الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«الإِعلام» بضعف حديث: «إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِالشَّام».

«الإِعلام» بضعف حديث: «إِذَا وَقَعَتِ الفِتَنُ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِالشَّام».

 

هذا الحديث من الأحاديث المشهورة عند الشاميين، وكثير من أحاديث فضل الشام لا توجد إلا عند أهلها! والمعروف عن الشاميين أن كثيراً من حديثهم مرسل لشيوع الإرسال فيهم، ولهذا تجد لهذه الأحاديث طرقاً كثيرة.

وقد رُوي هذا الحديث عن عمرو بن العاص، وابنه عبدالله بن عمرو، وأبو الدرداء، وابن عمر، وأبو أُمامة، وأشهرها حديث عبدالله بن عمرو.

·       حديث عمرو بن العاص:

أما حديث عمرو بن العاص:

فرواه أحمد في «مسنده» (ط الرسالة: 29/310) قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ – هو: الحكم بن نافع-، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ بنِ عُبَيْدِاللهِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ الْحَارِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ الْعَاصِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي، أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ».

ورواه الطبراني في «مسند الشاميين» (2/288) عن موسى بن عيسى بن المنذر الحمصي، عن محمد بن المبارك الصوري، عن إسماعيل بن عياش، به.

وقد صححه الشيخ شعيب ورفاقه أثناء تعليقهم على (مسند أحمد ط الرسالة: 29/310) بمجموع شواهد الحديث، قالوا: "صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبدالعزيز بن عبيدالله".

قلت: هذا إسناد منكر!

وعبدالعزيز بن عبيدالله هو: عبيدالله بن حمزة بن صهيب، تفرد بالرواية عنه إسماعيل بن عيّاش، وهو متروك الحديث ليس بشيء.

قال أبو حاتم الرازي: "يروي عن أهل الكوفة وأهل المدينة، ولم يرو عنه غير إسماعيل بن عياش، وهو عندي عجيب! ضعيف الحديث، منكر الحديث، يُكتب حديثه، يروي أحاديث مناكير، ويروي أحاديث حساناً".

وقال أبو زرعة: "مضطرب الحديث، واهي الحديث".

وقال الأثرم عن أحمد: "كنت أظن أنه مجهول حتى سألت عنه بحمص، فإذا هو عندهم معروف، ولا أعلم أحداً روى عنه غير إسماعيل".

وقال الدوري عن يحيى بن معين: "ضعيف الحديث لم يحدث عنه غير إسماعيل".

وقال الجوزجاني: "غير محمود في الحديث".

وقال أبو داود: "ليس بشيء".

وقال النسائي: "ليس بثقة، ولا يكتب حديثه".

وقال الدارقطني: "حمصي متروك".

وذكر له ابن عدي عدة مناكير في ترجمته من «الكامل» (5/284) ثم قال: "وهذه الأحاديث التي ذكرتها لعبدالعزيز هذا مناكير كلها، وما رأيت أحداً يُحدِّث عنه غير إسماعيل بن عياش".

·       حديث عبدالله بن عمرو بن العاص:

أما حديث عبدالله بن عمرو: فيرويه سَعِيدُ بنُ عَبْدِالْعَزِيزِ التّنوخي الدمشقيّ، عَنْ يُونُسَ بنِ مَيْسَرَةَ بنِ حَلْبَسٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ.

ورواه عن سعيد جماعة، منهم: أبو إسحاق الفزاري، ويحيى بن صالح الوُحاظي، وعمرو بن أبي سلمة التنّيسيّ، والوليد بن مسلم، ومروان بن محمد الطاطري، ومحمد بن معاذ بن عبدالحميد الحمصيّ، وسعيد بن مسلمة الأموي.

أما حديث أبي إسحاق الفزاري:

فأخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» [كما في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: (2/944)] قال: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو, قال: حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ, عن سَعِيد بن عَبْدِالْعَزِيزِ, قال: حَدَّثَنَا ابنُ حَلْبَسٍ, عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أُرِيتُ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ قَدْ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ».

وأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (1/180) عن مُحَمَّد بن النَّصْرِ الْأَزْدِيِّ، عن مُعَاوِيَة بن عَمْرٍو، به.

وأما حديث الوُحاظي:

فأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (1/179) قال: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدّمشقيّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ الدِّمَشْقِيَّانِ، قَالَا: حدثنا يَحْيَى بنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، قال: حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِالْعَزِيزِ، به، نحوه.

وأخرجه أبو نُعيم في «حلية الأولياء» (5/252) عن الطبراني، به.

قال أبو نُعيم: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابنِ حَلْبَسٍ لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ هذَا الْوَجْهِ"!

وأما حديث عمرو بن أبي سلمة التنيسي الدمشقيّ:

فأخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/555) قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عيسى اللخمي - بتنِّيس – قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: حدثنا سعيد بن عبدالعزيز، به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

قلت: لم يخرّج البخاري لسعيد بن عبدالعزيز، فكيف يكون على شرطه! ولم يخرج البخاري ولا مسلم ليونس بن ميسرة بن حلبس!!

وأما حديث الوليد بن مسلم:

فأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (1/181) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، قال: حدثنا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ. [ح].

وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ دُحَيْمٍ، قال: حدثنا أَبِي. [ح].

وَحَدَّثَنَا وَرَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ لَبِيدٍ، قال: حدثنا صَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ، قَالُوا: حدثنا الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، به.

وأما حديث مروان بن محمد الطاطريّ:

فأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/104) من طريق محمد بن عوف، عن مروان بن محمد، عن سعيد بن عبدالعزيز، به.

وأما حديث محمد بن معاذ بن عبدالحميد:

 فأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/104) من طريق أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا، عن يزيد بن محمد، عن يحيى بن صالح ومحمد بن معاذ، قالا: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، به.

وأما حديث سعيد بن مسلمة الأموي:

فأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/105) من طريق أيوب بن محمد الوراق، عن سعيد بن مسلمة، عن سعيد بن عبدالعزيز، به.

قلت: إسناد هذا الحديث في ظاهره صحيح، ولهذا صححه الحاكم ومن تبعه من المعاصرين في زماننا!

لكن لا نعرف ليونس سماعاً من عبداالله بن عمرو!! ولا يوجد له عنه إلا هذا الحديث! ولهذا لم يذكر الطبراني له في «مسند الشاميين» إلا هذا الحديث، وهو - رحمه الله - قد جمع كلّ مفاصل حديث الشاميين واستوعب حديث المقلّين منهم في التراجم التي ذكرها، ولو كان هناك غيره لذكره في ترجمة (يونس عن عبدالله بن عمرو بن العاص) (3/253).

فلو كان هذا الحديث عند عبدالله بن عمرو، فأين أصحاب عبدالله منه؟!!

ثم إن أهل النقد قالوا إن يونس بن حلبس أدرك معاوية (ت60هـ) والأظهر عندهم أنه لم يسمع منه بينهما رجل، فإذا كان لم يسمع من معاوية على الراجح، فكيف يسمع من عبدالله بن عمرو ووفاتيهما متقاربة على الاختلاف الأدنى في وفاة عبدالله، فإن عبدالله بن عمرو (ت 63، وقيل: 65هـ، وقيل: 69هـ) وكان في مصر، ومعاوية كان في الشام وهو شاميّ!

فلا نعرف ليونس سماعاً من عبدالله بن عمرو، وما زال البخاريّ وغيره من أهل النقد يعلّون الأحاديث بهذا إذا اختلفت مواطن الرواة، وخاصة كان الشيخ معروفا كثير الرواية وتلاميذه كثر، فكيف يوجد حديث له عند غير أصحابه مع اختلاف موطنه!!

يقول الحافظ ابن رجب في «جامع العلوم والحِكم» متعقباً الترمذي في تصحيحه لرواية عن معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن معاذ بن جبل: "وقال الترمذي: حسن صحيح. وفيما قاله - رحمه الله - نظر من وجهين: أحدهما: أنَّه لم يثبت سماعُ أبي وائل من معاذ، وإنْ كان قد أدركه بالسِّنِّ، وكان معاذٌ بالشَّام، وأبو وائل بالكوفة، وما زال الأئمةُ - كأحمد وغيره - يستدلُّون على انتفاء السَّماع بمثل هذا، وقد قال أبو حاتم الرازي في سماع أبي وائل من أبي الدرداء: قد أدركه، وكان بالكُوفة، وأبو الدَّرداء بالشام، يعني: أنَّه لم يصحَّ له سماع منه".

وقد أشار البخاريّ إلى هذا في ترجمة يونس، فقال في «التاريخ الكبير» (8/402): "يونس بن ميسرة بن حلبس أبو حلبس الأعمى، الجُبلاني، الشامي، عن أم الدرداء وعبدالله بن عمرو".

فهذه إشارة من البخاري إلى أنه لم يثبت سماع يونس من أم الدرداء الصغرى، ولا من عبدالله بن عمرو، كما عُرف عنه بالاستقراء أنه لا يثبت سماع الراوي ممن يذكرهم في ترجمته بقوله: "عن فلان"، وإذا أراد إثبات السماع ذكره، وكذلك يركّز في تراجم الرواة إلى مثل هذه الأمور، فهو لم يذكر الشيوخ المعروفين الذين روى عنهم يونس، وإنما أراد أن ينبه على من لم يثبت سماعه منهم، فذكر أم الدرداء وعبدالله بن عمرو بن العاص.

فهذه قرينة تدلّ على أن يونس بن ميسرة لم يسمع من عبدالله بن عمرو، فالحديث مرسل، وهو من مراسيل الشاميين.

·       مخالفة عقبة بن علقمة البيروتيّ لأصحاب سعيد في هذا الحديث!!

وخالفهم عقبة بن علقمة، فرواه عن سعيد، عن عطية بن قيس، عن عبدالله بن عمرو، وأخطأ فيه.

أخرجه تمّام في «فوائده» (2/109) قال: أَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ الأطرابلسيّ، قال: أنْبَأَنا الْعَبَّاسُ بنُ الْوَلِيدِ بنِ مَزِيدٍ، قال: أَنْبَأَنا عُقْبَةُ بنُ عَلْقَمَةَ، قال: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ».

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/102) من طريق محمد بن عبدالرحمن بن عبيدالله القطان - الشيخ الصالح وَيُعْرَفُ: بِابنِ الخَلاَّلِ- عن خيثمة بن سليمان، به.

قال ابن عساكر: "وهذا غريبٌ من حديث سعيد عن عطية! والمحفوظ حديث سعيد، عن يونس بن ميسرة بن حلبس الجبلاني، كذلك رواه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد، ومحمد بن معاذ بن عبدالحميد الدمشقيون، ويحيى بن صالح الوحاظي، وسعيد بن مسلمة الأموي، عن سعيد".

قلت: وهم فيه عقبة بن علقمة البيروتي وهو من أصحاب الأوزاعي من أهل أطرابلس من المغرب سكن الشام، فحديث الشاميين يُقدّم عليه، ولهذا قال ابن حبان: "يُعتبر حديثه من غير رواية ابنه محمد بن عقبة عنه؛ لأن محمداً كان يدخل عليه الحديث، ويجيب فيه".

وروى هذا الحديث أيضاً ابن عساكر قبل هذا من طريق أحمد بن بشر بن حبيب الصوري، عن عبدالحميد بن بكار، عن عقبة بن علقمة، عن الأوزاعي، عن عطية بن قيس، عن عبدالله بن عمرو.

قال ابن عساكر: "هذا حديث حسن غريب! والمحفوظ عن عقبة حديثه عن سعيد بن عبدالعزيز".

قلت: كأن عبدالحميد بن بكّار أخطأ فيه فسلك الجادة؛ لأن عقبة من أصحاب الأوزاعي المعروفين، فلم يضبط إسناده، والله أعلم.

وبعد هذا تعرف ما في كلام الشيخ شعيب ورفاقه من عدم تحقيق عندما علّقوا على الحديث في المسند بقولهم: "وعن عبدالله بن عمرو بن العاص... وهو حديث حسن بطرقه"!!

·       متابعات ليونس بن ميسرة عن عبدالله بن عمرو!

وقد تابع يونس عليه: أبو قِلابة الجرمي، ومدرك بن عبدالله الأزدي، وأبو إدريس الخولاني، عن عبدالله بن عمرو.

أما حديث أبي قلابة:

فأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/127) قال: حَدَّثَنَا إبراهيمُ بن أحمدَ بن عمر الوَكِيعِيُّ قَالَ: حدثنا أَبِي، قَالَ: حدثنا مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا عَمُودَ الْكِتَابِ فَعَمَدُوا بِهِ إِلَى الشَّامِ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ فَالْأَمْنُ بِالشَّامِ».

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الْحَدِيثَ عَنْ أَيُّوبَ إِلَّا مَعْمَرٌ، وَلَا عَنْ مَعْمَرٍ إِلَّا مُحَمَّدُ بنُ ثَوْرٍ، تَفَرَّدَ بِهِ مُؤَمَّلٌ".

قلت: مؤمل سيء الحفظ، فلا يحتج بما انفرد به.

ويُشبه أن يكون هذا الحديث من مراسيل أبي قلابة، أخطأ فيه مؤمل فرفعه، وكان أبو قلابة قد نزل الشام، وكان أوصى بكتبه لأيوب السختياني، وكان في هذه الكتب الكثير من المراسيل، قد وصلها بعض الرواة لما حدثوا بها.

والحديث أصله شامي، وهو مرسل، فهذه قرينة على أن حديث أبي قلابة مرسل، وقد روى الإمام أحمد في «فضائل الصحابة» (2/900) قال: حدثنا حُسَيْنٌ، فِي تَفْسِيرِ شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَحَدَّثَ أَبُو قِلَابَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ حَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ» فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِالشَّامِ».

قلت: فهذا مرسل، وهو مما كان يقرأ من كتب أبي قلابة؛ لأن قتادة لم يسمع منه.

وقد رُوي مرفوعاً من طريق آخر:

أخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/59) من طريق رَيْحَان بن سَعِيدٍ أَبي عِصْمَةَ، عن عَبَّاد بن مَنْصُورٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ بَشِير بن كعب، عَنْ عبداللَّهِ بنِ عمرو، نحوه.

قلت: وهذا إسناد منكر! فأبو عصمة لا يُحتج به، وعبّاد شيخه ليس بشيء.

وأما حديث مدرك:

فأخرجه يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/167) قال: حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن مهاجر، عن العباس بن سالم، عن مدرك بن عبدالله أو أبي مدرك، قال: غزونا مع معاوية مصر فنزلنا منزلاً، فقال عبدالله بن عمرو بن العاص لمعاوية، يا أمير المؤمنين، أتأذن لي أن أقوم في الناس فأذن له، فقام على قومه، فحمد الله - عزّ وجلّ وأثنى عليه - ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رأيت في المنام أن عمود الكتاب حمل من تحت وسادتي فأتبعته بصري فإذا هو كالعمود من النور فعمد به إلى الشام، ألا وأن الإيمان إذا وقعت الفتنة بالشام ثلاث مرات».

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/105) من طريق عمر بن عثمان، عن أبيه، عن محمد بن مهاجر، عن العباس بن سالم، عن مدرك بن عبدالله الأزدي قال: غزونا مع معاوية بمصر، فنزلنا تنيس، فقال عبدالله بن عمرو لمعاوية: يا أمير المؤمنين أتأذن أن أقوم على فرسي في الناس، فأذن فأقام على فرسه فحمد الله تعالى، فذكره.

قلت: لم يرو هذا الحديث عن العباس بن سالم إلا محمد بن مهاجر!

ومدرك هذا مجهول لا يُعرف إلا في هذا الحديث!

وقد ذكره ابن عساكر في «تاريخه» (57/187) قال: "مدرك بن عبدالله الأزدي، روى عن عبدالله بن عمرو، روى عنه العباس بن سالم"، ثم ساق له هذه الرواية فقط.

وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/445) على قاعدته في ذلك: أن من له رواية ولا يوجد فيه أي جرح أو تعديل يورده في ثقاته!

قال: "مدرك بن عبدالله: شيخ يروي عن عبدالله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام، وهو الذي غزا مع معاوية، روى عنه محمد بن المهاجر الدمشقي، عن العباس بن سالم، عنه".

قلت: هكذا في المطبوع: "عبدالله بن عمر"! وكأنه في أصله هكذا، فقد ذكر في «لسان الميزان» (6/11) تبعاً للأصل من اسمه «مدرك»: "مدرك بن عبدالله الأزدي عن ابن عمر رضي الله عنهما".

ثم قال ابن حجر: "والراوي عن ابن عمر ذكره ابن حبان في الثقات، فقال: شيخ غزا مع معاوية، وروى عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: إلا وأن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام، روى محمد بن المهاجر عن العباس بن سالم، عنه".

فهذا الحديث يرويه مجهول! والقصة التي ذكرها فيها نكارة واضحة: فإن كان هذا الغزو لمصر لما فتحت فإن معاوية حينها كان أميراً بالشام لعمر، وكان أمير الفتح عمرو بن العاص، ولم يكن حينها معاوية أميراً للمؤمنين، وعندما كان أميراً للمؤمنين كانت مصر ومعظم أفريقية قد فتحت.

ثم ما علاقة هذا الحديث الذي يتحدث عن الشام بهذه الغزو في مصر؟! لا شك - على فرض صحتها - أن عبدالله بن عمرو هنا يبين فضيلة هذه البلد التي جاؤوا لفتحها، فما شأن الشام بمصر؟!! إلا إذا كان المفهوم من الحديث بالشام الجهة، والله أعلم.

وعلى كلّ حال، فهذا الإسناد لا يصح.

وأما حديث أبي إدريس:

فأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (13/623) قال: حدثنا أحمدُ بن رِشْدين المِصري، وأبو الزِّنْباع رَوْح ابن الفَرَج؛ قالا: حدثنا عَمرو بن خالد الحَرَّاني، قال: حدثنا ابن لَهِيعَة، عن جعفر بن ربيعةَ، عن ربيعة بن يزيدَ، عن أبي إدريسَ الخَوْلاني، عن عبدالله بن عَمرو، قال: سمعتُ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ عَمُودَ الكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَإِذَا هُوَ قَدْ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلاَ وإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا كَانَتِ الفِتَنُ بِالشَّامِ» ثلاثَ مرَّات.

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/106) من طريق أبي بكر محمد بن عبدالله بن ريذة، عن الطبراني، به.

قلت: تفرد به ابن لهيعة، وهو ضعيف، لا يُحتج بما انفرد به.

·       شواهد الحديث:

·       حديث أبي الدرداء:

رواه أحمد في «فضائل الصحابة» (6/98) قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ».

ورواه الطبراني في «مسند الشاميين» (2/207) من طريق هِشَام بن عَمَّارٍ، عن يَحْيَى بن حَمْزَةَ، عن زَيْد، عن بُسر، به.

وخالفهما الربيع بن نافع، فرواه عن يحيى، عن ثور، عن بسر.

رواه أبو نُعيم في «حلية الأولياء» (6/98) من طريق أَبي تَوْبَةَ الرَّبِيع بن نَافِعٍ، عن يَحْيَى بن حَمْزَةَ، عن ثَوْر بن يزيد، عَنْ بُسر، به.

قال أبو نُعيم: "غرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ثَوْرٍ! لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ".

قلت: الحديث رواه يحيى بن حمزة الدمشقي، واختلف عليه، فمرة رواه عن زيد بن واقد، عن بسر، ومرة عن ثور بن يزيد، عن بسر! واستغرب أبو نعيم حديثه عن ثور! فيُحتمل أنه كان يضطرب فيه!

وقد ذكر أشار ابن حجر إلى رواية الطبراني في «الفتح» (12/403) ثم قال: "وسنده صحيح"، ثم أشار إلى عدة روايات في الباب، وقال: "وأقربها إلى شرط البخاري حديث أبي الدرداء فإنه أخرج لرواته إلا أن فيه اختلافاً على يحيى بن حمزة في شيخه، هل هو ثور بن يزيد أو زيد بن واقد، وهو غير قادح؛ لأن كلاً منهما ثقة من شرطه".

قلت: بل يقدح! فتفرده عن أحدهما بهذا الحديث مردود؛ لأن التفرد لا يُحتمل في مثل هذه الطبقة، ولا يُعرف هذا الحديث عن أبي إدريس الخولاني إلا من هذا الطريق!

وما أدرانا أنه ضبط هذا الحديث! فلعله عنده عن شيخ آخر لا نعرفه!

ويحيى بن حمزة قاضي دمشق صدوق، خرج له البخاري ومسلم بعض الأحاديث، وقال ابن معين: "صدقة أحبّ إليّ منه"، وقال أبو حاتم: "صدوق"، وقال ابن سعد: "صالح الحديث".

فالحديث غريب بهذا الوجه، ولا يصلح لأن يكون شاهداً لحديث آخر ضعيف.

والذي أخشاه أن يحيى بن حمزة قد سمع هذا الحديث من «عمرو بن واقد» - وهو هالك- فلما حدّث به رواه عن «زيد بن واقد» وسلك فيه جادة الإسناد: "بسر عن أبي إدريس عن أبي الدرداء"! واضطراب يحيى فيه عن شيخه يدلّ على أنه لم يضبط من شيخه، وبعض العلماء كانوا يخطؤون في شيوخهم، وهذا باب معروف عند أهل النقد، والله أعلم.

·       حديث أبي أُمامة:

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/170) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِالْبَاقِي الْمِصِّيصِيُّ، قال: حدثنا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ، قال: حدثنا الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عُفَيْرِ بنِ مَعْدَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: «رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ هَوَى بِهِ، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، وَإِنِّي أَوَّلْتُ أَنَّ الْفِتَنَ إِذَا وَقَعَتْ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالشَّامِ».

قلت: هذا الحديث حديثٌ منكرٌ جداً من مناكير عفير بن معدان عن سُليم بن عامر!

وعُفير بن معدان الحضرمي الحمصي المؤذن ليس بشيء كما قال ابن معين وغيره. وهو يُكثر الرواية عن سُليم عن أبي أمامة وكلّها مناكير!

قال أبو حاتم الرازي: سمعت دُحيماً يقول: "عفير بن معدان ليس بشيء، لزم الرواية عن سليم بن عامر"، وشبَّههُ بجعفر بن الزبير وبشر بن نمير.

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عفير بن معدان؟ فقال: "هو ضعيف الحديث، يُكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمناكير ما لا أصل له، لا يُشتغل بروايته".

وقال إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني: قلت ليحيى بن معين، عفير بن معدان تضمه إلى أبي مهدي، قال: "هو قريب منه، أحاديث سليم بن عامر تلك من أين وقع عليها!!".

وقال أبو مُسهر: قال محمد بن شعيب: "أبرأ إليكم من حديث عفير بن معدان وسعيد بن سنان - وهو أبو مهدي-".

وقد ذكر له ابن عدي بعض المناكير في ترجمته من «الكامل» (5/381) ثم قال: "ولعفير بن معدان غير ما ذكرت من الحديث، وعامة رواياته غير محفوظة".

وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/198): "يروي المناكير عن أقوام مشاهير، فلما كثر ذلك في روايته بَطُلَ الاحتجاج بأخباره".

وقال العُقيلي في «الضعفاء» (3/430): "عفير بن معدان عن سليم بن عامر، ولا يُتابع على حديثه، ولا يُعرف إلا به".

·       حديث عمر بن الخطاب:

رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/179) قال: حدثني نصر بن محمد بن سليمان الحمصي، قال: حدثنا أبي أبو ضمرة محمد بن سليمان السلمي، عن عبدالله بن أبي قيس النّصري، قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت عموداً من نور خرج من تحت رأسي ساطعاً حتى استقر بالشام».

ورواه الطبراني في «مسند الشاميين» (2/395) عن خطاب بن سعد، عن نصر بن محمد بن سليمان، به.

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/109) من طريق يعقوب، ومن طريق الطبراني، وأخرجه كذلك من طريق ابن الحسن الربعي، عن أبي العباس أحمد بن عتبة بن مكين، عن أبي سعيد محمد بن أحمد بن عبيد بن فياض، عن أبي القاسم نصر بن محمد بن سليمان، به.

قلت: وهذا إسناد باطل! تفرد به نصر بن محمد بن سليمان بن أبي ضمرة السلمي.

قال أبو حاتم: "أدركته ولم أكتب عنه، وهو ضعيف الحديث، لا يصدق".

وقد أخطأ ابن حبان بذكره في الثقات!

وله سلسلة أحاديث مجموعها أربعة عشر حديثاً يرويها عن أبيه، اثنا عشر منها بهذا الإسناد، واثنان بإسناد آخر، ذكرها كلها الطبراني في «مسند الشاميين» (2/395) «مسند محمد بن سليمان بن أبي ضمرة السلمي».

·       حديث عبدالله بن حوالة:

أخرج الطبراني في «مسند الشاميين» (1/345) قال: حدثنا أحمد بن أنس بن مالك الدمشقي، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبيه، قال: حدثنا أبو عبدالسلام صالح بن رستم مولى بني هاشم، عن عبدالله بن حوالة الأزدي أنه قال: «يا رسول الله، خر لي بلداً أكون فيه فلو علمت أنك تبقى لم أختر على قربك، قال: عليك بالشام ثلاثاً، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كراهيته إياها، قال: هل تدري ما يقول الله في الشام، إن الله يقول: يا شام، أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي، أنت سوط نقمتي، وسوط عذابي، أنت الذي لا تبقي ولا تذر، أنت الأندر، وإليك عليك المحشر، ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة، قلت: ما تحملون، قال: عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام، وبينا أنا نائم إذ رأيت الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله قد تخلى من أهل الأرض فأتبعته بصري فإذا هو نور بين يدي حتى وضع بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليستق من غدره؛ فإن الله قد تكفل لي بالشام».

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/69) من طريق الطبراني.

قال ابن عساكر: "كذا في هذه الرواية! ورواه غيره عن هشام، عن عبدالله بن عبدالرحمن، عن أبي عبدالسلام، ولم يذكر عبدالرحمن".

ثم ساقه من طريق أبي صالح القاسم بن الليث، عن هشام بن عمر بن عمار، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن صالح أبي عبدالسلام، عن عبدالله بن حوالة الأسدي، فذكر معناه.

وهكذا رواه أبو عبدالرحمن النسائي وأبو الحسن خفيف بن عبدالله الغازي عن هشام، ولم يذكرا: عبدالرحمن، وفي حديث النسائي عنه: "حدثني صالح بن رستم".

ورواه ابن عساكر أيضاً في «تاريخه» (1/113) من طريق سليمان بن أحمد بن المثنى، قال: حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي، قال: أنبأنا هشام بن عمار، قال: حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، قال: أنبأنا صالح بن رستم، عن عبدالله بن حوالة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة...» الحديث مختصراً.

قلت: هذا المتن منكرٌ جداً! والإسناد فيه اختلاف على هشام بن عمار! فأربعة رووه عنه بدون ذكر عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، وخالفهم واحد، ولا شك أن رواية الثلاثة تقدّم على رواية الواحد.

وقد رواه الهيثم بن خارجة عن عبدالله بن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني صالح بن رستم مولى بني هاشم. [تاريخ مدينة دمشق: 1/120].

فالصواب أنه ليس فيه: "عبدالرحمن".

وصالح بن رستم أبو عبدالسلام قال فيه أبو حاتم: "مجهول، لا نعرفه".

وذكره ابن حبان في ثقاته (4/375) على قاعدته فيمن لا يوجد فيه جرح ولا تعديل.

وترجم له ابن عساكر في «تاريخه» (23/329) فقال: "صالح بن رستم أبو عبدالسلام مولى بني هاشم، من أهل دمشق، روى عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبدالله بن حوالة الأزدي، ومكحول الفقيه. روى عنه عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، وسعيد بن أبي أيوب". وساق له حديثين.

وتبعه على ذلك المزي في «تهذيب الكمال»، لكن بيّن الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (4/341) أن الذي روى عن ثوبان غير الذي روى عن عبدالله بن حوالة.

قال: "لكن الذي يظهر لي أن أبا عبدالسلام اثنان اشتركا في الرواية عنهما ابن جابر، فقد فرق بينهما البخاري، أحدهما: روى عن ثوبان، وهو الذي لا يعرف اسمه، وهو الذي أخرج له أبو داود وذكره البخاري والحاكم أبو أحمد وجهّله أبو حاتم، ولم يزيدوا في التعرف به على روايته عن ثوبان، والآخر روى عن أبي حوالة ومكحول واسمه صالح بن رستم، وهو الذي ذكره النسائي والدولابي ويعقوب بن سفيان والخطيب في المتفق والمفترق، ووثقه ابن حبان وابن شاهين، والله أعلم".

قلت: نعم، الذي يظهر أنهما واحد، وهو مجهول لا يُعرف، ولا نعرف له سماعاً من ابن حوالة! وحديثه مُنكر!

·       حديث عائشة أمّ المؤمنين:

روى ابن عساكر في «تاريخه» (1/112) من طريق عبدالله بن عبدالجبار الخبائري، قال: أخبرنا الحكم بن عبدالله بن خُطَّاف، قال: حدثنا الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائسة، قالت: «هبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم من نومه مرعوباً، وهو يرجع، فقلت: ما لك يا رسول الله! فقال: سل عمود الإسلام من تحت رأسي، فأوحشني ثم رميت ببصري فإذا هو قد غرز في الشام، فقيل لي: يا محمد، إن الله تعالى قد اختار لك الشام ولعباده، فجعلها لكم عزاً، ومحشراً، ومنعةً، وذكراً، من أراد الله به خيراً أسكنه الشام، وأعطاه نصيباً منها، ومن أراد به شراً أخرج سهماً من كنانته وهي معلقة في وسط الشام، فلم يسلم في الدنيا والآخرة».

قال ابن عساكر: "تابعه يحيى بن سعيد العطّار الحمصيّ على روايته عن ابن خطاف إلا أنه خالفه في سعيد بن المسيب، فقال: عن الزهري عن عروة عن عائشة، وكأنه الصواب".

ثم ساقه من طريق القاسم بن هاشم البزاز، قال: أخبرنا خَالِدُ بن خَلِيٍّ، قال: أخبرنا يحيى بن عبد الأزدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، نحوه.

قلت: أخطأ ابن عساكر في ترجيح هذه الرواية الأخيرة! فكلا الروايتين باطلة منكرة!

والحكم بن عبدالله بن خطاف أبو سلمة هو: الحكم بن عبدالله بن سعد بن عبدالله الأيلي يكنى أبا عبدالله، وهو كذّاب، ليس بثقة، ولا مأمون.

قال الدارقطني: "كان يضع الحديث، روى عن الزهري عن ابن المسيب نسخة خمسين حديثاً أو أكثر منكرة لا أصل لها".

ويحيى بن سعيد العطار الحمصي: منكر الحديث.

قال عثمان الدارمي: قلت ليحيى بن معين، يحيى بن سعيد العطار الحمصي، قال: "ليس بشيء".

وقال محمد بن عوف الحمصي: "سمعت يحيى بن معين يُضعِّف يحيى بن سعيد العطار صاحبنا، وذكر أنه احترقت كتبه، وأنه روى أحاديث منكرة".

وقال السعدي والعقيلي: "يحيى بن سعيد العطار: منكر الحديث".

وقال ابن عدي بعد أن ساق له عدداً من مناكيره: "وليحيى كتاب مصنف في حفظ اللسان... وفي ذلك الكتاب أحاديث لا يتابع عليها، وهو بيّن الضعف".

وقال ابن حبان: "كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، والمعضلات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار لأهل الصناعة".

والخلاصة أن حديث «أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ» حديث ضعيف من كلّ طرقه، ولا تتقوّى هذه الطرق ببعضها كما أشار الحافظ ابن حجر! وتقوية الأحاديث الضعيفة والمنكرة بعضها ببعض وأن الحديث له أصل مما يؤخذ على الحافظ ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري؛ فإنه سلك هذا المذهب، وفي غيره له تحريرات نفيسة لا تجدها عند غيره.

وأشهر طرق الحديث هي طريق سعيد بن عبدالعزيز عن ابن حلبس عن عبدالله بن عمرو، وهي مرسلة، فابن حلبس لا يُعرف له سماع من عبدالله بن عمرو، بل لا يوجد له عنه إلا هذا الحديث!! وأصل الحديث من مراسيل الشاميين، والطرق الأخرى فيها تفردات وغرائب منها ما هو منكر، ومنها ما هو ضعيف!

·       تبويب البخاري في صحيحه وإشارته لهذا الحديث.

ذكر البخاري في «صحيحه» في «كتاب التعبير»: «باب عَمُودِ الْفُسْطَاطِ تَحْتَ وِسَادَتِهِ»، ولم يذكر فيها أيّ حديث!

وقد قال أهل العلم ممن تتبعوا نسخ الصحيح أنّ كل رواته على هذا، إلاَّ أَنه سقط لفظ: بَاب، عِنْد النَّسَفِيّ والإسماعيلي.

فعندهما أن هذه الترجمة والتي بعدها ترجمة واحدة، ووقع في رواية الجرجاني: «باب الاستبرق ودخول الجنة في المنام وعمود الفسطاط تحت وسادته»، فجعل الترجمتين في باب واحد وقدّم وأخّر.

والترجمة التي بعدها «باب الْإِسْتَبْرَقِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ في الْمَنَامِ» وتحتها حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: «رأيت في الْمَنَامِ كَأَنَّ في يَدِي سَرَقَةً من حَرِيرٍ لَا أَهْوِي بها إلى مَكَانٍ في الْجَنَّةِ إلا طَارَتْ بِي إليه فَقَصَصْتُهَا على حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ - أو قال: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ».

وقد جمع ابن بطال الترجمتين فِي بَاب وَاحِد فَقَالَ: "باب عَمُود الْفسْطَاط تَحت وسادته وَدخُول الْجنَّة فِي الْمَنَام".

وقالَ ابن بطال: "سَأَلت الْمُهلب: كَيفَ ترْجم البُخَارِيّ بِهَذَا الْبَاب وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا؟ فَقَالَ: الذي يقع في نفسي أنه رأى في بعض طرق الحديث السرقة شيئا أكمل مما ذكره في كتابه، وفيه أن السرقة مضروبة في الأرض على عمود كالخباء، وأن ابن عمر اقتلعها من عمودها فوضعها تحت وسادته، وقام هو بالسرقة فأمسكها وهي كالهودج من استبرق فلا يريد موضعاً من الجنة إلا طارت به إليه، ولم يرض بسند هذه الزيادة فلم يدخله في كتابه، وقد فعل مثل هذا في كتابه كثيراً كما يترجم بالشيء ولا يذكره، ويشير إلى أنه روي في بعض طرقه، وإنما لم يذكره لِلين في سنده، وأعجلته المنية عن تهذيب كتابه. انتهى".

وقد اعترض ابن حجر عليه بقوله: "وقد نقل كلام المهلب جماعة من الشراح ساكتين عليه وعليه مآخذ أصلها إدخال حديث ابن عمر في هذا الباب وليس منه بل له باب مستقل".

وقد جمع بينهما ابن المُنيِّر في «المتواري على أبواب البخاري» (ص382) فقال: "باب عمود الفسطاط تحت وسادته، ودخول الجنّة في المنام".

ثم قال: "روى غير البخارى هذا الحديث بزيادة عمود الفسطاط، ووضع ابن عمر له تحت الوسادة ولكن لم توافق الزيادة شرطه فدرجها في الترجمة تنبيهاً، والله أعلم".

وردّ عليه ابن حجر بأنه قلد في هذا المهلب في كلامه السابق، ثم قال في «الفتح» (12/402): "والمعتمد أن البخاري أشار بهذه الترجمة إلى حديث جاء من طريق أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى في منامه عمود الكتاب انتزع من تحت رأسه، الحديث، وأشهر طرقه: ما أخرجه يعقوب بن سفيان، والطبراني، وصححه الحاكم، من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فأتبعته بصري فإذا هو قد عهد به إلى الشام، إلا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام، وفي رواية: فإذا وقعت الفتن فالأمن بالشام»، وله طريق عند عبدالرزاق رجاله رجال الصحيح إلا ان فيه انقطاعاً بين أبي قلابة وعبدالله بن عمرو، ولفظه عنده: «أخذوا عمود الكتاب فعمدوا به إلى الشام»، وأخرج أحمد ويعقوب بن سفيان والطبراني أيضاً عن أبي الدرداء رفعه: «بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام.. الحديث»، وسنده صحيح، وأخرج يعقوب والطبراني أيضاً عن أبي أمامة نحوه، وقال: انتزع من تحت وسادتي، وزاد بعد قوله: (بصري): فإذا هو نور ساطع حتى ظننت أنه قد هوى به فعمد به إلى الشام، وإني أولت أن الفتن إذا وقعت أن الأمان بالشام، وسنده ضعيف، وأخرج الطبراني أيضا بسند حسن عن عبدالله بن حوالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت ليلة أسرى بي عموداً أبيض كأنه لواء تحمله الملائكة، فقلت ما تحملون، قالوا: عمود الكتاب، أمرنا أن نضعه بالشام، قال: وبينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي، فظننت أن الله تخلى عن أهل الأرض، فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع حتى وضع بالشام»، وفي الباب عن عبدالله بن عمرو بن العاص عند أحمد والطبراني بسند ضعيف، وعن عمر عند يعقوب والطبراني كذلك، وعن ابن عمر في فوائد المخلص كذلك، وهذه طرق يقوي بعضها بعضاً، وقد جمعها ابن عساكر في مقدمة تاريخ دمشق، وأقربها إلى شرط البخاري حديث أبي الدرداء؛ فإنه أخرج لرواته إلا أن فيه اختلافاً على يحيى بن حمزة في شيخه: هل هو ثور بن يزيد أو زيد بن واقد، وهو غير قادح؛ لأن كلا منهما ثقة من شرطه، فلعله كتب الترجمة، وبيّض للحديث لينظر فيه فلم يتهيأ له أن يكتبه، وإنما ترجم بعمود الفسطاط، ولفظ الخبر في عمود الكتاب إشارة إلى أن من رأى عمود الفسطاط في منامه فإنه يعبر بنحو ما وقع في الخبر المذكور، وهو قول العلماء بالتعبير، قالوا: من رأى في منامه عموداً، فإنه يعبر بالدين أو برجل يعتمد عليه فيه، وفسروا العمود بالدين والسلطان، وأما الفسطاط فقالوا: من رأى أنه ضرب عليه فسطاط، فإنه ينال سلطاناً بقدره، أو يخاصم ملكاً فيظفر به" انتهى.

قلت: قد فصّلت في كلّ هذه الروايات، وأشرنا إلى تساهل ابن حجر – رحمه الله- في شرحه بالنظر إلى ظواهر الأسانيد وتحسينها وتصحيحها، وتقوية بعضها بعضاً! وهذه طريقة ليست عند أئمة النقد المتقدمين، فالحديث إذا تعددت طرقه وفيها ضعف لا يزيدها إلا ضعفاً، كيف إذا كان الحديث من بلد في فضلها وهي مشهورة بإرسال الحديث فيها كالشام!!

وقوله إن البخاري كتب الترجمة وبيّض لحديث أبي الدرداء لينظر فيه ولم يتهيأ له هذا فليس عليه أيّ دليل!! والظاهر أننا إذا اعتبرنا انفصال الترجمتين أن البخاريّ ترجم بهذا فلم يجد أي حديث صحيح على شرطه فبقيت هكذا ليدلل على ضعف ما جاء في هذا الباب، وأما أنه أخرج لرواته يحيى بن حمزة عن زيد بن واقد أو عن ثور عن بسر عن أبي إدريس عن أبي الدرداء، فنعم، هو أخرج لهم لكن ليس بهذه السلسلة! فلم يخرج ليحيى بن حمزة عن ثور، ولا ليحيى عن زيد بن واقد!!

وإنما خرّج حديثاً واحداً عن صَدَقَة بن خَالِدٍ، عن زَيْد بن وَاقِدٍ، عن بُسْرِ بن عُبَيْدِاللَّهِ، عن عَائِذِ اللَّهِ أبي إِدْرِيسَ، عن أبي الدَّرْدَاءِ، في فضل أبي بكر – رضي الله عنه-.

وهو إنما انتقى هذا الحديث من أحاديثهم، ولا نلزمه بغيرها من الأحاديث أنها على شرطه حتى لو كانت بكامل السلسلة؛ لأن حديث الراوي ليس بالضرورة أن يكون كله صحيحا، فالرواة يخطؤون، ومن هنا يرد أهل العلم التفرد في الطبقات التي ينبغي أن تكون الأحاديث فيها منتشرة إلا لقرائن تدلّ على قبول هذا التفرد، والله أعلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: أبو صهيب خالد الحايك.

- عفا الله عنه وغفر له -

شاركنا تعليقك