الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

مَيمونة مولاة النبيّ صلى الله عليه وسلم وحديثها، وهل هي ميمونة بنت سعد؟ وهل تصح صحبتها؟ وحال الرواة عنها: أبو يزيد الضنّي، وعثمان وزياد ابنا أبي سودة وغيرهم.

مَيمونة مولاة النبيّ صلى الله عليه وسلم وحديثها، وهل هي ميمونة بنت سعد؟ وهل تصح صحبتها؟

وحال الرواة عنها: أبو يزيد الضنّي، وعثمان وزياد ابنا أبي سودة وغيرهم.

بقلم: أبي صهيب الحايك.

ذكر أهل العلم في الصحابة: «ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وذكروا: «ميمونة بنت سعد»، وذكروا: «ميمونة» غير منسوبة.

فمن أهل العلم من جعلهنّ ثلاثة، ومنهم من جعلهن ثنتين، ومنهم من جعلهن واحدة: فابن السكن وابن منده وابن عبدالبر على أنهم اثنتان، وخالفهم أبو نعيم وجعلهم واحدة، وصوّبه ابن الأثير، ومَالَ إليه ابن حجر.

قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (8/305): "ميمونة بنت سعيد مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخبرنا عبيدالله بن موسى والفضل بن دكين قالا: أخبرنا إسرائيل، عن زيد بن جبير، عن أبي زيد الضنّي، عن ميمونة بنت سعيد: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجلٍ قبَّلَ امرأته وهما صائمان؟ قال: قد أفطر. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولد الزنا؟ فقال: لا خير فيه، إن نعلين أجاهد بهما أحبّ إليّ من أن أعتق ولد زنا.

أخبرنا موسى بن مسعود: حدثنا عكرمة بن عمار، عن طارق بن القاسم بن عبدالرحمن، عن ميمونة مولاة النبي، قالت: قال رسول الله: يا ميمونة، تعوذي بالله من عذاب القبر، قلت: يا رسول الله، وإنه لحقّ؟ قال: نعم يا ميمونة، إن من أشد العذاب يوم القيامة: الغيبة والبول».

وقال خليفة في «الطبقات» (ص331): "ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه، روت عن النبي صلى الله عليه في عذاب القبر".

قال: "وميمونة بنت سعد كانت تخدم النبي صلى الله عليه، روت: مثل الرافلة في الزينة في غير أهلها كمثل الظلمة يوم القيامة لا نور لها".

وذكر ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (6/216): «ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم»، ثم ذكر: «ميمونة» ولم تنسب.

وقد ذكر ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (4/1918): "ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثها عند أهل الشام في فضل بيت المقدس، إن أشد عذاب القبر في الغيبة والبول، روى عنها زياد بن أبي سودة والقاسم بن عبدالرحمن".

ثم ذكر: "ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنها أبو يزيد الضنّي أيوب بن أبي خالد حديثاً مرفوعاً في قبلة الصائم وعتق ولد الزنا، حديث ليس بالقوي".

وقال أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (6/3442): "ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنها: عليّ بن أبي طالب، وزياد بن أبي سودة، وهي عندي ميمونة بنت سعد، وأفردها المتأخر عن ميمونة بنت سعد".

ثم قال: "ميمونة بنت سعد خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديها عند أيوب ابن خالد وهلال بن أبي هلال، أفردها المتأخر عن الأولى، وهي عندي الأولى".

ثم قال: "ميمونة، غير منسوبة، حديها عند آمنة بنت عمر بن عبدالعزيز، أفردها المتأخر، وذكرها سليمان في ميمونة بنت سعد ونسبها".

وقال ابن حجر في «الإصابة» (8/129): "ميمونة بنت سعد، ويقال: سعيد، كانت تخدم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وروت عنه، وروى عنها: زياد وعثمان ابنا أبي سودة، وهلال بن أبي هلال وأبو يزيد الضني وآمنة بنت عمر بن عبدالعزيز وأيوب بن خالد بن صفوان وطارق بن عبدالرحمن وغيرهم، روى لها أصحاب السنن الأربعة مما أخرج لها بعضهم: ما رواه معاوية بن صالح، عن زياد بن أبي سودة، عن ميمونة وليست زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: يا رسول الله، أفتنا عن بيت المقدس؟ قال: أرض المحشر والمنشر، إئتوه فصلوا فيه الحديث، قال أبو عمر: ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنها أبو يزيد الضني بن خالد حديثاً مرفوعاً في قبلة الصائم وعتق ولد الزنا، وليس سنده بالقوي، ثم قال: ميمونة أخرى حديثها عند أهل الشام في فضل بيت المقدس وإن أشد عذاب القبر في الغيبة والبول، روى عنها زياد بن أبي سودة والقاسم بن عبدالرحمن.

قلت: قد صرح زياد بن أبي سودة بأن التي روى عنها ميمونة بنت سعد، فالظاهر أنهما واحدة، وسبق ابن عبد البر إلى التفرقة بينهما أبو علي بن السكن، فقال: ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، رويت عنها أحاديث، ثم ساق من طريق عكرمة بن عمار عن طارق بن القاسم عن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ميمونة، تعوذي بالله من عذاب القبر، قالت: وإنه لحق؟ قال: نعم، والغيبة والبول، ومن طريق أبي يزيد الضني عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ولد الزنا؟ فقال: لا خير فيه الحديث، قلت: وهذا أخرجه الزهري من هذا الوجه، ومن طريق أيوب بن خالد عن ميمونة بنت سعد خادم النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الرافلة في الزينة كمثل الظلمة لا نور فيها، ثم قال – أي ابن السكن -: ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست بنت سعد، روى عنها حديث واحد في فضل بيت المقدس فيه نظر، ثم ساقه من طريق عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد عن زياد بن أبي سودة عن أخيه عثمان بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم، ثم قال: رواه سعيد بن عبدالعزيز عن ثور عن زياد عن ميمونة، ليس بينهما عثمان بن أبي سودة، قلت: وقد أخرجه ابن منده من الوجهين، وترجم لهما كما ترجم ابن السكن: ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن زاد عليه: أنها روى عنها علي بن أبي طالب، ولم يسق روايته عنها، ثم ساق حديث عتق ولد الزنا لكون الراوي قال: عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث التعوذ من عذاب القبر من طريق طارق بن القاسم بن عبدالرحمن، وفيه: عن ميمونة بنت حبيب، ثم ترجم لميمونة بنت سعد خادم النبي صلى الله عليه وسلم، وأورد حديث محمد بن هلال عن أبيه: أنه سمع ميمونة بنت سعد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أجمع الصوم من الليل فليصم الحديث، ومن طريق أيوب بن خالد عن ميمونة بنت سعد، وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم حديث الرافلة في الزينة.

فاتفق ابن السكن وابن منده وأبو عمر على أنهما اثنتان، وخالفهم أبو نعيم، فقال: عندي أنهما واحدة، وصوّبه ابن الأثير، وبذلك صدر المزي في التهذيب كلامه، ثم قال: وقيل إنهما اثنتان، قلت: قول ابن السكن في الثانية: (وليست بنت سعد) مع أنه أورد لها حديث الصلاة في بيت المقدس يشعر بأنه لم يقع في رواية أخرى فهذا يقوي قول أبي نعيم إنهما واحدة، ثم ذكر ابن منده ميمونة ثالثة فقال: ميمونة غير منسوبة، روت عنها آمنة بنت عمر: أنها قالت، يا رسول الله، أفتنا عن الصدقة؟ قال: إنها حجاب من النار، قالت: أفتنا عن ثمن الكلب؟ قال: طعمة جاهلية، قالت: أفتنا عن عذاب القبر؟ قال: من أمر البول. وأورده أبو نعيم من طريق إسحاق بن زريق عن عثمان بهذا السند، فقال: عن ميمونة بنت سعد، وساق حديثاً آخر لفظه: أفتنا عن السرقة؟ فقال: من أكلها ولم يعلم فقد شرك في إثمها وعارها، ومن طريق عمرو بن هشام عن عثمان به: أفتنا عن الغسل من الجنابة، كم يكفي الرأس؟ قال: ثلاث حثيات، قال أبو نعيم: أفردها ابن منده، وأورد الطبراني حديثهما في مسند ميمونة بنت سعد.

قلت: والذي يغلب على الظن أن الثلاثة واحدة". انتهى كلام ابن حجر رحمه الله.

·       الثلاثة واحدة:

قلت: وهو الصواب، وفعل أصحاب المسانيد يؤيد ذلك فإنهم ذكروا هذه الأحاديث كلها في ترجمة «ميمونة بنت سعد».

وميمونة هذه ذكرها الإمام أحمد في الكوفيين، فقال كما في «العلل ومعرفة الرجال» (3/409): "وممن روى عنه – أي النبيّ صلى الله عليه وسلم - من الكوفيين: ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم".

وذكرها ابن حبان في «الثقات» (3/408) فقال: "ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، لها صحبة".

وقال الذهبي في «الكاشف» (2/518): "ميمونة بنت سعد أو سعيد، صحابية، عنها أيوب بن خالد وأبو يزيد الضني وابنا أبي سودة".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص753): "ميمونة بنت سعد أو سعيد خادم النبي صلى الله عليه وسلم، صحابية، لها حديث، وقيل: إن التي روى عنها عثمان بن زياد ميمونه أخرى غير خادم النبي صلى الله عليه وسلم".

·       هل ميمونة صحابية؟

قلت: الظاهر أنهم أثبتوا صحبتها من خلال ما روي عنها من أحاديث، ولكن هذه الأحاديث تحتاج إلى دراسة:

1- روى النسائي في «السنن الكبرى» (3/175) قال: أخبرنا العباس بن محمد الدورقي، قال: حدثنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا إسرائيل، عن زيد بن جبير، عن أبي يزيد الضِنّي، عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئِل عن ولد الزنا؟ قال: لا خير فيه، نعلين أجاهد أو قال أجهز بهما أحبّ إليّ من أن أعتق ولد الزنا».

ورواه الإمام أحمد في «مسنده» في ترجمة «ميمونة بنت سعد» (6/463) عن حسين وأبي نعيم، قالا: حدثنا إسرائيل، به.

ورواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» في ترجمة «ميمونة بنت سعد» (6/210) عن الفضل بن دكين أبي نعيم، عن إسرائيل، به.

ورواه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (5/108) عن أبي نعيم الملائي ويحيى بن آدم، عن إسرائيل، به.

ورواه الحاكم في «المستدرك» (4/44) في (ذكر ميمونة بنت سعد مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، من طريق عبيدالله بن موسى، عن إسرائيل، به.

2- روى أبو بكر ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/316) وأحمد في «مسنده» (6/463) عن الْفَضْلِ بنِ دُكَيْنٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ زَيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضِّنِّيِّ، عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ؟ قَالَ: «قَدْ أَفْطَرَا».

ورواه ابن ماجه في «سننه» (1/538) عن أبي بكر بن أبي شيبة، به.

ورواه الدارقطني في «سننه» (2/183) من طريق عبيدالله بن موسى وإسماعيل بن جعفر، كلاهما عن إسرائيل، عن زيد بن جبير، عن أبي يزيد الضني، عن ميمونة بنت سعد، مثله.

قلت: هذان الحديثان تفرد بهما أبو يزيد الضِنِّي [وقد وقع في معظم الكتب المطبوعة مصحفاً: الضبي، بالباء، والصواب بالنون]، وهما حديث واحد.

·       حالُ أبي يزيد الضنيّ:

قال البخاري في «الكنى» (ص81): "أبو يزيد الضنّي".

قلت: هكذا وقع في المطبوع، فإما أن يكون هناك سقط أو أن البخاري أراد تحرير الكنى مرة أخرى فلم يحرّر هذه الترجمة، وإلا فإن مسلماً وابن أبي حاتم قد ذكرا أكثر مما جاء هنا في الكنى، وهما يعتمدان عليه.

قال مسلم في «الكنى» (1/915): "أبو يزيد الضني عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه زيد بن جبير".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/459): "أبو يزيد الضنّي، روى عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه زيد بن جبير، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال الترمذي: سألت محمداً عنه - يعني البخاري - فقال: "هذا حديثٌ منكرٌ لا أحدِّث به، وأبو يزيد لا أعرف اسمه، وهو رجلٌ مجهولٌ".

وقال الدّارقطني: "لا يثبت هذا، وأبو يزيد الضنّي ليس بمعروف".

وقال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/89): "أبو يزيد الضنّي، وهو رجل لا يعرف، فلا ينبغي أن يعارض حديث من ذكرنا بحديث مثله".

قلت: يعني حديث من روى إباحة التقبيل في الصوم.

قال الذهبي في «المغني في الضعفاء» (2/815) في ترجمة (أبي يزيد): "لم يصح خبره".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص684): "أبو يزيد الضني، بكسر المعجمة وتشديد النون، مجهول، من الرابعة. س ق".

قلت: هو منكر الحديث، وكأن زيد بن جبير الطائي التابعي الثقة لقيه فحدّثه بهذين الحديثين، ولأنه تابعي مثله لم يتحقق حاله، فرواهما عنه، وهما يخالفان الأحاديث الصحيحة.

والحديث الأول روي موقوفاً على بعض الصحابة:

روى يعقوب في «المعرفة والتاريخ» (1/218) عن أبي صالح وابن بكير قالا: حدثنا الليث بن سعد، عن عقيل ابن خالد، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو حسن مولى عبدالله بن الحارث - وكان من قدماء موالي قريش وأهل العلم منهم والصلاح - أنه سمع امرأة تقول لعبدالله بن نوفل تستفتيه في غلام لها ابن زنية في رقبة كانت عليها، قال لها عبدالله ابن نوفل: لا أراه يقضي الرقبة التي عليك عتق ابن زنية، قال عبدالله بن نوفل: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: «لأن أحمل على نعلين في سبيل الله أحبّ إليّ من أن أعتق ابن زنية».

رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (10/59) من طريق يعقوب به.

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (11/600): "سنده صحيح... وصحّ عن أبي هريرة قال: لأن اتبع بسوط في سبيل الله أحب إليّ من أن أعتق ولد زنية، أخرجه ابن أبي شيبة، نعم في الموطأ عن أبي هريرة: أنه أفتى بعتق ولد الزنا، وعن ابن عمر أنه أعتق ابن زنا، وأخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي بسندٍ صحيحٍ عنه".

3- روى ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (6/209) عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبدالرحمن بن محمد المحاربي، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن ميمونة بنت سعد - وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرافلة في الزينة في غير أهلها كالظلمة يوم القيامة لا نور لها».

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (4/310) من طريق ابن المبارك، عن موسى بن عبيدة، به.

ورواه الترمذي في «الجامع» (3/470) عن عليّ بن خشرم، عن عيسى بن يونس، عن موسى بن عبيدة، مثله.

قال أبو عيسى: "هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة يضعّف في الحديث من قبل حفظه وهو صدوق، وقد رواه بعضهم عن موسى بن عبيدة ولم يرفعه".

قلت: هذا حديثٌ منكرٌ! وموسى بن عُبَيدة الرَّبَذيّ منكر الحديث لا يحتج به بحال.

قال ابن حبان في «الثقات» (4/29): "أيوب بن خالد، يروي عن ابن عمر، روى عنه موسى بن عبيدة، يُعتبر بحديثه من غير حديث موسى عنه".

·       حديث: «أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ.. فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ» منكر جداً! وعلته: الإرسال!

4- روى عِيسَى بنُ يُونُسَ، قال: حَدَّثَنَا ثَوْرُ بنُ يَزِيدَ، عَنْ زِيَادِ بنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: «أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ»، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: «فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ».

رواه أحمد في «المسند» (6/463) علي بن بحر وأبي موسى الهروي، عن عيسى، به. ورواه ابن ماجه في «سننه» (باب ما جاء في الصلاة في مسجد بيت المقدس) (1/451) عن إسماعيل بن عبدالله الرقي، عن يونس، به. ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (25/33) من طريق أبي جعفر النفيليّ عن يونس، به.

وخالفه أصبغ بن زيد الجهني الورّاق، فرواه يزيد بن هارون، عن أصبغ بن زيد، عن ثور بن يزيد، عن زياد بن أبي سودة، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، ولم يذكر في الإسناد عن زياد عن أخيه. (مسند الشاميين: 1/271).

ورواه أبو داود في «سننه» (باب في السرج في المساجد) (1/125) عن مسكين بن بكير، عن سعيد بن عبدالعزيز، عن زياد بن أبي سودة، عن ميمونة. وتابعه الوليد بن مسلم فرواه عن سعيد بن عبدالعزيز، عن ابن أبي سودة، عن ميمونة، ولم يسمه، كذا رواه الهيثم ابن خارجة عن الوليد. (مسند الشاميين: 1/197). ورواه ابن أبي السري عن الوليد بن مسلم عن سعيد عن زياد عن أخيه عن ميمونة (تاريخ دمشق: 33/423). ورواه محمد ابن أبي السري أيضاً عن رواد بن الجراح، عن صدقة بن صدقة، عن ثور بن يزيد، عن زياد بن أبي سودة، عن أخيه، عن ميمونة. (الآحاد والمثاني: 6/216).

كذا: «صدقة بن صدقة» وكذلك عند الطبراني في «المعجم الكبير» (25/33)، ويحتمل أنه (صدقة بن يزيد) أو (صدقة بن عبدالله السمين)، وهذه متابعة لعيسى بن يونس عن ثور، ولكنها لا تصح؛ لأن صدقة بن صدقة هذا لا يُعرف، وإن كان آخر، فعلّة الحديث هو رواد بن الجراح وهو مضطرب الحديث.

[تنبيه: عند البيهقي في السنن الكبرى: 2/441، من طريق سنن أبي داود: ابن أبي سودة، لم يسمه].

وتابع سعيد بن عبدالعزيز: معاوية بن صالح، فرواه الطبراني في «المعجم الكبير» (25/32) عن عبدالله بن صالح عن معاوية عن زياد عن ميمونة، وليست بميمونة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وتابعهما عثمان بن عطاء عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة (شعب الإيمان: 3/495).

وقد رجّح بعض أهل العلم أن الرواية الصحيحة: «عن أخيه عثمان».

قال المزي في «تهذيب الكمال» (9/480): "والصحيح عن أخيه عثمان عنها". وكذا قال العلائي في «جامع التحصيل» (ص178).

قلت: بل الصواب أنه عن زياد عن ميمونة، ولا يصح ذكر عثمان فيه كما هو عند أكثر الرواة، فيكون الحديث منقطعاً. وهو منكرٌ أيضاً.

قال الإمام الذهبي في «الميزان» (3/132): "هذا حديثٌ منكرٌ جداً! رواه سعيد بن عبدالعزيز عن زياد عنها، فهذا منقطعٌ، رواه ثور بن يزيد عن زياد متصلاً. قال عبدالحق: ليس هذا الحديث بقويّ. وقال ابن القطان: زياد وعثمان ممن يجب التوقف عن روايتهما. قلت: وميمونة هذه يقال: بنت سعد، ويقال: بنت سعيد، لها في السنن أربعة أحاديث، والأربعة منكرة، فالأول قلناه، والثاني: قال: ولد الزنا لا خير فيه، والثالث: فيمن قبل زوجته في رمضان قال: أفطر، والرابع: مثل الرافلة في الزينة. ثم ما أدري: أهل سمع سعيد بن عبدالعزيز من زياد أو دلسه بعن؟".

وقال الذهبي أيضاً (5/48): "عثمان بن أبي سودة المقدسي عن أبي هريرة وجماعة، وعنه أخوه زياد وشبيب بن شيبة والأوزاعي وأبو سنان عيسى القسملي وثور بن يزيد، وثقة مروان الطاطري وابن حبان، قال الأوزاعي: أدرك عبادة بن الصامت وكان مولاه. قلت: في النفس شيء من الاحتجاج به".

·       زياد بن أبي سودة وأخوه عثمان ثقتان ثبتان:

قلت: ليس هو صاحب هذا الحديث، وإنما يرويه أخوه زياد عن ميمونة، وزياد بن أبي سودة وأخوه عثمان ثقتان ثبتان، وزياد يرسل كثيراً على عادة الشاميين، والعلّة في بعض حديثه هو الإرسال لا أنه ضعيف كما قال بعض أهل العلم.

·       تعقّب البوصيري، ورواية عند أبي يعلى الموصلي!

قال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (2/14): "وإسناد طريق ابن ماجة صحيح رجاله ثقات، وهو أصح من طريق أبي داود، فإن بين زياد بن أبي سودة وميمونة عثمان ابن أبي سودة كما صرح به ابن ماجة في طريقه وكما ذكره العلاء بن صلاح الدين في المراسيل. ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي: حدثنا عيسى بن يونس فذكره بتمامه كما رواه ابن ماجة، ورواه من طريق ثور عن زياد عن أبي أمامة قال: قالت ميمونة يا رسول الله أفتنا فذكره، وله شاهد من حديث أبي ذر رواه أبو يعلى الموصلي".

قلت: بل الصواب رواية زياد عن ميمونة دون ذكر عثمان كما سبق بيانه. وأما رواية أبي يعلى:

قال: حدثنا عمرو بن الحصين: حدثنا يحيى بن العلاء، قال: حدثنا ثور ابن يزيد، عن زياد بن أبي سودة، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قالت ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها زوج النبي، يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس، فذكره.

قال ابن حجر في «المطالب العالية» (7/177): "قلت: عمرو وشيخه ضعيفان جداً، وهذا الإسناد خطأ، إنما رواه زياد ابن أبي سودة عن أخيه عثمان عن ميمونة رضي الله عنها وليست زوج النبي، فخبط يحيى أو عمرو في إسناده، وهو عند أبي داود وابن ماجه على الصواب".

قلت: نعم، لكن دون ذكر عثمان في إسناده.

·       تعقّب من حسّنه من المتأخرين، وبيان اضطراب الشيخ الألباني فيه!

قال العجلوني في «كشف الخفاء» (1/345): "وقال ابن الغرس: ورأيت في كتاب خلاصة البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير للرافعي لسراج الدين ابن الملقن ما صورته: حديث صلاة في مسجد إيليا تعدل ألف صلاة في غيره، رواه ابن ماجه من رواية ميمونة بإسنادٍ حسنٍ، فاستفدنا منه أن حديث الترجمة حسن، والله أعلم".

قلت: قد تبيّن أنه مرسل، وهو منكر أيضاً، فأنى له الحسن؟!

قال الشيخ الألباني في «الثمر المستطاب»: "وهذا سندٌ حسنٌ أو صحيحٌ، رجاله ثقات رجال البخاري، غير زياد بن أبي سودة وأخيه عثمان، وهما ثقتان كما في (التقريب)، وقد وثقهما ابن حبان وغيره، وروى عن كل منهما جماعة من الثقات، وقد أورده الهيثمي (4/6-7) من طريق أبي يعلى، وقال: (ورجاله ثقات). وأما الذهبي فخالف حيث قال في ترجمة عثمان بن أبي سودة: (وثقة مروان الطاهري - كذا ولعل الصواب: الطاطري - وابن حبان. قلت: في النفس شيء من الاحتجاج به)، وقال في ترجمة أخيه زياد - وقد ساق له هذا الحديث -: (هذا حديث منكر جداً. قال عبدالحق: ليس هذا الحديث بقوي، وقال ابن القطان: زياد وعثمان ممن يجب التوقف عن روايتهما).

كذا قالوا ولم يذكروا حجتهم فيما إليه ذهبوا، ولم أجد لهم في ذلك سلفاً من المتقدمين من أهل الجرح والتعديل، وقد علمت مما أوردنا أنهما ثقتان عند ابن حبان وغيره من المتقدمين والمتأخرين كالحافظ ابن حجر وشيخه الهيثمي وغيرهما ممن يأتي، ولم يظهر لي وجه الحكم بالنكارة التي جزم بها عند ابن حبان وغيره من المتقدمين والمتأخرين كالحافظ ابن حجر، ولذلك كله فإني أذهب - بعد أن استخرت الله تعالى - إلى أن الحديث قوي ثابت وأن من جرحه لا حجة معه" انتهى.

وذكره في «ضعيف سنن ابن ماجة»، وقال: "منكر".

وقال في «ضعيف سنن أبي داود» رقم (68): "حديث صحيح، وصححه البوصيري وحسنه النووي".

ثم قال عن إسناد أبي داود: "وهذا إسنادٌ رجاله ثقات رجال مسلم، غير زياد بن أبي سودة، وهو ثقة كما في التقريب، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وحكى أبو زرعة الدمشقي عن مروان بن محمد أنه قال: (عثمان بن أبي سودة وأخوه زياد من أهل بيت المقدس: ثقتان ثبتان)، لكن لهذا الإسناد علّة منعتنا من الحكم عليه بالصحة، وهو الانقطاع بين زياد بن أبي سودة وميمونة، وبينهما عثمان بن أبي سودة، كذلك رواه ثقتان عن زياد كما يأتي، وهو الصحيح كما قال المزي في التهذيب".

ثم نقل الألباني إسناد ابن ماجة، وقال: "وهذا سند صحيح رجاله ثقات، وعثمان ثقة مثل أخيه".

ثم نقل الشيخ كلام الذهبي في نكارة الحديث وكلام ابن القطان، ثم قال: "قلت: كذا قالوا، ولم يذكروا حجتهم فيما ذهبوا إليه، ولم أجد لهم في ذلك سلفاً من المتقدمين من أهل الجرح والتعديل، وقد وثق ابني أبي سودة: مروان بن محمد وابن حبان والحافظ الهيثمي والعسقلاني وغيرهم، ولم يظهر لي وجه الحكم بالنكارة على الحديث من الذهبي، إلا أن يكون هذه الزيادة (فإن صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه)، لأن المعروف أن هذا الفضل إنما هو لمسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين وغيرهما عن جمع من الصحابة".

ثم قال الشيخ: "وجملة القول؛ أن الحديث عندنا صحيح ثابت، والله أعلم. ثم وقفت على وجه النكارة التي أطلقها الذهبي على الحديث، وهو قوله في (المهذب) (1/80/2): (وهذا خبرٌ منكرٌ، وكيف يسوغ أن يبعث بزيت ليسرجه النصارى على التماثيل والصلبان؟ وأيضاً فالزيت منبعه من الأرض المقدسة، فكيف يأمرهم أن يبعثوا به من الحجاز؛ محل عدمه إلى معدنه؟! ثم إنه عليه السلام لم يأمرهم بوقود ولا بقناديل في مسجده، ولا فَعَله، وميمونة لا يُدرى من هي، ولا يُعرف لعثمان سماع منها)". انتهى.

قلت: هكذا اضطرب الشيخ الألباني في الحكم عليه قبل أن يصل إلى وجه النكارة فيه! ومع نقله لهذا الوجه المنكر إلا أنه بقي على أن أسانيده صحيحة! وكان الأولى به أن لا ينقل تصحيحه لهذا الحديث الباطل، وكان يكفي منه - إن رأى أنه منكر - أن ينقل هذا الوجه المنكر دون الخوض في أسانيده، ولكنه لعدم تعمقه في معرفة العلل بقي حائراً في نظافة إسناده وصحته، مع أن الصواب فيه الإرسال كما بينته، ولله الحمد والمنّة.

5- روى ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (6/209) عن يعقوب بن حميد، والطبراني في «المعجم الكبير» (25/38) عن مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري، عن أبيه، كلاهما عن عبدالعزيز بن محمد، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن ميمونة بنت سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من امرأة تخرج في شهرة من الطيب، فينظر الرجال إليها إلا لم تزل في سخط الله حتى ترجع إلى بيتها».

قلت: تفرد به موسى بن عبيدة، وهو منكر الحديث.

6- روى الدارقطني في «السنن» (2/173) عن محمد بن مخلد، قال: حدثنا إسحاق الصفار، قال: حدثنا الواقدي، قال: حدثنا محمد بن هلال، عن أبيه: أنه سمع ميمونة بنت سعد تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أجمع الصوم من الليل فليصم، ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم».

ورواه أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (6/3443) عن الحارث بن أبي أسامة، عن الواقدي، مثله.

قلت: تفرد به الواقدي وهو متّهم.

7- روى ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (8/305) عن موسى بن مسعود، قال: حدثنا عكرمة بن عمّار، عن طارق بن القاسم بن عبدالرحمن، عن ميمونة مولاة النبيّ قالت: قال رسول الله: «يا ميمونة، تعوذي بالله من عذاب القبر، قلت: يا رسول الله، وإنه لحقّ؟ قال: نعم يا ميمونة، إن من أشد العذاب يوم القيامة: الغيبة والبول».

ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (5/303) و«إثبات عذاب القبر» (ص122) من طريق أبي حذيفة موسى بن مسعود، به.

·       طارق بن القاسم القرشي تابعي صغير لم يسمع من أحد من الصحابة!

قلت: تفرد به عكرمة بن عمار اليمامي عن طارق بن القاسم بن عبدالرحمن القرشي، وهو ثقة، ولكن عكرمة في حديثه اضطراب كثير، وطارق هذا لم يثبت أنه سمع من ميمونة هذه، ولم يثبت أنه سمع أحداً من الصحابة، فهو يروي عن عبدالله بن كعب بن مالك (ت 98هـ)، ويروي عن العلاء بن عبدالرحمن المدني (ت 138هـ)، وطارق توفي سنة (129هـ)، فكأنه يروي عن التابعين الكبار، وهو من صغار التابعين.

وعندما ترجم الإمام البخاري لطارق بن عبدالرحمن أشار إلى روايته عن ميمونة فقط، وكأنه - رحمه الله - ينكر أن يكون سمع من أي صحابيّ، وخاصة إذا كان كبيراً مثل ميمونة - إن صح أنها كانت تخدم النبيّ صلى الله عليه وسلم!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/353): "طارق بن عبدالرحمن بن القاسم القرشي، عن ميمونة، روى عنه عكرمة بن عمار، نسبه هاشم بن القاسم".

وعليه فإن هذا الحديث إن صح ضبط عكرمة له فيكون مرسلاً، والله أعلم.

8- روى الطبراني في «المعجم الكبير» (25/35-38) من طريق عثمان بن عبدالرحمن الطرائفي، قال: حدثنا عبدالحميد بن يزيد، عن آمنة بنت عمر بن عبدالعزيز، عن ميمونة بنت سعد، أنها قالت: «أفتنا يا رسول الله عن رجل نسي الصلاة حتى طلعت الشمس أو غربت، ما كفارتها؟ قال: إذا ذكرها فليصلها وليحسن صلاته، وليتوضأ وليحسن وضوءه فذلك كفارته. قالت: يا رسول الله، أفتنا عن الصوم؟ فقال: من كل شهر ثلاثة أيام من استطاع أن يصومهن، فإن كل يوم يكفر عشر سيئات، وأنه ينقى من الإثم كما ينقي الماء الثوب. قالت: أفتنا يا رسول الله عن السرقة؟ فقال: من أكلها وهو يعلم أنها سرقة فقد اشترك في إثم سارقها. قالت: أفتنا عن الصدقة؟ فقال: إنها حاجب من النار لمن أحسنها يبتغي بها وجه الله عز وجل. قالت: يا رسول الله أفتنا عن الكلب؟ فقال: طعمة جاهلية وقد أغنى الله عنها. قالت: أفتنا يا رسول الله عن الغسل من الجنابة؟ فقال: تبلي أصول الشعر وتنقي البشر، فإن مثل الذين لا يحسنون الغسل كمثل شجرة أصابها ماء فلا ورقها ينبت، ولا أصلها يروي، فاتقوا الله وأحسنوا الغسل، فإنها من الأمانة التي حملتهم والسرائر التي استودعتم، قالت: قلت، كم يكفي الرأس من الماء يا رسول الله؟ قال: ثلاث حفنات. قالت: قلت يا رسول الله هل يأكل أحدنا وهو جنب؟ قال: لا يأكل حتى يتوضأ، قالت: قلت يا رسول الله هل يرقد الجنب؟ قال: ما أحب أن يرقد وهو جنب حتى يتوضأ ويحسن وضوءه، وإني أخشى أن يتوفى فلا يحضره جبريل. قالت: أفتنا يا رسول الله عن صلاة الجمعة؟ قال: فيها ساعة لا يدعو العبد فيها ربه إلا استجاب له، قلت: أية ساعة هي يا رسول الله؟ قال: ذلك حين يقوم الإمام. قالت: أفتنا يا رسول الله في رجل سها في صلاته، فلا يدري كم صلى؟ قال: ينصرف، ثم يقوم في صلاته حتى يعلم كم صلى، فإنما ذلك الوسواس يعرض له فيسهيه عن صلاته. قالت: أفتنا يا رسول الله مم عذاب القبر؟ قال: من أثر البول فمن أصابه بول فليغسله فإن لم يجد ماء فليمسحه بتراب طيب. قالت: أفتنا يا رسول الله من لم يغز وأعطى ماله يغزى عليه فله أجر أم للمنطلق؟ قال: له أجر ماله وللمنطلق أجر ما احتسب من ذلك».

قال ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (69/42): "هذا حديث من نسخة رواها إسحاق بن زريق الرسعني، عن عثمان بن عبدالرحمن الطرائفي، عن عبدالحميد بن يزيد الخشني، عن آمنة بنت عمر بن عبدالعزيز، عن ميمونة بنت سعد. وروى عمرو بن هشام الحراني عن عثمان شيئاً منها ونسبها".

وقال (69/41): "آمنة، ويقال: أمينة بنت عمر بن عبدالعزيز ابن مروان بن الحكم ابن أبي العاص، حدَّثت عن ميمونة بنت سعد، روى عنها عبدالحميد بن يزيد الخشني".

قلت: هذا لا يُعرف إلا من رواية عثمان بن الرحمن الطرائفي، وهو صدوق في نفسه، ولكنه يكثر من الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، ولهذا قالوا عنه: هو في الجزريين مثل بقية في الشاميين، وشيخه عبدالحميد هذا من هؤلاء المجاهيل، ولكثرة العجائب التي عند عبدالرحمن كذبه ابن نمير، وحطّ عليه ابن حبان والأزديّ.

وحديثه هذا منكرٌ جداً، والصنعة فيه واضحة.

وبعد، فهذه هي أحاديث ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها غير صحيحة، ولم يثبت عنها شيء، ولهذا فأنا أشك في وجودها أصلاً، ولم تثبت صحبتها إلا من خلال هذه الروايات ولا تصح، فلا صحبة لها، والله تعالى أعلم وأحكم.

وكتب، خالد الحايك.

5 شوال 1429هـ.

 

شاركنا تعليقك