الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

من عِلل الأحاديث: «الخطأ في نسبة الراوي».

من عِلل الأحاديث: «الخطأ في نسبة الراوي»!

تعليل حديث: «إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ كُلَّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ، جِيفَةٍ بِاللَّيْلِ حِمَارٍ بِالنَّهَارِ...» بغير علّته الحقيقية!

روى ابن حبان في «صحيحه» (1/274) قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ سَعِيدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ كُلَّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ، جِيفَةٍ بِاللَّيْلِ حِمَارٍ بِالنَّهَارِ، عَالِمٍ بِأَمْرِ الدُّنْيَا جَاهِلٍ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ».

قلت: صححه الشيخ شعيب الأرنؤوط أثناء تعليقه على صحيح ابن حبان.

وصححه كذلك الشيخ الألباني في «صحيح الجامع» رقم: (1878).

وذكره أيضاً في «صحيحته» برقم (195)، وذكر أن ابن حبان خرّجه وساقه، ثم قال: "قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال مسلم، غير شيخ ابن حبان أحمد بن الحسن وهو أبو حامد النيسابوري المعروف بابن الشرقي قال الخطيب (4/426-427): "وكان ثقة، ثبتاً متقناً حافظاً". وتابعه أبو بكر القطان: حدثنا أحمد بن يوسف السلمي به. أخرجه البيهقي (10/194)" انتهى كلامه.

ثُمّ تراجع الشيخ عن تصحيحه، فأورده في «ضعيفته» برقم (2304)، وقال: "ضعيف. رواه ابن حبان في "صحيحه"، ثم ساق الكلام الذي ذكره في الصحيحة، ثم قال: "ثم تبين أنه منقطع بين سعيد وأبي هريرة كما تقدم في الحديث الذي قبله، فراجعه. وقد كان في "الصحيحة" أيضاً (195)" انتهى.

قلت: كان الشيخ قد ذكر حديثاً قبله صححه أيضاً ثم تراجع عن تصحيحه، بقوله: "ثم تبين أن فيه انقطاعاً بين سعيد وأبي هريرة، قال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (ص 52) عن أبيه: "سعيد لم يلق أبا هريرة"، ونقله عنه العلائي (224/246)، وأقره. وقد كنت أوردت الحديث في "الصحيحة" برقم (93) قبل أن يتبين لي الانقطاع المذكور، فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" انتهى.

وصححه الشيخ الحويني، ولم يتنبّه إلى أن الشيخ الألباني قد تراجع عن تصحيحه!

ففي «الفتاوى الحديثية» له (1/4) سُئِل عن هذا الحديث، فقال: "قلت: هذا حديثٌ حسنٌ. أخرجه ابن حبان فى "صحيحه" (1975)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب" (1926)، والبيهقي (10/194) من طريق عبدالله بن سعيد بن أبي هند، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً فذكره. وهذا سند حسن، وعبدالله بن سعيد صدوق، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما، وضعفه أبو حاتم الرازي" انتهى.

وأعلّه الشيخ مقبل الوادعي في «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» برقم (435) وساقه من كتاب ابن حبان، ثم قال: "هذا الحديث كثيراً ما حدثنا به، وذلك لأن رجاله كلهم ثقات، ولكن أبا حاتم يقول: سعيد بن أبي هند لم يلق أبا هريرة كما في "المراسيل" ونقل هذا الحافظ العلائي في "جامع التحصيل" مقراً له" انتهى.

قلت: نعم، ظاهر هذا الحديث أنه منقطع بين سعيد بن أبي هند وبين أبي هريرة كما ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه.

ولكن للحديث علّة غير هذه العلة، ولا علاقة لسعيد بن أبي هند بهذا الحديث! فالحديث حديث عبدالله بن سعيد المَقْبُرِيّ.

فكأنه لم يكن منسوباً في بعض طرق الحديث، فنسبه بعضهم خطأ، فجعله عن عبدالله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه!!

والصواب أنه: "عن عبدالله بن سعيد المقبري عن أبيه".

رواه أبو الشيخ الأصبهاني في «أمثال الحديث» برقم (234) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ أُسَيْدٍ، قال: حدثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، قال: حدثَنَا هَاشِمُ بنُ عَبْدِالوَاحِدِ، قال: حدثَنَا يَزِيدُ بنُ عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبْغِضُ كُلَّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ جِيفَةُ اللَّيْلِ، حِمَارُ النَّهَارِ، عَالِمٌ بِالدُّنْيَا، جَاهِلٌ بِالْآخِرَةِ».

وقد توبع الحافظ يزيد بن عبدالعزيز بن سياه الكوفي الثقة الثبت عليه، تابعه: أبو بكر النهشلي الكوفي الثقة، لكن جاء عنه: "عن عبدالله بن سعيد المقبري عن جدّه".

أخرجه أحمد بن عبدالدائم في «منتقى من حديث الجصاص والحنائي» (مخطوط) برقم (55) عن محمد بن خلف المروزي، قال: حدثنا أبو بلال الأشعري، قال: حدثنا أبو بكر النهشلي، عن عبدالله بن سعيد المقبري، عن جده، عن أبي هريرة، به.

وتابعه عليه: جبارة بن مُغلِّس.

أخرجه المستغفري في «فضائل القرآن» برقم (482) عن أبي محمد عبدالله بن عمرو بن مسلم، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن خلف المؤدب، قال: حدثنا خلف بن سليمان، قال: حدثنا جبارة، قال: حدثنا أبو بكر النهشلي، عَن عَبدالله بن سعيد، عن جده، عَن أبي هريرة، به.

قلت: أبو بلال الأشعري الكوفي ليّنه الدارقطني، وجبارة كذّاب، ورواية يزيد بن عبدالعزيز تقدّم عليهما، فالظاهر أنهما وهما في ذكر: "عن جده" والصواب "عن أبيه"، ولعل الوهم بسبب أن عبدالله بن سعيد المقبري يروي عن أبيه وعن جدّه.

ويُستفاد من روايتهما عن أبي بكر النهشلي أن الحديث حديث "عبدالله بن سعيد المقبري" لا حديث "عبدالله بن سعيد بن أبي هند"، والذي يظهر لي أنه لم يكن منسوباً في الإسناد: "عبدالله بن سعيد عن أبيه"، فنُسب خطأ: "عبدالله بن سعيد [بن أبي هند] عن أبيه"! ولا أدري ممن الوهم من أَحْمَد بن يُوسُفَ السُّلَمِيّ النَّيْسَابُورِيّ أم من شيخه عبدالرزّاق!

فالحديث يرويه عبدالله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو عبّاد، وهو منكر الحديث، متروك الحديث.

قال الدوري عن ابن معين، قال: "عبدالله بن سعيد المقبري: ضعيف".

وقال عثمان الدَّارِمِيّ عن ابن معِين: "عبدالله بن سعيد المَقْبُري: لَيْسَ بِشَيْء".

وقال ابن أبي شيبَة عن ابن معِين: "عبدالله بن سعيد المَقْبُري لا يكْتب حَدِيثه".

وفي رواية معاوية عنه قال: "ليس بثقة".

وقال الإمام أحمد وعمرو بن علي الفلاَّس: "عبدالله بن سعيد المقبري: منكر الحديث، متروك الحديث".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبدالله بن سعيد المقبري؟ فقال: "ليس بقوي".

وكان يحيى القطان وعبدالرحمن بن مهدي لا يُحدّثان عنه.

وكان الثَّوْريّ وهُشيم يحدثان عنه ويكنيانه بأبي عباد ويقولان: "حَدَّثَنا أبو عباد بن سَعِيد" - يُدلسانه!

وقَالَ البُخارِيّ: قَالَ يَحْيى بن سَعِيد: "استبان كذبه في مجلس - يعني عَبدالله بن سَعِيد المقبري".

وقال ابن حبّان: "كَانَ مِمَّن يقلب الْأَخْبَار ويهم فِي الْآثَار وَحَتَّى يسْبق إِلَى قلب من يسْمعهَا أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا".

فالحديث من منكرات عبدالله بن سعيد المقبري! ولم يتنبه من صححه أو من أعلّه أنه من روايته، وليس من رواية عبدالله بن سعيد بن أبي هند.

والحمد لله على توفيقه.

وكتب: خالد الحايك

22 محرّم 1435هـ.

 

شاركنا تعليقك