الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«دواءُ العَينين» في بيان حَال حديث «إِذا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْن»، و«دقائقُ الاستنباط» في إثباتِ سماع خالد الطحّان من الجُريري بعد الاختلاط.

«دواءُ العَينين» في بيان حَال حديث «إِذا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْن»، و«دقائقُ الاستنباط» في إثباتِ سماع خالد الطحّان من الجُريري بعد الاختلاط.

روى الإِمام مسلمٌ في «صحيحه» (3/1480) قال: حَدَّثَنِي وَهْبُ بنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِاللهِ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا».

ورواهُ أبو عوانة في «المستخرج على صحيح مسلم» (4/411)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 144) من طريق عَمْرو بن عَوْنٍ الواسطيّ، عَنْ خَالِد بن عبدالله الطحّان الواسطي، به.

قلت: تفرّد به خالد الطحان عن الجريري! لم يروه عنه غيره! ولم يروه عن أبي نضرة العبدي إلا الجُريري!!

وقد استنكر هذا الحديث الإمام أحمد والعقيليّ وعلّله ابن القطان.

قال الأثرم: قال أحمد: "وهذَا إِنَّمَا لَيَسْنِدُوهُ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ لا يَرْوِيهِ غَيْرَهُ". قُلْتُ: مَا لَهُمْ يَقُولُونَ سَمَاعَ خَالِدٍ بَعْدَ الاخْتِلاطِ؟ قَالَ: "لا أَدْرِي".

وقال العقيلي في «الضعفاء» بعد أن ضعف هذا الحديث من طريق آخر: "ولا تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْمُتُونِ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَيْءٌ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ".

وقال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» بعد أن ذكر الحديث: "وَقَدْ ضَعَّفَ الْعُقَيْلِيُّ أَحَادِيثَ هَذَا الْبَابِ كُلَّهَا".

وَأعله ابْن الْقطَّان بِسَعِيد الجُريري، فَإِنَّهُ مختلط. قال في «بيان الوهم» (4/339): "وذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث أبي سعيد: (إِذا بُويِعَ لخليفتين). وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سعيد الْجريرِي، وَهُوَ مختلط، يرويهِ عَنهُ خَالِد بن عبدالله. وَهَذَا من عمله متكرر، يصحح أَحَادِيثه من غير اعْتِبَار لقديم مَا رُوِيَ عَنهُ من حَدِيثه".

قلت: فكأنه يميل إلى أن خالداً روى عن الجريري بعد اختلاطه، وقد توقف في ذلك الإمام أحمد كما سبق، وسنحقق في هذه المسألة لاحقاً إن شاء الله.

وعليه فإن هذا الحديث فيه علل:

الأولى: تفرد خالد الطحان به عن الجريري دون أصحابه!

الثانية: اختلاط الجريري، وهل سمع منه خالد قبل الاختلاط أم بعده؟!

وقد عدّ الذهبي هذا الحديث من غرائب الجريري كما قال الإمام أحمد. قال في «السير» (6/155): "وقال - أي أحمد -: ومن غرائب الجريري حديث مسلم: (إذا بويع لخليفتين، فاقتل الأحدث منهما)، وحديث: (لا تقل: عليك السلام، فإنها تحية الميت)".

وقال في «الميزان» (2/128): "وللجريري حديث: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأحدث. وحديث: عليك السلام تحية الميت".

الثالثة: تفرد الجريري به عن أبي نضرة دون أصحابه الثقات كقتادة وغيره.

الرابعة: الكلام في أبي نضرة، وهو المنذر بن مالك العبدي البصري، من التابعين، وثقه يحيى بن معين وجماعة، وقال ابن سعد: ثقه، وليس كل أحد يحتج به.

وأورده العقيلي في الضعفاء وما ذكر شيئاً يدل على لينه، وكذا ذكره صاحب الكامل ولم يذكر شيئاً أكثر من أنه كان عريفاً لقومه، ولم يحتج به البخاري.

وقال ابن حبان في الثقات: "كان ممن يُخطئ".

والخلاصة أن وصفه بالخطأ وإعراض البخاري عن التخريج له يدلّ على أنه ينبغي التحرز مما ينفرد به عن بعض الصحابة ممن لهم أصحاب ثقات كبار!!

الخامسة: نكارة المتن! حيث إن ذكر لفظ "الخليفة" في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى الذي استقر عليه الأمر فيما بعد منكر! - وما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة من لفظ الخليفة فإنما هو رواية بالمعنى للفظ الأمير -، ولما بايع الناس عبدالله بن الزبير عند موت يزيد سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز، واليمن، ومصر، والعراق، وخراسان، وبايع أهل الشام مروان وغلب عليها، ثم غلب على مصر! لم نجد أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستدلّ بهذا الحديث على هذه المسألة العظيمة!

·       طريق آخر للحديث وهو بصري مرسل، يُحتمل أنه أصل حديث الجريري!

روى أَبُو هِلَالٍ الراسبيّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا».

أخرجه البزار في «مسنده» (14/240) من طريق عَبْدِالصَّمَدِ بن عَبْدِالْوَارِثِ، عن أبي هلال، به.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/144) من طريق عَمَّار بن هَارُونَ، عن أَبي هِلَالٍ، به.

قال البزار: "وهذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَن قَتادة، عَن سَعِيد، عَن أبي هُرَيرة إلاَّ أَبُو هلال، ورواه غير أبي هلال، مُرسَلاً".

وقال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا أَبُو هِلَالٍ".

قال الأَثْرَمُ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِاللَّهِ: أَتَحْفَظُ عَنْ أَبِي هِلالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ»؟

قالَ: "هذَا مُرْسَلٌ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه عَفَّانُ، عْنَ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وأَبُو هِلالٍ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، عَنْ قَتَادَةَ!

وهذَا إِنَّمَا لَيَسْنِدُوهُ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ لا يَرْوِيهِ غَيْرَهُ، قُلْتُ: مَا لَهُمْ يَقُولُونَ سَمَاعَ خَالِدٍ بَعْدَ الاخْتِلاطِ؟ قَالَ: لا أَدْرِي". [الجزء العاشر من المنتخب من العلل ص: 76].

وروى ابن عدي في ترجمة «محمد بن سُليم أبي هلال الراسبيّ» (6/213) من طريق أبي موسى محمد بن المثنى، قال: حدثنا أبو الوليد، عن همام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع للخليفتين فاقتلوا الآخر منهما».

قال أبو موسى: قلت لأبي الوليد، فإن أبا هلال حدَّث عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم!

قال لي أبو الوليد: "يا أبا موسى إن أبا هلال لا يُحتمل".

وسُئِل الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل» (9/204) فقال: "يرويه قتادة، واختلف عنه: فرواه أبو هلال عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة، قاله عبدالصمد وعمار بن هارون عنه، وغيرهما يقول فيه: عن ابن المسيب مرسلاً، والمرسل أشبه".

قلت: أبو هلال رجل صدوق كان يخطئ بسبب سوء حفظه فيرفع المراسيل وتقع المنكرات في حديث ويضطرب، وخاصة في حديث قتادة.

قال أبو بكر الأثرم: سألت أبا عبدالله أحمد بن حنبل عن أبي هلال - يعني الراسبي-؟ قال: "قد احتمل حديثه إلا أنه يخالف في حديث قتادة، وهو مضطرب الحديث عن قتادة". [الجرح والتعديل: 7/273].

قلت: فهذا الحديث من مراسيل سعيد بن المسيب، وهو مشهور بالبصرة كذلك، فإن كان حديث الباب أخطأ فيه الجريري بسبب اختلاطه فيكون سلك فيه الجادة المعروفة من حديثه: "عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري"، ويُحتمل ذلك من خالد الطحان أيضاً؛ لأنه هو المتفرد به!

والتعامل مع حديث المختلط أننا ننظر فيمن سمع منه قبل الاختلاط ومن سمع منه بعد الاختلاط، فإن لم نستطع تحديد ذلك، ننظر فيمن وافقه على حديثه ممن سمع منه قبل الاختلاط ومن سمع منه بعد، فإذا وجدنا راوياً روى عنه حديثاً بعد الاختلاط ووجدنا متابعاً له ممن روى عنه قبل الاختلاط فيكون الشيخ لم يختلط في حديثه هذا؛ لأن المختلط لا يخلط في كلّ حديثه إلا إذا كان تخليطه فاحشاً جداً!! وإذا لم نعرف أن هذا الراوي سمع منه قبل الاختلاط أم بعده ننظر أيضاً فيمن وافقه على حديثه، فإن لم نجد له متابعاً وأنه تفرد به، فلا نحتج بحديثه هذا لأنه قد يكون أخذه منه في حال اختلاطه، أو أنه هو نفسه أخطأ فيه بسبب تفرده به! وإلا كيف يتفرد عنه دون أصحابه سواء الذين سمعوا منه قبل الاختلاط أو بعده!

وينبغي التنبه أيضاً إلى أن الذي وصف بالاختلاط بآخره لا يعني أن كلّ حديثه قبل الاختلاط يكون صحيحاً، فمثله مثل بقية الثقات قد يخطىء، وتفرده أيضاً عن غيره من أصحابه يتنبه له أهل النقد، وقد لا يقبلونه!!

ولهذا سنبحث في رواية خالد الطحان عن الجريري، وكيف خرّج البخاري ومسلم حديثه عنه.

·       متى اختلط الجُريري ومن سمع منه قبل الاختلاط وبعده، ومتى سمع منه خالد الطحّان.

سعيد بن إِياس الجُريري البصريّ الثقة، اختلط بأخرة، (ت144هـ).

قال أبو حاتم الرازي: "تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديماً فهو صالح، وهو حسن الحديث". [الجرح والتعديل].

وقال: "والجُرَيري بأَخَرَةٍ ساءَ حِفظُه، وَلَيْسَ هُوَ بذاكَ الحافِظ". [علل ابن أبي حاتم].

وقال أحمد بن حنبل: سألت ابن علية، أكان الجريري اختلط؟ فقال: "لا، كَبُر الشيخ فرَّق".

وقال ابن أبي عدي: "لا نكذب الله، سمعنا من الجريري وهو مختلط".

وقال كَهمس: "أنكرنا الجريري أيام الطاعون".

وقال النسائي: "ثقة، أنكر أيام الطاعون".

وقال يزيد بن هارون: سمعت منه سنة اثنتين وأربعين ومائة، وهي أول سنة دخلت البصرة، ولم نُنكر منه شيئاً، وكان قد قيل لنا إنه قد اختلط، وقد سمع منه إسحاق الأزرق بعدنا".

وقال ابن معين: قال يحيى بن سعيد لعيسى بن يونس: أسمعت من الجريري وهو مختلط؟ قال: نعم، قال: لا ترو عنه. يعني لأنه سمع منه بعد اختلاطه.

وقال ابن حبان: "كان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين".

روى عنه قبل الاختلاط: حماد بن سلمة، وإسماعيل بن عُلية، وعبدالاعلى بن عبدالأعلى، وهو أصحهم سماعاً سمع منه قبل أن يختلط بثماني.

قال الآجري عن أبي داود: "أرواهم عن الجريري ابن علية، وكل من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد".

والذين سمعوا من أيوب وسمعوا من الجريري قبل تغيره - بالإضافة إلى إسماعيل بن علية وحماد بن سلمة وعبدالأعلى-: حماد بن زيد، والثوري، وشعبة، وعبدالوارث بن سعيد، وعبدالوهاب الثقفي، ومعمر، ووهيب بن خالد، ويزيد بن زريع.

وجاء في حديث عند ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (ص: 673): "هِلَالُ بنُ حِقٍّ - قَدِيمُ السَّمَاعِ مِنَ الْجُرَيْرِيِّ".

وروى عنه في الاختلاط: يزيد بن هارون، وابن المبارك، وابن أبي عدي، وعيسى بن يونس، وإسحاق الأزرق، ويحيى القطان.

قال العجلي: كلّ ما روى عنه مثل هؤلاء الصغار فهو يختلط. [معرفة الثقات:1/ 394].

ورآه يحيى بن سعيد القطان وهو مختلط، ولم يكن اختلاطه فاحشاً.

قال الدوري عن ابن معين: سمع يحيى بن سعيد من الجريري، وكان لا يروي عنه".

وحديثه عند الشيخين من حديث بشر بن المفضل، وخالد بن عبدالله، وعبدالأعلى، وعبدالوارث عنه.

وعند البخاري فقط من حديث محمد بن عبدالله الأنصاري عنه.

وعند مسلم فقط من حديث ابن علية، وبشر بن منصور، وجعفر بن سليمان الضبعي، وأبي أسامة حماد بن أسامة، وحماد بن سلمة، وسالم بن نوح، والثوري، وسليمان بن المغيرة، وشعبة، وابن المبارك، وعبدالواحد بن زياد، وعبدالوهاب بن عطاء الخفاف، ووهيب، وابن زريع، ويزيد بن هارون عنه.

وفي هؤلاء جماعة ممن لم ينصّ أهل العلم على كون سماعهم منه قبله أو بعده كخالد الطحان!

وكان الحافظ ابن حجر لم يتحرر له ذلك في «هدي الساري» فإنه قال (ص405): "أخرج له البخاري أيضًا من رواية خالد الواسطي عنه، ولم يتحرر لي أمره إلى الآن، هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعد؟ لكن حديثه عنه بمتابعة بشر بن المفضَّل، كلاهما عنه، عن ابن أبي بكرة، عن أبيه. اهـ.

ثمّ لما أتى إلى شرح أحد الأحاديث التي تفرد بها خالد الطحان عن الجريري عدّه فيمن سمع منه قبل الاختلاط!

قال في «الفتح» (13/129): "وخالد الطحان معدود فيمن سمع من سعيد الجريري قبل الاختلاط، وكانت وفاة الجريري سنة أربع وأربعين ومائة، واختلط قبل موته بثلاث سنين. وقال أبو عُبيد الآجري عن أبي داود: من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد. قلت: وخالد قد أدرك أيوب فإن أيوب لما مات كان خالد المذكور ابن إحدى وعشرين سنة".

قلت: قصد أبو داود من أدرك أيوب وسمع منه، ومن ذكرناهم ممن سمع من الجريري قبل الاختلاط قد سمعوا أيضاً من أيوب، وأراد أبو داود أن يبيّن أنهم قدماء، وأما خالد الطحان فنعم قد أدرك أيوب (ت131هـ)، ولكنه لم يسمع منه! وهو واسطي، وكان عمره (21) سنة لما مات أيوب، وكان طالب العلم يتشبع من حديث بلده ثم يرحل، ولهذا لما سُئِل الإمام أحمد عن سماع خالد من الجريري قبل الاختلاط أجاب بعدم معرفته؛ فلو كان سمع منه قبل الاختلاط لشاع ذلك وعرفه أحمد، والأقرب أنّ خالداً الطحان سمع من الجريري بعد الاختلاط، أي بعد سنة (141هـ)، والله أعلم.

·       الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم لخالد الطحان عن الجريري:

أخرج البخاري لخالد الطحان عن الجريري أربعة أحاديث:

الحديث الأول: قال البخاريّ في «صحيحه»، باب: كم بين الأذان والإقامة، ومن ينتظر الإقامة، (1/127): حدثنا إسحاق الواسطي - هو: إِسْحَاقُ بنُ شَاهِينٍ -، قال: حدثنا خالد، عن الجريري، عن ابن بريدة، عن عبدالله بن مغفل المزني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين كل أذانين صلاة، ثلاثا لمن شاء».

وهذا الحديث رواه عن الجريري أيضاً جماعة، منهم: عبدالأعلى (أخرجه مسلم في صحيحه: 1/53)، وابنُ عُليَّة (أخرجه أبو داود في سننه: 2/26)، ويزيدُ بن هارون (أخرجه الدارمي في سننه: 2/903)، ويَزيد بن زُرَيع (أخرجه الدارقطني في سننه: 1/501)، وأبو أسامة حمّاد بن أسامة (أخرجه الدارقطني في سننه: 1/501).

قلت: فهذا الحديث قد رواه جماعة عن الجريري وأغلبهم من سمع منه قبل الاختلاط إلا فيما قيل عن يزيد بن هارون، فبعض أهل العلم يرون أنه روى عنه بعد الاختلاط كما قال ابن معين.

وقد حدّث الجريري بهذا الحديث بعد الاختلاط فوهم فيه، فنبّه عليه فرجع إلى الصواب.

قال الفلاّس: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أتيت الجريري فسمعته يقول: حدثنا ابن بريدة عن عبدالله بن عمرو، قال: (بين كل أذانين صلاة). فلما خرجت قال لي رجل: إنما هو عن عبدالله بن مغفل!! فرجعت إليه فقلت له، فقال: "عن عبدالله بن مغفل". [ضعفاء العقيلي:2/99].

وعلى كلّ حال، فالحديث صحيح عن الجريري، وهو متابع فيه أيضاً، تابعه كَهمس بن الحسن.

أخرجه البخاري في «صحيحه»، باب: بين كل أذانين صلاة لمن شاء، (1/128) عن عبدالله بن يزيد، قال: حدثنا كهمس بن الحسن، عن عبدالله بن بريدة، عن عبدالله بن مغفل، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة»، ثم قال في الثالثة: «لمن شاء».

وأخرجه مسلم أيضاً في «صحيحه» (1/573) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة ووكيع، عن كهمس، به.

وكانَ كهمس بن الْحسن هُوَ والجريري فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وكانا يذهبان للسماع من بعض الشيوخ مع بعضهما كعبدالله بن بُريدة، وعليه فإنّ الحديث إذا رواه كهمس عن شيخ وشاركه الجريري فيه، فنقدِّم رواية كهمس على الجريري إذا كان هناك اختلاف على الجريري، فالرواية الصحيحة عنه ما وافقت رواية كهمس.

فقد روى الجريري، وكهمس بن الحسن، عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عن عائشة، قلت: يا رسول الله ما أقول إذا صادفت ليلة القدر؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.

أما كهمس فرواه عنه بهذا الإسناد جماعة منهم: خالد بن الحارث وجعفر بن سليمان ووكيع والنضر ومحمد بن جعفر.

ورواه عليّ بن غراب، عن كهمس، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن عائشة، ووهم في قوله عن أبيه. والصحيح عن ابن بريدة، عن عائشة.

وأما الجريري، فرواه أيضاً عن ابن بريدة عن عائشة، رواه عنه يزيد بن هارون وخالد الطحان.

ورواه عنه الثوري، واختلف عنه؛ فقال إسحاق الأزرق: عن الثوري، عن الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عائشة.

وخالفه الأشجعي؛ فَرَوَاهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ عائشة. وقول الأزرق أصح. والأزرق ممن روى عنه بعد الاختلاط.

ورواه ابن واصل عبدالحميد، عن الجريري، فوهم فيه فقال: عن الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن عائشة. والصحيح عن الجريري، عن ابن بريدة. [انظر: علل الدارقطني، رقم: 3860].

الحديث الثاني: قال البخاريّ في «صحيحه»، باب إتمام التكبير في الركوع، (1/156) قال: حدثنا إسحاق الواسطي، قال: حدثنا خَالِدٌ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قَالَ: صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ – أي: عِمْرَان-: «ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلَاةً كنّا نُصَلِّيهَا مع رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ».

قلت: هذا الحديث تفرد به خالد الطحان عن الجريري، ولم يتابعه عليه أحد!

ولما خرّج البزار في «مسنده» (9/26) حديث الْمُعْتَمِر، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبَصْرَةَ وَصَلَّى بِهِمْ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَوَضَعَ، فَقَالَ عِمْرَانُ: «أَذْكَرَنَا هَذَا الشَّيْخُ صَلَاةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». ساق بعده حديث إِسْحَاق بن شَاهِينٍ، عن خَالِد، عن الْجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ.

ثُمّ قال: "وهذَا الْحَدِيثُ ذَكَرْنَاهُ، عَنْ يُونُسَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّصِلٍ لِجَلَالَةِ يُونُسَ؛ وَلَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنْ يُونُسَ إِلَّا الْمُعْتَمِرُ؛ فَلِذَلِكَ ذَكَرْنَا، وَأَمَّا حَدِيثُ الْجُرَيْرِيِّ فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ، وَأَبُو الْعَلَاءِ هُوَ يَزِيدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ الشِّخِّيرِ وَهُوَ أَخُو مُطَرِّفٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْكَلَامُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَعِمْرَانُ أَعْلَى مَنْ رَوَى ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ".

قلت: وظاهر كلام البزار أن هذا الحديث لا يُعرف عن الجريري إلا من طريق خالد! والحديث معروف عن مطرّف عن عمران من غير طريق الجريري.

أخرجه البخاري في «صحيحه»، باب إتمام التكبير في السجود، (1/272)، ومسلمٌ في «صحيحه» (1/295) من طريق حمّاد بن زيد، عن غَيْلاَن بنِ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا وَعِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ، «فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ»، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قلت: الجريري له روايات عن أبي العلاء عن مطرّف، ولكن هذا الحديث لم يروه عن أبي العلاء إلا الجريري، تفرد به خالد الطحان! فالله أعلم إن كان صحيحاً عن أبي العلاء!!

الحديث الثالث: قال البخاريّ في «صحيحه»، باب: عقوق الوالدين من الكبائر، (8/4) قال: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الوَاسِطِيُّ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ»، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا، حَتَّى قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ.

قلت: هذا الحديث رواه عن الجريري أيضاً جماعة، منهم: بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ (أخرجه البخاري في صحيحه: 3/171، 8/61، والترمذي في جامعه: 4/312، 548، 5/235)، وإسماعيلُ بن عُلّية (أخرجه البخاري في صحيحه: 6/2535، ومسلم في صحيحه: 1/91، وأحمد في مسنده: 5/36)، وعَبْدُالْوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ (أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار: 2/347)، ويزيد بن هارون (أخرجه الخرائطي في مساوئ الأخلاق: ص76، وابن منده في كتاب الإيمان: 2/567).

الحديث الرابع: قال البخاريّ في «صحيحه»، بَابُ مَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ، (9/64) قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ طَرِيفٍ أَبِي تَمِيمَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهُوَ يُوصِيهِمْ، فَقَالُوا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ: وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقِ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ. فَقَالُوا: أَوْصِنَا، فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ».

قُلْتُ - أي الفربري - لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ - أي البخاري -: "مَنْ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُنْدَبٌ، قَالَ: نَعَمْ جُنْدَبٌ".

قلت: هذا الحديث تفرد به خالد الطحان عن الجريري! ولم يتابع الجريري عليه عن أبي تميمة!!

وبعض ألفاظ هذا الحديث رُويت عن جُندب بن عبدالله من طُرق أخرى مرفوعة، وبعضها موقوفة من كلامه.

فقد أخرج البخاري في «صحيحه»، بَاب الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، (5/2383) من طريق سَلَمَة بن كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا، يَقُولُ: - قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَهُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: - قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ».

وأخرجه مسلم أيضاً في «صحيحه» (4/2289) من حديث سلمة كذلك. وأخرجه أيضاً من حديث ابن عباس مثله.

وقصة جُندب مع أصحابه معروفة ومشهورة، ورُويت من طريق أبي تميمة بإسناد آخر!

روى ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/293) قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، قال: حدثنا عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ الْكَلْبِيُّ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ -، قال: حدثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ جُنْدُبِ بنِ عَبْدِاللَّهِ الْأَزْدِيِّ، صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَهُوَ إِلَى الْبَصْرَةِ حَتَّى أَتَيْنَا مَكَانًا يُقَالُ لَهُ بَيْتُ الْمِسْكِينِ وَهُوَ مِنَ الْبَصْرَةِ مِثْلُ الثَّوِيَّةِ مِنَ الْكُوفَةِ قَالَ: هَلْ كُنْتَ تُدَارِسُ أَحَدًا الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: إِذَا أَتَيْتَ الْبَصْرَةَ فَأْتِنِي بِهِمْ وَلَا تَأْتِنِي بِهِمْ إِلَّا شَمْطًا فَأَتَيْتُهُ بِصَالِحِ بْنِ مَسْرُوحٍ وَبِأَبِي بِلَالٍ، وَبِنَجْدَةَ، وَنَافِعِ بنِ الْأَزْرَقِ وَهُمْ فِي نَفْسِي مِنْ أَفَاضِلِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جُنْدُبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَا يُنْتِنُ مِنَ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ وَلَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ إِلَّا طَيِّبًا» قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَيَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيَحْرَقُ نَفْسَهُ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحُولَنَّ بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى أَبْوَابِهَا مِلْءُ كَفٍّ مِنْ دَمِ مُسْلِمٍ هِرَاقَهُ ظُلْمًا» فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ فَذَكَرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُوَ سَاكِتٌ يَسْمَعُ مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ: «لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَوْمًا قَطُّ أَحَقَّ بِالنَّجَاةِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ».

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/165) عن أحمد بن المعلى الدمشقي والحسن بن علي المعمري، كلاهما عن هشام بن عمار، به.

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/125): سألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ هشام بن عمَّار، عن عليِّ بنِ سُلَيْمَانَ الكَلْبِيِّ، عَنِ الأَعْمَش، عَنْ أَبِي تَمِيمةَ، عَنْ جُنْدُبِ بن عبدالله، عن النبيِّ قَالَ: أَوَّلُ مَا يَنْتُنُ مِنَ الرَّجُلِ بَطْنُهُ؛ فَلاَ يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ فِيهِ إِلاَّ طَيِّبًا... الحديث؟

قَالَ أَبِي: "لا يُشبهُ هذَا الحديثُ حديثَ الأَعْمَش؛ لأن الأَعْمَش لم يروِ عَنْ أَبِي تميمةَ شيئا، وهو بأبي إسحاقَ أَشبهُ".

قلت: يعني أن هذا الحديث أشبه أن يرويه علي بن سليمان عن أبي إسحاق السبيعي! ولكن لا قرينة تؤيد هذا! والحديث لا يصح، وقد تفرد به أبو نوفل عليّ بن سليمان الكلبي عن الأعمش!

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: "يقال له أبو نوفل الكيساني، أصله كوفي، سكن دمشق". قلت: ما حاله؟ قال: "ما أرى بحديثه بأساً، صالح الحديث، ليس بمشهور".

قال ابن كثير في «تفسيره» (1/86): "هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه".

وروى الطبراني في «المعجم الكبير» (2/167) من طريق مُوسَى بن أَعْيَنَ الجزريّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ جُنْدُبِ بنِ عَبْدِاللهِ، أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، فَقَالَ: لَا يَغُرَّنَّكَ هَؤُلَاءِ إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ الْيَوْمَ ويَتَجَالَدُونَ بِالسُّيُوفِ غَدًا، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِنَفَرٍ مِنْ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ ولْيَكُونوا شُيُوخًا فَأَتَيْتُهُ بِنَافِعِ بنِ الْأَزْرَقِ وأَتَيْتُهُ بِمِرْدَاسٍ أَبِي بِلَالٍ، وَبِنَفَرٍ مَعَهُمَا سِتَّةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلْنَا عَلَى جُنْدُبٍ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَثَلُ مَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ ويَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ الْمِصْبَاحِ الَّذِي يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيَحْرِقُ نَفْسَهُ، وَمَنْ رَاءَى النَّاسَ بِعِلْمِهِ رَاءَى اللهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ سَمَّعَ اللهُ بِهِ. فَاعْلَمُوا أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُنْتِنُ مِنْ أَحَدِكُمْ إِذَا مَاتَ بَطْنُهُ، فَلَا يُدْخِلْ بَطْنَهُ إِلَّا طَيِّبًا، وَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ مِلْءُ كَفٍّ مِنْ دَمٍ فَلْيَفْعَلْ».

قلت: هذه القصة مشهورة ومعروفة، ولكن في رفع هذا الكلام للنبيّ صلى الله عليه وسلم نظر!

وليث هو: ابن أبي سُليم، وهو ضعيف، سيء الحفظ كثير الخطأ، وكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل.

ومما يؤيد أن هذا من كلام جندب ما رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/182) قال: حدثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْفٍ - هو: الأعرابي -، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ سَيَّارِ بنِ سَلَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بنُ مُحْرِزٍ قَالَ: قَالَ جُنْدُبٌ: «مَثَلُ الَّذِي يَعِظُ وَيَنْسَى نَفْسَهُ مَثَلُ الْمِصْبَاحِ يُضِيءُ لِغَيْرِهِ وَيُحْرِقُ نَفْسَهُ, لِيُبْصِرْ أَحَدُكُمْ مَا يُجْعَلُ فِي بَطْنِهِ, فَإِنَّ الدَّابَّةَ إِذَا مَاتَتْ كَانَ أَوَّلَ مَنْ يَنْفَتِقُ بَطْنُهَا, وَلْيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ مِلْءُ كَفٍّ مِنْ دَمِ مُسْلِمٍ».

قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو موقوف على جندب بن عبدالله - رضي الله عنه -.

وُروي من طريق آخر مرفوعاً، ولا يصح!

أخرج الطبراني في «المعجم الكبير» (2/160) من طريق أَبي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، قال: حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبِ بنِ عَبْدِاللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَحُولَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ مِلْءُ كَفٍّ مِنْ دَمٍ يُهْرِيقُهُ كَأَنَّمَا يَذْبَحُ دَجَاجَةً، كُلَّمَا تَقَدَّمَ لِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يُدْخِلَ بَطْنَهُ إِلَّا طَيِّبًا، فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ».

وأخرجه أيضاً في «المعجم الأوسط» (8/233) من طريق أَبي بَكْرِ بن الْأَسْوَدِ، عن أَبي عَوَانَةَ، به.

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا أَبُو عَوَانَةَ، وَالْحَجَّاجُ بنُ الْحَجَّاجِ".

وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (7/260) من طريق أَبي بَكْرِ بنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، عن أبي عَوَانَةَ. ثم قال: "وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو كَامِلٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ".

وأخرج البيهقي أيضاً في «شعب الإيمان» (4/261) من طريق سُلَيْمَان بن حَرْبٍ، عن السَّرِيّ بن يَحْيَى الشيبانيّ، عن بَكْر بن عَبْدِاللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: خَرَجَ جُنْدُبُ بنُ عَبْدِللهِ وَخَرَجَ مَعَهُ رِجَالٌ مِنْ إِخْوَانِهِ يُشَيِّعُونَهُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ حِصْنَ الْمَسَاكِينِ، قَالُوا لَهُ: أَوْصِنَا، قَالَ: "أَلَا لَا تُدْخِلُوا هَذَا خَبِيثًا؟ وَأِوَى بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ، وَلَا تُخْرِجُوا مِنْهُ خَبِيثًا، فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ"، قَالُوا لَهُ: أَوْصِنَا، قَالَ: "أَلَا وَلَا يَحُولَنَّ بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بَعْدَمَا أَبْصَرَ بَابَهَا مِلْءُ كَفٍّ مِنْ دَمِ مُسْلِمٍ أَهْرَاقَهُ".

قلت: هذا إسناد صحيح، وهو موقوف على جندب.

وأخرجه أبو نُعيم في «الحلية» (5/250) من طريق عِرَاك بن خَالِدٍ بن يزيد الدمشقيّ، عَنِ ابنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيدَ التَّمِيمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَدِمَ جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانَ الْبَجَلِيُّ الْبَصْرَةَ، فَأَقَامَ بِهَا حِينًا، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ شَيَّعَهُ الْحَسَنُ فِي خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ حَتَّى بَلَغُوا مَعَهُ حِصْنَ الْمُكَاتَبِ، فَقَالُوا لَهُ: حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ فَلَا تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ، وَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذِمَّتِهِ، وَلَا أَعْرِفَنَّ مَا أَشْرَفَتِ الْجَنَّةُ لِأَحَدِكُمْ حَتَّى إِذَا عَايَنَهَا وَدَنَتْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِمِلْءِ كَفٍّ مِنْ دَمِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَهْرَقَهَا ظُلْمًا» سَمِعْتُ هذَا مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَقُولُ لَكُمْ مِنْ عِنْدِي: "إِنِّي رَأَيْتُ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الْإِنْسَانِ فِي الْقَبْرِ بَطْنُهُ، فَلَا تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ إِلَّا طَيِّبًا".

قلت: عِراك بن خالد الدمشقي ليس بالقوي، مضطرب الحديث، قاله أبو حاتم الرازي.

وما جاء في أصل رواية الإمام البخاري التي تفرد بها الطحان عن الجريري: "فَقَالُوا: أَوْصِنَا، فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ".

فهذا من كلام جندب، وليس بمرفوع، ويؤيده ما سبق بيانه من روايات. ومَال الحافظ ابن حجر إلى أنه مرفوع.

قال في «الفتح» (13/130) معلقاً على رواية البخاري: "هكذا وقع هذا الحديث من هذا الوجه موقوفاً، وكذا أخرجه الطبراني من طريق قتادة عن الحسن، هو البصري، عن جندب موقوفاً، وأخرجه من طريق صفوان بن محرز، وسياقه يحتمل الرفع والوقف، فإنه صدر بقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول من سمع الحديث واعلموا أن أول ما ينتن وينتن...".

ثم قال: "قوله: ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملء كف... كذا وقع هذا المتن أيضاً موقوفاً، وكذا أخرجه الطبراني من طريق صفوان بن محرز، ومن طريق قتادة عن الحسن عن جندب موقوفاً... ووقع مرفوعاً عند الطبراني أيضاً من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب، ولفظه: تعلمون أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحولن بين أحدكم وبين الجنة وهو يراها ملء كف دم من مسلم أهراقه بغير حله، وهذا لو لم يرد مصرحاً برفعه لكان في حكم المرفوع؛ لأنه لا يُقال بالرأي".

قلت: الصواب أنه من كلام جندب ليس مرفوعاً، وقد يجتهد الصحابي بمثل هذه الأقوال اعتماداً على بعض الأصول في الآيات أو مما سمعه من النبيّ صلى الله عليه وسلم.

والقصة التي في حديث البخاري لصفوان وجندب، روى مسلم قصة أخرى لهما، مال الحافظ ابن حجر أنها القصة نفسها.

قال الحافظ في «الفتح» (13/129): "قوله: شهدت صفوان وأصحابه وجندباً يوصيهم، ووقع في صحيح مسلم من طريق خالد بن عبدالله بن محرز عن عمّه صفوان بن محرز أن جندب بن عبدالله بعث إلى عسعس بن سلامة زمن فتنة ابن الزبير فقال: اجمع لي نفراً من إخواني حتى أحدثهم فذكر القصة في تحديثه لهم بقصة الذي حمل على رجل فقال لا إله إلا الله فقتله، وأظن أن القصتين واحدة ويجمعهما أنه حذرهم من التعرض لقتل المسلم...".

قلت: هذه القصة أخرجها مسلم في «صحيحه» (1/97) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الْحَسَنِ بنِ خِرَاشٍ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ، قال: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ أَنَّ خَالِدًا الْأَثْبَجَ ابنَ أَخِي صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، حَدَّثَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِاللهِ الْبَجَلِيَّ بَعَثَ إِلَى عَسْعَسِ بْنِ سَلَامَةَ زَمَنَ فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: اجْمَعْ لِي نَفَرًا مِنْ إِخْوَانِكَ حَتَّى أُحَدِّثَهُمْ، فَبَعَثَ رَسُولًا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَ جُنْدَبٌ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ أَصْفَرُ، فَقَالَ: تَحَدَّثُوا بِمَا كُنْتُمْ تَحَدَّثُونَ بِهِ حَتَّى دَارَ الْحَدِيثُ، فَلَمَّا دَارَ الْحَدِيثُ إِلَيْهِ حَسَرَ الْبُرْنُسَ عَنْ رَأْسِهِ، فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّهُمُ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ، قَالَ: وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ، حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «لِمَ قَتَلْتَهُ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا، وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: «وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

قلت: ربما يكون هذا جزء من القصة التي سبق تخريج كلّ طرقها، والله أعلم.

والخلاصة أن الإمام البخاريّ قد خرّج لخالد الطحان عن الجريري أربعة أحاديث، توبع خالد على حديثين منها، وتفرد بحديثين!!

·       الأحاديث التي أخرجها مسلم لخالد الطحان عن الجريري:

وأما مسلم فقد أخرج لخالد الطحان عن الجريري حديثين فقط، أحدهما هو موضوع البحث، والآخر:

ما أخرجه في «صحيحه» (4/1820) قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِاللهِ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ، «كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ».

قلت: قد توبع عليه خالد الطحان: فرواه عَبْدُالْأَعْلَى بنُ عَبْدِالْأَعْلَى، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ (أخرجه مسلم في صحيحه:4/1820)، ويزيد بن هارون، عن الجريري (أخرجه الترمذي في الشمائل).

وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (ص276) عن محمد بن سلام، عن خالد بن عبدالله عن الجريري. وعلّق رواية يزيد بن هارون عن الجريري.

والخلاصة أن مسلماً خرّج لخالد الطحان عن الجريري حديثاً قد توبع عليه، وآخر لم يُتابع عليه!!

·       حديثٌ رواه خالد الطحان وغيره عن الجريري خالفهم فيه من روى عنه قبل الاختلاط:

أخرج أبو يعلى الموصلي في «صحيحه» (2/337) قال: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: أُرَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اكْتَسَى ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ: عِمَامَةٍ أَوْ قَمِيصٍ أَوْ رِدَاءٍ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ كَسَوْتَنِي، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ».

وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»، (12/239) عن أبي يعلى الموصلي، به. إلا أنه لم يقل فيه: "قال: أراه عن أبي سعيد"، وإنما فيه: "عن أبي نصرة عن أبي سعيد".

وهذا الحديث رواه جماعة عن الجريري ممن روى عنه قبل الاختلاط، ورواه بعضهم عنه ممن روى عنه بعد الاختلاط، وقد اختلفوا فيه:

فممن رواه عن الجريري ممن سمع منه بعد الاختلاط:

عبدالله بن المبارك (أخرجه أحمد في مسنده: 3/30، 50، وأبو داود في سننه: 4/41، والترمذي في الجامع: 4/239).

ويَزِيدُ بنُ هَارُونَ، (أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 6/96).

وعبدالوهاب بن عطاء الخفاف (أخرجه ابن سعد في الطبقات: 1/460).

وعِيسَى بنُ يُونُسَ (أخرجه أبو داود في سننه: 4/42، والنسائي في سننه:6/85، وابن حبان في صحيحه: 12/240).

وحمّاد بن أسامة أبو أسامة (أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده: 2/338، والحاكم في المستدرك: 4/213).

ومُحَمَّدُ بنُ دِينَار الطاحي (أخرجه أبو داود في سننه: 4/42).

والقَاسِمُ بنُ مَالِكٍ المُزَنِيُّ (أخرجه الترمذي في الجامع: 4/239، وابن السني في عمل اليوم والليلة: ص16).

ويحيى بن راشد المازني البصري، (وابن السني في عمل اليوم والليلة: ص16).

ثمانيتهم عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.

وكلّ هؤلاء سمع من الجريري بعد اختلاطه. وقد وافقهم خالد الطحان في روايتهم، وهذه قرينة قوية على أن خالداً سمع من الجريري بعد اختلاطه.

قال الترمذي: "حَدِيثٌ حَسَنٌ".

ونقل العيني عن الترمذي أنه صححه (عمدة القاري: 22/21)، وكأنه كذلك في بعض نسخ الترمذي، ولكن في التحفة للمزي أنه حسنه فقط، وهو الصواب، والله أعلم.

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

وقال الألباني في «المشكاة» برقم (4342): "حسن صحيح"!!

وقد رواه حمّاد بن سلمة، وخالفهم في إسناده، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط.

رواهُ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ الشِّخِّيرِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا قَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَمَنْ خَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ». (أخرجه النسائي في «السنن الكبرى»: 6/85).

قالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ النسائيّ: "حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِي الْجُرَيْرِيِّ أَثْبَتُ مِنْ عِيسَى بنِ يُونُسَ، لَأَنَّ الْجُرَيْرِيَّ كَانَ قَدِ اخْتَلَطَ، وَسَمَاعُ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ مِنْهُ قَدِيمٌ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: قَالَ كَهْمَسٌ: أَنْكَرْنَا الْجُرَيْرِيَّ أَيَّامَ الطَّاعُونِ، وَحَدِيثُ حَمَّادٍ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى وَابنِ الْمُبَارَكِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ".

وأشار أبو داود إلى أن عبدالوهاب بن عبدالمجيد الثقفي رواه عن الجريري عن أبي نضرة مرسلاً، لم يذكر أبا سعيد!

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "عَبْدُالْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا سَعِيدٍ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، قَالَ: عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

قَالَ: "حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ وَالثَّقَفِيُّ سَمَاعُهُمَا وَاحِدٌ".

قلت: إن ثبت أن الثقفي رواه عن الجريري هكذا فقد يكون الجريري أخطأ به قبل الاختلاط أيضاً، ولكن الثقفي أيضاً اختلط في آخر عمره! فربما وهم فيه!! والثابت أن الجريري رواه بعد الاختلاط بهذا الإسناد لكن زاد فيه "عن أبي سعيد"! ولو صحت رواية الثقفي أيضاً لبقي الحديث مرسلاً، وحديث حماد أيضاً مرسل، فالحديث عن الجريري عن أبي العلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.

ويظهر أن الوهم دخل على الجريري بسبب اختلاطه فدخل له إسناد في إسناد بسبب أنه يروي شيئاً في هذا عن أبي نضرة!

فلما روى أبو داود هذا الحديث عن عَمْرو بن عَوْنٍ، قال: أَخْبَرَنَا ابنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ إِمَّا قَمِيصًا، أَوْ عِمَامَةً ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ، وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ».

قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: "فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم إِذَا لَبِسَ أَحَدُهُمْ ثَوْبًا جَدِيدًا قِيلَ لَهُ: تُبْلَى وَيُخْلِفُ اللَّهُ تَعَالَى".

قلت: لما كان الجريري يروي عن أبي نضرة هذا اللفظ الأخير وهو متعلق باللباس الجديد أسند الحديث عن أبي نضرة فوهم.

وهذا اللفظ قد رواه إسماعيلُ ابنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: "كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَأَوْا عَلَى أَحَدِهِمُ الثَّوْبَ الْجَدِيدَ، قَالُوا: تُبْلِي، وَيُخْلِفُ اللَّهُ عَلَيْكَ" (أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 5/189).

وابن علية ممن سمع من الجريري قبل الاختلاط، فهذا هو المحفوظ عنه. وأما الحديث الأول فهو معلول كما أشار النسائي وأبو داود.

قال الحافظ ابن حجر في «أمالي الأذكار»: "ولذا أشار أبو داود إلى هذه العلة، وأفاد علة أخرى وهي أن عبدالوهاب الثقفي رواه عن الجريري عن أبي نضرة مرسلاً، لم يذكر أبا سعيد، وغفل ابن حبان والحاكم عن علته فصححاه، أخرجه ابن حبان من رواية عيسى بن يونس، ومن رواية خالد الطحان، وأخرجه الحاكم من رواية أبي أسامة، كلهم عن الجريري، وكل من ذكرنا سوى حماد والثقفي سمعوا من الجريري بعد اختلاطه، فعجب من الشيخ - يريد النووي - كيف جزم بأنه حديث صحيح! ويحتمل أنه صحيح المتن لمجيئه من طريق آخر حسن أيضاً".

قلت: قد صححه بعضهم أو حسّنه بشاهد فيه نظر!!

وهو ما رواهُ أَبُو مَرْحُومٍ عَبْدُالرَّحِيمِ بنُ مَيْمُونٍ المصريّ، عَنْ سَهْلِ بنِ مُعَاذِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هذَا الطَّعَامَ، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ». قَالَ: وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي، وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ».

أخرجه أبو داود في «السنن» (4/42)، والدارمي في «السنن» (2/378)، وأبو يعلى في «المسند» (3/62)، والحاكم في «المستدرك» (1/687) و(4/213) من طريق سَعِيد بن أَبِي أَيُّوبَ، عن أبي مرحومٍ، به.

واقتصر الترمذي (5/508)، وابن ماجه (2/1093)، وأحمد (3/439) على تخريج الجزء الأول المتعلق بالطعام فقط.

قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاري".

وقال في الموضع الثاني: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

وقال الترمذي: "حسنٌ غريب".

وحسّنه الشيخ الألباني في «الإرواء» برقم (1989).

قلت: الحديث منكرٌ، لا يصح!

وقد أخرج الإمام البخاري هذا الحديث في ترجمة «معاذ بن أنس الجهنيّ» من «التاريخ الكبير» (7/360)، وفيه إشارة إلى ضعفه كما هي عادته – رحمه الله- من خلال تضعيفه للأحاديث في التراجم.

وأبو مرحوم وسهل بن معاذ ضعيفان.

قال يحيى بن معين: "أبو مرحوم عبدالرحيم بن ميمون: ضعيف الحديث".

وقال أبو حاتم الرازي: "شيخ يُكتب حديثه، ولا يُحتج به" [الجرح والتعديل: 5/338].

وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/134)، وقال في «مشاهير علماء الأمصار» (ص189): "وكان يَهم في الأحايين".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص354): "صدوق زاهد".

وأما سهل بن معاذ:

فقال يحيى بن معين: "سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه: ضعيف".

وقال العجلي في «الثقات» (1/440): "سهل بن معاذ بن أنس الجهني، مصري تابعي ثقة".

وقال ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار»: "من خيار أهل مصر، وكان ثبتاً، وانما وقعت المناكير في أخباره من جهة زَبَّانَ بنِ فَائِدٍ".

وقال في «المجروحين» (1/347): "مُنكر الْحَدِيث جداً فلست أَدْرِي أوقع التَّخْلِيط فِي حَدِيثه مِنْهُ أَوْ من زبان بن فَايِد فَإِن كَانَ من أَحدهمَا فالأخبار الَّتِي رَوَاهَا أَحدهمَا سَاقِطَة، وَإِنَّمَا اشْتبهَ هَذَا لِأَن راويها عَن سهل بْن معَاذ زبان بن فائد إِلَّا الشَّيْء بَعْد الشَّيْء".

قلت: لسهل بن معاذ عن أبيه نسخة كبيرة يروي منها أصحاب السنن والمسانيد والمعاجم، ويروي عنه أهل مصر، وأكثر حديثه عند أبي مرحوم وزَبَّانَ بنِ فَائِدٍ، وكلاهما ضعيف، بل زبان أحاديثه مناكير. فكلّ حديث يرويانه عن سهل فلا يقبل ولا يُحتج به. وجُلّ هذه الأحاديث في الفضائل والرقاق!! وهذه علامة للضعف.

ووالد سهل: معاذ بن أنس قد أثبت صحبته البخاري وأبو حاتم وغيرهما، وقالوا: نزل مصرن لا يروي عنه إلا ابنه سهل! فإن كان اعتماد من أثبت صحبته على أحاديث ابنه ففي إثباتها نظر!! وإن كان لأمر آخر فلا بأس.

قال أبو الحسن بن سُميع في تسمية من نزل الشام من الصحابة: "معاذ بن أنس الجهني بفلسطين، مات بالشام، قاله أبو سعيد - يعني دُحيماً" [تاريخ ابن عساكر].

وقد روى لَيْثُ بنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَن سهل بنِ مُعَاذِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهُ ذَكَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ارْكَبُوا هَذِهِ الدَّوَابَّ سَالِمَةً، وَايْتَدِعُوهَا سَالِمَةً، ولَا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ».

ولكن ذكر خليفة بن خياط في تسمية الصحابة الذين نزلوا الشام: "أنس الجهني روى اركبوا هذه الدواب"، وذكر قبله معاذ بن أنس كذلك. فجعل الحديث لوالد معاذ: أنس، فأثبت لكليهما صحبة!

وهذا الحديث يروى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروى عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروى عن الليث عن معاذ، ويروى عن الليث عن يزيد عن معاذ! وقد تكلم على هذه الاختلافات ابن عساكر في «تاريخه» (9/387). وقد جعل الشيخ شعيب ورفاقه أثناء تعليقهم على هذه الأحاديث من المسند (29/590) برقم (18052) هذا الحديث من المزيد في متصل الأسانيد، وظاهر كلامهم وتعليقهم أن كلا الروايتين صحيحة! وكأنهم لا يعرفون ما معنى المزيد في متصل الأسانيد!!!

والذي أميل إليه أن هذه الأحاديث لا تصح بسبب معاذ بن أنس هذا، والله تعالى أعلم وأحكم.

وقد روى الطبراني حديث سهل بن معاذ في الدعاء من طريق آخر:

أخرجه في «مسند الشاميين» (1/151) من طريق الْوَلِيد بن الْوَلِيدِ العنسيّ الدمشقيّ، عن محمّد بن عبدالرّحمن بن ثَوْبَان، عَنْ سَهْلِ بنِ مُعَاذِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهُ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

قلت: الوليد مشّاه أبو حاتم الرازي، وأكثر الأئمة على أنه متروك.

وقال أبو نُعيم الأصبهاني: "روى عن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان موضوعات".

·       تصحيح الشيخ العدوي لحديث الجريري عن أبي نضرة!!

لما عرض الشيخ مصطفى العدوي لحديث الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد وتعليل أبي داود له أثناء تحقيقه للمنتخب من مسند عبد بن حميد برقم (880) قال: "صحيح لغيره"، ثم قال بعد ذكر الاختلاف في إسناده: "وإن كان حماد أثبت من عيسى في الجريري إلا أن حماداً نفسه تغير حفظه. فالذي يترجح - والله أعلم- الرواية المتصلة، والحديث ذكره الحافظ في (الفتح: 10/303) كتاب اللباس باب "32": ما يدعى لمن لبس ثوباً جديداً. وسكت عليه الحافظ ابن حجر".

قلت: لم ينظر الشيخ إلى مسألة من روى عن الجريري قبل الاختلاط وبعده! فإن كل من رواه عنه بهذا الإسناد ممن روى عنه بعد الاختلاط، وحديث حماد يدلّ على أنه ضبطه إذا أتى به هكذا ونصّ أهل النقد أنه سمع من الجريري قبل الاختلاط بزمن، وترجيح المتصل على المرسل بدعوى أن حماداً تغير حفظه فيه نظر! ويفتقر إلى قرينة تؤيده! سيما والمسالة مسألة اختلاط الجريري، وليست المسألة هنا بكثرة من روى عنه!!

وأما سكوت الحافظ ابن حجر عنه فلا يعني شيئاً، ولا يُنسب لساكت قول، وكذلك فإن الحافظ عندما يحسّن بعض الأحاديث في شرحه فإنه ربما يتساهل في ذلك، فما بالك إذا سكت!!

·       أحاديث الدعاء عند لبس الثوب الجديد!

والخلاصة أنه لم يصح أيّ حديث في الدعاء عند لبس الثوب الجديد، إلا قوله صلى الله عليه وسلم لأمّ خالد: «أَبْلِي وَأَخْلِفِي».

والعَرَبُ كانت تقول لمَن لَبِسَ ثوباً جَدِيداً: "أَبْلِ، وأَخْلِفْ، واحْمَدِ الكَاسِي". [تاج العروس (23/ 272].

وقد بوّب البخاري في «صحيحه»: "باب مَا يُدْعَى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا".

قال ابن حجر في «الفتح» (10/303): "باب ما يدعى لمن لبس ثوباً جديداً: كأنه لم يثبت عنده حديث ابن عمر قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر ثوباً، فقال: ألبس جديداً وعش حميداً ومت شهيداً، أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وأعلّه النسائي".

وأخرج البخاريّ تحت هذا الباب قال: حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سَعِيدِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ، قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ: «مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الخَمِيصَةَ» فَأُسْكِتَ القَوْمُ، قَالَ: «ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ» فَأُتِيَ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: «أَبْلِي وَأَخْلِفِي» مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ: «يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا وَيَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا» وَالسَّنَا بِلِسَانِ الحَبَشِيَّةِ الحَسَنُ قَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِي: أَنَّهَا رَأَتْهُ عَلَى أُمِّ خَالِدٍ.

قال ابن المُنيِّر في «المتواري على أبواب البخاري» في بيان العلاقة بين الترجمة والحديث: "كأن هَذَا من قبيل التهنئة بلباس الْجَدِيد. وَأدْخلهُ البُخَارِيّ لِئَلَّا يظنّ أَن مثل هذَا من قبيل مَا اخْتلف فِيهِ من التهنئة بالمواسم الشَّرْعِيَّة. وَالله أعلم".

وقوله صلى الله عليه وسلم: «وأَخْلِفِي» رُوي بالقاف أيضاً «وأَخْلِقي»، وجاء في رواية المروزِي والهروي بِالْفَاءِ، أَي تعيش حَتَّى تبليه وتكسب خَلفه بعده وَغَيره، يُقَال: أخلف الله لَك مَالا وَخَلفه، وَبَعْضهمْ لَا يُجِيز إِلَّا أخلف الله مَالا، ولغيرهما بِالْقَافِ تَأْكِيد لقَوْله أبلى من أَخْلَاق الثَّوْب وَكِلَاهُمَا صَحِيح الْمَعْنى.

فقولهُ: (أَبْلِي وَأَخْلِقِي) هَذَا مِنْ بَابِ التَّفَاؤُلِ وَالدُّعَاءِ لِلَّابِسِ بِأَنْ يُعَمِّرَ وَيَلْبَسَ ذَلِكَ الثَّوْبَ حَتَّى يَبْلَى وَيَصِيرَ خَلَقًا، فيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا كَذَلِكَ.

قال ابن حجر في «الفتح» (10/280): "وقوله (أبلى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام، أمر بالإبلاء، وكذا قوله (أخلقي) بالمعجمة والقاف، أمر بالاخلاق، وهما بمعنى والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك، أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق. قال الخليل: أبل وأخلق معناه عِش وخرق ثيابك وأرقعها، وأخلقت الثوب أخرجت باليه ولفقته، ووقع في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري وأخلفي بالفاء، وهي أوجه من التي بالقاف؛ لأن الأولى تستلزم التأكيد إذ الإبلاء والاخلاق بمعنى لكن جاز العطف لتغاير اللفظين، والثانية تفيد معنى زائداً وهو أنها إذا أبلته أخلفت غيره، وعلى ما قال الخليل لا تكون التي بالقاف للتأكيد لكن التي بالفاء أيضاً أولى، ويؤيدها ما أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبي نضرة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلى ويخلف الله".

فالثابت في التهنئة بالثوب الجديد أن نقول: «أَبْل وَأَخْلف»، وثبت عن ابن عُلَيَّةَ وابن المبارك، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: "كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَأَوْا عَلَى أَحَدِهِمُ الثَّوْبَ الْجَدِيدَ، قَالُوا: تُبْلِي، وَيُخْلِفُ اللَّهُ عَلَيْكَ".

·       حديث آخر اختلف الرواة فيه على الجُريري!

أخرج ابن المبارك في كتاب «الزهد» (ص471) قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: أَتَيْتُ تَمِيمًا الدَّارِيَّ فَحَدَّثَنِي حَتَّى اسْتَأْنَسْتُ إِلَيْهِ، وفيه: «خُذْ مِنْ نَفْسِكَ لِدِينِكَ، وَمِنْ دِينِكَ لِنَفْسِكَ، يَسْتَقِيمُ بِكَ الْأَمْرُ عَلَى عِبَادَةٍ تُطِيقُهَا».

قالَ أَبُو عُبَيْدٍ القاسم بن سلام في «غريب الحديث» (2/29): "وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ ابنُ عُلَيَّةَ يُحَدِّثُهُ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ تَمِيمٍ، وَلَا يَذْكُرُ أَبَا الْعَلَاءِ".

وابن علية سمع من الجريري قبل الاختلاط، وابن المبارك بعده!

·       ملخص الأدلة على أن سماع الطحان من الجريري كان بعد الاختلاط:

والخلاصة أنّ خالداً الطحّان سمع من الجريري بعد الاختلاط، ويدلّ عليه:

1- قول أبي داود: "من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد"، قصد به من أدرك أيوب وسمع منه، ومن ذكرناهم ممن سمع من الجريري قبل الاختلاط قد سمعوا أيضاً من أيوب، وأراد أبو داود أن يبيّن أنهم قدماء، وأما خالد الطحان فنعم قد أدرك أيوب (ت131هـ)، ولكنه لم يسمع منه! وهو واسطي، وكان عمره (21) سنة لما مات أيوب، وكان طالب العلم يتشبع من حديث بلده ثم يرحل، ولهذا لما سُئِل الإمام أحمد عن سماع خالد من الجريري قبل الاختلاط أجاب بعدم معرفته؛ فلو كان سمع منه قبل الاختلاط لشاع ذلك وعرفه أحمد، والأقرب أنّ خالداً الطحان سمع من الجريري بعد الاختلاط، أي بعد سنة (141هـ).

2- أن خالداً الطحان قد وافق الرواة الذين رووا عن الجريري بعد اختلاطه في بعض الأحاديث بخلاف ما رواه من سمع منه قبل الاختلاط، وهذا يدلّ على أن سماعه منه كان بعد اختلاطه، ولو كان قبل لوافق من رواه عنه قبل الاختلاط.

3- تفرد خالد الطحان بأحاديث عن الجريري! فلو كان سمع منه قبل الاختلاط لما تفرد بها ولوجدنا من تابعه عليها، ومظنة التفرد بعد الاختلاط أقوى وذلك لأن الطلبة كانوا لا يحرصون على السماع منه بعد الاختلاط كما هو الحال قبل الاختلاط.

4- عدم نصّ أحد من أهل النقد على أنه سمع منه قبل الاختلاط مما يدلّ على أنّ الميل إلى عدم السماع قبل الاختلاط أقرب، والله أعلم.

5- الأحاديث التي رواها خالد الطحان عن الجريري قليلة جداً، قد توبع في بعضها، وتفرداته عنه قليلة وهي ما ذكرناه في هذا البحث، ولم يخرّج له أصحاب السنن الأربعة أياً من هذه التفردات إلا حديثاً واحداً رواه له أبو داود.

رواه أبو داود عن مُسَدَّد، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنِ السَّعْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: "رَمَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ، فَكَانَ يَتَمَكَّنُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ قَدْرَ مَا يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا".

وأكثر الأحاديث التي رويت عن الجريري ما رواه عنه من سمع منه قبل الاختلاط كحماد بن سلمة وابن علية وعبدالأعلى، وغيرهم.

وأما من سمع منه بعد الاختلاط فأحاديثهم عنه قليلة مقارنة مع هؤلاء؛ وذلك لأن الشيخ إذا عرف الناس أنه اختلط فلا يتزاحمون عليه، وإنما يأتي إليه بعض الطلبة للسماع منه فقط.

وعليه فإن الأحاديث التي رواها خالد الطحان عن الجريري لا بدّ له من متابع عليها ممن روى عنه قبل الاختلاط، وإلا فلا يُحتج بها. ومنها حديث الباب: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا»! فقد تفرد به الطحان عنه، ولم يُتابع عليه!

وقد تبيّن لنا أيضاً أن اختلاط الجريري ليس باختلاط فاحش كما قال يحيى القطان – رحمه الله-، ويدلّ عليه أن من سمع منه بعد الاختلاط قد وافقوا من سمع منه قبل الاختلاط في أحاديث، وأكثر أوهامه الجريري في الأسانيد.

وممن روى عنه قبل الاختلاط:

إسماعيل بن علية، وحماد بن سلمة وعبدالأعلى، وحماد بن زيد، والثوري، وشعبة، وعبدالوارث بن سعيد، وعبدالوهاب الثقفي، ومعمر، ووهيب بن خالد، ويزيد بن زريع، وهلال بن حِقّ.

وممن سمع منه بعد الاختلاط:

خالد بن عبدالله الطحّان، وعبدالله بن المبارك، ويَزِيدُ بنُ هَارُونَ، وعبدالوهاب بن عطاء الخفاف، وعِيسَى بنُ يُونُسَ، وحمّاد بن أسامة أبو أسامة، ومُحَمَّدُ بنُ دِينَار الطاحي، والقَاسِمُ بنُ مَالِكٍ المُزَنِيُّ، وابن أبي عدي، وإسحاق الأزرق، ويحيى القطان، ويحيى بن راشد المازني البصري.

·       شواهد الحديث!

رُوي هذا الحديث عن صحابة آخرين، وهم:

·       حديث عليّ بن أبي طالب:

روى الحكم بن ظهير الفزاري عن عَاصِم، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا».

والحكم هذا ليس بثقة، منكر الحديث.

قال العقيلي بعد أن ساق هذا الحديث وآخر في ترجمته: "ولَهُ عَن عَاصِمٍ مَنَاكِيرُ، وَلَا تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْمُتُونِ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَيْءٌ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ".

·       حديث أنس بن مالك:

روى العقيلي في «الضعفاء» (3/457) في ترجمة «فضالة بن دينار الشحام» قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم الرازي، قال: حدثنا عمّار بن هارون، قال: حدثنا فضالة بن دينار الشحام، قال: حدثنا ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا».

قال العقيلي: "والرواية في هذا الباب غير ثابتة". وقال: "فضالة بن دينار الشحام منكر الحديث".

ورواه الخطيب في «تاريخ بغداد» (1/239) في ترجمة «محمد بن إسحاق بن يزيد أبي عبدالله - يعرف بالصيني» من طريق مُحَمَّد بن الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ، قَالَ: حدثنا عَبْدُالرَّحْمَنِ بن أحمد بنُ مُحَمَّدِ بنِ الْحَجَّاجِ بنِ رِشْدِينَ، قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَزِيدَ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حدثنا عَمَّارٌ أَبُو يَاسِرٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حدثنا فَضَالَةُ بنُ دِينَارٍ الشَّحَّامُ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حدثنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا».

قال عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي عن محمد بن إسحاق هذا: "كتبت عنه بمكة، وسألت عنه أبا عون بن عمرو بن عون فتكلّم فيه، وقال: هو كذاب، فتركت حديثه".

·       حديث العبّاس بن عبدالمطلب:

روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (43/151) في ترجمة «علي بن محمد بن إسماعيل العلوي» من طريق أحمد بن إسحاق بن إبراهيم القاضي الملحمي، قال: حدثني علي بن محمد بن إسماعيل العلوي - بدمشق – قال: حدثني أبي، قال: حدثنا يحيى بن أكثم القاضي، قال: حدثنا المأمون أمير المؤمنين، قال: حدثني علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب وعن العباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا كَائِنًا مَنْ كَانَ».

قلت: هذا موضوع!

والخلاصة أن كلّ شواهد الحديث باطلة لا تصح!!

·       مناقشة الألباني في كلامه حول هذا الحديث!!

ذكر الألباني هذا الحديث في «صحيحته» برقم (3089) - (إذا بُويعَ لِخلِيفتينِ؛ فاقتُلُوا الآخِرَ مِنْهُما).

قال: "جاء من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، وأنس بن مالك، وعبدالله بن مسعود.

1- أما حديث أبي سعيد؛ فله عنه طريقان:

الأولى: عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.... فذكره.

أخرجه مسلم (6/23)، وأبو عوانة (4/460)، والبيهقي في "السنن" (8/144).

والأخرى: عن بشر بن حرب أن ابن عمر أتى أبا سعيد الخدري فقال: يا أبا سعيد! ألم أخبر أنك بايعت أميرين من قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد؟ قال: نعم بايعت ابن الزبير، فجاء أهل الشام فساقوني إلى حُبَيْشِ بنِ دَلَجَةَ فَبَايَعْتُهُ. فقال ابن عمر: إياها كنت أخاف، إياها كنت أخاف! ومد بها (حماد) صوته.

قال أبو سعيد: يا أبا عبد الرحمن! أو لم تسمع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استطاع أن لا ينام نوماً، ولا يصبح صباحاً، ولا يمسي مساءً؛ إلا وعليه أمير"؟! قال: نعم، ولكني أكره أن يبايع أميرين من قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد. أخرجه أحمد (3/29-30).

قلت: وبشر بن حرب هذا ضعفه الأكثر، وقال الذهبي في "الكاشف": "ضعيف". وقال الحافظ: "صدوق فيه لين".

2- وأما حديث أبي هريرة؛ فيرويه أبو هلال عن قتادة عن سعيد عنه مثل حديث الترجمة.

أخرجه البزار في "مسنده" (2/235/1595)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (4/320/2534- مجمع البحرين)، وابن عدي في "الكامل" (6/213).

وأبو هلال هو محمد بن سليم الراسبي، صدوق فيه لين؛ لكنه قد خولف في إسناده. فأخرجه ابن عدي من طريق أبي الوليد عن همام عن قتادة عن سعيد بن المسيب به مرسلاً. وذكر ابن عدي عن أبي موسى محمد بن المثنى- الراوي له عن أبي الوليد- أنه قال: "قلت لأبي الوليد: فإن أبا هلال حدث عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -! قال لي أبو الوليد: يا أبا موسى! إن أبا هلال لا يحتمل هذا".

قلت: يشير إلى ضعف أبي هلال وأنه ليس من القوة بحيث يحتمل منه إسناده إياه عن أبي هريرة. ولكنه على كل شاهد مرسل قوي. وأما الهيثمي فقال (5/198): "رواه البزار، وفيه أبو هلال، وهو ثقة، والطبراني في (الأوسط)"!

3- وأما حديث معاوية؛ فيرويه الهيثم بن مروان: ثنا زيد بن يحيى بن عبيد: ثنا سعيد بن بشير عن أبي بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن الزبير قال لمعاوية في الكلام الذي جرى بينهما في بيعة يزيد بن معاوية: وأنت يا معاوية! حدثتني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان في الأرض خليفتان؛ فاقتلوا آخرهما".

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19/314/710)، وفي "الأوسط" (4/320/2535- مجمع البحرين)، وقال: "لم يروه عن ابن الزبير إلا سعيد، ولا عنه إلا أبو بشر، ولا عنه إلا سعيد بن بشير، تفرد به [زيد بن] يحيى".

قلت: وهو ثقة؛ وكذلك سائر الرجال؛ غير سعيد بن بشير؛ ففيه ضعف لا يمنع من الاستشهاد به؛ وأما الهيثمي؛ فتساهل فيه فقال: "رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورجاله ثقات"!

4- وأما حديث أنس؛ فيرويه عمار بن هارون: حدثنا فضالة بن دينار الشحام: حدثنا ثابت عن أنس.

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/457)، والخطيب في "التاريخ" (1/239)، وقال العقيلي: "فضالة بن دينار منكر الحديث، والرواية في هذا الباب غير ثابتة". كذا قال، وأقره الذهبي في "الميزان"، وتعقبه الحافظ في "اللسان" فقال: "وهذا هو العجب العجاب! كيف يقول المؤلف هذا ويقر عليه؛ والحديث في "صحيح مسلم"، وإن كان من غير هذا الوجه؟! وقد راجعت كلام العقيلي فلم أر هذا الكلام فيه".

فأقول: إن كان يعني بالنص فمسلم. وإن كان يعني مطلقاً ولو بالمعنى؛ فهو مردود بما نقلته عن العقيلي آنفاً. ويأتي عنه نحوه في الحديث التالي.

5- وأما حديث ابن مسعود؛ فعلقه العقيلي في ترجمة (الحكم بن ظهير) (1/259) عن عاصم عن زر عنه به. وقال: "الحكم بن ظهير؛ قال البخاري: منكر الحديث". ثم قال العقيلي: "ولا يصح في هذا المتن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء من وجه ثابت".

قلت: وهذا نص آخر يؤيد ثبوت كلام العقيلي السابق والذي استنكره الحافظ ونفاه عن العقيلي، أما الاستنكار فلا شك فيه، وأما النفي فهو مردود بهذين النصين. ولعل مستند العقيلي في ذلك قول أحمد: "إن هذا الحديث من غرائب الجريري"؛ كما نقله الذهبي في ترجمة (الجريري) من "السير" (6/155).

ولكن من المعلوم أن الغرابة قد تجامع الصحة، فإذا كان الراوي ثقة فلا يضر حديثه أن يكون غريباً، والجريري - واسمه سعيد بن إياس - محتج به في "الصحيحين"؛ وإن كان اختلط قبل موته بثلاث سنين، ولكن لم يفحش اختلاطه، وكأنه لهذا احتج به ابن حبان في "صحيحه" تبعاً لـ "الصحيحين"، وأكثر هو عنه، فمثله ينبغي أن يحتج به ما لم يظهر خطؤه، فإذا توبع أو كان له شواهد- كما هو الشأن في حديثه هذا-؛ فلا يضر غرابته فيه إن شاء الله تعالى.

على أن له شاهداً أقوى مما تقدم، ولكنه في المعنى واحد عندي، وهو حديث عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم؛ فاقتلوه".

أخرجه مسلم، وأبو عوانة (4/ 461- 464)، وابن حبان (6/294/4389)، واللفظ لمسلم، وهو رواية لأبي عوانة، ورواه بألفاظ أخرى متقاربة، وكذلك رواه آخرون، وهو مخرج! في "الإرواء" (8/105)" انتهى كلامه.

قلت:

1- أما حديث أبي سعيد فقد تكلمنا عليه، وبينا أنه من رواية خالد الطحان عن الجريري، وهو ممن سمع منه بعد الاختلاط، وقد تفرد به.

2- وأما حديث بشر بن حرب فهو يختلف عن حديث الباب، بل يدلّ على عدم صحته؛ لأنه لو كان صحيحاً لأحتج به أبو سعيد على ابن عمر ولما ذكر له حديث الاستطاعة!!

وعموماً فالأمر كما قال الشيخ، فإن بشر بن حرب ضعيف لا يُحتج به.

3- وأما عدّ الشيخ مرسل سعيد بن المسيب شاهدا قويا! ففيه نظر!! لأننا لا نأمن أن يكون أصل حديث الجريري هو هذا المرسل!

4- وأما حديث معاوية فقد نقل قول الطبراني بتفرد زيد بن يحيى بن عبيد به عن سعيد بن بشير عن أبي بشر!

والطبراني نفسه رواه في «مسند الشاميين» (4/77) من طريق مروان بن محمد عن سعيد بن بشير عن أبي بشر، به.

فهذه متابعة لزيد بن يحيى، فيكون المتفرد به هو سعيد بن بشير. وهو علة الحديث كما قال الشيخ، ولكنه قبله في الشواهد! وهذا منهج لا يصح في قبول هذه الشواهد الضعيفة المنكرة في تقوية الأحاديث سيما إذا تفرد بالحديث راو ضعيف في طبقة متأخرة!!

وقوله في سعيد بن بشير: "ففيه ضعف لا يمنع من الاستشهاد به"! فيه تسمح!! والصحيح أن كلام أهل النقد فيه شديد جداً وصل إلى حد الترك؛ لأنه يروي المناكير.

5- وأما مسألة أن الغرابة قد تجامع الصحة فهذا صحيح؛ ولكن ليس على إطلاقه، فينبغي النظر في هذا الذي تفرد بالحديث وفي أي طبقة، وهل يقبل تفرده أم لا!

والجريري لا يقبل تفرده فيما رواه بعد الاختلاط، وهذه الشواهد التي ذكرها الشيخ لا تقوي حديث المختلط لأنها واهية ومنكرة!! ولم يتابع أيضاً عليه.

6- وأما الشاهد الأخير القوي وهو حديث عرفجة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم؛ فاقتلوه"!

فمفهوم هذا يختلف عن مفهوم حديث الباب! فالأول يتعلق ببيعة خليفة آخر، وهذا يتعلق بعدم الخروج عن الجماعة وتفريق صفها كفرد أو أفراد كما فعل الخوارج وأهل البغي، والظاهر أن مفهوم هذا الحديث هو في هؤلاء الخوارج، أو يدخل في باب النهي عن مفارقة الجماعة التي تقيم شرع الله، والأحاديث في ذلك كثيرة.

على أن حديث عرفجة ليس بصحيح كما حققته في مكان آخر تحت عنوان: «الأنوار المُبْهِجَة في إبرازِ عِلّة حَديثِ عَرْفَجَة: «سَتَكُونُ بَعْدِي هَنَاتٌ وهَنَات» بالدَّلائِلِ الوَاضِحَات»، ولله الحمد والمنّة.

والخلاصة أنّ هذا الحديث لا يصح! وقد ضعّف العقيلي في موضعين من كتابه "الضعفاء" كلّ أحاديث هذا الباب! فقال في موضع (3/457): "والرواية في هذا الباب غير ثابتة" - كما تقدّم نقله في الشواهد، وقال في موضع آخر (1/259) وذكر متن هذا الحديث ومتون أخرى، فقال: "ولا تصح في هذه المتون عن النبيّ عليه السلام شيءٌ من وجهٍ يثبت".

وكتب: خالد الحايك.

25 ربيع ثاني 1434هـ.

 

شاركنا تعليقك