الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«تقويم الصِراط» في تحقيق حديث «ذَات أَنْوَاط»!

«تقويم الصِراط» في تحقيق حديث «ذَاتَ أَنْوَاط»!

 

حديث «ذات أنواط» من الأحاديث المشهورة الذي لا يخلو كتاب عقيدة منه، وقد بُني عليه بعض الأحكام الاعتقادية، ولا يزال موضوعه مُشكِلاً عند كثير من طلبة العلم.

وبعد التوقف فيه مدة طويلة فتح الله عزّ وجلّ عليّ بعلّة هذا الحديث استنباطاً من طريقة الإمام البخاري في كتابه العظيم «التاريخ الكبير».. وكذلك علة في متنه..

فجاء هذا البحث لتقويم الصراط – أي الطريق بالمعنى اللغوي- في هذا الحديث، وسميته: «تقويم الصِراط» في تحقيق حديث «ذَاتَ أَنْوَاط».

وسأقوم بتخريج الحديث أولاً، ثم بيان علته إن شاء الله تعالى.

·       تخريج الحديث:

رواه ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدِّيلِيِّ - أو: الدؤليّ-، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حُنَيْنٍ فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لِلْكُفَّارِ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يَنُوطُونَ سِلَاحَهُمْ بِسِدْرَةٍ، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] إِنَّكُمْ تَرْكَبُونَ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ».

أخرجه معمر بن راشد في "جامعه" كما رواه عنه عَبْدُالرَّزَّاقِ (11/369) (20763). وهو في تفسير عبدالرزاق (2/88) (931).

وأخرجه أحمد في "مسنده" (36/231) (21900) عن عَبْدِالرَّزَّاقِ، عن مَعْمَر.

وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى"، كتاب التفسير، باب: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكِفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} [الأعراف: 138]، (10/100) (11121) عن مُحَمَّد بن رَافِعٍ، عن عَبْدالرَّزَّاقِ.

وأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" (2/682) (1443) عن إِبْرَاهِيم بن سَعْدٍ.

وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/244) (3294) من طريق يَحْيَى الْحِمَّانِيّ، عن إِبْرَاهِيم بن سَعْدٍ.

وأخرجه الحُميدي في "مسنده" (2/98) (871)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/479) (37375) كلاهما عن سُفْيَان بن عُيينة.

وأخرجه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" (3/30) (1441) عن أبي بكر ابن أبي شيبة.

وأخرجه الترمذي في "جامعه"، كتاب الفتن، بَابُ مَا جَاءَ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، (4/45) (2180) عن سَعِيد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُومِيّ، عن سُفْيَان.

وأخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1/186) (329) من طريق الشَّافِعِيّ، عن سُفْيَانَ.

وأخرجه أحمد في "مسنده" (36/225) (21897)، ومحمد بن نصر المروزي في "السنة" (40)، والطبري في "تفسيره" (9/45-46) من طريق عُقَيْل بن خَالِدٍ.

وأخرجه أحمد في "مسنده" (36/232) (21902) عن إِسْحَاق بن سُلَيْمَانَ العبدي، عن مَالِك بن أَنَسٍ.

وأخرجه عبدالله بن مسلمة القعنبي في "زيادات الموطأ" كما في "إتحاف المهرة" و"التجريد" (ص265)، ومن طريق القعنبي أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/244) (3291)، وأخرجه محمد بن نصر المروزي في "السنة" (39) من طريق جويرية بن أسماء، كلاهما (القعنبي وجويرية) عن مالك بن أنس، بهذا الإسناد. وقال ابن عبدالبر: "ليس عند القعنبي في "الموطأ"، وهو عنده في "الزيادات"، وليس عند غيره، وقد رواه عن مالك: ابن وهب، والزبيري، وإبراهيم بن طهمان، وجويرية بن أسماء، وإسحاق بن سليمان".

وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"، ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنِ اتِّبَاعِ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، (15/94) (6702) من طريق ابن وَهْبٍ، عن يُونُس بن يزيد الأيليّ.

وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/244) (3293) من طريق يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ.

كلّهم (مَعمر، وإبراهيم بن سعد، وابن عيينة، وعُقيل بن خالد، ومالك، ويُونس، وابن إسحاق)، عن الزّهري، بهذا الإسناد، بنحوه.

وفي حديث إِبْرَاهِيم بن سَعْدٍ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُنَيْنٍ وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ فَمَرَرْنَا عَلَى شَجَرَةٍ يَضَعُ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ..».

وفي حديث مالك: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ..».

وفي حديث عُقيل بن خالد: «إِنَّهَا السُّنَنُ، لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّةً».

وفي حديث يُونس: «لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ، خَرَجَ بِنَا مَعَهُ قِبَلَ هَوَازِنَ، حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى سِدْرَةِ الْكُفَّارِ: سِدْرَةٌ يَعْكِفُونَ حَوْلَهَا، وَيَدْعُونَهَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ..».

قال الترمذي بعد روايته الحديث: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ... وَفِي البَاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ".

قلت: هذا الحديث لم يتعرّض له بتصحيح أو غيره إلا الترمذي، فإنه قال عنه: "حسنٌ صحيحٌ"، وظاهر إسناده الصحة، وسنؤخر الكلام عليه حتى نترجم للصحابي والتابعي.

·       ترجمة أبي واقدٍ:

هو: الحارث بن عوف، ويُقال: عوف بن الحارث، ويُقال: الحارث بن مالك بن أسيد بن جابر بن عبد مناة بن شجع بن عامر بن ليث بن بكر عبد مناة بن علي بن كنانة بن خزيمة الليثي.

له صحبة، روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما.

روى عنه: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو سعيد نافع بن سرجس، وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة، وأبو مرة مولى عقيل بن أبي طالب، ويقال مولى أم هانئ بنت أبي طالب، وسنان بن أبي سنان الدؤلي، وعطاء بن يسار، وعبدالله بن عبيد بن عمير، وبُسر بن سعيد، وقيل: إن أبا سعيد الخدري روى عنه.

شهد اليرموك والجابية، وقيل: إنه ولد في العام الذي ولد فيه ابن عباس كذلك.

·       اختلاف العلماء في شهوده بدراً!

وقد اختلفوا في شهوده بدراً:

فقال البخاري وابنُ حبان وأبو أحمد الحاكم والباوَرْديُّ: إنه شهد بدراً.

وقال ابن سعد: "أسلم قديماً، وكان يحمل لواء بني ليث، وضمرة، وسعد بن بكر يوم الفتح، وحنين، وفي غزوة تبوك يستنفِرُ بني ليث، وكان خرج إلى مكة، فجاور بها سنة فمات".

وقال ابن عبدالبر: قيل: "شهد بدراً"، ورَدَّه الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة"، فقال: "ليس بشيء".

وقال المزي: "في شهودِه بدراً نظرٌ".

وقال ابن حجر في "الإصابة": "لا يَثبُتُ".

وقد أنكر أبو نُعيم فيما نقله ابن حجر على مَن قال: إنه شهد بَدراً، وقال: "بل أسلم عامَ الفتح، أو قبلَ الفتح، وقد شهد على نفسه أنه كان بحُنين، وقال: ونحن حديثو عهدٍ بكُفْرٍ". وهو الحديث محل البحث.

قال أبو نُعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة" (2/758): "وقال القاضي أبو أحمد في "تاريخه": "شهد بدراً"، وأراه وهماً، والصحيح أنه أسلم عام الفتح؛ لأنه شهد على نفسه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم بحنين ونحن حديثو عهد بكفر، وليس لشهوده بدراً أصل".

قال ابن حجر في "الإصابة": "وقد نصّ الزّهريّ على أنه أسلم يوم الفتح، وأسند ذلك عن سنان بن أبي سنان الدئلي، أخرجه ابن منده بسند صحيح إلى الزهري".

ثم قال: "ومستند من قال: إنه شهد بدراً: ما أورده يونس بن بكير في مغازي ابن إسحاق عنه، عن أبيه، عن رجال من بني مازن، عن أبي واقد، قال: إني لأتبع رجلاً من المشركين يوم بدر لأضربه بسيفي فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أن غيري قد قتله.

ويعارض قول من قال إنه شهد بدراً ما ذكره الواقدي أنه مات سنة ثمان وستين، وله خمس وسبعون، فإنه يقتضي أنه ولد بعد وقعة بدر. وقيل: مات ابن خمس وسبعين سنة، فعلى هذا يكون في وقعة بدر ابن اثنتي عشرة سنة، وعلى هذا ينطبق قول أبي حسان الزيادي إنه ولد في السنة التي ولد فيها ابن عباس. ووافق أبو عمر على ما قال الواقدي، ثم قال: وقيل مات سنة خمس وثمانين، وبهذا الأخير جزم البغوي وآخرون. ونقل البخاري أنه مات في خلافة معاوية، وأخرج البخاري بسند حسنٍ عن إسحاق مولى محمد بن زياد أنه سمع أبا واقد يقول: رأيت الرجل من العدو يوم اليرموك يسقط فيموت. وأخرجه خليفة من هذا الوجه، فقال: إسحاق مولى زائدة، وزاد في آخره: حتى قلت في نفسي لو أن أضرب أحدهم بطرف ردائي مات.

قال ابن عساكر في إسناد ابن إسحاق: من لا يعرف. والصحيح ما قال الزهري، عن سنان. والقصة التي ذكرها ابن إسحاق إنما كانت لأبي واقد يوم اليرموك. كما تقدم."

قلت:

القصة التي رُويت يوم بدر من طريق أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني والدي إسحاق بن يسار: حدثني رجال من بني مازن عن أبي واقد الليثي قال: "إني لأتبع يوم بدر رجلاً من المشركين لأضربه فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أن غيري قد قتله".

قال ابن عساكر: "كذا في هذه الرواية وليست بمحفوظة، وفي إسنادها من يجهل، وإنما كان كذلك يوم اليرموك، وقد تقدم أنه أسلم يوم الفتح".

يقصد ما رواه ابن أبي خيثمة، عن سليمان بن داود الهاشمي، عن إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي: "أن أبا واقد الليثي أسلم يوم الفتح". [تاريخ دمشق: 67/277].

قلت: ما رواه الزهري هنا هو أصلاً مأخوذ من حديث ذات أنواط لأن فيه أنهم خرجوا لحنين بعد فتح مكة وكانوا حديثي عهد بجاهلية.

والقصة التي رواها ابن إسحاق وإن كان فيها "رجال من بني مازن" لم يسموا إلا أنها أقرب لأحداث غزوة بدر حيث رُويت بعض الأحاديث تؤيد قتال الملائكة في بدر.

وقصة اليرموك مختلفة قليلاً! وهي ما رواه محمد بن أبي نجيح: أخبرني إسحاق مولى زائدة: أخبرنا أبا واقد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره: أنه شهد اليرموك قال: "رأيت الرجل من العدو يسقط فيموت، فقلت في نفسي: لو أني أضرب أحدهم بطرف ردائي ظننت أنه سيموت".

ففي قصة بدر أنه كان يتبع الرجل فيهوي عليه بسيفه فيرى رأسه يسقط، يعني أن غيره سبقه إليه فقتله، وفي قصة اليرموك كان يرى الرجل من العدو يسقط وحده فيموت! ولم يأتنا في أي رواية في الكتب الحديثية أو كتب التاريخ أن هذا حصل يوم اليرموك وأن العدو كان يسقط وحده فيموت!!!

فالقصة ألصق ببدر لا باليرموك، والله أعلم.

·       تعليل أبي زُرعة لرواية ابن بُكير عن ابن إسحاق!

ثم تبيّن لي أن أبا زُرعة الرازي قد أعلّ رواية يونس بن بُكير عن ابن إسحاق وأن ذكر «أبي واقد» فيها خطأ!!

قال ابن أبي حاتم في "علل الحديث" (6/478): وسمعتُ أَبَا زُرْعَةَ وَذَكَرَ حَدِيثًا حدَّثنا بِهِ عَنْ محمَّد بن عبدالله بْنِ نُمَير، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكير، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسار؛ قَالَ: حدَّثني رجلٌ مِنْ بَنِي مازِن، عَنْ أَبِي واقِدٍ اللَّيثي؛ قَالَ: إِنِّي لأَتْبَعُ يَوْمَ بَدْر رَجُلا من المشركين لأضربَه فَوَقَعَ رأسُه قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي، فعرفتُ أنَّ غَيْرِي قَتَلَهُ.

فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: "هَذَا عِنْدِي خطأٌ؛ والصَّحيحُ مَا حدَّثنا يوسفُ بنُ بُهْلول، عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْضِ بَنِي مازِن، عَنْ أَبِي دَاوُدَ المازِني - وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا - قَالَ: إِنِّي لأتبعُ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ...".

قَالَ: وحدَّثنا عبدالرحيم بْنُ مُطَرِّف، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَزِيع، عَنْ محمَّد بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رجالٍ مِنْ بَنِي مازِنٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ المازِني.

قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: "الصَّحيحُ: «أَبِي دَاوُدَ المازِني»، وَالَّذِي قَالَ: «عَنْ أَبِي واقِد» فقد أخطأ".

ورواه أبو نُعيم في "معرفة الصحابة" (4/2013) (5061) من طريق مُحَمَّد بن سَلَمَةَ الْحَرَّانِيّ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي مَازِنٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيِّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا.

قلت: وأصحاب ابن إِسْحَاق يختلفون عَلَيْهِ كثيراً، لكن هؤلاء ثلاثة (ابن إدريس وابن بُزيع ومحمد بن سلمة) اتفقوا على ذكر «أبي داود»، وتفرد ابن بُكير بذكر «أبي واقد»، ولا شك أن رواية الجماعة أرجح.

وعلى هذه الرواية اعتمد أهل العلم في ذكر أبي داود المازني في شهوده بدراً.

قال خليفة بن خياط في "الطبقات" (ص: 161): "أبو داود المازني، اسمه عمير بن عامر بن مالك بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار. أمه نائلة بنت أبي عاصم بن إساف بن غزية بن عطية بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم، شهد بدرًا".

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/367): "أبو داود المازني، وقد كان شهد بدراً، روى محمد بن اسحاق عن أبيه عن رجل من بنى مازن عنه، فيما رواه محمد بن سلمة، ورواه يعقوب الزهري عن عمر بن نجيح عن محمد بن إسحاق عن أبيه عن حفص بن مازن عن أبي داود المازني".

وقال ابن قانعٍ في "معجم الصحابة" (2/217): "أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ عَمْرٌو وَقِيلَ: عُمَيْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ".

ثم ذكر (4/2013): "عَمْرُو بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ، شَهِدَ بَدْرًا، نَسَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ فِيمَا حَكَى عَنْهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: اسْمُهُ عُمَيْرٌ".

ثم ذكر (4/2085): "عُمَيْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولٍ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ، مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، شَهِدَ بَدْرًا".

وروى من طريق ابن لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، "فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ: عُمَيْرٌ، وَيُكَنَّى أَبَا دَاوُدَ، ابْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولٍ".

قلت: لم يذكر البخاري في كتابه «أبا داود» هذا! مع أنه ذكر ابنه «داود بن أبي داود» (3/230) فقال: "دَاوُد بْن أَبِي دَاوُد المازني وهو دَاوُد بْن عامر المازني الْأَنْصَارِيّ الْمَدَنِيّ".

وعليه فالرواية التي اعتمدها بعض أهل العلم على شهود أبي واقد بدراً فيها نظر! إلا أن يكون هناك ما يدلّ عندهم شهودها غير هذا الدليل، والقدماء على أنه أسلم قديماً، وإسلامه قديماً لا شك أنه يجعله يشهد تلك المعركة الأولى، والله أعلم.

وعلى فرض أننا لم نجد ما يدلّ على أنه شهد بدراً، فقد نقل أهل العلم أنه أسلم قديماً، ولم يذكر أنه أسلم يوم الفتح إلا أبو سنان صاحب هذا الحديث!

ومع كلّ هذا فالذي يظهر لي أن إسلامه كان قديماً، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدراً، وشهد الفتح، ثم رجع إلى مكة وجاور بها، ولهذا قال البخاري في "التاريخ الكبير" (2/258): "الحارث بْن عوف أَبُو واقد الليثي: مديني، شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

وقال ابن حبان في "الثقات" (3/72) – وتبعه ابن عبدالبر في "الاستيعاب" (4/1774)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (2/575)-: "عِدَادُهُ فِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ"، ويقول: "وَشَهِدَ الفَتْحَ، وَسَكَنَ مَكَّةَ".

ومال إلى شهوده بدراً ابن عبدالبر، فإنه قال في "الاستيعاب" (4/1774): "قيل: أنه شهد بدرًا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قديم الإسلام، وَكَانَ معه لواء بني ليث وضمرة وسعد بْن بكر يوم الفتح. وقيل: إنه من مسلمة الفتح. والأول أصح وأكثر"، يعني: أن الأصح والأكثر على أنه قديم الإسلام، وأنه شهد بدراً.

وقال ابن حبان في "مشاهير علماء الأمصار" (ص: 47): "كان ممن شهد بدراً، وتوفي بالمدينة سنة ثمان وستين وهو ابن سبعين سنة".

قلت: وهم ابن حبان في قوله إنه توفي بالمدينة، بل توفي بمكة كما سيأتي والخلاف في وفاته.

أخرج الحاكم في "المستدرك" (3/612) من طريق مُحَمَّد بن عُمَرَ الواقدي، قال: حدثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: "عُدْنَا اللَّيْثِيَّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَمَاتَ فَدَفَنَّاهُ بِمَكَّةَ فِي مَقْبَرَةِ الْمُهَاجِرِينَ بِفَخٍّ".

قال الواقدي: "وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مَقْبَرَةَ الْمُهَاجِرِينَ؛ لِأَنَّهُ دُفِنَ فِيهَا مَنْ مَاتَ مِمَّنْ كَانَ أَتَى الْمَدِينَةَ، ثُمَّ حَجَّ وَجَاوَرَ، فَمَاتَ بِمَكَّةَ فَكَانَ يُدْفَنُ فِي هَذِهِ الْمَقْبَرَةِ مِنْهُمْ أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ، وَعَبْدُ للَّهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمَا، وَمَاتَ أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً».

قال محمد بن سعد: "في الطبقة الثالثة من بني ليث ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة أبو واقد الليثي واسمه في رواية محمد بن عمر: الحارث بن مالك، وفي رواية هشام بن محمد بن السائب: الحارث بن عوف، وفي رواية غيرهما: عوف ابن الحارث بن أسيد بن جابر بن عويرة بن عبد مناة بن شجع بن عامر بن ليث. وأسلم أبو واقد قديماً، وكان يحمل لواء بني ليث وضمرة وسعد بن بكر يوم الفتح، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الخروج إلى تبوك إلى بني ليث يستنقذهم لغزو عدوهم، وقد روى أبو واقد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث وبقي بعده زماناً، ثم خرج إلى مكة فجاور بها سنة فمات" [تاريخ ابن عساكر: 67/274 – 275].

وقال سَعِيد بن كَثِيرِ بنِ عُفَيْرٍ: "أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَوْثَرَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ يَشْجُعَ بْنِ عَامِرٍ، وَكَانَ قَدِيمَ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ مَعَهُ لِوَاءُ بَنِي لَيْثٍ، وَضَمْرَةَ، وَسَعْدِ بْنِ بَكْرٍ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَبَقِيَ أَبُو وَاقِدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فَجَاوَرَ بِهَا سَنَةً وَمَاتَ بِهَا". [المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/611)]

·       تنبيه:

بعد أن ذكر الذهبي في "سيرأعلام النبلاء" (2/575) القصة التي ذكرها ابن إسحاق أنه شهد بدراً، ذكر أيضاً ما رواه الزهري عن سِنَانِ بنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤْلِيِّ: أَنَّ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ! ثم قال: "قُلْتُ: عَلَى هَذَا يَكُوْنُ أَبُو وَاقِدٍ صَحَابِيَّيْنِ".

وقال في "تاريخ الإسلام" (2/750): "قلت: فما يبعد أن يكون أبو واقد رجلين".

قلت: بل هذا بعيدٌ جداً!! فهما واحد اختلف في وقت إسلامه.

·       اختلاف العلماء في وفاته:

وقد اختُلِفَ في سنة وفاته وسِنِّه الذي توُفيَ فيه، وجمهور أهل العلم على أنه توفي سنة (68هـ).

وقد ذهب إلى هذا: إبراهيم بن المنذر الحزامي، وأحمد بن عبد الله بن عبدالرحيم، وأبو حسّان الزيادي، ويحيى بن بُكير، وابن نُمير، وأبو حفص الفلاس، وابن زَبْرٍ، والمدائني، والهيثم، وخليفة، وابن حبان، وغيرهم.

زاد الحزامي: "وهو ابن خمس وسبعين سنة".

وقال يحيى بن بكير والفلاس وابن حبان: "وسنّه سبعون سنة".

وقال الواقدي: "وهو ابن خمس وستين سنة"، ونقل عنه ابن سعد: "وهو ابن خمس وثمانين".

وقال المدائني: "مات وهو ابْن خمس وَسِتِّينَ سنة".

ونقلوا عن الوَاقِدِيّ أنه قال: "تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ".

وقال أبو نعيم الحافظ: "مات سنة خمس، وقيل ثمان وستين".

قلت: الظاهر أن معظم أهل العلم تتابعوا على أنه مات سنة (68هـ)، لكنهم اختلفوا في سنّه لما مات.

قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (12/270): "قلت: على قول يحيى بن بكير يكون ما قاله أبو حسان الزيادي موافقاً عليه، وأما قول الواقدي فيكون ولد بعد بدر بسنتين، وأما قول من قال: مات وهو ابن خمس وسبعين فهو قول غريب! والذي في كتاب ابن سعد عن الواقدي: وهو ابن خمس وثمانين سنة، وقد نقله كذلك عنه: ابن جرير والبغوي والكلاباذي وغيرهم".

وصحح ابن حجر في "التقريب" (ص682) أنه توفي سنة ثمان وستين وهو ابن خمس وثمانين.

وقال في "الإصابة" (7/371): "ويُعارض قول من قال إنه شهد بدراً ما ذكره الواقدي أنه مات سنة ثمان وستين، وله خمس وستون، فإنه يقتضي أنه ولد بعد وقعة بدر. وقيل: مات ابن خمس وسبعين سنة، فعلى هذا يكون في وقعة بدر ابن اثنتي عشرة سنة (!!)، وعلى هذا ينطبق قول أبي حسان الزيادي إنه ولد في السنة التي ولد فيها ابن عباس. ووافق أبو عمر على ما قال الواقدي، ثم قال: وقيل مات سنة خمس وثمانين، وبهذا الأخير جزم البغوي وآخرون. ونقل البخاري أنه مات في خلافة معاوية".

ورجّح ابن الأثير في "أسد الغابة" (1/628) أنه مات سنة ثمان وستين، وعمره خمس وسبعون سنة، وقال: "وكأن هذا أصح، لأنه إذا كان عمره سبعين سنة عَلَى قول من يجعله توفي سنة ثمان وستين يكون له في الهجرة سنتان، وفي حنين عشر سنين، فكيف يشهدها، وَإِذا كان له خمس وسبعون سنة يكون له في حنين خمس عشرة سنة، وهو أقرب، والله أعلم".

لكن البخاري يذهب مذهباً آخر! فإنه ذكره في "التاريخ الأوسط" في (ذكر من مَاتَ فِي سنة أَرْبَعِينَ إِلَى خسمين وَنَحْوهَا)، ثم قال (1/97): حَدثنَا أَبُو عَليّ اللَّيْثِيّ قَالَ: "مَاتَ أَبُو وَاقد الحَارِث بْن عَوْف اللَّيْثِيّ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة، وَكَانَ شهد صفّين مَعَ عَليّ رَضِي اللَّه عَنهُ".

قلت: كأنّ البخاري يرى أن وفاته كانت بين سنة (40) إلى (50هـ)، وعليه فيكون شهوده بدراً قويّ جداً؛ لأن إسلامه كان قديماً، وكأنه بسبب الاختلاف في وفاته اختلف أهل العلم في سنّه الذي توفي فيه!

واستلامه راية قومه في فتح مكة يدلّ على كِبر سنّه في ذلك الوقت وتقدمه عليهم أيضاً، وكأن هذا بسبب شهوده بدراً.

والخلاصة أنه أسلم قديماً وأنه شهد بدراً، وكان يحمل راية قومه في فتح مكة، وشهد صفين مع عليّ، وهاجر للمدينة، ثم رجع لمكة ومات بها. وجاءت عنه سبعة أحاديث، وقال أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" (2/45): "وقد روى أبو واقد عن النبي صلى الله عليه وسلم عشرة أحاديث".

ومما يؤيد أن أبا واقد أسلم قديماً – وذكّرني به بعض الإخوة جزاه الله خيراً- ما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" (2/607) (891) من حديث عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَبْدِاللهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ: مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: «كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بـ {ق. وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، وَ{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}».

وهذا يدلّ على أنه قديم الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسأله عمر بماذا كان يقرأ في العيدين، إذ لو كان أسلم يوم الفتح لكان عمر أدرى بما كان يقرأ في العيدين منه؛ فعمر من المهاجرين الأُول، فربما كان نسي ما كان يقرأ صلى الله عليه وسلم في العيدين أو أنه لم يكن قد حضر بعض الأعياد لسفره أو كونه خارج المدينة، فاحتاج أن يسأل القدماء الذين صحبوه صلى الله عليه وسلم، فسأل أبا واقدٍ عن ذلك.

وكذلك الحديث الذي رواه الترمذي في "جامعه" (3/126) (1480) من طريق عَبْدالرَّحْمَنِ بن عَبْدِاللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الإِبِلِ، وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الغَنَمِ، فَقَالَ: مَا قُطِعَ مِنَ البَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ».

قال الترمذي: "وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ اسْمُهُ الحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ".

قلت: هذا الحديث ضعيف! عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار ضعيف، والمحفوظ أن الحديث يُروى عن زيد بن أسلم مرسلاً، ويُروى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلاً، أيضاً.

فذكر أبي واقد فيه لا يصح كما في "علل ابن أبي حاتم" (4/354) و"علل الدارقطني" (6/297)، لكن ذكرته من باب إلزام الترمذي به؛ لأنه حسّن هذا الحديث الذي يدلّ على قدم إسلام أبي واقد، وهو نفسه صحح له حديث ذات الأنواط الذي فيه أنه أسلم يوم الفتح!!

·       هل سمع عطاء بن يسار من أبي واقد؟

وهنا فائدة أيضاً في مسألة سماع "عطاء بن يسار المدني" من أبي واقد! فعطاء من طبقة سنان بن أبي سنان، وكلاهما مدنيّ.

رُويت بعض الأحاديث عن عطاء بن يسار عن أبي واقد، ولا يصح منها شيء! فبعضها إما الصواب فيه الإرسال كما في هذا الحديث، ولا يصح فيه ذكر أبي واقد، وبعضها يرويها بعض الضعفاء عن عطاء بن يسار!

لكن لما روى الترمذي هذا الحديث في "العلل الكبير" (ص: 241) قال: "سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ فَقُلْتُ لَهُ: أَتَرَى هَذَا الحَدِيثَ مَحْفُوظًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لَهُ: عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَدْرَكَ أَبَا وَاقِدٍ؟ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَهُ، عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ قَدِيمٌ".

قلت: رأى البخاري إدراك عطاء بن يسار أبا واقد؛ لأنه قديم، وكذا سنان بن أبي سنان لا شك أنه أدرك أيضاً أبا واقد، لكن لا يوجد ما يدلّ على أنهما سمعا من أبي واقد أو حتى أنهما لقياه!!!

·       الكلام على الحديث:

بالنظر إلى ترجمة أبي واقد نجد أن من صحح الحديث كالترمذي لم يستبعد سماع سنان بن أبي سنان له من أبي واقد، سيما وسنان قد سمع من جابر بن عبدالله الأنصاري (مات بالمدينة بعد السبعين).

وسنان لم يرو عن أبي واقد إلا هذا الحديث، وقد تفرّد به عنه! ولم يذكر سماعه فيه.

وهذا الحديث معلول بعدة علل، هي:

الأولى: الانقطاع = عدم السماع.

فسنان بن أبي سنان لم يسمع من أبي واقد، بل لم يلقه. وهذا هو رأي البخاري من خلال ترجمته لسنان في كتابه، فلا يُعرف له سماع منه.

قال في "التاريخ الكبير" (4/162): "سنان بن أبي سنان الدؤلي ثم الجدري: سَمِعَ: جَابِرا وأبا هُرَيْرَةَ وحسين بْن علي.

وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: الدؤلي ثم الجدري، وَقَالَ ابْن أَبِي عتيق وابْن أخي الزُّهْرِيّ: الدؤلي.

وَقَالَ لَنَا أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ ثُمَّ الْجَدَرِيُّ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ».

وَقَالَ مالك وإبراهيم بْن سَعْد وشعيب: الدؤلي، وَقَالَ مَعْمَر وابْن عيينة: الديلي.

وَقَالَ ابْن مسافر عَنِ ابن شهاب عن أبي سنان الدولي عَنِ ابْن عَبَّاس - فِي الحج. وَقَالَ عَبْد الجليل بْن حميد وسُلَيْمَان بْن كثير، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سنان الديلي – بِهِذا.

ويقَالَ الدؤلي من بني حنيفة، والديل من بني كنانة، وَقَالَ زيد بْن أسلم: نا أَبُو سنان يزيد بن أمية الدؤلي" انتهى.

قلت:

من خلال النظر في هذه الترجمة يتبيّن لنا أن البخاري أثبت سماعه من جابر وأبي هريرة وحسين بن علي، ثم ساق له حديثه عن أبي واقد يريد بذلك بيان أنه لم يسمع منه، ولهذا لم ينصّ على سماعه منه مع منْ أثبت سماعه منهم.

وعادة البخاري من خلال الاستقراء أنه إذا ذكر سماع الراوي من بعضهم، ثم جاء بحديث في الترجمة له عن راوٍ آخر لينبّه على أنه لم يسمع منه، وهو بذلك يُعلل الحديث الذي يسوقه في الترجمة بعدم السماع.

ولو ثبت عنده أنه سمع منه لكان هذا الحديث يصلح عنده في الشواهد؛ لسياقة طرفه «لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ»!

فالبخاريّ يُعلل الأحاديث ويبين الانقطاع بين الرواة من خلال التراجم، وهذا يحتاج لمِراس في كلامه ومنهجه، وهو كما قال شيخه إسحاق بن راهويه لمّا صنَّف البخاريّ "تاريخه الكبير" أخذه فأدخله على عبدالله بن طاهر، فقال: "أيها الأمير ألا أريك سحراً؟ قَالَ: فنظر فيه عبدالله بن طاهر فتعجب منه، وَقَالَ: "لست أفهم تصنيفه".

قلت: صدق، والله.. فكتابه هذا كالسحر لا يفهمه أيّ واحد! ويحتاج أن نخرج هذا السحر منه.. فكلّ ما ألّف من رسائل علمية (ماجستير ودكتوراه) لم تف بما فيه! وإنما هي في أكثرها دراسات وَصْفية. رحم الله البخاري.. أيّ عقل كان يملك! وأيّ عبقرية كانت عنده!

فإيراده هذا الحديث في ترجمته من أجل تعليله؛ ولأنه لم يثبت سماع سنان من أبي واقد فهذه علّته.

ونُنبه هنا كذلك على إيهام الترمذي عندما صحح الحديث ثم قال: "وَفِي البَاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ"!

فحديث ذات أنواط لا يُعرف من حديث أبي سعيد ولا حديث أبي هريرة، وإنما الذي يُعرف عنهما هو هذا الطرف فقط «لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ»! فقوله هذا من باب الإيهام والتلبيس!!

ومما يؤيد القول بأن سنان بن أبي سنان لم يسمع من أبي واقد الليثي: أنه لم يرو هذا الحديث أحد من أصحاب أبي واقد! وكذلك جاور أبو واقد مكة ومات بها على رأي البخاري في خلافة معاوية بين سنة (40 – 50هـ)، ولا نعرف لسنان رواية عن أهل مكة!

ومن الغريب أن الزهريّ يتفرد بالرواية عن سنان، ويروي أيضاً عن أبيه أبي سنان!

قال مسلم في "المنفردات والوحدان" (ص: 121) (234): "وَمِمَّنْ روى عَنهُ الزُّهْرِيّ مِمَّن لم يرو عَنهُ أحد سواهُ فِيمَا علمنَا... وَسنَان بن أبي سِنَان الدؤَلِي...".

وقد ذكر البخاري في ترجمة سنان: "وَقَالَ ابْن مسافر عَنِ ابن شهاب عن أبي سنان الدؤلي عَنِ ابْن عَبَّاس - فِي الحج. وَقَالَ عَبْدالجليل بْن حميد وسُلَيْمَان بْن كثير، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سنان الديلي – بِهِذا".

قلت: يريد البخاري بيان الاختلاف في نسبتهم: الدؤلي أم الديلي؟! وكأن هذا الاختلاف من الزهري نفسه، فقد اختلف عليه الرواة في حديث سنان، وفي حديث أبي سنان!

وفي هذا إشارة أيضاً إلى أن سنان بن أبي سنان لم يسمع من الصحابة الذين كانوا في مكة كابن عبّاس (مات سنة 68هـ بالطائف)، وإنما يروي والده عن ابن عباس.

وأبو سنان ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (8/320) فقال: "يَزِيدُ بنُ أُمَيَّةَ أَبُو سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ: سَمِعَ عَلِيًّا قَالَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ وَهُوَ يَقُولُ سَتُضْرَبُ ضَرْبَةً هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى صُدْغِهِ فَيَكُونُ أَشْقَاهَا كَمَا كَانَ عَاقِرُ النَّاقَةِ أَشْقَى ثَمُودَ. وقَالَ حسان عَنْ عَبْداللَّه السعدي.

وقَالَ لنا عَبْدُاللَّهِ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ عَنْ زيد بْن أسلم سَمِعَ أبا سنان الدؤلي مثلَهُ.

وَعَنْ رَوْحِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ: كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ.

وقَالَ ابْن أَبِي مريم: نا مُوسَى بْن سلمة سَمِعَ عَبْد الجليل بْن حميد عَنِ الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي سنان الدؤلي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَى سُلَيْمَان بْن كثير عَنِ الزُّهْرِيّ قَالَ: أخبرني عَنْ أَبِي سنان الدؤلي عن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَى سفيان بْن حسين عَنِ الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي سنان عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/251): "يزيد بن أمية أبو سنان الدؤلي، ويقال: الديلي، حجازي، وُلد زمن أحد. روى عن علي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبي واقد الليثي. روى عنه: زيد بن أسلم والزهري ونافع مولى ابن عمر. سمعت أبي يقول ذلك".

قال عبدالرحمن: سئل أبو زرعة عنه، فقال: "مديني ثقة".

قلت: قد فرّق البخاري بين هذا وبين الذي ولد زمن أحد!!

قال في "التاريخ الكبير" (8/319): "يزيد بْن أمية أَبُو سنان الدؤلي. قَالَ لي ابْن منصور: نا وهب قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: سَمِعَت يعلى بْن حكيم عَنْ نافع، قَالَ: أراد هشام بن إسماعيل يزيد بْن أمية أبا سنان الديلي - وكَانَ ولد زمن أُحد - على أن يسبَّ علياً، فقَالَ: لا نسبُّه، ولكن إن شئت قمت فذكرت أيامه الصالحة ومواطنه".

هكذا فرّق بينهما في "التاريخ الكبير" ولكنه جمع بينهما في "التاريخ الأوسط"!

فقد ذكره في "الأوسط" (1/206) في "فصل من مات ما بين الثمانين إلى التسعين".

قال: حَدثنَا إِسْحَاق قَالَ: أخبرنَا وهب قَالَ: حَدثنَا أبي قَالَ: سَمِعت يعلى بن حَكِيم عَن نَافِع: أدْرك هِشَام بن إِسْمَاعِيل يزِيد بن أُميَّة أَبَا سِنَان الدؤَلِي - وَكَانَ ولد زمن وقْعَة أحد - أَن يسب علياً، قَالَ: "لَا، إِن شِئْت ذكرت أَيَّامه الصَّالِحَة ومواطنه".

قال: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبي سِنَان يزِيد بن أُميَّة الدؤل: سمع علياً قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تضرب ضَرْبَة حَتَّى تخضب لحيتك".

قال: حَدثنَا عبدالله قَالَ: حَدثنِي اللَّيْث قَالَ خَالِدٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَن أَبَا يسَار الدؤلي حَدَّثَهُ: سَمِعَ عَلِيًّا بِهَذَا، وَسِنَانٌ أَصَحُّ". يعني: سنان بدل يسار، والصواب: "أن أبا سنان" لا "أن أبا يسار".

وما ذكره أبو حاتم من أنّ أبا سنان روى عن أبي واقد لم أجد ذلك، وهذا محتمل فهو قد توفي في السنة نفسها – كما رجّح جمهور العلماء- التي مات فيها ابن عباس.

ويُحتمل أن ذلك اشتبه عليه بابنه! لأن الذي يروي عن أبي واقد هو ابنه سنان بن أبي سنان، فقد يكون هناك سقط في الإسناد الذي اعتمده أبو حاتم، سقط اسم "سنان"، وتحرّف "بن" إلى "عن" فصار: "عن أبي سنان"!! وهذا يحدث كثيراً في النُّسخ.

ويُحتمل أن حديث الحجّ هذا يُروى عن سنان بن أبي سنان عن ابن عباس لا عن أبيه! وفي رواية عقيل عن الزهري عن سنان، كما أشار أبو داود في "سننه" (2/139).

قال أبو داود: "هو أبو سنان الدؤلي، كذا قال: عبد الجليل بن حميد، وسليمان بن كثير، جميعاً عن الزهري، وقال عقيل، عن سنان".

فلعل الخطأ من الزهري! لأني أستغرب من رواية الزهري عن سنان وأبيه!! والله أعلم.

والحاصل أن رواية سنان بن أبي سنان عن المكيين لا تصح، وأبو واقد جاور بمكة بعد أن شهد صفين مع عليّ، ولا نعرف هذا الحديث عند أهل المدينة ولا أهل مكة!!

والخلاصة أنه لا يثبت لسنان بن أبي سنان سماعاً من أبي واقد، ولا يوجد له إلا هذا الحديث عنه، ولم يذكر فيه السماع، ومن أثبت هذا السماع فعليه بالدليل! وتصحيح الترمذي له تبعاً لظاهر الإسناد، وهو معروف بتساهله في التصحيح!

·       تنبيه:

قد يستدرك بعضهم علينا بما جاء عند ابن أبي عاصم في كتاب "السنة" (1/37) (76): حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ، يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ، وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَكَانُوا أَسْلَمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ...

فهنا قد ذُكر سماع سنان من أبي واقد؟!

قلت: كثير من السماعات "التحديث" أو "الإخبار" تكون في أصلها خطأ! إما تكون من الرواة أو من النسّاخ!! وهذا ما يُطلق عليه أهل النقد في العلل "السماع الذي لا يصحّ"!! ولهذا كان النقاد يتحرون النسخ وأصولها، ويحرصون على إثبات السماعات بين الرواة.

ورواية إبراهيم بن سعد هذه رواه الطيالسي (2/682) (1443) قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ... الحديث.

ولم يذكر سماعاً.

ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/244) (3294) قال: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، حدثنا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا...

ولم يذكر سماعاً هنا أيضاً.

وأيضاً ما جاء عند ابن حبان في "صحيحه" (15/94) (6702) قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سِنَانَ بْنَ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيَّ - وهم حلفاء بني الديل – أخبر أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ، خَرَجَ بِنَا مَعَهُ قِبَلَ هَوَازِنَ، حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى سِدْرَةِ الْكُفَّارِ: سِدْرَةٌ يَعْكِفُونَ حَوْلَهَا، وَيَدْعُونَهَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ.. الحديث.

قلت: وهنا أيضاً لا نعرف أن السماع هذا جاء في أصل الرواية! وابن حبان وشيخه يرويان من كتب مصنّفة! حتى التعريف الذي جاء في الحديث "وهم حلقاء بني الديل" لا يوجد في أصل الرواية عن الزهري؛ لأنه قد تقدّم الخلاف بين الرواة عن الزهري في نسبته "الدؤلي" أو "الديلي"!! فهذه تكون من بعض الرواة، وعليه فلا يمكن اعتماد مثل هذه الكتب المتأخرة، بل لا بدّ من ثبوت ذلك عن أهل النقد ونصّهم على ذلك، ولو صحّ ذلك لأثبته البخاري – كما أشرنا- في ترجمة سنان مع من أثبت سماعه منهم، والله أعلم.

فمسألة وجود السماعات في بعض الروايات لا نثبت فيها صحته؛ لأنها قد تكون خطأ!! وخاصة في المصنفات المتأخرة، ولهذا لا يعجبني ما أصّله ابن حجر وغيره من كون ورود الحديث في بعض الكتب كالمستخرجات وفيها التصريح بالسماع أنها تدفع تدليس الراوي الذي وردت روايته العنعنة في بعض طرق الحديث!!!

فهذا حديث كفارة المجلس الذي رواه ابن جُريج بالعنعنة وهو معروف بالتدليس، وقد أعلّه بذلك الإمام أحمد وأبو حاتم الرازي والدارقطني! مع أنه جاء في بعض الروايات تصريحه بالسماع في رواية حجاج ومخلد بن يزيد عنه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "النكت" (2/725) روايات من صرَّح بسماع ابن جريج له من موسى بن عقبة، ثم قال: "فزال ما خشيناه من تدليس ابن جريج بهذه الروايات المتضافرة عنه بتصريحه بالسماع من موسى".

فهل خفيت هذه الروايات عن هؤلاء الجهابذة ثم يعلّوه بالتدليس!!

نقل الدارقطني في "العلل" (8/204) عن الإمام أحمد أنه قال: "وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ ابْنُ جُرَيْجٍ دلَّسه عن موسى بن عقبة؛ أخذه من بعض الضعفاء عنه"، ثم قال الدارقطني: "والقول كما قال أحمد".

فهؤلاء ثلاثة من أئمة النقد وجهابذته لم يعتدوا بما جاء مصرحاً بالسماع في بعض الروايات، ويبعد جدًّا أن تخفى عليهم، لكنهم لم يعتدّوا بها.

الثانية: نكارة المتن!

والحديث فيه نكارة واضحة على اعتبار أن أبا واقد شهد بدراً، وفي الحديث أنه أسلم يوم الفتح وقال: "وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ"!!!

والراجح عند البخاري وغيره أنه شهد بدراً، وأسلم قديماً، فلا يمكن أن يقول هذا القول وهم في طريقهم إلى حُنين!!

وأبو واقد كما هو ظاهر في الحديث وقد أسلم يوم الفتح بحسب الحديث يتكلم عن نفسه ومن أسلموا حديثاً بأنهم كانوا حديثي عهد بجاهلية، فلا يُقال: إنه عنى غيره، ولم يتحدث عن نفسه!! سيما وهو أسلم معهم كما في هذا الحديث – عند من يقول بصحته-!! فهو يُخبرعن نفسه ومن أسلموا معه بقوله: "ونحن..." فهو من ضمنهم. وكذلك قوله: "فقلنا...".

ثم ما طلبوه – وإن كانوا حديثي عهد بجاهلية- يُنافي أصل التوحيد الذي دخلوا الإسلام به! فما الفرق بين توحيدهم بنبذ الأصنام وتبركهم بتلك الشجرة لو صحّ ذلك عنهم؟!!! كيف وهم قبل إسلامهم يعرفون ما هي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت بهدم الشرك بكلّ صوره وهو في مكة ثلاث عشرة سنة!

وكذلك فلا يُعرف أنه كان للمشركين في الحجاز مثل الشجرة التي جاء ذكرها في هذا الحديث!! فالمعروف أن أهل الجاهلية من قريش والقبائل في الحجاز كانوا يعبدون الأصنام فقط، ولا يُذكر أنهم كانوا يعبدون الأشجار أو يتبركون بها ونحو ذلك. ولم يُنقل لنا ذلك إلا في هذا الحديث كما في كتاب الواقدي: "وَكَانَتْ لِكُفّارِ قُرَيْشٍ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْعَرَبِ شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ خَضْرَاءُ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، يَأْتُونَهَا كُلّ سَنَةٍ يُعَلّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا، يَعْكُفُونَ عَلَيْهَا يَوْمًا"! مع أن حالهم في الجاهلية – على شركهم- قد تناقله الصحابة ولم ينقلوا هذا، والله أعلم.

وقد ورد في بعض كتب السيرة بلا إسناد أنه كان لأهل نجران شجرة يعبدونها! وقد يكون صحيحاً، وكلامنا عن قريش والقبائل التي كانت في الحجاز.

الثالثة: تفرّد سنان بن أبي سنان!

·       تشابه بعض ألفاظ الحديث مع حديث آخر رواه سنان بن أبي سنان عن جابر؟

لم أجد أحداً من أهل العلم ضعّف سنان بن أبي سنان صراحةً، إلا ما جاء عرضاً في كلام العقيلي في ترجمة أحد الرواة، وسيأتي الكلام عليه، لكن نصّوا على أنه تفرد بالرواية عنه: الزهري، وهو واحد من الذين انفرد الزهري بالرواية عنهم.

قال ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (5/249): "سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّئِلِيُّ مِنْ أَنْفَسِهِمْ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً. رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ".

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/252): "سنان بن أبي سنان الدؤلي، من أنفسهم، روى عن أبي هريرة وحسين بن علي وجابر بن عبدالله وأبي واقد الليثي، روى عنه الزهري. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في "الثقات" (4/336): "سِنَان بْن أَبِي سِنَان الدئلي، وهم حلفاء بني دئل، وَاسم أَبِي سِنَان: يزِيد بْن أُميَّة، يروي عَن أَبِي وَاقد اللَّيْثِيّ وَجَابِر وأَبِي هُرَيْرَة، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيّ، مَاتَ سنة خمس وَمِائَة وَهُوَ ابن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة، وَكَانَ مولده سنة ثَلَاث وَعشْرين".

وقال العجلي في "الثقات" (ص: 208): "سنان بن أبي سنان الديلي: مدني، تابعي، ثقة".

وقال الذهبي في "الكاشف" (1/468): "ثقة".

قلت: هو مستور الحال! ولا يوجد ما يدلّ على أنه ثقة! وهو قليل الحديث، وقد روى له البخاري مقروناً بغيره، وكذا فعل الإمام مسلم في المتابعات.

أخرج البخاري في "صحيحه"، بَابُ مَنْ عَلَّقَ سَيْفَهُ بِالشَّجَرِ فِي السَّفَرِ عِنْدَ القَائِلَةِ، (4/39) (2910) قال: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَ: "أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي، وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ، - ثَلاَثًا -" وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ".

ثم رواه في موضع آخر (5/114) (4134) قال: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سِنَانٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَ: أَنَّهُ «غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ».

قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي العِضَاهِ، يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ. قَالَ جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً، ثُمَّ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا فَجِئْنَاهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ " ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم رواه في بَابُ غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ، مِنْ خُزَاعَةَ، وَهِيَ غَزْوَةُ المُرَيْسِيعِ، (5/116) (4139) قال: حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ نَجْدٍ، فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ القَائِلَةُ، وَهُوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ سَيْفَهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ، وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْنَا، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، مُخْتَرِطٌ صَلْتًا، قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ، فَشَامَهُ ثُمَّ قَعَدَ، فَهُوَ هَذَا" قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وأخرجه مسلم في "صحيحه" (1/576) (843) قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، قَالَ: كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرَطَهُ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ»، قَالَ: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَغْمَدَ السَّيْفَ، وَعَلَّقَهُ، قَالَ: فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ.

ثم رواه في موضع آخر (4/1786) (843) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ.

[ح] وحَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا قَالَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، قَالَ: فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ " ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال: وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُمَا، أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ يَوْمًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَمَعْمَرٍ.

قلت: فهذا الحديث خرّجه البخاري ومسلم عن الزهري عن سنان بن أبي سنان وأبي سلمة كلاهما عن جابر، فسنان قد توبع عليه، وذكر فيه أنه سمعه من جابر، ولهذا أثبت البخاري له السماع من جابر في ترجمته، وتخريجه لحديثه مقروناً بأبي سلمة – وهو من أقران سنان، ولد سنة بضع وعشرين، ومات سنة أربع وتسعين أو أربع ومائة- من باب التأكيد على صحة الحديث إذ أن أبا سلمة من كبار الثقات، ولولا أن أبا سلمة رواه لما خرّج البخاري رواية سنان وحدها، والله أعلم.

فسنان إذا تفرّد بحديث فلا يقبل منه، وهو يحتاج لمن يتابعه كما هو صنيع الإمامين: البخاري ومسلم، على أن العلّة الحقيقية للحديث هي الانقطاع بينه وبين أبي واقد؛ لأنه لم يذكر سماعاً منه.

والذي يظهر لي أنّه حصل خلطٌ للتشابه بين هذين الحديثين اللذين يرويهما سنان بن أبي سنان! ففي حديث "ذات أنواط" أنهم كانوا في غزوة ومروا بشجرة يعلق عليها المشركون سيوفهم! وفي حديث جابر هذا أنهم كانوا في غزاة، ونَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ – شجرة ذات شوك- وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ.

والذي يظهر لي أن هذه الشجرة هي نفسها الشجرة التي جاءت في حديث جابر، ومن هنا جاء التخليط ربما لسنان فيه!

فالواقدي لما ساق حديث الزهري في "مغازيه" (3/891) أتبعه بحديث ابن عباس في الحديث نفسه – وسيأتي في الشواهد-.

قال: حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ شَجَرَةً عَظِيمَةً، أَهْلُ الْجَاهِلِيّةِ يَذْبَحُونَ بِهَا وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا يَوْمً.. وذكره.

قالَ: قَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ: لَمّا كُنّا دُونَ أَوْطَاسٍ نَزَلْنَا تَحْتَ شَجَرَةٍ وَنَظَرْنَا إلَى شَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَهَا، وَعَلّقَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ وَقَوْسَهُ. قَالَ: وَكُنْت مِنْ أَقْرَبِ أَصْحَابِهِ إلَيْهِ. قَالَ: فَمَا أَفْزَعَنِي إلّا صَوْتُهُ: يَا أَبَا بُرْدَةَ! فَقُلْت: لَبّيْكَ! فَأَقْبَلَتْ سَرِيعًا، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ هَذَا الرّجُلَ جَاءَ وَأَنَا نَائِمٌ، فَسَلّ سَيْفِي ثُمّ قَامَ بِهِ عَلَى رَأْسِي فَفَزِعْت بِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمّدُ، مَنْ يُؤَمّنُك مِنّي الْيَوْمَ؟ قُلْت: اللهُ!

قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَوَثَبْت إلَى سيفي فسللته، فقال... فذكر الحديث بطوله.

قلت: الظاهر أن قول أبي بردة تابع لإسناد الحديث الذي قبله، وإسناده لا يصح، لكن واضح فيه أن كلا الحديثين اللذين عند سنان بن أبي سنان في حديث واحد هنا، والشجرة نفسها هي التي نزل تحتها النبي صلى الله عليه وسلم وعلق عليها سيفه.

وفي صحيح مسلم (2/1079) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسَ، فَلَقُوا عَدُوًّا، فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ، وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا.." الحديث.

والظاهر أن حديث ذات أنواط دخل في هذا الحديث، وهذا ما يُفسر وجود الحديثين عند سنان بن أبي سنان! والله أعلم.

·       حديث سنان بن أبي سنان عن أبي هريرة:

خرّج مسلم في "صحيحه" (4/1742) (2220) من طريق يُونُس، عن ابن شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، حِينَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ» فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا؟ قَالَ: «فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟».

صحيح مسلم (4/ 1743)

ثم رواه من طريق صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ» فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ.

ثم رواه من طريق شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى» فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ، وَصَالِحٍ، وَعَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ».

قلت: أخرج مسلم حديث سنان عن أبي هريرة في المتابعات، تابعه أبو سلمة بن عبدالرحمن، ولهذا أثبت البخاري سماعه له في ترجمته.

·       هل سنان بن أبي سنان مجهول؟!

ذكر العقيلي في "الضعفاء" (3/156): "عُمَر بن دَاوُدَ عَنْ سِنَانَ بْنِ أَبِي سِنَانَ، كِلَاهُمَا مَجْهُولٌ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَمُعَلَّى بْنُ مَيْمُونٍ ضَعِيفٌ".

ثم ساقه من طريق مُعَلَّى بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ سِنَانَ بْنِ أَبِي سِنَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السِّوَاكُ يَزِيدُ الرَّجُلَ فَصَاحَةً».

قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: "وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ".

قلت: حكم العقيلي على سنان بن أبي سنان هنا بأنه مجهول! وكأنه لم يتنبّه إلى أنه سنان بن أبي سنان الدؤلي، وإنما ركّز على الراوي عنه وهو "عمر بن داود"، وعادة يتكلم العقيلي على صاحب الترجمة ويذكر أحياناً كلاماً في شيخه تبعاً وربما دون تحقيق.

والعلّة في الحديث كما ذكر هو "عمر بن داود"، لكن ابن عدي جعل العهدة فيه على "معلى بن ميمون"، ولهذا أورده في ترجمته من كتابه (8/99) مع أحاديث أخرى، ثم قال في آخر ترجمته: "ولمعلى بْن مَيْمُون غير ما ذكرت من الأحاديث والذي ذكرت والذي لم أذكره كلها غير محفوظة مناكير".

والخلاصة أن سنان بن أبي سنان ليس بمجهول، وإنما هو مستور الحال كما بيّنت آنفاً.

·       شاهد لحديث أبي واقد!

روى الأزرقي في "أخبار مكة" (1/130) قال: حَدَّثَنِي جَدِّي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ شَجَرَةً يُعَظِّمُهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، يَذْبَحُونَ لَهَا، وَيَعْكُفُونَ عِنْدَهَا يَوْمًا، وَكَانَ مَنْ حَجَّ مِنْهُمْ وَضَعَ زَادَهُ عِنْدَهَا وَيَدْخُلُ بِغَيْرِ زَادٍ؛ تَعْظِيمًا لَهَا، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ قَالَ لَهُ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمُ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. قَالَ: فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «هَكَذَا فَعَلَ قَوْمُ مُوسَى بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ».

يقول الذهبي في إسناد مثل هذا في "سير أعلام النبلاء" (2/81): "إِسْنَادُهُ وَاهٍ".

وهو كذلك، فالواقدي متّهمٌ بالكذب، وابن أبي حبيبة وهو: إبراهيم بن إسماعيل الأشهلي الأنصاري المدني: منكر الحديث!

قال البُخارِيّ: "إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري: مدني، يحدث عن داود بن الحصين، منكر الحديث".

وقال النسائي: "إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة مدني ضعيف".

وقال عثمان بن سَعِيد: سَألتُ يَحْيى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبي حبيبة؟ فقال: "صالح".

وقال عَبَّاسُ بْنُ مُحَمد الدوري: سَمِعْتُ يَحْيى بْنَ مَعِين يَقُولُ: "إبراهيم بن إسماعيل ليس بشَيْءٍ".

وقال أبو طالب أحمد بن حميد: سألت أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة؟ فقال: "من أهل المدينة ثقة".

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن إبراهيم بن أبي حبيبة؟ فقال: "شيخ ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث". [الجرح والتعديل: 2/83].

وذكره ابن عدي في كتابه في الضعفاء "الكامل" (1/383) وذكر له بعض المناكير التي يرويها عن داود بن الحصين: "ولإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة غير ما ذكرته من الأحاديث، ولم أجد له أوحش من هذه الأحاديث، وَهو صالح في باب الرواية، كما حُكِيَ عن يَحْيى بن مَعِين، ويكتب حديثه مع ضعفه".

·       شاهد آخر:

روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/1554) (8910) عن أبيه. والطبراني في "المعجم الكبير" (17/21) (27) عن مَسْعَدَة بن سَعْدٍ العَطَّار، كلاهما عن إِبْرَاهِيم بن المُنْذِرِ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَنَحْنُ أَلْفُ وَنَيِّفٌ فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُ مَكَّةَ وَحُنَيْنَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بَيْنَ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ أَرْضُ شَجَرٍ، مِنْ سِدْرَةٍ كَانَ يُنَاطُهَا السِّلاحُ فَسُمِّيَتْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، وَكَانَتْ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَفَ عَنْهَا فِي يَوْمٍ صَائِفٍ إِلَى ظِلٍّ هُوَ أَدْنَى مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا السُّنَنُ قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ كَمَا قالت بنوا إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً فَقَالَ: {أَغْيَرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فضلكم على الْعَالَمِينَ}!

قلت: هذا إسناد متروك! فيه: كَثِير بن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْف بْنِ زَيْد بْنِ مِلْحَة الْمُزَنِيّ: لَيْسَ بِشَيْء.

قال ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: سَمِعْتُ يَحْيى بْنَ مَعِين يَقُولُ: "كثير بن عَبدالله المزني حديثه ليس بشَيْءٍ، ولاَ يكتب".

وقال العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: "كثير بن عبدالله المزني ضعيف الحديث".

وقال أبو طالب: سألت أحمد - يعني ابن حنبل - عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف؟ فقال: "منكر الحديث ليس بشيء".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف؟ فقال: "واهي الحديث ليس بقوي".

قال عبدالرحمن: سئل أبي عن كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف؟ فقال: "ليس بالمتين". [الجرح والتعديل (7/154)].

وقال النسائي: "متروك الحديث".

وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/221): "مُنكر الحَدِيث جداً! يروي عَن أَبِيه عَن جده نُسْخَة مَوْضُوعَة، لا يحلّ ذكرهَا فِي الْكتب وَلَا الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا على جِهَة التَّعَجُّب! وَكَانَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يَقُول: كثير بن عبدالله الْمُزنِيّ ركن من أَرْكَان الكَذِب".

والخلاصة أن حديث «ذات أنواط» حديث معلول لا يصح! وشواهده واهية.

·       وهم لابن القيّم في عزو الحديث للبخاري!

قال ابن القيّم في "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (1/205): "فروى البخاري في صحيحة عن أبي واقد الليثي قال..."، فذكر الحديث.

قلت: وهذا العزو وهم من ابن القيم – رحمه الله- فإن البخاري لم يخرّج حديث «ذات أنواط»!

وهذا آخر البحث في تقويم صراط الحديث، وكشف علّة حديث مما يفرح به أهل النّقد كما قال الإمام الحافظ عَبْدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيّ: «لَأَنْ أَعْرِفَ عِلَّةَ حَدِيثٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتَفِيدَ عَشَرَةَ أَحَادِيثَ»، وعليه أختم هذا البحث بعنوان آخر يصلح له: «الاغْتِبَاط» ببيان عِلل حديث «ذَاتَ أَنْوَاط»!

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: أبو صهيب خالد الحايك.

5 ذو القعدة 1438هـ.

29/7/2017م.

·       كلام وتعقيب!

قبل أن أنشر البحث وضعت سؤالاً لطلبة علم الحديث وأهله حول هذا الحديث، وكان ممن أجاب عليه الشيخ الحارث الحسني، وكان جوابه:

قال الحارث بن علي الحسني:

"هذا حديث رواه عن الزهري زهرة أصحابه: إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، وعُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، ومَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ الْبَصْرِيِّ، ومَالِكُ.

ومَالِكُ في رواية الْقَعْنَبِيّ. ومالك في الأصل لا يروي إلا صحيحاً.

وقال التِّرمِذي: هذا حديث حسن صحيح.

وأعلّ بجهالة سنان بن أبي سنان وفيه نظر.

وذلك أن سنانا من التابعين اثبت البخاري سماعه من أبي واقد في التاريخ الكبير. ولا يقال سكت عنه البخاري فهو مجهول، فانه لو كان مجهولا ما اثبت له السماع وهو في طبقة التابعين ولم يات بما يستنكر والحديث متابع.

ثم إن سنانا أخرج له البخاري ومسلم فإن قيل أخرجا له متابعة وهذا يعني ضعفه.

قلنا: لا يلزم ان يكون ضعيفا فإنهما إنما أخرجا له ما يدل على ضبطه.

وليس كل من يخرج له متابعة في الصحيحين يكون ضعيفا عندهما أصلا.

فإن قيل ما تصنع بقول العقيلي: مجهول؟

قلت: اولا العقيلي ذكر جهالته بناءا على ان ليس له راو غير عمر بن داود وقد ترجم العقيلي لعمر بن داود وقال مجهول. ولم يترجم لسنان اصلا.

وسنان مدني معروف ورواية الزهري ترفع جهالته فإنه مدني مثله، هذا إن كان ثم جهالة، وقال ابن سعد قليل الحديث.

وتوبع الزهري عليه، تابعه حيوة بن شريح. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2/ 2 / 164).

والحديث احتج به الأئمة المصنفون في الكتب المصنفة في السنة.

فأخرجه المروزي من اربعة أوجه في السنة، وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة.

وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.

وأخرجه قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني، في الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة.

والحديث له طرق أخرى:

رواه كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن، جده، مرفوعاً، نحوه.  أخرجه ابن أبي حاتم في " التفسير " (كما في تفسير ابن كثير 2/ 243)، والطبراني في " المعجم الكبير " (17/ 21 / 27). وهذه نسخة موضوعة.

ورواه الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. الأزرقي في أخبار مكة (1/130).

وهذا إسناد باطل تالف. الواقدي متهم بالكذب وداود بن الحصين يستنكر جدا في عكرمة.

ولعل هؤلاء حفظوه فالواقدي حافظ وإن اتهم.  وداود بن الحصين وان استنكر في عكرمة فقد يضبط مثله.

وبكل حال فأصل الحديث ثابت".

أبو علي الحارث بن علي الحسني.

قلت:

على كلام الشيخ الحارث ملاحظات:

أولاً: قوله "ومالك في الأصل لا يروي إلا صحيحاً".

قلت: الحديث لا يوجد في بقية موطآات مالك، والظاهر أنه حذفه منها! ولو بقي فيه، فليس كل ما في الموطأ يكون صحيحاً.

ثانياً: قوله: "أثبت البخاري سماعه من أبي واقد في التاريخ الكبير. ولا يقال سكت عنه البخاري فهو مجهول، فانه لو كان مجهولا ما اثبت له السماع وهو في طبقة التابعين ولم يأت بما يستنكر والحديث متابع".

قلت:

1- لم يثبت البخاري سماعه من أبي واقد، وإنما أورد حديثه هذا في ترجمته.

2- نعم، هو ليس بمجهول، لكن لا علاق لذلك بإثبات البخاري سماعه من أبي واقد، فكيف إذا تبيّن لنا أنه لم يثبت هذا السماع!! والأولى أن يُقال في حاله: مستور الحال.

3- بل الحديث مستنكر!! فكيف يروي سنان أن أبا واقد أسلم يوم الفتح، ثم يروي عنه هذا الحديث وفيه قوله: "وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ"، مع أن البخاري وغيره يرون أن أبا واقد أسلم قديماً، وشهد بدراً، وردّه المتأخرون بسبب تصحيحهم لهذا الحديث!

ثالثاً: قوله: "ثم إن سنانا أخرج له البخاري ومسلم فإن قيل أخرجا له متابعة وهذا يعني ضعفه. قلنا: لا يلزم ان يكون ضعيفا فإنهما إنما أخرجا له ما يدل على ضبطه".

قلت:

البخاري ومسلم أخرجا له مقروناً بأبي سلمة بن عبدالرحمن، ولولا هذه المتابعة لما أخرجا له، نعم أخرجا ما يدل على ضبطه، ومفهوم المخالفة أنهم أعرضوا عما لم يضبطه! فلم يخرجوا هذا الحديث لأنه لم يُتابع عليه.

وهذه حال مستور الحال عندهما أنه يحتاج لمن يتابعه على حديثه.

ثم هما قد أخرجا متابعة لبعض الضعفاء كما هو معلوم.

رابعاً: قوله: " فإن قيل ما تصنع بقول العقيلي: مجهول؟ قلت: اولا العقيلي ذكر جهالته بناءا على ان ليس له راو غير عمر بن داود وقد ترجم العقيلي لعمر بن داود وقال مجهول. ولم يترجم لسنان اصلا. وسنان مدني معروف ورواية الزهري ترفع جهالته فإنه مدني مثله، هذا إن كان ثم جهالة، وقال ابن سعد قليل الحديث".

قلت:

1- العقيلي لم ينص على جهالته بناء على أن ليس له راو غير عمر بن داود! وإنما العقيلي لم يُحقق حاله، ولا أظن فطن أنه سنان بن أبي سنان الذي أخرج له البخاري ومسلم، وإلا فلا يمكن أن ينص على جهالته حينها، وإنما العقيلي لما ترجم لعمر بن داود وأورد له هذا الحديث الذي يرويه عن سنان، وعمر هذا مجهول لم يحقق حال سنان هذا فكأنه تسرّع فحكم بجهالته أيضاً، والله أعلم.

2- كان لا بد من تحديد نوع الجهالة التي نتكلم عليها هنا! فجهالة شيخ عمر بن داود جهالة عين، وأما جهالة سنان بن أبي سنان الذي يروي عنه الزهري فهي جهالة حال لمن قال عنه بأنه مجهول، وهذا معنى رواية الزهري عنه، فروايته عنه ترفع جهالة عينه لا حاله.

3- نقل قول ابن سعد بأنه قليل الحديث لا اعتبار لها هنا؛ لأن الزهري تفرد بالرواية عنه.

خامساً: قوله: "وتوبع الزهري عليه، تابعه حيوة بن شريح. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2/ 2 / 164)".

قلت:

هذا وهمٌ شديدٌ من الشيخ!!! فالذي ترجم له البخاري ويروي عنه حيو بن شُريح آخر!! واشتبه على الشيخ بطرف الحديث قوله: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ".

قال البخاري في "التاريخ الكبير" (4/164): "سنان، قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أخبرني حيوة عَنْ سنان الأَنْصَارِيّ من بني عَمْرو بْن عوف، وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن إِسْحَاق: نا أَبُو عاصم عَنْ حيوة عَنْ سنان بْن عَمْرو: سألت أنسا عَنِ الجراد، وَرَوَى نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سِنَانٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةُ الزُّورِ مِنَ الكبائر، وقال لي محمد: نا مُحَمَّدٌ: نا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ: نا ابْنُ وَهْبٍ سَمِعَ حَيْوَةَ سَمِعْتُ سِنَانَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ الأَنْصَارِيَّ سَمِعْتُ أَنَسًا: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ، وَيُقَالُ الطَّاحِيُّ".

فهذا رجل مصري غير المدني الذي روى عنه الزهري! وحديثه هذا يختلف عن حديث سنان بن أبي سنان! ثم إن حديثه هذا يرويه عن أنس! وحديثنا يرويه سنان بن أبي سنان عن أبي واقد!!

والحديث الذي أشار إليه البخاري واشتبه على الشيخ الحارث أخرجه الحافظ الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (6/170) من طريق مُحَمَّد بْن يَعْقُوبَ الأَصَمّ: أبنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَعْيَنَ الْمِصْرِيُّ بِمِصْرَ: أبنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ حَيْوَةَ بْنَ شُرَيْحٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سِنَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْجَرَادِ، فَقَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَفْعَةٌ فِيهَا جَرَادٌ قَدِ احْتَقَبَهَا وَرَاءَهُ فَيَأْخُذُ مِنْهَا فَيُنَاوِلُنَا وَنَأْكُلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ".

قَالَ أَنَسٌ: "ثُمَّ رَجِعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَكُنَّا نُؤْتَى بِهِ فَنَشْتَرِيهِ وَنُكْثِرُ وَنُجَفِّفُهُ فَوْقَ الأَجَاجِيرِ فَنَأْكُلُ مِنْهُ زَمَانًا".

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/432) (18998) من طريق الأصم، وفيه: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ...".

والحديث الآخر الذي أشار إليه البخاري في الترجمة أخرجه الخطيب البغدادي في "الكفاية" (ص: 104) من طريق نَافِع بْن يَزِيدَ، عَنْ يَزِيد بن أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ قَالَ: «شَهَادَةُ الزُّورِ مِنَ الْكَبَائِرِ».

قال الخطيب: "سِنَانٌ هَذَا هُوَ الْأَنْصَارِيُّ، وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَقِيلَ: عُمَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

فسنان هذا مصري، وقال فيه ابن يونس: "هو قليل الحديث"، وأَخْرَج له حديث الجراد.

وقال ابن حبان في "الثقات" (4/336): "سِنَان بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ من بنى عَمْرو بن عَوْف وَيُقَال سِنَان بن عَبْد الله يروي عَن أنس بْن مَالك رَوَى عَنْهُ حَيْوَة بْن شُرَيْح وَنَافِع بْن يزِيد المصريان".

وكنّاه في "تاريخ أصبهان" (1/400) من حديث عَبْد الْوَارِثِ بن سَعِيدٍ، قال: حدثنا سِنَانُ أَبُو رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وذكر حديثاً.

والخلاصة الحديث لم يُتابع عليه الزهري.

سادساً: قوله: "والحديث احتج به الأئمة المصنفون في الكتب المصنفة في السنة. فأخرجه المروزي من اربعة أوجه في السنة، وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة. وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. وأخرجه قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني، في الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة".

قلت:

هؤلاء الأئمة الذين صنفوا في السنة أوردوا الحديث في كتبهم، وهم لم يقولوا بأن ما يخرجوه في كتبهم كله صحيح!! فكم من حديث ضعيف في هذه الكتب وإن كانت مصنفة في السنة – أي: الاعتقاد.

فإيراد الحديث في كتب السنة لا يعني الصحة!

ثم على فرض احتجاج هؤلاء به فهم إنما تبعوا الترمذي في تصحيحه له.

سابعاً: قوله: "وهذا إسناد باطل تالف. الواقدي متهم بالكذب وداود بن الحصين يستنكر جدا في عكرمة. ولعل هؤلاء حفظوه فالواقدي حافظ وإن اتهم.  وداود بن الحصين وان استنكر في عكرمة فقد يضبط مثله وبكل حال فأصل الحديث ثابت".

قلت:

1- كيف يكون الإسناد باطلاً تالفاً وفيه متهم بالكذب ثم أقول: "فلعل هؤلاء حفظوه"!!! وكيف يكون الآخر حديثه يستنكر جدا في عكرمة ثم أقول: "فقد يضبط مثله"!!

ثم أخلص إلى أن "أصل الحديث ثابت" بناء على هذا الإسناد التالف، والموضوع الذي قبله!! إن هذا لأمر عُجاب!!

2- ثم إن الشيخ لم ينقل لنا الكلام فيمن هو آفة الحديث حقيقة! وهو ابن أبي حبيبة! وهو: إبراهيم بن إسماعيل الأشهلي الأنصاري المدني: منكر الحديث!

قال فيه البخاري: "منكر الحديث"، وقال ابن معين: "ليس بشَيْءٍ". ووثقه أحمد. وقال أبو حاتم: "شيخ ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث".

وكتب: خالد الحايك.

 

شاركنا تعليقك