الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

حديث «لَزَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ من قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» لا يصحّ مرفوعاً! والصواب أنه موقوف على عبدالله بن عمرو بن العاص.

حديث «لَزَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ من قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» لا يصحّ مرفوعاً! والصواب أنه موقوف على عبدالله بن عمرو بن العاص.

 

رُوي هذا الحديث مرفوعاً وموقوفاً.

·       رواية إبراهيم بن مهاجر البجلي الكوفي:

روى النسائي في «السنن الكبرى»، باب تعظيم الدم، (2/284) قال: أخبرنا محمد بن مُعَاوِيَةَ بن مَالَجَ، قال: حدثنا محمد بن سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ، عن ابن إسحاق، عن إبراهيم بن مُهَاجِرٍ، عن إسماعيل مولى عبداللَّهِ بن عَمْرٍو، عن عبداللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: في «والَّذِي نَفْسِي بيده لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ من زَوَالِ الدُّنْيَا».

قال أبو عَبْدالرحمن النسائي: "إِبْرَاهِيمُ بن الْمُهَاجِرِ ليس بِالْقَوِيِّ".

ورواه ابن أبي عاصم في كتاب «الزهد» (140) عن أبي أيوب سليمان بن عمرو الرقي، عن محمد بن سلمة، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/331) وفي «المعجم الصغير» (1/355) عن عبدالله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، عن أحمد بن عبدالملك بن واقد الحراني، عن محمد بن سلمة، به.

قال الطبراني: "لم يروه عن إبراهيم إلا محمد بن إسحاق تفرد به محمد بن سلمة".

وقال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» (كما في الأفراد: 4/15): "تفرد به محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن مهاجر عن إسماعيل".

·       علّة الحديث: إسقاط راو هالك من إسناده!

وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/423): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه الحكم بن موسى عن محمد بن سلمة عن ابن اسحاق عن إبراهيم بن مهاجر عن إسماعيل مولى عبدالله بن عمرو عن عبدالله بن عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا»؟ فقالا: "هكذا رواه الحكم! والحرّانيون يدخلون بين ابن اسحاق وبين إبراهيم بن مهاجر: الحسن بن عمارة".

قلت: أعلّ الحديث النسائي بضعف إبراهيم، وأشار أبو حاتم وأبو زرعة إلى أن الحديث له علّة أخرى وهي إسقاط "الحسن بن عمارة" وتدليسه، فالحديث حديثه، وهو ساقط متروك الحديث، واستدلا بأن أهل حرّان يروونه عن ابن إسحاق عن الحسن بن عمارة عن إبراهيم بن مهاجر الكوفيّ، وهناك من أهل حرّان من كان يسقطه أيضاً، فهذه علة الحديث وبذلك تكون العهدة فيه على الحسن بن عمارة لا على إبراهيم، وإن كان إبراهيم ليس بالقوي.

·       مجهول مشّاه ابن حجر!

وكذلك فإن إسماعيل مولى عبدالله بن عمرو هذا مجهول لا يُعرف إلى في هذه الرواية المنكرة! وقد أخطأ ابن حبان بذكره في «الثقات» (6/40) حيث قال: "إسماعيل مولى عبدالله بن عمرو بن العاص قوله، روى عنه إبراهيم بن المهاجر".

وقد تعقبه ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (1/294) فقال - بعد أن أشار إلى رواية إبراهيم عنه عند النسائي: "ذكره ابن حبان في الثقات في أتباع التابعين فقال: إسماعيل مولى عبدالله بن عمرو بن العاص، روى عنه إبراهيم بن المهاجر قوله، فكأنه لم يقف على هذا الحديث الذي رواه إبراهيم عنه مسنداً".

قلت: يُحتمل أن نسخة ابن حبان التي اعتمدها في الترجمة لإسماعيل كان فيها سقط فظهر الحديث عنده أنه موقوف، والله أعلم.

والعجيب أن ابن حجر مشّاه في «التقريب» (ص110) وهو مجهول العين! قال: "إسماعيل السهمي مولى عبدالله بن عمرو: صدوق من الثالثة".

·       رواية شعبة عن يعلى بن عطاء والاختلاف عليه:

روى محمّد بنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ».

أخرجه الترمذي في «جامعه» (1359) عن أَبي سَلَمَة يَحْيَى بن خَلَفٍ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِاللَّهِ بنِ بَزِيعٍ.

والنسائي في «سننه» (3987) عن يَحْيَى بن حَكِيمٍ الْبَصْرِيّ.

والبزار في «مسنده» (2393) عن عُقْبَة بن مُكْرَمٍ، وأبي بُرَيْدٍ الْجَرْمِيّ، كلهم عن ابن أبي عدي، به.

قال البزار: "وهذا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُ أَسْنَدَهُ، عَنْ شُعْبَةَ إِلَّا ابنُ أَبِي عَدِيٍّ".

وخالفه محمد بن جعفر فرواه عن شعبة، عن يعلى، عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو، موقوفاً.

أخرجه الترمذي والنسائي كلاهما عن محمّد بن بَشَّارٍ، عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ، عن شُعْبَة، عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَحْوَهُ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ.

قال الترمذي: "وهذا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَفِي البَابِ عَنْ سَعْدٍ، وَابنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَبُرَيْدَةَ".

قال: "حدِيثُ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو هَكَذَا رَوَاهُ ابنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عن يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ فَلَمْ يَرْفَعْهُ، وهكَذَا رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ مَوْقُوفًا، وهذَا أَصَحُّ مِنَ الحَدِيثِ المَرْفُوعِ".

وقال الترمذي في «العلل الكبير» (1/219) بعد أن روى الحديث: فسألت محمداً – يعني البخاري- عن هذا الحديث؟ فقال: "الصحيح عن عبدالله بن عمرو موقوف".

وقد توبع شعبة على وقفه، تابعه هُشيم وسفيان الثوري، فدلّ ذلك على أن ابن أبي عدي أخطأ في رفعه عنه، والصواب رواية غندر، وغندر أثبت في شعبة من غيره.

ورواه سعيد بن منصور في «سننه» (673) عن هُشَيْمٌ، عَنْ يَعْلى بنِ عَطَاء، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: «لزَوَالُ الدُّنْيَا بِأَسْرِها أهْون عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يُسْفَكُ بِغَيْرِ حقّ».

·       لا يصح ذكر "منصور" في إسناده!

ورواه النسائي في «سننه» عن عَمْرُو بن هِشَامٍ، عن مَخْلَد بن يَزِيدَ، عن سُفْيَانَ، عن مَنْصُورٍ، عن يَعْلَى بن عَطَاءٍ، عن أبيه، عن عبداللَّهِ بن عَمْرٍو قال: «قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ من زَوَالِ الدُّنْيَا».

كذا رواه مخلد، عن سفيان عن منصور! وذكر "منصور" فيه خطأ، فقد نقل المِزَّي في «تحفة الأشراف» (6/364) عن النسائي أنه قال: "هذا خطأ من حديث منصور".

وقد أخرجه البيهقي في «سننه» من طريق محمد بن يوسف الفريابي، عن سفيان، عن يعلى بن عطاء...، فذكره موقوفًا، ولم يذكر فيه "عن منصور".

وقد صرّح الترمذي كما سبق بهذا، قال: "وهكذا روى سفيان الثوري، عن يعلى بن عطاء موقوفًا، وهذا أصح من الحديث المرفوع".

·       رواية منكرة فيها جمع الشيوخ لا علاقة لأبي أسامة بها!

ورواه البيهقي في «سننه» من طريق حسين بن علي بن الأسود، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا شعبة وسفيان ومسعر، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مسلم».

قال: "ورواه أيضاً ابن أبي عدي عن شعبة مرفوعاً، ورواه غندر وغيره عن شعبة موقوفاً، والموقوف أصح".

ورواه أبو نُعيم في «حلية الأولياء» من طريق محمّد بن أحمد بن راشد، عن مُحَمَّد بن سُلَيْمَانَ الْمَكِّيّ، قال: حدثنا أَبُو أُسَامَةَ، قال: حدثنا مِسْعَرٌ وَسُفْيَانُ، عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ».

قال أبو نُعيم: "تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو أُسَامَةَ عَنْهُ".

ورواه الخطيب في «تاريخ بغداد» (5/296) من طريق الحسين بن إسماعيل المحاملي، وحمزة بن الحسين السمسار، ومحمد بن جمعة أبي قريش، ثلاثتهم عن أبي علي محمد بن سليمان الشَطَوي، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن مسعر وسفيان، به.

قال أبو قريش: "يقولون إن مسعراً لم يرو عن يعلى بن عطاء، وهكذا حدثنا هذا الشيخ عن مسعر وسفيان".

قال الخطيب: "قلت: قد تابعه الحسين بن علي بن الأسود العجلي فرواه عن أبي أسامة"، ثم ساقه من طريق محمد بن علي بن العباس النسائي، عن الحسين بن علي بن الأسود، قال: حدثنا أبو أسامة: حدثنا مسعر وسفيان، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه.

قلت: محمد بن سليمان أبو علي الشطوي، ويعرف بأخي هشام: ضعيف الحديث، له بعض المناكير! والحسين بن علي بن الأسود العِجْلي، أبو عبدالله الكوفي: ضعيف جداً، واتهمه ابن عدي بسرقة الحديث.

فهذا الحديث لا يثبت عن أبي أسامة، فمن رواه عنه لا يحتج بهما!

تنبيه: جاء في رواية أبي نعيم: "محمد بن سليمان المكي"! وأظن أن "المكي" محرفة عن "الشطوي"، والله أعلم.

·       متابعة لابن أبي عدي في رفع الحديث عن شعبة! لكنها ضعيفة!

وأخرجه محمد بن إسحاق الكاتب النيسابوري في «المناهي والعقوبات» (ل 108/ ب) من طريق قَطَن بن إبراهيم النيسابوري، عن الحسين بن الوليد النيسابوري، عن شعبة، به، مرفوعاً.

قلت: قطن هذا ليّنه أبو حاتم، وقال النسائي: "فيه نظر"، وله غرائب ومناكير! قال ابن حبان: "يُخطىء أحياناً، يُعتبر حديثه إذا حدَّث من كتابه".

·       الحكم على الحديث:

الصواب أن الحديث رواه يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو، موقوفاً.

ويعلى بن عطاء ثقة معروف، يروي عن أبيه، روى عنه شعبة، وكان إذا أرسل الحديث عن أبيه استوقفه.

قال شعبة: "كان يعلى يحدثني عن أبيه فيرسله، فأقول له: فأبوك عمن؟ قال: أنت لا تأخذ عن أبي وأدرك عثمان رضي الله عنه وأدرك كذا".

وكان عطاء العامري والد يعلى من أصحاب عبدالله بن عمرو، وكان يسافر معه، وهو من الطائف، وكان عبدالله بن عمرو ينزل الطائف.

وروى شُعْبَة عن يَعْلَى بن عَطَاءٍ، عن أبيه قال: «كُنْت آخِذًا بِلِجَامِ دَابَّةِ عبداللهِ بن عَمْرٍو، فقال: كَيْفَ أَنْتُمْ إذَا هَدَمْتُمْ الْبَيْتَ، فلم تَدَعُوا حَجَرًا على حَجَرٍ! قَالَوا: وَنَحْنُ على الإِسْلاَمِ؟ قال: وَأَنْتُمْ على الإِسْلاَمِ، قال: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: ثُمَّ يُبْنَى أَحْسَنَ ما كان، فإذا رَأَيْت مَكَّةَ قد بَعَجَتْ كَظَائِمَ وَرَأَيْت الْبِنَاءَ يَعْلُو رؤوس الجِبَالِ فَاعْلَمْ أَنَّ الأَمْرَ قد أَظَلَّك».

ولعطاء روايات عن عبدالله بن عمرو معظمها موقوفة عليه، وهو صدوق إن شاء الله.

وقد جهّل حاله ابن القطان، فقال: "مجهول الحال ما روى عنه غير ابنه يعلى"، وتبعه الذهبي في الميزان.

وقاعدة ابن القطان في الجهالة واسعة! فإنه يجهل كثيراً من التابعين إذا لم يجد فيهم أي كلام لأهل العلم، وهذا ليس على إطلاقه، فإنه ينظر في حديث التابعي ومن روى عنه من الأئمة الثقات، فيقبل حديثه إن لم يكن فيه نكارة أو معارضة لما صحّ.

·       شواهد الحديث:

أشار الترمذي فيما سبق إلى شواهد هذا الحديث بقوله: "وفي الباب عن سَعْدٍ، وابنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَبُرَيْدَةَ".

أما حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة فكلها منكرة، وقد بينت ذلك في مقالتي: حديث «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ ولو بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».

وأما حديث بُريدة فرواه النسائي في «سننه»، والبيهقي في «شعب الإيمان»، وابن عدي في «الكامل» (2/21) كلهم من طريق حاتم بن إسماعيل، عن بشير بن المهاجر الغَنَوي الكوفي، عن عبدالله بن بريدة، عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا».

قلت: تفرد به بشير بن المهاجر، وهو ضعيف جداً، يأتي بالمناكير والأعاجيب، وقد أورد ابن عدي هذا الحديث في مناكيره.

وقد وثقه ابن معين والعجلي، ومشّاه النسائي!

قال الإمام أحمد: "منكر الحديث، قد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب". وقال البخاري: "يخالف في بعض حديثه". وقال أبو حاتم: "يكتب حديثه ولا يُحتج به".

وقال ابن عدي - بعد أن ذكر له بعض المناكير-: "ولبشير بن مهاجر أحاديث غير ما ذكرت عن ابن بريدة وغيره، وقد روى ما لا يتابع عليه، وهو ممن يكتب حديثه وإن كان فيه بعض الضعف".

وقد رُوي الحديث عن البراء بن عازب: أخرجه ابن ماجه في «سننه» قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، قال: حَدَّثَنَا رَوح بنُ جَنَاحٍ، عَنْ أَبِي الْجَهْمِ الْجُوْزَجَانِيِّ، عَنْ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ».

قال البوصيري في «مصباح الزجاجة»: "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه البيهقي والأصبهاني من هذا الوجه، وله شاهد من حديث عبدالله بن عمرو، ورواه النسائي في الصغرى من حديث بريدة بن الحصيب ومن حديث عبدالله".

قلت: هناك اختلاف في إسناد الحديث:

رواه ابن عدي في «الكامل» (3/145) عن عبدالصمد بن عبدالله الدمشقي وعبدالله بن الحسن، كلاهما عن هشام، عن الوليد، عن روح بن جناح، عن مجاهد، عن البراء بن عازب.

قال ابن عدي: "هكذا حدثنا عبدالصمد فقال: روح عن مجاهد عن البراء، وإنما روى عن أبي الجهم الجوزجاني عن البراء"، ثم ساقه عن عبدان عن هشام بن عمار وسليمان بن أحمد الواسطي، قالا: حدثنا الوليد: حدثنا روح بن جناح، عن أبي الجهم الجوزجاني، عن البراء بن عازب.

ثم رواه من طريق موسى بن عامر وعبدالسلام أبي الهَيْذام، عن الوليد بن مسلم، به.

ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/345) من طريق محمد بن صالح بن هانئ، عن عبدان بن محمد بن عيسى المروزي، عن هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، عن روح بن جناح، عن مجاهد، عن البراء بن عازب.

ثم رواه من طريق إسحاق بن ابراهيم بن أبي حسان، عن هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، عن روح بن جناح، عن أبي الجهم، عن البراء بن عازب.

ثم قال: "وكذلك رواه موسى بن عامر وغيره عن الوليد بن مسلم".

قلت: الاختلاف فيه على هشام بن عمار، فكأنه كان يضطرب فيه، فيرويه مرة عن الوليد عن روح عن مجاهد عن البراء، ومرة عن الوليد عن روح عن أبي الجهم عن البراء!

وأي الإسنادين كان الصواب فإن العهدة في الحديث على روح بن جناح، فهو المتفرد به! وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في مناكيره، ثم قال: "ولروح بن جناح غير ما ذكرت من الحديث قليل، وعامة حديثه ما ذكرته، وربما أخطأ في الأسانيد ويأتي بمتون لا يأتي بها غيره، وهو ممن يُكتب حديثه".

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/494) سألت أبا زرعة عنه؟ فقال: "شيخ دمشقي"، قلت: ما حاله؟ قال: "أخوه مروان بن جناح أحبّ إليّ منه"، قلت: روح ليس بقوي؟ قال: "نعم".

قال: سئل أبي عن روح بن جناح؟ فقال: "أخوه مروان بن جناح أحبّ إليّ منه، يكتب حديثهما، ولا يحتج بهما".

وقال النسائي: "ليس بالقوي"

وقال أبو نُعيم الأصبهاني: "روح بن جناح أبو سعيد الشامي أخو مروان، روى عنه الوليد بن مسلم، وهو يروي عن مجاهد أحاديث مناكير، لا شيء".

وقال ابن حبان في «الثقات» - لما ذكر أخاه مروان -: "وروح لا شيء".

وقال في «المجروحين» (1/300): "منكر الحديث جداً، يروي عن الثقات ما إذا سمعها الإنسان الذي ليس بالمتبحر في صناعة الحديث شهد لها بالوضع، روى عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد".

قلت: فحديثه منكر بهذا الإسناد. وقد صححه الشيخ الألباني في «صحيح الجامع» (5078)! وصححه غيره من المعاصرين بمجموع الطرق! ولكن كلّ طرقه واهية ولا يتقوى ببعضها، وهم يُسرفون بتصحيح الحديث بكثرة الطريق وإن كانت واهية!!

فالصواب أن هذا الحديث لا يصح مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يصح موقوفاً من كلام عبدالله بن عمرو بن العاص.

 

وكتب: أبو صهيب خالد الحايك.

 

شاركنا تعليقك