الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

مُجَمِّع بنُ جَارية بن عامر الأنصاريّ، ومجمع بن يزيد بن جارية الأنصاريّ، هل هما واحد؟ وهل الثاني صحابيّ؟ وحديثهما. وزيد بن جارية ويزيد بن جارية هل هما واحد أم اثنان؟ وغير ذلك من الفوائد.

مُجَمِّع بنُ جَارية بن عامر الأنصاريّ، ومجمع بن يزيد بن جارية الأنصاريّ، هل هما واحد؟ وهل الثاني صحابيّ؟ وحديثهما.

وزيد بن جارية ويزيد بن جارية هل هما واحد أم اثنان؟ وغير ذلك من الفوائد.

بقلم: أبي صهيب الحايك.

ذكر ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (4/372) في «الصحابة»: "مجمع بن جَارية [تصحف في المطبوع إلى: حارثة] بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن يزيد، وأمه نائلة بنت قيس بن عبدة بن أمية، فولد مجمع بن حارثة: يحيى وعبيدالله قُتلا يوم الحرة، وعبدالله وجميلة وأمهم سلمى بنت ثابت بن الدحداحة بن نعيم بن غنم بن إياس من بلي... ولقد جمع القران وما بقي عليه إلا سور يسيرة، فقدمه عمر فصيره إمامهم في مسجد بني عمرو بن عوف، ولا يعلم مسجداً يتنافس في إمامه مثل مسجد بني عمرو بن عوف، ومات مجمع بالمدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وليس له عقب".

ثم ذكره في «الصحابة الذين نزلوا الكوفة» (6/52) فقال: "مجمع بن جارية بن عامر ابن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد، من بني عمرو بن عوف، وهو الذي روى الكوفيون أنه جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا سورة أو سورتين منه، وتوفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وليس له عقب".

وذكر «مجمع بن يزيد بن جارية» في «الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة» (5/84) فقال: "مجمع بن يزيد بن جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد، وأمه حبيبة بنت الجنيد بن كنانة بن قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة، من بني عبس، فولد مجمع بن يزيد: إسماعيل وإسحاق ويعقوب وسعدى وأم إسحاق وأم النعمان، وأمهم سالمة بنت عبدالله بن أبي حبيبة بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة بن زيد، من بني عمرو ابن عوف".

وقال خليفة في «الطبقات» (ص82): "مجمع بن يزيد بن جارية بن عامر بن مجمع ابن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن أوس، أمه أميمة بنت الجنيد بن حمانة بن قيس بن زهير بن حنظلة بن رواحة بن ربيعة بن مازن ابن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان.

وأخوه عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، أمه جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح من الأوس. مات سنة ثمان وتسعين".

·       وهم لابن سعد!

قلت: ذكر ابن سعد أن أمه «حبيبة بنت الجنيد» وذكر خليفة أنها «أميمة بنت الجنيد»! وذكر ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (15/285): "حميد بن أبي جهم وأمه أميمة ابنة الجنيد بن جمانة بن قيس بن زهير بن حذيفة وأخوه لأمه: مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري".

وهذا يوافق ما قاله خليفة، فالله أعلم.

ونقل مُغلطاي في «الإكمال» (11/85) عن البرقي قال: "مجمع بن جارية بن عامر ابن مجمع أنبأنا بنسبه ابن هشام عن ابن إسحاق، أمه امرأة من بني عبس اسمها أميمة بنت الجنيد، وكان مجمع قارئاً للقرآن".

قلت: وهذا خطأ؛ لأن أم مجمع بن جارية هي: نائلة بنت قيس بن عبدة بن أمية، وهو الذي جمع القرآن، وكأن ابن إسحاق خلط بينهما.

وعموماً فإن هذا يدلّ على أن ابن سعد وهم في تسمية أمه «حبيبة بنت الجنيد» وكأن الصواب أنها: «أميمة بنت الجنيد»، والله أعلم.

وذكر البخاري «مجمع بن يزيد بن جارية» وأثبت صحبته، ولم يذكر «مجمع بن جارية»!!

قال في «التاريخ الكبير» (7/408): "مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري أخو عبدالرحمن بن يزيد، من أهل المدينة، له صحبة. قال لنا مكي بن إبراهيم عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار: أنّ هشام بن يحيى حدّثه: أنّ عكرمة بن سلمة بن ربيعة أخبره: «أنّ أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما أن لا يغرز الآخر خشباً في جداره، فلقيا مجمع بن زيد ابن جارية الأنصاري، فقال: إني أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن لا يمنع جار جاره يغرز خشباً في جداره، فقال الحالف: أي أخي، قد علمت أنه مقضي لك عليّ، وقد حلفت فاجعل إسطواناً دون جدري، ففعل الآخر، فغرز في الإسطوان». قال ابن جريج: قال عمرو: وأنا نظرت إلى ذلك".

وكأن أبا حاتم الرازي وابنه فهما من تصرف البخاري أنهما واحداً، فقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/295): "مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري أخو عبدالرحمن، مديني، ويقال: مجمع بن جارية، وهو ممن حفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه أخوه عبدالرحمن بن يزيد بن جارية وعكرمة بن سلمة، سمعت أبي يقول ذلك".

وظاهر تصرف الإمام أحمد في «المسند» أنه فرّق بينهما وأنهما صحابيان، فإنه ذكر (3/420): «حديث مجمع بن جارية رضي الله عنه»، وساق في ترجمته: «حديث قتل الدجال»، ثم ذكر (3/479): «حديث مجمع بن يزيد رضي الله عنه»، وساق في ترجمته: «حديث غرز الخشبة».

وقال ابن حبان في «الثقات» (3/385): "مجمع بن جارية بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية بن زيد الأنصاري، من بني عمرو بن عوف، مات في ولاية معاوية، وهو أخو يزيد بن جارية".

ثم قال: "مجمع بن يزيد بن جارية، له صحبة".

وخلط بينهما ابن قانع في «معجم الصحابة» (3/111) فقال: «مجمع بن يزيد بن جارية بن عامر بن المجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس».

قال: حدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن مجمع بن يزيد، قال: «زوج رجلٌ ابنته وهي كارهة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني في غربة، وأنا كارهة، فردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحها».

وقال: حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان، قال: حدثنا عاصم بن علي، قال: حدثنا الليث ابن سعد، عن ابن شهاب أنه سمع عبدالله بن ثعلبة الأنصاري يحدِّث عن عبدالرحمن بن يزيد الانصاري أنه سمع مجمع بن جارية يقول: سمعت رسول الله يقول: «يقتل الدَّجال بباب لُد».

وقال: حدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الزهري، قال: حدثنا عبيدالله بن عبدالله، عن عبدالرحمن بن زيد بن جارية، عن مجمع ابن جارية، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

وقال: حدثنا موسى بن حمدون العكبري، قال: حدثنا عمرو بن هشام الحراني، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن مجمع بن جارية، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

وقال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عباد بن جويرية، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عبدالله بن ثعلبة، عن عبدالرحمن ابن يزيد، عن مجمع، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

قال ابن قانع: "ويزيد هو الصحيح، وزيد خطأ".

وكذا فعل الطبراني في «المعجم الكبير» (19/443-447)، فإنه أورد أحاديث مجمع بن جارية ومجمع بن يزيد بن جارية في ترجمة «مجمع بن جارية».

وخلطهما أبو نعيم في «معجم الصحابة» (5/2544) فقال: "مجمع بن جارية، وقيل: ابن يزيد بن جارية، ابن عامر بن العطاف الأنصاري، جمع القرآن، وكان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، حديثه عند ابن أخيه عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، ويعقوب بن مجمع، وعكرمة بن سلمة".

ثم قال: "مجمع بن يزيد، أخو عبدالرحمن، وقيل: إنه ابن أخي مجمع بن جارية، روى عنه عكرمة بن سلمة، أفرده بعض المتأخرين عن المتقدم، وهما واحد".

قلت: وقد نقل هذا مغلطاي في «الإكمال» (11/85) وبيّن أنه قصد ببعض المتأخرين: ابن منده، ثم قال: "وكأنه تبع في ذلك البخاري فإنه لم يذكر إلا مجمع بن يزيد أخا عبدالرحمن بن يزيد".

قلت: يعني أن البخاري يرى أنهما واحداً، وفيه نظر! فعدم ذكر البخاري لمجمع بن جارية لا يعني أنه يرى أن مجمع جارية ومجمع بن يزيد بن جارية واحد، وغاية ما في الأمر أنه فاته، والله أعلم.

وفرّق بينهما ابن عبدالبر وابن حجر وغيرهما:

قال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (3/1362): "مجمع بن جارية بن عامر بن مجمع ابن العطاف الأنصاري، من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، المعدود في أهل المدينة، توفي في آخر خلافة معاوية، وروى عنه ابن أخيه عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، قال ابن إسحاق: كان المجمع بن جارية غلاماً حدثاً قد جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، من حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه الزهري عن عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة، عن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، عن عمّه مجمع بن جارية قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الدجال، فقال: يقتله ابن مريم بباب لد.

قال أبو عمر: هو أخو زيد بن جارية وأبوهما يعرف بحمار الدار".

ثم ذكر: "مجمع بن يزيد بن جارية ابن أخي الأول وأخو عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وروى: لا يمنع أحدكم أخاه أن يغرز خشبته في جداره مثل حديث أبي هريرة في قصة ذكرها، حديثه بذلك عند ابن جريج، قيل: إن حديثه هذا مرسل، وإنما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وربما رواه عن أبي هريرة".

وقال ابن حجر في «الإصابة» (5/776): "مجمع بن جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي، له في ترجمة سعيد بن عبيد بن قيس ذكر، وأخرج له في السنن ثلاثة أحاديث: صحح الترمذي بعضها، وقال ابن إسحاق في المغازي: كان مجمع بن جارية بن العطاف حَدثاً قد جمع القرآن، وكان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع يصلي بهم فيه، ثم إنه أحرق، فلما كان زمن عمر بن الخطاب كلّم في مجمع أن يؤم قومه، فقال: لا أو ليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار، فقال: والله الذي لا إله الا هو ما علمت بشيء من أمرهم، فزعموا أن عمر أذن له أن يصلي بهم، ويُقال: إن عمر بعثه إلى أهل الكوفة يعلمهم القرآن فتعلم ابن مسعود فعلمه القرآن".

ثم ذكر: "مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري ابن أخي الذي قبله، وقال ابن حبان: له صحبة، وقيل: هما واحد، وفرّق بينهما ابن السكن وغيره، وله في مسند أحمد وابن ماجة حديث حسن الإسناد".

وقال الذهبي في «الميزان» (6/26): "مجمع بن جارية (خ د س ق) ويقال: مجمع بن يزيد الأنصاري، صحابي من قرّاء القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال في «الكاشف» (2/242): "مجمع بن جارية الأنصاري أحد من جمع القرآن إلا يسيراً، عنه ابنه يعقوب وابن أخيه عبدالرحمن بن يزيد، قال الشعبي: كان بقي عليه سورتان حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم. د س ق".

ثم قال: "مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري، صحابي، وله عن عتبة بن عويم وخنساء بنت خدام وعنه ابنه يعقوب والقاسم بن محمد، وقيل هو الذي جمع القرآن. خ د س ق".

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (27/244): "مجمع بن جارية بن عامر بن مجمع، ويقال: مجمع بن يزيد بن جارية بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري، الأوسي، المدني، أخو عبدالرحمن بن جارية ويزيد بن جارية، ووالد يعقوب بن مجمع بن جارية، له صحبة، ويقال: إنهما اثنان، وهو أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شيئاً يسيراً منه، روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم (د ت ق)، روى عنه أبو الطفيل عامر بن واثلة (ق)، وابن أخيه عبدالرحمن بن يزيد بن جارية (د ت)، وابنه يعقوب بن مجمع بن جارية. قال زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة من الأنصار: معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد وأبو الدرداء وسعد بن عبيد، قال: وكان المجمع بن جارية قد بقي عليه سورة أو سورتان حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجة".

ثم قال (27/250): "مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني أخو عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، وجد مجمع بن يعقوب، له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (خ ق)، وعن عتبة بن عويم بن ساعدة وخنساء بنت خذام (خ د س)، روى عنه عكرمة ابن سلمة بن ربيعة (ق)، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (خ د س ق)، وابنه يعقوب بن مجمع الأنصاري، وهو ابن أخي مجمع بن جارية المتقدم، وقيل هما واحد، ينسب تارة إلي أبيه وتارة إلى جده، فالله أعلم. روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة".

وتبعه ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (10/43) ثم قال في الأول: "قلت: ذكر العسكري أنه مات في خلافة معاوية"، وقال في الثاني: "قلت: قال ابن حبان: مجمع بن يزيد بن جارية له صحبة، وقال العسكري: هو أحد من حفظ القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذان كان على رأي من يجعلهما واحداً سهل، وإلا فهو غلط".

وقال في «التقريب» (ص520): "مجمع، بضم أوله وفتح الجيم وتشديد الميم المكسورة، بن جارية، بالجيم، بن عامر الأنصاري الأوسي المدني، صحابي مات في خلافة معاوية. د ت ق".

ثم قال: "مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري، صحابي، وقيل هو مجمع بن جارية الماضي. خ د س ق".

وقال المزي في «تحفة الأشراف» (8/352): "ومن مسند مجمِّع بن جارية الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مجمع بن جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف... أخو عبدالرحمن بن جارية ويزيد بن جارية؛ ويقال: هو مجمع بن يزيد بن جارية بن مجمع بن العطاف؛ ويقال: إنهما اثنان".

ثم قال: "ومن مسند مجمع بن يزيد الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولعله الذي قبله".

وذهب يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/171) إلى أن «مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري» له رؤية.

·       الخلاصة في هذا الاختلاف بين أهل العلم:

قلت: هما اثنان: مُجمِّع بن جارية الذي جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي باتفاق.

والآخر هو: مجمِّع بن يزيد بن جارية وهو ابن أخي الأول، وقد اختلف في صحبته: فأثبتها البخاري وابن حبان، وقال الفسوي بأن له رؤية، وقال ابن سعد بأنه تابعي، وقال ابن حجر بصحبته في التقريب، ونفى صحبته في الفتح؛ لأن البخاري أخرج له حدياً مقروناً بأخيه عبدالرحمن، وعبدالرحمن تابعي باتفاق، فيكون هو تابعي كذلك، وسيأتي الكلام على ذلك.

وهذا الذي استنتجه ابن حجر من رواية البخاري محتمل، فقد يكون تابعياً، وقد يكون صحابياً؛ لأن أخاه عبدالرحمن ولد في عهد النبوة - كما قال بعضهم -، فيكون مجمع أكبر منه، ولا شيء في ذلك، ويحتمل أن تكون الرواية التي اعتمد عليها البخاري في إثبات صحبته في حديث غرز الخشبة قد زِيد فيها في اسمه، فيكون الصواب: «أنّ أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما أن لا يغرز الآخر خشباً في جداره، فلقيا مجمع بن جارية الأنصاري»، أي أنهما لقيا مجمع بن جارية المتفق على صحابته لا ابن أخيه، فتوهم بعض الرواة فزاد في نسبه «ابن يزيد» فصار ابن الأخ، فالله أعلم.

وكأن ابن حجر اعتمد ذلك أيضاً، فإنه لما نقل هذه الرواية في الفتح (5/111) قال: "روى ابن ماجة والبيهقي من طريق عكرمة بن سلمة أن أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما إن غرز أحد في جداره خشباً فأقبل مجمع بن جارية ورجال كثير من الأنصار".

ومما يدل على أنهما اثنان أن أهل العلم اتفقوا على أن عبدالرحمن بن يزيد هو أخو مجمع بن يزيد، وحديث مجمع بن جارية عند ابن أخيه عبدالرحمن، فلو كانا واحداً لكان عبدالرحمن هو أخو مجمع بن جارية لا ابن أخيه، ولا يقول ذلك أحد.

·       وهم من جعل لمجمّع بن جارية أخاً اسمه عبدالرحمن!

سبق قول المزي أن لمجمع بن جارية أخاً اسمه عبدالرحمن وهذا منه لأنه يميل إلى أن مجمع بن جارية هو مجمع بن يزيد بن جارية، وعبدالرحمن هو أخو مجمع بن يزيد.

قلت: وعلى التفرقة بينهما فإنه لا يوجد لمجمع بن جارية أخاً اسمه عبدالرحمن، وهو الصواب إن شاء الله.

·       وهم للرامهرمزيّ!

قال الرامهرمزي في «المُحدِّث الفاصل» (ص267): "ومن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن يُعرف بجدّه ويُنسب إليه: مجمّع بن جارية، وهو مجمع بن يزيد بن جارية".

قلت: هما اثنان كما سبق بيانه.

·       وهم لأبي حاتم وابنه والذهبي!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/296): "مجمع بن جارية بن العطاف، كوفي، روى عن [....] روى عنه [....]، سمعت أبي يقول: هو مجهول".

وتبعهما الذهبي في «المغني في الضعفاء» (2/542) فقال: "مجمع بن جارية بن عطاف الكوفي، مجهول، بيّض له ابن أبي حاتم".

قلت: هو مجمع بن جارية بن عامر بن العطاف الصحابي الذي نزل الكوفة، وهو ليس بمجهول، وكأن أبا حاتم وقف على رواية له نسب فيها إلى جده الأعلى العطاف فلم يعرفه.

·       أحاديث مُجمِّع بن جارية:

·       حديث قتل الدّجال بباب لُدّ.

1- روى الحُميدي في «المسند» (2/365) عن سفيان بن عُيينة قال: حدّثنا الزهريّ، قال: أخبرني عَبدالله بن عُبَيدالله بن ثعلبة: أنه سمع عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، قال: سمعت عمّي مجمِّع بن جارية يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وذكر الدجال فقال: والذي نفسي بيده ليقتله ابن مريم بباب لُدٍّ».

ورواه أحمد في «المسند» (3/420) عن ابن عيينة.

ورواه الطيالسي في «مسنده» (ص170) عن زمعة بن صالح.

وابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/500) عن شبابة عن ابن أبي ذئب.

وعبدالرزاق في «جامعه» (11/398) عن معمر.

وأحمد في «المسند» (3/420) عن هاشم بن القاسم عن الليث بن سعد، وعن محمد ابن مصعب عن الأوزاعي.

والترمذي في «الجامع» (4/515) عن قتيبة عن الليث.

وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/144) عن الشافعي، عن سفيان بن عيينة.

وابن حبان في «صحيحه» (15/221) عن محمد بن الحسن بن قتيبة عن يزيد بن موهب عن الليث بن سعد.

والطبراني في «المعجم الكبير» (19/443) من طريق عبدالله بن صالح عن الليث. ومن طريق سلامة بن روح عن عقيل بن خالد.

كلّهم عن الزهري، عن عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة، عن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، عن عمّه مجمع بن جارية، مثله.

قال الترمذي: "هذا حديثٌ صحيحٌ".

وقال أيضاً: "وفي الباب عن عمران بن حصين ونافع بن عتبة وأبي برزة وحذيفة بن أبي أسيد وأبي هريرة وكيسان وعثمان بن أبي العاصي وجابر وأبي أمامة وابن مسعود وعبدالله بن عمرو وسمرة بن جندب والنواس بن سمعان وعمر بن عوف وحذيفة بن اليمان".

قال ابن كثير في «التفسير» (1/583): "ومراده - أي الترمذي - برواية هؤلاء ما فيه ذكر الدجال وقتل عيسى بن مريم عليه السلام له".

قلت: هو حديث صحيح، وله شاهد من حديث النواس بن سمعان عند مسلم في «صحيحه» (4/2253) وفيه: «حتى يدركه بباب لدٍّ فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدّثهم بدرجاتهم في الجنة».

قلت: وقد وقع خلافٌ بين الرواة في اسم شيخ الزهري، وكذلك في اسم شيخ شيخه! وأكثر الرواة على أن اسم شيخ شيخه هو: «عبدالرحمن بن يزيد بن جارية» وهو الصواب؛ لأنه هو المعروف بالرواية عن عمّه مجمع بن جارية، وسماه أحمد عن سفيان: «عبدالله بن يزيد»، وكذا ذكر عبدالرزاق عن معمر، وكذلك قال يونس عن ابن شهاب كما في تاريخ دمشق: (47/510) وسيأتي خلافه.

ولكن رواه الحميدي والشافعي عن سفيان فقالا: «عبدالرحمن بن يزيد»، ورواه الليث وعقيل بن خالد وغيرهما عن ابن شهاب كذلك، وهو الصواب.

·       وهم في رواية عبدالرزاق ووهم للحسيني!

أما رواية عبدالرزاق المشار إليها فقد رواها أحمد عنه في «المسند» (4/390) قال: حدثني عبدالرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة الأنصاري، عن عبدالله بن زيد الأنصاري، عن مجمع بن جارية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليقتلن ابن مريم الدجال بباب لد أو إلى جانب لد».

وعليه ترجم الحسيني في «الإكمال لرجال أحمد» (ص235): "عبدالله بن زيد الأنصاري عن مجمع بن جارية بحديث: يقتل ابن مريم الدجال بباب لد، وعنه عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة الأنصاري".

قلت: وهذا وهم من الحسيني، فهو «عبدالرحمن بن يزيد»، والغريب أن ابن حجر لم يستدرك عليه هذا في «التعجيل»!!

·       الاختلاف في اسم شيخ الزهري، وأوهام للمزي والذهبي وابن حجر – رحمهم الله-!!

وقد اختلف في اسم شيخ الزهري: فمنهم من سماه: «عبيدالله بن عبدالله بن ثعلبة»، ومنهم من سماه: «عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة»، ومنهم من سماه: «عبدالله بن عبدالله بن ثعلبة»!!

قال ابن ماكولا في «الإكمال» (2/4): "ومجمع بن جارية بن عامر بن مجمع، له صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى: «يقتل الدجال ابن مريم بباب لد»، يرويه الزهري ويختلف عليه فيه، فرواه عنه: عقيل بن خالد وابن عيينه عن عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة إلا أن عقيل بن خالد قال: «عن عبدالله بن ثعلبة»، عن عبدالرحمن بن يزيد ابن جارية بن مجمع عن عمّه مجمع بن جارية، وتابعهما يونس بن يزيد الأيلي والليث ابن سعد وابن جريج. وقال معمر بن راشد والأوزاعي عنه عن عبيدالله بن عبدالله بن ثعلبة عن عبدالرحمن بن زيد عن عمه مجمع بن جارية.

قال الدارقطني عقب ذكر جارية بن مجمع وابناه مجمع ويزيد لهما صحبة واستقامة مع النبي صلى الله عليه وسلم ورواية عنه، ثم ذكر أحاديث، ثم قال: ويزيد بن جارية له صحبة، وروى عن معاوية، روى عنه الحكم بن مينا.

قال الأمير ابن ماكولا: "والأشبه عندي أنه أخو مجمع بتأمل، وقطع الخطيب بأنه أخو مجمع، وساق نسبه، ولست أدري من أين وقع له ذلك".

ثُمّ قال: "وقد اختلف في اسمه، فقيل: زيد، رواه أحمد بن حنبل عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن سعد بن إبراهيم عن الحكم بن مينا، ومحمد بن عبدالملك الدقيقي، وخالفهما الحسن بن مكرم، فرواه عن يزيد بن هارون فقال: يزيد بن جارية، والله أعلم بالصواب".

وقال مغلطاي في «الإكمال» (9/30): "خرج الحاكم حديثه ولما صححه قال: هو ابن ثعلبة بن صُعير. وصححه أيضاً أبو علي الطوسي. وذكره ابن خلفون في كتاب الثقات. ولما ذكره النسائي في كتابه «أشياخ ابن شهاب» سمّاه: «عبدالله بن عبدالله». كذا هو مجوّد بخط الحافظ رشيد الدين العطار".

·       لا علل في الحديث!

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (19/66): "عبيدالله بن عبدالله بن ثعلبة الأنصاري المدني، وقيل: عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة، وقيل غير ذلك، روى عن عبدالرحمن ابن يزيد بن جارية الأنصاري (ت)، روى عنه الزهري... ولم يذكره البخاري في تاريخه ولا ابن أبي حاتم في كتابه، روى له الترمذي حديثاً واحداً... اختلف فيه على الزهري وعلى أصحابه اختلافاً كثيراً".

وتبعه الذهبي فقال في «الميزان» (5/15): "عبيدالله بن عبدالله (ت) بن ثعلبة الأنصاري عن ابن جارية: «الدجال يقتله ابن مريم بباب لد»، هذا رواه الليث عن الزهري عنه فقال: عن عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة، لا ذكر له في تاريخ البخاري ولا ابن أبي حاتم، ولا روى عنه سوى الزهري، وفي علّة الحديث أقوال عدة".

وتبعهما على ذلك أيضاً ابن حجر، فقال في «تهذيب التهذيب» (7/20): "عبيدالله ابن عبدالله بن ثعلبة الأنصاري المدني، وقيل: عبدالله بن عبيدالله، وقيل غير ذلك، روى عن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية عن عمه مجمع في الدجال، وعنه الزهري واختلف عليه اختلافاً كثيراً. قلت: زعم الحاكم أنه ابن ثعلبة بن صعير وليس بصواب".

وقال في «التقريب» (ص372): "عبيدالله بن عبدالله بن ثعلبة الأنصاري المدني، وقيل: عبدالله بن عبيدالله، شيخٌ للزهري لا يُعرف، واختلف عليه في إسناد حديثه. من الثالثة. ت".

قلت: أما تسمية الحاكم له بأنه ابن ثعلبة بن صعير فليس بصحيح، وكأن مغلطاي ارتضاه في الرد على المزي، فنقل كلام الحاكم ولم يتعقبه، وقد وجدت مغلطاي شديد الغلظة على الحافظ المزي وقد فصّلت ذلك في موضع آخر.

وأما أن النسائي سماه «عبدالله بن عبدالله» ففيه نظر!

والصواب أنه: «عَبدالله بن عُبيدالله بن ثعلبة»، وإنما قالوا بأن البخاري لم يذكره في تاريخه لأنهم ظنوا أنه «عبيدالله بن عبدالله»، وإنما ذكره البخاري في باب من اسمه «عبدالله» المكبر، واسم أبيه «عبيدالله» المصغر.

قال في «التاريخ الكبير» (5/138): "عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة الأنصاري من بني عمرو بن عوف المديني: سمع عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، سمع منه الزهري".

وروى الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (3/70) عن سفيان بن عيينة قال: "حدثنا الزهري عن أربعة: عبيدالله بن عتبة، وعبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة حديث الدجال، وعبدالله بن عبدالله بن عمر حديث النساء، وعبدالله بن عبدالله بن الحارث حديث دخلنا هذه الدار، فإن كان ابن أبي ذئب قال في حديث الدجال: عبيدالله بن عبدالله فقد أخطأ، إنما هو: عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة، ولم يحدّثنا الزهري عن أحد اسمه عبيدالله إلا عبيدالله بن عبدالله بن عتبة".

قلت: وهذا نصٌ قاطعٌ في هذا الاختلاف من ابن عيينة، ولهذا فإن ما جاء في كثير من الكتب أنه «عبيدالله بن عبدالله» خطأ كما خطأ ابن عيينة ابن أبي ذئب فيه.

وهذا الاختلاف هوّله المزي وتبعه الذهبي وابن حجر، وليس كذلك، فإن الاختلاف فيه يسير، وقد عرفنا الصواب، فلا يعلّ الحديث بهذا.

ثم أين العلل التي أشار إليها الذهبي في هذا الحديث؟! والذي أراه أنه قال ذلك؛ لأن المزي قد هوّل من شأن هذا الاختلاف، والله أعلم، وإلا فلا عِلل فيه.

ولم يذكره ابن حبان وهو على شرطه، وإنما أشار إليه في ترجمة عبدالرحمن، فقال في «الثقات» (5/87): "عبدالرحمن بن يزيد الأنصاري من بني عمرو بن عوف، يروي عن عمه مجمع بن جارية، روى عنه عبدالله بن ثعلبة الأنصاري من حديث الزهري".

قلت: وقوله "عبدالله بن ثعلبة الأنصاري" هكذا جاء في رواية ابن حبان المشار إليها سابقاً، وهذا يؤكد أن اسمه عبدالله، وعدم ذكر الراوي اسم أبيه «عبيدالله» لا يضر لأنه اختصره فقط.

·       دعوى من جهّله!!

وأما دعوى من جهّله فلا تصح، فهو ثقة، قد روى عنه الزهري وشيوخه ثقات، وهو من بني عمرو بن عوف وصاحب الحديث من بني عمرو بن عوف، وذكر السماع في حديثه، ولذلك اعتد به البخاري وأثبت سماعه من عبدالرحمن على قاعدته المعروفة في ذلك، وقد صحح حديثه الترمذي، وله شاهد، ولله الحمد.

وروى يعقوب في «المعرفة والتاريخ» (3/42) عن أبي بكر الحميدي، قال: حدثنا سفيان قال: "أتيت مجمعاً لأسأله عن هذه الأحاديث، وكنت أظنه يمتنع، فحدثته بحديث الزهري في الدجال: حديث مجمع، فقال: هؤلاء أشياخي، ثم قال: أخرج ألواحك، فقلت: ليست معي ألواح، فحدثني بها، ثم قال: ما هي عند أحد بالكوفة، وقد جاءني الحجاج ابن أرطأة فسألني عنها".

·       وهم مركّب في رواية موسى بن عامر عن الوليد بن مسلم لهذا الحديث!

روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (47/508) من طريق أبي الفضل أحمد ابن عبدالله بن نصر بن هلال السلمي الدمشقي، عن أبي عامر موسى بن عامر المري، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا أبو عمرو – هو الأوزاعي -، عن الزهري، عن مجمع ابن جارية، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقتل ابن مريم الدجال بباب لد».

قال ابن عساكر: "هكذا وقع في هذه الرواية، وفيها خطأ فاحش في موضعين:

الأول: أنه جعل الحديث من مسند أبي هريرة، وهو من مسند مجمع بن جارية وله صحبة بلا خلاف.

والثاني: أنه أسقط منه مَن بين الزهري ومجمع رجلان، فإنه يرويه الزهري عن عبدالله ابن عبيدالله بن ثعلبة عن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية عن عمه مجمع بن جارية".

·       تنبيه:

قلت: وهذا الحديث أخرجه ابن عساكر من «جزء المؤمل بن إهاب الرملي» (ت254هـ) وهو مطبوع بتحقيق: عماد بن فرة، (ص119)، وهذا الجزء من رواية مسند دمشق أبي الفضل أحمد بن عبدالله بن نصر، ولا مدخل للمؤمل في هذه الرواية، وإنما رواه أبو الفضل عن موسى بن عامر، وهو من زياداته على «جزء المؤمل»، فلا يظنن ظان أنه سقط من إسناده «مؤمل»، فاقتضى التنبيه.

·       حديث معلول في كتاب الحاكم!

2- روى الحاكم في «المستدرك» (1/307) والدارقطني في «السنن» (1/260) من طريق أبي يعلى محمد بن الصلت التَّوزي، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن عبدالرحمن ابن نَمِر، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله عن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، عن عمّه مجمع بن جارية: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل عن مواقيت الصلاة، فقدَّم ثم أخر، وقال: بينهما وقت».

قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وعبيدالله هذا هو ابن عبدالله بن ثعلبة بن أبي صعير العذري".

قلت: بل هو حديث معلول، وقد وهم فيه الحاكم من وجوه:

الأول: أنه ليس على شرط الشيخين؛ لأنهما لم يخرجا لبعض رجاله.

الثاني: أن عبيدالله هذا مصحف عن «عبدالله بن عبيدالله»، وهو ليس بابن ثعلبة بن أبي صعير، فابن صعير آخر روى عنه الزهري، وهذا من بني عمرو بن عوف كما سبق بيانه.

الثالث: خالف سليمان بن عبدالرحمن الدمشقي محمد بن الصلت في إسناده، فأرسله!

رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (9/107) عن الوليد بن حماد الرملي، عن سليمان بن عبدالرحمن، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن عبدالرحمن بن نمر اليحصبي، عن الزهري، قال: أخبرني عبيدالله بن عبدالله، عن عبدالله بن ثعلبة الأنصاري، عن عبدالرحمن ابن يزيد بن جارية: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الفجر يوماً فغلس بها ثم صلاها يوماً بعد فأسفر بها، ثم قال: ما بينهما وقت».

قال الطبراني: "لم يروي هذا الحديث عن الزهري إلا عبدالرحمن بن نمر، تفرد به الوليد".

قلت: كذا في المطبوع: «عبيدالله بن عبدالله عن عبدالله بن ثعلبة الأنصاري»! وهو خطأ، والصواب: «عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة الأنصاري»، فكأنه تكرر ذكر «بن عبدالله» في الإسناد، ثم تحرفت «بن» إلى «عن».

فالصواب في هذا الإسناد: «الوليد عن عبدالرحمن بن نمر عن الزهري عن عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة عن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، مرسلاً».

وكأن التوزي وهم في رفعه، وسلك الجادة فذكر في إسناده عمّ عبدالرحمن: مجمع بن جارية، والمحفوظ أنه مرسل ليس فيه مجمع.

والتوزي صدوق من رجال البخاري، ولكنه كان يهِم. قال أبو زرعة: "كان يملي علينا التفسير من حفظه فربما وهم".

·       الحديث مرسل في موضعين!

هذا وقد خالف شعيب بن أبي حمزة عبدالرحمن بن نمر في إسناده وأرسله بين الزهري وبين ابن جارية، فصار مرسلاً في موضعين.

رواه يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/196) عن أبي اليمان، قال: أخبرني شعيب، عن الزهري، قال: قال عبدالرحمن بن يزيد بن جارية: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الفجر بغلس».

فلم يذكر شعيب في إسناده: «عبدالله بن عبيدالله بن ثعلبة»، وشعيب أثبت من عبدالرحمن بن نمر في الزهري، وروايته أصح.

وقد تكلّم النقاد في رواية عبدالرحمن بن نمر عن الزهري، فقال يحيى بن معين: "ابن نمر ضعيف في روايته عن الزهري".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن ابن نمر؟ فقال: "ليس بقوي" (الجرح والتعديل: 5/295).

3- روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/384) عن يونس بن محمد المؤدّب، قال: حدثنا مجمع بن يعقوب، قال: حدثني أبي، عن عمّه عبدالرحمن بن يزيد، عن مجمع بن جارية، قال: «شهدت الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرفنا عنها إذا الناس يوجفون الأباعر، فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ فقالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فخرجنا نوجف مع الناس حتى وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً عند كراع الغميم، فلما اجتمع إليه بعض ما يريد من الناس قرأ عليهم {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً} فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، أو فتح هو؟ قال: إي والذي نفسي بيده إنه لفتح، قال: فقسمت على أهل الحديبية على ثمانية عشر سهماً، وكان الجيش ألفاً وخمسمائة، ثلاثمائة فارس، فكان للفارس سهمان».

ورواه أبو داود في «سننه» (3/76) عن محمد بن عيسى ابن الطباع، عن مجمع بن يعقوب ابن مجمع بن يزيد الأنصاري، به.

قال أبو داود: "حديث أبي معاوية أصح، والعمل عليه، وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال: ثلاثمائة فارس، وكانوا مائتي فارس".

ورواه الحاكم في «المستدرك» (2/143) من طريق محمد بن عيسى، به.

قال الحاكم: "هذا حديثٌ كبيرٌ صحيحُ الإسناد ولم يخرجاه".

ورواه أيضاً (2/498) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن مجمع بن يعقوب، به.

قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم ولم يخرجاه".

وروى الترمذي في «الجامع» (4/124) من طريق عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل للفرس بسهمين، وللراجل بسهم».

قال الترمذي: "وفي الباب عن مجمع بن جارية وابن عباس وابن أبي عمرة عن أبيه، وهذا حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي ومالك ابن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: للفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، وللراجل سهم".

وذكر الحافظ ابن حجر في «الفتح» (6/68) حديث مجمع بن جارية، ثم قال: "وفي إسناده ضعف، ولو ثبت يُحمل على ما تقدم؛ لأنه يحتمل الأمرين، والجمع بين الروايتين أولى ولا سيما والأسانيد الأولى أثبت، ومع رواتها زيادة علم، وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود من حديث أبي عمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين، ولكل إنسان سهماً، فكان للفارس ثلاثة أسهم...".

وقال ابن عبدالبر في «التمهيد» (24/237): "وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان وللراجل سهم، وحجته حديث مجمع بن جارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قسم يوم خيبر لمائة فارس، فأعطى للفارس سهمين وأعطى الراجل سهماً. ومن حجته أيضاً رواية ابن المبارك لحديث عبيدالله بن عمر، ولا حجة في ذلك؛ لأن الأكثر من أصحاب عبيدالله خالفوه، وكذلك لا حجة في حديث مجمع؛ لأن ابن عباس روى خلافه فيما قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر".

قلت: حديث ابن عباس: «قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم».

وهذا لا يخالف حديث مجمع، وقد فسّر ذلك الترمذي كما سبق، وحمله على أن ما جاء في حديث مجمع: «للفرس سهمين»، والفارس له سهم، فيكون المجموع ثلاثة أسهم، وغاية ما في الأمر أنه لم يذكر سهم الفارس لأنه معروف ضمناً، وإنما ذكر سهمي الفرس، والله أعلم.

وكذلك حديث أبي معاوية الذي أشار إليه أبو داود وأنه أصح من حديث مجمع، وهو ما رواه أبو معاوية عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم: سهماً له وسهمين لفرسه».

والحديث عندي حسن لا بأس به، ولم يبيّن ابن حجر الضعف الذي في إسناده، وقد ذكر أبو داود الوهم في متنه، فقال: "وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال: ثلاثمائة فارس، وكانوا مائتي فارس".

وقول أبي داود هذا يدلّ على صحة القصة، ولكنه رأى أنه حصل وهم في هذا اللفظ فقط.

وقد ضعّفه ابن القطان في كتابه «بيان الوهم والإيهام» فقال: "وعلّة هذا الحديث الجهل بحال يعقوب بن مجمع، ولا يعرف روى عنه غير ابنه، وابنه مجمع ثقة، وعبدالرحمن ابن يزيد أخرج له البخاري".

وقال ابن حزم: "مجمع بن يعقوب مجهول، وأبوه كذلك". وابن حزم شديد في مسألة الجهالة!

قلت: بل هما ثقتان.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/394): "يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري، عن عمّه عبدالرحمن بن يزيد، روى عنه مجمع بن يعقوب ابنه. وقال الحزامي: حدثني إبراهيم بن إسماعيل، قال: أخبرني عمّي يعقوب بن مجمع، عن أبيه مجمع بن يزيد ابن جارية، قال: قال عمر: «القَبَاطِيّ إلا تشف فإنها تصف»، فرجع مجمع بن يعقوب إلى امرأته وقد درعها قبطي، فرفعها ثم ارتدى بها".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/215): "يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري، روى عن عمّه عبدالرحمن بن يزيد، روى عنه ابنه مجمع بن يعقوب، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (7/642): "يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري، من أهل المدينة، يروي عن عمّه عبدالرحمن بن يزيد، روى عنه مجمع بن يعقوب".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص608): "يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية، بالجيم، الأنصاري المدني، مقبول، من الرابعة. د".

قلت: روى عنه: ابن أخيه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وعبدالعزيز بن عبيدالله ابن حمزة بن صهيب، وابنه مجمع بن يعقوب بن مجمع الأنصاري (تهذيب الكمال: 32/363)، ويحيى بن صالح أبو زكريا، ويقال أبو صالح الوحاظي (تاريخ دمشق: 64/273).

فمثله من أهل بيت علم معروفين، ويروي عنه جماعة فلا يقال فيه: مجهول أو مجهول الحال، بل هو لا بأس به إن شاء الله، وحديثه حسن.

والعجب من الشيخ الألباني فإنه ضعّف الحديث في «ضعيف سنن أبي داود» رقم (2736)، وحسّنه في «صحيح سنن أبي داود» رقم (3015)!!

·       من لا يُعرف له اسم وسماه بعض أهل العلم خطأً!

4- روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/42) عن معاوية بن هشام، عن سفيان الثوري، عن حُمران بن أَعيَن، عن أبي الطفيل، عن ابن جارية الأنصاري: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ أخاكم النجاشي قد مات، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وأصحابه، فصففنا خلفه، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّوا عليه».

ورواه ابن ماجة في «سننه» (1/491)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/145) عن أبي بكر بن أبي شيبة، بنحوه.

إلا أن ابن ماجة سماه: «مجمع بن جارية الأنصاري»، وفيه: «فصففنا خلفه صفين».

ورواه أحمد في «المسند» في «مسند: حديث شيخ أدرك النبي صلى الله عليه وسلم» (4/64)، وفي «مسند: أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم» (5/376) عن معاوية بن هشام، به. إلا أنه قال: «فلان ابن جارية».

ورواه ابن عدي في «الكامل» (2/437) في ترجمة «حمران بن أعين» من طريق معاوية بن هشام وعنبر، عن سفيان، عن حمران بن أعين، عن أبي الطفيل، عن ابن جارية الأنصاري، نحوه.

ورواه الخطيب في «تاريخ بغداد» (5/234) من طريق محمد بن خلف الحدادي، عن معاوية بن هشام، نحوه.

ورواه أبو نُعيم في «تاريخ أصبهان» (1/139) عن أحمد بن عمرو بن عبدالخالق البزار، عن محمد بن خلف البغدادي، عن معاويه بن هشام، عن سفيان، عن حمران ابن أعين، عن أبي الطفيل، عن ابن جارية - يعني مجمعاً - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: اتفقت كلّ الروايات على عدم تسميته إلا رواية ابن ماجة ورواية أبي نُعيم، وهو تصرف منهما، ولا يصح ذلك.

وسمّاه ابن عبدالبر: «زيد بن جارية»، فقال في «الاستيعاب» (2/541): "زيد ابن جارية هذا... وهو أخو مجمع بن جارية، روى عنه أبو الطفيل، حديثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أخاكم النجاشي قد مات، فصلوا عليه، قال: فصففنا صفين".

وقال ابن ماكولا في «الإكمال» (2/5): "وابن جارية الأنصاري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، روى عنه أبو الطفيل عامر بن واثلة؛ وقال الدارقطني: سماه بعض الرواة زيداً، لعله الذي روى عنه ابنه، وقد تقدم قبله".

والحديث أورده ابن حجر في «الفتح» (3/189) وسكت عليه.

وصححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن ابن ماجة»، وقال في «إرواء الغليل» (3/176): "وأما حديث مجمع بن جارية، فيرويه حمران بن أعين عن أبي الطفيل عنه مثل حديث أبي الزبير. أخرجه ابن ماجة وابن أبي شيبة وأحمد بسندٍ صحيحٍ".

وقد ترجم الأئمة لابن جارية هذا فيمن لم يعرف اسمه وعُرف بأبيه:

قال البخاري في «التاريخ الكبير» فيمن لا يعرف اسمه ويعرف بأبيه ممن يبدأ اسمه بحرف الجيم (8/432): "ابن جارية الأنصاري. قال لي عبدالله بن محمد العبسي: حدثنا معاوية بن هشام، قال: حدثنا سفيان، عن حمران بن أعين، عن أبي الطفيل، عن ابن جارية الأنصاري: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أخاكم النجاشي مات فصلوا عليه، فصفنا خلفه صفين».

وقال لنا أبو الوليد: حدثني المثنى بن سعيد الضبعي، عن قتادة، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم، قال: صلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم النجاشي، فصلوا عليه»".

·       أوهام لأبي حاتم وابنه!

وذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» «باب الجيم» (9/318) فقال: "ابن جارية، ويقال ابن خارجة الأنصاري، له صحبة، روى عنه أبو الطفيل، سمعت أبي يقول ذلك".

ثم قال في «باب الحاء»: "ابن حارثة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه»، رواه مصعب بن المقدام، عن سفيان الثوري، عن حمران بن أعين، عن أبي الطفيل، عن فلان بن حارثة، سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: وَهِم أبو حاتم وابنه في هاتين الترجمتين:

أولاً: الترجمة الأولى الصواب فيها: ابن جارية، وابن خارجة تصحيف.

ثانياً: ابن جارية هذا لا صحبة له؛ لأن إثبات صحبته إنما جاء من خلال حديث معلول، ولم يفهم أبو حاتم معنى ترجمة البخاري، وهو أنه أراد بيان علّة الحديث، وهو حمران بن أعين، فإنه تفرد بهذا الحديث عن أبي الطفيل، والمحفوظ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد كما رواه قتادة، فعلل البخاري حديث حمران برواية قتادة.

ولهذا قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/80): "حمران بن أعين الكوفي عن أبي الطفيل وأبي حرب، روى عنه الثوري وإسرائيل وحمزة الزيات".

فلم يثبت البخاري حديثه عن أبي الطفيل فذكره بالعنعنة دون ذكر السماع لئلا يأت متوهم فيصحح هذه الأحاديث كما فعل الألباني!! لأن حمران هذا ضعيفٌ باتفاق ولا يحتج به، وأحاديثه غريبة لا يُتابع عليها.

ثالثاً: الترجمة الثانية خطأ، وقد تصحف على أبي حاتم وابنه، والصواب: ابن جارية.

وقال الحسيني في «الإكمال لرجال أحمد» (ص343): "فلان بن جارية الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه، رواه عنه أبو الطفيل".

فتعقّبه ابن حجر في «التعجيل» (ص336) فقال: "قلت: حق هذا أن يذكر في المبهمات فإنه ليس باسم علم".

وعلى كلّ حال فهذا الإسناد معلول، ولم يصب من سماه مجمعاً أو زيداً، ولا يصح كلام الألباني وغيره.

5- روى الطبراني في «المعجم الكبير» (19/445) وفي «الأوسط» (8/129) عن موسى بن هارون، قال: حدثنا داود بن عمرو الضبي، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبدالعزيز بن عبدالله، عن يعقوب بن مجمع بن جارية، عن أبيه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في جنازة رجل من بني عمرو بن عوف حتى انتهى إلى المقبرة، فقال: السلام على أهل القبور ثلاث مرات، من كان منكم من المؤمنين والمسلمين أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع عافانا الله وإياكم».

قال الطبراني: "لا يُروى هذا الحديث عن مجمع إلا بهذا الإسناد، تفرد به داود بن عمرو".

وعزاه العيني في «عمدة القاري» (8/69) إلى ابن أبي الدنيا، وقال: "وفيه إسماعيل ابن عياش".

قلت: لا يحفظ من حديث مجمع إلا عن إسماعيل بن عياش وفيه كلام، ولا يحتج بما تفرد به، ومتنه محفوظ من طرق أخرى.

·       أحاديث مجمّع بن يزيد بن جارية:

روى أحمد في «المسند» (3/479-480) عن مكي بن إبراهيم وحجّاج، عن عبدالملك بن جريج، عن عمرو بن دينار: أنّ هشام بن يحيى أخبره: أنّ عكرمة بن سلمة ابن ربيعة أخبره: «أن أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما أن لا يغرز خشباً في جداره، فأقبل مجمع بن يزيد ورجال كثير من الأنصار، فقالوا: نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره، فقال: يا أخي، إنك مقضي لك علي، وقد حلفت فاجعل أسطواناً دون حائطي أو جداري، فاجعل عليه خشبك».

ورواه ابن ماجة في «سننه» (2/783) عن أبي بشر بكر بن خلف، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، به.

ورواه البخاري في «التاريخ الكبير» (7/408) قال: "مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري أخو عبدالرحمن بن يزيد، من أهل المدينة، له صحبة. قال لنا مكي بن إبراهيم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار: أن هشام بن يحيى حدّثه: أن عكرمة بن سلمة ابن ربيعة أخبره: أن أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما أن لا يغرز الآخر خشباً في جداره، فلقيا مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري، فقال: إني أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن لا يمنع جار جاره يغرز خشباً في جداره، فقال الحالف: أي أخي، قد علمت أنه مقضي لك علي، وقد حلفت فاجعل إسطواناً دون جدري ففعل الآخر، فغرز في الإسطوان. قال ابن جريج: قال عمرو: وأنا نظرت إلى ذلك".

قلت: وعلى هذه الرواية اعتمد البخاري في إثبات صحبة مجمع بن يزيد بن جارية.

وقال الحافظ ابن عبدالبر في ترجمة «مجمع بن يزيد بن جارية» من «الاستيعاب» (3/1363): "أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وروى: لا يمنع أحدكم أخاه أن يغرز خشبته في جداره مثل حديث أبي هريرة في قصة ذكرها، حديثه بذلك عند ابن جريج، قيل: إن حديثه هذا مرسل، وإنما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وربما رواه عن أبي هريرة".

قلت: لا دليل على أنه رواه عن أبي هريرة، فإن القصة واضحة في أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «إني أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم»، وكأن ابن عبدالبر قال ذلك؛ لأنه يميل إلى أنه لا صحبة له، بل له إدراك فقط، والله أعلم.

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص396): "عكرمة بن سلمة بن ربيعة: مجهول، من الرابعة. ق".

ولكنه قال في ((الإصابة)) (5/777): "حديثٌ حسنُ الإسناد".

قلت: وهذا يعني أن مجمع بن يزيد صحابي عنده، وهذا ما صرّح به في «التقريب»، ولكنه خالف ذلك في «الفتح» كما سيأتي. والحديث حسن، والقصة تدل على صدق رواته.

2- روى الإمام أحمد في «المسند» (3/480) عن هارون قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يزيد بن عياض، عن سعيد بن عبدالرحمن بن رُقَيش، عن عبدالرحمن بن يزيد ابن جارية، عن مجمع بن يزيد بن جارية: «أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعلين».

قلت: تفرد به يزيد بن عياض بن جعدبة، وهو منكر الحديث ليس بشيء، وقد كذّبه الإمام مالك.

3- روى ابن أبي شيبة في «المصنف» (1/56) عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن عبدالله ابن المستورد، قال: «رآني مجمع بن يزيد وأنا أغسل ذكري، فقال: ألم تكن تنفضت حين بِلت؟ قلت: بلى، قال: حسبك».

قلت: هذا إسنادٌ صحيحٌ.

فعلى من يقول بأن مجمع بن يزيد صحابي فيكون عبدالله بن المستورد قد أدركه، وابن المستورد قد رأى أنساً.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/201): "عبدالله بن مستورد مولى الأنصار، مديني، رأى أنساً، روى عنه مجمع بن يعقوب، وروى محمد بن عبيد الطنافسي عن عبدالله ابن المستورد: رأى أنساً يمسح على خفيه، وسمع سالماً".

قلت: فإذا كان ابن مستورد قد رأى أنساً الذي توفي سنة (93هـ) - وكان أنس ابن مالك ممن تأخرت وفاته -، فيكون مجمع ابن يزيد قريب من سنّه إذا عددناه صحابياً، وأنا أستبعد ذلك، لأن عبدالرحمن بن يزيد أخو مجمع توفي سنة (98هـ)، وحكاية ابن مستورد مع مجمع بن يزيد تدل على أن مجمعاً هذا قد توفي بعد أخيه عبدالرحمن؛ لأن طبقة شيوخ ابن المستورد وفياتهم بعد (105هـ)، وهو قد سمع من سالم بن عبدالله بن عمر (ت 106هـ)، ولم يسمع من أنس مع أنه رآه وهو صغير، ورؤية مجمع لابن المستورد وحديثه معه يقوّي رأي من يقول بأن مجمع بن يزيد تابعي، والله أعلم.

فيحتمل أن مجمع بن يزيد من طبقة سالم بن عبدالله بن عمر، وكان مولد سالم في خلافة عثمان، وعليه فيكون تابعياً، والله أعلم.

4- قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/394): "يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري، عن عمّه عبدالرحمن بن يزيد، روى عنه مجمع بن يعقوب ابنه. وقال الحزامي: حدثني إبراهيم بن إسماعيل، قال: أخبرني عمّي يعقوب بن مجمع، عن أبيه مجمع ابن يزيد بن جارية، قال: قال عمر: «القَبَاطِيّ إلا تشف فإنها تصف»، فرجع مجمع أبو يعقوب إلى امرأته وقد درعها قبطي، فرفعها ثم ارتدى بها".

قلت: أورد البخاري هذا الخبر في ترجمة «يعقوب بن مجمع» مستنكراً له كعادته في التراجم، فإنه لم يذكر في صدر الترجمة أن يعقوب بن مجمع يروي عن أبيه، وإنما ذكر أنه يروي عن عمّه.

والخبر الذي ذكره البخاري هنا معلول، لا يصح!

وقد رواه إبراهيم الحربي في «غريب الحديث» عن قتيبة بن سعيد، عن مجمع ابن يعقوب، عن أبيه، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عمّه مجمع، قال: قال عمر: «بلغني أنكم تكسون النساء القباطي، إن لا يشف فإنه يصف».

وقتيبة أوثق بكثير من إبراهيم بن إسماعيل، وهذا الأخير ضعفه بعضهم، وهو كثير الوهم، والفرق بين الروايتين أن الأولى جعلت الراوي عن عمر: «مجمع بن يزيد بن جارية»، والثانية: «مجمع بن جارية»، وهذا هو محل النـزاع الذي نحن بصدد تحريره، فلو صحت الرواية الأولى لكان احتمال كون مجمع بن يزيد بن جارية صحابياً قريب، ولكن ذلك لم يصح، والراوي عن عمر هو الصحابي مجمع بن جارية.

وخبر عمر هذا مشهورٌ عنه:

رواه عبدالرزاق في «مصنفه» (5/164) عن الثوري، عن الأعمش، عن مسلم البطين، ورواه أيضاً (7/51) عن معمر، عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، كلاهما عن عمر قال: «لا تلبسوا نساءكم القباطي، فإنه إن لا يشف يصف».

ورواه ابن شبّة في «أخبار المدينة» (2/8) عن عثمان بن عمر، قال: أنبأنا عثمان ابن مرة، عن معاذ بن عبدالله بن حبيب، عن أبيه قال: قلما خطبنا عمر رضي الله عنه على هذا المنبر إلا قال: «أيها الناس أصلحوا مثاويكم، وأخيفوا هذه الدواب قبل أن تخيفكم، وخذوا على أيدي سفهائكم، ولا تدرعوا نساءكم القباطي فإنه إن لم يشف فإنه يصف».

والقباطي، بفتح القاف وموحدة وكسر طاء مهملة وتحتية مشددة، جمع قبطية، وهي ثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء، منسوب إلى القبط، وهم أهل مصر.

قال في «النهاية في غريب الأثر» (2/486): "يُقال: شف الثوب يشف شفوفاً: إذا بدا ما وراءه ولم يستره، أي أن القباطي ثياب رقاق ضعيفة النسج، فإذا لبستها لامرأة لصقت بأردافها فوصفتها، فنهى عن لبسها وأحب أن يكسين الثخان الغلاظ".

5- ذكر ابن حجر في «فتح الباري» (7/247) أثناء كلامه على إنشاد الشعر في غزوة الخندق قال: "وذكر الزبير من طريق مجمع بن يزيد قال قائل من المسلمين في ذلك:

لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنّبِيّ يَعْمَلُ // لَذَاكَ مِنّا الْعَمَلُ الْمُضَلّلُ".

قلت: هذا لا يدلّ على أن لمجمع بن يزيد صحبة، فهو قد أرسل هذا القول، وهو مشهور في كتب أهل العلم بالإرسال هكذا.

6- روى البخاريّ في «صحيحه» (5/1974) قال: حدثنا إسماعيل – هو ابن أبي أويس -، قال: حدثني مالك، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبدالرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية، عن خَنْسَاء بنت خِذَام الأنصارية: «أنّ أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فَردَّ نكاحه».

قال: حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا يزيد - هو: ابن هارون -، قال: أخبرنا يحيى – هو ابن سعيد -: أنّ القاسم بن محمد حدّثه: أنّ عبدالرحمن بن يزيد ومجمع بن يزيد حدّثاه: أنَّ رجلاً يدعى خذاماً أنكح ابنة له، نحوه.

قلت: الرواية الثانية صورتها الإرسال، ولهذا قال ابن حجر في «مقدمة فتح الباري» (ص375): "قلت: عبدالرحمن بن القاسم أعرف بحديث أبيه من غيره، وقد وصله، ومالك أتقن لحديث أهل المدينة من غيره، ومع ذلك فأخرج البخاري الطريقين، فأفهم أنه رأى أن الموصول أرجح، وهو المعتمد، والله أعلم".

ورواه البخاري أيضاً (6/2555) عن علي بن عبدالله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن القاسم: «أن امرأة من ولد جعفر تخوفت أن يزوجها وليها وهي كارهة، فأرسلت إلى شيخين من الأنصار: عبدالرحمن ومجمع ابني جارية، قالا: فلا تخشين، فإن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها وهي كارهة، فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك».

قال سفيان: وأما عبدالرحمن فسمعته يقول عن أبيه: إن خنساء.

قلت: أي عبدالرحمن بن القاسم حدّث به عن أبيه القاسم فقال: إن خنساء، الحديث، فأرسله، فلم يذكر فيه عبدالرحمن بن يزيد ولا أخاه، وكأنه كان يرسله أحياناً ويسنده أخرى.

·       مخالفة سفيان الثوري لمالك في هذا الحديث في الإسناد والمتن!

رواه النسائي في «السنن الكبرى» (3/282) عن محمد بن حاتم بن نعيم بن عبدالكريم المروزي، قال: أخبرنا حبان - يعني بن موسى، قال: أخبرنا عبدالله - يعني بن المبارك، عن سفيان - يعني بن سعيد، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن عبدالله بن يزيد، عن خنساء بنت خذام قالت: «أنكحني أبي وأنا كارهة، وأنا بِكْر، فشكوت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تنكحها وهي كارهة».

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (24/251) عن سعيد بن إسرائيل القطيعي عن حبان بن موسى المروزي، به. وقال: عن عبدالله بن يزيد بن وديعة.

كذا قال الثوري، وخالفه مالك بن أنس في إسناده وفي لفظه:

فرواه يحيى بن يحيى الليثيّ، ومعن بن عيسى القزّاز، وإسماعيل بن أبي أويس، ويحيى بن قزعة، والقعنبي، وعبدالله بن يوسف التنّيسيّ، والإمام الشافعيّ، وخالد بن مخلد، وعبدالله بن نافع، وعبدالرحمن بن مهدي، وإسحاق بن عيسى، ومصعب الزبيري، كلّهم عن مالك، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبدالرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية الأنصاري، عن خنساء بنت خذام: «أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّ نكاحه».

قال ابن حجر في «فتح الباري» (9/194): "ومجمع بضم الميم وفتح الجيم وكسر الميم الثقيلة ثم عين مهملة، ابن يزيد بن جارية بالجيم، أي بن عامر بن العطاف الأنصاري الأوسي، من بني عمرو بن عوف، وهو ابن أخي مجمع بن جارية الصحابيّ الذي جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج له أصحاب السنن، وقد وهم من زعم إنهما واحد، ومنه قيل: إن لمجمع بن يزيد صحبة، وليس كذلك، وإنما الصحبة لعمّه مجمع ابن جارية، وليس لمجمع بن يزيد في البخاري سوى هذا الحديث، وقد قَرنه فيه بأخيه عبدالرحمن بن يزيد، وعبد الرحمن وُلد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيما جزم به العسكري وغيره، وهو أخو عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه. قال ابن سعد: ولي القضاء لعمر بن عبدالعزيز، يعني لما كان أمير المدينة، ومات سنة ثلاث وتسعين، وقيل سنة ثمان، ووثقه جماعة، وما له في البخاري أيضاً سوى هذا الحديث، وقد وافق مالكاً على إسناد هذا الحديث سفيان بن عيينة عن عبدالرحمن بن القاسم، وإن اختلف الرواة عنهما في وصل هذا الحديث عن خنساء وفي إرساله، حيث قال بعضهم: عن عبدالرحمن ومجمع: أن خنساء زوجت، وكذا اختلفوا عنهما في نسب عبدالرحمن ومجمع، فمنهم من أسقط يزيد، وقال: ابني جارية، والصواب وصله وإثبات يزيد في نسبهما.

وقد أخرج طريق ابن عيينة المصنّف في ترك الحيل بصورة الإرسال، وأخرجها أحمد عنه كذلك، وأوردها الطبراني من طريقه موصولة، وأخرجه الدارقطني في الموطآت من طريق معلى بن منصور عن مالك بصورة الإرسال أيضاً، والأكثر وصلوه عنه، وخالفهما معاً سفيان الثوري في راوٍ من السند، فقال: عن عبدالرحمن بن القاسم عن عبدالله بن يزيد ابن وديعة عن خنساء، أخرجه النسائي في الكبرى والطبراني من طريق ابن المبارك عنه، وهي رواية شاذة، لكن يبعد أن يكون لعبدالرحمن بن القاسم فيه شيخان، وعبدالله بن يزيد بن وديعة هذا لم أرَ من ترجم له، ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم ولا ابن حبان إلا عبدالله بن وديعة بن خذام الذي روى عن سلمان الفارسي في غسل الجمعة، وعنه المقبري، وهو تابعي غير مشهور إلا في هذا الحديث، ووثقه الدارقطني وابن حبان، وقد ذكره ابن منده في الصحابة، وخطأه أبو نعيم في ذلك... وعبدالله بن يزيد بن وديعة هذا ممن أغفله المزي ومن تبعه فلم يذكروه في رجال الكتب الستة".

قلت: صرّح ابن حجر بأن مجمع بن يزيد تابعي ولا صحبة له، وهو الصواب إن شاء الله تعالى.

ومما يرجّح ذلك: أن القاسم بن محمد روى عن عبدالرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية، وعبدالرحمن توفي سنة (93هـ) وقيل سنة (98هـ)، والقاسم توفي سنة (107هـ)، وقد ذكرت فيما سبق أن عبدالله بن مستورد روى عن مجمع بن يزيد بن جارية، وابن مستورد قد سمع سالماً المتوفى سنة (106هـ)، فإذا لقي القاسم مجمع بن يزيد فلا يُنكر لقي ابن مستورد له، والله أعلم.

·       ترجمة خَنساء بنت خِذام وأبيها، ومن زوّجها، ومن كانت تحته، ومن تزوجت:

قال ابن حجر في «الإصابة» (7/611): "خنساء بنت خِذام بن خالد الأنصارية، من بني عمرو بن عوف، ثَبتَ حديثها في الموطأ عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبدالرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية عن خنساء: «أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها»، ورواه الثوري عن عبدالرحمن ابن القاسم فخالف في السند والمتن! قال: عن عبدالله بن يزيد بن وديعة عن خنساء بنت خذام: «أنها كانت يومئذ بِكراً»، كذا قال. وقال ابن منده: رواه ابن عيينة عن عبدالرحمن ابن القاسم فوافق مالكاً، ورواه يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عبدالرحمن ومجمع مرسلاً ومتصلاً، انتهى. وأخرج من طريق محمد بن إسحاق عن حجاج بن السائب عن أبيه عن جدّته خنساء بنت خذام بن خالد، وكانت قد تأيمت من رجلٍ فزوجها أبوها من رجلٍ من بني عمرو بن عوف، وأنها خطبت إلى أبي لبابة بن عبد المنذر، فارتفع شأنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أباها يلحقها بهواها، فتزوجت أبا لبابة، فهي والدة ولده السائب. ووقع لنا هذا بعلو في المعرفة لابن منده، أخرجه أحمد، ووقع في رواية خُناس بضم أوله مخففاً، وأخرج ابن منده من طريق إسحاق ابن يونس المستملي عن هشيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة: «أن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها رجلاً وكانت ملكت أمرها وأنها كرهت ذلك، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أمرك بيدك، فخطبها أبو لبابة، فولدت له السائب»، قال ابن منده: رواه غيره عن هشيم عن عمر بن أبي سلمة مرسلاً، وكذا قال أبو عوانة عن عمر، وأخرجه ابن سعد عن وكيع عن الثوري عن أبي الحويرث عن نافع بن جبير قال: «تأيمت خنساء بنت خذام من زوجها فزوجها أبوها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أبي تفوت علي فزوجني ولم يشعرني، قال: لا نكاح له، انكحي من شئت، فنكحت أبا لبابة»، ومن طريق معمر عن سعيد بن عبدالرحمن الحجبي قال: «كانت امرأة يقال لها خنساء بنت خذام تحت أنيس بن قتادة الأنصاري، فقتل عنها بأحد فزوجها أبوها رجلاً، فقالت: يا رسول الله، إن عمّ ولدي أحبّ إلي، فجعل أمرها إليها»".

وقال الحافظ في «مقدمة فتح الباري» (ص322): "حديث خنساء بنت خذام: أن أباها زوجها، اسم زوجها: أنيس بن قتادة، ذكره ابن عبد البر مختصراً، وهو وهم، فإن أنيس بن قتادة هو زوجها الأول وقتل عنها يوم أحد، كذا رواه الواقدي من طريق خنساء نفسها: أنها كانت تحت أنيس بن قتادة وقد قتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلاً من مزينة فكرهته، فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه فتزوجها أبو لبابة بن عبد المنذر، وبنحو ذلك رواه عبدالرزاق في مصنفه من وجه آخر مرسل، لكنه لم يقل: من مزينة، وقال: فقالت يا رسول الله، ابن عم ولدي أحب إلي، ولم يذكر اسمه في هذه الرواية، بل رواه من طريق أخرى فقال: إنه أبو لبابة بن عبد المنذر كما في رواية الواقدي، وكذا أخرجه الدارمي عن يزيد بن هارون بسند حديث الباب، وروى ابن إسحاق عن حجاج ابن السائب عن أبيه - هو السائب بن أبي لبابة بن عبد المنذر - عن جدته خنساء بنت خذام: أنها كانت تأيمت من رجل فزوجها أبوها رجلاً من بني عوف، فحنت إلى أبي لبابة، فارتفع شأنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أباها أن يلحقها بهواها. قلت: فَلاَحَ من هذا أن الزوج الذي أبهم في البخاري لم يسم، بل قيل فيه: من مزينة، وقيل فيه: من بني عوف، والله أعلم".

وقال الحافظ في «الفتح»: "قوله (عن خنساء بنت خذام) بمعجمة ثم نون ثم مهملة وزن حمراء، وأبوها بكسر المعجمة وتخفيف المهملة، قيل اسم أبيه: وديعة، والصحيح أن اسم أبيه خالد، ووديعة اسم جده فيما أحسب، وقع ذلك في رواية لأحمد من طريق محمد ابن إسحاق عن الحجاج بن السائب مرسلاً في هذه القصة، ولكن قال في تسميتها: خناس بتخفيف النون وزن فلان، ووقع في رواية الدارقطني والطبراني وابن السكن: خنساء، ووصل الحديث عنها فقال: عن حجاج بن السائب بن أبي لبابة عن أبيه عن جدته خنساء، وخناس مشتق من خنساء كما يقال في زينب زناب، وكنية خدام والد خنساء: أبو وديعة، كناه أبو نعيم، وقد وقع ذلك عند عبدالرزاق من حديث ابن عباس: أن خذاماً أبا وديعة انكح ابنته رجلاً الحديث، ووقع عند المستغفري من طريق ربيعة بن عبدالرحمن ابن يزيد بن جارية: أن وديعة بن خذام زوج ابنته، وهو وهم في اسمه، ولعله كان: أن خداما أبا وديعة فانقلب، وقد ذكرت في كتاب الصحابة ما يدل على أن لوديعة بن خذام أيضاً صحبة، وله قصة مع عمر في ميراث سالم مولى أبي حذيفة ذكرها البخاري في تاريخه، وقد أطلت في هذا الموضع لكن جر الكلام بعضه بعضاً ولا يخلو من فائدة.

(قوله: إن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك) ووقع في رواية الثوري المذكورة قالت: أنكحني أبي وأنا كارهه وأنا بكر، والأول أرجح، فقد ذكر الحديث الإسماعيلي من طريق شعبة عن يحيى بن سعيد عن القاسم فقال في روايته: وأنا أريد أن أتزوج عمّ ولدي، وكذا أخرج عبدالرزاق عن معمر عن سعيد بن عبدالرحمن الجحشي عن أبي بكر بن محمد: أن رجلاً من الأنصار تزوج خنساء بنت خذام فقتل عنها يوم أحد، فأنكحها أبوها رجلاً فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي انكحني وإن عمّ ولدي أحبّ إليّ، فهذا يدلّ على أنها كانت ولدت من زوجها الأول، واستفدنا من هذه الرواية نسبة زوجها الأول، واسمه: أنيس بن قتادة، سماه الواقدي في روايته من وجه آخر عن خنساء، ووقع في المبهمات للقطب القسطلاني أن اسمه: أسير، وأنه استشهد ببدر ولم يذكر له مستنداً، وأما الثاني الذي كرهته فلم أقف على اسمه إلا أن الواقدي ذكر بإسناد له أنه من بني مزينة، ووقع في رواية ابن إسحاق عن الحجاج بن السائب بن أبي لبابة عن أبيه عنها أنه من بني عمرو بن عوف، وروى عبدالرزاق عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس أن خذاماً أبا وديعة انكح ابنته رجلاً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تكرهوهن فنكحت بعد ذلك أبا لبابة وكانت ثيباً، وروى الطبراني بإسناد آخر عن ابن عباس فذكر نحو القصة، قال فيه: فنـزعها من زوجها وكانت ثيباً فنكحت بعده أبا لبابة، وروى عبدالرزاق أيضاً عن الثوري عن أبي الحويرث عن نافع بن جبير قال: تأيمت خنساء فزوجها أبوها الحديث نحوه، وفيه: فرد نكاحه ونكحت أبا لبابة، وهذه أسانيد يقوي بعضها ببعض، وكلها دالة على أنها كانت ثيباً، نعم أخرج النسائي من طريق الأوزاعي عن عطاء عن جابر: أنّ رجلاً زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرّق بينهما، وهذا سند ظاهره الصحة، ولكن له علّة، أخرجه النسائي من وجه آخر عن الأوزاعي، فأدخل بينه وبين عطاء: إبراهيم بن مرة، وفيه مقال، وأرسله، فلم يذكر في إسناده جابراً، وأخرج النسائي أيضاً وابن ماجة من طريق جرير ابن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: أنّ جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها، ورجاله ثقات، لكن قال أبو حاتم وأبو زرعة: إنه خطأ، وأن الصواب إرساله، وقد أخرجه الطبراني والدارقطني من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ نكاح بكر وثيب انكحهما أبوهما وهما كارهتان، قال الدارقطني: تفرد به عبدالملك الذماري وفيه ضعف، والصواب عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر عن عكرمة مرسل، وقال البيهقي: إن ثبت الحديث في البكر حمل على أنها زوجت بغير كفء، والله أعلم. قلت: وهذا الجواب هو المعتمد، فإنها واقعة عين فلا يثبت الحكم فيها تعميماً، وأما الطعن في الحديث فلا معنى له، فإن طرقه يقوي بعضها ببعض، ولقصة خنساء بنت خذام طريق أخرى أخرجه الدارقطني والطبراني من طريق هشيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة: أن خنساء بنت خذام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها، ولم يقل فيه بكراً ولا ثيباً، قال الدارقطني: رواه أبو عوانة عن عمر مرسلاً، لم يذكر أبا هريرة". انتهى.

قلت: جواب ابن حجر المعتمد غير معتمد، فالحديث قد ثبت في الثيب وعدم ذكر الثيب أو البكر في بعض الأحاديث لا يدلّ على شيء، لأن هذا الحديث مع ضعفه لا يقاوم الصحيح الذي ثبت فيه أن الإكراه كان على من كانت ثيباً لا بكراً، والعجب من ابن حجر كيف بيّن علل طرق الحديث الذي فيه ذكر أنها كانت بكراً ثم يقول بأن طرقه تقوي بعضها بعضاً؟!

أما بالنسبة لمن أجبرت خنساء على الزواج منه فلا يعرف من هو، وقد أبهم في البخاري ولم يسم، وجاء في بعض الروايات أنه من مزينة، وفي بعضها أنه من بني عوف، فالله أعلم.

وقد تزوجت بأبي لُبابة. وكانت تحت أُنيس بن قتادة الأنصاري، بالتصغير، وذكره بعضهم مكبراً: «أَنس»، وهو وهم.

قال ابن حجر في «الإصابة» (1/137): "أنيس بن قتادة بن ربيعة بن خالد ابن الحارث بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي، شهد بدراً، واستشهد بأحد. قال الواقدي: حدثنا ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عبدالرحمن ابن يزيد بن جارية، عن عمّه مجمع بن جارية: «أن خنساء بنت خذام كانت تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم أحد، فزوجها أبوها رجلاً من مزينة فكرهته، وجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه، فتزوجها أبو لبابة، فجاءت بالسائب ابن أبي لبابة». رواه البخاري وغيره من طريق مالك عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبدالرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية الأنصاري عن خنساء بنت خذام: أن أباها زوجها وهي كارهة، ولم يسم زوجها. قال ابن عبد البر: قتل شهيداً يوم أحد، وسماه غير الواقدي أنساً، وأنكر ذلك ابن عبدالبر، والله أعلم".

قلت: وإسناد الواقدي ضعيف. قال الدارقطني (كما في أطراف الغرائب والأفراد: 5/373): " غريبٌ من حديث الزهري، تفرد به الواقدي محمد بن عمر عن ابن أخي الزهري عن عمه عن عبدالرحمن بن زيد بن جارية عن عمه مجمع بن جارية".

وقد ذكر ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (8/243) عن شيخه الواقدي أن التي كانت تحت أنيس بن قتادة هي: «جُذَامة بنت جَندل».

قال ابن حجر في «الإصابة» (7/551): "جُذامة بنت جندل، ذكرها ابن إسحاق فيمن هاجر من نساء بني تميم بن دودان بن أسد بن خزيمة من أهل مكة حلفاء بني عبد شمس، وذكر الطبري في الذيل أنها هي بنت وهب الآتي ذكرها فإن المجدمين هم العرب، قالوا: هي بنت وهب. وقال ابن سعد: أسلمت قديماً بمكة وبايعت وهاجرت إلى المدينة، وكانت تحت أنيس بن قتادة الأنصاري الأوسي، وهو بدري استشهد بأحد، وتبعه ابن عبدالبر، وقيل: التي كانت تحت أنيس بن قتادة خنساء بنت خذام، ولا مانع أن يكونا جميعاً زوجتيه".

·       هل جُذامة بنت جندل هي جُذامة بنت وَهْب؟!

قلت: فرّق ابن عبدالبر وابن حجر وغيرهما بين جذامة بنت جندل وبين جذامة بنت وهب الأسدية، وظاهر تصرف ابن سعد أنهما واحدة؛ لأنه ذكر حديث بنت وهب في ترجمة بنت جندل! وصرّح الطبري بأنهما واحدة، وكذلك الحاكم في «المستدرك» (4/77).

وفرّق بينهما ابن حبان، فذكر في «الثقات» (3/67): "جدامة بنت وهب الأسدية، من بني هلال"، ثم ذكر: "جذامة بنت جندل من بني غنم من المهاجرات".

قلت: كأن ابن حبان يعتبر جذامة بنت جندل هي أخت عكاشة بن محصن المشهور؛ لأنه قال إنها من بني غنم، وعكاشة من بني غنم، وعليه فإن الأولى التي ذكرها «جدامة بنت وهب» هي أخت عكاشة آخر ليس عكاشة المشهور.

وقال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (4/1800): "جدامة بنت جندل، ذكرها ابن إسحاق فيمن هاجر من نساء بني غنم بن دودان، وذكر الطبري في ذيل المذيل أن جدامة بنت جندل هي بنت وهب فإن المحدثين هم الذين قالوا فيها هي بنت وهب".

ثم قال: "جدامة بنت وهب الأسدية، أسلمت بمكة وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم فهاجرت مع قومها إلى المدينة، وكانت تحت أنيس بن قتادة ابن ربيعة من بني عمرو بن عوف، روت عنها عائشة حديث الغيلة".

وقد ذكر ابن حجر في الصحابة بعد بنت جندل السابقة: "جدامة بنت وهب الأسدية، ويقال: بالخاء المعجمة، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في رضاع الحامل، روت عنها أم المؤمنين عائشة، أخرج حديثها في الموطأ، ولفظه: عن جدامة الأسدية: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، الحديث»، وفي بعض طرقه عند مسلم: عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة بن وهب، قال: حضرت عند النبي صلى الله عليه وسلم في أناس، وهو يقول: فذكر الحديث، وفيه ذكر العزل، وأنه الوأد الخفي، وأورده ابن مندة بلفظ الموطأ في جدامة بنت جندل".

قلت: هو في «صحيح مسلم» (2/1067) عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، وهو يقول: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، الحديث».

ورجّح الإمام مسلم أنها: «جدامة» بالدال.

ومالَ النووي إلى أنهما واحدة.

قال في «تهذيب الأسماء» (2/602): "جدامة بنت وهب، راوية حديث العزل، روى حديثها هذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم، قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح. ويقال: بنت جندل، وهي بضم الجيم وبالدال المهملة المخففة، قاله الدارقطني وغيره، قال الدارقطني: ومن ذكرها بالذال المعجمة فقد أخطأ. وحكى صاحب المطالع فيه الاختلاف في الدال المعجمة والمهملة وأن بعضهم شدّد الدال المهملة، والصواب ما قاله الدارقطني رحمه الله تعالى. أسلمت جدامة بمكة وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجرت مع قومها إلى المدينة، وكانت تحت أنس بن قتادة بن ربيعة من بني عمرو ابن عوف، روت عنها عائشة رضي الله عنها، روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثان فيما ذكر أبو عبدالرحمن بَقي بن مَخلد وغيره. وروينا في صحيح مسلم ضبط جدامة بالمهملة والمعجمة، قال مسلم: والصحيح المهملة، وهي رواية يحيى بن يحيى عن مالك، وفي رواية خلف بن هشام عن مالك بالمعجمة، والذي في صحيح مسلم وغيره: جدامة بنت وهب، وفي رواية له: جدامة بنت وهب وهي أخت عكاشة، ولعلها أخته لأمه، وإلا فهو عكاشة بن محصن، وقيل: إنها أخت رجل آخر اسمه عكاشة ليس هو عكاشة الأسدي المشهور، والظاهر الأول؛ لأنها أسدية وهو أسدي، وقال محمد بن جرير الطبري: إنها جذامة بنت جندل هاجرت، قال: والمحدّثون يقولون: بنت وهب".

وقال في «شرح صحيح مسلم» (10/16): "قال القاضي عياض: قال بعضهم إنها أخت عكاشة على قول من قال إنها جدامة بنت وهب بن محصن، وقال آخرون: هي أخت رجل آخر يقال له عكاشة بن وهب ليس بعكاشة بن محصن المشهور، وقال الطبري: هي جذامة بنت جندل هاجرت، قال: والمحدثون قالوا فيها جدامة بنت وهب، هذا ما ذكره القاضي، والمختار أنها جدامة بنت وهب الاسدية أخت عكاشة بن محصن المشهور الأسدي وتكون أخته من أمه".

قلت: الراجح عندي أن جذامة بنت جندل هي جذامة بنت وهب، وهي: جذامة بنت جندل بنت وهب، فمنهم من نسبها إلى أبيها، ومنهم من نسبها إلى جدها.

روى الحاكم في «المستدرك» (4/77) من طريق مصعب بن عبدالله الزبيري قال: "جذامة بنت جندل بن وهب الأسدية، أسلمت بمكة قديماً وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجرت إلى المدينة مع أهلها".

قلت: ومصعب من أعلم الناس بالأنساب، وقوله هو الصواب إن شاء الله تعالى.

·       وهم لأبي نُعيم في الصحابة!

ذكر أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» في باب الجيم (6/3287): "جُذامة بنت وهب الأسدية"، ثم ساق لها حديث النهي عن الغيلة.

ثم ذكر في باب الخاء (6/3319): "خَذامة، وقيل: خذافة بنت جندل الأسدية"، وساق من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق: «في تسمية من هاجر إلى المدينة من بني أسد: خذافة بنت جندل».

قلت: خذامة وخذافة تصحيف، والصواب: جذامة، وقول ابن إسحاق هذا يؤيد أن بنت وهب الأسدية هي بنت جندل.

·       هل جذامة أخت عكاشة هي أم قيس أخت عكاشة بن محصن؟ وهل عكاشة بن وهب هو عكاشة بن محصن؟!

عكاشة بن محصن الصحابي المعروف له أخت اسمها «أم قيس» وحديثها في الصحيحين، ولهذا قال بعضهم بأن جدامة أو جذامة بنت وهب التي روت حديث النهي عن الغيلة عند مسلم هي أم قيس هذه لأنه جاء في بعض الطرق عند مسلم: «جدامة بنت وهب أخت عكاشة»!

قال القاضي عِياض: "والمختار أنها جدامة بنت وهب الأسدية أخت عكاشة بن محصن المشهور الأسدي وتكون أخته من أمه".

وقال ابن عبدالبر في «التمهيد» (9/108): "أم قيس هذه اسمها جذامة بنت وهب ابن محصن أخت عكاشة بن وهب بن محصن، وقد ذكرناها في الصحابيات من كتابنا في الصحابة".

وقال أيضاً (13/91): "وجذامة هذه هي أم قيس بنت وهب بن محصن أخي عكاشة ابن محصن الأسدي".

وقال في «الاستيعاب» (4/1951): "أم قيس بنت محصن بن حرثان الأسدية أخت عكاشة بنت محصن، أسلمت بمكة قديماً وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجرت إلى المدينة، روى عنها من الصحابة وابصة بن معبد، وروى عنها عبيدالله بن عبدالله ونافع مولى حمنة بنت شجاع، وزعم العقيلي في حديث ذكره عن محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن درة بنت معاذ: أنها أخبرته عن أم قيس: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتزاور إذا متنا يزور بعضنا بعضاً؟ قال: يكون النسم طائراً يعلق بالجنة حتى إذا كان يوم القيامة دخل كل نفس في جثتها، قال العقيلي: أم قيس هذه أنصارية وليست بنت محصن.

قال أبو عمر: وقد قيل: إن التي روت هذا الحديث أم هانئ الانصارية ذكر ذلك ابن أبي خيثمة وغيره".

قلت: قد سبق نقل كلام ابن عبدالبر في التفريق بين جذامة بنت جندل وجذامة بنت وهب، ولم يذكر في ترجمة بنت وهب أنها هي أم قيس هذه!!

وأم قيس بنت محصن أخت عكاشة المشهور جاء ذكرها في الصحيحين وغيرهما في حديث بول ابنها الصغير في حِجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في الرواية: "أم قيس بنت محصن الأسدية وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أخت عكاشة بن محصن أحد بني أسد ابن خزيمة".

قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (8/242): "أم قيس بنت محصن بن حرثان ابن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد، وهي أخت عكاشة بن محصن، من أهل بدر حلفاء حرب بن أمية، وقد روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت قديماً بمكة وهاجرت إلى المدينة مع أهل بيتها".

قلت: فرّق ابن سعد بينها وبين جدامة بنت وهب، وكذا فرّق بينهما الإمام أحمد، فإنه ذكر في «مسنده» (6/355) «حديث أم قيس بنت محصن أخت عكاشة بن محصن رضي الله عنها»، ثم ذكر (6/361) «حديث جذامة بنت وهب رضي الله عنها»، وكذلك فعل الطبراني في معجمه الكبير، وفرّق بينهما أيضاً ابن حبان في ثقاته، والحاكم ومن قبله مصعب الزبيري، فإنه روى عنه في «المستدرك» (4/76) قال: "وأم قيس بنت محصن بن خوات أخت عكاشة بن محصن، أسلمت قديماً بمكة وهاجرت إلى المدينة مع أهل بيتها، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروت عنه".

وقال ابن حبان في «الثقات» (3/459): "أم قيس بنت محصن بن حرثان بن قيس ابن مرة بن كبير بن غنم أخت عكاشة بن محصن".

وقال ابن حجر في «الفتح» (1/326): "(قوله: عن أم قيس): قال ابن عبدالبر اسمها جذامة يعني بالجيم والمعجمة، وقال السهيلي: اسمها آمنة، وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي وكانت من المهاجرات الأول كما عند مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب في هذا الحديث، وليس لها في الصحيحين غيره وغير حديث آخر في الطب، وفي كل منهما قصة لابنها، ومات ابنها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير كما رواه النسائي ولم أقف على تسميته".

وقال في «التقريب» (ص744): "جدامة بنت وهب، ويقال: جندل، ويقال: جندب، الأسدية أخت عكاشة بن محصن لأمه، صحابية لها سابقة وهجرة، قال الدارقطني: من قالها بالذال المعجمة صحّف، م 4".

ثم قال: "أم قيس بنت محصن الأسدية أخت عكاشة، يقال: إن اسمها آمنة، صحابية مشهورة لها أحاديث. ع".

وقال في «الإصابة» (8/280): "أم قيس بنت محصن الأسدية أخت عكاشة بن محصن تقدم نسبها في عكاشة في أسماء الرجال، وكانت ممن أسلم قديماً بمكة وبايعت وهاجرت، يقال: إن اسمها آمنة حكاه أبو القاسم الجوهري في مسند الموطأ، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنها عبيدالله بن عبدالله بن عتبة: أنها أتت بابن صغير لم يأكل الطعام الحديث، أخرجاه في الصحيحين، وعنها: أنها أتت بابن لها قد أعلقت عليه من العذرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: علام تذعرن أولادكن الحديث، وروى عنها: وابصة بن معبد، ومولاها عدي بن دينار، ومولاها أبو الحسن، وأبو عبيدة بن عبدالله ابن زمعة، وعمرة أخت نافع مولى حمنة، وغيرهم، وأخرج النسائي من طريق الليث عن يزيد ابن أبي حبيب عن أبي الحسن مولى أم قيس عن أم قيس قالت: توفي ابن لي فجزعت، فقلت للذي يغسله: لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله، فذكر ذلك عكاشة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لها طال عمرها، قال: فلا نعلم امرأة عمّرت ما عمّرت".

قلت: أكثر الأئمة على أن أم قيس بنت محصن أخت عكاشة بن محصن المشهور هي غير جدامة بنت وهب الأسدية، وهذه الأخيرة هي أخت عكاشة بن محصن لأمه، ومنهم من رأى أنها أخت عكاشة آخر غير عكاشة المشهور.

وقد ترجم من صنّف في الصحابة لعكاشة بن محصن الصحابي المشهور، ولم يترجموا لعكاشة بن وهب المذكور في بعض الروايات، ومن هنا قال بعضهم أنه عكاشة بن محصن وجذامة هي أخته لأمه.

قال ابن حجر في «الإصابة» (4/534) بعد أن ذكر عُكاشة الصحابي المشهور: "عُكاشة بن وهب الأسدي أخو جذامة، ذكر ابن فتحون عن أبي علي الصدفي: أنّ بعض من ألف في الصحابة ذكره فيهم. قلت: وقد وجدت حديثه في شرح معاني الآثار للطحاوي فقال: حدثنا ابن أبي داود - هو إبراهيم بن سليمان البرلسي -: حدثنا ابن أبي مريم - هو سعيد -: حدثنا ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود، عن عروة، عن جذامة بنت وهب أخت عكاشة بن وهب: أنّ عكاشة ابن وهب صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وأخاً له آخر جاءاها حين غابت الشمس يوم النحر، فألقيا قميصهما، فقالت: ما لكما؟ قالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يكن أفاض منها فليلق ثيابه»، وكانوا تطيبوا ولبسوا الثياب، هكذا أخرجه، وقد اختلف فيه على ابن لهيعة، فأخرجه الطحاوي أيضاً عن يحيى بن عثمان، عن عبدالله بن يوسف عنه بهذا الإسناد، لكن قال: عن عروة، عن أم قيس بنت محصن، قالت: دخل عليّ عكاشة بن محصن وآخر في بيتي مساء يوم الأضحى فذكر نحوه، وكأن هذا أصح، فقد جاء هذا الحديث من وجه آخر عنها، أخرجه الحاكم من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني أبو عبيدة عبدالله بن زمعة، قال: حدثتني أم قيس بنت محصن وكانت جارة لهم، قالت: خرج من عندي عكاشة بن محصن في نفر من بني أسد متقمصين عشية يوم النحر، ثم رجعوا إلى عشاء وقمصهم على أيديهم، فذكر الحديث".

قلت: قد رجّحت فيما سبق أن جذامة بنت وهب الأسدية هي جذامة بنت جندل، وهي: جذامة بنت جندل بن وهب الأسدية كما قال أهل النسب، وهذا يعني أنها غير أم قيس بنت محصن أخت عكاشة بن محصن، وهو الراجح عندي.

·       خطأ في النسبة!

وأما من قال بأن جذامة بنت وهب هي أخت عكاشة بن محصن لأمه ففيه نظر! والراجح أنها ليست أخته، وإنما حصل خطأ في بعض الروايات في نسبتها «أخت عكاشة» فنسبها بعضهم في الرواية فقال: «أخت عكاشة بن وهب»! ولا وجود عندي لصحابي اسمه «عكاشة بن وهب».

وحديث جذامة بنت وهب الأسدية رواه مسلم في «صحيح مسلم» (2/1066):

قال: حدثنا خلف بن هشام، قال: حدثنا مالك بن أنس [ح].

وحدثنا يحيى بن يحيى - واللفظ له – قال: قرأت على مالك، عن محمد بن عبدالرحمن ابن نوفل، عن عروة، عن عائشة، عن جدامة بنت وهب الأسدية: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم».

قال مسلم: وأما خلف فقال: عن جذامة الأسدية، والصحيح ما قاله يحيى بالدال.

قال مسلم: حدثنا عبيدالله بن سعيد ومحمد بن أبي عمر قالا: حدثنا المقرئ، قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة، عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئاً»، ثم سألوه عن العزل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك الوأد الخفي». زاد عبيدالله في حديثه عن المقرئ وهي {وإذا الموؤودة سئلت}.

قال: وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا يحيى بن إسحاق، قال: حدثنا يحيى ابن أيوب، عن محمد بن عبدالرحمن بن نوفل القرشي، عن عروة، عن عائشة، عن جدامة بنت وهب الأسدية: أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر بمثل حديث سعيد بن أبي أيوب في العزل والغيلة غير أنه قال: الغيال.

قلت: رواه جمع عن مالك (خلف ويحيى عند مسلم، وعبدالرحمن بن مهدي عن النسائي، والقعنبي عن أبي داود، وعبدالله بن وهب عند الترمذي، وخالد بن مخلد عند الدارمي، وأبو سلمة الخزاعي عند أحمد، وعبدالله بن عبدالحكم وعبدالله بن يوسف التنيسي عند الطبراني) وكلهم رووه عن مالك دون أن يقولوا بأن جذامة بنت وهب هي أخت عكاشة، ولهذا قدّم حديثه الإمام مسلم في أصل الباب، ثم ثنّى بحديث من قال بأنها أخت عكاشة، ولا شك أن مالك بن أنس أعلم بحديث المدينة من أهل مصر، والمصريون هم الذين قالوا بأنها أخت عكاشة! وتابع مالك على عدم ذكر ذلك يحيى بن أيوب.

فالذي تفرد بذكر أنها أخت عكاشة هو عبدالله بن يزيد المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب المصري عن أبي الأسود، بل زاد بعضهم إنها «أخت عكاشة بن وهب»، رواه أبو عوانة في «مسنده» (3/101) عن أبي يحيى بن أبي مسرة ومحمد بن الجنيد الدقاق وأبي بكر الجعفي الدمشقي ومحمد بن عوف الحمصي قالوا: حدثنا عبدالله بن يزيد المقرئ، قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة، عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة بن وهب.

وكذا رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/231) من طريق السري بن خزيمة عن عبدالله بن يزيد المقرئ.

قلت: فكأنه النسبة جاءت في الحديث خطأً، وقد روى الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/227) عن ابن أبي داود، عن ابن أبي مريم، عن عبدالله بن لهيعة قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة، عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة بن وهب: أن عكاشة بن وهب صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وأخاً له آخر جاءاها حين غابت الشمس يوم النحر فألقيا قميصها، الحديث.

ثم رواه عن يحيى بن عثمان، عن عبدالله بن يوسف، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن أم قيس بنت محصن قالت: دخل عليّ عكاشة بن محصن وآخر في منى مساء يوم الأضحى، الحديث.

والصواب الرواية الثانية كما أشار ابن حجر – وسبق نقل ذلك -، وهذا الخلط الذي عند المصريين يؤيد أنهم خلطوا في حديث جذامة بنت وهب الأسدية، فذكروا أنها أخت عكاشة، ولا يصح ذلك، والله أعلم وأحكم.

·       تخريج القاضي عِياض على أنها: جذامة بنت وهب أخي عكاشة! وترجمة أخي عكاشة هذا، وهل هو أول من بايع تحت الشجرة أم آخر؟!

قال القاضي عياض في «مشارق الأنوار» (ص67) معلقاً على حديث مسلم: "جدامة بنت وهب أخت عكاشة بن محصن كذا في نسخ مسلم، قيل: لعله بنت وهب أخي عكاشة على قول من يقول إنه وهب بن محصن، إلا أن تكون أختاً له من أم، وقيل عكاشة بن وهب غير عكاشة بن محصن، وكلاهما أسدي".

قلت: وفي كلّ هذا نظر! لأن جذامة هي بنت جندل بن وهب، وجندل لا يُعرف في نسب آل محصن، وكذلك اختلف في اسم أخي عكاشة هذا.

قال ابن حبان في «الثقات» (1/185): "وعكاشة بن محصن بن حُرْثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم، وشجاع بن وهب بن ربيعة وأخوه عقبة بن وهب بن ربيعة... وأبو سنان أخو عكاشة بن محصن بن حرثان".

وقال في الصحابة من «الثقات» (3/178): "سنان بن أبي سنان بن محصن بن حرثان بن قيس الدؤلي الأسدي، مات سنة اثنتين وثلاثين، وكان بينه وبين أبيه عشرون سنة، ومات أبوه أبو سنان الأسدي والنبي صلى الله عليه وسلم على قريظة".

وقال أيضاً (3/428): "وهب بن محصن بن حرثان الأسدي، له صحبة".

ولم يسمه ابن سعد. قال في «الطبقات الكبرى» (3/93): "أبو سنان بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، شهد بدراً وأحداً والخندق، وتوفي والنبي صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة... وكان أسن من عكاشة بسنتين".

ثم ذكر ابنه: "سنان بن أبي سنان بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة، كان بينه وبين أبيه في السن عشرون سنة، وشهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية، وهو أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين".

وسماه ابن قانع، فقال في «معجم الصحابة» (3/177): "أبو سنان الأسدي وهب ابن محصن بن حرثان بن نضلة بن يزيد بن ميسرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وقيل: وهيب".

وسماه مسلم «وهب بن عبدالله»، فقال في «الكنى» (1/402): "أبو سنان وهب ابن عبدالله، ويقال: ابن محصن بن حرثان الأسدي، له صحبة".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/188): "عبدالله بن وهب بن زمعة القرشي الأسدي أبو سنان، ويقال اسمه: وهب بن محصن بن حرثان. قال الشعبي: أول من بايع بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي، وأول مال خمس في الإسلام ماله، روى عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه هاشم بن هاشم. سمعت أبي يقول بعض ذلك وبعضه من قبلي".

ثم ذكر في باب «وهب» (9/22) قال: "وهب بن محصن بن حرثان أبو سنان الأسدي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (4/1684): "أبو سنان الأسدي، اسمه وهب ابن عبدالله، ويُقال: عبدالله بن وهب، ويُقال: عامر ولا يصح، ويُقال: بل اسمه وهب ابن محصن بن حرثان ابن قيس بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، فإن يكن وهب بن محصن بن حرثان فهو أخو عكاشة بن محصن، وأصح ما قيل فيه والله أعلم أنه أخو عكاشة بن محصن، وابنه سنان بن أبي سنان ابن أخي عكاشة بن محصن، وهم حلفاء بني عبد شمس شهد أبو سنان بدراً، وهو أول من بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة وهو أسن من أخيه عكاشة قال بعضهم: بنحو عشرين سنة وعلى هذا قطع الواقدي، وقال توفي: وهو ابن أربعين سنة في سنة خمس من الهجرة، وقال غيره: توفي أبو سنان والنبيّ صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة ودفن في مقبرة بني قريظة.

ذكر الحلواني عن أبي أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: أول من بايع تحت الشجرة أبو سنان بن وهب الأسدي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تبايع، قال: على ما في نفسك، فبايعه وتتابع الناس فبايعوه، وكذا قال موسى بن عقبة: أبو سنان بن وهب، وقال الواقدي: أول من بايع بيعة الرضوان سنان بن أبي سنان بايعه قبل أبيه".

وقال في (2/658) في ترجمة «سنان بن أبي سنان الأسدي»: "واسم أبي سنان وهب ابن محصن بن حرثان ابن قيس بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، شهد بدراً هو وأخوه وأبوه وعمّه عكاشة بن محصن، وشهدوا سائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنان أول من بايع بيعة الرضوان في قول الواقدي، وقال غيره: بل أبو سنان أول من بايع بيعة الرضوان، وتوفي سنان بن أبي سنان سنة اثنين وثلاثين. وقال الواقدي: أول من بايع بيعة الرضوان سنان أبي سنان بايعه قبل أبيه.

قال أبو عمر: الأكثر والأشهر أن أباه أبا سنان هو أول من بايع بيعة الرضوان، والله أعلم".

وقال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (6/626): "وهب بن عبدالله بن محصن الأسدي أبو سنان، مشهور بكنيته، قال ابن حبان: له صحبة، ويأتي في الكنى، ويقال اسمه عبدالله بن وهب، ويقال: هو وهب بن محصن، وبالأول جزم مسلم".

وقال في (7/191) في «الكنى»: "أبو سنان بن وهب، اسمه: عبدالله، ويقال: وهب ابن عبدالله الأسدي. قال موسى بن عقبة فيمن شهد بدراً: أبو سنان ابن وهب الأسدي ولم يسمه، وقال الشعبي: كان أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة أبو سنان بن وهب، ولم يسمه، أخرجه عمر بن شبة، قالوا: وهو غير أبي سنان بن محصن أخي عكاشة وأم قيس؛ لأن ابن محصن مات والنبي صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة، وكان ذلك قبل بيعة الرضوان تحت الشجرة، وأخرج الحاكم أبو أحمد من طريق عاصم الأحول عن الشعبي قال: أتاني عامري وأسدي - يعني كانا متفاخرين، فقلت: كان لبني أسد ست خصال ما كانت لحي من العرب: كان أول من بايع بيعة الرضوان أبو سنان عبدالله بن وهب الأسدي، قال: يا رسول الله، ابسط يدك أبايعك، قال: على ماذا؟ قال: على ما في نفسك وما في نفسي، قال: فتح وشهادة، قال: نعم، فبايعه، قال: فخرج الناس يبايعون على بيعة أبي سنان، وأخرجه الحسن بن علي الحلواني ومحمد بن إسحاق السراج من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: أول من بايع تحت الشجرة أبو سنان ابن وهب فذكر القصة، وأخرجه ابن منده من طريق عاصم عن زر بن حبيش قال: أول من بايع تحت الشجرة أبو سنان بن وهب، ووقع للبغوي فيه تصحيف مضى في ترجمة أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، وأخرج من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين قال: أبو سنان الأسدي اسمه وهب بن عبدالله، وزعم الواقدي أن الذي وقع له ذلك سنان بن أبي سنان بن محصن بن أخي عكاشة قال: وأما أبو سنان فمات في حصار بني قريظة، فالله أعلم".

·       أخو عكاشة بن محصن هو: أبو سنان بن محصن ولا يُعرف له اسم، والذي بايع النبي صلى الله عليه وسلم أبو سنان آخر.

قلت: الذي أميل إليه هو أن أخا عكاشة بن محصن هو أبو سنان بن محصن ولا يعرف اسمه، وقد توفي والنبي صلى الله عليه وسلم محاصر الطائف، وابنه سنان بن أبي سنان الأسدي.

والذي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة هو آخر اسمه: أبو سنان بن وهب، واختلفوا في اسمه، فسماه بعضهم: عبدالله بن وهب، وسماه بعضهم: وهب بن عبدالله، وهو غير أبي سنان بن محصن أخي عكاشة وأم قيس؛ لأن ابن محصن مات والنبي صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة، وكان ذلك قبل بيعة الرضوان تحت الشجرة، والله أعلم.

·       وهم للواقدي وابن سعد وابن أبي حاتم!

وبهذا لا يستقيم قول من قال بأنه أول من بايع تحت الشجرة، وكذلك قول الواقدي بأن ابنه سنان هو أول من بايع وتبعه عليه تلميذه ابن سعد، فلا يصح أيضاً.

وقد وهم ابن أبي حاتم بخلطه بين عبدالله بن وهب بن زمعة الذي يروي عن أم سلمة وبين أول من بايع تحت الشجرة.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/218): "عبدالله بن وهب بن زمعة الأسدي القرشي: سمع أم سلمة رضي الله عنها، قاله موسى بن يعقوب: حدثنا هاشم بن هاشم، وقال يعقوب بن عبدالله الأسدي وابنه يزيد، وسمع منه الزهري".

·       هل هناك صحابي اسمه: «أبو سفيان بن محصن الأسدي»؟

ذهب أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (5/2906) إلى أنه: «أبو سنان بن محصن» فتصحف إلى «أبي سفيان»، وردّ ذلك ابن حجر؛ لأن الحديث الذي رواه في حجة الوداع، وأبو سنان توفي في حصار قريظة!

قال ابن حجر في (7/182) في «الكنى»: "أبو سفيان بن محصن الأسدي، وقع في نسخة أحمد ابن خازم بالمعجمتين، رواية عبدالله بن لهيعة عنه، عن صالح مولى التوأمة، عن عَدي مولى أم قيس بنت محصن، عن أبي سفيان بن محصن، قال: رمينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر، ثم لبست القميص، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبس قميصاً بعد هذا اليوم حتى تفيض، أخرجه ابن مندة، ورواه إبراهيم ابن أبي علي، عن صالح، عن عدي، عن أبي سفيان، أخرجه أبو نعيم ورجّحه بناء منه على أنه أبو سنان ابن وهب بن محصن، وفيه نظر؛ لأن أبا سنان قيل أنه مات في حصار قريظة، وذلك قبل حجة الوداع بمدة طويلة، فالظاهر أن الأول أولى، فكأنه عمّه ولا مانع أن يرويا جميعاً قصة واحدة".

قلت: ذكره ابن قانع في «معجم الصحابة» (3/177) في ترجمة أبي سنان، فقال: "أبو سنان الأسدي وهب بن محصن بن حرثان بن نضلة بن يزيد بن ميسرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وقيل وهيب"، ثم ساق حديثه عن بشر بن موسى، عن سريج بن النعمان، عن إبراهيم بن محمد الأسلمي، عن صالح مولى التوأمة، عن أم قيس، عن أبي سنان الأسدي، قال: «رمينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة، ثم لبسنا القمص وتطيبنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتطيبن أحد منكم ولا يلبس قميصاً بعد هذا اليوم حتى نفيض».

ورواه أبو نعيم في المعرفة من طريق عيسى بن شاذان عن سريج، إلا أنه قال: عن عدي مولى أم قيس بنت محصن.

قلت: الصواب أنه «أبو سنان بن محصن»، ويؤيده ما رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/227) عن يحيى بن عثمان، عن عبدالله بن يوسف، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن أم قيس بنت محصن قالت: دخل عليّ عكاشة بن محصن وآخر في منى مساء يوم الأضحى، الحديث.

وفي رواية: «أن عكاشة بن وهب صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وأخاً له آخر جاءاها حين غابت الشمس يوم النحر فألقيا قميصها، الحديث».

قلت: فعلى الرواية الثانية فإن أخ عكاشة هو أبو سنان، فتبيّن أنه ليس أبا سفيان، ولكن هل صحت الرواية عن أبي سنان، وهو قد توفي قبل حجة الوداع؟!

قلت: اختلف في إسناد هاتين الروايتين:

فرواه ابن لهيعة عن أحمد بن خازم، عن صالح مولى التوأمة، عن عَدي مولى أم قيس بنت محصن، عن أبي سنان (تصحفت إلى أبي سفيان).

ورواه بشر بن موسى، عن سريج بن النعمان، عن إبراهيم بن محمد الأسلمي، عن صالح مولى التوأمة، عن أم قيس، عن أبي سنان الأسدي.

ورواه عيسى بن شاذان عن سريج، إبراهيم، عن صالح، عن عدي مولى أم قيس بنت محصن، عن أبي سنان.

ورواه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أم قيس، قالت: دخل عليّ عكاشة بن محصن وآخر.

قلت: قد اختلف على صالح فيه! وصالح ليس بالقوي وتركه بعضهم، ولا يحتج بحديه، وكان قد اختلط في آخر عمره.

والصواب رواية عروة عن أم قيس، والآخر الذي أبهمته في الرواية ليس هو أبو سنان كما جاء في رواية أخرى لأنه كان قد توفي قبل ذلك، ويحتمل أنه ابنه: سنان بن أبي سنان، والله أعلم.

·       وهم لابن حبان تابعه عليه ابن حجر!

قال ابن حبان في «الثقات» (3/451): "أبو سفيان بن وهب بن ربيعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كثير بن غنم، بدري".

وقال ابن حجر في «الإصابة» (7/183): "أبو سفيان بن وهب بن ربيعة بن أسد ابن صهيب بن مالك ابن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي، ذكره ابن حبان في الصحابة وأنه شهد بدراً وتبعه المستغفري، ويحتمل أن يكون هو أبو سنان بن وهب بن محصن، وقع في اسمه تصحيف وفي نسبه تغيير، وإلا فهو آخر من أقاربهم".

قلت: نعم، قد وقع في اسمه تصحيف، وهو أبو سنان، ولكن ليس ابن وهب بن محصن، بل هو: أبو سنان عقبة بن وهب أخو شجاع بن وهب، ولم يقع في نسبه تغيير.

قال ابن حجر في «الإصابة» (4/528): "عقبة بن وهب، ويقال ابن أبي وهب بن ربيعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي أبو سنان، أخو شجاع بن وهب، ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق وغيرهما فيمن شهد بدراً".

·       المرأة التي أرسلت إلى عبدالرحمن ومجمع ابني جارية، واختلاف قول ابن حجر فيها! وتعقّب العينيّ لابن حجر!

روى البخاري في «صحيحه» (6/2555) عن علي بن عبدالله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن القاسم: «أن امرأة من ولد جعفر تخوفت أن يزوجها وليها وهي كارهة، فأرسلت إلى شيخين من الأنصار: عبدالرحمن ومجمع ابني جارية، قالا: فلا تخشين، فإن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها وهي كارهة، فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك».

قال ابن حجر في «الإصابة» (8/279): "أم القاسم بنت ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب الهاشمية، ذكرها البغوي بسنده إلى أم النعمان بنت مجمع بن يزيد الأنصارية قالت: أخبرني مجمع بن يزيد قال: لما تأيمت أم القاسم بنت ذي الجناحين من حمزة دعت أبا بكر بن عبدالرحمن والقاسم بن محمد وعبدالرحمن ومجمع ابني يزيد، رجلين من قريش ورجلين من الأنصار، فقالت لهم: إني قد تأيمت كما ترون، وإني مشفقة من الأولياء أن ينكحوني من لا أريد نكاحه، إني أشهدكم أني من أنكحت من الناس بغير إذني فإني عليه حرام، ولست له بامرأة، فقال لها عبدالرحمن ومجمع: لو فعلوا ذلك لم يجز عليك، قد كانت الخنساء بنت خذام أنكحها أبوها ولم تأذن، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاح أبيها، وكانت ثيباً فيما بلغنا.

قلت: هكذا وجدته في ترجمة مجمع بن يزيد من معجم البغوي ولم ينسب حمزة، وأنا أخشى أن فاطمة بنت القاسم بن محمد بن جعفر كانت تكنى أم القاسم، وإنما نسبت في هذا الخبر إلى جدها الأعلى جعفر بن أبي طالب، ومستند هذا الظن أن الزبير بن بكار، وهو المقدّم في معرفة أنساب قريش، لم يذكر في أولاد جعفر بن أبي طالب بنتاً يقال لها: أم القاسم، وذكر في أولاد عبدالله بن جعفر: فاطمة بنت القاسم بن محمد بن جعفر، وأنها كانت تحت حمزة بن عبدالله بن الزبير، وكان معاوية خطب أم كلثوم [أم] هذه لابنه يزيد فجعلت أمرها للحسين بن علي، فزوجها من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر، فولدت له فاطمة، فزوجها حمزة بن عبدالله بن الزبير في خلافة أبيه، قال الزبير: ولفاطمة هذه عقب في ولد حمزة بن عبدالله وفيمن ولدوا، انتهى. وقد كتبتها على الاحتمال والعلم عند الله تعالى".

وخالف ابن حجر هذا في «مقدمة فتح الباري» (ص340) فقال: "هي أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ووليها أبوها، وكان الخاطب لها يزيد بن معاوية فتزوجها ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر".

ثم تراجع عن هذا في «الفتح» (9/197) فقال: "والمرأة التي من ولد جعفر هي أم جعفر بنت القاسم ابن محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، ووليها هو عمّ أبيها معاوية بن عبدالله بن جعفر، أخرجه المستغفري من طريق يزيد بن الهاد عن ربيعة بإسناده: أنها تأيمت من زوجها حمزة بن عبدالله بن الزبير، فأرسلت إلى القاسم بن محمد وإلى عبدالرحمن بن يزيد، فقالت: إني لا آمن معاوية أن يضعني حيث لا يوافقني، فقال لها عبدالرحمن: ليس له ذلك ولو صنع ذلك لم يجز، فذكر الحديث إلا أنه لم يضبط اسم والد خنساء ولا سمى بنته كما قدمته، وكنت ذكرت في المقدمة في تسمية المرأة من ولد جعفر ومن ذكر معها غير الذي هنا، والمذكور هنا هو المعتمد، وقد حصل من تحرير ذلك ما لا أظن أنه يزاد عليه فلله الحمد على جميع مننه".

قلت: هي أم جعفر بنت القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب، وكأنها كانت تكنى أيضاً بأم القاسم.

قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» «القسم المتمم» (ص107): "حمزة بن عبدالله بن الزبير بن العوام، وأمه بنت منظور بن زبان الفزاري، فولد حمزة بن عبدالله: عمارة به كان يكنى... وأبا بكر بن حمزة ويحيى وأمهما أم القاسم بنت القاسم بن محمد بن جعفر ابن أبي طالب، وأمها أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وأمها زينب بنت علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: فإن صح أنها كانت تكنى: «أم جعفر» و«أم القاسم»، فيكون ما ذكره ابن حجر في الإصابة صحيح، وأنها نسبت إلى جدها الأعلى لشهرة هذه القصة.

والعجب من ابن حجر أنه سمى هذه المرأة هنا، ثم لما تعرض لحديثها بعد صرّح بأنه لم يقف على اسمها!!

قال في «الفتح» (12/340): "(قوله: إن امرأة من ولد جعفر) في رواية ابن أبي عمر عن سفيان: أن امرأة من آل جعفر، أخرجه الإسماعيلي، ولم أقف على اسمها، ولا على المراد بجعفر، ويغلب على الظن أنه جعفر بن أبي طالب، وتجاسر الكرماني فقال: المراد به جعفر الصادق بن محمد الباقر، وكان القاسم بن محمد جدّ جعفر الصادق لأمه انتهى. وخفي عليه أن القصة المذكورة وقعت وجعفر الصادق صغير؛ لأن مولده سنة ثمانين، وكانت وفاة عبدالرحمن بن يزيد بن جارية في سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، وقد وقع في تفسير الحديث أنه أخبر المرأة بحديث خنساء بنت خذام، فكيف تكون المرأة المذكورة في مثل تلك الحالة، وأبوها ابن ثلاث عشرة سنة أو دونها؟!".

وتعقّبه على هذا الظن العيني في «عمدة القاري» (24/117) فقال: "وقال بعضهم: ويغلب على الظن أنه جعفر بن أبي طالب، ثم قال: وتجاسر الكرماني فقال: المراد به جعفر الصادق بن محمد الباقر وكان القاسم بن محمد جد جعفر الصادق لأمه، انتهى. ثم قال: وخفي عليه أن القصة المذكورة... إلخ".

ثم قال العيني: "قلت: هو أيضاً تجاسر حيث قال بغلبة الظن إنه جعفر بن أبي طالب، والكرماني لم يقل هذا من عنده، وإنما نقله عن أحد، فلا ينسب إليه التجاسر، ويمكن أن يكون جعفر غير ما قالا".

قلت: ما ظنّه ابن حجر هو الصواب، وهو قد صرّح بهذا من قبل، وأحال في هذا الموضع إلى الموضع السابق من كتاب النكاح، ولم يتنبّه العيني لذلك أيضاً، لأن همّه هو تعقب ابن حجر كلما سنحت له الفرصة مع أنه يعيش في شرحه على مائدة ابن حجر، فالله يرحمهما رحمة واسعة.

وقد جاء مصرحاً أنها من آل جعفر بن أبي طالب في رواية ابن عيينة عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد: أنّ امرأة من آل جعفر بن أبي طالب تخوفت أن ينكحها وليها، فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبدالرحمن ومجمع ابني يزيد تشهدهما أنه ليس لأحد من أمري شيء، فأرسلا إليها ألا تخافي، فإن خنساء بنت خذام زوجها أبوها وهي كارهة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها.

·       زيد بن جارية ويزيد بن جارية، هل هما واحد أم أخوان!

اختلف أهل العلم هل زيد بن جارية ويزيد بن جارية واحد أم هما أخوان، فمنهم من اقتصر على تسمية زيد، ومنهم من اقتصر على تسمية يزيد، وهذا يعني أنهما واحد، واختلف في اسمه، هل هو زيد أم يزيد؟ ومنهم من جعل لجارية من الأبناء: زيد ويزيد!

ذكر خليفة في «الطبقات» (ص82) مجمع بن يزيد وعبدالرحمن بن يزيد ثم قال: "وعمّهما زيد بن جارية بن عامر بن مجمع، أمه أم هلال بنت حسل من مزينة".

قلت: وهذا يعني أن زيد ويزيد أخوان.

وقال البلاذري في «أنساب الأشراف»: "وجارية بن عامر بن مجمع، وبنوه: يزيد، وزيد، ومجمع".

وذكر أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (3/1180): «زيد بن جارية الأنصاري الأوسي».

وكذا ذكره الطبراني في «المعجم الكبير» (5/224): «زيد بن جارية الأنصاري».

وكذا ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» في باب «زيد» (3/386) فقال: "زيد بن جارية العَمَري الأوسي. قال عبيد: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل ابن مجمع، عن عمّه يعقوب بن مجمع، عن أبيه مجمع بن زيد، عن جدّه زيد بن جارية: بعنا سهامنا من خيبر بحلة حلة".

قلت: وسيأتي أن هذا روي أيضاً عن «يزيد بن جارية»! ولم يذكر البخاري «يزيد بن جارية» ولكنه روى في «صحيحه» كما مرّ عن عبدالرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية!

وتبعه ابن حبان فقال في «الثقات» (3/140) وفي «مشاهير علماء الأمصار» (ص18): "زيد بن جارية بن عامر العمري الأوسي أخو مجمع بن جارية من بني عمرو بن عوف، كان مع النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/558): "زيد بن جارية الأنصاري، ويقال: يزيد بن جارية، روى عن معاوية، روى عنه الحكم بن ميناء، سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: هذا خلطٌ منه، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وقال أبو أحمد العسكري في «تصحيفات المحدثين» (2/521): "وجارية بن عامر، وهو الذي بنى مسجد الضرار فكان رأس أهل المسجد، وكان معه من ولده: مجمع وزيد ويزيد".

وقال ابن ماكولا في «الإكمال» (2/5): "وزيد بن جارية الأنصاري العمري الأوسي، له صحبة، روى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم استصغر ناساً يوم أحد منهم زيد ابن جارية - يعني نفسه".

وقال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (11/84): "قال الكلبي: زيد ويزيد ومجمع بنو جارية... وأمرهم مشكل جداً، وقد شرحت منه ما وجدته في كتب الأنساب وسمعته من أهل المعرفة، وجملته أن الذي لحق النبيّ صلى الله عليه وسلم منهم ثلاثة: يزيد وزيد ابنا جارية، ومجمع بن يزيد بن جارية، وذكر بعضهم أن جارية بن مجمع بن جارية لحق النبي صلى الله عليه وسلم وجمع القرآن، والله تعالى أعلم".

·       جملة من الأوهام لابن عبدالبر!!

وقال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (2/540): "زيد بن جارية الأنصاري العمري، وقد قيل: زيد بن حارثة، كان ممن استصغر يوم أحد، وهو من بني عمرو بن عوف، كان زيد بن جارية وأبو سعيد الخدري والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وسعد ابن حبتة ممن استصغر يوم أحد، ورواه أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي قال: حدثنا عثمان بن عبدالله بن زيد بن جارية الأنصاري، عن عمر بن زيد بن جارية الأنصاري، قال: حدثني زيد بن جارية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغره يوم أحد والبراء بن عازب وزيد ابن أرقم وسعد ابن حبتة وأبا سعيد الخدري.

قال أبو عمر: هو زيد بن جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف الأنصاري من الأوس، وكان أبوه جارية من المنافقين أهل مسجد الضرار كان يقال له حمار الدار، شهد زيد ابن جارية هذا صفين مع عليّ رضي الله عنه، وهو أخو مجمع بن جارية، روى عنه أبو الطفيل حديثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أخاكم النجاشي قد مات فصلّوا عليه، قال: فصففنا صفين.

قال أبو عمر: ذكره أبو حاتم الرازي في باب من اسم أبيه «علي» من باب «زيد» وقال: زيد بن جارية العمري الأوسي، له صحبة، وقال: سمعت أبي يقول ذلك، وقال: لا أعرفه.

وذكر أبو يحيى الساجي قال: حدثني زياد بن عبيدالله المزني، قال: حدثني مروان بن معاوية، قال: حدثنا عثمان بن حكيم، عن خالد بن سلمة القرشي، عن موسى بن طلحة ابن عبيدالله، قال: حدثني زيد بن جارية أخو بني الحارث بن الخزرج، قال: قلت، يا رسول الله، قد علمنا كيف السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: صلوا عليّ، وقولوا: اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

هكذا رواه خالد بن سلمة عن موسى بن طلحة، ورواه إسرائيل عن عثمان بن عبدالله بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، وربما قال فيه: أراه عن أبيه قال: قلت يا رسول الله، قد علمنا السلام عليك، فذكره".

قلت: قد وقع لابن عبدالبر في هذه الترجمة جملة من الأوهام:

1- قوله: (وقد قيل: زيد بن حارثة) وهم، وإنما تصحف على بعضهم.

2- قوله: (روى عنه أبو الطفيل حديثه في الصلاة على النجاشي) لا يصح أنه هو، وقد حققت ذلك فيما سبق.

3- قوله: (ذكره أبو حاتم الرازي في باب من اسم أبيه (علي) من باب (زيد) وقال: زيد بن جارية العمري الأوسي، له صحبة، وقال: سمعت أبي يقول ذلك، وقال: لا أعرفه).

قلت: هذا النقل فيه نظر!! فإن ابن أبي حاتم ذكر ذلك في باب «زيد» في باب من اسم أبيه «حارثة»، ولم يذكره في باب من اسم أبيه «علي»!!

قال ابن أبي حاتم في (3/559): "زيد بن حارثة العَمَري الأوسي، له صحبة، مديني، روى عنه زيد، سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: لا أعرفه".

قلت: وهذا وهم، وكأنه تصحف على أبي حاتم في نسخته من تاريخ البخاري، وإنما هو: «زيد بن جارية» بالجيم.

·       وهم لمغلطاي!

قال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (5/143) بعد أن ذكر «زيد بن حارثة ابن شراحيل» الصحابي المشهور، قال: "وفي الصحابة رجلٌ آخر يسمى: زيد بن حارثة العمري الأوسي. قال أبو حاتم: له صحبة. ذكرناه للتمييز".

قلت: تبع مغلطاي أبا حاتم في وهمه!

4- إيراده حديث موسى بن طلحة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ترجمة «زيد بن جارية» خطأ، وقد تصحف إسناده عليه، والصواب أنه: «زيد بن خارجة» بالخاء، وهو الذي يعرف بأخي بني الحارث بن الخزرج.

·       تنبيه:

حديث عثمان بن عبدالله بن زيد بن جارية الأنصاري، عن عمر بن زيد بن جارية الأنصاري، عن زيد بن جارية، تصحّف في معظم الكتب إلى «حارثة» [المستدرك: 2/67، المعجم الكبير: 5/164].

·       وهم في كتاب الصحابة لأبي نُعيم!

ذكر أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (5/2789): «يزيد بن جارية أو خارجة»، ثم قال: "ذكره المنيعي في الوحدان"، ثم ساق له من طريق خالد بن سلمة، عن موسى بن طلحة، عن يزيد بن جارية، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نصلي عليك؟ الحديث.

قلت: وهذه ترجمة خطأ، والصواب أن الحديث لـ «زيد بن خارجة» بالخاء كما سبق بيانه.

قال ابن حجر في «الإصابة» (2/595): "زيد بن جارية، بالجيم، الأنصاري الأوسي، روى ابن منده من طريق عثمان بن عبيدالله بن زيد بن جارية عن عمر بن زيد ابن جارية: حدثني أبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغر ناساً يوم أحد منهم زيد بن جارية - يعني نفسه - والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وسعد بن حبتة وابن عمر وجابر، وروى البخاري في التاريخ من طريق يعقوب بن مجمع بن زيد بن جاريه، عن أبيه، عن جدّه زيد بن جارية، قال: بعنا سهامنا من خيبر بحلة حلة، وروى البيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون عن أبيه قال: جاء رجل إلى ابن عمر، فقال: إن زيد ابن جارية مات وترك مائة ألف، قال: لكن هي لا تَتْركه، وله حديث آخر في المواقيت أخرجه البغوي".

قلت: الحديث الذي في المواقيت روي عن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية عن عمّه مجمع بن جارية كما سبق تخريجه وبيانه.

وقال ابن حجر في «تبصير المنتبه بتحرير المشتبه»: "ومجمّع بن جارية أخو يزيد، له صُحْبة، وأبوهما كان منافقاً من أهل مسجد الضِّرار، وكان يلقَّب حمار الدار. وعبدالرحمن وجارية ابنا يزيد بن جارية، لهما رواية. وزيد بن جارية، له صحبة. وروى عن معاوية. روى عنه الحكم بن مينا، وفرّق بينه وبين أخي مجمِّع، وقطع الخطيب بأنه هو، وتعقّب ذَلِكَ ابن ماكولا. وحديثُه عن معاوية في مسند أحمد. وزيد بن جارية الأنصاري الأوْسيّ له صحبة، وروي عنه أنه استصغر يوم أحُد، روى عنه ذَلِكَ ابنه عمر بن زيد بن جارية، وعن عُمر ابن عثمان بن عُبيدالله بن زيد بن جارية، وروى أبو الطفيل عن ابن جارية الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ولم يسمّه، فلعله زيد هذا".

قلت: لا شك بوجود يزيد بن جارية وهو والد عبدالرحمن ومجمّع، وهو الذي تزوج جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح بعد أن طلقها عمر بن الخطاب، وكانت قد ولدت لعمر عاصم بن عمر ثم ولدت ليزيد عبدالرحمن بن يزيد.

ولكن المنازعة في وجود زيد بن جارية، هل هو أخوه أم أنه هو؟

أما من ترجم ليزيد بن جارية:

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/255): "يزيد بن جارية بن عامر بن العطاف أخو مجمع بن جارية، مات بالمدينة، له عقب، سمعت أبي يقول ذلك".

ثم ذكر: "يزيد بن جارية، روى عن [...] روى عنه الزهري في الدجال، سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: الترجمة الثانية وهم لا شك فيه؛ فإن حديث الدّجال يرويه الزهريّ عن عَبدالله ابن عُبَيدالله بن ثعلبة، عن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، عن عمّه مجمِّع بن جارية، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد سبق تخريجه والكلام عليه بحمد الله وكرمه، وكأن أبا حاتم اعتمد إسناداً فيه سقط فذكر هذه الترجمة هكذا!

وقال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (4/1573): "يزيد بن جارية، والد عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، شهد خطبة الوداع، وروى منها ألفاظاً منها: «أرقاؤكم أرقاؤكم، أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، الحديث»، يختلف في هذا الحديث: فقد جعله ابن أبي خيثمة ليزيد ابن ركانة، وجعله الأزرق ليزيد بن جارية، وكذلك ذكره الأزدي الموصلي ليزيد بن جارية".

وقال الحسيني في «الإكمال لرجال أحمد» (ص476): "يزيد والد عبدالرحمن، وهو ابن جارية بن عامر بن مجمع الأنصاري الأوسي، شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وروى منها ألفاظاً، روى عنه ابنه عبدالرحمن بن طلحة (!) وعثمان بن حكيم بن خالد".

وقال ابن حجر في «الإصابة» (6/650): "يزيد بن جارية بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري، أبو عبدالرحمن، ذكره ابن سعد وغيره في الصحابة، وقال ابن منده: يزيد بن جارية، وقيل: زيد، جعلهما واحداً، والصواب أنهما أخوان، وفرّق الدارقطني بين يزيد بن جارية بن مجمع وبين يزيد الذي اختلف في اسمه، فقيل: يزيد، وقيل: زيد بن جارية، فقال في كلّ منهما: له صحبة، والثاني روى عن معاوية، روى عنه الحكم بن مينا، وتعقبه الخطيب، وصوّب ابن ماكولا كلام الدارقطني، وقال: لا أدري من أين حصل للخطيب القطع بذلك.

قلت - ابن حجر -: ورواية يزيد عن معاوية في كتاب فضائل الأنصار لأبي داود، وفي سنن النسائي، ومن حديث يزيد بن جارية بن مجمع ما أخرجه البغوي وابن شاهين وابن السكن وابن منده والأزرق والأزدي وغيرهم من طريق الثوري، عن عاصم بن عبدالله، عن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، عن أبيه، قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقال: «أرقاءَكم أرقاءَكم، أطعموهم مما تأكلون الحديث»، وفي آخره: «فإن لم تغفروا فبيعوا عباد الله، ولا تعذبوهم»، ووقع عند ابن أبي خيثمة من روايته عن أبيه عن عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان، فذكره بلفظ: عن عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه، ووقع عنده غير مذكور الجد، فظنه يزيد بن ركانة، فترجم له به فوهم، أشار إلى ذلك ابن عبدالبر، وقال ابن السكن: حدثنا هارون بن عيسى: حدثنا أبو داود، قلت: لأحمد، يزيد له صحبة؟ قال: لا أدري، وهو أخو مجمع، قلت: إنما توقف فيه؛ لأنه وقع في روايته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الرواية التي فيها: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمقتضاها إثبات صحبته، ومن حديثه أيضاً ما أخرج ابن منده من طريق يزيد بن هارون، عن مجمع بن يحيى: حدثنا عمي خالد ابن يزيد بن جارية، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «برئ من الشح من أدّى الزكاة، الحديث»، ومن هذا الوجه إلى مجمع بن يحيى: حدثنا سويد بن عامر، عن يزيد بن جارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلوا أرحامكم ولو بالسلام»، وأخرج يونس بن بكير في «زيادات المغازي» عن إبراهيم بن إسماعيل، عن مجمع، عن جده يزيد بن جارية، قال: بعنا سهامنا بخيبر بحلة حلة، ورواه عبيد بن يعيش عن يونس فقال: زيد. قال أبو عمر: الأول أصح" انتهى كلام ابن حجر.

قلت: ظاهر كلام ابن منده وابن سعد وغيرهما أن يزيد وزيداً واحداً، وخالفهم ابن حجر فقال: الصواب أنهما أخوان.

قلت: والقلب أميل إلى أنهما واحد، والذي اعتمده البخاري وغيره في إثبات وجود زيد بن جارية: حديث بيع السهام بخيبر، وقد اختلف فيه كما أشار ابن حجر، فمنهم من قال: عن يزيد بن جارية، ومنهم من قال: عن زيد بن جارية، والصواب أنه: عن يزيد بن جارية، تصحف في بعض الروايات إلى زيد بن جارية.

وأما الحديث الثاني الذي اعتمدوه في إثبات وجود زيد هو ما روي عنه من أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم استصغره وجماعة يوم أحد.

رواه البخاري في «التاريخ الأوسط» (1/161) عن أحمد بن آدم، قال: حدثنا منصور بن سلمة أبو سلمة الخزاعي، قال: حدثنا عثمان بن عبدالله بن زيد بن جارية الأنصاري، عن عمرو بن زيد بن جارية، قال: حدثني أبي: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغر ناساً يوم أحد منهم: زيد بن جارية - يعني نفسه -، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وسعد بن حتمة، وأبو سعيد الخدري، وعبدالله بن عمر، وذكر جابر بن عبدالله».

قال منصور: "أخاف أن لا يكون حفظ جابر".

ورواه الحاكم في «المستدرك» (2/67) من طريق أبي بكر بن أبي عتاب الأعين، عن منصور بن سلمة، به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (9/22) عن الحاكم به. ثم قال: "كذا في كتابي عثمان بن عبدالله، ورأيته في موضع آخر: ابن عبيدالله".

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (5/164) عن محمد بن عبدالله الحضرمي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الجنيد بالرقة، قال: حدثنا أبو سلمة الخزاعي، قال: حدثنا عثمان ابن عبدالله بن زيد بن جارية الأنصاري، عن عمرو بن زيد بن جارية، قال: حدثني أبي زيد بن جارية: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغر ناساً يوم أحد منهم زيد بن أرقم».

ورواه أيضاً (5/224) في ترجمة «زيد بن جارية الأنصاري» عن محمد بن عبدالله الحضرمي، قال: حدثنا محمد بن أبي عتاب أبو بكر الأعين، قال: حدثنا منصور بن سلمة أبو سلمة الخزاعي، قال: حدثنا عثمان بن عبيدالله بن زيد بن جارية، قال: حدثني أبي عبيدالله بن زيد، قال: حدثني أبي زيد بن جارية قال: «استصغر النبي صلى الله عليه وسلم ناساً...» الحديث.

كذا اختلف في إسناده!

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (19/263) من طريق ابن سعد، قال: أخبرنا محمد ابن سماعة، قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، عن عثمان بن عبيدالله بن زيد بن جارية، عن عمّه عمر بن زيد بن جارية، عن أبيه زيد بن جارية قال: «استصغر النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد سبعة فردهم: عبدالله بن عمر، وزيد بن أرقم، والبراء ابن عازب، وأبا سعيد الخدري، وجابر بن عبدالله وليس بالذي يروي عنه، وزيد بن جارية، وسعد بن حَبتة».

قلت: تصحفت «جارية» في كل الإسناد إلى «حارثة».

وهذا الحديث تفرد به عثمان بن عبيدالله بن زيد بن جارية بهذا الإسناد، وهو لا يعرف، ولا يعرف عمّه عمرو أو عمر بن زيد!

فإن صحّ هذا الحديث فيكون «يزيد» قد تحرّف إلى «زيد» فصوابه: «عمر بن يزيد بن جارية عن أبيه يزيد». وكذا وقع في مطبوع الإصابة كما سيأتي في ترجمة «جابر بن عبدالله»، والمطبوع فيه تصحيفات وتحريفات كثيرة، فقد يكون هذا الموضع صحيحاً وقد يكون محرفاً، فالله أعلم.

إلا أنه لا يعرف ليزيد بن جارية ولد اسمه «عمر» أو «عمرو» وله ولد اسمه «عامر» فلعله هو إن صحّ الإسناد!

فإن قلت: تخريج البخاري لهذه الرواية في «تاريخه الأوسط» الذي بناه على الوقائع الصحيحة بحسب التواريخ التي يوردها في كتابه، وأنتَ أشرت في بعض كتاباتك أن تخريج البخاري لأحداث في تاريخه الأوسط يدلّ على صحتها عنده؟!

أقول: نعم، هذا صحيح فيما يورده في العشر الذي يورد فيه الأحداث عدا ما يتعقبه رحمه الله وكلامه على علل بعض الأحاديث، وهذا منها، فإنه أورده لما جاء فيه ذكر «جابر بن عبدالله» واستبعاد منصور بن سلمة أن يكون ذكره محفوظاً في هذه الرواية، فجابر توفي سنة (77هـ) وقيل: (78هـ)، والبخاري أورده في حوادث ما بين «السبعين إلى الثمانين»، لاستنكار ذكر جابر في هذا الحديث.

وقد قيل إن جابراً عاش أربعاً وسبعين سنة، فعلى هذا كان عمره يوم بدر ثماني عشرة سنة، وقد روى الواقدي عن إبراهيم بن جعفر عن أبيه عن جابر قال: «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستَّ عشرة غزوة، لم أقْدِرْ أن أغزو حتى قتل أبي بأحد، كان يخلفني على أخواتي، وكنَّ تسعاً، فكان أول ما غزوت معه حمراء الأسد».

وقد جاء في رواية ابن سعد أنه جابر آخر.

قال ابن حجر في «الإصابة» (1/437): "جابر بن عبدالله من الأنصار، ذكره أبو الفتح اليَعمري في السيرة النبوية فيمن ردَّه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، قال: وليس هو الذي يروي عنه الحديث. قلت: ولم ير في غير الأنصار صحابي يقال له جابر بن عبدالله غير العبدي، وهذا الراسبي إن صح، ولم يوصف واحد منهما بأنه ردّ عن أحد، فلعله ثالث، ثم وجدته في ذيل ابن فتحون فقال: قال ابن سعد: أخبرنا ابن سماعة: حدثنا أبو يوسف القاضي، عن عثمان بن عبدالله بن يزيد بن جارية، عن عمّه ابن يزيد بن جارية، عن أبيه قال: «استصغر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: ابن عمر وزيد ابن أرقم وأبا سعيد وجابر بن عبدالله وليس بالذي يروي عنه الحديث، وسعد بن حبتة»، حكاه الطبري عن ابن سعد".

قلت: ليس هو بجابر بن عبدالله ولا جابر آخر، وإسناد هذا الحديث لا يصح عندي.

وقد روى البخاري في «التاريخ الأوسط» (1/120) عن إبراهيم بن يحيى، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا الزهري، عن عروة بن الزبير: «ردَّ النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ - يعني يوم أحد - نفراً استصغرهم، فيهم: عبدالله بن عمر، ابن أربعة عشر، وأسامة بن زيد، والبراء بن عازب، وعرابة بن أوس، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، ورافع بن عدي، فتطاول له رافع، فأذن له فسار معهم، وخلَّف بقيتهم حرس للذراري والنساء».

قلت: وهذا أصح، وليس فيه «زيد بن جارية»!

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (19/264) من طريق محمد بن يحيى الذهلي، عن إبراهيم بن يحيى بن عباد بن هانىء المخزومي، عن أبيه، مثله، وزاد فيه: «ورجلٌ من بني حارثة».

قلت: وهذا الذي من بني حارثة هو: «سعد بن الحنظلية».

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/81): "سعد بن الحنظلية، والحنظلية هي أم جدّه، وهو أخو سهل بن الحنظلية، ويكنى أبا الحارث، استصغر يوم أحد، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال الذهبي في «المقتنى في سرد الكنى» (1/160): "سعد بن الحنظلية: استصغر بأحد".

وقال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (2/585): "سعد بن الحنظلية، والحنظلية هي أم جده، وهو سعد بن الربيع بن عمرو ابن عدي، يكنى أبا الحارث، استصغر يوم أحد، هو أخو سهل ابن الحنظلية، وهما من بني حارثة من الأنصار، وقد قيل: إن سعداً بن الحنظلية أبوه يسمى عقيباً، ولهما أخ يسمى عقبة، وقد قيل: إن الحنظلية أمه وأم أخويه".

·       وهم لابن حجر!!

قال ابن حجر في «الإصابة» (3/60): "سعد بن الربيع بن عمرو بن عدي الأنصاري أبو الحارث، ويعرف بسعد بن الحنظلية، وهو أخو سهل بن الحنظلية، والحنظلية أمهما، وقيل: جدتهما. وقال أبو عمر بن عبدالبر: قيل: إن اسم أبيهما عقيب. قلت: هو قول ابن سعد. وقال أبو حاتم: استشهد بأحد، وفيه نظر، ولعله أراد الذي قبله، وأما هذا فذكر ابن سعد أنه شهد الخندق".

قلت: وهم ابن حجر في نقله عن أبي حاتم، وقد تصحّف عليه، وإنما قال أبو حاتم: "استصغر بأحد" كما سبق. ولم يتنبه المعلمي لهذا، فنقل كلام ابن حجر أثناء ترجمة سعد من الجرح والتعديل، مع أن قول أبي حاتم في استصغاره كما هو في الأصل، والذي تعقبه فيه ابن حجر في استشهاده!

ومما يدل على أنه تصحف على ابن حجر أنه قال: "لعله أراد الذي قبله"، والذي قبله هو سعد بن الربيع بن عمرو الخزرجي العقبي أحد النقباء الاثني عشر الذي آخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبدالرحمن بن عوف، واستشهد يوم أحد، فظن ابن حجر أن أبا حاتم أراده، وليس كذلك.

·       وهم للحاكم! لم يتنبه له الذهبي فتعقّبه بشيء آخر.

قال الحاكم في «المستدرك» (3/208): "ومن مناقب سعد بن خيثمة بن الحارث ابن مالك بن كعب، وهو عقبي وأحد النقباء الاثني عشر، قتله عمرو بن عبد ود يوم بدر"، ثم قال: حدثنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو، قال: حدثنا أحمد بن عبيدالله النرسي، قال: حدثنا منصور بن سلمة الخزاعي، قال: حدثنا عمر (!) بن عبيدالله بن زيد ابن حارثة (!) الأنصاري المديني قال: حدثني عمي عمر بن زيد بن حارثة، حدثني أبي زيد ابن حارثة قال: «استصغرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وسعد بن خيثمة».

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

فتعقبه الذهبي في «التلخيص» فقال: "منكرٌ، كيف يستصغر من هو نقيب".

وقال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (4/91): "وروى - أي الحاكم - في مناقب سعد بن خيثمة أنه استصغر هو وزيد بن حارثة يوم بدر".

كذا في مطبوع المستدرك والتلخيص الحبير: «حارثة» وهو خطأ، والصواب: «جارية»، وكذلك في المستدرك: «عمر بن عبيدالله» تحريف، والصواب: «عثمان بن عبيدالله».

وقد وهم الحاكم وهماً شديداً إذ ذكر هذا الحديث في مناقب «سعد بن خيثمة»؛ ولهذا تعقبه الذهبي بأنه منكر؛ لأن سعداً هذا لا يمكن أن يكون من النقباء ويستصغر يوم أحد! وكلامه هذا صحيح؛ لأن النقيب لا يستصغر يوم أحد!

ولكنه لم يتنبه إلى أن الذي في هذا الحديث هو: «سعد بن حَبْتَة» لا «سعد بن خيثمة»؛ فكأنه تحرّف في إسناد الحاكم إلى «سعد بن خيمة» فذكره، ولا يصح.

قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (6/52): "سعد بن بجير بن معاوية، وهو الذي يقال له: سعد بن حبتة، وهو من بجيلة حليف لبني عمرو بن عوف، استصغر يوم أحد، ونزل الكوفة ومات بالكوفة، وصلّى عليه زيد بن أرقم، فكبّر عليه خمساً، ومن ولده خنيس بن سعد بن حبتة صاحب شهارسوج خنيس بالكوفة، ومن ولده أيضاً أبو يوسف القاضي اسمه: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة".

وقال في ترجمة أبي يوسف (7/330): "أبو يوسف القاضي، واسمه يعقوب ابن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن بجير بن معاوية بن قحافة بن نفيل بن سدوس بن عبد مناف ابن أبي أسامة بن سحمة بن سعد بن عبدالله بن قراد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن بجيلة، وأم سعد بن بجير حبتة بنت مالك من بني عمرو بن عوف من الأنصار، وإنما يعرف سعد بأمه يقال له سعد بن حبتة، وهم حلفاء في بني عمرو بن عوف".

وقال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (2/584): "سعد ابن حبتة، وحبتة هي بنت مالك، من بني عمرو بن عوف، وهو سعد بن بجير بن معاوية بن سلمى بن بجيلة حليف لبني عمرو ابن عوف الأنصاري".

ثم قال: "لا يختلفون أن أبا يوسف القاضي هو يعقوب بن إبراهيم ابن حبيب ابن خنيس بن سعد ابن حبتة الأنصاري، وجد أبي يوسف خنيس فيما ذكر ابن الكلبي هو صاحب (جهارسوج خنيس) بالكوفة، وتفسير (جهارسوج) بالعربية رحبة مربعة تفترق منها أربعة طرق، وولي القاضي أبو يوسف للمهدي ثم من بعده للهادي ثم للرشيد بعده إلى أن توفى في ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين ومائة. وقال ابن الكلبي: سعد ابن حبتة هو سعد بن عوف بن بجير بن معاوية، وأمه حبتة بنت مالك من بني عمرو بن عوف جاءت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له وبرك عليه ومسح على رأسه، ومن ولده النعمان بن سعد الذي روى عن علي، ومن ولده أيضاً خنيس بن سعد، ومن ولده أيضاً أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم بن خنيس بن سعد ابن حبتة".

قال أبو عمر ابن عبدالبر: "سعد ابن حبتة ممن استصغر يوم أحد هو والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وأبو سعيد الخدري وزيد بن حارثة (!) الأنصاري".

قلت: لا أدري كيف يستقيم كلام ابن عبدالبر وغيره أنه استصغر يوم أحد، وما نقله قبل هذا عن ابن الكلبي أن أمه جاءت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له وبرك عليه ومسح على رأسه؟!!

فلو صح ما قاله ابن الكلبي فيكون حينئذ صغير جداً، ولا يُستصغر يوم أحد التي كانت سنة (3هـ)، فليتأمل.

وقال ابن حجر في «الإصابة» (3/48): "سعد بن بجير بن معاوية بن قحافة بن نفيل ابن سدوس البجلي حليف الأنصار، هو سعد بن حبتة بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها مثناة، وهي أمه وبها يشهر. قال ابن سعد: هو جد أبي يوسف القاضي. وقال البغوي: قال أبو يوسف عن أيوب بن النعمان: شهدت جنازة سعد بن حبتة فكبر عليه زيد بن أرقم خمساً. وروى ابن الكلبي من حديث أبي قتادة قال: خرجت في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيت مسعدة فضربته ضربة، وأدركه سعد بن حبتة فضربه فخرّ صريعاً وكان ذلك يوم أحد".

ثم قال: "سعد بن حبتة، أخرج الطبراني من طريق الواحدي عن أيوب بن النعمان عن أبيه عن جدّه قال: رأيت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعين، وذكر ابن حبان ما يدل على أن اسم والد النعمان: سعد بن حبتة، فإنه قال في ثقات التابعين: النعمان بن سعد بن حبتة، روى عن علي وزيد بن أرقم، روى عنه ابنه. انتهى. وكذا قال ابن أبي حاتم عن أبيه: النعمان بن سعد، روى عنه ابنه، وللنعمان رواية أيضاً عن عبدالله بن كعب ابن مالك الأنصاري".

قلت: هكذا فرّق ابن حجر بين «سعد بن بجير» و «سعد بن حبتة» وهما واحد.

قال ابن ماكولا في «الإكمال» (3/121): "وسعد بن حبتة الأنصاري أمه حبتة بنت مالك من بني عمرو بن عوف، أبوه بحير بن معاوية، له صحبة، لم يشهد أحداً وشهد ما بعدها، قاله الدارقطني، وقال ابن سعد: هو بجير بن معاوية ابن قحافة بن نفيل، وقال غير ابن سعد: بليل بن سدوس بن عبد مناف ابن أبي أسامة بن سحمة بن سعد بن عبدالله ابن قداد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن بجيلة، ومن ولده أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد بن حبتة".

وقد تعقّب الخطيب الدارقطني أنه صحف اسم أبيه فقال: «بحير» بالحاء. قال الخطيب: "وقد صحف أبو الحسن اسم أبي سعد إذ سماه بحيراً بفتح الباء وخفض الحاء، وإنما هو بجير بضم الباء وفتح الجيم".

فتعقبه ابن ماكولا في «تهذيب مستمر الأوهام» (ص213): "قلت أنا: وليس هذا عندي وهماً؛ لأنه اختلاف في بحير وبجير، ذكره ابن الكلبي بحيراً، وقال ابن سعد: بجيراً، وفيما حكى الخطيب عن التنوخي وطلحة من نسب أبي يوسف تصحيفان، أحدهما: قوله (قدار بالراء) وإنما هو: قداد بدالين مهملتين، والآخر: قوله (العوذ بالعين المهملة والذال المعجمة)، وإنما هو الغوث".

قلت: قد تبيّن أن أهل العلم ذكروا أن «سعد بن الحنظلية» و «سعد بن حتمة» كلاهما قد استصغر يوم أحد، فيحتمل أن الذي استصغر أحدهما فوهم بعض الرواة فذكر الآخر، وابن حتمة لم يذكر إلا في حديث عثمان بن عبيدالله بن زيد بن جارية، وهو عندي ليس بصحيح، وإن صح فيكون «يزيد» تصحف إلى «زيد»، والقلب أميل إلى أن سعداً الذي استصغر يوم أحد هو ابن الحنظلية، والله أعلم.

والخلاصة أن «زيد بن جارية» هذا لا دليل على وجوده، وإنما هو «يزيد بن جارية» وقد تصحف في بعض الأسانيد.

ولم أجد في كتب الأنساب والطبقات ما يدلّ على وجوده، ولم يذكره ابن سعد وغيره، وقد تفرد خليفة بذكر أمه، فقال: " زيد بن جارية بن عامر بن مجمع، أمه أم هلال بنت حسل من مزينة".

قلت: هكذا قال! ولم أجد من ذكر أم هلال هذه، فالله أعلم.

·       حديثان آخران ذكرهما الطبراني لزيد بن جارية!

1- روى الطبراني في «المعجم الكبير» (5/224) قال: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، قال: حدثنا محمد بن منصور الكلبي، قال: حدثنا صيفي بن رِبعي، قال: حدثنا عثمان بن عبيدالله، عن جميل بن زيد، قال: «رأيت خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسون خواتيم الذهب، منهم: زيد بن جارية، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وعبدالله بن يزيد».

قلت: كذا جاء في المطبوع: «جميل بن زيد»، ولهذا قال محقق الكتاب الشيخ حمدي السلفي: "جميل بن زيد هو الطائي، قال ابن معين: ليس بثقة...".

وفي «مجمع الزوائد» (5/153): «وعن جميل بن عبدالله». قال الهيثمي: "رواه الطبراني، ويزيد لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا".

هكذا قال، ولهذا قال الشيخ حمدي السلفي: "قال في المجمع: ويزيد [لعله جميل بن زيد] لم أعرفه..."!!

·       راوي الحديث مجهول!

قلت: وهذا ظن من الشيخ لا يصح! وكأن الصواب: (وجميل) فتصحفت إلى: (ويزيد). ولو كان ما قاله السلفي صحيحاً لما غفل عنه الهيثمي؛ لأنه يعرف (جميل بن زيد)، فإنه ذكر له حديثاً في «المجمع» (8/88) ثم قال: "وفيه جميل بن زيد وهو ضعيف".

وعليه فإن راوي هذا الحديث: «جميل بن عبدالله» مجهول لا يُعرف. وعثمان بن عبيدالله مجهول كذلك، وصيفي بن رِبعي الأنصاري يخطئ!

والحديث منكرٌ! لأنه ذكر في هؤلاء البراء، وقد روى البخاري في «صحيحه» (5/2202) عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: «نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن سبع: نهى عن خاتم الذهب...».

فالبراء بن عازب روى عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن لبس خواتيم الذهب، فكيف يلبسه هو؟!

·       وهم لابن القيّم!

وقد وهم ابن القيم في هذه المسألة، إذ قال في «حاشيته» (ص187): "وقد روي عن البراء بن عازب وطلحة بن عبيدالله وسعد بن أبي وقاص وأبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم أنهم لبسوا خواتيم الذهب، وهذا إن صح عنهم فلعلهم لم يبلغهم النهي".

قلت: فكيف لم يبلغهم النهي والبراء روى هذا النهي؟!

2- روى الطبراني في «المعجم الكبير» (5/224) قال: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبدالرحمن بن محمد المحاربي، عن عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه قال: قيل لابن عمر: «إن زيد بن جارية قد مات، فقال: رحمه الله، فقيل: يا أبا عبدالرحمن: إنه ترك مائة ألف، قال: ولكنها لم تتركه».

قلت: هذا إسناد صحيح، ولكن أظن أنه تصحف: «يزيد بن جارية» إلى «زيد بن جارية»، أو أن المحاربي لم يضبط اسمه، أو أنه أخطأ في تسميته.

فقد رواه ابن عساكر في «تاريخه» (31/172) من طريق سفيان الثوري، عن عمرو ابن ميمون، عن أبيه، قال: قيل لابن عمر: «مات فلان، قال: سبيل مأتي بي، قال: ترك مائة ألف، قال: لكنها لا تتركه».

فلم يسمه الثوري، فالله أعلم.

·       تفرقة الدارقطني بين يزيد بن جارية بن مجمع وبين يزيد الذي اختلف في اسمه، فقيل: يزيد، وقيل: زيد بن جارية، وقال في كلّ منهما: له صحبة.

وقد تعقّبه الخطيب وصوّب ابن ماكولا كلام الدارقطني.

قلت: ما صوّبه ابن ماكولا ليس بصواب، والصواب أنهما واحد.

وكأن الدارقطني فرّق بينهما استناداً إلى ما قاله ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/558): "زيد بن جارية الأنصاري، ويقال: يزيد بن جارية، روى عن معاوية، روى عنه الحكم بن ميناء، سمعت أبي يقول ذلك".

وقوله في (9/255): "يزيد بن جارية بن عامر بن العطاف أخو مجمع بن جارية، مات بالمدينة، له عقب، سمعت أبي يقول ذلك".

ففرّق ابن أبي حاتم بينهما وتبعه الدارقطني، وهو خطأ، فهما واحد.

·       من هو الراوي عن معاوية: زيد بن جارية أم يزيد بن جارية؟! ورأي البخاري في ذلك وتصحيف في الإسناد الذي اعتمده، ووهم لأبي حاتم الرازي!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/558): "زيد بن جارية الأنصاري، ويقال: يزيد بن جارية، روى عن معاوية، روى عنه الحكم بن ميناء، سمعت أبي يقول ذلك".

وفرّق بين يزيد بن جارية والد عبدالرحمن وبين يزيد بن جارية الذي يروي عن معاوية!

فقال في (9/255): "يزيد بن جارية بن عامر بن العطاف أخو مجمع بن جارية، مات بالمدينة، له عقب، سمعت أبي يقول ذلك".

ثم قال: "يزيد بن جارية، روى عن معاوية بن أبي سفيان، روى عنه الحكم بن مينا، سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: اعتمد في ذلك على تراجم البخاري، فإنه ذكر في باب «زيد» من «التاريخ الكبير» (3/389): "زيد بن جارية الأنصاري: سمع معاوية، روى عنه حكم ابن ميناء، قاله إبراهيم بن سعد عن أبيه.

وقال ابن المثنى: حدثنا عبدالوهاب - هو: الثقفي - ويزيد - هو: ابن هارون -، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعد، عن الحكم، عن يزيد.

حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: حدثنا [يحيى بن سعيد]، عن سعد، عن الحكم بن ميناء، عن زيد بن جارية: سمع معاوية، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب الأنصار أحبه الله".

قلت: عدّه البخاري تابعياً وأشار إلى الاختلاف في اسمه «زيد» أم «يزيد»، وظاهر تصرفه أنه عنده: «زيد بن جارية» ويؤيده ما ذكره في ترجمة «الحكم بن ميناء» من «التاريخ الكبير» (2/343): "وعن حكم بن ميناء عن زيد بن جارية: سمع معاوية: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب الأنصار أحبه الله".

قلت: كأن البخاري رحمه الله اعتمد على رواية فيها تصحيف؛ لأن الرواية الصحيحة من حديث إبراهيم بن سعد فيها: «يزيد بن جارية»، فتصحفت إلى «زيد بن جارية»!

كذا رواه الإمام أحمد في «مسنده» (4/100) عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: حدثني أبي، عن أبيه قال: أخبرني الحكم بن ميناء، عن يزيد بن جارية، قال: إني لفي مجلس معاوية في نفر من الأنصار، ونحن نتحدث إذ خرج علينا معاوية، فذكر معناه.

ورواه أيضاً (4/96) عن يزيد بن هارون قال: حدثنا يحيى بن سعيد: أن سعد ابن إبراهيم: أخبره عن الحكم بن ميناء: أن يزيد بن جارية الأنصاري أخبره: «أنه كان جالساً في نفر من الأنصار، فخرج عليهم معاوية، فسألهم عن حديثهم، فقالوا: كنا في حديث من حديث الأنصار، فقال معاوية: ألا أزيدكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبّ الأنصار أحبه الله عز وجل، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله عز وجل».

وذكره الطبراني في «المعجم الكبير» (19/317) في ترجمة: «يزيد بن جارية الأنصاري عن معاوية».

وقد ذكر الدارقطني الاختلاف في إسناد هذا الحديث في «العلل» (7/55-57)، ثم قال في يزيد بن جارية الراوي عن معاوية: "ويزيد بن جارية الأنصاري صحابيّ".

وبهذا يتبيّن لنا أن يزيد والد عبدالرحمن هو الذي روى عن معاوية، وروى عنه الحكم ابن مينا، وقد وهم من فرّق بينهما.

قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (11/277): "يزيد بن جارية الأنصاري المدني عن معاوية حديث: من أحبّ الأنصار أحبه الله، وعنه الحكم بن ميناء، قال النسائي: ثقة، وفرّق أبو حاتم بينه وبين أخي مجمع بن جارية، والظاهر أنهما واحد. قلت: قد سبق في ذلك الأمير أبو نصر بن ماكولا، فقال: ذكر الدارقطني يزيد ومجمع ابني جارية وقال: لهما صحبة، ثم ذكر أحاديث، ثم قال: ويزيد بن جارية: له صحبة، وروى عن معاوية، قال ابن ماكولا: والأشبه أنه أخو مجمع، قال: وقطع الخطيب بأنه أخو مجمع ولا أدري من أين وقع له ذلك، على أن الذي روى عن معاوية وروى عنه الحكم اختلف في اسمه، فقيل: يزيد وقيل زيد، انتهى كلامه. وقد ذكره في زيد البخاري وأبو حاتم".

وقال في «التقريب» (ص600): "يزيد بن جارية، بالجيم، الأنصاري عن معاوية، مقبول من الثالثة، وقيل اسمه زيد، وقيل هو ابن مجمع بن جارية لا أخوه، أما أخوه فصحابي، وهذا هو الراجح. صد س".

قلت: هو صحابي أيضاً، فلا يقال فيه: مقبول. وتوثيق النسائي له لأنه عدّه تابعي، وليس كذلك، فهو صحابي.

·       خطأ في مَجمع الزوائد!

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/39): "وعن زيد بن ثابت: أنه كان جالساً في نفر من الأنصار فخرج عليهم معاوية فسألهم عن حديثهم...".

قلت: الحديث عن يزيد بن جارية، ولعله تصحف في نسخة الهيثمي أو أنه تصحف في النسخة المعتمدة في التحقيق أو هو خطأ في المطبوع نفسه، فالله أعلم.

·       خلطٌ لأبي أحمد العسكري!

قال في «تصحيفات المحدثين» (2/522): "ويزيد بن جارية أخو مجمع بن جارية، وقد روى عنه ابنه، ومن ولده عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، ولاه عمر رضي الله عنه قضاء المدينة في إمرته، وزيد بن جارية آخر روى عن الزهري حديث الدجال، ويزيد بن جارية آخر روى عن معاوية بن أبي سفيان وروى عنه الحكم بن مينا".

قلت: زيد بن جارية لا يروي عن الزهري حديث الدجال، بل الزهري رواه عن عَبدالله بن عُبَيدالله بن ثعلبة عن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية عن عمّه مجمِّع بن جارية عن  رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما الذي يروي عن معاوية فهو يزيد بن جارية الصحابي والد عبدالرحمن.

·       قول أبي حاتم في صحبة يزيد بن جارية!

قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص235): سألت أبي عن حديث عبدالرحمن ابن يزيد، عن أبيه قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقال: أرقاءَكم أرقاءَكم»، قلت لأبي: من والد عبدالرحمن بن يزيد، وهل له صحبة؟

قال: "منهم من يقول: هو يزيد بن مجمع بن جارية، ومنهم من يقول أخو مجمع بن جارية، فإن كان أخو مجمع فله صحبة، وإن كان ابنه فليس له صحبة".

وقال العلائي في «تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» (ص349): "يزيد بن جارية، ذكره النسائي في التابعين ووثقه".

وقال أبو داود، قلت: لأحمد، يزيد له صحبة؟ قال: لا أدري، وهو أخو مجمع.

قال ابن حجر: "قلت: إنما توقف فيه؛ لأنه وقع في روايته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الرواية التي فيها: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمقتضاها إثبات صحبته".

قلت: اختلف أهل العلم واضطربوا في يزيد هذا: هل هو ابن جارية والد عبدالرحمن أم هو آخر! واختلفوا في عبدالرحمن هذا، فمنهم من قال هو: «عبدالرحمن بن يزيد بن جارية»، ومنهم من قال هو: «عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب»، ومنهم من قال هو: «عبدالرحمن بن يزيد بن معاوية»!!

قلت: ظاهر كلام الإمام أحمد وأبي حاتم الرازي أنه: «عبدالرحمن بن يزيد بن جارية» وأبوه: «يزيد بن جارية» مع ترددهما في إثبات صحبته، وقد خالفا هذا كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (4/1573): "يزيد بن جارية والد عبدالرحمن ابن يزيد بن جارية، شهد خطبة الوداع، وروى منها ألفاظاً منها: أرقاؤكم أرقاؤكم أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون، الحديث، يختلف في هذا الحديث فقد جعله ابن أبي خيثمة ليزيد ابن ركانة، وجعله الأزرق ليزيد بن جارية، وكذلك ذكره الأزدي الموصلي ليزيد بن جارية".

وقال أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (5/2784): "وقال أبو مسعود عن أبي نعيم عن سفيان عن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية".

وذكره ابن حجر في ترجمة «يزيد بن جارية».

والحديث رواه عبدالرزاق في «مصنفه» (9/440) عن سفيان الثوري، عن عاصم ابن عبيدالله بن عاصم، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن أبيه، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «أرقّاءَكم أرقّاءَكم، أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، وإن جاؤوا بذنب لا تريدون أن تغفروه، فبيعوا عباد الله، ولا تعذّبوا عباد الله، ولا تعذبوهم».

ورواه أحمد في «مسنده» (4/35) عن عبدالرحمن بن مهدي، عن سفيان، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (22/243) من طريق أبي نعيم، عن سفيان، به.

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/236): "رواه أحمد والطبراني، وفيه عاصم ابن عبيدالله، وهو ضعيف".

قلت: نعم، الأئمة على تضعيفه، وشذّ العجلي فمشّاه!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/347): سألت أبي عن عاصم بن عبيدالله؟ فقال: "منكر الحديث، مضطرب الحديث، ليس له حديث يعتمد عليه".

وقال ابن عدي في «الكامل» (5/227): "وقد روى عنه سفيان الثوري وابن عيينة وشعبة وغيرهم من ثقات الناس، وقد احتمله الناس، وهو مع ضعفه يكتب حديثه".

قلت: يعني أنه لا يحتج به إذا انفرد، ولكن يعتبر بحديثه، وهذا الحديث هو حادثة مشهورة في حجة الوداع وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم معظم ما قاله في تلك الخطبة، ولكن هذا الذي أتى به عاصم لم يأت به غيره، وبسبب هذه التفردات الغريبة ضعفه الأئمة، ولم يحتجوا بحديثه إذا انفرد به، فهذا الحديث ضعيف لا يحتج به، وإن كانت بعض ألفاظه رويت من طرق صحيحة.

أخرج مسلم في «صحيحه» (3/1282) من طريق المعرور بن سويد قال: «مررنا بأبي ذر بالربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر، لو جمعت بينهما كانت حلة، فقال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية، قلت: يا رسول الله، من سب الرجال سبوا أباه وأمه، قال: يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم».

·       مخالفة ابن سعد ووهمه واتباع ابن عساكر له!

روى ابن سعد هذا الحديث في «الطبقات الكبرى» (2/185) ضمن أحداث حجة الوداع، قال: أخبرنا محمد بن عبدالله الأسدي، قال: أخبرنا سفيان، عن عاصم بن عبيدالله، عن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «أرقاءكم أرقاءكم، أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، وإن جاؤوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم».

ثم رواه في ترجمة «زيد بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى» من «الطبقات» (3/376) بالإسناد نفسه.

وتبعه على ذلك ابن عساكر، فرواه من طريقه في «تاريخ دمشق» (34/363) في ترجمة «عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل ابن عبدالعزى القرشي العدوي ابن أخي عمر بن الخطاب».

قلت: نسب ابن سعد عبدالرحمن بأنه ابن زيد بن الخطاب، وكأنه فعل ذلك؛ لأن راويه هو عاصم بن عبيدالله بن عاصم بن عمر بن الخطاب! وهذا وهم منه؛ لأن الذي في الإسناد: عبدالرحمن بن يزيد، فظنه عبدالرحمن بن زيد فنسبه هكذا فوهم.

·       إفراد يزيد هذا بترجمة مستقلة غير ترجمة يزيد بن جارية، ومنْ قال بأن عبدالرحمن هذا هو ابن يزيد بن معاوية!

ذكر الإمام أحمد هذا الحديث في «مسنده» (4/35) تحت ترجمة: «حديث عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم».

وذكره الطبراني في «المعجم الكبير» (22/243) في ترجمة: «يزيد أبي عبدالرحمن».

وقال أبو نعيم في «الصحابة» (5/2783): "يزيد أبو عبدالرحمن. قيل إنه يزيد بن جارية الأنصاري من الأوس، وقيل: زيد بن جارية".

وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/315): "يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرقاءكم أرقاءكم، روى عنه ابنه عبدالرحمن".

وقال في (5/364): "عبدالرحمن بن يزيد بن معاوية عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسألة، روى عنه عباس بن عبدالرحمن، وروى عاصم بن عبيدالله عن عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرقاءكم أرقاءكم. قال موسى: حدثنا إبراهيم: حدثنا يزيد بن عبدالله بن أسامة عن أبي طوالة: سمعت عمر بن عبدالعزيز سأل عبدالرحمن بن يزيد بن معاوية في السقط، فقال: بلغني. وقال ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة عن الوليد بن هشام: قدم عبدالرحمن بن يزيد بن معاوية على عمر بن عبدالعزيز فرفع إليه ديناً فوعده، ورواه ابن أبي سفيان القرشي أخا خالد بن يزيد".

قلت: أفرد البخاري ليزيد والد عبدالرحمن ترجمة مفردة، وظاهر تصرفه أن عبدالرحمن هذا هو ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.

وتبعه ابن أبي حاتم في ترجمة يزيد فقط، ونقل عن أبيه في عبدالرحمن أنه ابن جارية الأنصاري!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/299): "يزيد والد عبدالرحمن بن يزيد، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: أرقاءكم ثلاثاً، روى الثوري عن عاصم بن عبيدالله بن عاصم عن عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال في (5/299): "عبدالرحمن بن يزيد بن جارية أخو مجمع، من بني عمرو بن عوف، روى عن أبي لبابة بن عبد المنذر، روى عنه عبدالله بن محمد بن عقيل وعاصم بن عبيدالله، سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: عاصم بن عبيدالله روى هذا الحديث عن عبدالرحمن بن يزيد وظاهر كلام أبي حاتم أنه ابن يزيد بن جارية، وقد خالف ابنه ذلك فأفرد لوالد عبدالرحمن ترجمة مفردة تبعاً للبخاري، فوهم، وكان ينبغي له أن يذكر هذا في ترجمة يزيد بن جارية لا أن يفرده بترجمة ثانية!

وأما ابن حبان فقد تبع البخاري أيضاً في أن عبدالرحمن الذي روى عنه عاصم هو ابن يزيد بن معاوية، فقال في «الثقات» (5/115): "عبدالرحمن بن يزيد بن معاوية الأموي، يروي عن ثوبان، روى عنه عاصم بن عبيدالله".

قلت: الراجح أن يزيد الوارد في هذا الحديث هو يزيد بن جارية الأنصاري، وبه جزم المعلمي اليماني أثناء تعليقه على التاريخ، فقال: "هو يزيد بن جارية لا شبهة فيه".

قال ابن حجر في «الإصابة» (6/718): "يزيد بن عبدالرحمن، ذكره أبو نعيم وأخرجه من طريق عاصم بن عبيدالله عن عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه رفعه قال: أرقاءكم أرقاءكم الحديث، قال أبو نعيم: يقال إنه يزيد بن جارية. قال ابن الأثير: هو هو بلا شبهة، وقد تقدم الحديث المذكور في ترجمته".

قلت: وعموماً فإن راوي الحديث هو عاصم بن عبيدالله، ولا يعتمد عليه في إثبات الأسماء والتراجم، والله أعلم وأحكم.

·       وهم للمزي واغترار الألباني به!!

ذكر المزي في «تهذيب الكمال» (13/501) في ترجمة «عاصم بن عبيدالله بن عاصم» أنه روى عن: عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب وعبدالرحمن بن يزيد بن جارية وعبدالرحمن بن يزيد بن معاوية.

قلت: وهذا خطأ؛ لأنه روى عن واحد فقط من هؤلاء الثلاثة، وقد اختلف أهل العلم فيه: هل هو ابن زيد بن الخطاب أَم ابن يزيد بن جارية أَم ابن يزيد بن معاوية، كما سبق بيانه، ولكن المزي كعادته جمع كلّ هؤلاء وقال بأنه روى عنهم، وليس كذلك.

وقد اغتر بذلك الشيخ الألباني، فذكر هذا الحديث في «الصحيحة» رقم (740) ثم أشار إلى تخريجه ثم قال: "وكذا رواه ابن سعد في الطبقات؛ لكن وقع فيه: عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب عن أبيه، فجعله من مسند زيد بن الخطاب، وكل من عبدالرحمن بن يزيد ابن جارية، وعبدالرحمن بن زيد بن الخطاب قد روى عنه عاصم بن عبيدالله، فلعله اختلط الأمر عليه؛ فكان تارة يرويه عن هذا وتارة عن هذا".

قلت: نظر الشيخ في تهذيب الكمال أو مختصره تهذيب التهذيب فوجد فيه أن عاصم ابن عبيدالله يروي عن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب وعن عبدالرحمن بن يزيد بن جارية، فنسب إلى ابن سعد أنه اختلط عليه من أجل هذا، وهذا تعليل لا يصح، وقد بينت الاختلاف في عبدالرحمن هذا، وكيف نسبه ابن سعد فأخطأ.

·       مِما ذكروه من أحاديث يزيد بن جارية، وهو خطأ!!

1- ما أخرجه ابن منده من طريق يزيد بن هارون، عن مجمع بن يحيى، قال: حدثنا عمّي خالد بن يزيد بن جارية، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «برئ من الشح من أدّى الزكاة، الحديث».

قلت: كذا ذكره ابن حجر في «الإصابة» (6/650) عن ابن منده في ترجمة «يزيد ابن جارية»! والمحفوظ في هذا الحديث عدم ذكر: «عن أبيه يزيد بن جارية»!

رواه هنّاد بن السَّري في «الزهد» (2/514) عن يعلى، والطبراني في «المعجم الكبير» (4/188) من طريق عمر بن يحيى المقدمي، كلاهما عن مجمع بن يحيى، عن خالد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بريء من الشح من قرى الضيف وأدى الزكاة وأعطى في النائبة».

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/202): "خالد بن زيد الأنصاري، أدرك جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أنس بن مالك، ويرسل الأخبار كثيراً، روى عنه مجمع بن يحيى.

قال: حدثنا أبو يعلى قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج قال: حدثنا ابن المبارك، عن مجمع ابن يحيى الأنصاري قال: حدثني عمي خالد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بريء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة»، مرسل".

قلت: فالحديث محفوظ عن خالد بن زيد لا خالد بن يزيد، ولا مدخل لأبيه فيه. وهو حديث مرسل.

·       تحريف «بن» إلى «عن»!!

2- ما أخرجه ابن منده من طريق يزيد بن هارون، عن مجمع بن يحيى، قال: حدثنا سويد بن عامر، عن يزيد بن جارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلوا أرحامكم ولو بالسلام».

قلت: كذا ذكره ابن حجر في «الإصابة» (6/650) في ترجمة «يزيد بن جارية»! والمحفوظ أنه عن سويد بن عامر بن يزيد بن جارية عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والذي حصل أن كلمة «بن» تحرّفت إلى «عن» فصار الإسناد: سويد بن عامر عن يزيد بن جارية، والصواب: سويد بن عامر بن يزيد بن جارية.

رواه هناد في «الزهد» (2/492) عن وكيع ويعلى، عن مجمع بن يحيى الأنصاري، عن سويد بن عامر الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلوا أرحامكم ولو بالسلام».

ورواه القضاعي في «مسند الشهاب» (1/379) من طريق عيسى بن يونس، عن مجمع بن يحيى بن يزيد بن جارية الأنصاري قال: حدثني رجلٌ من الأنصار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بلوا أرحامكم ولو بالسلام».

ثم رواه من طريق يحيى بن صالح الوحاظي قال: حدثنا خالد بن عبدالله الواسطي، عن مجمع بن يحيى بن يزيد بن جارية، عن سويد بن عامر - هو أنصاري صحابي - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلوا أرحامكم ولو بالسلام».

قلت: سويد هذا ليس بصحابي، وإنما هو تابعي يرسل.

قال ابن حبان في «الثقات» (4/324): "سويد بن عامر بن يزيد بن جارية الأنصاري، من أهل المدينة، يروي المراسيل، وقد سمع الشموس بنت النعمان، ولها صحبة، روى عنه ابنه عاصم بن سويد ومجمع بن يحيى الأنصاري.

قال: حدثنا أبو يعلى قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي قال: حدثنا ابن المبارك، عن مجمع بن يحيى الأنصاري، عن سويد بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلوا أرحامكم ولو بالسلام»".

وقال في «مشاهير علماء الأمصار» (ص68): "سويد بن عامر بن يزيد بن جارية الأنصاري أبو عاصم، من صالحي أهل المدينة، وقد وهم من زعم أن له صحبة، تلك كلها أخبار مرسلة".

قلت: ذكره ابن عبدالبر في الصحابة، فقال في «الاستيعاب» (2/678): "سويد ابن عامر الأنصاري، روى عنه مجمع بن يحيى وهو أحد عمومته، حديثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلوا أرحامكم ولو بالسلام".

قال ابن حجر في «الإصابة» (3/307): "سويد بن عامر بن يزيد بن جارية الأنصاري، تابعي صغير، لجدّه صحبة، وأما هو فأخرج له البغوي وأبو يعلى من طريق مجمع بن يحيى قال: سمعت سويد بن عامر أحد عمومتي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلوا أرحامكم ولو بالسلام. قال ابن حبان في ثقات التابعين: حديثه مرسل، وقال البغوي وابن منده: لا صحبة له".

·       وهم لإسماعيل بن عيّاش أو تدليسه للحديث!

روى البيهقي في «شعب الإيمان» (6/227) من طريق محمد بن إسحاق وابن مساور الجوهري، كلاهما عن الهيثم بن خارجة أبي أحمد، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن مجمع بن جارية، عن عمّه يزيد بن جارية، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلوا أرحامكم ولو بالسلام».

قلت: وهم فيه إسماعيل بن عياش، فإما أن يكون دخل له إسناد في إسناد، أو دلّسه، فالله أعلم.

·       هل سمع سويد بن عامر من الشَمَوُس بنت النعمان كما قال ابن حبان؟!

قال ابن حبان في «الثقات» (4/324): "سويد بن عامر بن يزيد بن جارية الأنصاري، من أهل المدينة، يروي المراسيل، وقد سمع الشموس بنت النعمان، ولها صحبة، روى عنه ابنه عاصم بن سويد ومجمع بن يحيى الأنصاري".

وقال في (3/190): "الشموس بنت النعمان بن عامر بن مجمع الأوسي، لها صحبة، قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وأسس هذا المسجد، وهو يأخذ الحجر فيأتيه الرجل، فيقول: أي رسول الله بأبي وأمي أعطنى أكفك فيقول: لا، خذ حَجراً مِثله".

وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/145): "سويد بن عامر بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني عن الشموس بنت النعمان، روى عنه ابنه عاصم ومجمع".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/237): "سويد بن عامر بن يزيد بن جارية الأنصاري، روى عن الشموس بنت النعمان، روى عنه مجمع بن يحيى الأنصاري وعاصم بن سويد الأنصاري، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (8/346): "الشموس بنت النعمان بن عامر ابن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد، وأمها سالمة بنت مطرف بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، تزوجها أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد بن ضبيعة فولدت له، وأسلمت الشموس بنت النعمان وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم".

روى ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (6/258)، والطبراني في «المعجم الكبير» (24/317)، والخطابي في «غريب الحديث» (1/663) من طريق يعقوب بن محمد الزهري، عن عاصم بن سويد بن عامر، عن عتبة بن وديعة، عن الشموس بنت النعمان قالت: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجد قباء، فرأيته أخذ حجراً فصهده إلى بطنه، فجاء بعض أصحابه فقال: يا رسول الله، أعطني أحمله عنك، قال: اذهب فخذ مثله».

وخالفه شبابة بن سوار.

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (24/318) من طريق علي بن المديني، عن شبابة ابن سوار، عن عاصم بن سويد بن عامر بن يزيد بن جارية، قال: حدثني أبي سويد بن عامر، عن الشموس بنت النعمان، قالت: «نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم ونزل وأسس هذا المسجد مسجد قباء، فرأيته يأخذ الحجر أو الصخرة حتى يصهره الحجر، وأنظر إلى بياض التراب على بطنه وسرته، فيأتي الرجل من أصحابه ويقول: بأبي وأمي يا رسول الله، اعطني أكفك، فيقول: لا، خذ حجراً مثله حتى أسسه، ويقول: إن جبريل هو يؤم الكعبة، قالت: فكان يقال: إنه أقوم مسجد قبله».

وقد اعتمد ابن عبدالبر الإسناد الأول، فقال في «الاستيعاب» (4/1870): "الشموس بنت النعمان الأنصارية، مدنية، ورى عنها عتبة بن وديعة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بنى مسجده كان جبريل يؤم له الكعبة ويقيم له قبلة المسجد".

قلت: يعقوب بن محمد الزهري في حديثه وهم كثير، ولا يُتابع في حديثه.

قال الذهبي في «المغني في الضعفاء» (2/759): "يعقوب بن محمد الزهري المدني مشهور، قوّاه أبو حاتم مع تعنته في الرِّجال، وضعفه أبو زرعة وغيره وهو الحق ما هو بحجة".

·       احتمال تحريف «بن» إلى «عن»!

قلت: وعتبة بن وديعة هذا الذي ذكره في الإسناد لم يذكره أحد في كتب الرّجال، ولا يُعرف إلا في هذا!

ثم خطر لي بأن رواية يعقوب هذه قد يكون حصل فيها تصحيف وتحريف، فيكون حديثه: «عن عاصم بن سويد بن عامر بن يزيد عن أبيه عن الشموس»، فتصحف وتحرفت «بن» إلى «عن» فصار الإسناد: «عن عاصم بن سويد بن عامر، عن عتبة بن وديعة، عن الشموس» وجاء في مطبوع الاستيعاب: «عبيد بن وديعة»، و«يزيد» أقرب إلى التصحيف إلى «عبيد» من «عتبة».

وشَبابة بن سَوّار ثقة حافظ، وحديثه أصح من حديث يعقوب، ولهذا اعتمده البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان في ترجمة «سويد» كما سبق نقله، فإن صح احتمال التصحيف في رواية يعقوب، فلسنا بحاجة إلى الترجيح.

·       استشكال عند ابن الأثير وجواب ابن حجر عنه:

ولكن يبقى السؤال: هل سمع سويد من الشموس؟! وما هو حلّ الاستشكال الذي طرحه ابن الأثير في كتابه «أسد الغابة»، قال: "قلت: قوله: «يؤم الكعبة» فيه نظر! فإن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم لما قدم المدينة وأسس مسجد قباء لم تكن القبلة إلى الكعبة، إنما كانت إلى البيت المقدس، ثم حوّلت إلى الكعبة بعد ذلك"؟!

قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (7/731): "الشموس بنت النعمان بن عامر ابن مجمع الأنصارية، مدنية، روى عنها عتبة بن وديعة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بنى مسجده كان جبرائيل يؤم الكعبة له ويقيم له قبلة المسجد، ذكرها أبو عمر مختصراً، ووصله ابن أبي عاصم، والحديث المذكور من طريق يعقوب بن محمد الزهري عن عاصم بن سويد عن عتبة، وأخرجه الزبير بن بكار في «أخبار المدينة» عن محمد بن الحسن المخزومي عن عاصم مطولاً، وكذلك أخرجه الحسن بن سفيان وابن منده من طريق شبابة عن عاصم بن سويد، لكن خالف في شيخ عاصم، فقال: عن أبيه عن الشموس بنت النعمان قالت: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم وأسس هذا المسجد مسجد قباء، فرأيته يأخذ الصخرة أو الحجر حتى يهصره الحجر، وأنا أنظر إلى بياض التراب على بطنه، فيأتي الرجل فيقول: يا رسول الله، أعطني أكفك، فيقول: لا، خذ حجراً مثله حتى أسسه، ويقول: إن جبريل يؤم الكعبة، فكان يقال: إنه أقوم مسجد قبلة، وفي رواية محمد بن الحسن بالسند المذكور إلى عتبة: أن الشموس بنت النعمان أخبرته - وكانت من المبايعات - فذكره، وفيه: فيأتي الرجل من قريش أو الأنصار، وفيه: فيقولون تراءى له جبريل حتى أم له القبلة، قال عتبة: فنحن نقول ليس قبلة أعدل منها. وقد استشكل ابن الأثير قوله في رواية شبابة «يؤم الكعبة» بأن القبلة حينئذ كانت إلى بيت المقدس ثم حولت إلى الكعبة بعد ذلك! وخطر لي في جوابه أنه أطلق الكعبة وأراد القبلة أو الكعبة على الحقيقة، وإذا بين له جهتها كان إذا استدبرها استقبل بيت المقدس وتكون النكتة فيه أنه سيحول إلى الكعبة فلا يحتاج تقويم آخر، فلما وقع لي سياق محمد بن الحسن رجح الاحتمال الأول".

قلت: محمد بن الحسن المخزومي هو ابن زَبالة وهو ليس بثقة، وكان يسرق الحديث.

والحديث محفوظ من طريق شبابة عن عاصم بن سويد عن أبيه عن الشموس، وقد تفرد به عاصم، وهو مختلف فيه!

ذكره ابن حبان في «الثقات» (7/259)، فقال: "عاصم بن سويد بن عامر بن يزيد ابن جارية الأنصاري، من أهل المدينة، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري، روى عنه محمد بن الصباح الجرجرائي وعلي بن الحجر السعدي".

وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/489): "عاصم بن سويد بن عامر الأنصاري المدني، بن يزيد بن جارية، نسبه محمد بن صباح الجرجرائي، يحدِّث عن أبيه".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/344): "عاصم بن سويد بن عامر الأنصاري القبائي، مديني وهو ابن يزيد بن جارية، روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري وموسى بن محمد بن إبراهيم، روى عنه أبو مصعب ومحمد بن الصباح الجرجرائي، سمعت أبي يقول ذلك، وسألته عنه؟ فقال: هو شيخٌ محله الصدق، روى حديثين منكرين".

وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: عاصم بن سويد الأنصاري؟ قال: "لا أعرفه".

وساق له ابن عدي في «الكامل» (5/239) حديثاً منكراً، ثم قال: "وإنما لم يعرفه - أي يحيى - لأنه رجلٌ قليل الرواية جداً، ولعل جميع ما يرويه لا يبلغ خمسة أحاديث".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص285): "عاصم بن سويد بن عامر الأنصاري القبائي بضم القاف، إمام مسجد قباء، مقبولٌ، من السابعة. س".

قلت: لعل النكارة في حديثه ليست منه وإنما ممن روى عنه، وقد قال الذهبي في «المغني في الضعفاء» (2/593): "محمد بن الصباح الجرجرائي... وثقه أبو زرعة وله حديث منكر".

قلت: فلعله يقصد بهذا الحديث المنكر الحديث الذي أورده ابن عدي في ترجمة عاصم ابن سويد، والله أعلم.

والخلاصة أن عاصم بن سويد هذا مستور الحال، وحديثه حسنٌ مقبولٌ إن شاء الله تعالى، وقد سمع من الشموس، وهي من قومه، وأما استشكال ابن الأثير فقد حلّه ابن حجر بأنه أراد بالكعبة القبلة، والله أعلم.

·       تضعيف الألباني لهذا الحديث! والرد عليه.

قال الألباني في «الثمر المستطاب»: "وقد جاء حديث في قصة بنائه صلى الله عليه وسلم لمسجد قباء فيه غرابة، رواه الطبراني في «الكبير» عن الشموس بنت النعمان قالت: «نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم ونزل وأسس هذا المسجد مسجد قباء...». قال الهيثمي (4/11): (ورجاله ثقات). وما أعتقد أنه يصح، فإنه من طريق عاصم بن سويد عن عبيد بن وديعة عنها، رواه ابن أبي عاصم والزبير بن بكار من طريقين عن عاصم مختصراً ومطولاً، وكذلك أخرجه الحسن بن سفيان وابن منده من طريق سلمة عن عاصم بن سويد، لكن خالف في شيخ عاصم فقال: عن أبيه عن الشموس به مطولاً. وقد ساق لفظه الحافظ في «الإصابة» (4/343) فإن عاصماً هذا هو ابن سويد بن يزيد بن جارية الأنصاري إمام مسجد قباء، قال ابن معين: (لا أعرفه). وقال ابن عدي: (قليل الرواية جداً). قال الذهبي: (وساق له حديثاً منكراً، وقال أبو حاتم: روى حديثين منكرين). وفي (التقريب): (مقبول). وأما والده سويد على الرواية الأخيرة فلم أجد له ترجمة، وكذلك عبيد بن وديعة أو عتبة كما وقع في (الإصابة) في موضعين: عبيد، وفي آخر: عتبة فإني لم أعرفه. والله أعلم". انتهى كلام الشيخ.

قلت:

1- نقل الألباني ما عند ابن حجر دون تحرير! فإن الحسن بن زبالة هذا متروك، وما وقع في مطبوع الإصابة: «سلمة» تحريف، والصواب: «شبابة».

2- قد فسّر ابن عدي عدم معرفة ابن معين له لقلة روايته وعدم انتشارها.

3- قول ابن عدي فيه: "قليل الرواية جداً" لا تدل على التضعيف كما هو ظاهر نقل الشيخ!

4- النكارة في حديثه ليست منه، وإنما من الرواة عنه.

5- لم يعلّق الشيخ على قول الحافظ ابن حجر (مقبول) كعادته!

6- قد فسرت أن «عبيد» أو «عتبة» تصحيف وتحريف في إسناد محمد بن يعقوب الزهري.

7- سويد بن عامر ترجمته معروفة ومشهورة في الكتب كما تقدم ذكرها، ولا يضر الحديث عدم معرفة الشيخ الألباني له!

·       ترجمة عبدالرحمن بن يزيد بن جارية ووالده يزيد:

قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (5/84): "عبدالرحمن بن يزيد بن جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الأوس، وأمه جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح بن عصمة بن مالك بن أمة بن ضبيعة بن زيد من بني عمرو بن عوف، وأخوه لأمه عاصم بن عمر بن الخطاب، فولد عبدالرحمن بن يزيد: عيسى قتل يوم الحرة، وإسحاق، وجميلة، وأم عبدالله، وأم أيوب، وأم عاصم، وأمهم حسنة بنت بكير بن جارية بن عامر بن مجمع، وجميلاً وأمه أم ولد، وعبدالكريم وعبدالرحمن وأمهما أمامة بنت عبدالله بن سعد بن خيثمة من بني عمرو بن عوف، ولد عبدالرحمن بن يزيد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قديماً، وقد روى عن عمر وولي قضاء المدينة لعمر بن عبدالعزيز، ومات بالمدينة سنة ثلاث وتسعين في خلافة الوليد ابن عبدالملك، وكان عبدالرحمن بن يزيد يكنى أبا محمد، وكان ثقة قليل الحديث".

قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (6/267): "وهو أجل من أن يقال فيه ثقة".

وذكر ابن سعد «يزيد بن جارية» في الصحابة، فقال في «الطبقات الكبرى» (4/371): "يزيد بن جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف وأمه نائلة بنت قيس بن عبدة بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، فولد يزيد: مجمعاً وأمه حبيبة بنت الجنيد بن كنانة بن قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض، وعبدالرحمن وأمه جميلة بنت ثابت بن أبي الأفلح بن عصمة بن مالك بن أمة بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف أخوه لأمه عاصم بن عمر بن الخطاب، وعامر بن يزيد وأمه أم ولد، ومات يزيد بن جارية بالمدينة وله عقب".

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد بن محمود الحايك.

28 شوّال 1429هـ.

 

شاركنا تعليقك