الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«فصلُ المَقال» في حديث «حتى يَخْرُجَ في بَقِيَّتِهُمُ الدَّجَّال»!

«فصلُ المَقال» في حديث «حتى يَخْرُجَ في بَقِيَّتِهُمُ الدَّجَّال»!

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، أما بعد:

فإن حديث الخوارج وصفاتهم حديث مشهور في الصحيحين وغيرهما، وله طرق كثيرة جداً أفردتها في مصنف خاص.

وجاء في بعض الطرق خارج الصحيحين بعض الزيادات فيها أن الخوارج ظاهرة مستمرة حتى يخرجون مع الدّجال!

وبعيداً عن حديث الخوارج المشهور، وتطور مصطلح الخوارج التاريخي السياسي، فإننا في هذا البحث سنعالج الحديث المُشار إليه.

والحديث له عدة طرق:

·       حديث عبدالله بن عمرو بن العاص:

وهذا الطريق هو أشهر طرق الحديث، وقد رواه شَهْر بن حَوشب، قال: أتى عبداللَّهِ بن عَمْرٍو على نَوْفٍ البكالي وهو يُحدِّث، فقال: حَدِّثْ، فَإِنَّا قد نُهِينَا عَنِ الحديث! قال: ما كنت لأُحَدِّثَ وعندي رَجُلٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ من قُرَيْشٍ، فقال عبداللَّهِ بن عَمْرٍو: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ الأَرْضِ إلى المهاجر إبراهيم، فيبقى في الأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ الأَرْضُ وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ عز وجل وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مع الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ»، ثُمَّ قال: حَدِّثْ فَإِنَّا قد نُهِينَا عَنِ الحديث! فقال: ما كنت لأُحَدِّثَ وعندي رَجُلٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ من قُرَيْشٍ! فقال عبداللَّهِ بن عَمْرٍو: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يَخْرُجُ قَوْمٌ من قِبَلِ المَشْرِقِ يقرؤون القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ حتى يَخْرُجَ في بَقِيَّتِهُمُ الدَّجَّالُ».

وقد رواه عن شهر بن حوشب جماعة، وهم: قتادة بن دعامة السدوسي (ت117هـ)، وعبدالله بن شَوذب (ت156هـ)، والمَيَّاح أبو العلاء، وليث بن أبي سُليم (ت138 أو 143هـ)، ويحيى بن أبي حيّة أبو جناب الكلبي (ت147هـ).

أما حديث قتادة:

فأخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (ص302) برقم (2293) عن هشام الدستوائي، عن قتادة.

وأخرجه أحمد في «مسنده» (2/209) برقم (6952) عن أبي دَاوُدَ الطيالسيّ وعَبْدالصَّمَدِ بن عبدالوارث بن سعيد، عن هِشَام الدستوائيّ، عن قتادة.

وأخرجه أبو داود في «سننه»، باب في سُكْنَى الشَّامِ، (3/4) برقم (2482) عن عُبَيْداللَّهِ بن عُمَرَ، عن مُعَاذُ بن هِشَامٍ، عن أبيه، عن قَتَادَةَ.

وأخرجه عبدالرزاق في «مصنفه» (11/376) برقم (20790) عن معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، قال: لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية، قلت لو خرجت إلى الشّام فتنحيت من شرّ هذه البيعة، فخرجت حتى قدمت الشام، فأخبرت بمقام يقومه نوف البكالي، فجئته فإذا رجل عليه خميصة، فإذا هو عبدالله بن عمرو بن العاص فلما رآه نوف أمسك عن الحديث، فقال له عبدالله: حدِّث ما كنت تحدث به، قال: أنت أحق بالحديث مني، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن هؤلاء قد منعونا عن الحديث - يعني الأمراء -! قال: أعزم عليك إلا حدثتنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. وفيه: «كُلَّمَا خَرَجَ منهم قَرْنٌ قُطِعَ كُلَّمَا خَرَجَ منهم قَرْنٌ قُطِعَ حتى عَدَّهَا زِيَادَةً على عَشْرِ مَرَّاتٍ كُلَّمَا خَرَجَ منهم قَرْنٌ قُطِعَ حتى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ في بَقِيَّتَهِمْ».

وأخرجه أحمد في «مسنده» (2/198) برقم (6871) عن عبدالرَّزَّاقِ.

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/533) عن أبي عبدالله الصنعاني، عن إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبدالرزاق.

وأخرجه الطبراني في في «المعجم الأوسط» (7/41) عن محمد بن هارون، عن العباس بن الوليد الخلال، عن الوليد بن الوليد القلانسيّ، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن نوف البكالي، عن عبدالله بن عمرو بن العاص.

قال الطبراني: "لم يدخل في هذا الحديث بين شهر بن حوشب وبين عبدالله بن عمرو أحداً ممن رواه عن قتادة إلا سعيد بن بشير! تفرد به الوليد بن الوليد".

قلت: وهم فيه سعيد بن بشير، وهو ضعيف ويُخطئ كثيراً في حديث قتادة.

وكان قتادة لا يسند هذا الحديث في التفسير!

رواه الطبري في «تفسيره» (20/142) من طريق سعيد بن أبي عروبة.

وابن أبي حاتم في «تفسيره» (9/3050) من طريق شَيبان بن عبدالرحمن التميميّ النحويّ، كلاهما عن قتادة في قوله تعالى {فآمن له لوط} قال: وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها...» مختصراً.

وأما حديث ابن شوذب:

فأخرجه نُعيم بن حماد في «الفتن» (2/464) عن ضَمْرَة بن ربيعة، عَنِ ابنِ شَوْذَبٍ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ مِنْ بَعْدِ هِجْرَةٍ لِخِيَارِ أَهْلِ الْأَرَضِينَ إِلَى مُهَاجِرِ إِبْرَاهِيمَ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، وَتَمْقَتُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَلَهَا مَا سَقَطَ مِنْهُمْ».

وفي موضع آخر (2/627) رواه عن ابن شوذب عن مطر، عن شهر بن حوشب! وكلا الروايتين موقوفة على عبدالله بن عمرو.

وأما حديث المَيَّاحِ أَبِي العَلَاءِ:

فأخرجه نُعيم بن حماد في «الفتن» (2/630) عن يَحْيَى بن سُلَيْمٍ الطَّائِفِيّ، عَنِ المَيَّاحِ أَبِي العَلَاءِ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، قالَ: ذَهَبْتُ إِلى بَيْتِ المَقْدِسِ زَمَنَ مَاتَ مُعَاوِيَةَ وَبُويِعَ لِيَزِيدَ، فَهَجَّرْتُ فَأَخَذْتُ مَكَانًا قَرِيبًا مِنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ، فَإِذَا رَجُلٌ ضَخْمٌ أَبْيَضُ، عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ، يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ نَوْفٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عَبْدُاللَّهِ بنُ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ، فَكَفَّ نَوْفٌ عَنِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَهُ نَوْفٌ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا حَدَّثْتَنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ، خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَيُهَاجِرَنَّ النَّاسُ هِجْرَةً بَعْدَ هِجْرَةٍ إِلَى مُهَاجِرِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، عَلَى قَوْمٍ تَقْذَرُهُمْ رُوحُ اللَّهِ، وَتَرْفُضُهُمْ أَرْضُوهُمْ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَنْزِلُ حَيْثُ نَزَلُوا، وَتَبِيتُ حَيْثُ بَاتُوا، وَلَهَا مَا سَقَطَ مِنْهُمْ».

قلت: المياح أبو العلاء هذا لم أعرفه، لكن حديثه موافق لحديث غيره.

وأما حديث لَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ:

فأخرجه نُعيم بن حماد في «الفتن» (2/632) عن جَرِير بن عَبْدِالحَمِيدِ، عَنْ لَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، حَتَّى يُهَاجِرَ النَّاسُ إِلَى مُهَاجِرِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَقْذَرُهُمْ رُوحُ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، وَتَحْشُرُهُمْ نَارٌ مِنْ عَدَنَ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ أَيْنَمَا بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ أَيْنَمَا قَالُوا، وَلَهَا مَا سَقَطَ مِنْهُمْ».

قلت: ليث ضعيف لكنه توبع عليه كما مرّ.

وأما حديث أبي جناب الكلبيّ:

فأخرجه أحمد في «المسند» (2/84) عن يَزِيد بن هارون، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو جَنَابٍ يَحْيَى بنُ أَبِي حَيَّةَ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، قال: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بنَ عُمَرَ يَقُولُ: لقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا صَاحِبُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ بِأَحَقَّ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُنَا بِأَخَرَةٍ الْآنَ وَلَلدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِنَا مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لئِنْ أَنْتُمُ اتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَتَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ، لَيُلْزِمَنَّكُمُ اللهُ مَذَلَّةً فِي أَعْنَاقِكُمْ، ثُمَّ لَا تُنْزَعُ مِنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ، وَتَتُوبُونَ إِلَى اللهِ».

وسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَتَكُونَنَّ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ إِلَى مُهَاجَرِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْأَرَضِينَ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا، وَتَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ، وَتَقْذَرُهُمْ رُوحُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَقِيلُ حَيْثُ يَقِيلُونَ، وَتَبِيتُ حَيْثُ يَبِيتُونَ، وَمَا سَقَطَ مِنْهُمْ فَلَهَا».

ولَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يُسِيئُونَ الْأَعْمَالَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، قالَ يَزِيدُ: لا أَعْلَمُ إِلَّا قَالَ: يَحْقِرُ أَحَدَكُمْ عَمَلَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، فَطُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ، وَطُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ، كُلَّمَا طَلَعَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قَطَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ وَأَنَا أَسْمَعُ».

وأخرجه أبو نُعيم في «حلية الأولياء» (6/66) من طريق إسحاق بن راهويه، عن جرير، مختصراً.

قلت: خالف أبو جناب يحيى بن أبي حية الكلبي قتادة وليث بن أبي سُليم وابن شوذب، فرواه عن شهر عن ابن عمر! وأبو جناب ضعيف، وقد أخطأ في إسناده، وزاد في متنه أحاديث أخرى، وكان يُدلّس، فربما دلّس هذه الأحاديث.

والخلاصة أن هذا الحديث تفرّد به شهر بن حوشب عن عبدالله بن عمرو بن العاص!

قال ابن حجر في «الفتح» (11/380): "وسنده لا بأس به".

وكان الألباني ضعّفه في «ضعيف سنن أبي داود»، وفي «ضعيف الجامع الصغير» (3259)، لكنه تراجع عن تضعيفه في «صحيحته» برقم (3203) وصححه ببعض الشواهد - وهي واهية!-، وكذلك في «صَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب» (3091).

وضعّفه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على «مسند أحمد» (ط الرسالة: 11/456) فقال: "إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، ثم إنه معلول..".

وفي تعليقه على «سنن أبي داود» (4/139) قال: "إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، ثم إنه اضطرب فيه".

قلت: لم يتبيّن لي الاضطراب الذي قاله الشيخ!!

وشهر بن حوشب (ت112هـ) ضعيف جداً على الراجح من مجموع أقوال الأئمة، وأحاديثه لا تشبه حديث الناس، فلا يُحتج بما انفرد به! وقد قال ابن عدي بعد أن ذكر من حاله وحديثه: "ولشهر بن حوشب هذا غير ما ذكرت من الحديث ويروي عنه عبدالحميد بن بهرام أحاديث غيرها، وعامّة ما يرويه هو وغيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه، وشهر هذا ليس بالقوي في الحديث، وهو ممن لا يُحتج بحديثه، ولا يُتدين به".

وهو يروي في هذه القصة حديثين عن عبدالله بن عمرو بن العاص لم يروهما عنه غيره! وفيهما نكارة واضحة، وخاصة قوله إنهم كانوا قد مُنعوا من التحديث في ذلك الوقت!!

ولا أدري هل سمع شهر من حوشب من عبدالله بن عمرو بن العاص أم لا! نعم، هو عاصره، ونزل عبدالله الشام، ومات ليالي الحرة في ولاية يزيد بن معاوية سنة (63هـ)، وولي يزيد ثلاث سنين وأشهراً بعد أبيه.

وأصل قصة ذهابه للشام لا نُشكك فيها، لكن ذكره لها لا يعني أنه ضبط ما حدّث به من أحاديث مرفوعة، والحديث الأول أشبه ما يكون من الإسرائيليات، فلعله سمعه من نوف البكالي وكان عالماً بأحاديث أهل الكتاب، فلما روى القصة ذكر شهر هذا الحديث وزاد عليه حديث الخوارج!

وما ذكره هنا عن استمرار ظهور الخوارج حتى ظهور الدّجال هو زيادة على أصل حديث الخوارج الذي رواه أكثر من عشرة من الصحابة وليس فيه هذا! فهو بهذا الاعتبار منكر!

·       حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب:

أخرجه ابن ماجة في «سننه» (1/61) قال: حدثنا هِشَامُ بن عَمَّارٍ، قال: حدثنا يحيى بن حَمْزَةَ، قال: حدثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «يَنْشَأُ نَشْئٌ يقرؤون القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ». قال ابن عُمَرَ: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ أَكْثَرَ من عِشْرِينَ مَرَّةً حتى يَخْرُجَ في عِرَاضِهِمْ الدَّجَّالُ».

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/162) من طريق أبي النضر إسحاق بن إبراهيم بن يزيد وهشام بن عمّار الدمشقيان قالا: حدثنا يحيى بن حمزة، قال: حدثنا الأوزاعي عن نافع، - وقال أبو النضر: عمّن حدّثه عن نافع - عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيهاجر أهل الأرض هجرة بعد هجرة إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام حتى لا يبقى إلا شرار أهلها تلفظهم الأرضون وتقذرهم روح الرحمن وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معه حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا ولها ما سقط منهم».

ثم رواه بطوله من طريق يحيى بن محمد بن صاعد، قال: حدثنا سعد بن محمد، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا يحيى بن حمزة، قال: حدثنا الأوزاعي، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيهاجر خيار أهل الأرض هجرة بعد هجرة إلى مهاجر إبراهيم حتى لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تدفعهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا، ولها ما سقط فيموت، وينشأ نشئ يقرؤون القرآن لا يجاوز ألسنتهم كلما خرج قرن قطع. وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلما خرج قرن قطع أكثر من عشرين مرة حتى يخرج في آخراهم الدجال».

قال ابن كثير في «تفسيره» (3/412): "غريب من حديث نافع! والظاهر أن الأوزاعي قد رواه عن شيخ له من الضعفاء، والله أعلم".

قلت: يقصد ابن كثير أن الأوزاعي دلّسه عن شيخ ضعيف له.

وهذا الذي قاله ابن كثير محتمل، ويحتمل أن يحيى بن حمزة – وهو قاضي دمشق وكان صدوقاً- رواه عن مجهول ولم يسمه كما جاء في رواية أبي النضر إسحاق بن إبراهيم بن يزيد فإنه رواه عن يحيى عمّن حدّثه عن نافع عن ابن عمر.

ورواه هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة عن الأوزاعي، فسمى هذا المجهول وأنه الأوزاعي!!

فيُحتمل أنه أخطأ في ذكر الأوزاعي، وكأنه سلك فيه الجادة! وهشام له أخطاء ومخالفات.

وإسحاق بن إبراهيم أوثق في يحيى بن حمزة من هشام بن عمّار. فالأولى إعلال الحديث بأن راويه مجهول، وعدم تعليله بتدليس الأوزاعي.

وهذا الحديث أورده الشيخ مقبل الوادعي في كتابه «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» (ص: 242) وقال: "قال البوصيري في "مصباح الزجاجة (ج1ص26): هذا إسناد صحيح احتج به البخاري بجميع رواته. اهـ. ولكن في "تهذيب التهذيب" وقال أبو زرعة الدمشقي لا يصح للأوزاعي عن نافع شيء، وكذا قال عباس عن ابن معين لم يسمع من نافع شيئاً. اهـ".

قلت: فأعلّه الشيخ مقبل بعدم سماع الأوزاعي من نافع.

وقد اختلف أهل العلم في سماع الأوزاعي من نافع، فأثبته البخاري بتخريجه له حديثاً في «صحيحه» (973)، بَاب حَمْلِ العَنَزَةِ أَوِ الحَرْبَةِ بَيْنَ يَدَيِ الإِمَامِ يَوْمَ العِيدِ، وهو ما رواه الوَلِيدُ بن مسلم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْدُو إِلَى المُصَلَّى وَالعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ تُحْمَلُ، وَتُنْصَبُ بِالْمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا».

وقال صالح بن مُحَمَّد الأسدي الحافظ: سمعت الهَيْثَم بن خَارِجَة يَقُول: قلت للوليد بْن مسلم: قد أفسدت حديث الأَوزاعِيّ. قال: كيف؟ قلت: تروي عَنِ الأَوزاعِيّ، عَنْ نَافِع وعن الأَوزاعِيّ، عَنِ الزُّهْرِيّ، وعن الأَوزاعِيّ، عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد، وغيرك يدخل بين الأَوزاعِيّ وبين نَافِع: عَبداللَّهِ بْن عَامِر الأَسلميّ، وبينه وبين الزُّهْرِيّ إِبْرَاهِيم بْن مرة وقرة وغيرهما، فما يحملك على هذا؟ قال: أنبل الأَوزاعِيّ أن يروي عَنْ مثل هؤلاء. قلت: فإذا روى الأَوزاعِيّ عَنْ هؤلاء، وهؤلاء ضعفاء، أحاديث مناكير، فأسقطتهم أنت، وصيرتها من رواية الأَوزاعِيّ عَنِ الثقات، ضعف الأَوزاعِيّ. فلم يلتفت إلى قولي.

وَقَال أَبُو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ: الوَلِيد بن مسلم يُرسل يروي عَنِ الأَوزاعِيّ أحاديث عند الأَوزاعِيّ عَنْ شيوخ ضعفاء، عَنْ شيوخ قد أدركهم الأَوزاعِيّ مثل نَافِع، وعطاء، والزُّهْرِيّ، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عَنِ الأَوزاعِيّ عَنْ نَافِع، وعن الأَوزاعِيّ عَنْ عَطَاء والزُّهْرِيّ، يَعْنِي مثل عَبد اللَّهِ بْن عامر الأَسلميّ، وإِسْمَاعِيل بن مسلم.

وقال أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (ص: 723): "لا يَصِحُّ عِنْدَنَا لِلَأَوْزَاعِيِّ عَنْ نَافِعٍ شَيْءٌ. وَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي ابْنُ سَمَاعَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ نَافِعٍ".

قلت: حديث الأوزاعي عن نافع قليل جداً! وقد أدركه، لكن لا يُعرف له أي سماع منه، وكأن البخاري – رحمه الله- اغتر في تخريجه لحديث الوليد لوجود سماع الأوزاعي من نافع فيه! وكان البخاري – رحمه الله- يعتمد على كتب الشاميين التي فيها أخطاء في السماعات، وقد بينت ذلك في بحث مفرد: «كيف يقع الوهم للإمام البخاريّ في الشاميين؟!»

http://addyaiya.com/content.php?page-id=350&v=01f7743c

والراجح عندي أن الأوزاعي لم يسمع من نافع شيئاً، بل إنّ الأوزاعي نفسه أشار إلى أنه لم يسمع من نافع! فقد سُئل عن روايته عن نافع أهي عنه مباشرة أم عن رجل عنه؟ فأجاب: عن رجل عنه، فيما رواه أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (ص: 265) قالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ خَالِدٍ الخُتَّلِيُّ قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: يَا أَبَا عَمْرٍو: الحَسَنُ أَوْ رَجُلٌ عَنِ الْحَسَنِ؟ قَالَ: رَجِلٌ عَنِ الحَسَنِ. قُلْتُ: فَنَافِعٌ أَوْ رَجُلٌ عَنْ نَافِعٍ؟ قَالَ: رَجُلٌ عَنْ نَافِعٍ. قُلْتُ: فَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، أَوْ رَجُلٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ؟ قَالَ: عَمْرُو بْنُ شعيب.

وأما الحديث الذي أخرجه البخاري له عن نافع فقد اعتمد فيه على السماع الذي لا يصح فيه. وكذا وقع السماع في رواية ابن ماجه (1304) عن هشام بن عمّار عن عيسى بن يونس. وعن عبدالرحمن بن إبراهيم دُحيم عن الوليد بن مسلم؛ قالا: حدثنا الأوزاعي: أخبرني نافع، به.

وأشار المزي في «تحفة الأشراف» (6/114) إلى الاختلاف على الأوزاعي في ذكر صيغة السماع والعنعنة، فنقل عن أبي مسعود قوله: "في هذا الحديث خلاف عن الأوزاعي".

وقد نقل بقية كلامه الحافظ ابن حجر في «النكت الظراف» فقال: "قلت: بقية كلامه: رواه دُحيم [ق] عن الوليد، ووافقه ابن أبي العشرين عن الأوزاعي. وكذا رواه داود بن رُشيد وإسحاق بن موسى عن الوليد، لكن قالا (عن)، لم يقولا: (حدثني). وكذا قال عيسى بن يونس وشعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي، وخالفهم الوليد بن مزيد وعمر بن عبدالواحد، قالا: عن الأوزاعي: بلغني عن نافع. وكذا قال شعبة: أخبرنا الأوزاعي، عن رجل، عن نافع" انتهى.

ويبدو أن الوليد بن مسلم أحياناً كان يذكر السماع وأحياناً يذكر العنعنة! وقد تبيّن أن الحديث فيه علة كما بينته رواية الوليد بن مزيد وعمر بن عبدالواحد وشعبة، وبيّنوا أن هناك واسطة بين الأوزاعي ونافع، ولم يسمعه الأوزاعي من نافع.

والعجب من ابن حجر لم يتنبه لما نقله عن أبي مسعود في شرحه لصحيح البخاري، فإنه قال فيه (2/463): "والوليد المَذْكُور هُنَا هُوَ ابن مُسْلِمٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِتَحْدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ لَهُ وَبِتَحْدِيثِ نَافِعٍ لِلْأَوْزَاعِيِّ فَأُمِنَ تَدْلِيسُ الْوَلِيدِ وَتَسْوِيَتُهُ، وَلَيْسَ للأوزاعي عَن نَافِع عَن ابن عُمَرَ مَوْصُولًا فِي الصَّحِيحِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْحُمَيْدِيُّ".

وقال ابن رجب في شرحه على البخاري «فتح الباري» (9/37): "وقد ذكر غير واحد: أن الأوزاعي لم يصح له سماع من نافع، منهم ابن معين ويحيى بن بكير.

وقيل: سمع منه حديثا واحداً.

وقد قيل: إن الشاميين كانوا يتسمحون في لفظة (أنا)، و (ثنا)، ويستعملونها في غير السماع. ذكره الإسماعيلي وغيره".

وقال في موضع آخر في حديث آخر للأوزاعي (9/230): "وقال عيسى بن يونس وعباد بن جويرية: عن الأوزاعي، عن الزهري عن القاسم، عن عائشة - من غير ذكر: (نافع). وكذا روي عن ابن المبارك، عن الأوزاعي.

قالَ الدارقطني: فإن كانَ ذَلِكَ محفوظاً عن الأوزاعي، فهوَ غريب عن الزهري.

وخرجه البيهقي من رواية الوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي: حدثني نافع ثُمَّ قالَ: كانَ ابن معين يزعم أن الأوزاعي لم يسمع من نافع شيئا.

ثُمَّ خرجه من طريق الوليد مزيد: حدثنا الأوزاعي: حدثني رجل، عن نافع - فذكره.

قالَ: وهذا يشهد لقول ابن معين.

قلت: وقد سبق الكلام على رواية الأوزاعي عن نافع في (باب: حمل العنزة بين يدي الإمام يوم العيد)؛ فإن البخاري خرج حديثا للأوزاعي عن نافع مصرحاً فيهِ بالسماع".

فالحديث الذي أخرجه البخاري للأوزاعي عن نافع له علّة، واكتفى البخاري بما وجده في نسخ الشاميين فرواه في كتابه!

والحديث قد صحّ عن نافع عن ابن عمر من طريق آخر من غير طريق الأوزاعي عنه.

وعلى كلّ حال فإسناد حديثنا منكر لا يصح! والحديث فيه نكارة حيث ربط حشر النار للناس بنشوء هؤلاء الخوارج كما جاء فيه! والأصل أن الخوارج قد ظهروا في زمن عليّ وحاربهم ووجدهم كما وصفهم النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وارتباط سوق النار للناس إلى الشام أصله من حديث كعب الأحبار كما روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/484) عن عبداللهِ بن نُمَيْرٍ، عن عُبَيْدِاللهِ بن عُمَرَ، عن كَعْبٍ، قال: «يُوشِكُ نَارٌ تَخْرُجُ من اليَمَنِ. قال: تَسُوقُ الناس تَغْدُو مَعَهُمْ إذَا غَدَوْا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إذَا قَالَوا وَتَرُوحُ مَعَهُمْ إذَا رَاحُوا فإذا سَمِعْتُمْ ذلك فَاخْرُجُوا إلَى الشَّامِ».

وحشر النّار للناس قد صح من حديث أبي هريرة كما أخرجه مسلم في «صحيحه» (4/2195) من حديث عبداللَّهِ بن طَاوُسٍ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُحْشَرُ الناس على ثَلَاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينً وَاثْنَانِ على بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ على بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ على بَعِيرٍ وَعَشَرَةٌ على بَعِيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمْ النَّارُ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قالوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا».

وهذه الأحاديث مشهورة بين الرواة وتبيّن الخلط الذي يحصل للضعفاء في روايتهم للأحاديث ودخول أحاديث في أخرى بسبب التشابه في أجزاء منها! فالأمر مرتبط في نار تحشر الناس إلى أرض مهاجر إبراهيم وهي الشام، وحدوث ذلك في آخر الزمان فدخل في ذلك حديث الخوارج وظهورهم معها حتى يخرج آخرهم مع الدّجال!! فدخل هذا الحديث في حديث الخوارج الصحيح المشهور بأنهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم...

·       حديث أبي بَرْزة الأَسلميّ:

رواه حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ الأَزْرَقِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ شَرِيكِ بنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ أَلْقَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ عَنِ الْخَوَارِجِ فَلَقِيتُ أَبَا بَزْرَةَ الْأَسْلَمِيَّ فِي يَوْمِ عِيدٍ – وفي رواية: يوم عرفة - فِي نَاسٍ فِي أَصْحَابِهِ فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ فِي الْخَوَارِجِ؟ قَالَ أَبُو بَرْزَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُذُنِي وَرَأَيْتُهُ بِعَيْنِي أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَالٍ فَقَسَمَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ أَسْوَدُ مَطْمُومُ الشَّعْرِ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ فَأَعْطَى مَنْ عَنِ يَمِينِهِ وَمَنْ عَنْ شِمَالِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا فَجَاءَ مِنْ وَرَائِهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ مَا عَدَلْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لَا تَجِدُونَ أَحَدًا بَعْدِي أَعْدَلَ عَلَيْكُمْ مِنِّي» قَالَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَأَنَّ هَذَا مِنْهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجَ آخِرُهُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ».

أخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (923) عن حمّاد.

وأخرجه البزار في «مسنده» (9/294) عن عمرو بن علي ويحيى بن حكيم، كلاهما عن أبي داود الطيالسي.

وأخرجه النسائي في «سننه» (2/312) عن محمد بن معمر البصري الحراني، عن أبي داود الطيالسي.

وأخرجه أخرجه أحمد في «مسنده» (4/424) عن عبدالصَّمَدِ وَيُونُس، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، به. وأخرجه كذلك (4/425) عن عَفَّان، عن حَمَّاد بن سَلَمَة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/559) عن يُونُس بن مُحَمَّدٍ، عن حَمَّاد.

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/160) من طريق عفّان بن مسلم عن حماد.

قال البزار: "وهذا الحَدِيثُ قدْ رُوِيَ نَحْوُ كَلَامِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ فَذَكَرْنَا كُلَّ حَدِيثٍ بِلَفْظِهِ فِي مَوْضِعِهِ، ولا نَعْلَمُ رَوَى عَنْ شَرِيكِ بنِ شِهَابٍ إِلَّا الأَزْرَقُ بنُ قَيْسٍ! ولا نَعْلَمُ رَوَى غَيْرَ هذَا الحَدِيثِ!".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".

وقال النسائي بعد أن روى الحديث: "شريك بن شهاب ليس بذاك المشهور".

قلت: أصل الحديث صحيح لكن زيادة «حتى يخرج آخرهم مع الدجال» ليست في الأحاديث الصحيحة، ولهذا قال الشيخ الأرنؤوط أثناء تعليقه على «المسند» (33/27): "صحيح لغيره دون قوله:"حتى يخرج آخرهم" وهي هنا مختصرة، توضحها الرواية الآتية برقم (19808): "حتى يخرج آخرهم مع الدجال"، وإسناد هذا الحديث ضعيف لجهالة شريك بن شهاب".

قال الذهبي في «الميزان» (3/371): "شريك بن شهاب عن أبي برزة: لا يُعرف إلا برواية الأزرق بن قيس عنه".

وذكره ابن حبان في «ثقاته» على قاعدته المشهورة في إيراد المجاهيل والمساتير في كتابه.

قلت: المستغرب رواية الأزرق بن قيس هذا الحديث عن هذا الرجل المجهول عن أبي برزة، مع أن الأزرق بن قيس كان من أصحاب أبي برزة!

وكان أبو برزة قد حضر مع علي بن أَبي طالب قتال الخوارج بالنهروان، وورد المدائن فِي صحبته، وغزا بعد ذلك خراسان فمات بها في أيام يزيد بن معاوية أو في آخر خلافة معاوية.

روى الإمام البخاري في «صحيحه» (1/405) قال: حدثنا آدَمُ، قال: حدثنا شُعْبَةُ، قال: حدثنا الأَزْرَقُ بن قَيْسٍ، قال: «كنا بِالأَهْوَازِ نُقَاتِلُ الْحَرُورِيَّةَ فَبَيْنَا أنا على جُرُفِ نَهَرٍ إذا رَجُلٌ يُصَلِّي وإذا لِجَامُ دَابَّتِهِ بيده فَجَعَلَتْ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا - قال شُعْبَةُ: هو أبو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ - فَجَعَلَ رَجُلٌ من الخَوَارِجِ يقول: اللهم افْعَلْ بهذا الشَّيْخِ! فلما انْصَرَفَ الشَّيْخُ قال: إني سمعت قَوْلَكُمْ، وَإِنِّي غَزَوْتُ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّ غَزَوَاتٍ أو سَبْعَ غَزَوَاتٍ وثمان وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ، وَإِنِّي إن كنت أَنْ أُرَاجِعَ مع دَابَّتِي أَحَبُّ إلي من أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ إلى مَأْلَفِهَا فَيَشُقُّ عَلَيَّ».

ورواه البخاري أيضاً (5/2269) قال: حدثنا أبو النُّعْمَانِ، قال: حدثنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن الأَزْرَقِ بن قَيْسٍ، قال: «كنا على شَاطِئِ نَهَرٍ بِالْأَهْوَازِ قد نَضَبَ عنه الْمَاءُ فَجَاءَ أبو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ على فَرَسٍ فَصَلَّى وَخَلَّى فَرَسَهُ فَانْطَلَقَتْ الْفَرَسُ فَتَرَكَ صَلَاتَهُ وَتَبِعَهَا حتى أَدْرَكَهَا فَأَخَذَها، ثُمَّ جاء فَقَضَى صَلَاتَهُ، وَفِينَا رَجُلٌ له رَأْيٌ فَأَقْبَلَ يقول: انْظُرُوا إلى هذا الشَّيْخِ تَرَكَ صَلَاتَهُ من أَجْلِ فَرَسٍ!! فَأَقْبَلَ فقال: ما عَنَّفَنِي أَحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقال: إِنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ، فَلَوْ صَلَّيْتُ وتركت لم آتِ أَهْلِي إلى اللَّيْلِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ صَحِبَ النبي صلى الله عليه وسلم فَرَأَى من تَيْسِيرِهِ».

قلت: ورواية أبي برزة لحديث الخوارج لا يُعرف إلا من حديث حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن شريك بن شهاب عن أبي برزة، وحماد له تفردات منكرة! ولهذا لم يعتمده الإمام البخاري وخرّج له في الشواهد، بخلاف الإمام مسلم فإنه اعتمده وخاصة في حديث ثابت.

وتفرده هنا لا يُحتمل سيما وفي الإسناد رجل مجهول لا يُعرف إلا في هذا الحديث، وكذلك روايته الحديث عن الأزرق عن هذا المجهول عن أبي برزة، والأزرق ممن شارك في قتال الخوارج مع أبي برزة!!

وحماد بن سلمة له أوهام في دخول أسانيد في أخرى، فيُحتمل أنه دخل له حديث في آخر لتشابهما في الحديث عن الخوارج، والله أعلم.

·       حديث أبي هريرة:

أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/556) قال: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ العَنَزِيُّ، قال: حدثَنَا عُثْمَانُ بنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قال: حدثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ صَالِحٍ، قال: حدثَنَا مُوسَى بنُ عَلِيِّ بنِ رَبَاحٍ، قالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: خَرَجْتُ حَاجًّا، فقالَ لِي سُلَيْمَانُ بنُ عَنَزٍ - قَاضِي أَهْلِ مِصْرَ-: أَبْلِغْ أَبَا هُرَيْرَةَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَعْلِمْهُ أَنِّي قَدِ اسْتَغْفَرْتُ الْغَدَاةَ لَهُ وَلِأُمِّهِ، فَلَقِيتُهُ فَأَبْلَغْتُهُ، قالَ: وَأَنَا قَدِ اسْتَغْفَرْتُ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ أُمَّ خَنُّوْر - يَعْنِي مِصْرَ -؟ قالَ: فَذَكَرْتُ لَهُ مِنْ رَفَاهِيَتِهَا وَعَيْشِهَا، قالَ: أَمَا إِنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْضِ خَرَابًا، ثُمَّ أَرْمِينِيَةُ، قُلْتُ: سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالَ: لا، ولكِنْ، حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّهَا تَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ، وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، وَتُقَذِّرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ فَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ».

وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ، حَتَّى يَخْرُجَ فِي بَقِيَّتِهِمُ الدَّجَّالُ».

قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ولمْ يُخْرِجَاهُ فَقَدِ اتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى أَحَادِيثِ مُوسَى بنِ عَلِيِّ بنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ، ولمْ يُخْرِجَاهُ".

وقد أورد الشيخ الألباني حديث شهر بن حوشب السابق في «صحيحته» برقم (3203) وقوّاه بهذا الطريق وقال: "ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى، وشاهداً، يتقوّى الحديث بهما ولا بد. أما الطريق الأخرى؛ فقال الحاكم (4/510): أخبرني أحمد بن محمد بن سلمة العنزي (!): ثنا عثمان بن سعيد الدارمي...".

ثم قال: "وقال الحاكم: (حديث صحيح على شرط الشيخين)، ووافقه الذهبي! وأقول: عبدالله بن صالح - وهو أبو صالح كاتب الليث - ليس من رجال مسلم، ثم إن فيه كلاما من قبل حفظه، وقد توسط فيه الحافظ في "مقدمة الفتح "، فقال بعد أن ساق أقوال أئمة الجرح فيه: (قلت: ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيماً، ثم طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق، كيحيى ابن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم؛ فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه...).

قلت: ولعل من هؤلاء الحذاق عثمان بن سعيد الدارمي؛ فقد ذكر الذهبي في ترجمته من "السير" (13/320) أنه أخذ علم الحديث وعلله عن علي ويحيى وأحمد، وفاق أهل زمانه، ووصفه في مطلع ترجمته بـ: "الإمام العلامة الحافظ الناقد...". لكن يبقى النظر في حال شيخ الحاكم أحمد بن محمد بن سلمة العنزي؛ فإني لم أجد له ترجمة، لكن يظهر من تصحيح الحاكم لحديثه هذا أنه ثقة عنده. وقد ذكره الذهبي في الرواة عن الدارمي، لكنه لم يسم جده، وقال في نسبته (العنبري) مكان (العنزي)، فهو ممن يستشهد به على الأقل. والله أعلم" انتهى.

وقال الشيخ شعيب ورفاقه أثناء تعليقهم على «مسند أحمد» [ط الرسالة (11/457)]: "وصححه - أي الحاكم - على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، مع أن في إسناده كاتب الليث لم يخرج له الشيخان ولا أحدُهما، وإنما علق له البخاري، ثم هو في حفظه شيء. وقد أخرجه مختصراً ابنُ عبدالحكم في "فتوح مصر" ص 232 بنفس إسناد الحاكم، لكن جاء في آخره أن عُلي بن رباح قال لأبي هريرة: أسمعت ذلك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أو من كعب الكتابين. فالحديثُ معلول بهذا، ووقفُه على كعب الأحبار أشبه".

قلت: ركّز الشيخ الألباني على كاتب الليث وساق كلام أهل العلم وأن من رى عنه من أهل الحذق فحديثه مقبول وعليه قبل الحديث كشاهد!!

وأعلّ الشيخ شعيب الحديث بأنه من كلام كعب الأحبار!!

وما قاله الشيخان (الألباني والأرنؤوط) فيه نظر!! فالحديث ليس بقويّ كما ذهب إليه الألباني، وعلته ليست أنه من كلام كعب كما قال الأرنؤوط.

وإنما العلّة فيه أنه دخل فيه الحديث المعروف عن شهر بن حوشب.

فقد رواه ابن عبدالحكم الحديث في «فتوح مصر» (ص: 260) ولم يذكر هذين الحديثين [حديث الهجرة وحديث الخوارج]!

قال ابن عبدالحكم: حدثنا عبدالله بن صالح، قال: حدثنا موسى بن عليّ، عن أبيه، قال: «خرجنا حُجاجاً من مصر، فقال لى سليم بن عنر: اقرأ على أبي هريرة السلام، وأخبره أني قد استغفرت له ولأمّه الغداة، قال: فلقيته فقلت ذلك له، فقال أبو هريرة: وأنا قد استغفرت له ولأهله الغداة، ثم قال أبو هريرة: كيف تركت أمّ خنّور؟ قال: فذكرت له من خصبها ورفاهيتها، فقال: أما إنّها أوّل الأرضين خراباً، ثم على أثرها إرمينية! فقلت: أسمعت ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال: أو من كعب [ذو] الكتابين».

وقد تابعه على هذا عبدالله بن يزيد المقرىء، ولم يذكرهما.

أخرج إسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/347) قال: أَخْبَرَنَا المُقْرِئُ، قال: حدثنا مُوسَى بنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قالَ: «خَرَجْتُ حَاجًّا فَأَوْصَانِي سُلَيْمُ بنُ عَنْز، وَكَانَ قَاضِيًا لِأَهْلِ مِصْرَ فِي وَلَايَةِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ وَمَنْ بَعْدَهُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ السَّلَامُ، وَقَالَ: إِنِّي اسْتَغْفَرْتُ الْغَدَاةَ لِأَبِيهِ وَلِأُمِّهِ، فَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِالْمَدِينَةِ فَأَبْلَغْتُهُ، فَقَالَ: وَأَنَا اسْتَغْفَرْتُ الْغَدَاةَ لَهُ وَلِأَهْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَكْتَ أُمَّ خَنُّورٍ؟ تُرِيدُ مِصْرَ، فَدَنَوْتُ مِنْ رِفَاعِيَّتِهَا وَحَالِهَا، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَرْضِينَ خَرَابًا، ثُمَّ عَلَى إِثْرِهَا أَرْمِينِيَّةُ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَوْ مِنْ كَعْبٍ ذُو الْكِتَابَيْنِ».

وأخرجه ابن عبدالحكم في «فتوح مصر» (ص:260) مختصراً من طريق أخرى، قال: أخبرنا أبو الأسود النضر بن عبدالجبّار، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن عليّ بن رباح قال، قال لي سليم بن عنر: «إذا لقيت أبا هريرة فأقرئه منّي السلام، وأخبره أني قد دعوت له ولأمّه، فلقيته فأخبرته، فقال: وأنا قد دعوت له ولأمّه».

قلت: فتبيّن أن عبدالله بن صالح كاتب الليث قد أصاب في الحديث وتوبع عليه، وأن الذي من كلام كعب هو حديث خراب مصر وأرمينية، لا حديثنا الذي أعلّه الشيخ شعيب ورفاقه بهذا!!

فحديث الحاكم معلول بهذه الزيادة التي فيه وهي لا توجد أصلاً في حديث عبدالله بن صالح كاتب الليث، وما جاء فيه: "قالَ: أَمَا إِنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْضِ خَرَابًا، ثُمَّ أَرْمِينِيَةُ، قُلْتُ: سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالَ: لا، ولكِنْ، حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّهَا تَكُونُ هِجْرَةٌ...".

يخالف ما جاء في الطريق الآخر عن كاتب الليث ومتابعة المقرئ له: " فقال: أَمَا إِنَّهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَرْضِينَ خَرَابًا، ثُمَّ عَلَى إِثْرِهَا أَرْمِينِيَّةُ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَوْ مِنْ كَعْبٍ ذُو الْكِتَابَيْنِ»".

والعهدة في هذه الزيادة إما على الحاكم أو على شيخه، فكأنه دخل لأحدهما حديث في حديث نتيجة خلط ربما وقع في النّسخ؛ لأن هذا الحديث هو نفسه حديث شهر، وشهر يرويه عن عبدالله بن عمرو بن العاص، ولا دخل لأبي هريرة بهذه الرواية.

وشيخ الحاكم الذي لم يقف له الشيخ الألباني على ترجمة قد ترجم له الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (15/519) قال: "الشيخ، المسند الأمين، أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس بن سلمة العنزي، النيسابوري، الطرائفي. سمع: محمد بن أشرس، والسري بن خزيمة، وارتحل إلى عثمان بن سعيد الدارمي، فأكثر عنه.

حدث عنه: أبو علي الحافظ، وأبو الحسين الحجاجي، والحاكم، وابن محمش، والسلمي، ويحيى بن المزكي، وآخرون.

قال الحاكم: كان صدوقاً. قال لي: أقمت ببغداد سنة أربع وثمانين ومائتين على التجارة، فلم أسمع بها شيئاً.

قال: وتوفي في رمضان سنة ست وأربعين وثلاث مائة، وصلى عليه أبو الوليد الفقيه".

قلت: فقد نسبه الذهبي (العنزي) وكان ينبغي للشيخ الألباني وغيره أن لا ينسبوا إلى الذهبي أنه نسبه (العنبري)! فالتحريف من النسخ.

والخلاصة أن هذا الحديث قد ثبتت روايته عن شهر بن حوشب، وبقية الطرق معلولة، ولا تصلح لأن تقوّي حديث شهر، بل حديثه هو أصل تلك الطرق، ولا يُحتج به.

وحديث الخوارج في الصحيحين من عدة طرق وليس فيه هذه الزيادة التي تفرد بها شهر بن حوشب عن عبدالله بن عمرو بن العاص، وعلى مقتضى الصنعة الحديثية فلا يعتد بها لتفرد راويها الضعيف بها، ولو كانت صحيحة لجاءت في تلك الأحاديث أو لرواها أصحاب عبدالله بن عمرو الثقات كجبير بن نفير الحضرمي وحميد بن عبدالرحمن بن عوف وخيثمة بن عبدالرحمن الجعفي وسالم بن أبي الجعد وغيرهم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد الحايك.

 

شاركنا تعليقك