الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

عِللُ حديث: «خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ».

عِللُ حديث: «خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ»!

حديث «خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ» من الأحاديث المشتهرة جداً، ولا يكاد يمر بك كتاب أو مقالة أو خطبة إلا وتجده فيها، وقد ملأ الدنيا، واحتج به الناس على ظهور الأمراض الجديدة بسبب الإعلان بالفاحشة، وغير ذلك.

وكذلك احتج به كثير من الأطباء المعتنين بالإعجاز النبوي حتى لا يكاد مؤتمر أو ندوة إلا ويذكروه!!

ولكن الإنصاف أن نبيّن هل ثبت هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ننسبه له ونحتج به أم لا؟!

·       تخريج الحديث:

روى ابن ماجه في «سننه»، باب العقوبات، (2/1332) قال: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَبُو أَيُّوبَ، عَنِ خالد بن يزيد ابنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ».

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/446) عن جعفر بن محمد الفريابي، عن سليمان بن عبدالرحمن ابن بنت شرحبيل الحمصيّ، به، مختصراً، وذكر ما يتعلق بمنع الزكاة فقط.

وأخرجه أبو نُعيم في «الحلية» (8/333) عن مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ حُبَيْشٍ، عن جَعْفَر الْفِرْيَابِيُّ، عن سُلَيْمَان بن عَبْدِالرَّحْمَنِ، به. بلفظ: «كُنْتُ عَاشِرُ عَشْرَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابنُ مَسْعُودٍ وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ وَحُذَيْفَةُ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ وَأَبُو سَعِيدٍ وَابنُ عُمَرَ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلَهُمْ؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟. قَالَ: «أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا» وَأَحْسَنُهُمْ لَهُ اسْتِعْدَادًا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْأَكْيَاسُ ثُمَّ سَكَتَ الْفَتَى فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خِصَالٌ إِنِ ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَنْ تَظْهَرَ الْفَاحِشَةُ...».

·       علّة الحديث:

قلت: هذا الحديث تفرد به خالد بن يزيد بن أبي مالك (105-185هـ) عن أبيه، وكان من فقهاء الشام! ولكنه في الحديث لا شيء، منكر الحديث!

قال عبّاس الدوري عن يحيى بن معين: "خالد بن يزيد بن أبي مالك ضعيف". وفي موضع آخر: "ليس بشيء".

وقال ابن أبي الحواري: سمعت ابن معين يقول: "بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن: تفسير الكلبي عن أبي صالح، وبالشام كتاب ينبغي أن يدفن: كتاب الديات لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب على الصحابة".

قال أحمد بن أبي الحواري: "سمعت هذا الكتاب من خالد، ثم أعطيته لعبدوس العطّار فأعطى للناس فيه حوائج".

وقال أحمد بن أبي يحيى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: "خالد بن يزيد بن أبي مالك: ليس بشيء".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سئل أبي عن خالد بن يزيد بن أبي مالك، فقال: "يروي أحاديث مناكير".

وقال النسائي: "خالد بن يزيد بن أبي مالك: ليس بثقة".

وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/284): "كان صدوقاً في الرواية، ولكنه كان يخطىء كثيراً، وفي حديثه مناكير، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد عن أبيه".

وقال ابن أبي شيبة في «سؤالاته لابن المديني» (ص159): وسألته عن خالد بن يزيد بن أبي مالك، فقال: "كان ضعيفاً".

وقال يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/264): "ويزيد بن أبي مالك، شامي كان قاضياً، وابنه خالد بن يزيد بن أبي مالك: في حديثهما لين".

قلت: فهذه أقوال أهل النقد فيه، وحاصلها أنه منكر الحديث! وما جاء عن بعض أهل العلم من تمشية حاله فإنه لا يصمد أمام هذه الأقوال.

وقد ذكره أبو زرعة الدمشقي في جملة الثقات.

وقال ابن عساكر في «تاريخه» (16/297) "بلغني عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رِشدين أنه قال: سألت أحمد بن صالح، فقلت له: خالد بن يزيد بن أبي مالك ثقة؟ فقال لي: نعم".

وقال في موضع آخر (16/293): "بلغني عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قال: قيل لأحمد - يعني ابن صالح المصري -: فخالد بن يزيد بن صبيح كأنه أرفع من هؤلاء وأنبل، فشد أحمد يده، وقال: (نعم)، ورأيت مذهب أحمد إنه أنبل من هذين - يعني خالد بن يزيد بن مالك والحسن بن يحيى الخشني -".

[*تنبيه: نقل ابن عساكر في «تاريخه» في الموضع الأول (من طريق جعفر بن محمد: نا أبو زرعة قال في ذكر نفر ثقات: خالد بن أبي مالك. بلغني عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين أنه قال سألت أحمد بن صالح...

ونقل في الموضع الثاني: قال أبو زرعة: فذكرت ذلك لعبدالرحمن بن إبراهيم فحدثني عن الوليد عن خالد بن يزيد المري... بلغني عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قال: قيل لأحمد - يعني: ابن صالح المصري...)

فكنت ظننت قديماً أن قوله: "بلغني" هي من قول أبي زرعة الدمشقي؛ لأنه جاء هذا اللفظ مباشرة بعد نقل ابن عساكر لقولي أبي زرعة! وليس كذلك! وإنما هذا من قول ابن عساكر نفسه. وأبو زرعة الدمشقي لقي أحمد بن صالح بِدِمَشْقَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وهو من أصحابه، وهو من أقران أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين أيضاً، وأبو زرعة لا ينقل عن ابن رشدين هذا.

وأحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد المصري كان من حفّاظ الحديث، وأهل الصنعة، لكنهم تكلموا فيه لما عنده من بعض المنكرات! وكذّبه بعضهم، ولم يسمع منه ابن أبي حاتم؛ لأنه وجد أهل مصر يتكلمون فيه!

وإنما تكلموا فيه وكذبوه؛ لأن حمزة الكناني قال إنه أدخل على أحمد بن سعيد الهمداني حديث بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر حديث الغار، وقال النسائي: "لو رجع أحمد بن سعيد الهمداني عن حديث بكير عن الاشج في الغار لحدثت عنه".

فابن رشدين وإن ضعّفوه في روايته إلا أنه كان حافظاً كبيراً، وله سؤالات عن أحمد بن صالح، وابن عساكر يذكر في بعض تراجمه منها ولا يُسندها كعادته، ويُشبه أن يكون وقعت له هذه السؤالات دون إجازة أو سماع، ولهذا يقول فيها: "بلغني"، والله أعلم.

وهذه السؤالات نافعة وقد جمعتها في جزء، ولله الحمد.

فأحمد بن صالح سئل عن هؤلاء الشاميين الثلاثة: خالد بن يزيد بن صبيح، وخالد بن يزيد بن مالك، والحسن بن يحيى الخُشني، فوثقهم، وقال بأن ابن صبيح أرفع وأنبل من الآخرين.

قال ابن عساكر في «تاريخه» (14/6): "وبلغني عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قال: سألت أحمد بن صالح عن الحسن بن يحيى الخشني ثقة؟ فقال لي: نعم. فقلت لأحمد: أنه روى حديثاً عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رفعه: «من وقر صاحب بدعة»! فقال لي: هذا منقطع، إنما أُتي ممن رواه عن الحسن بن يحيى: هشام - يعني: الأزرق. قال ابن رشدين: قلت: أخبرنا هشام الأزرق: حدثني به عن الخشني".

قلت: هشام الأزرق هو: هشام بن خالد أبو مروان الدمشقي وهو صدوق، ولم ينفرد به، بل تابعه عليه: هشام بن عمّار عن الحسن بن يحيى، فالعهدة فيه على الحسن بن يحيى! وقد ضعفه كثير من أهل العلم، وقال بعضهم: "ليس بشيء"، وقال بعضهم: "متروك].

ونرجع لنقل كلام أهل العلم في خالد بن يزيد:

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/359) سُئِل أبو زرعة عنه، فقال: "لا بأس به، حدّث عنه ابن المبارك".

وقال ابن عدي بعد أن ذكر له أحاديث في «الكامل» (3/12): "ولخالد بن يزيد غير ما ذكرت من الحديث، وعند سليمان بن عبدالرحمن عنه كتاب مسائل عن أبيه، وعند هشام بن خالد الأزرق عنه كتاب، وأبوه يزيد بن أبي مالك فقيه دمشق ومفتيهم، وله مسائل كثيرة، ولم أر في أحاديث خالد هذا إلا كل ما يحتمل في الرواية، ويرويه عن ضعيف عنه فيكون البلاء من الضعيف لا منه".

قلت: بل حديثه كله لا يُحتمل، وقد تتبعت أحاديثه فوجدتها منكرة جداً!! والبلاء منه!

ونقل ابن شاهين في «ذكر من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه» (ص51) أن أحمد بن صالح وثقه. قال: قيل لأحمد - أي ابن صالح -: فخالد بن يزيد بن صبيح كأنه أرفع من هؤلاء وأنبل، فشدّ أحمد يده وقال: نعم".

ونقل ابن شاهين أيضاً عن أحمد بن حنبل أنه قال: "خالد بن يزيد ثقة".

ثم قال ابن شاهين: "ولا أدري أراد أحمد بن حنبل خالد بن يزيد بن أبي مالك أو خالد بن يزيد بن صبيح".

ثم نقل عن يحيى بن معين أنه قال: "خالد بن يزيد بن أبي مالك: "ليس بشيء".

قال: "كذا قال في رواية العباس بن محمد عنه. وقال في رواية المفضل بن غسان عنه: خالد بن يزيد بن عبدالرحمن ابن أبي مالك يحدث عن أبيه عن جده هانىء أبي مالك الهمداني، فضعّف يحيى هذا الشيخ".

ثم قال: "وهذا الكلام في خالد بن أبي مالك يوجب التوقف فيه؛ لأن أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح إذا اجتمعا على مدح رجل لم يجز أن يذم بضعف، والله أعلم".

قلت: أما أحمد بن صالح المصري فقد وثقه، وتوثيقه لا يُعتد به هنا في مقابل من ضعّفوه! بل إن من مشّاه لم يطلقوا القول بتوثيقه! وحاصل كلامهم أن حديثه يُكتب للاعتبار، وأحمد بن صالح نزل الشام لكنه لم يَخبر هؤلاء الرواة جيداً، وقد سبق أنه جعل العهدة في حديث توقير صاحب البدعة على الراوي عن الحسن بن يحيى الخشني! فأخطأ في ذلك؛ لأن هشام الأزرق الراوي عنه قد توبع عليه، والعهدة فيه على الخشني، وهو ضعيف جداً، ولم يطلق أحد القول بتوثيقه مثل أحمد بن صالح المصري!

وأما ما نقله ابن شاهين عن أحمد بن حنبل، فهو - غفر الله له - ليس متأكداً من الذي وثقه الإمام أحمد! أهو خالد بن يزيد بن أبي مالك أم خالد بن يزيد بن صبيح! وقد نقلنا أن أحمد قال في خالد بن يزيد ابن أبي مالك: "ليس بشيء"!

والذي أخشاه أنه وهم في ذلك فالقول لأحمد بن صالح لا لأحمد بن حنبل، اشتبه عليه!

وقد يكون اشتبه على ابن شاهين بأحمد العجلي، فإنه قال في «ثقاته» (1/332): "خَالِد بن يزِيد ثِقَة".

فيُحتمل أنه علّق ذلك من حفظه فذكر أحمد بن حنبل بدل أحمد العجلي، فقال: "ولا أدري أراد أحمد بن حنبل خالد بن يزيد بن أبي مالك أو خالد بن يزيد بن صبيح"!

ومما يقوي أنه علّق ذلك من حفظه أن العجلي ذكر قبل هذا: "خَالِد بن يزِيد المري: شَامي ثِقَة" وهو: خالد بن يزيد بن صبيح، والله أعلم.

والغريب أن ابن شاهين نفسه ذكر في «تاريخ أسماء الثقات» (ص: 76) (315) ابن أبي مالك، فقال: "خَالِد بن يزِيد بن أبي مَالك ثِقَة صَادِق، قَالَه عُثْمَان بن أبي شيبَة".

ولم يذكر ابن شاهين توثيق عثمان بن أبي شيبة له في المختلف فيهم!

والخلاصة أن خالد بن يزيد ابن أبي مالك: منكر الحديث.

·       علّة أخرى للحديث: عطاء بن أبي رباح لم يسمع من ابن عمر!

وفي الحديث علّة أخرى، إن ذهب بعضهم إلى قبول رواية خالد بن يزيد هذا!! وهي عدم ثبوت سماع عطاء بن أبي رباح من ابن عمر.

قالَ الإمام أَحْمَد بن حَنْبَلٍ: "عَطَاءُ - يَعْنِي ابنَ أَبِي رَبَاحٍ - قَدْ رَأَى ابنَ عُمَرَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ".

وقالَ عَلِيُّ بن الْمَدِينِيِّ: "عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ رَأَى عَبْدَاللَّهِ بنَ عمر وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ".

·       طريق آخر للحديث عن أَبي مُعَيْد عن عطاء عن ابن عمر!

ورواهُ الْهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَيْدٍ حَفْصُ بنُ غَيْلَانَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابنَ عُمَرَ، يُحَدِّثُ بِمِنًى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خِصَالٌ خَمْسٌ إِنِ ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ...».

أخرجه البزار في «مسنده» برقم (6175) من طريق مُحَمَّد بن عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيّ، عن الْهَيْثَم بن حُمَيْدٍ، به.

والطبراني في «مسند الشاميين» (2/390)، وفي «المعجم الأوسط» (5/61) من طريق مُحَمَّد بن عُثْمَانَ أَبي الْجُمَاهِرِ الدمشقيّ ومحمد بن عائذ الكاتب صاحب المغازي، كلاهما عن الهيثم، به، بطوله.

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/583) من طريق محمد بن عثمان الدمشقي، عن الهيثم بن حميد، به.

 قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

قلت: هذا الإسناد غريبٌ جداً! ولا يُعرف أن حفص بن غيلان سمع من عطاء! ولا يروي عنه إلا هذا الحديث! وأين أصحاب عطاء الثقات عنه؟!!

وحفص بن غيلان وثقه ابن معين ودُحيم، وقال ابن معين والنسائي: "لا بأس به".

وقال أبو زرعة: "صدوق".

وقال ابن حبان: "من ثقات أهل الشام وفقهائهم".

وقال ابن عدي: "له حديث كثير، يروي كل واحد - يعني من أصحابه نسخة - وهو عندي لا بأس به صدوق".

وقال أبو حاتم الرازي: "يُكتب حديثه، ولا يُحتج به".

وقال ابن عساكر: بلغني عن إسحاق بن سيار النصيبي أنه قال: "أبو معيد ضعيف الحديث".

وقال ابن عدي: سمعت عبدالله بن سليمان بن الأشعث يقول: "حفص بن غيلان: ضعيف".

وقال الآجري عن أبي داود: "كان يرى القدر، ليس بذاك".

قلت: الراجح في أمره أنه ضعيف يُكتب حديثه للاعتبار، ولا يُحتج بما انفرد به.

والراوي عنه الهيثم بن حُميد وثقه ابن معين وأبو داود.

وقال النسائي: "ليس به بأس".

وقال معاوية بن صالح: قال لي أبو مسهر: "كان ضعيفاً قدرياً".

وقال محمد بن إسحاق الصنعاني عن أبي مسهر: حدثنا الهيثم بن حميد وكان ضعيفاً.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: أخبرني أبو محمد التيمي: حدثنا أبو مسهر: حدثنا الهيثم بن حميد وكان صاحب كتب، ولم يكن من الأثبات ولا من أهل الحفظ، وقد كنت أمسكت عن الحديث عنه استضعفته.

فالحديث فيه اثنان متكلّم فيهما، وهما في عِداد الضعفاء، ولا يُعرف سماع أبي مُعيْد من عطاء، ولا عطاء من ابن عمر!!

·       طريق آخر للحديث عن أبي سهيل بن مالك عن عطاء عن ابن عمر!

ورواهُ عُبَيْدُاللهِ بنُ سَعيدِ بنِ كَثِيرِ بنِ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا. قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ خِصَالٍ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ أَنْ تَنْزِلَ بِكُمُ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ... الحديث بطوله».

أخرجه ابن عدي في «الكامل» (3/411) عن يحيى بن زكريا بن حيويه وعيسى بن أحمد الصوفي وعلي بن إبراهيم بن الهيثم ومحمد بن أحمد بن حمدان، كلهم عن عبيدالله بن سعيد، به.

وأخرجه البيهقي في «شُعب الإيمان» (7/351) من طريق أبي الحسن علي بن محمد المصري وأبي العباس محمد بن يعقوب، كلاهما عن عبيدالله بن سعيد، به.

وأخرجه أيضاً في (6/235) من طريق جَعْفَر بن أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الْمَعَافِرِيّ، عن سَعِيد بْنُ كَثِيرِ بنِ عُفَيْرٍ، مَالِك بن أَنَسٍ، به مختصراً.

كذا عنده! وجعفر هذا هو: جعفر بن أحمد بن علي بن بيان بن زيد بن سيابة أبو الفضل الغافقي المصري يعرف بابن أبي العلاء، وهو كذّاب أشر. وذكره ابن يونس فقال: "كان رافضياً يضع الحديث".

وكأنه سرق هذا الحديث من عبيدالله بن سعيد؛ لأنه لا يُعرف إلا عنه عن أبيه!!

ولما ساقه ابن عدي في كتابه في ترجمة «سعيد بن عُفير»: "وهذا لا أعرفه يرويه عن مالك إلا ابن عفير عنه، ولا عن ابن عفير إلا ابنه".

ثم قال: "ولم أجد لسعيد بعد استقصائي على حديثه شيئاً مما ينكر عليه أنه أتى بحديث به برأسه إلا حديث مالك عن عمّه أبي سهيل، أو أتى بحديث زاد في إسناده إلا حديث غسل النبيّ صلى الله عليه وسلم في قميص، فإن في إسناده زيادة عائشة، وكلا الحديثين يرويهما عنه ابنه عبيدالله، ولعل البلاء من عبيدالله لأني رأيت سعيد بن عفير عن كل من يروي عنهم إذا روى عن ثقة: مستقيم صالح".

وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/67): "عبيدالله بن سعيد بن كثير بن عفير أَبُو الْقَاسِم الْمصْرِيّ: يروي عَن أَبِيه عَن الثِّقَات الْأَشْيَاء المقلوبات لَا يشبه حَدِيثه حَدِيث الثِّقَات، روى عَن أَبِيه عَن مَالك بن أنس عَن عَمه أبي سُهَيْل بن مَالك عَن عطاء بن أبي رَبَاح عَن ابن عمر قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَي الْمُسلمين أفضل قَالَ أحْسنهم خلقا قَالَ يَا رَسُول الله أَي الْمُؤمنِينَ أَكيس قَالَ أَكْثَرهم ذكرا للْمَوْت وأشدهم لَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأكياس فَذكر حَدِيثا طَويلا، لَيْسَ من حَدِيث مَالك، وَلَا من حَدِيث أبي سُهَيْل، وَلَا من حَدِيث ابن عمر... لا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ إِذَا انْفَرد".

والعجب من ابن عبدالبر - رحمه الله - فإنه ساق الحديث في «الاستذكار» (5/94) بعد أن أشار لحديث ابن عباس الآتي، ونسبه لسعيد بن عفير وكأنه يقبله ويحتجّ به!

قال: "فذكره سعيد بن عفير في هذا المعنى حديث مسند"، ثم ساقه من طريق أبي الطيب عيسى بن أحمد الصرفي، عن عُبَيْداللَّهِ بن كَثِيرِ بنِ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بنُ كَثِيرِ بنِ عُفَيْرِ بنِ مُسْلِمٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، به.

قلت: كذا وقع عنده! وكأنه سقط منه اسم: "عثمان"، وهو: "أبو عثمان سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم الأنصاري".

·       طريق آخر للحديث عن فروة بن قيس عن عطاء عن ابن عمر!

ورواهُ فَرْوَة بن قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا»، قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: «أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ» مختصراً.

أخرجه ابن ماجه في «السنن»، باب ذكر الموت والاستعداد له، (2/1423) عن الزُّبَيْر بن بَكَّارٍ، عن أبي ضمرة أَنَس بن عِيَاضٍ، عن نَافِع بن عَبْدِاللَّهِ، عن فروة بن قيس، به.

وأخرجه ابن أبي الدنيا في «التواضع والخمول» (ص209) عن الزبير، به.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/354) (فروة بن قيس عن ابن عمر) من طريق عبدالرحمن بن عمر رسته، عن أنس بن عياض، به.

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (35/260) من طريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن سليم، عن الزبير، به، مطولاً.

قلت: وهذا إسناد مجهول منكر! فروة ونافع مجهولان.

قال الذهبي: "فروة بن قيس عن عطاء: لا يُعرف".

وقال: "نافع هذا لا يُعرف، وخبره باطل".

·       طريق آخر للحديث عن عُمارة بن أبي يحيى عن عطاء عن ابن عمر!

ورواهُ القَاسِمُ بنُ يَزِيدَ الجرمي، عَنْ صَدَقَةَ بنِ عَبْدِاللَّهِ السّمين الدمشقيّ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: «أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ وَأَحْسَنُهُمْ لَهُ اسْتِعْدَادًا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْأَكْيَاسُ».

أخرجه الدولابي في «الكنى والأسماء» (3/1076) عن مُحَمَّد بن عَبْدوسِ بنِ كَامِلٍ، عن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيمَ الْهَرَوِيّ، عن القاسم، به.

قلت: صدقة السمين منكر الحديث، وشيخه عمارة هذا مجهول!!

·       طريق آخر للحديث عن العلاء بن عُتبة عن عطاء عن ابن عمر!

ورواهُ إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بنِ عُتْبَةَ اليحصبيّ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: قَامَ فَتًى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: «أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لَهُ اسْتِعْدَادًا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ».

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (7/351) من طريق عمرو بن عون، عن إسماعيل، به.

وأخرجه أبو نُعيم في «الحلية» (1/313) من طريق أبي صالح الْحَكَم بن مُوسَى، عن إسماعيل، به.

قال أبو نُعيم: "رَوَاهُ أَبُو سُهَيْلِ بنُ مَالِكٍ، وَحَفْصُ بنُ غَيْلَانَ، وَيَزِيدُ بنُ أَبِي مَالِكٍ، وَفروةُ بنُ قَيْسٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ مُجَاهِدٌ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ".

قلت: العَلاَء بن عُتبَة لا يعرف له سماع من عطاء بن أبي رباح! وهو ليّن الحديث.

قال أبو حاتم: "صالح".

وقال الأزدي: "فيه لين".

وقال الذهبي: "صُوَيْلِحُ الْحَدِيثِ". [تاريخ الإسلام: 3/465].

قلت: تفرد به عنه إسماعيل بن عيّاش، وفيه ضعف أيضاً.

وأما الروايات التي أشار إليها أبو نُعيم عن أبي سهيل بن مالك، وحفص بن غيلان، ويزيد بن أبي مالك، وفروة بن قيس فقد أثبتنا عدم صحتها وأنها منكرة!!

·       طريق آخر للحديث عن معاوية بن عبدالرحمن عن عطاء عن ابن عمر!

ورواهُ معاوية بن عبدالرحمن، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبدالله بن عمر، قال: قيل يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟ قال: «أحسنهم خلقاً».

أخرجه ابن أبي الدنيا في «التواضع والخمول» (ص207) عن أحمد بن محمد بن أيوب، إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن معاوية، به.

قلت: معاوية هذا مجهول.

قال أبو حاتم: "ليس بمعروف" [الجرح والتعديل: 8/387].

·       رواية عطاء بن أبي مسلم الخراساني عن ابن عمر!

ورواهُ عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن عبدالله بن عمر قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة من أصحابه، فأتاه رجل من الأنصار فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله أي المؤمنين افضل، قال: أحسنهم خلقاً... الحديث.

أخرجه الروياني في «مسنده» (2/415) عن أحمد بن عبدالرحمن، عن ابن وهب، عن عثمان بن عطاء، به.

قلت: عطاء الخراساني ضعيف! وعثمان يحدِّث عن أبيه بأحاديث منكرة!!

قال ابن حبان في «المجروحين» (2/100): "أكثر روايته عن أبيه، وأبوه لا يجوز الاحتجاج بروايته لما فيها من المقلوبات التي وهم فيها، فلست أدري البلية في تلك الأخبار منه أو من ناحية أبيه! وهذا شيء يشتبه إذا روى رجل ليس بمشهور بالعدالة عن شيخ ضعيف أشياء لا يرويها عن غيره، لا يتهيأ إلزاق القدح بهذا المجهول دونه، بل يجب التنكب عما رويا جميعاً حتى يحتاط المرء فيه؛ لأن الدّين لم يكلف الله عباده أخذة عن كل من ليس بعدل مرضي".

ورُوي من كلام عطاء.

أخرجه المزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة «عطاء الخراساني» (20/113) من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم، قال: حدثنا أبو مِعشر، عن منصور بن عريب، عن عطاء الخراساني، قال: "إذا كان خمس كان خمس: إذا أكل الربا كان الخسف والزلزلة، وإذا جار الحكام قحط المطر، وإذا ظهر الزنى كثر الموت، وإذا منعت الزكاة هلكت الماشية، وإذا تعدي على أهل الذمة كانت الدولة".

قلت: أبو معشر هو نجيح بن عبدالرحمن السندي المدني، وهو ضعيف لا يحتج بحديثه المرفوع، ولكن يكتب حديثه الآخر مثل هذا، وشيخه منصور بن عريب هذا لم أعرفه، فالله أعلم.  

·       رواية مُجاهد عن ابن عمر!

وأما حديث مجاهد عن ابن عمر، فظاهر كلام أبي نعيم أنه ثابت عن مجاهد! وليس كذلك!! بل هو منكر عنه!

والحديث رواهُ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عن مَالِك بن مِغْوَلٍ، عَنْ مُعَلَّى الْكِنْدِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشِرُ عَشْرَةٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ وَأَحْزَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَكْثَرَهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ، وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادًا لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ، أُولَئِكَ هُمُ الْأَكْيَاسُ، ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الْآخِرَةِ».

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/417)، وفي «المعجم الأوسط» (6/308)، وفي «المعجم الصغير» (2/189) عن مُحَمَّد بن عِيسَى بنِ شَيْبَة المصريّ، عن سَعِيد بن يَحْيَى، عن أَبيه، به.

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ إِلَّا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ".

قلت: هذا إسناد غريب!! تفرد به سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن مالك لم يروه غيره! وسعيد صدوق كان يغلط! ووالده ليس بصاحب حديث، وهو صدوق، ومثله لا يُقبل تفرده في طبقته.

ومعلى الكندي لا يُعرف له سماع من مجاهد، ولا يُعرف أن مالك بن مغول روى عنه!! وهو في عِداد المجاهيل.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/394): "معلى الكندي عن محمد بن عبدالرحمن، روى عنه الأعمش. يُعدّ في الكوفيين، منقطع".

ولو كان هذا الحديث عند مجاهد لوجدناه عند أصحابه المعروفين الثقات، ولا يتفرد به من هو في عداد المجاهيل!!

والخلاصة أن هذا الحديث أيضاً لا يصح مع اقتصاره على جزء فقط من الحديث الطويل الذي نحن بصدد البحث فيه.

·       تصحيح الألباني للحديث!!

والعجب من الألباني! فإنه ذكره في «صحيحته» برقم (1384): "أفضل المؤمنين أحسنهم خلقاًن وأكيسهم أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً أولئك الأكياس".

ثم أتى الشيخ برواية عبيدالله بن سعيد بن كثير بن عفير عن أبيه عن مالك بن أنس عن سهيل بن مالك، ثم رواية فروة بن قيس عن عطاء بن أبي رباح، ثم رواية مالك بن مغول، ثم قال: "فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن، وأما الجملة الأولى فهي صحيحة" انتهى.

قلت: الشيخ لا يلقي بالاً لمثل هذه التفردات والغرائب!! التي يذكرها أهل النقد للتنبيه على أنها لا تصح مستغربين هذه التفردات في هذه الطبقات، وخاصة إذا كانت عمن هو متكلّم فيه، فيأتي الشيخ ويصححها بمجموع الطرق!! وهذه طريقة غير سديدة، والله المستعان.

·       رواية هشام بن خالد المازني عن ابن عمر!

قال البيهقي: "وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، عَنْ هُذَيْلٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ خَالِدٍ الْمَازِنِيِّ، عَنِ ابنِ عُمَرَ".

قلت: لم أقف على هذه الرواية، وهشام هذا مجهول!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/57): "هشام بن خالد بن الوليد، روى عن ابن عمر. روى عنه الهذيل بن بلال الفزاري، سألت أبي عنه، فقال: مجهول".

·       رواية أبي محمّد الواسطيّ عن ابن عمر!

ما رواهُ إسماعيل بن أبان الكوفيّ، عن يعقوب بن عبدالله القمي، عن ليث بن أبي سُليم، عن أبي محمد الواسطي، عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس، وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة...».

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (3/197) من طريق أبي عمرو أحمد بن حازم ابن أبي غرزة، عن إسماعيل، به.

قلت: هذا إسناد غريب!!

ويعقوب القمي ليس بذاك! وليث ضعيف، وأبو محمد الواسطي مجهول لم أعرفه!!

والخلاصة أن كلّ الطرق التي رُويت عن ابن عمر منكرة لا تصح! وقد رُوي الحديث من طريق آخر عن عطاء عن ابن عمر في كتب السيرة!

·       رواية ابن إسحاق في السيرة!

قَالَ ابنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسْأَلُ عَبْدَ للَّهِ بنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ إرْسَالِ الْعِمَامَةِ مِنْ خَلْفِ الرَّجُلِ إذَا اعْتَمَّ، قَالَ. فَقَالَ عَبْدُ للَّهِ: سَأُخْبِرُكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِلْمِ: كُنْتُ عَاشِرَ عَشَرَةِ رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِهِ... الحديث بطوله.

قلت: غير المتهم هذا عند ابن إسحاق مجهول لا نعرفه! فلا نحتج به حتى يبينه لنا! وإلا لما أخفاه؟! وهو نفسه ضعيف في الحديث، ولعل بعض من روى هذا الحديث ممن ذكرنا سابقاً أصل رواياتهم هي هذه الرواية، والله أعلم.

·       كلام الحافظ ابن حجر في أسانيد هذا الحديث:

قال الحافظ في «فتح الباري» (10/193): "أخرجه ابن ماجه والبيهقي بلفظ: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم... الحديث)، وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك، وكان من فقهاء الشام، لكنه ضعيف عند أحمد وابن معين وغيرهما، ووثقه أحمد بن صالح المصري وأبو زرعة الدمشقي، وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيراً، وله شاهد عن ابن عباس في الموطأ بلفظ: (ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت... الحديث)، وفيه انقطاع، وأخرجه الحاكم من وجه آخر موصولاً بلفظ: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)، وللطبراني موصولاً من وجه آخر عن ابن عباس نحو سياق مالك، وفي سنده مقال، وله من حديث عمرو بن العاص بلفظ: (ما من قوم يظهر فيهم الزنا إلا أخذوا بالفناء... الحديث)، وسنده ضعيف، وفي حديث بريدة عند الحاكم بسند جيد بلفظ: (ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت)، ولأحمد من حديث عائشة مرفوعاً: (لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب)، وسنده حسن".

قلت: هذه الطرق التي حسّنها الحافظ ليست كذلك كما سيأتي بيانه.

·       شواهد الحديث:

·       حديث ابن عبّاس:

روى مَالِكٌ في «الموطأ» قال: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبُ، وَلا فَشَا الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلا كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ، وَلا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا قُطِعَ عَلَيْهِمُ الرِّزْقُ، وَلا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ إِلا فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ، وَلا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلا سُلِّطَ عَلَيْهِمُ الْعَدُوُّ».

وهذا منقطع، لا يُحتج به.

وقول ابن عبدالبر: "مِثْلُ هذا لَا يَكُونُ إِلَّا تَوْقِيفًا لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُرْوَى بِالرَّأْيِ"! فيه نظر! فكان كلامه يتجه لو صح عن الصحابي، ولكنه لم يصح إليه، فهو منقطع!

وقال أيضاً: "وَقَدْ روينا هذا الحديث عن ابن عَبَّاسٍ مُتَّصِلًا"، ثم ساقه وقال: "حَدِيثُ مَالِكٍ أَتَمُّ وَكُلُّهَا تَقْضِي الْقَوْلَ بِهَا وَالْمُشَاهَدَةَ بِصِحَّتِهَا".

قلت: أما إسناد الحديث فسيأتي الكلام عليه، وأما ما يتعلق بالمشاهدة فنعم حتى في أيام انتشار هذا الحديث فما فيه واقع؛ لأن ظهور الأمراض وحبس المطر وما جاء من أشياء أخرى في الحديث هذا واقع ومشاهد في كل الأزمنة، فالأمراض التي كانت في زمان، يظهر غيرها في أزمنة لاحقة، وربما تكون الأمراض السابقة أفتك من الأمراض اللاحقة! وهكذا، وعليه فلا يُحتج بتصحيح الحديث على أمر واقع ومشاهد! ولا أظن أمراً من هذه الأمور الخمسة المذكورة قد خلا منها زمان! فالحديث أصله مرسل - أي منقطع - ولا يصح عن أيّ صحابي، وهكذا هي المراسيل تكون موافقة لبعض الأشياء الموجودة والمحسوسة، وهذا منها، والله أعلم.

·       رواية منقطة عن ابن عباس وموقوفة!

وقد روى شعبة، عن الحكم بن عُتيبة، عن الحسن بن مسلم بن يَناق المكيّ، عن ابن عباس قال: «ما ظهر البغي في قوم قط إلا ظهر فيهم الموتان، ولا ظهر البخس في الميزان والقفيز والمكيال إلا ابتلوا بالسنة، لا ظهر نقض العهد في قوم إلا أديل منهم عدوهم».

أخرجه الداني في «السنن الواردة في الفتن» (3/686)، وأبو نُعيم في «الحلية» (1/322)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (23/431) كلهم من طريق شعبة، به. ورواية أبي نعيم مختصرة.

قلت: هذا منقطع بين الحسن وابن عباس، وهو كذلك موقوف على ابن عباس!

·       رواية ابن بُريدة ابن عبّاس:

وروى الْحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ قَطُّ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ، وَلَا فَشَتِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إِلَّا أَخَذَهُمُ اللهُ بِالْمَوْتِ، وَمَا طَفَّفَ قَوْمٌ الْمِيزَانَ إِلَّا أَخَذَهُمُ اللهُ بِالسِّنِينَ، وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلَّا مَنَعَهُمُ اللهُ الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا جَارَ قَوْمٌ فِي حُكْمٍ إِلَّا كَانَ الْبَأْسُ بَيْنَهُمْ، أَظُنُّهُ قَالَ: وَالْقَتْلُ».

أخرجه الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص: 187) من طريق عَلِيّ بن الْحَسَنِ بنِ شَقِيقٍ، عن الْحُسَيْن بن وَاقِدٍ، به.

وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (3/196) من طريق الْفَضْل بن مُوسَى السِّينَانِيُّ، عن الْحُسَيْن، به.

قلت: الحسين بن واقد صدوق له أوهام - كما قال ابن حجر -، وقد استنكر الإمام أحمد بعض حديثه!! وهذا موقوف على ابن عباس، وهو بخلاف اللفظ الذي هو أصل البحث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمهاجرين: خمس إذا ابتليتم بهنّ... الحديث!

·       رواية ابن عبّاس عن كعب الأحبار:

وقد رُوي نحو هذا عن ابن عباس عن كعب الأحبار!

روى سَعِيدُ بن مَسْرُوقٍ - والد سفيان الثوريّ -، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الْتَقَى ابنُ عَبَّاسٍ وَكَعْبٌ، فَقَالَ كَعْبٌ: «يَا ابنَ عَبَّاسٍ، إِذَا رَأَيْتَ السُّيوفَ قَدْ عَرِيَتْ، وَالدِّمَاءَ قَدْ أُهْرِيقَتْ، فَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ اللهِ قَدْ ضُيِّعَ، وَانْتَقَمَ اللهُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَإِذَا رَأَيْتَ الوَبَاءَ قَدْ فَشَا فَاعْلَمْ أَنَّ الزِّنَا قَدْ فَشَا، وَإِذَا رَأَيْتَ الْمَطَرَ قَدْ حُبِسَ فَاعْلَمْ أَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ حُبِسَتْ، وَمَنَعَ النَّاسُ مَا عِنْدَهُمْ، وَمَنَعَ اللهُ مَا عِنْدَهُ».

أخرجه أبو نُعيم في «الحلية» (5/379) من طريق شَريك، وفي (6/42) من طريق إسرائيل، كلاهما عن سعيد بن مسروق، به.

وأخرجه الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص: 229) من طريق يَزِيد بن هَارُونَ، عن سُفْيَان، عَنْ أَبِيهِ، به.

وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (3/196) من طريق أبي أحمد الزبيري، عن سفيان، عن أبيه سعيد، به.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/484) عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن أبيه، عن عكرمة، عن أبيه، عن ابن عباس، عن كعب! فزاد فيه: "عن أبيه"! والصواب ما سبق فإن عكرمة يرويه عن ابن عباس دون واسطة.

وأخرجه أبو العرب الأفريقي في كتاب «المحن» (ص60) من طريق ابن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن سعيد بن مسروق، به.

قلت: هذا إسناد صحيح، وهو من قول كعب الأحبار، فالظاهر أن ما رُوي عن ابن عباس من قوله أصله قول كعب هذا، وكذا ما رُوي مرسلاً عن ابن عباس كذلك، والله أعلم.

وكان بعض الصحابة يسمعون من كعب الأحبار أخذاً بالإذن من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في السماع من أهل الكتاب دون تصديقهم أو تكذيبهم!!

فالحديث المرسل أو الموقوف إنما أصله من رواية كعب هذه، وهي من الإسرائيليات.

وقد يكون بعض ما ذُكر في الإسرائيليات من الوحي الذي أُوحي لأنبياء بني إسرائيل إن سَلِمَ من التحريف، ويُشبه ان يكون هذا منها، والله أعلم.

تنبيه:

وقع في المطبوع من كتاب المحن لأبي العرب الإفريقي، تحقيق: د. يحيى الجبوري، طبع دار الغرب الإسلامي، 1427هـ - 2006م، تصحيف عجيب في اسم "سعيد بن مسروق"، فصار: "معبد بن مسرور"!!

وكذا وقع في تحقيق عمر سليمان العقيلي للكتاب، دار العلوم، الرياض، 1404هـ - 1986م!!

·       رواية سعيد بن جُبير أو عكرمة عن ابن عبّاس!

وروى عَمْرُو بنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَةٍ، فَقَدْ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عذابَ اللهِ».

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (1/178) من طريق هَاشِمِ بنِ مَرْزُوقٍ، عن عمرو، به.

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/43) من طريق محمّد بنِ سعيدِ بنِ سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس.

قال الحاكم: "حديث صحيحُ الإسناد، ولم يخرجاه".

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/429): سألت أبي عن حديث رواه محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتري الثمرة حتى تطعم)، وقال: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم كتاب الله)؟

فسمعت أبي يقول: "أما من قوله: (إذا ظهر الزنا والربا) فليس هو من حديث عكرمة عن ابن عباس، إنما هو: سماك عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود، عن أبيه، منهم من يرفعه، ومنهم من يوقفه. قلت: أوقفه أسباط بن نصر".

قلت: اضطرب فيه عمرو بن أبي قيس، وهو صدوق في حديثه خطأ. وقد وهم هنا إذ رواه مرة عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ورواه مرة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، وخلط بين متنين بإسناد واحد!! وأصل الحديث عن سماك عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود عن أبيه، واختلف عليه، فمنهم من رفعه ومنهم من وقفه، والأصح أنه موقوف، وسماك ضعيف!

فالحديث ليس من حديث ابن عباس، وقد وهم الألباني إذ صححه عنه في «صحيح الجامع الصغير» برقم (679) - «إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله» قال: "(صحيح) ... [طب ك] عن ابن عباس. غاية المرام 344، تخريج فقه السيرة 370" انتهى.

·       رواية سعيد بن المسيب عن ابن عبّاس!

وروى تمام الرازي في «الفوائد» (2/245) من طريق عبدالله بن محمد بن نصر الرملي الحافظ، قال: حدثنا مغيرة بن مغيرة الربعي، قال: سمعت أبي مغيرة يُحدِّث عن الأوزاعي، عن محمد بن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فشا في هذه الأمة خمس حلّ بها خمس: إذا أكل الربا كانت الزلة والخسف، وإذا جار السلطان قحط المطر، وإذا تعدى على أهل الذمة كانت الدولة، وإذا منعت الزكاة ماتت البهائم، وإذا كثر الزنا كان الموت».

قلت: ذكر الإمام الذهبي هذا الحديث في ترجمة «مغيرة بن مغيرة الربعي» من «الميزان» (6/495) وقال عنه: "لا أعرفه"، ثم قال بعد أن ساق الحديث: "هذا منكرٌ جداً، لا يحتمله الأوزاعي".

قلت: أما حديثه فمنكر كما قال الإمام الذهبي، وهو ليس بذاك المشهور، وليس له من الحديث إلا القليل!

وترجم له ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (60/85) فقال: "المغيرة أبو هارون الربعي الرملي. حدّث عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، وعثمان بن عطار، ورجاء بن أبي سلمة، وعروة بن رويم اللخمي، والأوزاعي، وسمع ابن أيوب، وعبدالعزيز بن يزيد الأيلي، وأسد بن عبدالرحمن، وصالح بن مخلد، وفروة بن مجاهد، ومسلمة بن عبدالملك. روى عنه: أبو مسهر، وهشام بن عمار، ويزيد بن خالد بن مرسل أبو سلمة، وعبدالله بن يوسف التنيسي، وأبو طالب عبدالجبار بن عاصم النسائي، وسليمان بن عبدالرحمن، وتمام بن المنهال الرملي، والوليد بن مسلم، وأبو عبدالله محمد بن عائذ القرشي.

قال: لم يذكره البخاري في تاريخه.

ثم ساق له حديثاً عن أسيد بن عبدالرحمن عن سهل بن معاذ عن أنس.

وساق عن أبي مسهر قال: حدثنا مغيرة ومغيرة الرملي عندنا ها هنا بدمشق، فذكر حكاية.

ثم ساق سؤال ابن أبي حاتم لأبيه عنه، فقال: "لا بأس به".

قلت: الحديث لا يُعرف عن الزهري، ولا عن الأوزاعي، وهذا معنى قول الذهبي: لا يحتمله الأوزاعي! فهو منكر عنه!! ومثل المغيرة هذا لا يُحتمل تفرده، ولا يُحتج به.

·       حديث عائشة:

قال ابن حجر كما نقلنا عنه سابقاً: "ولأحمد من حديث عائشة مرفوعاً: (لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب)، وسنده حسن".

قلت: الحديث ليس لعائشة وإنما هو لميمونة! وقد وهم ابن حجر في عزوه لعائشة!

قال أحمد في «مسنده» (6/333): حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيُّ، قال: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ لَبِيبَةَ، عَنْ عُبَيْدِاللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَفْشُ فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا، فَإِذَا فَشَا فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا، فَيُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِقَابٍ».

وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (13/6) عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة.

والطبراني في «المعجم الكبير» (24/23) عن محمد بن صالح بن الوليد النرسي، عن محمد بن المثنى، كلاهما عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، به.

قال الهيثمي في «مَجمع الزوائد» (6/257): "وفيه محمد بن عبدالرحمن بن لبيبة وثقة ابن حبان، وضعفه ابن معين، ومحمد ابن إسحاق قد صرّح بالسماع، فالحديث صحيح أو حسن".

قلت: ابن إسحاق لم يصرح بالسماع وإنما قال الراوي عنه: "سمعت ابن إسحاق يحدِّث عن محمد بن عبدالله...".

والمسألة ليست في ابن إسحاق! وإنما في ضعف رواته غير ابن إسحاق. فمحمد بن عبدالله شيخ ابن إسحاق ضعيف، ومحمد بن عبدالرحمن بن لبيبة ليس بشيء كما قال ابن معين. وعُبيدالله بن أبي رافع ليّن الحديث.

وقد أورد الإمام البخاري هذا الحديث في ترجمة «محمد بن عبدالله بن عمرو» من «التاريخ الكبير» (1/138) ثم قال: "لا يُتابع عليه".

قلت: فتبيّن أن هذا الحديث منكر! فأنّى له الحسن كما قال ابن حجر والهيثمي رحمهما الله تعالى!!

·       حديث بُرَيْدَة بن الْحَصِيبِ:

وروى بَشِيرُ بنُ الْمُهَاجِرِ، عَنْ عَبداللَّهِ بنِ بُرَيدة، عَن أَبيهِ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ: «مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إلاَّ كَانَ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ، ولاَ ظَهَرَتْ فَاحِشَةٌ فِي قَوْمٍ قَطُّ إلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ، ولاَ مَنَعَ قَوْمٌ قَطُّ الزَّكَاةَ إلاَّ حَبَسَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْقَطْرَ».

أخرجه البزار في «مسنده» (10/333) عن رجاء بن مُحَمد، عن عُبَيدالله بن موسى، عن بشير، به.

قال البزار: "وهذَا الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى إلاَّ عَنْ بُرَيدة، ولاَ نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ بُرَيدة إلاَّ هَذَا الطَّرِيقَ".

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/136) من طريق أحمد بن حازم الغفاري، عن عبيدالله بن موسى، به.

قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/346) من طريق أبي حاتم الرازي، عن عبيدالله بن موسى، به.

قال البيهقي: "كذا رواه بشير بن المهاجر"، ثم ساق رواية الحسين بن واقد عن ابن بريدة المتقدمة - يريد بيان أنها هي الصواب.

وقد حسّنه الحافظ ابن حجر - كما سبق نقله -!!

قلت: وقد بيّن أبو حاتم الرازي أن هذه الرواية وهم كما في «العلل» لابنه (2/422) قال: حدثنا به عبيدالله بن موسى، عن بشير بن مهاجر، عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو وهم. عن ابن عباس أشبه".

قلت: يعني أن الصواب رواية الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن ابن عباس موقوفاً.

وقد سأله ابنه أيضاً عن حديث عبيدالله بن موسى عن بشير بن مهاجر، بهذا الإسناد، برقم (630)، فقال: "رواه حسين بن واقد عن ابن بريدة عن ابن عباس موقوف، وهو أشبه".

وعليه فيكون الحاكم قد وهم في تصحيحه، وكذلك وهم الحافظ ابن حجر في تحسينه؛ لأنه معلول.

والظاهر أن بشير بن المهاجر سلك فيه الجادة: "عن ابن بريدة عن أبيه" فوهم!!

وبشير هذا قد وثقه ابن معين وغيره. وقال النسائي: "ليس به بأس".

وقال أحمد: "منكر الحديث يجيء بالعجب".

وقال البخاري: "يخالف في بعض حديثه".

وقال أبو حاتم: "لا يُحتج به".

وقال ابن عدي: "فيه بعض الضعف".

وقال ابن حبان: "يُخطئ كثيراً".

وحسين بن واقد متكلّم فيه! وينفرد عن ابن بريدة عن أبيه بأعاجيب!

·       تصحيح الألباني لحديث بريدة!!

وقد ذكره الألباني في «سلسلته الصحيحة» برقم (107) - "ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز وجل عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر".

قال الشيخ: "رواه الحاكم (2/126) والبيهقي (3/346) من طريق بشير بن مهاجر عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه.

وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي.

قلت: وهو كما قالا، غير أن بشيراً هذا قد تكلم فيه من قبل حفظه، وفي "التقريب" أنه صدوق لين الحديث. وقد خولف في إسناده، فقال البيهقي عقبه: "كذا رواه بشير بن المهاجر". ثم ساق بإسناده من طريق الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة عن ابن عباس قال: "ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا فشت الفاحشة في قوم إلا أخذهم الله بالموت، وما طفف قوم الميزان إلا أخذهم الله بالسنين، وما منع قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء، وما جار قوم في حكم إلا كان البأس بينهم - أظنه قال - والقتل".

قلت: وإسناده صحيح وهو موقوف في حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي.

وقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" مرفوعاً من طريق أخرى: عن إسحاق بن عبدالله بن كيسان المروزي: حدثنا أبي عن الضحاك بن مزاحم عن مجاهد وطاووس عن ابن عباس.

قلت: وهذا إسناد ضعيف يستشهد به، وقال المنذري في "الترغيب" (1/271): "وسنده قريب من الحسن، وله شواهد".

قلت: ويبدو لي أن للحديث أصلاً عن بريدة فقد وجدت لبعضه طريقاً أخرى رواه الطبراني في "الأوسط" (1/85/1 من الجمع بينه وبين الصغير) وتمام في "الفوائد" (ق 148-149) عن مروان بن محمد الطاطرى حدثنا سليمان بن موسى أبو داود الكوفي عن فضيل بن مرزوق (وفي الفوائد: فضيل بن غزوان) عن عبدالله بن بريدة عن أبيه مرفوعا بلفظ: "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين".

وقال الطبراني: "لم يروه إلا سليمان تفرد به مروان".

قلت: مروان ثقة، وسليمان بن موسى أبو داود الكوفي صويلح كما قال الذهبي، وفضيل إن كان ابن مرزوق ففيه ضعف، وإن كان ابن غزوان فهو ثقة احتج به الشيخان، فإن كان هو راوي الحديث فهو حسن إن شاء الله تعالى.

وقد قال المنذري (1/270) بعد ما عزاه للطبراني: "ورواته ثقات".

وبالجملة فالحديث بهذه الطرق والشواهد صحيح بلا ريب، وتوقف الحافظ ابن حجر

في ثبوته إنما هو باعتبار الطريق الأولى. والله أعلم" انتهى كلامه.

قلت:

1- على أصول أهل النقد في العلل فإن بشير بن مهاجر قد خالف الحسين بن واقد في إسناد الحديث، فرواه بشر عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة، عن ابن عباس، موقوفاً! والصواب رواية الحسين بن واقد؛ لأن بشيراً وهم فيه فسلك الجادة! فلا يجوز تصحيح روايته والتعلل بأن رواية ابن عباس لا تقال بالرأي فهي مرفوعة؛ لأنا بينا أنها قد يكون أصلها من الإسرائيليات من رواية كعب!

2- أما الرواية التي استشهد بها الشيخ في تقوية الحديث مع أنه حكم عليها بالضعف وهي رواية إسحاق بن عبدالله بن كيسان عن أبيه عن الضحاك بن مزاحم عن مجاهد وطاوس عن ابن عباس؛ فهي منكرة!!

فعبدالله بن كيسان ضعيف الحديث، وابنه إسحاق قال فيه البخاري: "منكر الحديث".

وذكر ابن حبان عبدالله بن كيسان في «الثقات» (7/33) ثم قال: "يُتقى حديثه من رواية ابنه عنه".

ثم أعاده مرة أخرى في (7/52): "عبدالله بن كيسان من أهل مرو، يروى عن ثابت، روى عنه ابنه إسحاق بن عبدالله بن كيسان، يخطئ".

وأحاديثهما غير محفوظة! فهي تصلح روايتهما هنا للاستشهاد؟!!

3- وأما حديث مروان الطاطري عن سليمان بن موسى الذي اعتبره الشيخ في أن لحديث بريدة اصلاً فهو منكر أيضاً!!

وقد تفرد به سليمان بن موسى الزهري الكوفي عن فضيل بن مرزوق، والحديث حديثه وليس حديث "فضيل بن غزوان"، وقد أخرجه الطبراني في موضعين من كتابه من حديث "فضيل بن مرزوق".

وسليمان ليّن الحديث، وفضيل صدوق صالح الحديث، يهم كثيراً، يكتب حديثه، ولا يحتج به، كما قال أبو حاتم.

والظاهر أنه أخطأ فيه على عبدالله بن بريدة، فسلك فيه الجادة أيضاً فرواه عنه عن أبيه مرفوعاً، والصواب: عن ابن بريدة عن ابن عباس موقوف.

4- احتجاج الشيخ بكلام المنذري لا يستقيم؛ لأن المنذري لا ينظر لعلل الأحاديث والتفردات، وهو ظاهري جداً في الحكم على الأسانيد، والشيخ قد تأثر به كثيراً في هذا الباب.

والحديث لا يصح بمجموع طرقه كما ذهب الشيخ، بل هذه الطرق والشواهد عن الضعفاء لا تزده إلا ضعفاً!

·       مناقشة الألباني في تصحيحه لحديث عطاء عن ابن عمر!

هذا وقد ذكر الألباني حديث الباب في «صحيح الجامع الصغير» برقم (7978)، وذكره في «سلسلته الصحيحة» برقم (106) - "يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن... الحديث".

قال الشيخ: "رواه ابن ماجه (4019) وأبو نعيم في "الحلية" (8/333 - 334) عن ابن أبي مالك عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن عبدالله ابن عمر قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف من أجل ابن أبي مالك، واسمه: خالد بن يزيد بن عبدالرحمن ابن أبي مالك، وهو ضعيف مع كونه فقيهاً، وقد اتهمه ابن معين كما في "التقريب".

وقال البوصيري في "الزوائد": "هذا حديث صالح للعمل به، وقد اختلفوا في ابن أبي مالك وأبيه".

قلت: الأب لا بأس به، وإنما العلة من ابنه، ولذلك أشار الحافظ ابن حجر في "بذل الماعون" لضعف الحديث بقوله (ق 55/2): "إن ثبت الخبر".

قلت: قد ثبت حتماً فإنه جاء من طرق أخرى عن عطاء وغيره، فرواه ابن أبي الدنيا في "العقوبات" (ق 62/2) من طريق نافع بن عبدالله عن فروة بن قيس المكي عن عطاء بن أبي رباح به.

قلت: وهذا سند ضعيف، نافع وفروة لا يعرفان كما في "الميزان".

ورواه الحاكم (4/540) من طريق أبي معيد حفص بن غيلان عن عطاء بن أبي رباح، به وقال: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي.

قلت: بل هو حسن الإسناد فإن ابن غيلان هذا قد ضعفه بعضهم، لكن وثقه الجمهور، وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق فقيه، رمي بالقدر".

ورواه الروياني في "مسنده" (ق 247/1) عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن عبدالله بن عمر مرفوعاً.

وهذا سند ضعيف، عطاء هذا هو ابن أبي مسلم الخراساني وهو صدوق لكنه مدلس وقد عنعنه. وابنه عثمان ضعيف كما في "التقريب".

فهذه الطرق كلها ضعيفة إلا طريق الحاكم فهو العمدة، وهي إن لم تزده قوة فلا توهنه.

ولبعض الحديث شاهد من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعا بلفظ: "ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز وجل عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر" انتهى كلامه.

قلت:

1- هذا هو منهج الألباني في تقوية الأحاديث بالمتابعات والشواهد الضعيفة!! فهو مع بيانه لضعف هذه الطرق إلا أنه يصحح الحديث بذلك!!

2- قوله متعقباً الحافظ ابن حجر: "قد ثبت حتماً" متعقّب بأن كل هذه الطرق منكرة وشاذة! كما فصلّته في البحث.

3- اعتماده على طريق الحاكم وأنها قوية مردود بما بينته أن أبي معيد ضعيف لا يحتج بحديثه!

وكل طرق هذا الحديث معلولة بعدم سماع عطاء بن أبي رباح من ابن عمر! فأين هو عن هذه العلة؟!!

4- يهوّن الألباني من الأحكام على الرواة بقوله: "فلان ضعيف"! والحقيقة أنه قد يكون "منكر الحديث" أو "متروك"! وهذا يجب أن يتنبه له عند النقل من كلامه؛ لأن الضعف عموما ليس مثل أن يكون الراوي متروك أو منكر الحديث!!

والشيخ يعتمد كثيراً على التقريب ولا يعتمد على الكتب التي فيها تفصيلات عن أحوال الرواة! فينبغي للمشتغل بالحديث أن يجمع كل أقوال أهل العلم في الراوي ثم يخرج بنتيجة عن حاله توافق كلامهم وتعالج ما اختلف منها.

5- وأما شاهد بريدة فقد بينا نكارته.

والخلاصة أن هذا الحديث ضعيف بكلّ طرقه، ولا يتقوى بالمتابعات والشواهد؛ لأنها واهية، تفرد بها بعض الضعفاء والمتروكين، ومن هم ليسوا بأهل للتفرد ممن يكتب حديثهم ولا يحتج به.

وقد ثبت بعضه من قول ابن عباس إلا أنه جاء أيضاً عن ابن عباس عن كعب الأحبار، ورُوي عن ابن عباس مرسلاً، وأصله من رواية كعب الإسرائيلية. ولما انتشر بين الضعفاء زِيد فيه حتى وصل إلى هذه القصة المنكرة: "يا معشر المهاجرين..."! وكأن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان حريصاً فقط على المهاجرين دون غيرهم!! والله المستعان.

وكتب: خالد الحايك

10 جمادى الأولى 1434هـ.

 

شاركنا تعليقك