المؤمن، وأبي سليمان المرعشي، وأبي خليفة الطائي، وجُوين العبدي، وعبدالله بن حنين، وعُمير أبي كبير، وزبان بن صبرة، ورافع بن سلمة، وخُليد العصري، وأبي الأحوص الجُشمي، وجابر أبي خالد، وحكيم بن سعد.

قال ابن كثير في «البداية والنهاية» بعد أن ساق بعض طرق الحديث: "والمَقْصُودُ أَنَّ هذِهِ طُرُقٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ عَلِيٍّ، إِذْ قَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مُتَبَايِنَةٍ لا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، فأَصْلُ القِصَّةِ مَحْفُوظٌ وإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَلْفَاظِ وقَعَ فِيهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الرُّوَاةِ، ولكِنَّ مَعْنَاها وَأَصْلَهَا الَّذِي تَوَاطَأَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَيْهِ صَحِيحٌ لا يُشَكُّ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أخبر عن صفة الخوارج وذي الثُّدَيَّةِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةٌ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ عليّ".

أسماء الصحابة وكبار التابعين الذين حضروا مع عليّ حرب الخوارج:

أما الصحابة، فمنهم: أبو أيوب الأنصاري، وأبو قتادة الأنصاري، وعبدالله بن عبّاس، والبراء بن عازب، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبو سعيد الخدري، وأبو برزة الأسلمي، والأشعث بن قيس، وعبدالله بن خباب بن الأرت، وجندب بن عبدالله، وعَدي بن حاتم، ويزيد بن نُويرة.

وأما التابعون، فمنهم: شقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي، وعبدالرحمن بن أبي ليلى، وعبد خير بن يزيد أبو عمارة، وعلقمة بن قيس النخعي، وعمرو بن سلمة بن الخرب الهمداني الكوفي، وحُجْر بن عَنْبَسٍ الحَضْرَمِيّ.

2- حديث أبي سعيد الخُدريّ (ت ما بين 63-74هـ على اختلاف بين العلماء):

روى حديث الخوارج عن أبي سعيد جماعة من التابعين، منهم: أبو سلمة بن عبدالرحمن، والضّحاك المِشْرَقيّ الهمدانيّ، وأبو نَضرة، وعبدالرحمن بن أبي نَعْم البجلي، وعطاء بن يَسار، ومَعبد بن سيرين، ومحمد بن سيرين، شَدَّادُ بنُ عِمْرَانَ القيسيّ، وقتادة بن دعامة السدوسي، وعاصم بن شُميخ، وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة، ويزيد الفقير، وأبو الصديق النّاجي.

ورُوي عن الصحابي عبدالله بن الزبير عن أبي سعيد.

1- حديث أبي سلمة عن أبي سعيد:

أبو سلمة بن عبدالرحمن ابن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب القرشي الزهري الحافظ أحد الأعلام بالمدينة. مات سنة (94هـ).

روى البخاري في «صحيحه»، كتاب المناقب، باب عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ في الْإِسْلَامِ، (3/1321) برقم (3414) قال: حدثنا أبو اليَمَانِ، قال: أخبرنا شُعَيْبٌ، عن الزُّهْرِيِّ، قال: أخبرني أبو سَلَمَةَ بن عبدالرحمن: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قال: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - وهو يَقْسِمُ قِسْمًا - أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ - وهو رَجُلٌ من بَنِي تَمِيمٍ -، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، اعْدِلْ! فقال: وَيْلَكَ! ومَنْ يَعْدِلُ إذا لم أَعْدِلْ! قد خِبْتَ وَخَسِرْتَ إن لم أَكُنْ أَعْدِلُ. فقال عُمَرُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لي فيه فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فقال: دَعْهُ، فإن له أَصْحَابًا يَحْقِرُ أحدكم صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إلى نَصْلِهِ فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى رِصَافِهِ فما يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى نَضِيِّهِ - وهو قِدْحُهُ - فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى قُذَذِهِ فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، قد سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أو مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ على حِينِ فُرْقَةٍ من الناس».

قال أبو سَعِيدٍ: «فأَشْهَدُ أَنِّي سمعت هذا الحديث من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وأنا معه، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حتى نَظَرْتُ إليه على نَعْتِ النبي صلى الله عليه وسلم الذي نَعَتَهُ».

وأخرجه البخاري أيضاً، باب من تَرَكَ قِتَالَ الخَوَارِجِ لِلتَّأَلُّفِ ولئلا يَنْفِرَ الناس عنه، (6/2540) برقم (6534) عن عبداللَّهِ بن مُحَمَّدٍ، عن هِشَام، عن مَعْمَر، عن الزُّهْرِيِّ، به.

وأخرجه عبدالرزاق في «مصنفه»، باب ما جاء في الحرورية، (10/146) برقم (18649) عن معمر، به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (2/744) برقم (1064) عن أبي الطَّاهِرِ، وحَرْمَلَة بن يحيى، وأَحْمَد بن عبدالرحمن الْفِهْرِيّ، جميعاً عن عبدالله بن وَهْبٍ، عن يُونُس، عن ابن شِهَابٍ الزهري، به.

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى»، ذكر ما خُصَّ به عليّ من قتال المارقين، (5/159) برقم (8560) عن يونس بن عبدالأعلى والحارث بن مسكين، كلاهما عن ابن وهب، به.

وأخرجه أيضاً في باب: قوله تعالى {ومنهم من يلمزك في الصدقات}، (6/355) برقم (11220) عن محمد بن عبدالأعلى، عن محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، به.

وأخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، (4/1928) برقم (4771) عن عبداللَّهِ بن يُوسُفَ، قال: أخبرنا مَالِكٌ، عن يحيى بن سَعِيدٍ، عن مُحَمَّدِ بن إبراهيم بن الحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عن أبي سَلَمَةَ بن عبدالرحمن، عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مع صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مع صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مع عَمَلِهِمْ، ويقرؤون الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ في النَّصْلِ فلا يَرَى شيئا، وَيَنْظُرُ في القِدْحِ فلا يَرَى شيئا، وَيَنْظُرُ في الرِّيشِ فلا يَرَى شيئا، وَيَتَمَارَى في الفُوقِ».

وهو في «الموطأ» (1/204) برقم (478).

وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/557) برقم (37909)، وأحمد في «مسنده» (3/33) برقم (11309)، كلاهما عن يَزِيد بن هارُونَ، قال: حدثنا محمد بن عَمْرٍو، عن أبي سَلَمَةَ قال: قُلْت لأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، هل سَمِعْت من رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ في الحَرُورِيَّةِ شيئاً؟ قال: نعم، سَمِعْتُهُ «يَذْكُرُ قَوْمًا يَتَعَبَّدُونَ يحقر أحدكم صَلاَتَهُ وَصَوْمَهُ مع صَوْمِهِمْ، يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، أَخَذَ سَهْمَهُ فَنَظَرَ في نَصْلِهِ فلم يَرَ شيئا، فَنَظَرَ في رِصَافِهِ فلم يَرَ شيئا، فَنَظَرَ في قَدَحِهِ فلم يَرَ شيئا، فَنَظَرَ في القُذَذِ فَتَمَارَى هل يَرَى شيئا أَمْ لا».

وأخرجه ابن ماجه في «سننه» (1/60) برقم (169) عن أبي بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، عن يَزِيد بن هَارُونَ، به.

قلت: محمد بن عمرو بن علقمة من أهل الصدق وحديثه مقبول متابع عليه، إلا في جوابه بـ "نعم" لما سُئل عن الحرورية!

وقد خالفه في هذا محمد بن إبراهيم، فقد روى مسلم في «صحيحه» (2/743) من حديث يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بن يَسَارٍ: أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَسَأَلَاهُ عن الْحَرُورِيَّةِ، هل سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُهَا؟ قال: لا أَدْرِي من الْحَرُورِيَّةُ، وَلَكِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يَخْرُجُ في هذه الْأُمَّةِ ولم يَقُلْ منها قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مع صَلَاتِهِمْ فيقرأون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ أو حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ من الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ من الرَّمِيَّةِ فَيَنْظُرُ الرَّامِي إلى سَهْمِهِ إلى نَصْلِهِ إلى رِصَافِهِ فَيَتَمَارَى في الْفُوقَةِ هل عَلِقَ بها من الدَّمِ شَيْءٌ».

2- حديث الضّحاك المِشْرَقيّ الهمداني عن أبي سعيد:

الضحاك بن شراحيل، وقيل: شرحبيل المشرقي، بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وبالقاف، منسوب إلى بطن من همدان. وكان فارساً شريفاً قاتل مع الحسين رضي الله عنه.

أخرج حديثه البخاري في «صحيحه»، كتاب الأدب، باب ما جاء في قَوْلِ الرَّجُلِ وَيْلَكَ، (5/2281) برقم (5811) قال: حدثني عبدالرحمن بن إبراهيم دُحيم، قال: حدثنا الوَلِيدُ، عن الأَوْزَاعِيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي سَلَمَةَ والضَّحَّاكِ، عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قال: «بَيْنَا النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قِسْمًا، فقال ذُو الْخُوَيْصِرَةِ - رَجُلٌ من بَنِي تَمِيمٍ -: يا رَسُولَ اللَّهِ، اعْدِلْ! قال: وَيْلَكَ من يَعْدِلُ إذا لم أَعْدِلْ! فقال عُمَرُ: ائْذَنْ لي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ. قال: لا، إِنَّ له أَصْحَابًا يَحْقِرُ أحدكم صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ من الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إلى نَصْلِهِ فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى رِصَافِهِ فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى نَضِيِّهِ فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى قُذَذِهِ فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، يَخْرُجُونَ على حِينِ فُرْقَةٍ من الناس، آيَتُهُمْ: رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أو مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ».

قال أبو سَعِيدٍ: "أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ من النبي صلى الله عليه وسلم، وأَشْهَدُ أَنِّي كنت مع عَلِيٍّ حين قَاتَلَهُمْ فَالْتُمِسَ في الْقَتْلَى فَأُتِيَ بِهِ على النَّعْتِ الذي نَعَتَ النبي صلى الله عليه وسلم".

وأخرجه أحمد في «مسنده» (3/65) برقم (11639) عن محمد بن مُصْعَبٍ، عن الأوزاعي، به.

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/159) برقم (8561) قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُصَفَّى بنِ بُهْلُولٍ، قالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، قالَ: وحَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بنُ الْوَلِيدِ، وَذَكَرَ آخَرُ قَالُوا: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (2/744) من طريق ابن وَهْبٍ، قال: أخبرني يُونُسُ عن ابن شِهَابٍ، قال: أخبرني أبو سَلَمَةَ بن عبدالرحمن وَالضَّحَّاكُ الهَمْدَانِيُّ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فذكره.

·       رواية عند مسلم فيها وهم!

وختم مسلم أحاديث الباب برقم (1064) قال: حدثني عُبَيْدُاللَّهِ القَوَارِيرِيُّ، قال: حدثنا محمد بن عبداللَّهِ بن الزُّبَيْرِ، قال: حدثنا سُفْيَانُ، عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ، عن الضَّحَّاكِ المِشْرَقِيِّ، عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حَدِيثٍ ذَكَرَ فيه: «قوْمًا يَخْرُجُونَ على فُرْقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ يَقْتُلُهُمْ أَقْرَبُ الطَّائِفَتَيْنِ من الحَقِّ».

وأخرجه أحمد في «مسنده» (3/82) برقم (11796) قال: حدثنا أبو أَحْمَدَ، حدثنا سُفْيَانُ، به.

وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (2/459) برقم (1274) عن أبي خيثمة زهير بن حرب، عن أبي أحمد محمد بن عبدالله بن الزبير الأسدي، عن سفيان الثوري، به.

قلت: لا يُعرف أن حبيب بن ثابت روى هذا الحديث عن الضحاك إلا من حديث سفيان، وتفرد به أبو أحمد الزبيري، وهو ثقة لكن له أوهام وخاصة في حديث الثوري.

قال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل: "كان كثير الخطأ في حديث سفيان". وقال أبو حاتم الرازي: "حافظ للحديث، عابد مجتهد، له أوهام".

والحديث رواه عبدالعزيز بن سِياه عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل في حديث طويل، وهذا يدلّ على خطأ أبي أحمد على سفيان في هذا الحديث.

روى ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/558) برقم (37914) قال: حدثنا ابن نُمَيْرٍ، قال: حدثنا عبدالعَزِيزِ بن سِيَاهٍ، قال: حدثنا حَبِيبُ بن أبي ثَابِتٍ عن أبي وَائِلٍ، قال: أتيته فَسَأَلْته عن هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ، قال: قُلْت: فِيمَ فَارَقُوهُ، وَفِيمَا اسْتَجَابُوا له، وَفِيمَا دَعَاهُمْ، وَفِيمَ فَارَقُوهُ، ثُمَّ اسْتَحَلَّ دِمَاءَهُمْ؟ قال: «إنه لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ في أَهْلِ الشَّامِ بِصِفِّينَ اعْتَصَمَ مُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ بجبل، فقال عَمْرُو بن العَاصِ: أَرْسِلْ إلَى عَلِيٍّ بِالمُصْحَفِ فلاَ واللهِ لا يَرُدُّهُ عَلَيْك. قال: فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ يَحْمِلُهُ يُنَادِي: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا من الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ منهم وَهُمْ مُعْرِضُونَ}! قال: فقال عَلِيٌّ: نعم، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ، أنا أَوْلَى بِهِ مِنْكُمْ. قال: فجَاءَتْ الخَوَارِجُ وَكُنَّا نُسَمِّيهِمْ يَوْمِئِذٍ (الْقُرَّاءَ)، قال: فجاؤوا بِأَسْيَافِهِمْ على عَوَاتِقِهِمْ، فقَالوا: يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لا نَمْشِي إلى هؤُلاَءِ القَوْمِ حتى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَامَ سَهْلُ بن حُنَيْفٍ فقال: (أَيُّهَا الناس اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، لقد كنا مع رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يوم الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا، وَذَلِكَ في الصُّلْحِ الذي كان بين رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، فَجَاءَ عُمَرُ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسُولَ اللهِ، أَلَسْنَا على حَقٍّ وَهُمْ على بَاطِلٍ! قال: بلَى، قال: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ في النَّارِ؟ قال: بَلَى، قال: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمْ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ! فقال: يا ابن الْخَطَّابِ، إنِّي رسول اللهِ وَلَنْ يضيعني اللَّهُ أَبَدًا. قال: فَانْطَلَقَ عُمَرُ، ولم يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا حتى أتى أَبَا بَكْرٍ، فقال: يا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْنَا على حَقٍّ وَهُمْ على بَاطِلٍ؟ فقال: بَلَى، قال: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ في النَّارِ؟ قال: بَلَى، قال: فَعَلاَمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمْ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ! فقال: يا ابن الْخَطَّابِ إنه رسول اللهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا. قال: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ على مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِالفَتْحِ، فَأَرْسَلَ إلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إيَّاهُ، فقال: يا رَسُولَ اللهِ، أَو فَتْحٌ هو؟ قال: نعم، فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ). فقال عَلِيٌّ: أَيُّهَا الناس أن هذا فَتْحٌ فَقَبِلَ على القَضِيَّةَ ورَجَعَ وَرَجَعَ الناس، ثُمَّ أنهم خَرَجُوا بِحَرُورَاءَ أُولَئِكَ العِصَابَةُ من الْخَوَارِجِ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ يُنَاشِدُهُمْ اللَّهَ فَأَبَوْا عليه، فَأَتَاهُمْ صَعْصَعَةُ بن صُوحَانَ فَنَاشَدَهُمْ اللَّهَ، وقال: عَلاَمَ تُقَاتِلُونَ خَلِيفَتَكُمْ؟ قَالَوا: نَخَافُ الْفِتْنَةَ! قال: فَلاَ تُعَجِّلُوا ضَلاَلَةَ العَامِ مَخَافَةَ فِتْنَةِ عَامٍ قَابِلٍ فَرَجَعُوا فقالوا: نَسِيرُ على نَاحِيَتِنَا فإن عَلِيًّا قَبِلَ الْقَضِيَّةَ، قَاتَلْنَاهُمْ يوم صِفِّينَ وَإِنْ نَقَضَهَا قَاتَلْنَا معه فَسَارُوا حتى بَلَغُوا النَّهْرَوَانَ، فَافْتَرَقَتْ منهم فِرْقَةٌ فَجَعَلُوا يهددون الناس قَتْلاً، فقال أَصْحَابُهُمْ: وَيْلَكُمْ ما على هذا فارَقْنَا عَلِيًّا، فَبَلَغَ عَلِيًّا أَمْرُهُمْ، فَقَامَ فَخَطَبَ الناس، فقال: أَمَا تَرَوْنَ أَتَسِيرُونَ إلَى أَهْلِ الشَّامِ أَمْ تَرْجِعُونَ إلَى هَؤُلاَءِ الَّذِينَ خَلَفُوا إلَى ذَرَارِيِّكُمْ، فَقَالُوا: لا، بَلْ نَرْجِعُ إلَيْهِمْ فَذُكِرَ أَمْرُهُمْ فَحَدَّثَ عَنْهُمْ ما قال فِيهِمْ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ فِرْقَةً تَخْرُجُ عَنْدَ اخْتِلاَفِ الناس تَقْتُلُهُمْ أَقْرَبُ الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ) عَلاَمَتُهُمْ رَجُلٌ فِيهِمْ يَدُهُ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ فَسَارُوا حتى الْتَقَوْا بِالنَّهْرَوَانِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيدًا فَجَعَلَتْ خَيْلُ عَلِيٍّ لا تَقُومُ لهم، فَقَامَ عَلِيٌّ فقال: أَيُّهَا الناس، إنْ كُنْتُمْ إنَّمَا تُقَاتِلُونَ لي فوَاللهِ ما عَنْدِي ما أَجْزِيكُمْ بِهِ، وَإِنْ كُنْتُمْ إنَّمَا تُقَاتِلُونَ لِلَّهِ فلاَ يَكُنْ هذا قِتَالَكُمْ، فَحَمَلَ الناس حَمْلَةً وَاحِدَةً فَانْجَلَتْ الْخَيْلُ عَنْهُمْ وَهُمْ مُكِبُّونَ على وُجُوهِهِمْ، فقال عَلِيٌّ: اُطْلُبُوا الرَّجُلَ فِيهِمْ، قال: فَطَلَبَ الناس فلم يَجِدُوهُ حتى قال بَعْضُهُمْ: غَرَّنَا ابن أبي طَالِبٍ من إخواننا حتى قَتَلْنَاهُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنُ عَلِيٍّ، قال: فَدَعَا بِدَابَّتِهِ فَرَكِبَهَا فَانْطَلَقَ حتى أتى وَهْدَةً فيها قَتْلَى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ فَجَعَلَ يَجُرُّ بِأَرْجُلِهِمْ حتى وَجَدَ الرَّجُلَ تَحْتَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ، فقال عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَرِحَ الناس وَرَجَعُوا، وقال عَلِيٌّ: لا أَغْزُو الْعَامَ وَرَجَعَ إلَى الْكُوفَةِ وَقُتِلَ وَاسْتُخْلِفَ حَسَنٌ فَسَارُوا بِسِيرَةِ أبيه بِالْبَيْعَةِ إلَى مُعَاوِيَةَ».

وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (1/364) برقم (473) عن أبي بكر بن أبي شيبة، به.

ورواه إسحاق بن راهوية عن يحيى بن آدم، عن يزيد بن عبدالعزيز بن سياه، عن أبيه، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: أتيت أبا وائل وهو في مسجد حيِّه فاعتزلنا في ناحية المسجد فقلت: ألا تخبرني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي، فذكره.

وفيه: "فحدّث علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن طائفة تخرج من قبل المشرق عند اختلاف الناس لا يرون جهادكم مع جهادهم شيئاً، ولا صلاتكم مع صلاتهم شيئاً، ولا صيامكم مع صيامهم شيئاً، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية،علامتهم رجل عضده كثدي المرأة يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق".

وفي آخره: "وكتب بذلك الحسن إلى قيس بن سعد رضي الله عنهما، فقام قيس بن سعد في أصحابه فقال: يا أيها الناس، أتاكم أمران لا بد لكم من أحدهما دخول في فتنة أو قتل مع غير إمام، فقال الناس: ما هذا؟ فقال: الحسن بن علي قد أعطى البيعة معاوية، فرجع الناس فبايعوا معاوية رضي الله عنه ولم يكن لمعاوية هم إلاَّ الذين بالنهروان فجعلوا يتساقطون عليه فيبايعونه حتى بقي منهم ثلاثمائة ونيف وهم أصحاب النخيلة".

ذكره ابن حجر في «المطالب العالية» وقال: "قلت: هذا الإسناد صحيح... وأصل المرفوع في صحيح مسلم وغيره، وإنما سقت هذا لأن فيه زيادات على الطرق التي خرجها أصحاب الكتب وأحمد أيضاً".

قلت: الحديث صحيح، وقد أخرج مسلم في «صحيحه» (3/1411) برقم (1785) جزءاً منه عن أبي بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، عن عبداللَّهِ بن نُمَيْرٍ. وعن ابن نُمَيْرٍ، عن أبيه، عن عبدالعَزِيزِ بن سِيَاهٍ، قال: حدثنا حَبِيبُ بن أبي ثَابِتٍ، عن أبي وَائِلٍ، قال: «قام سَهْلُ بن حُنَيْفٍ يوم صِفِّينَ فقال: أَيُّهَا الناس، اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ لقد كنا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم الْحُدَيْبِيَةِ.. إلى قوله: فطابت نفسه ورجع».

وأخرج هذا الجزء منه أيضاً البخاري في «صحيحه» (4/1832) برقم (4563) عن أَحْمَد بن إِسْحَاقَ السُّلَمِيُّ، عن يَعْلَى، عن عبدالعَزِيزِ بن سِيَاهٍ.

ثم وجدت متابعة لأبي أحمد الزبيري عن حبيب بن أبي ثابت:

أخرجها النسائي في «السنن الكبرى» (5/158) برقم (8559) قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُالأَعْلَى بنُ وَاصِلِ بنِ عَبْدِالأَعْلَى، قالَ: حَدَّثَنَا مُحَاضِرُ بنُ الْمُوَرِّعِ، قالَ: حَدَّثَنَا الأَجْلَحُ، عَنْ حَبِيبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ الضَّحَّاكَ الْمَشْرِقِيَّ، يُحَدِّثُهُمْ - ومَعَهُمْ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ، ومَيْمُونُ بنُ أَبِي شَبِيبٍ، وأَبُو البَخْتَرِيِّ، وأَبُو صَالِحٍ، وذَرٌّ الْهَمْدَانِيُّ، والحَسَنُ العُرَنِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي «قَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَذَكَرَ مِنْ صَلَاتِهِمْ، وَزَكَاتِهِمْ، وَصَوْمِهِمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ الْقُرْآنُ تَرَاقِيَهُمْ يَخْرُجُونَ فِي فِرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، يُقَاتِلُهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَى الْحَقِّ».

قلت: الأجلح وهو: ابن عبدالله الكندي ضعيف لا يُحتج به، وقد روى غير حديث منكر!

قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: "ما أقرب الأجلح من فطر بن خليفة".

وقال عباس الدوري عن يحيي بن معين: "ثقة"، وقال في موضع آخر: "ليس به بأس"، وقال إسحاق بن منصور عن يحيي بن معين: "صالح".

وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي، يُكتب حديثه ولا يُحتج به".

ومُحاضر بن المورع أبو المورع: ليس بذاك.

قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي، محاضر؟ قال: "سمعت منه أحاديث لم يكن من أصحاب الحديث، كان مغفلاً جداً".

وقال أبو زرعة: "هو صدوق".

وقال أبو حاتم: "ليس بالمتين، يُكتب حديثه".

قلت: فهذه الرواية لا تصلح لأن تكون جابرة لرواية أبي أحمد الزبيري التي رواها عن سفيان عن حبيب بن ابي ثابت عن الضحاك عن أبي سعيد!

·       أوهام أخرى في بعض طرق هذا الحديث:

أخرج ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/562) برقم (37932) قال: حدثنا يحيى بن آدَمَ، قال: حدثنا يَزِيدُ بن عبدالعَزِيزِ – هو ابن سياه-، قال: حدثنا إِسْحَاقُ بن رَاشِدٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي سَلَمَةَ بن عبدالرحمن وَالضَّحَّاكُ بن قَيْسٍ، عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قال بَيْنَا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ مَغْنَمًا يوم خَيْبَرَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ من بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ له ذُو الْخُوَيْصِرَةِ.. الحديث.

وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب «السنة» (2/449) برقم (923) عن أبي بكر بن أبي شيبة، به.

ثم أخرجه برقم (924) عن هشام بن عمار، عن عبدالحميد بن أبي العشرين، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن والضحاك بن قيس، عن أبي سعيد الخدري.

قلت: وهم يزيد بن عبدالعزيز وابن أبي العشرين في نسب الضحاك أنه (ابن قيس)! وإنما هو (ابن شراحيل المشرقي).

وقد سُئل الدرقطني [كما في «العلل»: 11/341] عن حديث أبي سلمة عن أبي سعيد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم قسما إذ جاء ابن أبي الخويصرة... الحديث؟

فقال: "يرويه الزهري، واختلف عنه: فرواه معمر ويونس وإسحاق بن راشد، واختلف عنه عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، قال ذلك عبيدالله بن عمرو عن إسحاق بن راشد، وقال يزيد بن عبدالعزيز بن سياه عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن أبي سلمة والضحاك بن قيس عن أبي سعيد! ووهم – أي يزيد- في نسب الضحاك في قوله (ابن قيس)، وإنما أراد الضحاك المشرقي قبيل من همدان.

ورواه الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة والضحاك عن أبي سعيد، وقال الوليد بن مزيد عن الأوزاعي فيه: الضحاك بن مزاحم! ووهم في نسبه، وإنما هو الضحاك المشرقي قبيل من همدان، وهو الصحيح".

قلت: وكان ابن معين يقول: "الضحاك المشرقي هو ابن مزاحم"، وتبعه على هذا يعقوب الفسوي! فوهما.

وقد بيّن هذا الوهم صالح جزرة كما ساق الخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (1/215) من طريق أبي علي صالح بن محمد قال: "الضحاك المشرقي هو ابن شراحيل، والمشرق فخذ من همدان". قال أبو علي: "وسئل يحيى عن هذا؟ فقال: هو الضحاك بن مزاحم، فأخطأ".

قال الخطيب: "فقد قال يعقوب بن سفيان مثل قول يحيى هذا". ثم ساق قول يعقوب بن سفيان قال: حدثني ابن نمير عن أبي خالد عن الأعمش عن الضحاك المشرقي، قال يعقوب: "وهو ابن مزاحم الهلالي". [المعرفة والتاريخ: 3/266].

قال الخطيب: "وما أشك أن يعقوب قلّد يحيى بن معين فيه، وقد أخطأ كلّ من قال إن الضحاك المشرقي هو ابن مزاحم؛ لأنهما اثنين: كل واحد منهما غير صاحبه، فأما الضحاك المشرقي فهو ابن شراحيل يُحدِّث عن أبي سعيد الخدري خاصة، روى عنه ابن شهاب الزهري وحبيب بن أبي ثابت، وهو أقدم الرجلين".

قال: "وأما الضحاك بن مزاحم فهو هلالي يكنى أبا القاسم، يروي عن عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر وزيد بن أرقم، ويقال: إنه لم يسمع من ابن عباس، وإنما يرسل الرواية عنه، حدث عنه جويبر بن سعيد وحكيم بن الديلم وبشير أبو إسماعيل وغيرهم".

وقال الباجي في «التعديل والتجريح لمن خرّج له البخاري في الجامع الصحيح» (2/794): "الضحاك بن مخلد بن الضحاك المشرقي، هكذا قال أبو نصر فيه! وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم: الضحاك بن شراحيل المشرقي، والمشرقي حي من همدان من اليمن، وغيره يقول: الضحاك المشرقي فقط".

قلت: وهذا خطأ من أبي نصر الكُلاباذي – صاحب كتاب رجال البخاري-، فالضحاك بن مخلد غير الضحاك المشرقي وهو ابن شراحيل.

3- حديث أبي نَضْرة عن أبي سعيد:

 أبو نضرة: المنذر بن مالك بن قُطَعة العبدي. مات سنة (108 أو 109هـ).

قال أحمد بن حنبل: "ما علمت إلا خيراً".

وروى إسحاق الكوسج عن يحيى أنه قال: "ثقة". وكذا قال أبو زرعة والنسائي.

وقال ابن سعد: "ثقة كثير الحديث، وليس كلّ أحد يحتج به".

وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال: "كان من فصحاء الناس، فلج في آخر عمره.. وكان ممن يُخطئ".

وقال في «مشاهير علماء الأمصار»: "أفلج في آخر عمره فتغيّر عليه حفظه".

وقال الذهبي في «السِّير»: "استشهد به البخاري ولم يرو له، وقد أورده العقيلي وابن عدي في كتابيهما فما ذكرا له شيئاً يدل على لِين فيه. بلى قال ابن عدي: كان عريفاً لقومه".

وقال في «الميزان»: "وأورده العقيلي في الضعفاء وما ذكر شيئاً يدل على لِينه، وكذا ذكره صاحب الكامل ولم يذكر شيئا أكثر من أنه كان عريفاً لقومه، ولكن ما احتج به البخاري".

وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: "وأورده العقيلي في الضعفاء ولم يذكر فيه قدحاً لأحد، وكذا أورده ابن عدي في الكامل، وقال: كان عريفا لقومه، وأظن ذلك لما أشار إليه ابن سعد، ولهذا لم يحتج به البخاري".

أخرج الإمام مسلم حديثه هذا في الخوارج عن أبي سعيد في الشواهد. وقد رواه عن أبي نضرة جماعة: سليمان التيمي، والقَاسِمُ بن الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ، وقتادة، وداود بن أبي هند، وعوف الأعرابيّ، وعبدالملك بن أبي نضرة.

أما حديث سليمان التيميّ:

فأخرجه مسلم في «صحيحه» (2/745) برقم (1064): وحدثني محمد بن المُثَنَّى، قال: حدثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن سُلَيْمَانَ، عن أبي نَضْرَةَ، عن أبي سَعِيدٍ: «أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ في أُمَّتِهِ يَخْرُجُونَ في فُرْقَةٍ من الناس، سِيمَاهُمْ التَّحَالُقُ، قال: هُمْ شَرُّ الخَلْقِ أو من أَشَرِّ الخَلْقِ، يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلى الحَقِّ. قال: فضَرَبَ النبي صلى الله عليه وسلم لهم مَثَلًا أو قال قَوْلًا: الرَّجُلُ يَرْمِي الرَّمِيَّةَ أو قال الغَرَضَ فَيَنْظُرُ في النَّصْلِ فلا يَرَى بَصِيرَةً، وَيَنْظُرُ في النَّضِيِّ فلا يَرَى بَصِيرَةً، وَيَنْظُرُ في الْفُوقِ فلا يَرَى بَصِيرَةً».

قال: قال أبو سَعِيدٍ: «وأَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ يا أَهْلَ الْعِرَاقِ».

وأخرجه أحمد في «مسنده» (3/5) برقم (11031) عن محمد بن أبي عدي، به.

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/158) برقم (8558) عن محمد بن عبدالأعلى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، به.

وأما حديث القاسم الحداني:

فأخرجه مسلم في «صحيحه» برقم (1064) قال: حدثنا شَيْبَانُ بن فَرُّوخَ، قال: حدثنا القَاسِمُ - وهو ابن الفضْلِ الحُدَّانِيُّ – قال: حدثنا أبو نَضْرَةَ، عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ من الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ».

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/144، 158) برقم (8511) و(8557) عن سليمان بن عبيدالله بن عمرو الغيلاني، عن بهز، عن القاسم، به.

وأما حديث قتادة:

فأخرجه مسلم في «صحيحه» برقم (1064) قال: حدثنا أبو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَقُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ - قال قُتَيْبَةُ: حدثنا أبو عَوَانَةَ، عن قَتَادَةَ، عن أبي نَضْرَةَ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يكون في أُمَّتِي فِرْقَتَانِ فيخرج من بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمْ بِالحَقِّ».

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/158) برقم (8555) عن قتيبة بن سعيد، به.

وأما حديث داود بن أبي هند:

فأخرجه مسلم في «صحيحه» والنسائي في «السنن الكبرى» برقم (8554) قالا: حدثنا محمد بن المُثَنَّى، قال: حدثنا عبدالأعلى، قال: حدثنا دَاوُدُ، عن أبي نَضْرَةَ، عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ في فُرْقَةٍ من الناس فَيَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ».

وأما حديث عوف:

فأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/158) برقم (8556) قال: أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا عوف، قال: حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفترق أمتي فرقتين يمرق بينهما مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق».

وأما حديث عبدالملك بن أبي نضرة:

فأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/167) من طريق أَبي عَتَّابٍ سَهْل بن حَمَّادٍ الدَّلَّال، قال: حدثنا عَبْدُالمَلِكِ بنُ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ فِيهِ، فَيُعْطَى يَمِينًا وَشِمَالًا، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مُقَلَّصُ الثِّيَابِ، ذُو سِيمَاءَ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ يَدَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا حَتَّى نَفدَ الْمَالُ، فَلَمَّا نَفدَ الْمَالُ وَلَّى مُدْبِرًا، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا عَدَلْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُ كَفَّهُ وَيَقُولُ: إِذَا لَمْ أَعْدِلْ فَمَنْ ذَا يَعْدِلُ بَعْدِي، أَمَا إِنَّهُ سَتْمَرُقُ مَارِقَةٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَرْجِعَ السَّهْمُ عَلَى فَوْقِهِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يُحْسِنُونَ الْقَوْلَ، وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، فَمَنْ لَقِيَهُمْ فَلْيُقَاتِلْهُمْ، فَمَنْ قَتَلَهُمْ فَلَهُ أَفْضَلُ الْأَجْرِ، وَمَنْ قَتَلُوهُ فَلَهُ أَفْضَلُ الشَّهَادَةِ، هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، بَرِيءٌ اللَّهُ مِنْهُمْ، يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ».

قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ، وَعَبْدُالمَلِكِ بنُ أَبِي نَضْرَةَ مِنْ أَعَزِّ الْبَصْرِيِّينَ حَدِيثًا، ولا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَوْتُ لَهُ فِي حَدِيثٍ غَيْرِ هذَا".

قلت: ألفاظه غريبة ليست معروفة في حديث أبي نضرة كما رواه الثقات عنه، وعبدالملك بن أبي نضرة صدوق له أوهام وأخطاء.

4- حديث عبدالرحمن بن أبي نُعْمٍ عن أبي سعيد:

عبدالرحمن بن أبي نعم البجلي أبو الحكم الكوفي العابد، ليس بالمُكثر. مات (بعد سنة 100هـ).

قال الحافظ ابن حجر في «مقدمة فتح الباري» (ص419): "وثّقه ابن سعد والنسائي، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ضعيف. قلت: اعتمده الشيخان، وله عند البخاري ثلاثة أحاديث عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر عن كل واحد حديث واحد، وروى له الباقون".

روى هذا الحديث عن عبدالرحمن بن أبي نُعْمٍ: سَعِيد بن مَسْرُوقٍ، وعُمَارَة بن الْقَعْقَاعِ.

أما حديث سعيد بن مسروق والد سفيان الثوري:

فأخرجه البخاري في «صحيحه» (6/2702) برقم (6995) قال: حدثنا قَبِيصَةُ، قال: حدثنا سُفْيَانُ، عن أبيه، عن ابن أبي نُعْمٍ - أو أبي نُعْمٍ، شَكَّ قَبِيصَةُ - عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قال: «بُعِثَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بين أَرْبَعَةٍ».

قال: وحدثني إِسْحَاقُ بن نَصْرٍ، قال: حدثنا عبدالرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا سُفْيَانُ، عن أبيه، عن ابن أبي نُعْمٍ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قال: «بَعَثَ عَلِيٌّ وهو في اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ في تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بين الْأَقْرَعِ بن حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ وبَيْنَ عُيَيْنَةَ بن بَدْرٍ الفَزَارِيِّ وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بن عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ وَبَيْنَ زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَتَغَيَّظَتْ قُرَيْشٌ والأَنْصَارُ، فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا! قال: إنما أَتَأَلَّفُهُمْ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فقال: يا محمد، اتَّقِ اللَّهَ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إذا عَصَيْتُهُ، فَيَأْمَنُنِي على أَهْلِ الأرض ولا تأمنونني! فَسَأَلَ رَجُلٌ من الْقَوْمِ قَتْلَهُ أُرَاهُ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ، فَمَنَعَهُ النبي صلى الله عليه وسلم فلما ولَّى قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ من ضِئْضِئِ هذا قَوْمًا يقرؤون القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ من الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ».

وهو عند عبدالرزاق في «المصنف» (10/156) برقم (18676).

وأخرجه أحمد في «المسند» (3/68) برقم (11666) عن عبدالرزاق، به.

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (2/311) برقم (3564) عن محمود بن غيلان، عن عبدالرزاق، به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (2/741) برقم (1064)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2/311) برقم (3564)، (6/356) برقم (11221) كلاهما عن هنَّاد بن السَّرِيِّ، عن أبي الأَحْوَصِ سلام بن سليم، عن سَعِيدِ بن مَسْرُوقٍ، به.

وأخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (2/373) برقم (2903) عن أبي الأحوص سلام بن سليم، به.

وأخرجه الطيالسي في «مسنده» (ص296) عن قيس بن الربيع وسلام بن سليم، عن سعيد بن مسروق، به.

وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (6/1822) عن الحسين بن عرفة بن يزيد العبدي، عن المبارك بن سعيد، عن أبيه سعيد بن مسروق، به.

وأخرجه ابن شبّة في «أخبار المدينة» (1/291) عن الحسين بن إبراهيم، عن المبارك بن سعيد، به.

وأما حديث عُمارة بن القعقاع:

فأخرجه مسلم في «صحيحه» (2/742) برقم (1064) قال: حدثنا قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ، قال: حدثنا عبدالوَاحِدِ، عن عُمَارَةَ بن الْقَعْقَاعِ، قال: حدثنا عبدالرحمن بن أبي نُعْمٍ، به.

وقال: حدثنا عُثْمَانُ بن أبي شَيْبَةَ، قال: حدثنا جَرِيرٌ، عن عُمَارَةَ بن الْقَعْقَاعِ بهذا الإسناد. قال: (وعَلْقَمَةُ بن عُلَاثَةَ، ولم يذكر عَامِرَ بن الطُّفَيْلِ. وقال: ناتىء الْجَبْهَةِ ولم يَقُلْ نَاشِزُ. وزاد: فَقَامَ إليه عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، ألا أَضْرِبُ عُنُقَهُ، قال: لا. قال: ثُمَّ أَدْبَرَ، فَقَامَ إليه خَالِدٌ سَيْفُ اللَّهِ، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، ألا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قال: لا. فقال: إنه سَيَخْرُجُ من ضِئْضِئِ هذا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ لَيِّنًا رَطْبًا. وقال: قال عُمَارَةُ: حَسِبْتُهُ قال: لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ).

قال: وحدثنا ابن نُمَيْرٍ، قال: حدثنا ابن فُضَيْلٍ، عن عُمَارَةَ بن الْقَعْقَاعِ، بهذا.

قلت: تفرّد ابن أبي نعم في حديثه عن أبي سعيد الخدري عن بقية أصحابه بلفظ: «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ».

5- حديث عطاء بن يَسارٍ عن أبي سعيد:

عطاء بن يسار الهلالي القاص مولى ميمونة، العابد الزاهد الثقة، كان من كبار التابعين وعلمائهم، مات سنة (103هـ) بالإسكندرية كما جزم ابن يونس.

أخرج البخاري في «صحيحه» (6/2540) برقم (6532)، ومسلم في «صحيحه» (2/743) قالا: حدثنا محمد بن المُثَنَّى، قال: حدثنا عبدالوَهَّابِ، قال: سمعت يحيى بن سَعِيدٍ، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم، عن أبي سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بن يَسَارٍ: «أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَسَأَلَاهُ عن الحَرُورِيَّةِ: أَسَمِعْتَ النبي صلى الله عليه وسلم! قال: لا أَدْرِي ما الْحَرُورِيَّةُ! سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يَخْرُجُ في هذه الْأُمَّةِ - ولم يَقُلْ منها - قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مع صَلَاتِهِمْ: يقرؤون الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ أو حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ من الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ من الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ الرَّامِي إلى سَهْمِهِ إلى نَصْلِهِ إلى رِصَافِهِ فَيَتَمَارَى في الْفُوقَةِ هل عَلِقَ بها من الدَّمِ شَيْءٌ».

وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/560) برقم (37920) قال: حدثنا زَيْدُ بن حُبَابٍ، قال: أخبرني مُوسَى بن عُبَيْدَةَ، قال: أخبرني عبداللهِ بن دِينَارٍ، عن أبي سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بن يَسَارٍ، قالا: جِئْنَا أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ.. الحديث.

6- حديث مَعبد بن سيرين عن أبي سعيد:

معبد بن سيرين الأنصاري البصري، أكبر إخوته، وثقه ابن سعد والعجلي، وقال يحيى بن معين: "يعرف وينكر". قال ابن حجر: "احتج به الشيخان وأبو داود والنسائي، وليس هو بالمكثر، ما له في البخاري غير حديثين".

مات على رأس المائة.

أخرج البخاري في «صحيحه»، باب قِرَاءَةِ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ وَأَصْوَاتُهُمْ وَتِلَاوَتُهُمْ لَا تُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، (6/2748) برقم (7123) قال: حدثنا أبو النُّعْمَانِ، قال: حدثنا مَهْدِيُّ بن مَيْمُونٍ، قال: سمعت مُحَمَّدَ بن سِيرِينَ يُحدِّث عن مَعْبَدِ بن سِيرِينَ، عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يَخْرُجُ نَاسٌ من قِبَلِ الْمَشْرِقِ، ويقرؤون القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فيه حتى يَعُودَ السَّهْمُ إلى فُوقِهِ. قِيلَ: ما سِيمَاهُمْ؟ قال: سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ - أو قال: التَّسْبِيدُ».

وأخرجه سعيد بن منصور في «سننه» برقم (2904) قال: حدثنا مهدي بن ميمون، به.

وأخرجه أحمد في «مسنده» (3/64) برقم (11632) عن عَفَّان، عن مهدي بن مَيْمُونٍ، به.

وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (2/408) برقم (1193) عن زهير، عن عبدالرحمن بن مهدي، عن مهدي بن ميمون، به.

قلت: تفرد معبد بن سيرين بذكر «من قبل المشرق».

7- حديث محمّد بن سيرين عن أبي سعيد:

محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة البصري، أخو أنس بن سيرين ومعبد بن سيرين ويحيى بن سيرين وحفصة بنت سيرين وكريمة بنت سيرين، من كبار الثقات، توفي سنة (110هـ).

أخرج الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/58) قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، قالَ: حدثنا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ حَمَّادٍ الشُّعَيْثِيُّ، قالَ: حدثنا ابنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ».

قلت: المعروف في هذا الحديث رواية محمد بن سيرين له عن أخيه معبد كما تقدم، ولا يُعرف أنه سمعه من أبي سعيد الخدري، وعبدالرحمن بن حماد الشعيثي البصري صدوق، ربما أخطأ كما قال ابن حجر، وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي". وأخرج له البخاري حديثاً واحداً تُوبع عليه. فيُحتمل أن عبدالرحمن لم يحفظه فأسقط من إسناده "معبد بن سيرين"، والله أعلم.

ومحمد بن سيرين يروي عن أبي سعيد الخدري بواسطة أخيه معبد، ولا أظن أن محمداً سمع من أبي سعيد الخدري!

وأخرجه الطبراني أيضاً (6/187) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زُهيْرٍ الأُبُلِّيُّ، قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ حَوْشَبٍ الرَّحَائِيُّ، قالَ: حدثنا سَلْمُ بنُ سُلَيْمَانَ الضَّبِّيُّ، قالَ: حدثنا أَبُو حَرَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَجِيءُ أَقْوَامٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَنْتَثِرُونَهُ نَثْرَ الدَّقَلِ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ فِي فُوقِهِ، التَّسْبِيدُ فِيهِمْ فَاشٍ».

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي حُرَّةَ إِلاَّ سَلْمُ بنُ سُلَيْمَانَ".

قلت: سلْم لا يُحتج به.

قال العقيلي في «الضعفاء» (2/166): "سلم بن سليمان الضبي أبو هشام، بصري، عن أبي حرة. في حديثه وهم، لا يُقيم الحديث".

8- حديث شَدَّاد بن عِمْرَانَ القيسيّ عن أبي سعيد:

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/226): "شداد. قال علي بن نصر: أخرج إليّ عبيدالله كتاب أبيه عن جامع بن مطر: حدثنا أَبُو رُوبَةَ شَدَّادُ بنُ عِمْرَانَ القشيري من قيس. وقال أحمد: حدثنا عبدالصمد: حدثنا محرر بن قعنب: حدثني جهضم أبو روبة الباهلي".

وقال في «الكنى» (ص30): "أبو روبة القشيري. حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا جامع بن مطر، عن أبي روبة القشيري، عن أبي سعيد الخدري: أن رجلاً كان يتعبد في واد من تلك الأودية حسن الهيئة حسن الخشوع فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه أبا بكر، قال: أذهب فاقتله، فذهب فرآه على تلك الحالة، فرجع ثم أرسل علياً، فذهب فلم يجده فبلغنا - والله أعلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا لو قتلتموه لقطع عنكم الطريق، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية شر البرية فاقتلوهم".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/329): "شداد بن عمران أبو روبة القشيري، بصري، ويقال أبو روبة وهو عمران بن حصين، تابعي. روى عن أبي سعيد الخدري. روى عنه جامع بن مطر الحبطي. سمعت أبي يقول ذلك".

ثم ذكره في موضع آخر (6/296) فقال: "عمران بن حصين أبو روبة القشيري، بصري. روى عن أبي سعيد الخدري. روى عنه جامع بن مطر. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/357): "شداد بن عبدالرحمن أبو روبة القشيري، يروي عن أبي سعيد الخدري. روى عنه أبو حنيفة. وقد قيل: شداد بن عمران".

ثم قال (4/358): "شداد بن عمران التغلبي أبو روبة، يروي عن حذيفة. روى عنه يزيد بن عبدالله الشيباني وجامع بن مطر، وليس هذا بأبي روبة الذي روى عنه أبو حنيفة".

قلت: هكذا اختلف أهل العلم في تسميته: فقال أبو حاتم هو "عمران بن حصين"، وفرّق ابن حبان بينه وبين "شداد بن عبدالرحمن". وقد حرر ذلك ابن حجر، فقال في «تعجيل المنفعة» (ص174): "شداد بن عبدالرحمن القشيري أبو رؤبة البصري عن أبي سعيد الخدري حديث: من كذب عليّ، رواه إسماعيل بن توبة عن محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عنه، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين".

ثم قال: "شداد بن عمران التغلبي أبو رؤبة، روى عن حذيفة. روى عنه يزيد بن عبدالله الشيباني وجامع بن مطر، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال: ليس هو الذي روى عنه أبو حنيفة، وقال في ترجمة الأول: وقد قيل فيه: ابن عمران، فحكى الجمع ورجح التفرقة، ويؤيده اختلاف النسبتين، لكن الحاكم أبو أحمد اقتصر على ابن عمران ونسبه قشيرياً وكذا قال البخاري من طريق معاذ بن معاذ عن جامع بن مطر: حدثنا أبو رؤبة شداد بن عمران القشيري، ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه أن شيخ جامع روى عن أبي سعيد الخدري، وأخرج أحمد في مسند أبي سعيد من طريق جامع بن مطر عن أبي رؤبة شداد بن عمران عن أبي سعيد: أن أبا بكر الصديق جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني مررت بوادي كذا فإذا برجل متخشع الحديث، وقد جزم ابن حبان بأن الذي روى عنه جامع هو الذي روى عن حذيفة فقوي القول بأنه واحد اختلف في اسم أبيه وفي نسبه، والله أعلم".

قلت: ما قاله ابن حجر أقرب للصواب، هو واحد اختلفوا في اسم أبيه وفي نسبه. وهو روى جامع بن مطر عنه قال: "رأيت على أبي سعيد الخدري عمامة سوداء".

أخرج حديثه في الخوارج أحمد في «المسند» (3/15) قال: حدثنا بَكْرُ بن عِيسَى، قال: حدثنا جَامِعُ بن مَطَرٍ الحبطي، قال: حدثنا أبو روبة شَدَّادُ بن عِمْرَانَ القيسي، عن أبي سَعِيدٍ الخدري: «أن أَبَا بَكْرٍ جاء إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ إني مَرَرْتُ بوادي كَذَا وَكَذَا فإذا رَجُلٌ مُتَخَشِّعٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ يصلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذْهبْ إليه فَاقْتُلْهُ! قال: فذَهَبَ إليه أبو بَكْرٍ فلما رَآهُ على تِلْكَ الْحَالِ كَرِهَ أن يَقْتُلَهُ، فَرَجَعَ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ فَذَهَبَ عُمَرُ فَرَآَهُ على تِلْكَ الحَالِ التي رَآهُ أبو بَكْرٍ، قال: فَكَرِهَ أَنْ يَقْتُلَهُ، قال: فَرَجَعَ، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، إني رَأَيْتُهُ يصلي مُتَخَشِعاً فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْتُلَهُ! قال: يا علي، اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ، قال: فَذَهَبَ عليّ فلم يَرَهُ، فَرَجَعَ علي، فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنه لم يُرَهْ. قال: فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إن هذا وَأَصْحَابَهُ يقرؤون القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لا يَعُودُونَ فيه حتى يَعُودَ السَّهْمُ في فُوقِهِ فَاقْتُلُوهُمْ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ».

قلت: هذا إسناد ضعيف، ومتن منكر! فشداد مجهول الحال، وقصة أمره صلى الله عليه وسلم لقتل ذاك الرجل منكرة.

قال السندي: "ولا يخفى ما في ظاهره من البعد، إذ كيف يكره أبو بكر ثم عمر قتل من أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله، وقد جاء أن عمر استأذن في قتل من قال: إن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عدل في القسمة، وكذا خالد بن الوليد، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أذن في قتله، وعلل ذلك بأنه مصلّ، والذي يظهر أن هذا الرجل المذكور في هذه الأحاديث هو ذاك الرجل الذي جاء فيه أنه استأذن عمر في قتله وخالد، ولا يخفى أن استئذان عمر في قتله أصح وأثبت من هذه الأحاديث، فهذا يقتضي أن في هذه الأحاديث شيئاً، ومن نظر في اختلاف عنوان الواقعة في هذه الأحاديث لا يستبعد ما قلنا، والله تعالى أعلم".

9- حديث قتادة عن أبي سعيد:

قَتادة بن دعامة السدوسي البصري الحافظ الثقة (ت 117هـ).

أخرج حديثه أحمد في «المسند» (3/224) برقم (13362) قال: حدثنا أبو المُغِيرَةِ، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني قَتَادَةُ، عن أَنَسِ بن مَالِكٍ وأبي سَعِيدٍ الخدري - وقد حَدَّثَنَاهُ أبو المُغِيرَةِ عن أَنَسٍ عن أبي سَعِيدٍ، ثُمَّ رَجَعَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «سَيَكُونُ في أمتي خلاف وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الفِعْلَ يقرؤون القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَحْقِرُ أحدكم صَلاَتَهُ مع صلاتهم وَصِيَامَهُ مع صيامهم يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ لاَ يَرْجِعُونَ حتى يَرْتَدُّوا على فُوقِهِ، هُمْ شَرُّ الخَلْقِ وَالخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إلى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا منه في شيء، من قتلهم كان أَوْلَى بِاللَّهِ منهم. قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما سِيمَاهُمْ؟ قال: التَّحْلِيقُ».

وأخرجه أبو داود في «سننه» (4/243) برقم (4765) عن نَصْر بن عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيّ، عن الوَلِيد ومُبَشِّرٌ بن إسماعيل الحَلَبِيَّ، عن أبي عَمْرٍو الأوزاعيّ، قال: حدثني قَتَادَةُ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بن مَالِكٍ، به.

وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (5/426) برقم (3117) عن أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن مبشر، به.

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/161) من طريق محمد بن كثير المصيصي، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس بن مالك.

ثم رواه من طريق الربيع بن سليمان، عن بشر بن بكر، عن الأوزاعي، عن قتادة بن دعامة، عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري.

ثم قال: "لم يسمع هذا الحديث قتادة من أبي سعيد الخدري، إنما سمعه من أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد".

ثم ساقه من طريق أَبي الجُمَاهِرِ مُحَمَّد بن عُثْمَانَ التَّنُوخِيّ، قال: حدثنا سَعِيدُ بنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَلِيٍّ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُهُمْ مَثَلُ رَجُلٍ يَرْمِي رَمْيَةً، فَيَتَوَخَّى السَّهْمَ حَيْثُ وَقَعَ، فَأَخَذَهُ فَنَظَرَ إِلَى فَوْقِهِ، فَلَمْ يَرَ بِهِ دَسَمًا وَلَا دَمًا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى رِيشِهِ، فَلَمْ يَرَ بِهِ دَسَمًا وَلَا دَمًا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى نَصْلِهِ فَلَمْ يَرَ بِهِ دَسَمًا وَلَا دَمًا، كَمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّسَمِ وَالدَّمِ، كَذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ هَؤُلَاءِ بِشَيْءٍ مِنَ الْإِسْلَامِ».

وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/337) و«مسند الشاميين» (4/53) من طريق مُحَمَّد بن بَكَّارٍ، عن سَعِيد بن بَشِيرٍ، به.

قلت: ذهب الحاكم إلى أن هذا الحديث رواه قتادة عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري؛ لأن قتادة لم يسمع من أبي سعيد. فلما وجد رواية فيها واسطة بينهما حكم بأنها هي الرواية الصحيحة! وليس كذلك! فالرواية تفرد بها سعيد بن بشير عن قتادة، وأصحاب قتادة يخالفونه في عدم ذكر الواسطة بين قتادة وأبي سعيد، وهذا هو الصواب.

وسعيد بن بشير ضعيف ويتفرد عن قتادة بأشياء لا يُتابع عليها. فهذه الرواية لا تصح. ورواية قتادة عن أبي سعيد منقطعة.

10- حديث عَاصِمِ بنِ شُمَيْخٍ عن أبي سعيد:

عَاصِم بن شُمَيْخٍ رجل من بني تميم مجهول الحال.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/480): "عاصم بن شميخ الغيلاني، أحد بني تميم: رأى أبا سعيد رضي الله عنه. روى عنه عكرمة بن عمّار".

قلت: يشير البخاري إلى ما رواه عِكْرِمَة بن عَمَّارٍ، قالَ : حدَّثَنِي عَاصِمُ بنُ شُمَيْخٍ الغَيْلاَنِيُّ أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ، قالَ : «دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ فَرَأَيْتُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ يُجَافِي بِمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، حَتَّى أَرَى بَيَاضَ إبْطَيْهِ».

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/345): "عاصم بن شميخ الغيلاني، روى عن أبي سعيد الخدري. روى عنه عكرمة بن عمار وجواس. سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: هو مجهول".

وقال ابن حبان في «الثقات» (5/239): "عاصم بن شميخ الغيلاني أحد بني تميم: يروي عن أبي سعيد الخدري. روى عنه عكرمة بن عمار. أخبرنا إبراهيم بن خزيم قال: حدثنا عبدالله بن حميد، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني عاصم بن شميخ الغيلاني قال: أتيت المدينة في طلب عبد لي أبق، فانطلقوا بي إلى أبي سعيد الخدري فادخلوني عليه، فإذا شيخ كبير يصلي حين زالت الشمس معتمداً على جريدة إذا قام اعتمد عليها وإذا ركع أسندها إلى القبلة وإذا سجد اعتمد عليها".

وقال أبو بكر البزار في مسنده: "ليس بالمعروف".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص285): "عاصم بن شميخ، بمعجمتين مصغراً، أبو الفَرَجّل - بفتح الفاء والراء وتشديد الجيم – اليمامي، وثقه العجلي".

أخرج حديثه أحمد في «مسنده» (3/33) برقم (11303) عن وكِيع، قال: حدثنا عِكْرِمَةُ بن عَمَّارٍ، عن عَاصِمِ بن شُمَيْخٍ، عن أبي سَعِيدٍ الخدري قال: «كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا حَلَفَ وَاجْتَهَدَ في اليَمِينِ قال: لا، والذي نَفْسُ أبي الْقَاسِمِ بيده، لَيَخْرُجَنَّ قَوْمٌ من أمتي تَحْقِرُونَ أَعْمَالَكُمْ مع أَعْمَالِهِمْ يقرؤون القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. قالوا: فَهَلْ من عَلاَمَةٍ يُعْرَفُونَ بها؟ قال: فِيهِمْ رَجُلٌ ذُو يديه أو ثديه محلقي رؤوسهم».

قال أبو سَعِيدٍ: فحدثني عِشْرُونَ أو بِضْعٌ وَعِشْرُونَ من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم أن عَلِيًّا رضي الله عنه ولي قَتْلَهُمْ".

قال: "فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ بعدما كَبِرَ وَيَدَاهُ تَرْتَعِشُ يقول: قِتَالُهُمْ أَحَلُّ عندي من قِتَالِ عِدَّتِهِمْ مِنَ التُّرْكِ".

ورواه ابن أبي عاصم في كتاب «السنّة» (2/444) من طريق عمر بن يونس، عن عكرمة بن عمار، عن عاصم بن شميخ الغيلاني، قال: "كُنْتُ أَحْبَبْتُ نَجْدَةَ الحَرُورِيِّ وَأَحَبَّنِي، حَتَّى كَانَ يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: يَا بَنِي غَيْلَانَ، أَعَجِزْتُمُونِي أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ عَاصِمِ بْنِ شُمَيْخٍ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنِ ارْتَضَى، فِي بَيْتِي هَذَا أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: الْتَمِسُوا لِيَ الْعَلَامَةَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنِّي لَمْ أَكْذِبْ، وَلَنْ أُكْذَبَ، فَجِيءَ بِذِي الثُّدَيَّةِ، فَحُمِلَ عَلَى فَرَسٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ حِينَ رَأَى عَلَامَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ".

قلت: الحديث المرفوع الذي رواه عن أبي سعيد يوافق غيره ممن رواه عن أبي سعيد، لكن ما جاء في آخر الرواية من أن أبا سعيد حدّث بأن عشرة أو عشرين من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم حدثوه أن علياً ولي قتلهم! ففيه نظر من حيث أن أبا سعيد نفسه قاتلهم مع عليّ! وكأن الرواية فيها خطأ، فإن قائل ذلك هو عاصم نفسه كما تبينه رواية ابن أبي عاصم: "فحدثني أبو سعيد في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن ارتضي في بيتي هذا أنّ علياً قال...".

فيكون ما جاء في رواية أحمد: "قال أبو سَعِيدٍ: فحدثني عِشْرُونَ أو بِضْعٌ وَعِشْرُونَ من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم أن عَلِيًّا رضي الله عنه ولي قَتْلَهُمْ"، خطأ! والصواب: "فحدثني أبو سعيد وعشرون أو بضع وعشرون من أصحاب النبيّ...".

وهذا يعني أن عاصماً هذا سمع من عشرين آخرين من الصحابة! وفيه نظر! والله أعلم.

وفي بعض ما روي عن عاصم هذا نظر! فإنه قال في رواية أنهم أدخلوه على أبي سعيد وهو شيخ كبير، وفي الرواية الأخيرة يقول: "فرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ بعدما كَبِرَ وَيَدَاهُ تَرْتَعِشُ يقول..."!

فهذا يعني أنه رآه قبل كبره! والرواية التي ذكرها ابن حبان تردّه! ورواية ابن أبي عاصم التي فيها معرفة عاصم بنجدة لا علاقة لها بذكره للعلامة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن ظهور الخوارج. وكأن الذي حصل أن عكرمة بن عمار ساق ما رواه عاصم عن أبي سعيد في ذكر الخوارج ثم أدخل الحديث في ما سمعه من عاصم عن نجدة الحروري، فأسقط ذلك الحديث على نجدة الحروري وأصحابه! ومن هنا يتبيّن لنا مسألة إسقاط أحاديث الخوارج الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بظهورهم وظهروا في زمن عليّ على من ظهروا وخرجوا سياسياً – كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى.

وقد تفرد عكرمة بن عمّار اليمامي (ت 159هـ) بالرواية عن عاصم بن شُميخ هذا! وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنه روى عنه "جوّاس"! ففيه نظر! ولا يُعرف من هو جواس! ولم نجد من يروي عنه إلا عكرمة بن عمار.

وعكرمة بن عمار، قَال فيه أبو حاتم: "كان صدوقاً، وربما وهم في حديثه، وربما دلّس". وقد ورد في بعض الروايات أنه سمع منه، فنحمل ذلك على السماع.

وحديث الخوارج مشهور من حديث أبي سعيد الخدري وقد توبع عاصم عليه إلا ما جاء في آخره من قوله: "لَقِتَالُ الخَوَارِجِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قِتَالِ عُدَّتِهِمْ مِن الترك" كما في رواية ابن أبي شيبة!

ورواية عاصم فيها نكارة من عدة وجوه:

الأول: الثابت أن أبا سعيد الخدري قاتل الخوارج مع عليّ، ورواية عاصم فيها أن بضع وعشرين صحابياً أخبروا أبا سعيد أن علياً ولي قتلهم!! فلم يُخبره وهو قد قاتلهم؟!!

رواه البخاري في "صحيحه" (4/200) من حديث أَبي سَلَمَةَ بن عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا، أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ». فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: «دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ، - وَهُوَ قِدْحُهُ -، فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ».

قالَ أَبُو سَعِيدٍ: "فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ".

الثاني: قاتل أبو سعيد الخوارج مع عليّ ووقع ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم.

وإن صح هذا عنه فإنه يكون قصد أؤلئك الذين قاتلهم مع عليّ، ففي رواية أحمد عن وكيع ذكر بعد أن روى الحديث المشهور في ظهور الخوارج الذين قاتلهم عليّ: "قِتَالُهُمْ أَحَلُّ عِنْدِي مِنْ قِتَالِ عِدَّتِهِمْ مِنَ التُّرْكِ".

فقوله: "قتالهم.." أي هؤلاء الذين يُخبر عنهم.

وما جاء في رواية ابن أبي شيبة عن وكيع مختصر من الحديث الطويل، وعبّر عنهم بقوله: "لقتال الخوارج.." وهذا يُحمل على أؤلئك الذي قاتلهم عليّ لا الخوارج الذين ظهروا بعد ذلك ظهوراً سياسياً!!

ويؤيد ذلك ما رواه إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" (1/66) عن عَمْرُو بن مَرْزُوقٍ، قال: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ شُمَيْخٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ الخَوَارِجَ قالَ: "يَنْظُرُ الرَّامِي فِي الْفُوُقِ، فَتَمَارَى: هَلْ رَأَى شَيْئًا أَمْ لَا؟".

وهذا في رواية البخاري: "وَيَنْظُرُ فِي القِدْحِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارَى فِي الفُوقِ".

و(يتمارى في الفوق) أي: يشك الرامي في مدخل الوتر من السهم هل فيه شيء من أثر الصيد! والمعنى أنهم لا تحصل لهم فائدة من قراءتهم القرآن مثل السهم الذي ينفذ من الصيد دون أن يتعلق به أي أثر منه!

الثالث: في رواية ابن أبي عاصم: "فحدثني أبو سعيد في عشرة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن أرتضي"! فكيف يقول: "ممن ارتضي" والأصل في الصحابة الرضا والعدالة!!

الرابع: لم يكن في زمن أبي سعيد تُرك لقتالهم!! وإن صحت الرواية فإنه إنما أراد أن يُبيّن أن قتالهم للخوارج زمن عليّ كان أحب إليهم من قتال الترك الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستقاتلهم.

ففي الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ...».

وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (7/563) (37938) عن يَزِيد بن هَارُونَ قالَ: أَخبرنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ: "لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قتال الدَّيْلَمِ".

وهذا إسناد ضعيف لإبهام الراوي عن أبي سعيد الخدري.

وعليه فحديث عاصم بن شميخ فيه نكارة! ولم يضبط الحديث!! وهو ليس من أهل الرواية، وهو مجهول لا يُعرف إلا برواية عكرمة بن عمار عنه، فإن لم يدلّس عكرمه هذه الرواية فإنا نقبل من عاصم ما رآه من أبي سعيد فقط لا ما سمعه! فالرؤية أضبط من السماع وخاصة فيمن لا يُعرف بالحديث لعدم عنايته به.

ولا يوجد لعاصم سماعٌ من أبي سعيد إلا في هذا الحديث، ولم يضبطه إن صحت عنه.

ودخوله على أبي سعيد لا يُستنكر ولهذا لما ترجم له البخاري قال: "رأى أبا سعيد"، ولم يقل: "سمع منه".

ولا يوجد له عن أبي سعيد إلا هذه الرواية وفيها بعض ما رآه من أبي سعيد، والرواة قطعوا الرواية فذكروا بعضها منفصلة.

روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/231) (2646) عن هَاشِم بن القَاسِمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بنُ شُمَيْخٍ الْغَيْلَانيُّ، أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ، قالَ: «دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ، فَرَأَيْتُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ يُجَافِي بِمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، حَتَّى أَرَى بَيَاضَ إِبِطَيْهِ».

وروى أيضاً (1/297) (3405) عن وَكِيع، عَنْ عِكْرِمَةَ بن عمار، عَنْ عَاصِمِ بنِ شُمَيْخٍ قالَ: «رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يُصَلِّي مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا».

وقد تحرف الإسناد في المطبوع إلى: "عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عُمَيْرٍ، عَنْ عَاصِمِ"!!!

ورواهما عبدالله بن أحمد في حديث واحد في كتاب "السنة" (2/634) (1510) قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قال: حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ شُمَيْخٍ الْغَيْلَانِيُّ، قَالَ: "رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي عِنْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى جَرِيدَةٍ إِذَا قَامَ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا وَإِذَا رَكَعَ أَسْنَدَهَا إِلَى الْحَائِطِ وَإِذَا سَجَدَ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا".

والعجيب أنه أورده في سياق الأحاديث التي تتحدث عن الخوارج، وذكر حديث عاصم في الخوارج بعده بحديث.

والخلاصة أن حديث عاصم عن أبي سعيد لا يصح، وهو لا يُعرف، وإن قبلنا نقبل منه ما رآه من فعل أبي سعيد فقط. ولو صح الحديث فهو في هؤلاء الذين قاتلهم عليّ وقاتلهم معه أبو سعيد رضي الله عنهم.

11- حديث عُبيدالله بن عبدالله بن عُتبة بن مسعود عن أبي سعيد:

عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبدالله المدني الثقة الفقيه الثبت، مات سنة (94هـ) وقيل: (98هـ)، وقيل غير ذلك.

روى حديثه هذا أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (2/298) برقم (1022) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، قال: حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ المُغِيرَةِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قالَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ يَقْسِمُ بَيْنَ النَّاسِ قِسْمَةً، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَالَ لَهُ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خِبْتُ إِذًا وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ، فَمَنْ يَعْدِلُ، وَيْحَكَ؟»، فَاسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنَا بِالَّذِي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، سَيَخْرُجُ نَاسٌ يَقُولُونَ مِثْلَ قَوْلِهِ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَخَذَ سَهْمًا فَنَظَرَ إِلَى رِصَافِهِ فَلَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى نَصْلِهِ ـ يَعْنِي الْقِدْحَ ـ فَلَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى قُذَذِهِ فَلَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، عَلَامَتُهُمْ رَجُلٌ يَدُهُ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ كَالْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ فِيهَا شَعَرَاتٌ كَأَنَّهَا سَبْلَةُ سَبُعٍ».

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: "وحَضَرْتُ هذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَحَضَرْتُ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ قَتْلَهُمْ بِنَهْرَوَانَ، قَالَ: فَالْتَمَسَهُ عَلِيٌّ فَلَمْ يَجِدْهُ، قَالَ: وَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْتَ جِدَارٍ عَلَى هذَا النَّعْتِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَيُّكُمْ يَعْرِفُ هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: نَحْنُ نَعْرِفُهُ، هَذَا حُرْقُوسٌ وَأُمُّهُ هَاهُنَا، قَالَ: فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ إِلَى أُمِّهِ فَقَالَ لَهَا: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَتْ: مَا أَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالرَّبَذَةِ، فَغَشِيَنِي شَيْءٌ كَهَيْئَةِ الظُّلَّةِ فَحَمَلْتُ مِنْهُ فَوَلَدْتُ هذَا".

قال الهيثمي في «المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي» (3/8): "قُلْتُ: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي الصَّحِيحِ وَلَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ تُشْبِهُ هذِهِ".

قلت: هذا الحديث لم يروه عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن أبي سعيد، والصواب كما رواه الزُّهْرِيِّ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وقد مرّ.

قال ابن حجر في «الفتح» (12/292): "وقد شذ أفلح بن عبدالله بن المغيرة عن الزهري، فروى هذا الحديث عنه، فقال: عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن أبي سعيد. أخرجه أبو يعلى".

وحديث أبي يعلى هذا ضعيف، وفي آخره نكارة!

تفرد به أبو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ المَدَنِيُّ، وهو منكر الحديث! وشيخه أَفْلَح بن عبداللَّهِ بن المُغِيرَةِ مجهول لا يُعرف!!

12- حديث يزيد الفقير عن أبي سعيد:

يزيد بن صهيب أبو عثمان الفقير الكوفي: حدّث عن عبدالله بن عمر، وجابر بن عبدالله. روى عنه: الحكم بن عتيبة وسيار أبو الحكم وقيس بن سليم العنبري وأبو عاصم محمد بن أبي أيوب الثقفي وأبو قطبة سويد بن نجيح، وغيرهم.

ووفد على عمر بن عبدالعزيز مع جماعة من أهل الكوفة.

أخرج أحمد في «مسنده» (3/52) برقم (11506) قال: حدثنا محمد بن عُبَيْدٍ، قال: حدثنا سُوَيْدُ بن نَجِيحٍ، عن يَزِيدَ الفَقِيرِ، قال: قلت لأبي سَعِيدٍ الخدري: إن مِنَّا رِجَالاً هُمْ أقرؤنا لِلْقُرْآنِ وَأَكْثَرُنَا صَلاَةً وَأَوْصَلُنَا لِلرَّحِمِ وَأَكْثَرُنَا صَوْماً خَرَجُوا عَلَيْنَا بِأَسْيَافِهِمْ! فقال أبو سَعِيدٍ: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يَخْرُجُ قَوْمٌ يقرؤون الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».

وأخرجه الدولابي في «الكنى والأسماء» (3/926) قال: حَدَّثَنِي أَبُو شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبِي بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بنُ مُوسَى قَالَ: أَنْبَأَنا سُوَيْدُ بنُ نَجِيحٍ أَبُو قُطْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ قَالَ: قرَأْتُ الْقُرْآنَ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ فَأَتَانِي نَفَرٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يَدْعُونَنِي إِلَى أَمْرِهِمْ فَقُضِيَ أَنِّي حَجَجْتُ مَعَهُمْ فَقَالُوا: هَلْ لَكَ فِي رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُهُ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا؟ فَقُمْتُ مَعَهُمْ فَإِذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقِيلَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّ هَهُنَا رِجَالًا هُمْ أَقْرَأُ بِالْقُرْآنِ وَذَكَرَ مِنْ صَلَاحِهِمْ قَالَ: فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجُوا عَلَيْنَا بِأَسْيَافِهِمْ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».

قلت: هذا الحديث بهذا اللفظ تفرد به سويد بن نجيح أبو قطبة عن يزيد الفقير.

قال عبدالله بن أحمد: سألت أبي عن سويد بن نجيح أبي قطبة؟ قال: "ما أرى به بأساً، حدثنا عنه وكيع ومروان ومحمد بن عبيد".

وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: "سويد بن نجيح أبو قطبة: ثقة".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: "سويد بن نجيح: شيخ يُكتب حديثه".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (6/412)، وساق له هذا الحديث.

قال: "سويد بن نجيح أبو قطبة: يروى عن الشعبي وعكرمة. روى عنه: عبدالواحد بن زياد ومحمد بن عبيد الطنافسي.

حدثنا إبراهيم بن خزيم بالشاش قال: حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثنا سويد بن نجيح عن يزيد الفقير، قال: قلت لأبي سعيد الخدري: إن منا رجالاً هم أقرأنا للقرآن...".

قلت: سويد بن نجيح ليس بذاك، وهو ممن يُكتب حديثه للاعتبار، وقد خولف في هذا الحديث، خالفه محمد بن أبي أيوب.

فقد رواه الإمام مسلم في «صحيحه» (1/179) برقم (191) قال: حدثنا حَجَّاجُ بن الشَّاعِرِ، قال: حدثنا الفَضْلُ بن دُكَيْنٍ، قال: حدثنا أبو عَاصِمٍ - يَعْنِي مُحَمَّدَ بن أبي أَيُّوبَ – قال: حدثني يَزِيدُ الفَقِيرُ، قال: «كنت قد شَغَفَنِي رَأْيٌ من رَأْيِ الْخَوَارِجِ فَخَرَجْنَا في عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ، ثُمَّ نَخْرُجَ على الناس، قال: فَمَرَرْنَا على المَدِينَةِ فإذا جَابِرُ بن عبداللَّهِ يُحدّث الْقَوْمَ جَالِسٌ إلى سَارِيَةٍ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: فإذا هو قد ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ، قال: فقلت له، يا صَاحِبَ رسول اللَّهِ ما هذا الذي تُحَدِّثُونَ! وَاللَّهُ يقول: {إِنَّكَ من تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} و {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا منها أُعِيدُوا فيها} فما هذا الذي تَقُولُونَ؟! قال: فقال: أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قلت: نعم، قال: فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ عليه السَّلَام - يَعْنِي الذي يَبْعَثُهُ الله فيه -؟ قلت: نعم، قال: فإنه مَقَامُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الْمَحْمُودُ الذي يُخْرِجُ الله بِهِ من يُخْرِجُ. قال: ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ وَمَرَّ الناس عليه، قال: وَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ أَحْفَظُ ذَاكَ، قال: غير أَنَّهُ قد زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ من النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فيها. قال: يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ، قال: فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا من أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فيه فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ. فَرَجَعْنَا قُلْنَا: وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ على رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَجَعْنَا فلا والله ما خَرَجَ مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ».

قلت: فهذا يدلّ على وهم سويد بن نجيح في روايته، فإنّ الذي حدّث هؤلاء الخوارج هو جابر بن عبدالله لا أبو سعيد الخدري، وكأنه اشتبه عليه حديث أبي سعيد في ذكر الخوارج، وأصحاب يزيد الفقير من الخوارج، فأسقط حديث أبي سعيد عليهم، فوهم!

ومما يدلّ على ضعف روايته وعدم سماع يزيد هذه الرواية من أبي سعيد الخدري ذكر البخاري لها في ترجمة «يزيد الفقير» ومن عادة البخاري إيراد بعض الأحاديث الضعيفة في ترجمة الراوي مما أخطأ فيه أو أخطأ عليه بعض الرواة.

قال في «التاريخ الكبير» (8/342): "يزيد بن صهيب الفقير. قال لنا أبو نعيم: حدثنا سويد بن نجيح أبو قطبة، عن يزيد الفقير، عن أبي سعيد: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".

قلت: وهذا الخلط الذي وقع فيه سويد نتيجة إسقاط أحاديث الخوارج على من خرج بعدهم على الولاة والسلاطين، فشدة عبادة أؤلئك جعلت بعض الناس يسقطون عليهم تلك الأحاديث.

ويُستفاد من حديث جابر مع هؤلاء الخوارج أنهم كانوا يعرفون القرآن لكنهم كانوا يجهلون السُّنّة.

10- حديث أبي الصدّيق النّاجي عن أبي سعيد:

رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (5/243) برقم (5210) قال: حدثنا محمد بن الفضل السقطي، قال: حدثنا عبيدالله بن معاذ بن معاذ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمران أبو النعمان العمي، قال: حدثنا أبو الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج في هذه الأمة قوم سيماهم التحليق، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون فيه أبداً».

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عمران بن أبي النعمان إلا معاذ بن معاذ".

قلت: عمران هذا مجهول لا يُعرف!!

11- حديث عبدالله بن الزبير بن العوّام عن أبي سعيد:

رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (9/142) قال: حَدَّثَنَا هَارُونُ بنُ كَامِلٍ، قال: حدثَنَا سَعِيدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، قال: حدثَنَا ابنُ لَهِيعَةَ، قال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بنُ أَبِي حَبِيبٍ، قال: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بنُ يَحْيَى المَعَافِرِيُّ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيُّ، قالَ: لَمَّا كَانَتْ فِتْنَةُ ابنِ الزُّبَيْرِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْحَرُورِيَّةُ أَنِ ائْتِنَا فَجَاءَهُمْ، فَقَامَ فَخَطَبَهُمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ، فَقَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ هَوَاكَ مَعَنَا، فَتَعَالَ حَتَّى نَجْعَلَكَ خَلِيفَةً، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ بَصِيرَتِي فِيكُمْ قَبْلَ الْيَوْمِ، وَلَقَدِ ازْدَدْتُ فِيكُمْ بَصِيرَةً وَكَيْفَ أَكُونُ فِيكُمْ وَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ نَاسٌ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».

قال الطبراني: "لا يُرْوَى هذا الحَدِيثُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ إِلَّا بِهَذَا الإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ ابنُ لَهِيعَةَ".

قلت: ابن لهيعة ضعيف، لا يُحتج بما انفرد به، وكان قد اختلط.

3- حديث ابن مسعود (ت 32هـ):

روى حديث الخوارج عن ابن مسعود: عَمْرِو بن سَلَمَةَ الهَمْدَانِيّ الكوفي (ت 85هـ) مختصراً في إنكاره على بعض من ابتدع أشياء في طريقة التسبيح والتهليل باستخدام الحصى، فقال لهم بأنهم هم لعدم اتباعهم هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم.

قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (12/162): "عمرو بن سلمة بن الخرب الهمداني: من أهل الكوفة. سَمع عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ، وَعبداللَّه بن مسعود، وسليمان بْن ربيعة. روى عنه: ابنه يحيى، والشعبي، ويزيد بن أبي زياد، وكان ممن حضر حرب الخوارج بالنهروان، وورد المدائن".

روى حديثه الدارمي في «مسنده»، باب في كَرَاهِيَةِ أَخْذِ الرَّأْيِ، (1/78) برقم (222) قال: أَخْبَرَنَا الحَكَمُ بنُ المُبَارَكِ، قال: حَدَّثَنَا عُمَرُو بنُ يَحْيَى قالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قالَ: "كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِالله بنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى المَسْجِدِ, فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ؟ قُلْنَا: بَعْدُ لا, فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي المَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ - وَلَمْ أَرَ وَالحَمْدُ لِلَّهِ إِلاَّ خَيْرًا- قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ، قالَ: مَا رَأَيْتَ؟ قالَ: رَأَيْتُ فِي المَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ, فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ, وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصا فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً, فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً, فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً, فَيُهَلِّلُونَ مِئَةً, وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً, فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً, قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ، وِانْتِظَارَ أَمْرِكَ, قَالَ: أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يُضَيَّعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ؟!، ثُمَّ مَضَى, وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا هذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِالرحْمَنِ حَصاً نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ, قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ, فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ, وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ, هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلى الله عَليهِ وسَلم مُتَوَافِرُونَ, وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ, وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ, وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُوا بَابِ ضَلاَلَةٍ! قَالُوا: وَالله يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الخَيْرَ, قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ, إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليهِ وسَلم حَدَّثَنَا: «أَنَّ قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ»، وايْمُ الله، مَا أَدْرِي لعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ".

قالَ عَمْرُو بنُ سَلِمَةَ: "رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الخَلْقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الخَوَارِجِ".

ورواه بَحشل في «تاريخ واسط» (ص198) عن أبي الشعثاء عليّ بن الحسن بن سليمان الحضرمي عن عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني، عن أبيه، عن أبيه، به.

ورواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/553) برقم (37890) قال: حدثنا عَمْرُو بن يحيى بن عَمْرِو بن سَلَمَةَ، عن أبيه، عن جَدِّهِ، قال: «كنا جُلُوسًا عَنْدَ بَابِ عبد اللهِ نَنْتَظِرُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْنَا فَخَرَجَ، فقال: إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حدثنا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ َلاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ من الإِسْلاَمِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ. وأيم اللهِ لا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ».

قال: فقال عَمْرُو بن سَلَمَةَ: "فَرَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ يطاعنونا يوم النَّهْرَوَانِ مع الْخَوَارِجِ".

ورواه الخطيب البغدادي في ترجمة «عمرو بن سلمة بن الخرب الهمداني» من طريق عَبْدُاللَّهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ يَحْيَى بنِ عَمْرِو بنِ سَلَمَةَ الهَمْدَانِيُّ، به.

ورُوي عن ابن مسعود من طريق أخرى بغير هذا اللفظ:

روى ابن ابي شيبة في «مصنفه» (7/553) قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَن زِرٍّ، عَنْ عَبْدِاللهِ، قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلامِ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ».

ورواه ابن ماجه في «سننه» (1/59) قال: حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ وَعَبْدُاللَّهِ بن عَامِرِ بن زُرَارَةَ، قالا: حدثنا أبو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ، عن عَاصِمٍ، عن زِرٍّ، عن عبداللَّهِ بن مَسْعُودٍ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ في آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ من خَيْرِ قَوْلِ الناس يقرؤون القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، فَمَنْ لَقِيَهُمْ فَلْيَقْتُلْهُمْ، فإن قَتْلَهُمْ أَجْرٌ عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ».

ورواه الترمذي في «سننه» (4/481) قال: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، به، مختصراً كما عند ابن ماجه.

قال الترمذي: "وهذا حديث حسن صحيح. وقد روي في غير هذا الحديث عن النبيّ صلى الله عليه و سلم حيث وصف هؤلاء القوم الذين يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية إنما هم الخوراج والحرورية وغيرهم من الخوارج".

ورواه أحمد في «مسنده» (ط الرسالة) (6/380) برقم (3831) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، به. وفيه: «فَمَنْ أَدْرَكَهُمْ، فَلْيَقْتُلْهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا عِنْدَ اللهِ، لِمَنْ قَتَلَهُمْ».

قال الشيخ شعيب ورفاقه في تعليقهم على هذا الحديث: "حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل عاصم، وهو ابن أبي النجود، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بكر بن عياش، فمن رجال البخاري، وأخرج له مسلم في "المقدمة"، وكتابه صحيح. زر: هو ابن حبيش".

قلت: نعم، هذا المتن صحيح، لكن الإسناد ضعيف!! ولا يُعرف هذا الحديث بهذا اللفظ عن ابن مسعود إلا من طريق عاصم بن أبي النجود، وهو ضعيف، يتفرد عن زر عن ابن مسعود بأحاديث لا تُعرف عن ابن مسعود إلا من طريقه! ولا توجد عند أصحاب ابن مسعود وتلاميذهم الثقات!! فلا يُحتج بما انفرد به.

وقد تقدّم هذا المتن والكلام عليه وهو معروف من حديث عن سُوَيْدِ بن غَفَلَةَ، قال: قال عَلِيٌّ - رضي الله عنه – قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يَأْتِي في آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ من خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فإن في قَتْلَهُمْ أجرا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يوم الْقِيَامَةِ».

قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (7/328): "ابنُ مَسْعُودٍ مَاتَ قَبْلَ ظُهُورِ الْخَوَارِجِ بِنَحْوٍ مَنْ خَمْسِ سِنِينَ فخبره في ذلك من أقوى الأسانيد"!

قلت: هذا لم يصح عن ابن مسعود بهذا اللفظ، وإنما صح كما تقدم مختصراً «أَنَّ قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ»، ولو أن ابن كثير قال هذا في حديث أبي ذر الآتي لكان أصوب إذ أنه مات في السنة نفسها التي مات فيها ابن مسعود رضي الله عنهما.

ورُوي من طريق آخر رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/251) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ قالَ: أخبرنا الحُسَيْنُ بنُ إِدْرِيسَ، قالَ: أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي هَوْذَةَ، قالَ: حدثنا عَمْرُو بنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ قَوْمٌ يَشْرَبُونَهُ كَشُرْبِهِمُ الْمَاءَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ»، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى حَلْقِهِ، فقَالَ: «لا يُجَاوِزُ هاهُنَا».

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذَا الحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ إِلَّا عَمْرُو بنُ أَبِي قَيْسٍ".

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/232): "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الحسين بن إدريس وهو ضعيف".

قلت: ظنّ الهيثمي أن الحسين بن إدريس هذا هو "الحسين بن إدريس الأنصاري المعروف بابن خرم الهروي" شيخ ابن حبان! وليس كذلك! وقد ضعفه بعضهم لأنه حدث بجزء عن خالد بن هياج بن بسطام فيه بواطيل! وهذه البواطيل من خالد كما قال الذهبي، وقال:  "فإنه ذو مناكير عن أبيه، وأما الحسين فثقة حافظ".

والذي في هذا الحديث هو: الحسين بن إدريس الحُلوانيّ، وهو مستور الحال، ولهذا علّق الطبراني العهدة في هذا الحديث على عمرو بن قيس، وأصاب رحمه الله.

وعمرو بن أبي قيس هو: الرازي الأزرق، وهو صدوق له أوهام، وقال أبو داود: "لا بأس به، في حديثه خطأ".

وقد أخطأ في إسناد هذا الحديث، فحمل الأثر الصحيح في من يَحمل القرآن ولا يعمل به على حديث الخوارج!!

أخرجه ابن وضاح في كتاب «البدع» (2/170) برقم (255) قال: أخبرنَا مُوسَى بنُ مُعَاوِيَةَ, عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ, عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ, عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ, عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قالَ: «إِنَّا أَخَذْنَا القُرْآنَ عَنْ قَوْمٍ, فَأَخْبَرُونَا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهُنَّ إِلَى الْعَشْرِ الْأُخَرِ حَتَّى يَعْمَلُوا مَا فِيهِنَّ مِنَ العِلْمِ، قَالَ: فَتَعَلَّمْنَا العِلْمَ والعَمَلَ جَمِيعًا، وَإِنَّهُ سَيَرِثُ هذَا القُرْآنَ قَوْمٌ بَعْدَنَا يَشْرَبُونَهُ كَشُرْبِهِمُ المَاءَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، قَالَ: بَلْ لَا يُجَاوِزُ ههُنَا، وَوَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ».

وإنكار ابن مسعود على أؤلئك القوم يبيّن المقصود بوصف النبي صلى الله عليه وسلم لهم بأنهم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام – إن صحت هذه اللفظة في الحديث-، أي بالنسبة للوسط الذي يعيشون فيه، وهو وسط الصحابة، فهم أدرى بالتنزيل وفهم الأحكام.

وقد روى الإمام مسلم في «صحيحه» (1/563) من طريق الأَعْمَشِ، عن أبي وَائِلٍ قال: "جاء رَجُلٌ يُقَالُ له نَهِيكُ بن سِنَانٍ إلى عبداللَّهِ، فقال: يا أَبَا عبدالرحمن، كَيْفَ تَقْرَأُ هذا الحَرْفَ: أَلِفًا تَجِدُهُ أَمْ يَاءً من مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ أو من مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ؟ قال: فقال عبداللَّهِ: وَكُلَّ الْقُرْآنِ قد أَحْصَيْتَ غير هذا! قال: إني لَأَقْرَأُ المُفَصَّلَ في رَكْعَةٍ. فقال عبداللَّهِ: هذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ! إِنَّ أَقْوَامًا يقرؤون القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَلَكِنْ إذا وَقَعَ في القَلْبِ فَرَسَخَ فيه نَفَعَ، إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، إني لَأَعْلَمُ النَّظَائِرَ التي كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ سُورَتَيْنِ في كل رَكْعَةٍ. ثُمَّ قام عبداللَّهِ فَدَخَلَ عَلْقَمَةُ في إِثْرِهِ ثُمَّ خَرَجَ فقال: قد أخبرني بها".

قلت: فهذا ابن مسعود يُنكر عليهم إفراطهم في السرعة وهو الهَذِّ، ويُبيّن لهم السنة وإِبَاحَةِ سُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ في رَكْعَةٍ.

4- حديث أبي ذرّ (ت 32هـ)

5- ورَافِع بن عَمْرٍو الغِفَارِيّ البصري (ت 50هـ):

روى حديثهما: عبدالله بن الصامت ابن أخي أبي ذر، وهو صدوق جليل. قال أبو حاتم: "يُكتب حديثه". ونقل الذهبي قال: "وقال بعضهم ليس بحجة. قلت: قد احتج به مسلم دون البخاري ووثقه النسائي".

وذكره البخاري في التاريخ الأوسط في فصل من مات ما بين السبعين إلى الثمانين.

أخرج مسلم في «صحيحه» (2/750) وابن أبي عاصم في كتاب «السنة» (2/448) قالا: حدثنا شَيْبَانُ بن فَرُّوخَ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بن المُغِيرَةِ، قال: حدثنا حُمَيْدُ بن هِلَالٍ، عن عبداللَّهِ بن الصَّامِتِ، عن أبي ذَرٍّ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَعْدِي من أُمَّتِي – أو: سَيَكُونُ بَعْدِي من أُمَّتِي - قَوْمٌ يقرأون الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ من الدِّينِ كما يَخْرُجُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لا يَعُودُونَ فيه، هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والخَلِيقَةِ».

فقال ابن الصَّامِتِ: فَلَقِيتُ رَافِعَ بن عَمْرٍو الغِفَارِيَّ أَخَا الحَكَمِ الْغِفَارِيِّ، قلت: ما حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ من أبي ذَرٍّ كَذَا وَكَذَا، فَذَكَرْتُ له هذا الحديث؟ فقال: "وأنا سَمِعْتُهُ من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".

ورواه أحمد في «مسنده» (5/31) برقم (20357) عن بَهْز وأبي النَّضْرِ وعَفَّان، قالوا: حدثنا سُلَيْمَانُ بن المُغِيرَةِ، به.

ورواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (7/29) عن مسلم بن إبراهيم، عن سليمان بن المغيرة، به.

قال سليمان: "وأكثر ظني أنه قال: سيماهم التحالق".

ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/553) برقم (37889) قال: حدثنا أبو أُسَامَةَ، عن سُلَيْمَانَ بن المُغِيرَةِ، به.

ورواه ابن ماجه في «سننه» (1/60) برقم (170) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (5/19) من طريق عَاصِم بن عَلِيٍّ ومحمد بن سِنَانَ العَوْفِيّ، قَالا: حدثنا سُلَيْمَانُ بن المُغِيرَةِ، به.

ورواه ابن حبان في «صحيحه» (15/135)، (باب: ذكر الإخبار بأن الحرورية هم من شرار الخلق عند الله جل وعلا) من طريق شيبان بن أبي شيبة، عن سليمان بن المغيرة، به.

ورواه الحاكم في «المستدرك» (3/502) من طريق عاصم بن علي، عن سليمان بن المغيرة، به.

قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".

قلت: هو في مسلم من حديث سليمان بن المغيرة.

ورواه الطيالسي في «مسنده» (ص60) برقم (448) قال: حدثنا شعبة وسليمان بن المغيرة، قالا: حدثنا حميد بن هلال، به.

ورواه أحمد في «مسنده» (5/176) برقم (21571) عن محمد بن جَعْفَرٍ، عن شُعْبَة، عن حُمَيْدِ بن هِلاَلٍ، به.

قلت: متن الحديث موافق لغيره إلا في قوله: «هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والخَلِيقَةِ»! فهذا لفظ فيه نكارة! إذ كيف يكونون شر الخلق والخليقة والمشركون وأهل الإلحاد شرّ منهم!! فهذه اللفظة ليست محفوظة، ولم يتابعه على ذلك أحد، وقد تقدم أن أبا حاتم الرازي قال بأن حديثه يكتب، أي للاعتبار!

وأما تصريحه بسماع الحديث من رافع بن عمرو الغفاري فلا يعني سماعه باللفظ نفسه تماماً، وكأنه سمع منه أصله كما سمعه من أبي ذر، فأخبر بذلك، والله أعلم.

ورواه ضمرة بن شوذب عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن عبدالله بن الصامت ابن أخي أبي ذر قال: «دخلت مع أبي ذر على عثمان، فلما دخل إليه حسر عن رأسه وقال: والله ما أنا منهم يا أمير المؤمنين - يريد الخوارج-. قال ابن شوذب: سيماهم التسبيت – يعني: الحلق - فقال له عثمان: صدقت يا أبا ذر، إنما أرسلت إليك لتجاورنا بالمدينة. قال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي إلى الربذة. قال: نعم، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة تغدو عليك وتروح. قال: لا حاجة لي في ذلك تكفي أبا ذر صريمته، فلما خرج من عنده قال: دونكم معاشر قريش دنياكم فخذوها ودعونا وربنا» [تاريخ ابن عساكر: 66/197].

قلت: فهذه الرواية بيّنت لم حدّث أبو ذر بحديث الخوارج؛ لأنه كان حالقاً رأسه، وقد سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يُخبر أن هذه صفة الخوارج، فأراد دفع الشبهة عن نفسه أمام عثمان رضي الله عنهما.

ورواه ابن حبان في «صحيحه» (13/301) من طريق النضر بن شميل، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو عمران الجوني: سمع عبدالله بن الصامت يقول: «قدم أبو ذر على عثمان من الشام، فقال: يا أمير المؤمنين، افتح الباب حتى يدخل الناس، أتحسبني من قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، والذي نفسي بيده لو أمرتي أن أقعد لما قمت، ولو أمرتني أن أكون قائماً لقمت ما أمكنتني رجلاي، ولو ربطتني على بعير لم أطلق نفسي حتى تكون أنت الذي تطلقني، ثم استاذنه أن يأتي الربذة، فأذن له...».

6- حديث سهل بن حُنيف الأنصاري (ت 38هـ):

مات سهل بن حنيف سنة ثمان وثلاثين بالكوفة وصلّى عليه علي بن أبي طالب.

أخرج البخاري في «صحيحه» (6/2541) قال: حدثنا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنا عبدالوَاحِدِ، قال: حدثنا الشَّيْبَانِيُّ، قال: حدثنا يُسَيْرُ بن عَمْرٍو، قال: قلت لِسَهْلِ بن حُنَيْفٍ، هل سَمِعْتَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الْخَوَارِجِ شيئاً؟ قال: سَمِعْتُهُ يقول: «- وأَهْوَى بيده قِبَلَ الْعِرَاقِ - يَخْرُجُ منه قَوْمٌ يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ من الرَّمِيَّةِ».

وأخرج مسلم في «صحيحه» (2/750) قال: حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، قال: حدثنا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عن الشَّيْبَانِيِّ، عن يُسَيْرِ بن عَمْرٍو، قال: سَأَلْتُ سَهْلَ بن حُنَيْفٍ: هل سَمِعْتَ النبي صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الخَوَارِجَ؟ فقال: سَمِعْتُهُ - وَأَشَارَ بيده نحو المَشْرِقِ -: «قَوْمٌ يقرأون الْقُرْآنَ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَعْدُو تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ».

قال مسلم: وحدثناه أبو كَامِلٍ، قال: حدثنا عبدالوَاحِدِ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ بهذا الإسناد، وقال: «يَخْرُجُ منه أَقْوَامٌ».

قال: حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ وإسحاق جميعاً عن يَزِيدَ - قال أبو بَكْرٍ: حدثنا يَزِيدُ بن هَارُونَ، عن الْعَوَّامِ بن حَوْشَبٍ: حدثنا أبو إسحاق الشَّيْبَانِيُّ، عن أُسَيْرِ بن عَمْرٍو، عن سَهْلِ بن حُنَيْفٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يَتِيهُ قَوْمٌ قِبَلَ المَشْرِقِ مُحَلَّقَةٌ رؤوسهم».

قلت: وهذا عند ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/563) برقم (37939) عن يَزِيد بن هارُونَ.

ورواه أحمد في «المسند» (3/486) برقم (16019) قال: حدثنا يَزِيدُ بن هارُونَ، به.

ثم رواه عن أبي النَّضْرِ، قال: حدثنا حرام بنُ إِسْمَاعِيلَ العامري، عن أبي إسحاق الشيباني، به.

ورواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/553) برقم (37882) قال: حدثنا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عن الشَّيْبَانِيِّ، عن أُسَيْرِ بن عمرو، به.

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/32) عن محمد بن آدم بن سليمان، عن محمد بن فضيل، عن أبي إسحاق، عن يسير بن عمرو قال: دخلت على سهل بن حنيف، قلت له: أخبرني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرورية.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (6/91) من طريق عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ ومحمد بن فُضَيْلٍ، كِلاهُمَا عن أبي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ.

ثم رواه من طريق محمد بن عبدالمَلِكِ بن أبي الشَّوَارِبِ ومحمد بن عُبَيْدِ بن حِسَابٍ ويحيى الْحِمَّانِيُّ، قالوا: حدثنا عبدالوَاحِدِ بن زِيَادٍ: حدثنا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ.

ثم رواه عن عُبَيْد بن غَنَّامٍ، عن أبي بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، عن يَزِيد بن هارُونَ، به.

قلت: وهذا حديث صحيح لا اختلاف فيه.

7- حديث أَنس بن مالك (ت 92هـ):

رُوي عن أنس من طريق أربعة: قتادة بن دعامة (ت 117هـ)، وسليمان التيميّ (ت 143هـ)، وحفص بن عمر ابن أخي أنس، وعبدالعزيز بن صهيب البنانيّ (ت 130هـ).

أما حديث قتادة: فرواه عنه: الأوزاعي، ومَعمر.

أما حديث الأوزاعي:

فأخرجه أحمد في «مسنده» (3/224) برقم (13362) قال: حدثنا أبو المُغِيرَةِ – هو: عبدالقدوس بن الحجاج الخولاني-، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني قَتَادَةُ، عن أَنَسِ بن مَالِكٍ وأبي سَعِيدٍ الخدري - وقد حَدَّثَنَاهُ أبو المُغِيرَةِ عن أَنَسٍ عن أبي سَعِيدٍ ثُمَّ رَجَعَ -: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَيَكُونُ في أمتي خلاف وَفُرْقَةٌ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ القِيلَ وَيُسِيئُونَ الفِعْلَ، يقرؤون القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَحْقِرُ أحدكم صَلاَتَهُ مع صلاتهم، وصِيَامَهُ مع صيامهم، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لا يَرْجِعُونَ حتى يَرْتَدُّوا على فُوقِهِ، هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إلى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا منه في شيء، من قتلهم كان أَوْلَى بِاللَّهِ منهم. قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما سِيمَاهُمْ؟ قال: التَّحْلِيقُ».

ورواه أبو يعلى في «مسنده» (5/426) برقم (3117) عن أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن مُبشر بن إسماعيل الحلبيّ، عن الأوزاعي، عن قتادة عن أنس وأبي سعيد الخدري.

ورواه الإمام إسحاق بن راهويه في «مسنده» عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس وأبي سعيد الخدري.

ورواه الحاكم في «المستدرك» (2/161) من طريق بِشر بن بكر التنّيسيّ، عن الأوزاعي، به.

قلت: قد تقدم قول الحاكم: "لم يسمع هذا الحديث قتادة من أبي سعيد الخدري إنما سمعه من أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد"، وكذلك الرد على الحاكم في قوله هذا، وبيان أنه منقطع.

وقد رُوي عن الأوزاعي عن قتادة دون ذكر "أبي سعيد الخدري".

رواه الحاكم في «المستدرك» (2/161) من طريق محمد بن كثير المصيصي، قال: حدثنا الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

ورواه أبو يعلى في «مسنده» (5/337) عن سويد بن سعيد، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، به، مثله.

وأما حديث معمر:

فاختلف عليه في لفظه:

فرواه الحاكم في «المستدرك» (2/160) من طريق هشام بن يوسف الصنعاني، عن معمر، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، وسيجيء قوم يعجبونكم وتعجبهم أنفسهم الذين يقتلونهم أولى بالله منهم، يحسنون القيل ويسيئون الفعل، ويدعون إلى الله وليسوا من الله في شيء، فإذا لقيتموهم فأنيموهم. قالوا: يا رسول الله، انعتهم لنا، قال: آيتهم الحلق والتسبيت - يعني استئصال التقصير. قال: والتسبيت: استئصال الشعر-».

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقد روى هذا الحديث الأوزاعي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

ورواه ابن ماجه في «سننه» (1/62) قال: حدثنا بَكْرُ بن خَلَفٍ أبو بِشْرٍ، قال: حدثنا عبدالرَّزَّاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن قَتَادَةَ، عن أَنَسِ بن مَالِكٍ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمَانِ - أو في هذه الْأُمَّةِ - يقرؤون القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ - أو حُلُوقَهُمْ - سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ إذا رَأَيْتُمُوهُمْ - أو إذا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ».

ورواه أحمد في «مسنده» (3/197) برقم (13059) حدثنا إِبْرَاهِيمُ بن خَالِدٍ، قال: حدثنا رَبَاحٌ، قال: حدثنا مَعْمَرٌ، عن قَتَادَةَ، عن أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «يَكُونُ في أمتي اخْتِلاَفٌ وَفُرْقَةٌ يَخْرُجُ منهم قَوْمٌ يقرؤون القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ سِيمَاهُمْ الْحَلْقُ وَالتَّسْبِيتُ، فإذا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ» - "التَّسْبِيتُ: يعني اسْتِئْصَالَ الشَّعْرِ القَصِيرِ".

قلت: حديث عبدالرزاق ورباح عن معمر أصح من حديث هشام بن يوسف عن معمر، ومتنه حديثهما موافق لما تقدم من بعض الروايات عن أبي سعيد الخدري.

ومتن هشام بن يوسف عن معمر عن قتادة يختلف عن متن الأوزاعي عن قتادة! وليس فيه: «هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إلى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا منه في شيء».

قلت: إن كان قتادة سمع هذا الحديث من أنس – وكان قتادة مدلساً-، فإن الراجح في روايته ما رواه معمر عنه، ويؤيده ما رواه التيمي – كما سيأتي-، وأما رواية الأوزاعي ففيها نظر! وكان الأوزاعي يدلّس! ولم يرو البخاري ومسلم له أي رواية عن قتادة في صحيحيهما. بل إنّ روايته عن قتادة قليلة جداً، وكان الأوزاعي دخل البصرة بعد وفاة الحسن البصري (ت110هـ) بأيام، وسمع من قتادة بعض الحديث.

فيُحتمل أنه دخل له متن في متن أو دلّسه لأنه ذكر مع أنس رواية أبي سعيد، وقتادة لم يسمعه من أبي سعيد.

فلا يُحتج بهذه الرواية.

وأما حديث سليمان التيميّ:

فرواه أحمد في «مسنده» (3/183) برقم (12909) عن يحيى القطان، و(3/189) برقم (12995) عن إِسْمَاعِيل بن عُليّة، كلاهما عَنِ التيمي، عن أَنَسٍ قال: ذُكِرَ لي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال - ولم أَسْمَعْهُ منه -: «أن فِيكُمْ قَوْماً يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ حتى يُعْجَبَ بِهِمُ الناس وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ».

ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (7/116) برقم (4066) عن وَهْب بن بَقِيَّةَ، عن خَالِد بن عبدالله، عن التيميّ، به.

قلت: وهذا إسناد صحيح.

ورواه الضياء المقدسي في «المختارة» (7/17) من طريق عليّ بن حرب، عن أسباط بن محمد، قال: حدثنا سليمان التيمي، عن قتادة، عن أنس: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن منكم قوماً يتعبدون حتى يعجب الناس وتعجبهم أنفسهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية».

فزاد أسباط فيه: "قتادة" بين التيمي وأنس! ورواية الجماعة أولى منه.

وأما حديث حفص عن قتادة:

فرواه سعيد بن منصور في «سننه» (2/375) برقم (2905) قال: حدثنا خلف بن خليفة الواسطي، عن حفص بن عمر، قال: «انطلق بي أنس بن مالك إلى عبدالملك بن مروان فى أربعين راكباً من الأنصار ففرض لنا، فلما رجعنا معه حتى إذا كنا بِفَجِّ النَّاقَةِ صلّى الظهر ركعتين ثم سلّم، فدخل فسطاطه فقام القوم فصلّوا إلى ركعتيه ركعتين أخريين، فقال لابنه أبي بكر: ما يصنع هؤلاء؟ قال: يُضيفون إلى ركعتيك ركعتين! فقال أنس: قَبَّحَ الله الوُجُوهَ! واللَّهِ ما أَصَابَتِ السُّنَّةَ وَلا قَبِلَتِ الرُّخْصَةَ، إني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: إن أَقْوَاماً يَتَعَمَّقُونَ في الدِّينِ يَمْرُقُونَ منه كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».

ورواه أحمد في «مسنده» (3/159) برقم (12636) عن حُسَيْن بن مُحَمَّدٍ المروذي، عن خَلَف، به.

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (14/425) من طريق أبي العباس السرّاج، عن قتيبة بن سعيد، عن خلف، به.

قلت: هذه القصة رُويت من طرق أخرى عن حفص لكن لم يذكروا فيه الحديث المرفوع!

رواها ابن عساكر في «تاريخه» (14/427) من طريق عكرمة بن عمّار، قال: حدثني حفص بن عمر ابن أبي طلحة قال: «صحبت أنس بن مالك إلى الشام فرأى قوماً يتطوعون في السفر».

وقال هلال بن جهضم: حدثنا حفص بن عمر ابن أخي أنس قال: «خرجت مع أنس في سفر».

وقال جهضم: حدثنا حفص أبو عمر: «كنت مع أنس حين خرج إلى الشام».

قلت: حفص بن عمر بن عبدالله بن أبي طلحة بن أخي أنس بن مالك لأمه، قال أبو حاتم: "هو صالح الحديث". وقال الدارقطني: "ثقة".

وقد مرّ في حديث سليمان التيمي عن أنس أن أنساً صرّح بأنه لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لا كما جاء في رواية خلف عن حفص! فيُحتمل أن خلفاً وهم فيه وكان قد اختلط في آخر عمره، والله أعلم.

وأنس رضي الله عنهم ذمّ هؤلاء القوم في زمن عبدالملك بن مروان (ت 86هـ)  لرفضهم السنّة الصحيحة، وهذا عين ما أنكره النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذي الخويصرة، وكذلك ابن مسعود على القوم الذين يبتدعون ولا يتبعون السنة.

ومع قول أنس فيهم، إلا أنه لم يُسقط حديث الخوارج عليهم في قتالهم وغيره، وإنما فقط في مسألة عدم اتباعهم للسنة.

وأما حديث عبدالعزيز بن صهيب عن قتادة:

فرواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (7/14) برقم (3908) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي أُمَّتِي نَاسٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، هُمْ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، طُوبَى لِمَنْ قَتْلَهُمْ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ».

قلت: مبارك هو: ابن سحيم مولى عبدالعزيز بن صهيب أبو سحيم البناني، يُعدّ في البصريين، وهو منكر الحديث جداً، متروك، ليس بشيء.

8- حديث أَبي بَكرة نُفيع بن الحارث (ت 51هـ):

روى الحديث عنه ابنه مسلم بن أبي بكرة، وبِلال بن بُقْطُرٍ.

أما حديث مسلم بن أبي بكرة:

فرواه أحمد في «مسنده» (5/36) برقم (20398)، وابن أبي عاصم في كتاب «السنة» (2/456) برقم (937)، كلاهما عن وَكِيعٌ، قال: حدثنا عُثْمَانُ أبو سَلَمَةَ الشَّحَّامُ، قال: حدثني مُسْلِمُ بن أبي بَكْرَةَ، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ أَحْدَاثٌ أَحِدَّاءُ أَشِدَّاءُ ذَلِيقَةٌ أَلْسِنَتُهُمْ بِالقُرْآنِ، يقرؤنه لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، فإذا لَقِيتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ، ثُمَّ إذا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فإنه يُؤْجَرُ قَاتِلُهُمْ».

ورواه أحمد أيضاً في «مسنده» (5/44) برقم (20464)، والحارث بن أبي أسامة في «مسنده» [كما في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث برقم 704] كلاهما عن رَوْح بن عُبادة، قال: حدثنا عُثْمَانُ الشَّحَامُ، قال: حدثنا مُسْلِمُ بن أبي بَكْرَةَ – وسَأَلَهُ: هل سَمِعْتَ في الْخَوَارِجِ من شيء؟ - فقال: سمعت والدي أَبَا بَكْرَةَ يقول عن نبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلا إنه سَيَخْرُجُ من أمتي أَقْوَامٌ أَشِدَّاءُ أَحِدَّاءُ ذَلِيقَةٌ أَلْسِنَتُهُمْ بِالْقُرْآنِ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، فإذا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ، ثُمَّ إذا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ فَالْمَأْجُورُ قَاتِلُهُمْ».

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/187) من طريق محمد بن عبيدالله بن المنادي، عن روح، عن عثمان الشحام، عن مسلم بن أبي بكرة قال: - وسأله رجل: هل سمعت في الخوراج من شيء؟ - قال: سمعت والدي أبا بكرة يقول، فذكره.

ورواه الحاكم في «المستدرك» (2/159) من طريق أَبي عَاصِمٍ الضَّحَّاك بن مَخْلَدٍ، عن عُثْمَان الشَّحَّام، به. وزاد فيه: «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».

قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وقدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ".

ثم ساقه من طريق أَبي الرَّبِيعِ سُلَيْمَان بن دَاوُدَ العَتَكِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدَةَ الضَّبِّيّ، قالا: حدثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ، قالَ: أَتَيْتُ مُسْلِمَ بنَ أَبِي بَكْرَةَ وفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا: أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يَذْكُرُ فِي حَدِيثِ الفِتَنِ؟ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُ أَبِيَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَكُونُ فِي أُمَّتِي قَوْمٌ أَعْدَاءٌ ذَلِقَةٌ أَلْسِنَتُهُمْ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ».

ورواه البزار في «مسنده» (9/126) برقم (3676) عن عمرو بن عليّ، عن ابن أبي عدي، عن عثمان، به.

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحداً يرويه عن أبي بكرة إلا بهذا الطريق، وقد روي عن النبيّ هذا الكلام ونحوه من وجوه بألفاظ مختلفة، فذكرنا كل حديث بلفظه في موضعه، وفي حديث أبي بكرة شيء ليس في حديث غيره".

قلت: هكذا روى الثقات عن عثمان الشحام هذا الحديث، وقد رووا كذلك عنه حديثاً آخر في الفتن، وفيه سؤال مسلم بن أبي بكرة عن حديث أبيه في الفتن! فهل خلّط عثمان الشحام فيهما؟! أم أنه روى كلا الحديثين عن مسلم بن أبي بكرة؟!

روى مسلم في «صحيحه» (4/2212) برقم (2887) قال: حدثني أبو كَامِلٍ الجَحْدَرِيُّ فُضَيْلُ بن حُسَيْنٍ، قال: حدثنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، قال: حدثنا عُثْمَانُ الشَّحَّامُ، قال: انْطَلَقْتُ أنا وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ إلى مُسْلِمِ بن أبي بَكْرَةَ وهو في أَرْضِهِ فَدَخَلْنَا عليه، فَقُلْنَا: هل سَمِعْتَ أَبَاكَ يُحدِّث في الفِتَنِ حَدِيثًاً؟ قال: نعم، سمعت أَبَا بَكْرَةَ يُحدِّث قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، ألا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ القَاعِدُ فيها خَيْرٌ من الْمَاشِي فيها، وَالْمَاشِي فيها خَيْرٌ من السَّاعِي إِلَيْهَا، ألا فإذا نَزَلَتْ أو وَقَعَتْ فَمَنْ كان له إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كانت له غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كانت له أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ. قال: فقال رَجُلٌ، يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ من لم يَكُنْ له إِبِلٌ ولا غَنَمٌ ولا أَرْضٌ؟! قال: يَعْمِدُ إلى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ على حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ إن اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ. اللهم هل بَلَّغْتُ، اللهم هل بَلَّغْتُ، اللهم هل بَلَّغْتُ. قال: فقال رَجُلٌ، يا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إن أُكْرِهْتُ حتى يُنْطَلَقَ بِي إلى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ أو إِحْدَى الفِئَتَيْنِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أو يجيء سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قال: يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ من أَصْحَابِ النَّارِ».

قال مسلم: وحدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ وأبو كُرَيْبٍ، قالا: حدثنا وَكِيعٌ [ح].

وحدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عَدِيٍّ، كلاهما عن عُثْمَانَ الشَّحَّامِ، بهذا الإسناد، حَدِيثُ ابن أبي عَدِيٍّ نحو حديث حَمَّادٍ إلى آخِرِهِ وَانْتَهَى حَدِيثُ وَكِيعٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: "إن اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ" ولم يذكر ما بَعْدَهُ.

وهو عند ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/446) برقم (37111) عن وكيع.

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/190) من طريق الحارث بن أبي أسامة، عن روح بن عبادة، عن عثمان الشحام، به.

ورواه أحمد في «مسنده» (5/48) برقم (20508) عن روح، به.

ورواه البزار في «مسنده» (9/127) برقم (3677) عن عمرو بن علي، عن ابن أبي عدي، عن عثمان.

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبيّ بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، ولم يروه عن مسلم بن أبي بكرة إلا عثمان بن الشحام. وقد روى عنه غير واحد ولم يسندوا عنه".

قلت: كلّ من روى حديث الخوارج عن عثمان روى عنه أيضاً حديث الفتن هذا عنه، والأظهر أنه حدث بحديث الفتن عن مسلم بن أبي بكرة، والله أعلم.

وعثمان هذا لا بأس به، وفيه بعض الكلام، وليس له في مسلم إلا هذا الحديث أخرجه شاهداً في الفتنة.

قال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد القطان - وذكر عثمان الشحام – فقال: "يعرف من حديثه وينكر، ولم يكن عندي بذاك".

وقال النسائي: "ليس بالقوي"، وقال مرة: "ليس به بأس".

وقال الدارقطني: "يُعتبر به".

وقال ابن عدي: "ليس له كثير حديث، ولا أرى به بأساً في رواياته".

ووثقه أحمد وغيره.

قلت: كان أبو بكرة ممن توقف في الفتنة، وقد روى مسلم في «صحيحه» (4/2213) من حديث الأَحْنَفِ بن قَيْسٍ، قال: خَرَجْتُ وأنا أُرِيدُ هذا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أبو بَكْرَةَ، فقال: أَيْنَ تُرِيدُ يا أَحْنَفُ؟ قال: قلت، أُرِيدُ نَصْرَ ابن عَمِّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي عَلِيًّا -. قال: فقال لي: يا أَحْنَفُ، ارْجِعْ فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تَوَاجَهَ المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ في النَّارِ. قال: فقلت أو قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هذا الْقَاتِلُ، فما بَالُ المَقْتُولِ! قال: إنه قد أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ».

قلت: فلعل ما رُوي عن أبي بكرة في الفتن يرجع لرأيه في اعتزال الفتنة. ثمّ إن هذا الحديث الذي قاله للأحنف أسقطه على ما حصل بفهمه! ولا أحد يقول بأن كلا الفريقين في النار كما هو منطوق الحديث!

وأما حديث بِلاَلِ بن بُقْطُرٍ:

فرواه أحمد في «مسنده» (5/42) برقم (20451) عن عبدالصَّمَدِ وعَفَّان، قالا: حدثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، قال: أخبرنا عَطَاءُ بن السَّائِبِ، عن بِلاَلِ بن بُقْطُرٍ، عن أبي بَكْرَةَ، قال: «أُتِيَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدَنَانِيرَ فَجَعَلَ يَقْبِضُ قَبْضَةً قَبْضَةً ثُمَّ يَنْظُرُ عن يَمِينِهِ كَأَنَّهُ يُؤَامِرُ أَحَداً، ثُمَّ يُعْطِي وَرَجُلٌ أَسْوَدُ مَطْمُومٌ عليه ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ بين عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ، فقال: ما عَدَلْتَ في الْقِسْمَةِ! فَغَضِبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقال: من يَعْدِلُ عَلَيْكُمْ بعدي!. قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَقْتُلُهُ؟ فقال: لا، ثُمَّ قال لأَصْحَابِهِ: هذا وَأَصْحَابُهُ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لا يَتَعَلَّقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ بشيء».

ورواه البزار [كما في كشف الأستار عن زوائد البزار: 2/361، برقم 1852] عن الحَسَن بن عَرَفَةَ، عن عُمَر بن عَبْدِالرَّحْمَنِ، عن عَطَاء بن السَّائِبِ، به.

وأورده ابن عدي في «الكامل» في ترجمة «عطاء بن السائب» (5/364) ثم قال: "ولعطاء بن السائب عن بلال بن بقطر عن أبي بكرة حديثان أو ثلاثة غير هذا، وعطاء بن السائب اختلط في آخر عمره فمن سمع منه قديماً مثل الثوري وشعبة فحديثه مستقيم، ومن سمع منه بعد الاختلاط فأحاديثه فيها بعض النكرة".

قلت: بلال بن بقطر لا يُعرف إلا من حديث عطاء بن السائب عنه! وهو رجل مجهول.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/108): "بلال بن بقطر عن أبي بكرة. روى عنه عطاء بن السائب، هو البصري".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/396): "بلال بن بقطر: روى عن أبي بكرة. روى عنه عطاء بن السائب. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (4/65) قال: "بلال بن بقطر: بصري، يروي عن أبى بكرة. روى عنه عطاء بن السائب".

قلت: عطاء بن السائب كان قد اختلط، ولا يُقبل حديثه عن هذا المجهول!

9- حديث أَبي بَرزة الأسلمي نضرة بن عُبيد (ت 64هـ):

حضر أبو برزة مع علي بن أَبي طالب قتال الخوارج بالنهروان، وورد المدائن فِي صحبته، وغزا بعد ذلك خراسان فمات بها.

روى حديثه هذا: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، قال: حدثنا الأَزْرَقُ بنُ قَيْسٍ، عَنْ شَرِيكِ بنِ شِهَابٍ، قالَ: كُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ أَرَىَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحَدِّثُنِي عَنِ الخَوَارِجِ قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا بَرْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَرْزَةَ، حَدِّثْنَا بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْخَوَارِجِ. قَالَ: أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ، وَرَأَتْ عَيْنَايَ، أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَنَانِيرَ مِنْ أَرْضٍ فَكَانَ يَقْسِمُهَا وَعِنْدَهُ رَجُلٌ أَسْوَدُ مَطْمُومُ الشَّعْرِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ، فَتَعَرَّضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ شِمَالِهِ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ مَا عَدَلْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ فِي الْقِسْمَةِ. فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا تَجِدُونَ بَعْدِي أَحَدًا أَعْدَلَ عَلَيْكُمْ» قَالَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: "يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ قَوْمٌ كَأَنَّ هَدْيَهُمْ هَكَذَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ، لَا يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجَ آخِرُهُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ - قَالَهَا حَمَّادٌ ثَلَاثًا - هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ - قَالَهَا حَمَّادٌ ثَلَاثًا وَقَالَ: قَالَ أَيْضًا - لَا يَرْجِعُونَ فِيهِ".

رواه الطيالسي في «مسنده» (ص124) برقم (923) عن حماد بن سلمة، به.

ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (2/312) برقم (3566) عن محمد بن معمر البصري الحراني، عن أبي داود الطيالسي، به.

ورواه البزار في «مسنده» (9/294، 305) عن عمرو بن عليّ ويحيى بن حكيم، قالا: حدثنا أبو داود، به.

ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/559) برقم (37917) عن يُونُس بن مُحَمَّدٍ، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، به.

ورواه أحمد في «مسنده» (4/421) برقم (19798) عن عَفَّان بن مسلم. وفي (4/424) برقم (19821) عن عبدالصَّمَدِ ويُونُس، ثلاثتهم عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، به.

ورواه الحاكم في «المستدرك» (2/160) برقم (2647) من طريق إِسْحَاق بن الحَسَنِ بنِ مَيْمُونٍ، عن عَفَّان بن مُسْلِمٍ، عن حماد.

قال النسائي بعد أن أخرجه: "شريك بن شهاب ليس بذلك المشهور".

وقال البزار: "وهذا الحديث قد رُوي نحو كلامه عن النبيّ من غير وجه، فذكرنا كل حديث بلفظه في موضعه، ولا نعلم روى عن شريك بن شهاب إلا الأزرق بن قيس، ولا نعلم روى غير هذا الحديث".

وقال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

قلت: شريك بن شهاب هذا مجهول لا يُعرف إلا من حديث حمّاد بن سلمة!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/238): "شريك بن شهاب الحارثي: سمع أبا برزة. روى عنه الأزرق بن قيس".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/365): "شريك بن شهاب الحارثي، بصري. روى عن أبي برزة الأسلمي. روى عنه الأزرق بن قيس. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (4/360) فقال: "شريك بن شهاب الحارثي يروي عن أبي برزة. روى عنه الأزرق بن قيس".

وقال الذهبي في «الميزان» (3/371): "لا يعرف إلا برواية الأزرق بن قيس عنه".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص266): "شريك بن شهاب الحارثي البصري مقبول".

قلت: يعني إذا توبع، ولم يُتابع عليه!

وشريك هذا مجهول ولم يثبت وجود شخصه أو سماعه من أبي برزة! وكلام البخاري بأنه سمع من أبي برزة فيه نظر! وهو إنما بناه على ظاهر الرواية وأنه سأله!

لكنه يبقى مجهولاً، ولا يُعرف إلا من رواية حماد بن سلمة! وحماد قد تفرد بهذه الرواية عن الأزرق بن قيس! والأزرق قد سمع من أبي برزة، ولم يروه عنه!!

والذي يظهر لي أن حمّاد بن سلمة – وهو إن كان ثقة إلا أنه كانت له أوهام- قد خلّط في الرواية! لوجود ذكر الرجل وذكر الخوارج.

فقد روى قزعة بن سويد، عن الأزرق بن قيس، قال: "رأيت رجلاً مربوعاً أدم، فإذا هو أبو برزة الأسلمي، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: شهدت معه غزوة كذا".

وروى شعبة عن الأزرق بن قيس، قال: "كنت مع أبي برزة بالأهواز فقام يصلي وعنان دابته في يده، فجعلت تنكص وجعل أبو برزة ينكص معها، ورجل من الخوارج قاعد، فجعل يسبّه فلما صلّى قال: إني سمعت مقالتك، إني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستاً أو سبعاً، وشهدت من تيسيره، وإني أرجع مع دابتي أحبّ إليّ من أن أدعها فتأتي مألفها فيشق عليّ، قال: قل كم صلى العصر؟ قال: ركعتين".

وفي رواية أخرى قال: "تقاتل الأزارقة بالأهواز مع المهلب بن أبي صفرة فجاء أبو برزة آخذاً بمقود برذونه أو دابته، فبينما هو يصلي إذ انفلت المقود من يده فمضت الدابة من قبلته. قال: فانطلق أبو برزة حتى أخذها ثم رجع القهقرى، فقال رجل كان يرى رأي الخوارج: انظروا إلى هذا الشيخ! ونال منه إنه ترك صلاته وانطلق إلى دابته، فلما أقبل أبو برزة قضى صلاته، فقال: إني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وأنا شيخ كبير ولو أن دابتي ذهبت إلى مألفها شق ذلك علي فصنعت ما رأيت. قال: فقلت للرجل، ما أرى الله إلا مخزيك شتمت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: فهذا ما ورد من ذكر الخوارج في حديث أبي برزة، وما أظن إلا أن حماد بن زيد أخطأ في الرواية فخلط بين حديثين!

وهذه الرواية الأخيرة تدل على ما كان عليه الخوارج من عدم فهمهم لسنة النبيّ صلى الله عليه وسلم وعدم سماعهم للصحابة الذين عايشوا التنزيل وهم أعرف بسنته صلى الله عليه وسلم من غيرهم، ولهذا جاء وصفهم بحدثاء الأسنان سفهاء الأحلام – أي في المحيط الذي يعيشون به = محيط أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – إن صح لفظ حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام!

والخلاصة أن حديث شريك بن شهاب لا يصح.

10- حديث عبدالله بن عمر (ت 73هـ):

أخرجه ابن ماجة في «سننه» (1/61) قال: حدثنا هِشَامُ بن عَمَّارٍ، قال: حدثنا يحيى بن حَمْزَةَ، قال: حدثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «يَنْشَأُ نَشْئٌ يقرؤون القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ». قال ابن عُمَرَ: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ أَكْثَرَ من عِشْرِينَ مَرَّةً حتى يَخْرُجَ في عِرَاضِهِمْ الدَّجَّالُ».

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/162) من طريق أبي النضر إسحاق بن إبراهيم بن يزيد وهشام بن عمّار الدمشقيان قالا: حدثنا يحيى بن حمزة، قال: حدثنا الأوزاعي عن نافع، - وقال أبو النضر: عمّن حدّثه عن نافع - عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيهاجر أهل الأرض هجرة بعد هجرة إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام حتى لا يبقى إلا شرار أهلها تلفظهم الأرضون وتقذرهم روح الرحمن وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معه حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا ولها ما سقط منهم».

ثم رواه بطوله من طريق يحيى بن محمد بن صاعد، قال: حدثنا سعد بن محمد، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا يحيى بن حمزة، قال: حدثنا الأوزاعي، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيهاجر خيار أهل الأرض هجرة بعد هجرة إلى مهاجر إبراهيم حتى لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تدفعهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا، ولها ما سقط فيموت، وينشأ نشئ يقرؤون القرآن لا يجاوز ألسنتهم كلما خرج قرن قطع. وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلما خرج قرن قطع أكثر من عشرين مرة حتى يخرج في آخراهم الدجال».

قال ابن كثير في «تفسيره» (3/412): "غريب من حديث نافع! والظاهر أن الأوزاعي قد رواه عن شيخ له من الضعفاء، والله أعلم".

قلت: يقصد ابن كثير أن الأوزاعي دلّسه عن شيخ ضعيف له.

وهذا الذي قاله ابن كثير محتمل، ويحتمل أن يحيى بن حمزة – وهو قاضي دمشق وكان صدوقاً- رواه عن مجهول ولم يسمه كما جاء في رواية أبي النضر إسحاق بن إبراهيم بن يزيد فإنه رواه عن يحيى عمّن حدّثه عن نافع عن ابن عمر.

ورواه هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة عن الأوزاعي، فسمى هذا المجهول وأنه الأوزاعي!!

فيُحتمل أنه أخطأ في ذكر الأوزاعي، وكأنه سلك فيه الجادة! وهشام له أخطاء ومخالفات.

وإسحاق بن إبراهيم أوثق في يحيى بن حمزة من هشام بن عمّار. فالأولى إعلال الحديث بأن راويه مجهول، وعدم تعليله بتدليس الأوزاعي.

وعلى كلّ حال فهذا الإسناد منكر لا يصح! والحديث فيه نكارة حيث ربط حشر النار للناس بنشوء هؤلاء الخوارج كما جاء فيه! والأصل أن الخوارج قد ظهروا في زمن عليّ وحاربهم ووجدهم كما وصفهم النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وارتباط سوق النار للناس إلى الشام أصله من حديث كعب الأحبار كما روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/484) عن عبداللهِ بن نُمَيْرٍ، عن عُبَيْدِاللهِ بن عُمَرَ، عن كَعْبٍ، قال: «يُوشِكُ نَارٌ تَخْرُجُ من اليَمَنِ. قال: تَسُوقُ الناس تَغْدُو مَعَهُمْ إذَا غَدَوْا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إذَا قَالَوا وَتَرُوحُ مَعَهُمْ إذَا رَاحُوا فإذا سَمِعْتُمْ ذلك فَاخْرُجُوا إلَى الشَّامِ».

وحشر النّار للناس قد صح من حديث أبي هريرة كما أخرجه مسلم في «صحيحه» (4/2195) من حديث عبداللَّهِ بن طَاوُسٍ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُحْشَرُ الناس على ثَلَاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينً وَاثْنَانِ على بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ على بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ على بَعِيرٍ وَعَشَرَةٌ على بَعِيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمْ النَّارُ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قالوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا».

وهذه الأحاديث مشهورة بين الرواة وتبيّن الخلط الذي يحصل للضعفاء في روايتهم للأحاديث ودخول أحاديث في أخرى بسبب التشابه في أجزاء منها! فالأمر مرتبط في نار تحشر الناس إلى أرض مهاجر إبراهيم وهي الشام، وحدوث ذلك في آخر الزمان فدخل في ذلك حديث الخوارج وظهورهم معها حتى يخرج آخرهم مع الدّجال!! فدخل هذا الحديث في حديث الخوارج الصحيح المشهور بأنهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم...

وللحديث طريق آخر رواه يحيى بن أبي حية عن شهر بن حوشب، عن عبدالله بن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يحقر أحدكم عمله مع عملهم يقتلون أهل الإسلام فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، فطوبى لمن قتلهم, وطوبى لمن قتلوه كلما طلع منهم قرن قطعه الله عز وجل فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين مرة أو أكثر وأنا أسمع».

وهو حديث منكر! وقد فصّلت فيه في بحثي: «فصلُ المَقال في حديث: حتى يَخْرُجَ في بَقِيَّتِهُمُ الدَّجَّال»!

11- حديث عبدالله بن عبّاس (ت 68هـ):

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/560) برقم (37919) قال: حدثنا أبو الأَحْوَصِ، عن سِمَاكٍ، عن عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيَقْرَأَنَّ القُرْآنَ نَاسٌ من أُمَّتِي يَمْرُقُونَ من الإِسْلاَمِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ».

ورواه أحمد في «مسنده» (1/255) برقم (2312) عن ابن أبي شَيْبَةَ، به.

ورواه ابن ماجه في «سننه» (1/61) برقم (171) عن أبي بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ وسُوَيْد بن سَعِيدٍ، كلاهما عن أبي الأَحْوَصِ، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/280) برقم (11734) من طريق مُسَدَّد ويُوسُف بن عَدِيٍّ، كلاهما عن أبي الأَحْوَصِ، به.

قلت: تفرد به سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبّاس!

وسماك عنده اضطراب وأوهام، وضعّفوه في عكرمة.

قال ابن المديني: "روايته عن عكرمة مضطربة، فسفيان وشعبة يجعلونها: عن عكرمة، وأبو الأحوص وإسرائيل يجعلونها عن عكرمة عن ابن عباس".

ورُوي عن ابن عباس من طريق آخر:

رواه ابن ماجه في «سننه» (1/93) برقم (255) قال: حدثنا محمد بن الصَّبَّاحِ، قال: أَنْبَأَنَا الوَلِيدُ بن مُسْلِمٍ، عن يحيى بن عبدالرحمن الكِنْدِيِّ، عن عُبَيْدِاللَّهِ بن أبي بُرْدَةَ، عن ابن عَبَّاسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أُنَاسًا من أُمَّتِي سَيَتَفَقَّهُونَ في الدِّينِ، وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ، وَيَقُولُونَ نَأْتِي الْأُمَرَاءَ فَنُصِيبُ من دُنْيَاهُمْ وَنَعْتَزِلُهُمْ بِدِينِنَا، ولا يَكُونُ ذلك كما لَا يُجْتَنَى من الْقَتَادِ ألا الشَّوْكُ كَذَلِكَ لَا يُجْتَنَى من قُرْبِهِمْ إلا - كَأَنَّهُ يَعْنِي الْخَطَايَا».

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/150) برقم (8236) عن مُوسَى بن جُمْهُورٍ، عن هِشَام بن عَمَّارٍ، عن الوَلِيد بن مُسْلِمٍ، عن أَبي شَيْبَةَ يَحْيَى بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الكِنْدِيّ، عَنْ أَبِي المُغِيرَةِ عُبَيْدُاللَّهِ بن المُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ، به.

قال الطبراني: "لا يُرْوَى هذَا الحَدِيثَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ إِلَّا بِهَذَا الإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ"!

قلت: لم يتفرد به هشام! بل تابعه محمد بن الصباح كما عند ابن ماجه، بل إن الطبراني نفسه خرّجه في «مسند الشاميين» (3/405) برقم (2556) من طريق هشام بن عمار والعباس بن الوليد الخلال، كلاهما عن الوليد بن مسلم. فهذه متابعة أخرى لهشام.

ورواه الضياء المقدسي في «المختارة» (11/146) من طريق الطبراني.

قلت: عبيدالله بن المغيرة مجهول!

قال الذهبي في «الكاشف» (1/687): "غير معروف".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص374): "عبيدالله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني، وقد ينسب إلى جده، ويقال له: عبدالله مكبر أيضاً، مقبول، من الرابعة".

قلت: مقبول يعني عند المتابعة، لكن لم يتابعه أحد!

وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (7/45): "أخرجه الضياء في المختارة، ومقتضاه أن يكون عبيدالله عنده ثقة".

قلت: نعم، أخرجه في المختارة وهو يورد فيها ما صحّ عنده، وهو يُصحح أحاديث كثيرة معلولة!

فالحديث لا يُعرف عن ابن عباس إلا من طريق هذا المجهول!

وقد رُوي عن ابن عباس رأيه في الخوارج:

روى عبدالرزاق في «المصنف» (10/153) عن ابن جريج وابن عُيَيْنَةَ، كلاهما عن عُبَيْدِاللهِ بن أبي يَزِيدَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذُكِرَ عَنْدَهُ الْخَوَارِجُ، فَذُكِرَ من عِبَادَتِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ، فقال: «ليْسُوا بِأَشَدَّ اجْتِهَادًا من اليَهُودِ والنَّصَارَى، ثُمَّ هُمْ يضلون».

ورواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/556) برقم (37901) عن يحيى بن آدَمَ، عن ابن عُيَيْنَةَ، به.

وروى ابن أبي شيبة أيضاً برقم (37902) عن يحيى بن آدَمَ، قال: حدثنا ابن عُيَيْنَةَ، عن مَعْمَرٍ، عن رِبْعِيٍّ، عن طاوس، عن أبيه، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذَكَرَ ما يَلْقَى الْخَوَارِجُ عَنْدَ الْقُرْآنِ، فقال: «يُؤْمِنُونَ عَنْدَ مُحْكَمِهِ وَيَهْلَكُونَ عَنْدَ مُتَشَابِهِهِ».

12- حديث جابر بن عبدالله الأنصاريّ (ت 78هـ):

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1/61) برقم (172) عن محمد بن الصَّبَّاحِ. وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (ص272) برقم (1083) عن ابن المقرئ، كلاهما عن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جَابِرِ بن عبداللَّهِ، قال: «كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالجِعْرَانَةِ وهو يَقْسِمُ التِّبْرَ وَالْغَنَائِمَ وهو في حِجْرِ بِلَالٍ، فقال رَجُلٌ: اعْدِلْ يا محمد! فَإِنَّكَ لم تَعْدِلْ! فقال: وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ بَعْدِي إذا لم أَعْدِلْ! فقال عُمَرُ: دَعْنِي يا رَسُولَ اللَّهِ حتى أَضْرِبَ عُنُقَ هذا الْمُنَافِقِ. فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ هذا في أَصْحَابٍ أو أُصَيْحَابٍ له يقرؤون القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ».

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/559) برقم (37918) عن زَيْد بن حُبَابٍ، قال: حدثني قُرَّةُ بن خَالِدٍ السَّدُوسِيُّ، قال: حدثنا أبو الزُّبَيْرِ، عن جابر بن عبداللهِ قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَجِيءُ قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ على فُوقِهِ».

قلت: هذا حديث حسن.

13- حديث عُقبة بن عامر (ت 58هـ):

رواه أحمد في «المسند» (4/145) برقم (17346) عن عليّ بن إِسْحَاقَ، قال: حدثنا عبداللَّهِ - يعني ابن المُبَارَكِ -، قال: حدثنا حَرْمَلَةُ بن عِمْرَانَ، قال: حدثني عبدالعَزِيزِ بن عبدالمَلِكِ بن مُلَيْلٍ السليحي - وَهُمْ إلى قُضَاعَةَ – قال: حدثني أبي، قال: «كنت مع عُقْبَةَ بن عَامِرٍ جَالِساً قَرِيباً مِنَ المِنْبَرِ يوم الجُمُعَةِ فَخَرَجَ محمد بن أبي حُذَيْفَةَ فَاسْتَوَى على المِنْبَرِ، فَخَطَبَ الناس، ثُمَّ قرأ عليهم سُورَةً مِنَ القُرْآنِ، قال: وكان من أقرإِ الناس. قال: فقال عُقْبَةُ بن عَامِرٍ: صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ، إني سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: لَيَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ رِجَالٌ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (17/325) من طريق نُعيم بن حماد المروزي، عن ابن المبارك، به، مختصراً.

ورواه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (2/294) عن عبدالله بن عثمان، عن ابن المبارك، به، وزاد فيه: "فسمعها ابن أبي حذيفة، فقال: والله لئن كنت صادقاً، وإنك ما علمت لكذوب أنك منهم".

قال عبدالله بن المبارك: "حمل هذا الحديث أنهم يجمعون معهم ويقولون لهم هذه المقالة".

قلت: هذا حديث حسن.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/432): "عبدالملك بن مليل السليحي وهم إلى قضاعة: سمع عقبة بن عامر. روى حرملة بن عمران عن عبدالعزيز بن عبدالملك عن أبيه. حديثه في المصريين".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/122) قال: "عبدالملك بن مليل السليحي، وسليح بن قضاعة. يروي عن عقبة بن عامر. روى عنه: عبدالعزيز بن عبدالملك. عداده في أهل مصر".

ونقل ابن حجر في «تعجيل المنفعة» (ص265) عن ابن يونس: أنه شهد فتح مصر، وذكر في شيوخه: عبدالله بن الحارث بن جزء ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة العبشمي.

قلت: مع أن عقبة كان يصلي خلفه إلا أنه ذمّه، وكان محمد في حجر أمير المؤمنين عثمان بن عفان فرباه فأحسن تربيته، وكان هو الذي ألب أهل مصر على قتل عثمان وغلب على إمرتها!

"وكان أول من انتزى بمصر انتزى على عقبة بن مالك، وكان خليفة عبدالله بن سعد بن أبي سرح على مصر حين خرج وافداً إلى عثمان، فأخرج عقبة عن الفسطاط فخلع عثمان بن عفان وتأمر على مصر".

14- حديث عبدالله بن عَمرو بن العاص (ت 63هـ):

أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/159) قال: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوبَ الأُمَوِيُّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّازُ، قال: حدثنا عَبْدُاللَّهِ بنُ حُمْرَانَ، قال: حدثنا عَبْدُالحَمِيدِ بنُ جَعْفَرٍ، قال: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ وَهُوَ يَقْسِمُ تَمْرًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ. قَالَ: «وَيْحَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ عَلَيْكَ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ - أَوْ عِنْدَ مَنْ تَلْتَمِسُ الْعَدْلُ بَعْدِي؟ -» ثُمَّ قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ مِثْلُ هَذَا، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ، يَقْرَءُونَ كِتَابَ اللَّهِ مُحَلَّقَةٌ رَءُوسُهُمْ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاضْرِبُوا رِقَابَهُمْ».

قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ".

فتعقّبه الذهبي في تلخيصه: "محمد بن سنان كذبه أبو داود وغيره".

قلت: أخرج الحاكم لمحمد بن سنان القزاز في «المستدرك» ثنتين وأربعين رواية وذلك لأن شيخه الدارقطني مشّاه وقال: "لا بأس به".

لكن حديثه في نُكرة واضحة، وقد رماه أبو داود بالكذب، وقال ابن خراش: "ليس بثقة".

وقال ابن أبي حاتم: "كتب عنه أبي بالبصرة، وكان مستوراً في ذلك الوقت، فأتيته أنا ببغداد وسألت عنه ابن خراش، فقال: هو كذاب! روى حديث والان عن روح بن عبادة فذهب حديثه".

قال يعقوب بن شيبة: قال لي علي بن المديني: "ما سمع هذا الحديث من روح بن عبادة غيري وغير سهل بن أبي خدويه".

قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (9/183): "قلت: إن كان عمده من كذّبه كونه ادّعى سماع هذا الحديث من ابن عبادة فهو جرح ليّن! لعله استجاز روايته عنه بالوجادة. وقال مسلمة في الصلة: محمد بن سنان القزاز يكنى أبا الحسن بصري ثقة".

قلت: أبو داود إمام، فدفع رأيه بهذا التعليل: "لعله.." لا يستقيم، وقد اتهمه كذلك ابن خراش، وإن لم نعتبر مسألة الاتهام هذه، فأقلّ أحواله الضعف المطلق، وحديثه فيه نكارة واضحة، فلا يُحتج بما انفرد به.

ورُوي عن عبدالله بن عمرو من طريق آخر:

رواه أحمد في «مسنده» (2/219) عن يَعْقُوب بن إبراهيم بن سعد، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابنِ إِسْحَاقَ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي القَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِاللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، قالَ: «خَرَجْتُ أَنَا وَتَلِيدُ بنُ كِلَابٍ اللَّيْثِيُّ، حَتَّى أَتَيْنَا عَبْدَاللهِ بنَ عَمْرِو بنِ العَاصِي، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، مُعَلِّقًا نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ، فَقُلْنَا لَهُ: هَلْ حَضَرْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُكَلِّمُهُ التَّمِيمِيُّ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قالَ: نَعَمْ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، يُقَالُ لَهُ: ذُو الخُوَيْصِرَةِ، فَوَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُعْطِي النَّاسَ، قالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ رَأَيْتَ مَا صَنَعْتَ فِي هَذَا اليَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَجَلْ، فَكَيْفَ رَأَيْتَ؟" قالَ: لَمْ أَرَكَ عَدَلْتَ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: " وَيْحَكَ، إِنْ لَمْ يَكُنِ العَدْلُ عِنْدِي، فَعِنْدَ مَنْ يَكُونُ؟"، فقَالَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَقْتُلُهُ؟ قالَ: "لا، دَعُوهُ، فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شِيعَةٌ يَتَعَمَّقُونَ فِي الدِّينِ، حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهُ، كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ فِي النَّصْلِ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمَّ فِي الْقِدْحِ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمَّ فِي الْفُوقِ فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ، سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ"».

قالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ - وهُوَ عَبْدُاللهِ بنُ أَحْمَدَ: "أَبُو عُبَيْدَةَ هذَا اسْمُهُ مُحَمَّدٌ: ثِقَةٌ، وَأَخُوهُ سَلَمَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، وَلَا نَعْلَمُ خَبَرَهُ، وَمِقْسَمٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، ولِهَذَا الحَدِيثِ طُرُقٌ فِي هذَا المَعْنَى، وَطُرُقٌ أُخَرُ فِي هذَا المَعْنَى صِحَاحٌ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ".

ورواه ابن أبي عاصم في كتاب «السنة» برقم (930) عن مُحَمَّد بنُ مَنْصُورٍ، عن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيمَ، به.

قال: قالَ ابنُ إِسْحَاقَ، وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الْحُسَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَسَمَّاهُ ذَا الخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيَّ.

قَالَ ابنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي ابنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِمِثْلِ ذَلِكَ.

قلت: نعم، المعنى جاء في أحاديث أخرى صحيحة كما قال عبدالله ابن الإمام أحمد، ولا يوجد في هذه الرواية أي نكارة، لكن البحث في الإسناد. فالظاهر أن عبدالله بن أحمد مشّى هذا الإسناد بتوثيقه لأبي عبيدة هذا!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/405): "أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر: سمعت أبي يقول: لا يسمى".

قال: سمعت أبي يقول: "منكر الحديث".

ونقل ابن حجر عن أبي حاتم أنه قال في موضع آخر: "صحيح الحديث"، وقال في موضع آخر: "اسمه سلمة" [تهذيب التهذيب: 12/178].

قلت: لا أدري أين قال هذا! فقد ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنه لا يسمى – كما مر-. وقد ذكر "سلمة" في ترجمة مستقلة.

قال (4/172): "سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر. مدني، روى عن عمار بن ياسر. روى عنه: علي بن زيد بن جدعان. سمعت أبي يقول ذلك".

وفرّق بينهما البخاري كذلك، فقال في ترجمة "سلمة": "أراه أخا أبي عبيدة".

وقال في «الكنى» (ص52): "أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه عن جده. روى عنه إسماعيل بن صخر".

وجمع بينهما ابن حبان! فقال في كتاب «المجروحين» (1/337): "سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر، كنيته أبو عبيدة. روى عنه: علي بن زيد. منكر الحديث. يروي عن جدّه عمار بن ياسر، ولم يره، وليس ممن يحتج به إذا وافق الثقات لإرساله الخبر، فكيف إذا انفرد". ثم ساق عن أحمد بن زهير قال: سئل يحيى بن معين عن سلمة بن محمد بن عمار عن عمار: الفطرة المضمضة؟ قال: "مرسل".

قلت: لا أدري هل هما واحد أم اثنان!

وعموماً الحديث من رواية ابن إسحاق عن أبي عبيدة، وابن إسحاق فيه كلام. ومقسم مشّاه بعض أهل العلم وضعفه آخرون، والصحيح أنه يُعتبر بحديثه فإذا وافق الثقات قُبل حديثه وإلا فلا.

وهناك رواية أخرى لحديث عبدالله بن عمرو يرويها عنه شهر بن حوشب، وهي رواية ضعيفة كما فصلت ذلك في بحث: «فصل المقال في حديث: حتى يخرج في بقيتهُمُ الدّجال».

15- حديث طَلْق بن عليّ اليماميّ:

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/338) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو الزِّئْبَقِيُّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ مِسْكِينٍ اليَمَامِيُّ، قال: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيلَ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبِي يَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عكْرمَةَ بنِ عَمَّارٍ العِجْلِيِّ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بَدْرٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ طَلْقِ بنِ عَلِيٍّ قالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَنَا: «يُوشِكُ أَنْ يَجِيءَ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ، وَطُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ». ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ سَيَخْرُجُونَ بِأَرْضِكَ يَا تِهَامِيُّ يُقَاتِلُونَ بَيْنَ الْأَنْهَارِ». قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي، مَا بِهَا أَنْهَارٌ قَالَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ».

أورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/232) وقال: "رواه الطبراني من طريق علي بن يحيى بن إسماعيل عن أبيه، ولم أعرفهما".

قلت: وهو كما قال، فهما مجهولان، والحديث ضعيف.

16- حديث عبدالرحمن بن عُديس البلوي (ت 36هـ):

رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/322) قال: حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ سَهْلٍ، قالَ: حدثنا عَبْدُاللَّهِ بنُ يُوسُفَ قالَ: حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ: أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بنَ شِمَاسَةَ، حَدَّثَهُ عَنْ تَبِيعٍ الحجرِيِّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عُدَيْسٍ البَلَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ أُنَاسٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُقْتَلُونَ بِجَبَلِ لُبْنَانَ، أَوْ بِجَبَلِ الجَلِيلِ».

قالَ ابنُ لَهِيعَةَ: "فَقُتِلَ ابنُ عُدَيْسٍ بِجَبَلِ لُبْنَانَ، أَوْ بِجَبَلِ الجَلِيلِ".

قال الطبراني: "لا يُرْوَى هذَا الحَدِيثُ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عُدَيْسٍ إِلا بِهَذَا الإِسْنَادِ".

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/242): "رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه بكر بن سهل وهو مقارب الحال وقد ضُعّف، وبقية رجاله حديثهم حسن أو صحيح".

قلت: رواه غير ابن لهيعة وقالوا "عن رجل عن ابن عديس"، ولم يسمه إلا ابن لهيعة، واضطرب فيه أيضاً، وهو ضعيف. وبعضهم أسقط الرجل من الإسناد! [كما في رواية نعيم بن حماد عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبدالرحمن بن عديس] والصواب إثباته لكن لم يسمه إلا ابن لهيعة وغيره أثبت منه.

وقد ذكر طرقه الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (4/334) فقال: "وقال حرملة: أنبأنا ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب: حدثه عن ابن شماسة عن رجل حدثه أنه سمع عبدالرحمن بن عديس يقول: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج ناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقتلون بجبل لبنان أو الخليل».  تابعه ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أخرجه يعقوب بن سفيان والبغوي من رواية النضر بن عبدالجبار عن أبن لهيعة. ورواه عبدالله بن يوسف عن ابن لهيعة فسمى المبهم فقال: (عن سبيع الحجري) بدل قوله (عن رجل). وأخرجه البغوي وابن منده من رواية نُعيم بن حماد عن ابن وهب فأسقط الواسطة، وأخرجه ابن السكن من هذا الوجه مثله، وزاد وقال مرة: عن ابن شماسة عن رجل عن عبدالرحمن. وأخرجه ابن يونس من وجه آخر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن عياش بن عباس عن أبي الحصين الحجري عن ابن عديس فذكر نحوه، وهكذا أخرجه البغوي من رواية عثمان بن صالح عن ابن لهيعة، وزاد في آخره: (فلما كانت الفتنة كان ابن عديس ممن أخره معاوية في الرهن فسجنه بفلسطين فهربوا من السجن، فأدرك فارس ابن عديس فأراد قتله، فقال له ابن عديس: ويحك، اتق الله في دمي فإني من أصحاب الشجرة. قال: الشجر بالجبل كثير، فقتله".

وهذه الطرق التي ذكرها ابن حجر ذكرها ابن عساكر في «تاريخ دمشق»   (35/109)، وقال: "وهذا الحديث لم يسمعه ابن شماسة من ابن عديس وانما يرويه عن رجل غير مسمى"، ثم قال بعد أن أورد الروايات في ذلك: "الرجل الذي رواه ابن شماسة عنه سبيع بن عامر الحجري"، ثم أتى بالرواية في ذلك.

قلت: الصواب في الحديث أنه: "عن ابن شماسة عن رجل عن ابن عديس"، وتسمية ابن لهيعة للرجل لا تصح، ولو صحت تسميته فهو مجهول لا يُعرف!

وبعضهم قال: "تبيع" وبعضهم قال: "سبيع"!

قال ابن حبان في «الثقات» (4/88): "تبيع الحجري: يروي عن عبدالرحمن بن عدس البلوي، وقد قيل: عديس، وله صحبة. روى عنه عبدالرحمن بن شماسة".

قلت: هو مجهول، وحديثه لا يصح.

وقد ذكر ابن حجر هذا الحديث في ترجمة «عبدالله بن عديس» من «الإصابة» (4/177) قال: "عبدالله بن عديس البلوي أخو عبدالرحمن بن عديس، شهد فتح مصر وله بها خطة، ولا يعرف له رواية، ذكره ابن منده عن ابن يونس فقال: له صحبة. وذكره محمد بن الربيع في الصحابة الذين دخلوا مصر، وأورد له حديثاً من طريق أبي الحصين الحجري عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج أناس من أمتي يمرقون من الدين الحديث. قال ابن الربيع: لا أعلم له غيره".

قلت: المعروف أن الحديث رُوي عن أخيه عبدالرحمن، وكأنه تحرّف على محمد بن الربيع، فهو: "عبدالرحمن" لا "عبدالله"، ومما يؤيد ذلك أن ابن يونس قال أنه ليس له رواية، وهو أعلم بحديث المصريين من غيره، والله أعلم.

17- حديث عمّار بن ياسر (ت 37هـ):

18- وحديث سعد بن أبي وقاص (ت 55هـ):

رواه ابن أبي عاصم في كتاب «السنة» (2/599) برقم (1329) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، قال: حدثنا يَحْيَى بنُ قَزْعَةَ بِمَكَّةَ، قال: حدثنا عُمَرُ بنُ أَبِي عَائِشَةَ المَدِينِيُّ، قالَ: سَمِعْتُ ابنَ مِسْمَارٍ مَوْلَى آلِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، يَذْكُرُ عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْد بن أبي وقاص: أَنَّ عَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ قال لِسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ: مَا لَكَ لَا تَخْرُجُ فَتُقَاتِلَ مَعَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ فِيهِ؟ قَالَ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُهُمْ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ» ثَلَاثًا؟! قالَ: "صَدَقْتَ، وَاللَّهِ لقَدْ سَمِعْتُهُ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ العُزْلَةَ حَتَّى أَجِدَ سَيْفًا يَقْطَعُ الْكَافِرَ وَيَنْبُو عَنِ الْمُؤْمِنِ".

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/69) عن سَهْل بن مُوسَى، عن عِيسَى بن شَاذَانَ قَالَ: حدثنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، كُوفِيُّ الْأَصْلِ قالَ: حدثنا عُمَرُ بنُ أَبِي عَائِشَةَ المَدَنِيُّ، به.

قال الطبراني: "لا يُرْوَى هذَا الحَدِيثُ عَنْ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ إِلَّا بِهَذَا الإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: عِيسَى بنُ شَاذَانَ"!

قلت: لم يتفرد به ابن شاذان، بل تابعه ابن وارة [كما سبق عند ابن أبي عاصم]، وكذلك أَبُو يَحْيَى بنُ أَبِي مَسَرَّةَ [كما عند ابن بشران في أماليه 2/49].

وقد تفرد به عمر بن أبي عائشة، وهو مجهول، وحديثه موضوع.

وقد ذكر الذهبي عمر هذا في «الميزان» (5/251) ولم يذكر عنه شيئاًن وإنما أورد له هذا الحديث، ثم قال: "هذا حديث منكر".

19- حديث أبي الطّفيل عامر بن واثلة (ت 107هـ):

رواه الضياء المقدسي في «المختارة» (8/230) من طريق الطَّبَرَانِيّ، قال: حدثَنَا الحُسَيْن ين إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قال: حدثَنَا عَلِيُّ بنُ المُنْذِرِ، قال: حدثَنَا مُحَمَّد بن الفضيل، قال: حدثَنَا الوَلِيدُ بنُ جُمَيْعٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ وَاثِلَةَ، قالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مَجْزُوزُ الرَّأْسِ أَوْ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، قَالَ: مَا عَدَلْتَ! فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا لَمْ أَعْدِلْ أَنَا فَمَنْ يَعْدِلُ! قَالَ: فَغَفَلَ عَنِ الرَّجُلِ فَذَهَبَ، فَقَالَ: أَيْنَ الرَّجُلُ؟ فَطُلِبَ، فَلَمْ يُدْرَكْ، فَقَالَ: إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ سِيمَا هذَا يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ نَظَرَ فِي قِدْحِهِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا نَظَرَ فِي رِصَافِهِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا نَظَرَ فِي فُوقِهِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا».

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/230): "رواه الطبراني ورجاله ثقات".

قلت: نعم، رجاله ثقات، والوليد سمع من عامر وله أحاديث عنه في صحيح مسلم يرويها عن صحابة آخرين، وهو لم يشهد هذه القصة، وما ذكره في الحديث لا بد أن يكون سمعه من صحابي آخر، والأحاديث الصحيحة الأخرى لهذه القصة تشهد لحديثه إلا في قوله "فغفل عن الرجل فذهب.. فطلب فلم يدرك"!! فهذه اللفظة لا توجد إلا في هذا الحديث الذي يتفرد به الوليد!! وهو صالح الحديث لا بأس به، وتكلّم بعض أهل العلم في تفرداته!

قال ابن حبان: "فحش تفرده، فبطل الاحتجاج به".

وقال الحاكم: "لو لم يذكره مسلم في صحيحه لكان أولى".

20- حديث عائشة (ت 57هـ):

رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (5/314) برقم (5413) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، قالَ: حدثنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ العَطَّارُ، قالَ: حدثنَا عَمْرُو بنُ عَبْدِالغَفَّارِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَمْرٍو، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: مَنْ قَتَلَ ذَا الثُّدَيَّةِ؟ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَلَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، عَلَامَتُهُمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ».

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذَا الحَدِيثَ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَمْرٍو إِلّا عَمْرُو بنُ عَبْدِالغَفَّارِ".

قلت: هذا حديث منكر! وعمرو بن عبدالغفار منكر الحديث، متروك متّهم بالوضع.

21- حديث جندب بن عبدالله البجليّ (ت 37هـ):

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/167) قال:  حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُعَافَى بنِ سُلَيْمَانَ، ومُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَرَاءِ، قالَا: حدثثنا المُعَافَى بنُ سُلَيْمَانَ، قال: حدثنا مُوسَى بنُ أَعْيَنَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ جُنْدُبِ بنِ عَبْدِاللهِ، أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ، فَقَالَ: لا يَغُرَّنَّكَ هَؤُلَاءِ إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ الْيَوْمَ ويَتَجَالَدُونَ بِالسُّيُوفِ غَدًا، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِنَفَرٍ مِنْ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ ولْيَكُونوا شُيُوخًا فَأَتَيْتُهُ بِنَافِعِ بنِ الْأَزْرَقِ وأَتَيْتُهُ بِمِرْدَاسٍ أَبِي بِلَالٍ، وَبِنَفَرٍ مَعَهُمَا سِتَّةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلْنَا عَلَى جُنْدُبٍ، قالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَثَلُ مَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ ويَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ الْمِصْبَاحِ الَّذِي يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيَحْرِقُ نَفْسَهُ، وَمَنْ رَاءَى النَّاسَ بِعِلْمِهِ رَاءَى اللهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ سَمَّعَ اللهُ بِهِ».

ورواه أيضاً (2/165) قال: حدثنا أَحْمَدُ بن المُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ وَالحَسَنُ بن عَلِيٍّ المَعْمَرِيُّ قَالا: حدثنا هِشَامُ بن عَمَّارٍ، قال: حدثنا عَلِيُّ بن سُلَيْمَانَ الكَلْبِيُّ، قال: حدثني الأَعْمَشُ، عن أبي تَمِيمَةَ، عن جُنْدُبِ بن عبداللَّهِ الأَزْدِيِّ صَاحِبِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: «انْطَلَقْتُ أنا وهو إلى البَصْرَةِ حتى أَتَيْنَا مَكَانًا يُقَالُ له: بَيْتُ الْمِسْكِينِ وهو مِنَ الْبَصْرَةِ مِثْلُ الثَّوِيَّةِ مِنَ الْكُوفَةِ، فقال: هل كُنْتَ تُدَارِسُ أَحَدًا الْقُرْآنَ؟ فقلت: نعم، قال: فإذا أَتَيْنَا البَصْرَةَ فآتِنِي بِهِمْ، فَأَتَيْتُهُ بِصَالِحِ بن مُسَرِّحٍ وَبِأَبِي بِلالٍ وَنَجْدَةَ وَنَافِعِ بن الأَزْرَقِ وَهُمْ في نَفْسِي يَوْمَئِذٍ من أَفَاضِلِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُنِي عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم، فقال جُنْدُبٌ: قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: مَثَلُ الْعَالِمِ الذي يُعَلِّمُ الناس الخَيْرَ ويَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ ويُحْرِقُ نَفْسَهُ. وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: لا يَحُولَنَّ بَيْنِ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وهو يَنْظُرُ إلى أَبْوَابِهَا مِلْءُ كَفٍّ من دَمِ مُسْلِمٍ أَهْرَاقَهُ ظُلْمًا. قال: فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ فَذَكَرُوا الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو سَاكِتٌ يَسْتَمِعُ منهم، ثُمَّ قال: لم أَرَ كَالْيَوْمِ قَطُّ قَوْمًا أَحَقَّ بِالنَّجَاةِ إن كَانُوا صَادِقِينَ».

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/231): "رواه الطبراني من طريقين في إحداهما ليث بن أبي سليم وهو مدلس، وفي الأخرى علي بن سليمان الكلبي, ولم أعرفه، وبقية رجالهما ثقات".

قلت: حديث ليث بن أبي سليم فيه نكارة: "لا يَغُرَّنَّكَ هَؤُلَاءِ إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ الْيَوْمَ ويَتَجَالَدُونَ بِالسُّيُوفِ غَدًا!! وليث ضعيف.

وأما علي بن سليمان فهو لا بأس به، له ترجمة عند ابن عساكر، ومشّاه بعض أهل العلم. وحديثه هذا لا علاقة له بحديث الخوارج.

وقد أعلّه أبو حاتم الرازي كما في «علل الحديث» (2/125) قال: "لا يشبه هذا الحديث حديث الأعمش؛ لأن الاعمش لم يرو عن أبي تميمة شيئاً، وهو بأبي إسحاق أشبه".

قلت: الحديث أشبه بالموقوف، والظاهر أن علي بن سسليمان أخطأ فيه فرفعه، فقد رواه أحمد في «الزهد» (1/182) من طريق عوف، عن أبي المنهال، قال: حدثني صفوان بن محرز، قال: نزل عليّ جندب البجلي فسمعته يقول: «مثل الذي يعظ الناس وينسى نفسه كمثل المصباح يضيء لغيره ويحرق نفسه».

ثم رواه (1/202) من طريق الجريري عن أبي السوار: أنهم أتوا جندباً في قرّاء أهل البصرة، فقال: «أرى هدياً حسناً وسمتاً حسناً، فإياكم وهذه الأهواء، ثم قال: مثل الذي يعلم الناس ولا يعمل كمثال السراج يضيء للناس ويحرق نفسه».

وأما الحديث المرفوع الذي حدثهم به فهو ما رواه الإمام مسلم في «صحيحه» (1/97) من طريق مُعْتَمِر، قال: سمعت أبي يُحدِّث: أَنَّ خَالِدًا الْأَثْبَجَ ابن أَخِي صَفْوَانَ ابن مُحْرِزٍ حَدَّثَ عن صَفْوَانَ بن مُحْرِزٍ: أَنَّهُ حَدَّثَ: «أَنَّ جُنْدَبَ بن عبداللَّهِ البَجَلِيَّ بَعَثَ إلى عَسْعَسِ بن سَلَامَةَ زَمَنَ فِتْنَةِ ابن الزُّبَيْرِ، فقال: اجْمَعْ لي نَفَرًا من إِخْوَانِكَ حتى أُحَدِّثَهُمْ، فَبَعَثَ رَسُولًا إِلَيْهِمْ، فلما اجْتَمَعُوا جاء جُنْدَبٌ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ أَصْفَرُ، فقال: تَحَدَّثُوا بِمَا كُنْتُمْ تَحَدَّثُونَ بِهِ حتى دَارَ الْحَدِيثُ، فلما دَارَ الْحَدِيثُ إليه حَسَرَ الْبُرْنُسَ عن رَأْسِهِ، فقال: إني أَتَيْتُكُمْ ولا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عن نَبِيِّكُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا من الْمُسْلِمِينَ إلى قَوْمٍ من الْمُشْرِكِينَ، وأنهم الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ من الْمُشْرِكِينَ إذا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إلى رَجُلٍ من الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ له فَقَتَلَهُ، وَإِنَّ رَجُلًا من الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ، قال: وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بن زَيْدٍ فلما رَفَعَ عليه السَّيْفَ، قال: لا إِلَهَ إلا الله، فَقَتَلَهُ... الحديث».

22- حديث أبي هريرة (ت 57هـ):

رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/276) عن أحمد بن يحيى الحلواني، عن سعيد بن سليمان الضبيّ الواسطي، عن خَلَفِ بنِ خَلِيفَةَ، قالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ يَزِيدَ الهُنَائِيُّ، قالَ: كُنْتُ مَعَ الْفَرَزْدَقِ فِي السِّجْنِ، فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ: لا أَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ يَدَيْ مَالِكِ ابنِ المُنْذِرِ بنِ الجَارُودِ إِنْ لَمْ أَكُنِ انْطَلَقْتُ أَمْشِي بِمَكَّةَ، فَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، فَسَأَلْتُهُمَا، فَقُلْتُ: إِنِّي مِنْ أَهْلِ المَشْرِقِ، وَإِنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ عَلَيْنَا، فَيَقْتُلُونَ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَأْمَنُ مَنْ سِوَاهُمْ، فَقَالَا لِي، وَإِلَّا فَلَا نَجَّانِي اللَّهُ مِنْ مَالِكِ بنِ المُنْذِرِ: سَمِعْنَا خَلِيلَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَتْلَهُمْ فَلَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ أَوْ شَهِيدَيْنِ، وَمَنْ قَتَلُوهُ فَلَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ».

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الْحَدِيثَ عَنِ الفَرَزْدَقِ الشَّاعِرِ إِلَّا يَحْيَى بنُ يَزِيدَ، تَفَرَّدَ بِهِ: خَلَفُ بنُ خَلِيفَةَ".

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/234): "رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات".

قال ابن حجر في «فتح الباري» (12/302): "سنده جيد".

قلت: هذا حديث منكر! يحيى بن يزيد الهنائي ليس بذاك!

قال أبو حاتم الرازي: "شيخ".

وقال الذهبي: "صويلح".

وقال ابن حجر: "مقبول" – يعني عند المتابعة، ولم يُتابع عليه.

وخلف بن خليفة اختلط ودخل عليه أحمد فوجده كبيراً ولم يفهم عليه بسبب تغيره!

وقال ابن عدي: "ولا أبرئه من أن يخطىء في الأحايين في بعض رواياته". وروى له مسلم ثلاث روايات في الشواهد.

وقد روى جماعة من الثقات حديث الخوارج عن أبي سعيد بغير هذا اللفظ كما تقدم في حديثه.

23- حديث حذيفة بن اليمان (ت 36هـ):

روى الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (8/198) من طريق حفص بن غياث، عن الأعمش قال: سمعت أبا عمار، عن حذيفة يقول لنا: «يكون أقوام يقرؤون القرآن يقيمونه إقامة القدح لا يدعون منه ألفاً ولا واواً، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم».

وهذا الحديث أورده الخطيب في ترجمة «حفص بن غياث» وهو يُبيّن من تكلّم في حفظه.

قال الحسين بن إدريس الأنصاري عن داود بن رشيد قال: "حفص بن غياث كثير الغلط".

وقال الحسين: قال محمد بن عبدالله بن عمار الموصلي: كان حفص بن غياث من المحدِّثين، فذكرت له أنه ذُكر لي أن حفص بن غياث كثير الغلط! فقال: لا، ولكن كان لا يحفظ حسناً، ولكن كان إذا حفظ الحديث فكان أي يقوم به حسناً. قال: وكان لا يرد على أحد حرفاً، يقول: "لو كان قلبك فيه لفهمته".

قال ابن عمار: "وكان عسراً في الحديث جداً، ولقد استفهمه إنسان حرفاً في الحديث، فقال: والله لا سمعتها مني وأنا أعرفك". قال: وقلت له: ما لكم حديثكم عن الأعمش: إنما هو عن فلان عن فلان ليس فيه حدثنا ولا سمعت؟! قال: فقال: حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا عمار عن حذيفة يقول: «ليأتين أقوام يقرؤون القرآن يقيمونه إقامة القدح لا يدعون منه ألفا ولا واوا لا يجاوز إيمانهم حناجرهم». قال: وذكر حديثاً آخر مثله.

قال: "وكان عامة حديث الأعمش عند حفص بن غياث على الخبر والسماع".

قال ابن عمار: "وكان بشر الحافي إذا جاء إلى حفص بن غياث وإلى أبي معاوية اعتزل ناحية ولا يسمع منهما! فقلت له: فقال: حفص هو قاض، وأبو معاوية مرجىء يدعو إليه، وليس بيني وبينهم عمل".

قلت: هذا الحديث لا يُعرف من حديث الأعمش ولا من حديث حذيفة! وكأن حفص بن غياث أخطأ فيه! وهو معروف من حديث محمد بن المنكدر. واختلف عليه، فروي موصولاً ومرسلاً.

رواه أحمد في «مسنده» (3/357)، وأبو يعلى في «مسنده» (4/140) من طريق أسامة بن زيد الليثيّ، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوم يقرؤون القرآن في المسجد، فقال: «اقرؤوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه».

وتابعه حميد الأعرج على وصله. رواه أحمد في «مسنده» (3/397) من طريق خالد بن عبدالله عن حميد عن ابن المنكدر عن جابر.

ورواه عبدالرزاق في «المصنف» (3/382) عن ابن عيينة، عن محمد بن المنكدر، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم يقرؤن القرآن فقال: «اقرؤوا فكل كتاب لله قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح ويتعجلونه ولا يتأجلونه».

وتابعه سفيان الثوري على إرساله. رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (2641) من طريق محمد بن يوسف الفريابي، قال: ذكر سفيان عن محمد بن المنكدر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيجيء قوم يقرؤون القرآن يقيمونه إقامة القدح يتعجلون أجره ولا يتأجلونه».

والمرسل أصح عندي؛ لأن من أرسله من كبار الثقات بخلاف من وصله فهم دون السفيانين.

ورواه موسى بن عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ عن أَخِيهِ عبداللَّهِ بن عُبَيْدَةَ، عن سَهْلِ بن سَعْدٍ، قال: «خَرَجَ عَلَيْنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُقْرِئُهُ بَعْضُنَا بَعْضًا فقال الْحَمْدُ لِلَّهِ كِتَابُ اللَّهِ وَاحِدٌ فِيكُمُ الأَسْوَدُ وَالأَحْمَرُ اقْرَأُوا الْقُرْآنَ اقْرَأُوا الْقُرْآنَ اقْرَأُوا الْقُرْآنَ قبل أَنْ يَأْتِيَ أَقْوَامٌ يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ يُقِيمُونَ حُرُوفَهُ كما يُقَامُ السَّهْمُ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَتَعَجَّلُونَ أَجْرَهُ وَلا يَتَأَجَّلُونَهُ».

قلت: عبدالله بن عبيدة ليس بشيء. وقد أورد ابن عدي هذا الحديث في منكراته في ترجمته من «الكامل» (4/131) وقال: "ولعبدالله بن عبيدة غير ما ذكرت من أحاديث، ولا أعلم يروي عنه إلا أخوه موسى بن عبيدة، وجميعاً يتبين على حديثهما الضعف".

24- حديث سلمان الفارسي (ت 33هـ):

ذكر ابن كثير في «البداية والنهاية» (7/313) قال: قالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، قال: حدثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلَالٍ قالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَوْمٍ فَقَالَ: لِمَنْ هذِهِ الخِبَاءُ؟ قَالُوا: لِسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قالَ أَفَلَا تَنْطَلِقُونَ مَعِي فَيُحَدِّثَنَا وَنَسْمَعَ مِنْهُ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ: يا أبا عبدالله لو أدنيت خباك وَكُنْتَ مِنَّا قَرِيبًا فَحَدَّثْتَنَا وَسَمِعْنَا مِنْكَ؟ فَقَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ.

قَالَ سَلْمَانُ: قدْ بَلَغَنِي عَنْكَ مَعْرُوفٌ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخِفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَتُقَاتِلُ العَدُوَّ، وَتَخْدِمُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَخْطَأَتْكَ وَاحِدَةٌ أَنْ تَكُونَ مِنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قالُوا: فَوُجِدَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَتِيلًا فِي أَصْحَابِ النَّهْرَوَانِ».

قلت: هذه قصة منكرة! والهيثم بن عدي متفق على تركه، وهو متّهم بالكذب.

قال ابن حبان: "وكان من علماء الناس بالسير وأيام الناس وأخبار العرب إلا أنه روى عن الثقات أشياء كأنها موضوعة يسبق إلى القلب أنه كان يدلسها، فالتزق تلك المعضلات به، ووجب مجانبة حديثه، على علمه بالتاريخ ومعرفته بالرجال، ولكن صناعة الحديث صناعة من لم يقنع بيسير ما سمع عن كثير ما فاته لم يعلم فيها، وإن لم يقل حديثه على الأيام لبالحري أن لا يستحليه الأنام، وكلّ من حدّث عن كلّ من سمع في الأيام وبكل ما عنده عرض نفسه للقدح والملام، ولست أعلم للمحدث إذا لم يحسن صناعة الحديث خصلة خيراً له من أن ينظر إلى كل حديث يقال له: إن هذا غريب ليس عند غيرك أن يضرب عليه من كتابه ولا يحدث به لئلا يكون ممن يتفرد دائما لو أراد الحاسد أن يقدح فيه تهيأ له، ولا يسعه أن يروي إلا عن شيخ ثقة بحديث صحيح يكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل العدل من العدل موصولاً".

25- حديث عمرو بن أخطب أبي زيد الأنصاريّ:

رواه ابن أبي عاصم في كتاب «السنة» (2/458) برقم (941) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ، قال: حدثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، فَمَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ».

قلت: تفرد به سعيد وهو ابن بشير، وهو ضعيف، ينفرد عن قتادة بالمناكير!!

26- حديث أبي أمامة (ت 86هـ):

رواه أبو غَالِبٍ حزوّر قال: «كنت بِدِمَشْقَ زَمَنَ عبد الْمَلِكِ فَأُتِيَ برُؤوسِ الْخَوَارِجِ فَنُصِبَتْ على أَعْوَادٍ، فَجِئْتُ لأَنْظُرَ هل فيها أَحَدٌ أَعْرِفُهُ فإذا أبو أُمَامَةَ عِنْدَهَا فَدَنَوْتُ منه فَنَظَرْتُ إلى الأَعْوَادِ، فقال: كِلابُ النَّارِ - ثَلاثَ مَرَّاتٍ - شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَمَنْ قَتَلُوهُ خَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ قَالَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ استبكى، فقلت: يا أَبَا أُمَامَةَ، ما يُبْكِيكَ كَانُوا على دِينِنَا، ثُمَّ ذَكَرْتُ ما هُمْ صَائِرُونَ إليه غَدًا، فقلت له شيئا تَقُولُهُ بِرَأْيِكَ أَمْ شيئا سَمِعْتَهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم؟ فقال إني لو لم أَسْمَعْهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إِلا مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ أو ثَلاثًا إلى السَّبْعِ ما حدثتكموه، أَمَا تَقْرَأُ هذه الآيَةَ في آلِ عِمْرَانَ {يوم تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} إلى آخِرِ الآيَةِ {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فيها خَالِدُونَ}، ثُمَّ قال: اخْتَلَفَتِ الْيَهُودُ على إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً سَبْعِينَ مِنَ النَّارِ وَوَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ، واختلفت النَّصَارَى على اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً إِحْدَى وَسَبْعُونَ فِرْقَةً في النَّارِ وَوَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ، وَتَخْتَلِفُ هذه الأُمَّةُ على ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ في النَّارِ وَوَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ، فَقُلْنَا انْعَتْهُمْ لنا؟ قال: السَّوَادُ الأَعْظَم».

قلت: هذا حديث منكر!

وقد فصّلت القول فيه في بحثي: كَشفُ الأَستار عن حديث «الخَوارِج كِلَاب النَّار».

27- حديث عبدالله بن أبي أوفى (ت 87هـ):

رواه سَعِيدُ بن جُمْهَانَ، قال: «أَتَيْتُ عَبْدَاللَّهِ بن أبي أَوْفَى وهو مَحْجُوبُ الْبَصَرِ فَسَلَّمْتُ عليه، قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سَعِيدُ بن جُمْهَانَ، قال: فما فَعَلَ وَالِدُكَ؟ قال: قلت، قَتَلَتْهُ الأَزَارِقَةُ. قال: لَعَنَ الله الأَزَارِقَةُ، لَعَنَ الله الأَزَارِقَةُ، حدثنا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنهم كِلاَبُ النَّارِ، قال: قلت، الأزارقة وَحْدَهُمْ أَمِ الخَوَارِجُ كُلُّهَا؟ قال: بل الْخَوَارِجُ كُلُّهَا. قال: قلت، فإن السُّلْطَانَ يَظْلِمُ الناس وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قال: فَتَنَاوَلَ يدي فَغَمَزَهَا بيده غَمْزَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قال: وَيْحَكَ يا ابن جُمْهَانَ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ إن كان السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ فَائْتِهِ في بَيْتِهِ فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فإن قَبِلَ مِنْكَ وَإِلاَّ فَدَعْهُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ منه».

قلت: هذا حديث منكر!

وقد فصّلت القول فيه في بحثي: كَشفُ الأَستار عن حديث «الخَوارِج كِلَاب النَّار».

28- حديث رجلً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم:

ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/230) قال: وعن الحسن بن أبي الحسن البصري: إن الصريم لقي عبدالله بن خباب بالبدار - قرية بالبصرة - وهو متوجه إلى علي بالكوفة معه امرأته وولده وجاريته، فقال: هذا رجل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم نسأله عن حالنا وأمرنا ومخرجنا، فقالوا: بلى، فانصرفوا إليه، فقالوا: ألا تخبرنا: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا شيئاً؟ فقال: أما فيكم بأعيانكم فلا، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون بعدي قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدِّين، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم على فوقه، طوبى لمن قتلهم، وطوبى لمن قتلوه، شر قتلى أظلتهم السماء، وأقلتهم الأرض، كلاب النار».

قال الهيثمي: "رواه الطبراني، وفيه: محمد بن عمر الكلاعي، وهو ضعيف".

قلت: بل هو منكر الحديث جداً!

قال ابن عدي في «الكامل» (6/209): "محمد بن عمر بن صالح الكلاعي، من أهل حماة قرية من قرى حمص: منكر الحديث عن ثقات الناس".

وقال ابن حبان في كتاب «المجروحين» (2/291): "محمد بن عمر الكلاعي: شيخ يروي عن أهل البصرة: منكر الحديث جداً. روى عنه سويد بن سعيد الأنباري. استحق ترك الاحتجاج بحديثه إذا انفرد، وهو الذي يروي عن الحسن وقتادة عن أنس بن مالك قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم عليه، فقال: يا رسول الله، أيمنع سوادي ودمامتي من دخول الجنة...".

·       الخلاصة من هذه الروايات:

1- وجدت لحديث الخوارج ثمانية وعشرين رواية. والذين رُوي عنهم الحديث من الصحابة هم:

عليّ بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعبدالله بن مسعود، وأبو ذر، ورافع بن عمرو الغفاري، وسهل بن حُنيف، وأنس بن مالك، وأبو بَكْرة، وأبو برزة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وعقبة بن عامر، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وطلق بن عليّ، وعبدالرحمن بن عُديس، وعمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن واثلة، وعائشة، وجندب البجلي، وأبو هريرة، وحذيفة، وسلمان الفارسي، وأبو زيد الأنصاري، وأبو أمامة، وعبدالله بن أبي أوفى، ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

1-   قد صح الحديث من ثمانية طرق فقط، وبقيتها لا تصح.

3- حديث عليّ هو أشهر هذه الروايات، وذلك لأنهم قد ظهروا في زمنه وهو الذي قاتلهم. وقد روي عنه الحديث من أربعين طريقاً. صحّ عن أكثر من نصفهم، ومعظمهم شهد معه قتال الخوارج، وهناك سبعة عشر رواية في ألفاظها بعض النكارة أو أنها لا تصح، وهي رواية كليب، وأبي مريم، وأبي وضيء، وأبي جعفر مولى عليّ، وزِرّ بن حُبيش، وأبي المؤمن، وأبي سليمان المرعشي، وأبي خليفة الطائي، وجُوين العبدي، وعبدالله بن حنين، وعُمير أبي كبير، وزبان بن صبرة، ورافع بن سلمة، وخُليد العصري، وأبي الأحوص الجُشمي، وجابر أبي خالد، وحكيم بن سعد.

وحديث عليّ هو عمدة هذه الأحاديث، وألفاظه التي صحت هي المعتمدة.

4- ثم يأتي بعده في الشهرة حديث أبي سعيد الخدري، وكان ممن قاتلهم مع عليّ. وقد رواه عن أبي سعيد أحد عشر راوياً: من التابعين: أبو سلمة بن عبدالرحمن، والضّحاك المِشْرَقيّ الهمدانيّ، وأبو نَضرة، وعبدالرحمن بن أبي نَعْم البجلي، وعطاء بن يَسار، ومَعبد بن سيرين، ومحمد بن سيرين، شَدَّادُ بنُ عِمْرَانَ القيسيّ، وقتادة بن دعامة السدوسي، وعاصم بن شُميخ، وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة، ويزيد الفقير، وأبو الصديق النّاجي. ومن الصحابة: عبدالله بن الزبير بن العوام.

وقد صح عن أبي سلمة والضحاك وأبي نضرة وابن أبي نعم وعطاء ومعبد، مع نكارة بعض الالفاظ في بعض الروايات. ولم يصح عن محمد بن سيرين وشداد وقتادة وعاصم وعبيدالله ويزيد وأبي الصديق الناجي وعبدالله بن الزبير.

5- وصح الحديث مختصراً عن ابن مسعود وسهل بن حنيف وأنس بن مالك وجابر وعقبة بن عامر.

6- وحديث أبي ذر ورافع بن عمرو رواه مسلم في الشواهد وفي لفظه بعض النكارة!

7- وحديث أبي بكرة حصل فيه خلط بينه وبين آخر في الفتن! وكذا حديث أبي برزة.

8- وأما بقية الأحاديث فضعيفة ومنكرة وهي ما جاء من حديث: ابن عمر، وابن عباس، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وطلق بن عليّ، وعبدالرحمن بن عديس، وعمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن واثلة، وعائشة، وجندب البجلي، وأبو هريرة، وحذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي، وأبي زيد الأنصاري، وأبي أمامة، وعبدالله بن أبي أوفى، ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

9- كانت وقعة النهروان بين عليّ رضي الله عنه والخوارج في شعبان سنة ثمان وثلاثين، وقتل أكثر أصحاب عبدالله بن وهب الراسبي رأس الخوارج – منهم: زيد بن حصن الطائي، وشريح بن أبي أوفى العبسي، وأبي بن قيس النخعي، وكانوا هم القراء من أصحاب علي قبل الحكمين-، وقتل من أصحاب عليّ اثنا عشر رجلأ، ويُقال كانت هذه الوقعة في العام القابل، أي سنة تسع وثلاثين.

10- قصة ذي الخويصرة حدثت مرة واحدة، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من ظهور تلك الفرقة وأوصافها قاله أمام جمع من الصحابة، وهذا الخبر قد تحقق زمن عليّ – رضي الله عنه- وانطبقت عليهم الأوصاف التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم، والخبر الذي يُخبر عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يتكرر، فهو يحدث مرة واحدة، ولهذا حرص عليّ على انطباق تلك الأوصاف على أؤلئك الذين قاتلهم.

ولهذا قال عبيدة السلماني: لما كان حيث أصيب أصحاب النهر، قال: قال علي، ابتغوا فيهم فإنهم إن كانوا هم القوم الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فيهم رجلا مخدج اليد.

وقال لما رآهم: "وإني لا أراهم إلا هؤلاء" - ثم نهض إليهم.

وقال أبو سَعِيدٍ الخدري: «فأَشْهَدُ أَنِّي سمعت هذا الحديث من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وأنا معه، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حتى نَظَرْتُ إليه على نَعْتِ النبي صلى الله عليه وسلم الذي نَعَتَهُ».

وتلك الأوصاف بعضها معنوي، وبعضها حسيّ.

·       أوصاف الخوارج كما ثبتت في روايات الحديث:

- «يَقُولُونَ الحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لا يَجُوزُ هذا منهم - وَأَشَارَ إلى حَلْقِهِ - من أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إليه».

- «يَقُولُونَ من خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ».

- «يقرأون القرآن، يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ».

- «يَخْرُجُونَ مِنَ الحَقِّ كما يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».

- «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَرْجِعُونَ فيه أَبَداً حتى يَرْجِعَ السَّهْمُ على فُوقِهِ».

- «يقرأون الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لهم وهو عليهم، لا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ».

- «ليس قِرَاءَتُكُمْ إلى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، ولا صَلَاتُكُمْ إلى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، ولا صِيَامُكُمْ إلى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ».

- «يَحْقِرُ أحدكم صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إلى نَصْلِهِ فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى رِصَافِهِ فما يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى نَضِيِّهِ - وهو قِدْحُهُ - فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى قُذَذِهِ فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، قد سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ».

·       الأوصاف الحسية:

- «منهم أَسْوَدُ إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْيُ شَاةٍ أو حَلَمَةُ ثَدْيٍ».

- «فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ أو مُودَنُ الْيَدِ أو مَثْدُونُ الْيَدِ».

- «وآيَةُ ذلك أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا له عَضُدٌ وَلَيْسَ له ذِرَاعٌ على رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ عليه شَعَرَاتٌ بِيضٌ».

- «آيَةَ ذلك أَنَّ فِيهِمْ رَجُلاً أَسْوَدَ مُخْدَجَ الْيَدِ أحد ثدييه كثدي المَرْأَةِ لها حَلَمَةٌ كَحَلَمَةِ ثدي المَرْأَةِ حَوْلَهُ سَبْعُ هُلْبَاتٍ».

- «آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أو مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ».

- «خارجة تَخْرُجُ من قِبَلِ المَشْرِقِ»، «يَخْرُجُ نَاسٌ من قِبَلِ الْمَشْرِقِ».

- «يَتِيهُ قَوْمٌ قِبَلَ المَشْرِقِ، مُحَلَّقَةٌ رؤوسهم».

- «ويَخْرُجُونَ على حِينِ فُرْقَةٍ من الناس».

- «سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ - أو قال: التَّسْبِيدُ».

·       الأوصاف المنكرة التي لم تثبت في الأحاديث:

- «طُوبَى لِمَنْ قَتْلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ».

- «هُمْ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، طُوبَى لِمَنْ قَتْلَهُمْ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ».

- «مَنْ قَتْلَهُمْ فَلَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ أَوْ شَهِيدَيْنِ، وَمَنْ قَتَلُوهُ فَلَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ».

- «كِلابُ النَّار.. شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَمَنْ قَتَلُوهُ خَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ»..

- «قتالهم حقّ على كلّ مسلم».

- «هُمْ شَرُّ الخَلْقِ أو من أَشَرِّ الخَلْقِ»، «هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ». - تفرد بها أبو نضرة عن أبي سعيد، ولا توجد عند بقية أصحاب أبي سعيد، ولا في الروايات الصحيحة عن عليّ.

- «هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والخلِيقَةِ».

- «حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ» - تفرد بها سويد بن غفلة عن عليّ دون أصحاب عليّ! ولا توجد في الروايات الصحيحة عن أبي سعيد الخدري وغيره من الصحابة!

- «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» - تفرد بها عبدالرحمن بن أبي نُعْمٍ وفيه بعض الكلام، ولم يرو هذا اللفظ أحد من أصحاب أبي سعيد!

- «كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ أَكْثَرَ من عِشْرِينَ مَرَّةً حتى يَخْرُجَ في عِرَاضِهِمْ الدَّجَّالُ».

- «طُوبَى لِمَنْ شَهِدَ هَلَكَتَهُمْ، لَوْ شَاءَ ابنُ أَبِي طَالِبٍ لَأَخَبَرَكُمْ خَبَرَهُمْ».

الأمر بقتالهم:

- «فأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فإن في قَتْلَهُمْ أجرا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يوم الْقِيَامَةِ».

- «لولا أن تبطروا لحدثتكم ما قضى الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لمن قتل هؤلاء».

- «لو يَعْلَمُ الجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ ما قُضِيَ لهم على لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم لاتكلوا عن العَمَلِ».

- وحثّهم عليّ على قتالهم فقال: "فتَذْهَبُونَ إلى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ في ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، والله إني لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قد سَفَكُوا الدَّمَ الحَرَامَ وَأَغَارُوا في سَرْحِ الناس، فَسِيرُوا على اسْمِ اللَّهِ".

11- أنه لم يصح أي حديث في قصة قتل الخوارج عبدالله بن خباب ونحره وبقر بطن أم ولده! والقصة منكرة جداً، وإنما قتلوه قتلة عادية لكن ليس بهذه الصورة التي جاءت في هذه الروايات المنكرة، والله أعلم.

12- من الصحابة الذين شهدوا مع عليّ حرب الخوارج: أبو أيوب الأنصاري (50هـ)، وأبو قتادة الأنصاري (54هـ)، وعبدالله بن عبّاس (67هـ)، والبراء بن عازب (72هـ)، وقيس بن سعد بن عبادة (60هـ)، وأبو سعيد الخدري (65 أو 74هـ)، وأبو برزة الأسلمي (65هـ)، والأشعث بن قيس (41هـ)، وعبدالله بن خباب بن الأرت - له رؤية - (38هـ)، وجُندب بن عبدالله البجلي (بعد 60هـ)، وعَدي بن حاتم (68هـ)، ويزيد بن نُويرة.

13- من التابعين الذي شهدوا مع عليّ حرب الخوارج: شقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي (98هـ)، وعبدالرحمن بن أبي ليلى (83هـ)، وعبد خير بن يزيد أبو عمارة، وعلقمة بن قيس النخعي (بعد 60 أو 70 هـ)، وعمرو بن سلمة بن الخرب الهمداني الكوفي (85هـ)، وحُجْر بن عَنْبَسٍ الحَضْرَمِيّ.

وسيتبع هذه الدراسة الحديثية إن شاء الله دراسة إسقاطية لهذه الأحاديث على الخوارج من بداية ظهورهم، ثم من جاء بعدهم على مر العصور، وأثر إسقاط هذه الأحاديث على الأمور السياسية.

·       نتائج وفوائد:

خلصت في هذا البحث - بحمد الله ومنّه وكرمه - إلى جملة من النتائج والفوائد، منها:

1- وجدت لحديث الخوارج ثمانية وعشرين رواية. والذين رُوي عنهم الحديث من الصحابة هم:

عليّ بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعبدالله بن مسعود، وأبو ذر، ورافع بن عمرو الغفاري، وسهل بن حُنيف، وأنس بن مالك، وأبو بَكْرة، وأبو برزة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وعقبة بن عامر، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وطلق بن عليّ، وعبدالرحمن بن عُديس، وعمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن واثلة، وعائشة، وجندب البجلي، وأبو هريرة، وحذيفة، وسلمان الفارسي، وأبو زيد الأنصاري، وأبو أمامة، وعبدالله بن أبي أوفى، ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

2-   قد صح الحديث من ثمانية طرق فقط، وبقيتها لا تصح.

3- حديث عليّ هو أشهر هذه الروايات، وذلك لأنهم قد ظهروا في زمنه وهو الذي قاتلهم. وقد روي عنه الحديث من أربعين طريقاً. صحّ عن أكثر من نصفهم، ومعظمهم شهد معه قتال الخوارج، وهناك سبعة عشر رواية في ألفاظها بعض النكارة أو أنها لا تصح، وهي رواية كليب، وأبي مريم، وأبي وضيء، وأبي جعفر مولى عليّ، وزِرّ بن حُبيش، وأبي المؤمن، وأبي سليمان المرعشي، وأبي خليفة الطائي، وجُوين العبدي، وعبدالله بن حنين، وعُمير أبي كبير، وزبان بن صبرة، ورافع بن سلمة، وخُليد العصري، وأبي الأحوص الجُشمي، وجابر أبي خالد، وحكيم بن سعد.

وحديث عليّ هو عمدة هذه الأحاديث، وألفاظه التي صحت هي المعتمدة.

4- ثم يأتي بعده في الشهرة حديث أبي سعيد الخدري، وكان ممن قاتلهم مع عليّ. وقد رواه عن أبي سعيد أحد عشر راوياً: من التابعين: أبو سلمة بن عبدالرحمن، والضّحاك المِشْرَقيّ الهمدانيّ، وأبو نَضرة، وعبدالرحمن بن أبي نَعْم البجلي، وعطاء بن يَسار، ومَعبد بن سيرين، ومحمد بن سيرين، شَدَّادُ بنُ عِمْرَانَ القيسيّ، وقتادة بن دعامة السدوسي، وعاصم بن شُميخ، وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة، ويزيد الفقير، وأبو الصديق النّاجي. ومن الصحابة: عبدالله بن الزبير بن العوام.

وقد صح عن أبي سلمة والضحاك وأبي نضرة وابن أبي نعم وعطاء ومعبد، مع نكارة بعض الالفاظ في بعض الروايات. ولم يصح عن محمد بن سيرين وشداد وقتادة وعاصم وعبيدالله ويزيد وأبي الصديق الناجي وعبدالله بن الزبير.

5- وصح الحديث مختصراً عن ابن مسعود وسهل بن حنيف وأنس بن مالك وجابر وعقبة بن عامر.

6- وحديث أبي ذر ورافع بن عمرو رواه مسلم في الشواهد وفي لفظه بعض النكارة!

7- وحديث أبي بكرة حصل فيه خلط بينه وبين آخر في الفتن! وكذا حديث أبي برزة.

8- وأما بقية الأحاديث فضعيفة ومنكرة وهي ما جاء من حديث: ابن عمر، وابن عباس، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وطلق بن عليّ، وعبدالرحمن بن عديس، وعمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن واثلة، وعائشة، وجندب البجلي، وأبو هريرة، وحذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي، وأبي زيد الأنصاري، وأبي أمامة، وعبدالله بن أبي أوفى، ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

9- كانت وقعة النهروان بين عليّ رضي الله عنه والخوارج في شعبان سنة ثمان وثلاثين، وقتل أكثر أصحاب عبدالله بن وهب الراسبي رأس الخوارج – منهم: زيد بن حصن الطائي، وشريح بن أبي أوفى العبسي، وأبي بن قيس النخعي، وكانوا هم القراء من أصحاب علي قبل الحكمين-، وقتل من أصحاب عليّ اثنا عشر رجلأ، ويُقال كانت هذه الوقعة في العام القابل، أي سنة تسع وثلاثين.

10- قصة ذي الخويصرة حدثت مرة واحدة، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من ظهور تلك الفرقة وأوصافها قاله أمام جمع من الصحابة، وهذا الخبر قد تحقق زمن عليّ – رضي الله عنه- وانطبقت عليهم الأوصاف التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم، والخبر الذي يُخبر عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يتكرر، فهو يحدث مرة واحدة، ولهذا حرص عليّ على انطباق تلك الأوصاف على أؤلئك الذين قاتلهم.

ولهذا قال عبيدة السلماني: لما كان حيث أصيب أصحاب النهر، قال: قال علي، ابتغوا فيهم فإنهم إن كانوا هم القوم الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فيهم رجلا مخدج اليد.

وقال لما رآهم: "وإني لا أراهم إلا هؤلاء" - ثم نهض إليهم.

وقال أبو سَعِيدٍ الخدري: «فأَشْهَدُ أَنِّي سمعت هذا الحديث من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وأنا معه، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حتى نَظَرْتُ إليه على نَعْتِ النبي صلى الله عليه وسلم الذي نَعَتَهُ».

وتلك الأوصاف بعضها معنوي، وبعضها حسيّ.

·       أوصاف الخوارج كما ثبتت في روايات الحديث:

- «يَقُولُونَ الحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لا يَجُوزُ هذا منهم - وَأَشَارَ إلى حَلْقِهِ - من أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إليه».

- «يَقُولُونَ من خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ».

- «يقرأون القرآن، يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ».

- «يَخْرُجُونَ مِنَ الحَقِّ كما يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».

- «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَرْجِعُونَ فيه أَبَداً حتى يَرْجِعَ السَّهْمُ على فُوقِهِ».

- «يقرأون الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لهم وهو عليهم، لا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ».

- «ليس قِرَاءَتُكُمْ إلى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، ولا صَلَاتُكُمْ إلى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، ولا صِيَامُكُمْ إلى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ».

- «يَحْقِرُ أحدكم صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إلى نَصْلِهِ فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى رِصَافِهِ فما يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى نَضِيِّهِ - وهو قِدْحُهُ - فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى قُذَذِهِ فلا يُوجَدُ فيه شَيْءٌ، قد سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ».

·       الأوصاف الحسية:

- «منهم أَسْوَدُ إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْيُ شَاةٍ أو حَلَمَةُ ثَدْيٍ».

- «فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ أو مُودَنُ الْيَدِ أو مَثْدُونُ الْيَدِ».

- «وآيَةُ ذلك أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا له عَضُدٌ وَلَيْسَ له ذِرَاعٌ على رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ عليه شَعَرَاتٌ بِيضٌ».

- «آيَةَ ذلك أَنَّ فِيهِمْ رَجُلاً أَسْوَدَ مُخْدَجَ الْيَدِ أحد ثدييه كثدي المَرْأَةِ لها حَلَمَةٌ كَحَلَمَةِ ثدي المَرْأَةِ حَوْلَهُ سَبْعُ هُلْبَاتٍ».

- «آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أو مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ».

- «خارجة تَخْرُجُ من قِبَلِ المَشْرِقِ»، «يَخْرُجُ نَاسٌ من قِبَلِ الْمَشْرِقِ».

- «يَتِيهُ قَوْمٌ قِبَلَ المَشْرِقِ، مُحَلَّقَةٌ رؤوسهم».

- «ويَخْرُجُونَ على حِينِ فُرْقَةٍ من الناس».

- «سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ - أو قال: التَّسْبِيدُ».

·       الأوصاف المنكرة التي لم تثبت في الأحاديث:

- «طُوبَى لِمَنْ قَتْلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ».

- «هُمْ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، طُوبَى لِمَنْ قَتْلَهُمْ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ».

- «مَنْ قَتْلَهُمْ فَلَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ أَوْ شَهِيدَيْنِ، وَمَنْ قَتَلُوهُ فَلَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ».

- «كِلابُ النَّار.. شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَمَنْ قَتَلُوهُ خَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ»..

- «قتالهم حقّ على كلّ مسلم».

- «هُمْ شَرُّ الخَلْقِ أو من أَشَرِّ الخَلْقِ»، «هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ». - تفرد بها أبو نضرة عن أبي سعيد، ولا توجد عند بقية أصحاب أبي سعيد، ولا في الروايات الصحيحة عن عليّ.

- «هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والخلِيقَةِ».

- «حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ» - تفرد بها سويد بن غفلة عن عليّ دون أصحاب عليّ! ولا توجد في الروايات الصحيحة عن أبي سعيد الخدري وغيره من الصحابة!

- «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» - تفرد بها عبدالرحمن بن أبي نُعْمٍ وفيه بعض الكلام، ولم يرو هذا اللفظ أحد من أصحاب أبي سعيد!

- «كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ أَكْثَرَ من عِشْرِينَ مَرَّةً حتى يَخْرُجَ في عِرَاضِهِمْ الدَّجَّالُ».

- «طُوبَى لِمَنْ شَهِدَ هَلَكَتَهُمْ، لَوْ شَاءَ ابنُ أَبِي طَالِبٍ لَأَخَبَرَكُمْ خَبَرَهُمْ».

الأمر بقتالهم:

- «فأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فإن في قَتْلَهُمْ أجرا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يوم الْقِيَامَةِ».

- «لولا أن تبطروا لحدثتكم ما قضى الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لمن قتل هؤلاء».

- «لو يَعْلَمُ الجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ ما قُضِيَ لهم على لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم لاتكلوا عن العَمَلِ».

- وحثّهم عليّ على قتالهم فقال: "فتَذْهَبُونَ إلى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ في ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، والله إني لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قد سَفَكُوا الدَّمَ الحَرَامَ وَأَغَارُوا في سَرْحِ الناس، فَسِيرُوا على اسْمِ اللَّهِ".

11- أنه لم يصح أي حديث في قصة قتل الخوارج عبدالله بن خباب ونحره وبقر بطن أم ولده! والقصة منكرة جداً، وقد يكونوا قتلوه قتلة عادية لكن ليس بهذه الصورة التي جاءت في هذه الروايات المنكرة، والله أعلم.

12- أسماء بعض الصحابة الذين حضروا مع عليّ حرب الخوارج: أبو أيوب الأنصاري، وأبو قتادة الأنصاري، وعبدالله بن عبّاس، والبراء بن عازب، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبو سعيد الخدري، وأبو برزة الأسلمي، والأشعث بن قيس، وعبدالله بن خباب بن الأرت، وجندب بن عبدالله، وعَدي بن حاتم، ويزيد بن نُويرة.

13- أسماء بعض التابعين الذي حضروا مع علي حرب الخوارج: شقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي، وعبدالرحمن بن أبي ليلى، وعبد خير بن يزيد أبو عمارة، وعلقمة بن قيس النخعي، وعمرو بن سلمة بن الخرب الهمداني الكوفي، وحُجْر بن عَنْبَسٍ الحَضْرَمِيّ.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: د. خالد الحايك.

20 ذو القعدة 1438هـ.

شاركنا تعليقك