الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

حديث الرُّوَيْبِضَة... هل يصحّ بالمتابعات والشواهد؟!!

حديث الرُّوَيْبِضَة... هل يصحّ بالمتابعات والشواهد؟!!

بقلم: خالد الحايك

 

رُوي هذا الحديث عن أبي هريرة، وعن أنس بن مالك، وعن مالك بن عوف، رضي الله عنهم جميعاً.

·       حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -:

أما حديث أبي هريرة:

فرواهُ الإمام أحمد في «مسنده» (ط الرسالة: 13/291) رقم (7912) قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُالْمَلِكِ بنُ قُدَامَةَ، قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ بَكْرِ بنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ! قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».

ورواه ابن ماجه في «سننه» (2/1339) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، عن يَزِيد بن هارُونَ، به.

ورواه الحاكم في «المستدرك» (4/512) عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي، عن سعيد بن مسعود، عن يزيد بن هارون، به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

ورواه أيضاً (4/557) عن أبي بكر إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الفقيه، عن أبي بكر بن الفرج الأزرق، عن حجاج بن محمد، عن عبدالملك بن قدامة الجمحي، به.

قال ابن قدامة: وحدثني يحيى بن سعيد الأنصاري عن المقبري قال: "وتشيع فيها الفاحشة".

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وهو من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن المقبري غريب جداً!".

قلت: تفرد به عبدالملك بن قدامة الجُمحي عن إسحاق بن بكر بن أبي الفرات!

وعبدالملك ضعيف جداً صاحب مناكير، وإسحاق مجهول! فأنّى له الصحة أيها الإمام الحاكم!!

قال الدوري (كما في تاريخ ابن معين: 3/74): سمعت يحيى يقول: "عبدالملك بن قدامة الجمحي: ثقة".

وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: "عبدالملك بن قدامة الجمحي: صالح".

قلت: فبعد أن وثقه نزل برتبته إلى "صالح" وهو مرتبة من يعتبر بحديثه! لكن بقية الأئمة على أنه ضعيف جداً.

قال عبدالرحمن ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/362): سألت أبي عن عبدالملك بن قدامة؟ فقال: "ليس بالقوي، ضعيف الحديث، يحدّث بالمنكر عن الثقات".

وقال البخاري: "يعرف وينكر".

وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (ص69): "عبدالملك بن قدامة الجمحي: مدني ليس بالقوي".

وقال أبو زرعة «كما في سؤالات البرذعي» (ص356): "عبدالملك بن قدامة: منكر الحديث".

وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/135): "كان صدوقاً في الرواية إلا أنه كان ممن فحش خطؤه وكثر وهمه حتى يأتي بالشيء على التوهم فيحيله عن معناه ويقلبه عن سننه، لا يجوز الاحتجاج به فيما لم يوافق الثقات".

وقال البرقاني «كما في سؤالاته للدارقطني» (ص45): سمعته – أي الدارقطني- يقول: "عبدالملك بن قدامة الجمحي: مدني يُترك".

وأما إسحاق فلا يُعرف إلا في هذا الحديث!!

قال ابن حجر في «التقريب» (ص102): "إسحاق بن أبي الفرات: مجهول".

وقد نبّه الحاكم كما سبق إلى أن عبدالملك بن قدامة رواه أيضاً عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن المقبري، واستغربه الحاكم جداً!

وابن قدامة لا يعوّل عليه، فهو يروي عن الثقات أحاديث مناكير لا يعرفها أصحابهم عنهم.

·       تحسين الشيخ شعيب للحديث بمجموع الطرق!

قال الشيخ شعيب ورفاقه في الحكم على هذا الحديث: "حديث حسن، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لضعف عبدالملك بن قدامة، وجهالة إسحاق بن بكر بن أبي الفرات، وللحديث إسنادٌ آخر سيأتي برقم (8459)، فهو بمجموع الطريقين يصير حسناً، وله شاهدٌ من حديث أنس ستأتي الإِشارة إليه في آخر التخريح....".

قلت: بل لا يتقّوى كما سنفصله إن شاء الله.

·       أصل الحديث مرسل!

وكأن أصل هذا الحديث هو ما رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «المصنف» (11/382) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْجَحْشِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ سُنُونٌ خَوَادِعُ يُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَتَنْطِقُ الرُّوَيْبِضَةُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ» قَالَ: قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «سِفْلَةُ النَّاسِ».

وهذا مرسل!

وعبدالملك بن قدامة يروي عن عبدالله بن دينار (ت127هـ)، فيحتمل أنه أخطأ في إسناده! فرواه عن إسحاق عن المقبري عن أبي هريرة!! والله أعلم.

ورُوي عن أبي هريرة من طريق آخر:

رواهُ أحمد في «المسند» (ط الرسالة: 14/171) رقم (8459) قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ، وَسُرَيْجٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ سَعِيدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ السَّبَّاقِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَبْلَ السَّاعَةِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ». قَالَ سُرَيْجٌ: "وَيَنْظُرُ فِيهَا لِلرُّوَيْبِضَةِ".

ورواه نُعيم بن حماد في «الفتن» رقم (1470) عن ابنِ وَهْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ السَّبَّاقِ، به.

قال الإمام البخاري في «التاريخ الكبير» (3/496): "سعيد بن عبيد بن السباق الثقفي عن أبيه، وعن أبي هريرة، سمع منه الزهري وفليح وإسماعيل بن محمد. وقال يزيد بن عياض: كنيته أبو السباق".

قلت: يشير الإمام البخاري إلى أن روايته عن أبي هريرة فيها نظر! وهذه عادته إذا لم يثبت السماع، ولهذا قال: "وعن أبي هريرة"!

·       وهم لابن حبان!

وقد ذكره ابن حبان في «التابعين» من كتاب «الثقات» (4/285) قال: "سعيد بن عبيد بن السباق، كنيته أبو السباق، من أهل المدينة، يروي عن أبي هريرة والسائب بن يزيد، روى عنه الزهري وفليح بن سليمان".

ثم ذكره في «أتباع التابعين» (6/353) قال: "سعيد بن عبيد بن السباق، يروي عن أبيه عن سهل بن حنيف، روى عنه محمد بن إسحاق بن يسار".

·       لم يسمع سعيد بن السباق من أبي هريرة!

قلت: روى سعيد بن السباق عن أبي هريرة (57هـ)، وأبي سعيد الخدري (ت74هـ)، والسائب بن يزيد (ت91هـ)، ومحمد بن أسامة بن زيد (مات في زمن الوليد بن عبدالملك بعد 90هـ).

وروى عنه: الزهري (124هـ)، وفليح بن سليمان المدني (ت168هـ)، ويزيد بن عياض بن جُعدبة الليثي، مات بها في زمن المهدي (159-169هـ).

قلت: من خلال طبقته يظهر أنه من أقران الإمام الزهري، ولم يسمع من أبي هريرة، ولا أظنه سمع كذلك من أبي سعيد الخدري.

قال السخاوي في «التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة» (1/402): "سعيد بن عبيد بن السباق الثقفي المدني، من أهلها: يروي عن أبيه، ومحمد بن أسامة بن زيد، وأرسل عن أبي هريرة، ولكن ذكره ابن حبان في ثانية ثقاته، وقال: يروي عن أبي هريرة والسائب بن يزيد، ثم ذكره في التي تليها مقتصراً على روايته عن أبيه، وعنه الزهري ومحمد بن إسحاق وفليح بن سليمان وآخرون، وثقه النسائي وغيره، وخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة وهو في التهذيب".

قلت: فقد صرّح الإمام السخاوي أنه أرسل عن أبي هريرة، وقد سبقت إشارة البخاري إلى هذا من خلال ترجمته.

·       حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -:

وأما حديث أنس بن مالكٍ:

فرواهُ الإمام أحمد في «مسنده» (ط الرسالة) (21/24) برقم (13298) قال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ - وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ -، قال: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ الْعَوَّامِ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».

ثم أخرجه برقم (13299) قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، - قَالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ عُثْمَانَ، يعني أن عبدالله بن أحمد أيضاً سمعه من عثمان كما سمعه والده من عثمان -، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ».

قال ابن كثير بعد أن ذكره في «البداية والنهاية»: "وهذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ".

·       تحسين الشيخ شعيب للحديث!

وقد علّق الشيخ شعيب ورفاقه على الحديث الأول بقولهم: "حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف، محمد بن إسحاق حسن الحديث لكنه مدلًس، وقد عنعنه. وأخرجه الطبراني في "الأوسط " (3282) من طريق عبدالله بن لهيعة، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن معمر، عن عبدالله بن أبي طلحة، عن أنس موقوفاَ، قال: بين يدي الساعة سنون خداعة.. فذكر نحوه. وابن لهيعة سيء الحفظ. وله شاهد من حديث أبي هريرة، سلف برقم (7912)، وهو حسن. وآخر من حديث عوف بن مالك عند الطبراني في "الكبير" 18/ (123) و (124) و (125)، ذكره الهيثمي في "المجمع " 7/330، وقال: رواه الطبراني بأسانيد، وفي أحسنها ابن إسحاق، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات".

ثم قالوا في الحديث الآخر: "إسناده حسن، فإن محمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث عند البزار. وأخرجه البزار (3373- كشف الأستار)، وأبو يعلى (3715)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (465) و (466) من طرق عن عبدالله بن إدريس، - بهذا الإسناد" انتهى.

·       من خرّج الحديث أيضاً، والحكم عليه!

ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (6/378) برقم (3715) قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، به.

ورواه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/405) قال: حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ إدْرِيسَ، عَنِ ابنِ إِسْحَاقَ، به.

قلت: تفرد به محمد بن إسحاق (ت151هـ) بهذا الإسناد!! وقد اضطرب فيه!!

فرواه عن محمد بن المنكدر عن أنس، ورواه عن عبدالله بن دينار عن أنس، وسيأتي له إسناد آخر جعله من مسند عوف بن مالك.

والصواب في هذا الحديث كما مر سابقاً أنه من مراسيل عبدالله بن دينار وهو تابعي توفي سنة (127هـ).

وقد استنكر أبو حاتم الرازي حديث ابن إسحاق هذا!

قال ابن أبي حاتم: وسألتُ أَبِي عَنْ الحديثِ الَّذِي رَوَاهُ ابنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عبدالله بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فِي الرُّوَيْبِضَة؟

قَالَ أَبِي: "لا أعلم أحدًا روى عن عبدالله ابن دينار هذا الحديثَ غيرَ محمَّد بنِ إِسْحَاقَ، ووجدتُّ فِي رِوَايَةٍ بَعْضَ البصريِّين: عَنْ عبدالله بن المُثَنَّى الأنصاري، عن عبدالله ابن دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الأَزْهَر، عَنْ أنس، عن النبيِّ، بِنَحْوِهِ".

قَالَ أَبِي: "وَلا أَدْرِي مَنْ أَبُو الأَزْهَر هَذَا!"

قلتُ: مَن الذي رواه عن عبدالله بْنِ المثنَّى؟

فَقَالَ: حَجَّاج الفُسْطاطي.

قَالَ أَبِي: "لَوْ كَانَ حديثُ ابن إسحاقَ صحيحً، لَكَانَ قَدْ رَوَاهُ الثقاتُ عَنْهُ".

وقال ابن معين: "لم نسمع من عَبدالله بن دينار، عَن أَنَس إلا الحديث الذي يحدث به مُحَمد بن إسحاق" (تاريخ ابن معين، رواية الدوري: 3/135).

قال ابن عدي بعد أن نقل كلام ابن معين في ترجمة «محمد بن إسحاق» من «الكامل» (7/257): "يعني حديث الرويبضة". ثم رواه عن أبي يعلى الموصلي بإسناده السابق.

وقال أبو عثمان سعيد البَرْذَعي في «سؤالاته لأبي زرعة» (2/329-331): "قلت لأبي زرعة: عبدالله بن دينار الشامي؟ قال: شيخٌ ربما أنكر. قلت: عبدالله بن دينار الذي يروي عن أنس حديث الرُّويبضَة هو هذا؟ قال: لا، ابن إسحاق ما له وهذا؟ قال أبو عثمان: وقد كان رجلٌ من أصحابنا ذاكرني بهذا الحديث عن شيخ ليس عندي بمأمون، عن أبي قتيبة، عن عبدالله بن المثنَّى، عن عبدالله بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الأزهَر، عن أنس، وذكرت لأبي زرعة هذا أنه صاحب أنس، ولم أجترئ أن أذكرَ له أنه من رواية هذا الرجل؛ لأنه لم يكن يرضاه، فقلت له: هو هذا الشامي؟ فأجابني بهذا". اهـ.

قلت: فتبيّن من هذا أن حديث ابن إسحاق هذا منكر! فكيف يكون شاهداً للحديث السابق كما ادّعى الشيخ شعيب ورفاقه!! وأكبر عجبي من قولهم: "فإن محمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث عند البزار"!!!

فالمسألة ليست في تصريحه بالسماع، وإنما في اضطرابه فيه.

·       قول الحافظ ابن حجر في حديث أنس!!

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (13/84): "وحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سُنُونَ خَدَّاعَاتٌ... وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ".

قلت: بل ليس بجيد! وهو من منكرات ابن إسحاق.

وأما رواية ابن لهيعة فأخرجها الطبراني في «المعجم الأوسط» برقم (3258) قال: حَدَّثَنَا بَكْرٌ، قَالَ: حدثنا عَبْدُاللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ: حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حدثنا عَبْدُللَّهِ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُتَّهَمُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ الْمُتَّهَمُ، وَيَنْطَلِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ». قَالُوا: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «السَّفِيهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».

وقد أشار الشيخ شعيب في التعليق السابق أن هذا الحديث: "عن أنس موقوفاَ، قال: بين يدي الساعة سنون خداعة.. فذكر نحوه. وابن لهيعة سيء الحفظ"!!

قلت: بل هو مرفوع!! وقد تفرد به ابن لهيعة، وتفرده لا يحتمل! وأين الإمام مالك عن هذا الحديث لو كان عند عبدالله بن أبي طلحة أو عبدالرحمن بن معمر؟!!

·       حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه -:

وأما حديث عوف بن مالكٍ:

فرواه البزار في «مسنده» (7/174) برقم (2740)، والروياني في «مسنده» برقم (588)، قالا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ خَدَّاعَةً يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟، قَالَ: «الْمَرْؤُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».

قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ دِينَارٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (18/67) عن مُحَمَّد بن عَبْدِاللهِ الْحَضْرَمِيّ، وَالْقَاسِم بن زَكَرِيَّا الْمُطَرِّز، وَأَحْمَد بن زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيّ، قَالُوا: حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (18/67) وفي «مسند الشاميين» برقم (47) من طريق هِشَام بن عَمَّارٍ، قال: حدثنا مَسْلَمَةُ بنُ عُلَيٍّ، قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، به.

ورواه أبو طاهر السِّلَفيّ في «معجم السفر» (ص177) من طريق محمد بن المبارك الصوري، عن مسلمة بن علي، به.

وأتبعه الطبراني في «المعجم الكبير» بحديث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاشٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ.

لم يذكر فيه: "عن أبيه"!!

قلت: ظاهر هذه الأسانيد أن مسلمة بن عليّ وإسماعيل بن عياش قد تابعا ابن إسحاق في هذا الحديث عن إبراهيم بن أبي عبلة!

ولكن مسلمة بن علي الشامي منكر الحديث متروك! فمثله لا يُعتمد في تقوية حديث غيره، وخاصة إذا كان متكلّم فيه كابن إسحاق!!

وأما حديث إسماعيل بن عيّاش فلم يذكر فيه: "عن أبيه"! وإسماعيل يدلّس.

وأخشى أن يكون أخذ هذا الحديث من ابن إسحاق فقد روى عنه ابن إسحاق وهو أكبر منه! فالحديث يرجع إلى ابن إسحاق.

وقد حدّث ابن إسحاق (ت 151هـ) حدث عن إبراهيم بن أبي عبلة الشامي (ت152هـ)، وتوفي قبله.

والحديث لا يُعرف عن إبراهيم عند الشاميين! ولم يروه إلا ابن إسحاق وهو مديني، ومسلمة وهو شامي، لكنه متروك الحديث، وإسماعيل بن عيّاش لا يُعرف أنه سمعه من إبراهيم، ويخشى من تدليسه!!

فالحديث عن إبراهيم حتى نقبله لا بدّ أن يكون عن الثقات، وقد أشار الدارقطني – رحمه الله- إلى أن الطرق إليه لا تصفو.

قال الحاكم: قلت للدارقطني: إبراهيم بن أبي عبلة، فقال: "الطرق إليه ليست تصفو وهو في نفسه ثقة لا يخالف الثقات إذا روى عنه ثقة" [تاريخ مدينة دمشق:6/434].

وقال الإمام الذهبي: "وقد جمع الطبراني كتاب حديث شيوخ الشاميين فجاء مسند ابن أبي عبلة في سبع ورقات، وشطرها مناكير من جهة الإسناد إلى إبراهيم" [سير أعلام النبلاء:6/325].

·       أحاديث إبراهيم بن أبي عبلة الشامي المقدسيّ عن أبيه:

قلت: ولا يُعرف لأبيه رواية عن عوف بن مالك - رضي الله عنه - (ت 73هـ) إلا في هذا الحديث! وعليه ترجم الطبراني في «المعجم الكبير» (18/67): "شِمْرُ أَبُو عَبْلَةَ الْعُقَيْلِيُّ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ"، ثم ذكر هذا الحديث فقط.

وأما رواية إبراهيم عن أبيه فذكر الطبراني في «مسند الشاميين» (1/50) ترجمة: "إِبْرَاهِيم بن أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَاسْمُهُ شِمْرُ بنُ يَقْظَانَ"، ثم أورد تحتها ستة أحاديث (47-52)، الأول والثاني حديث الرويبضة، وأما الأربعة الباقية:

فقال في حديث رقم (49): حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ قِيرَاطٍ الدِّمَشْقِيُّ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، قال: حَدَّثَنَا رُدَيْحُ بنُ عَطِيَّةَ، قال: حدثنا هَانِئُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَعَسْكَرَ فِي طَوْرٍ زَيْتًا، ثُمَّ انْحَلَدَ فَدَخَلَ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا اسْتَوَى فِي الْمَسْجِدِ نَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالًا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَسْجِدُ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الَّذِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَيْهِ ثُمَّ أَتَى غَرْبَيَّ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: جَعَلَ مَسْجِدَ الْمُسْلِمِينَ هَهُنَا مُصَلًّى يُصَلُّونَ فِيهِ".

قلت: هذا حديثٌ غريبٌ جداً! منكر!!

هاني بن عبدالرحمن ليس بمشهور الرواية، وحاله غير معروفة! وقد ذكره ابن حبان في أتباع التابعين من «ثقاته» (7/583) فقال: "هانئ بن عبدالرحمن بن أبي عبلة، من كور بيت المقدس. يروي عن عمه إبراهيم بن أبي عبلة. روى عنه ابنه عبدالله بن هانئ. ربما أغرب".

ثُم أعاده فيمن روى عن أتباع التابعين من «الثقات» (9/247) فقال: "هانئ بن عبدالرحمن بن أبي عبلة، من أهل فلسطين. يروي عن محمد بن إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري. روى عنه ابنه عبدالله بن هانىء".

قلت: غفل ابن حبان فذكره في طبقتين مختلفتين. وقوله عنه بأنه ربما أغرب اعتماداً على توثيقه لابنه عبدالله، والعلة في أحاديثه هي ابنه، وهو متهمٌ بالكذب، وأحاديثه بواطيل لا يُتابع على شيء منها! وكأنه كان يسرق المتون ويركّب لها أسانيداً عن أبيه، فلا يحتج بخبره، ولا يصلح للاستشهاد به.

ولكن هذه الرواية لم يروها ابنه وإنما هي من رواية رديح بن عطية، وقد وثقه بعضهم ولينه آخرون.

قال ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار»184): "رديح بن عطية القرشي أبو الوليد، من خيار أهل فلسطين، وكان يُغرب".

وقال مروان بن محمد: "حدثنا رديح بن عطية وكان ثقة".

وقال عثمان الدارمي عن دحيم: "ثقة".

وقال الأزدي: "لا يُتابع فيما يروي" [تهذيب التهذيب:3/234].

قلت: أصاب الأزدي رحمه الله، فرديح لا يتابع فيما يرويه، وهذا معنى قول ابن حبان: "يغرب"، فتفرده لا يُحتمل.

وقال الطبراني في حديث رقم (50): حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بنُ زَكَرِيَّا الْمُطَرِّزُ، قال: حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، قال: حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا سَمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ».

قلت: هذا حديث غريبٌ جداً! تفرد به ابن إسحاق ولا يحتمل تفرده بهذا! والحديث لا يُعرف من حديث أنس بن مالك.

وقال الطبراني في حديث رقم (51): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رِشْدِينَ الْمِصْرِيُّ، قال: حدثنا هِشَامُ بنُ سَلَّامٍ الْبَصْرِيُّ، قال: حدثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِاللَّهِ السَّكُونِيُّ أَبُو إِبْرَاهِيمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ وَسَلَّمَ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ, فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَالَ: «قَدْ رُفِعَتْ صَلَاتُكُمْ بِحَقِّهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

قال الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/85): "لم يرو هذا الحديث عن إبراهيم بن أبي عبلة إلا إسماعيل بن عبدالله، ولا عن إسماعيل إلا أبو داود، تفرد به هشام بن سلام".

وقال أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» (1/255): "هذا حديث منكر! وفي ابن رشدين وهشام بن سلام وإسماعيل بن عبدالله نظر، والله يغفر لنا ولهم".

وقال الطبراني في حديث رقم (52): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رِشْدِينَ، قال: حدثنا السَّرِيُّ بنُ حَمَّادٍ، قال: حدثنا الْمُعَلَّى بنُ الْوَلِيدِ الْقَعْقَاعَيُّ، قال: حَدَّثَنِي هَانِئُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَنَافِعٌ عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ».

قال الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/85): "لَمْ يَرْوِ هذا الْحَدِيثَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ إِلَّا هَانِئُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، تَفَرَّدَ بِهِ: الْمُعَلَّى بنُ الْوَلِيدِ!".

وقال الدارقطني في «الغرائب والأطراف» [كما في الأطراف:3/430، برقم:3164] في ترجمة: [نَافِع عَن ابن عمر الروَاة عَنهُ: إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة عَن أَبيه وَنَافِع عَن ابن عمر]: "غَرِيب من حَدِيثه عَنْهُمَا، تفرد بِهِ هَانِئ بن عبدالرَّحْمَن عَن عَمّه إِبْرَاهِيم".

قلت: فتبين من هذا أن الطرق لا تصفو لإبراهيم بن أبي عبلة، ولا تصح لأبيه رواية، والله أعلم.

·       مناقشة الشيخ الألباني في تصحيحه لهذا الحديث!

قال الألباني في «صحيح الجامع» برقم (3650): "(صحيح)... [حم هـ ك] عن أبي هريرة. الصحيحة 1888: الخرائطي. حم- أنس".

وخرّجه في «صحيحته» برقم (1887)، وقال: "أخرجه ابن ماجة (4042) والحاكم (4/465،512) وأحمد (2/291) والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص 30) من طريق عبدالملك بن قدامة الجمحي عن إسحاق بن أبي الفرات عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.

كذا قالا وهو عجب، سيما من الذهبي، فإنه أورد ابن قدامة هذا في "الميزان"، ونقل تضعيفه عن جمع، وقال في "الضعفاء": "قال أبو حاتم وغيره: ليس بالقوي". وإسحاق بن أبي الفرات قال الحافظ: "مجهول". لكن للحديث طريق أخرى يتقوى بها يرويه فليح عن سعيد بن عبيد بن السباق عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "قبل الساعة سنون خداعة..." الحديث دون قوله: "وما الرويبضة...". أخرجه أحمد (2/338). قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن السباق، وهو ثقة. لكن فليح وهو ابن سليمان الخزاعي فيه كلام من قبل حفظه، حتى قال الحافظ: "صدوق يخطىء كثيراً".

فالحديث بمجموع الطريقين حسن. وله شاهد يزداد به قوة يرويه محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: "إن أمام الدجال سنين خداعة..." الحديث مثله إلا أنه قال: "الفويسق يتكلم في أمر العامة ". أخرجه أحمد (3/220). ورجاله ثقات لولا عنعنة ابن إسحاق" انتهى كلامه.

ثم أورده أيضاً في «صحيحته» برقم (2253)، وقال: "أخرجه البزار في "مسنده" (3373 - الكشف) والطبراني في "المعجم الكبير" (18/67/125) من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أبيه عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

زاد البزار: قال محمد بن إسحاق: وحدثني عبدالله بن دينار عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بنحوه. قال الهيثمي في "المجمع" (7/284): "رواه البزار، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع من عبدالله بن دينار، وبقية رجاله ثقات". كذا قال! وأقره الأعظمي في تعليقه على "الكشف". ولنا عليه مؤاخذتان: الأولى: أنه لم يعز حديث عوف للطبراني، ولا سيما وقد رواه من غير هذا الوجه. والأخرى: أن أبا عبلة - والد إبراهيم - غير معروف إلا بهذه الرواية، ولم يوثقه غير ابن حبان (4/367)، وسكت عنه ابن أبي حاتم، فهو من هذا الوجه ضعيف، يقويه حديث أنس، فإن إسناده حسن لتصريح ابن إسحاق بالتحديث. وقد أخرجه أحمد (3/220) من طريق أخرى عنه عن محمد بن المنكدر عن أنس بلفظ: "إن أمام الدجال سنين خداعة..". الحديث مثل حديث الترجمة، إلا أنه قال: "قال: الفويسق يتكلم في أمر العامة". ثم رواه عقبه هو وابنه عبدالله وأبو يعلى (1/378/3715) من طريق ابن إسحاق الأولى عن عبدالله بن دينار به. وقد وهم المعلق على "أبي يعلى" فجعل طريق ابن إسحاق عن ابن المنكدر عند أحمد والطريق هذه واحدة. نعود إلى حديث عوف، فقد توبع عليه ابن إسحاق من اثنين: الأول: مسلمة بن علي: حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن أبيه به. أخرجه الطبراني (18/67/ رقم 123) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (16/226/2). ومسلمة هذا متروك. والآخر: إسماعيل بن عياش عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عوف بن مالك مرفوعا مثله. أخرجه الطبراني (رقم 124)، وقال المعلق عليه، صاحبنا حمدي السلفي: "إسناده حسن"! وأقول: كان يكون كذلك لولا الانقطاع بين إبراهيم بن أبي عبلة وعوف، فإن بين وفاتيهما تسعاً وسبعين سنة، ولذلك لم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة، سوى أنس ابن مالك رضي الله عنه ونحوه. ولم يذكروا له رواية عن عوف، والروايات السابقة تبين أن بينهما والده أبا عبلة. ثم إن مما يزيد الحديث قوة أن له شواهد عن غير ما واحد من الصحابة، منها عن عبدالله بن عمر مرفوعاً نحوه إلى قوله: "ويخون الأمين"، وزاد: "قيل: يا رسول الله! فكيف المؤمن يومئذ؟ قال: كالنخلة وقعت فلم تفسد وأكلت فلم تكسر ووضعت طيبا، وكقطعة الذهب، دخلت النار، فأخرجت، فلم تزدد إلا جودا". أخرجه البزار (9409) عن عبدالرحمن بن مغراء الدوسي: حدثنا الأعمش عن أبي أيوب عنه. وقال: "لا نعلمه إلا عن عبدالله بن عمرو، ولا له عنه إلا هذا الطريق". قلت: ورجاله ثقات رجال (الصحيح) غير عبدالرحمن بن مغراء الدوسي، قال الحافظ في "التقريب": "صدوق، تكلم في حديثه عن الأعمش". قلت: وهذا عنه كما ترى ومع ذلك فقد قال الحافظ في "زوائده" (ص238): "حسن". وأما الهيثمي فقال في "مجمع الزوائد" (7/327): "رواه البزار، وفيه عبدالرحمن بن مغراء، وثقه أبو زرعة وجماعة، وضعفه ابن المديني، وبقية رجاله رجال الصحيح". وله طريق أخرى عن ابن عمر، يأتي بإذنه تعالى برقم (2288)... وللحديث شواهد أخرى تقدم بعضها برقم (1887 و 2238) . من حديث جماعة منهم أنس، وجود إسناده الحافظ في "الفتح" (13/84)" انتهى كلامه.

قلت: صحح الشيخ الحديث في الموضعين بالمتابعات والشواهد على قاعدته المعروفة في ذلك! وهو التوسع - مع ذكره لعلل الروايات -!! وهذا عجيب منه!!

أولاً: أما حديث عبدالملك بن قدامة الجُمحي فمنكر، وهو متروك!! ولم يتعرض الشيخ للكلام على إسحاق بن بكر بن أبي الفرات شيخ عبدالملك! وهو مجهول!

ثانياً: متابعة ابن السباق عن أبي هريرة قد بينا أنها منقطعة! فابن السباق لم يسمع من أبي هريرة! فأنّى للحديث الحسن بمجموع هاتين الروايتين كما قال الشيخ؟!!!

ثالثاً: وكذلك بينا أن الحديث من مراسيل عبدالله بن دينار، وهذا لم يتنبه له الشيخ!!

رابعاً: أما شاهد أنس فقد بينا أيضاً أن ابن إسحاق كان يضطرب فيه! ولم يتنبه الشيخ لهذا. ولا يُعرف هذا الحديث عن ابن المنكدر عن أنس، وهو من تخاليط ابن إسحاق.

خامساً: وأما حديث عوف الذي ذكره في الموضع الآخر من كتابه وقد بيّن أن كلا الطريقين فيهما علة! الأولى من رواية متروك، والأخرى منقطعة! ومع ذلك قوّى الحديث - الذي فيه زيادة والد إبراهيم فيه - بحديث آخر عن ابن عمر، وكذلك بشاهد حديث أنس السابق!!

أما حديث ابن عمر فقد أعله، ولكنه قبله! وأشار إلى أنه سيخرجه في موضع آخر، وسياتي الكلام عليه إن شاء الله، وأما حديث أنس فقد بينا علله وأن ابن إسحاق اضطرب فيه!!

سادساً: وأما قوله بأن ابن حجر "جود إسناده"، أي قال عنه: "جيد"! فهذا مما رددناه على الحافظ - رحمه الله - وقد وهم في ذلك.

مع التنبيه على أن كلمة: "جود" يستخدمها أهل النقد في تحسين الراوي لحديث ما بأن يزيد في إسناده راو، فيقول أهل العلم: "جوده" أي جعل إسناده حسناً. فهو بهذا الاعتبار يدخل في باب العلل.

وأما إطلاقه على أن الإسناد: "جيد" فليس بجيد، والله أعلم.

سابعاً: وأما شاهد ابن عمر فقد ذكره في «صحيحته» برقم (2288) (إن مثل المؤمن كمثل القطعة من الذهب، نفخ فيها صاحبها فلم تغير ولم تنقص، والذي نفسي بيده، إن مثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا ووقعت فلم تكسر ولم تفسد).

قال الشيخ: "أخرجه أحمد (2/199) والرامهرمزي في "الأمثال" (50/1 - 2) والأصبهاني في "الترغيب" (11/2) عن مطر عن عبدالله بن بريدة عن أبي سبرة حدثني عبدالله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وزاد في أوله: "إن الله يبغض الفحش والتفحش، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخون الأمين ويؤتمن الخائن حتى يظهر الفحش والتفحش وقطيعة الأرحام وسوء الجوار".

قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو سبرة لم يوثقه غير ابن حبان، وقال ابن معين: "لا أعرفه". ومطر هو ابن طهمان الوراق، صدوق كثير الخطأ، كما في "التقريب". لكن تابعه على الزيادة المذكورة حسين المعلم حدثنا عبدالله بن بريدة به. أخرجه أحمد (2/162 - 163) وتابعه على الحديث كله قتادة عن عبدالله بن بريدة به.

أخرجه الحاكم (4/513) وقال: "صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!

ثم وجدت له طريقا أخرى يتقوى بها إن شاء الله تعالى، فقال البزار في "مسنده" (ص 238 - زوائده): حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبدالرحمن بن مغراء عن الأعمش عن أيوب عن عبدالله بن عمرو مرفوعا بلفظ: "لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش وقطيعة الرحم وسوء الجوار، (ويخون) الأمين، قيل: يا رسول الله! فكيف المؤمن؟ قال: كالنحلة، وقعت فلم تفسد وأكلت فلم تكسر ووضعت طيبا". وقال البزار: "لا نعلم إلا هذا الطريق، ولا روى الأعمش عن أبي أيوب، إلا هذا الإسناد".

قلت: كذا وقع هنا: "أبي أيوب"، وفيما تقدم: "أيوب" بإسقاط أداة الكنية ويغلب على الظن أن الصواب إثباتها لقول البزار السابق: "ولا روى الأعمش عن أبي أيوب إلا هذا الإسناد". ومن المعلوم أن الأعمش كثير الرواية عن أيوب - وهو السختياني - حتى إنهم لما ذكروا الرواة عنه ذكروه أولهم، فلو كان الصواب أن شيخ الأعمش في هذا الإسناد هو أيوب لم يقل البزار ذلك. فإذن من هو أبو أيوب فيه؟ الذي يظهر لي أنه أبو أيوب المراغي الأزدي البصري، روى عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمرو، وهو ثقة من رجال الشيخين. وقد سبق الكلام على هذه الطريق بزيادة فائدة تحت الحديث (2253). ولبعضه طريق أخرى يرويه عمار بن محمد عن عبدالسلام بن مسلم أبي مسعود عن منصور بن زاذان عن أبي جحيفة عن عبدالله بن عمرو بلفظ: "من أشراط الساعة أن يؤتمن الخائن ويخون الأمين". أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص 31). ورجاله ثقات غير عبدالسلام هذا فلم أعرفه" انتهى كلامه.

قلت: قال البزار في حديث أبي سبرة في «مسنده» (6/412): "ولا نعلم روى أبو سبرة عن عبدالله بن عمرو إلا هذا الحديث، ولا رواه عن أبي سبرة إلا عبدالله بن بريدة!".

وقال الهيثمي في «المجمع» (7/284): "وأبو سبرة هذا اسمه سالم بن سبرة، قال أبو حاتم: مجهول". وقد أشار الشيخ الألباني أن ابن معين قال: لا أعرفه! وهذا وهم من الشيخ رحمه الله؛ فإن ابن معين قال هذا في آخر، وهو: "أبو سبرة النخعي الكوفي"، وليس هذا.

وقال الإمام مسلم في «الكنى والأسماء» (1/408): "أبو سبرة سالم بن سبرة: سمع عبدالله بن عمرو، روى عنه عبدالله بن بريدة".

وقد جهله أبو حاتم! ويقصد جهالة حاله.

وقال أبو عبدالله الحاكم في «المستدرك» (1/147): "أبو سبرة الهذلي وهو تابعي كبير، مبين ذكره في المسانيد والتواريخ، غير مطعون فيه".

وقال أبو أحمد الحاكم: "أبو سبرة سالم بن سلمة عن عبدالله بن عمرو بن العاص، روى عنه عبدالله بن بريدة. وذكر أبو بكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في كتابه قال: ومن بني سعد بن هذيل: أبو سبرة سالم بن عمرو، وكان أبو سبرة من رجال أهل البصرة، يروي عن ابن عباس أحاديث، واستعمله زياد بن أبي سفيان على قضاء البصرة، وكان يهاجي أبا الأسود الديلي" [تاريخ مدينة دمشق: 20/47].

قلت: الحديث رواه حسين المعلم، وقتاده بن دعامة، ومطر بن طهمان الوراق عن عبدالله بن بريدة عن أبي سبرة، ورواه أبو هلال محمد بن سليم الراسبي، وهو سيء الحفظ عن ابن بريدة فقال: عن عبدالله بن أبي سبرة وخالف الجماعة فيه.

والحديث حسن، وفيه قصة وأن أبا سبرة كتب هذا الحديث بيده عن عبدالله بن عمرو وكان عنده في صحيفة.

لكن ليس فيه حجة للشيخ الألباني بعدّه شاهداً لحديث الرويبضة!! والشيخ الألباني يتوسع في حشد الشواهد والمتابعات بتمسكه بأي تشابه في الألفاظ في بعض الأحاديث، فيجعلها شواهد لألفاظ الحديث الذي يصححه!! فهو عدّه شاهداً لأن فيه: "يخون الأمين ويؤتمن الخائن"! ولا ذكر للرويبضة في هذا الحديث!!

فائدة:

ذكر الدارقطني في «الغرائب والأطراف» [كما في الأطراف:2/319 برقم:1484) حديث: (لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش، الحديث) وقال: "تفرد به عقبة الأصم عن ابن بريدة عن أبيه، ورواه قتادة وحسين المعلم عن ابن بريدة عن أبي سبرة عن عبدالله بن عمرو".

قلت: أراد الدارقطني أن يبين أن عبة الأصم وهم في إسناده فجعله عن ابن بريدة عن أبيه، فسلك الجادة! والمعروف أنه عن ابن بريدة عن أبي سبرة عن عبدالله بن عمرو.

وأما حديث عبدالرحمن بن مغراء الدوسي عن الأعمش عن أبي أيوب عن عبدالله بن عمرو. فقد سُئِل الإمام أحمد عنه.

قال عبدالله بن أحمد: سئل أبي عن حديث الأعمش عن أبي أيوب عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش وقطيعة الرحم)؟

قَالَ: مَنْ رَوَى هَذَا عَنْهُ؟ قَالُوا: عَبْدُاللَّهِ بنُ كَاسِبٍ. قَالَ: لَا أَدْرِي مِنْ أَبُو أَيُّوبَ هَذَا! قِيلَ لَهُ: تَرَاهُ يَحْيَى بنَ مَالِكٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ؟ قَالَ: "لَا أَدْرِي" [العلل ومعرفة الرجال:3/282].

وفي رواية العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية المروذي وغيره بتحقيق وصي الله عباس (ص: 112) برقم (184)، قال المروذي: وَسُئِلَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ»، قَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ أَبُو أَيُّوبَ هَذَا؟ لَا أَعْرِفُهُ، قِيلَ لَهُ: هَذَا يَحْيَى بْنُ مَالِكٍ، الَّذِي رَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.

ولكن في رواية المروذي وغيره [طبعة صبحي السامرائي، ص: 84]: وَسُئِلَ عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُبْرَة الْهُذلِيّ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لا تقوم السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ؟

قَالَ: "لَا أَدْرِي من هذَا، لَا أعرفهُ". وَقيل لَهُ: هَذَا يَحْيَى بنُ مَالِكٍ الَّذِي رَوَى عَنهُ قَتَادَة؟ قَالَ: "لَا أَدْرِي".

قلت: ففي رواية المروذي هذه التي بتحقيق صبحي السامرائي أنه عن أبي سبرة عن عبدالله بن عمرو كما هو الحديث الأصل، فإن صح ذلك، فيرجع هذا الحديث إلى الحديث الأول فلا تكون هذه متابعة، وإن لم تصح فتكون عن أبي أيوب هذا، وهو مجهول لا يُعرف، والقلب يميل إلى أنه "عن أبي سبرة" لا "عن أبي أيوب" وكأنه تحرّف في بعض الأسانيد، والسؤال أنه "عن أبي سبرة" يؤيد الحديث الأول فتعين أن يكون عنه لا عن أبي أيوب، والله أعلم.

وأما الرواية التي من طريق عمّار بن محمّد الثوريّ، عن عَبْدِالسَّلَامِ بنِ مُسْلِمٍ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنْ مَنْصُورِ بنِ زَاذَانَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو، فالشيخ نفسه قال: "عبدالسلام هذا لم أعرفه"، يعني مجهول! وهو كذلك لا يُعرف إلا في هذا الحديث!

لكن على قاعدته المعروفة في التوسع في تقوية الأحاديث قوّى به الأحاديث الأخرى!!

والحديث رواه أيضاً أبو الشيخ في كتاب «التوبيخ والتنبيه» (ص69) عن يحيى بن عبدالله بن الحارث، عن الحسن بن عرفة، عن عمّار بن محمد، عن عبدالسلام، به.

وعمار بن محمد الثوري أبو اليقظان الكوفي ابن أخت سفيان الثوري، ليس بالقوي، وقد تفرد بذكر هذا الراوي عبدالسلام، وهو مجهول العين والحال.

ثامناً: وأما الشاهد الذي أشار إليه برقم (2238) (إن من أشراط الساعة الفحش والتفحش وقطيعة الأرحام وائتمان الخائن – أحسبه قال: وتخوين الأمين).

قال الألباني: "أخرجه البزار (ص 238 - زوائده) من طريق شبيب بن بشر عن أنس بن مالك مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير شبيب بن بشر وفيه كلام، والراجح أنه حسن الحديث. ولذلك قال في "زوائد البزار": "حسن". وقال في "مجمع الزوائد" (7/327): "رواه البزار، وفيه شبيب بن بشر وهو لين، ووثقه ابن حبان، وقال: يخطىء، وبقية رجاله رجال الصحيح". قلت: قد وثقه ابن معين أيضاً، والراجح فيه ما ذكرنا آنفاً. وللشطر الثاني من الحديث طريق أخرى عن أنس سقته فيما تقدم (1887). وشاهد آخر من حديث أبي هريرة ذكرته هناك. وله شاهد آخر من حديث عبدالله بن عمرو يأتي تحت الحديث (2253)، فالحديث صحيح" انتهى.

قلت: أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/93) عن بن محمد بن صدقة، عن محمد بن معمر، عن أبي عاصم، عن شبيب بن بشر، عن أنس.

ورواه الضياء في «المختارة» (6/183) من طريق الطبراني، به.

وتحسين الشيخ الألباني لهذا الإسناد ليس بحسن!! وشبيب ليس بحسن الحديث، بل هو ضعيف.

قال أبو حاتم الرازي: "لين الحديث، حديثه حديث الشيوخ". [الجرح والتعديل: 4/357].

وعبارة ابن حبان في «الثقات» (4/359): "يخطىء كثيراً".

قلت: كثرة الخطأ تُعرف من خلال مخالفته للآخرين!! ولكنه يروي عن أنس أحاديث مناكير يتفرد بها عنه! فمثله ضعيفٌ جداً، والله أعلم.

والخلاصة أن حديث الرويبضة: ضعيف، ولا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتقوى بهذه الطرق، وهو من مراسيل عبدالله بن دينار المدني، والله أعلم.

وكتب: خالد الحايك.

1/1/1434هـ.

 

شاركنا تعليقك