الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

وهم لأبي حاتم الرازي وابن عبدالبر! وهل لـ«خَرَشة بن الحارث» صحبة؟ وهل هو نفسه «خَرَشة بن الحُر»؟ وأوهام أخرى للخطيب والأزدي وابن عساكر! وفوائد حديثية.

وهم لأبي حاتم الرازي وابن عبدالبر! وهل لـ «خَرَشة بن الحارث» صحبة؟ وهل هو نفسه «خَرَشة بن الحُر»؟ وأوهام أخرى للخطيب والأزدي وابن عساكر! وفوائد حديثية.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» في (باب تسمية من روى عنه العلم ممن يسمى خزيمة) (3/382): "خزيمة بن الحارث، مصري، له صحبة. روى عنه يزيد بن أبي حبيب فيما روى ابن لهيعة عن يزيد، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال في (باب تسمية من روى عنه العلم ممن يسمى خَرَشَة بن الحارث) (3/389): "خرشة بن الحارث، مصري، له صحبة. روى عنه يزيد بن أبي حبيب فيما روى ابن لهيعة عن يزيد، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (2/449): "خزيمة بن الحارث، مصري، له صحبة، روى عنه يزيد بن أبي حبيب. حديثه عند ابن لهيعة عن يزيد عنه".

وقال في (2/445): "خرشة بن الحارث، مصري له صحبة، ورواية حديثه عند ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عنه".

قلت: "خزيمة" محرفة من "خرشة"، والصواب: "خرشة بن الحارث".

وذكره ابن سعد في «الطبقات» (7/501): "خرشة بن الحارث".

ثم قال: قال الوليد بن مسلم، عن ابن لَهِيعَةَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن خَرَشَةَ بن الْحَارِث صَاحِبِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الرجل يقتل صَبْرًا فلا تحضروه؛ فإنه لعله يقتل مظلوماً، فَتَنْزِلَ السَّخْطَةُ فَتُصِيبكم».

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (4/218) قال: حدثنا أبو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ، قال: حدثنا عَمْرُو بن خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، قال: حدثنا ابن لَهِيعَةَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن خَرَشَةَ بن الْحَارِث صَاحِبِ النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يَشْهَدُ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَتِيلا قُتِلَ صَبْرًا فَعَسَى أَنْ يُقْتَلَ مَظْلُومًا فَتَنْزِلَ السَّخْطَةُ عليهم فَتُصِيبَهُ مَعَهُمْ».

قال ابن حجر في «الإصابة» (2/273): "خرشة بن الحارث المرادي من بني زبيد، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح مصر، ومن ولده أبو خرشة عبدالله بن الحارث بن ربيعة بن خرشة، قاله ابن يونس. وروى أحمد والطبراني من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن خرشة بن الحارث صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يشهد أحدكم قتيلاً يقتل صبراً فعسى أن يقتل مظلوماً فتنزل السخطة عليهم فتصيبه معهم".

وقال في (2/281): "خزيمة بن الحارث، مصري له صحبة، حديثه عند ابن لهيعة عن يزيد - يعني بن أبي حبيب، هكذا ذكره أبو عمر مختصراً، وأظنه وهماً نشأ عن تصحيف، فقد تقدم خرشة بن الحارث، ولو أن أبا عمر ذكر حديثه لبان لنا الصواب".

قلت: هو كذلك، وهم نشأ عن تصحيف، ووقع لأبي حاتم وابنه قبل ابن عبدالبر!!

فالصحيح أنه: "خرشة بن الحارث" وهو مصري، وقد ذكره ابن يونس - وهو عالم أهل مصر - وأنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر نسبه، وبعض ولده، وعليه فلا شك في صحبته.

وأما روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم تأتنا إلا من طريق ابن لهيعة، وهو ضعيف، لا يحتج بما انفرد به.

وثبوت الصحبة شيء ورواية الصحابي شيء آخر، فكم من صحابي ثبتت صحبته لكن لا تصح عنه رواية.

وقد ذكر ابن منده له حديثاً آخر في النهي عن القتال في الفتنة، وهذا وهم منه؛ لأن هذا الحديث لخرشة المحاربي، كما سيأتي بعد.

·       تعقّب ابن حجر للحسيني، وتعقّبه في ذلك!

قال الحسيني في «الإكمال» (ص122): "خرشة بن الحارث المرادي المصري، له صحبة ورواية، وعنه يزيد بن أبي حبيب".

فتعقبه ابن حجر في «تعجيل المنفعة» (ص116) فقال: "قلت: وقع في المسند (خرشة بن الحر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهو وهم! والصواب ما وقع عند البغوي وابن السكن وغيرهما: خرشة بن الحارث، وخرشة بن الحر آخر فزاري، مختلف في صحبته، وترجمته في التهذيب، وأما هذا فقد صرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بينه الحاكم أبو أحمد في الكنى بياناً شافياً في حرف الكاف في ترجمة أبي كثير".

قلت: الحسيني هنا ذكر "خرشة بن الحارث" الذي روى عنه يزيد بن أبي حبيب المصري، وحديثه عند أحمد في «المسند» (حديث خرشة بن الحرث وكان من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم)، (4/167) برقم (17557) قال: حدثنا حَسَنٌ، قال: حدثنا ابن لَهِيعَةَ قال: حدثنا يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ، عن خَرَشَةَ بن الحرث وكان من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لاَ يَشْهَدْنَّ أحدكم قَتِيلاً لَعَلَّهُ ان يَكُونَ قد قُتِلَ ظُلْماً فَيُصِيبَهُ السَّخَطُ».

كذا في المطبوع: "خرشة بن الحرث" وهكذا كانت تكتب دون ألف، فكأن حرف "ث" سقط من نسخة ابن حجر، فظن أنه: "خرشة بن الحر".

وهو على الصواب في طبعة مؤسسة الرسالة (29/65) (حَدِيثُ خَرَشَةَ بنِ الْحَارِثِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) برقم (17522).

واما قول الحافظ ابن حجر: "وقع في المسند: خرشة بن الحر قال: سمعت رسول الله"، فكأن ابن حجر نظر في حديث "خرشة بن الحر" وهذا آخر غير هذا الذي روى عنه يزيد بن أبي حبيب الذي ذكره الحسيني، وقد اضطرب ابن حجر في هذا كما سيأتي.

وأما الاختلاف بين "خرشة بن الحر" الذي عًدّ في الصحابة وبين التابعي؛ فإن "خرشة بن الحر الفزاري" كان يتيماً في حجر عمر بن الخطاب، روى عنه وعن أبي ذر وحذيفة وعبد الله بن سلام، وعنه ربعي بن حراش وسليمان بن مسهر والمسيب بن رافع وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وأبو حصين عثمان بن عاصم وغيرهم.

قال الآجري عن أبي داود: "خرشة بن الحر، له صحبة وأخته سلامة بنت الحر لها صحبة".

وقال ابن سعد: "توفي في ولاية بشر بن مروان على الكوفة".

وذكره ابن حبان في الثقات في التابعين.

وقال العجلي: "كوفي تابعي من كبار التابعين".

وذكره ابن عبدالبر، وأبو نُعيم الأصبهاني، وابن منده في الصحابة.

وقال أبو موسى المديني: خلط أبو عبدالله ابن منده بينه وبين خرشة المرادي، والظاهر أنهما اثنان. (تهذيب التهذيب).

·       خَرشة بن الحر المعدود في الصحابة:

وقال الحسيني أيضاً (ص547): "أبو كثير المحاربي عن خرشة بن الحر، وعنه ثابت بن عجلان: مجهول".

فتعقبه ابن حجر (ص516) فقال: "قلت: ذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحاً، وشيخه خرشة بن الحارث، لا ابن الحر، والله أعلم".

قلت: يعني أن هذا الشيخ هو "خرشة بن الحارث" ووهم من سماه: "ابن الحر".

وقال الحافظ في «الإصابة» (2/272): "خرشة، بفتحات، بن الحارث أو ابن الحر المحاربي، وروى أحمد والبغوي والطبراني وآخرون من طريق أبي كثير المحاربي: سمعت خرشة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ستكون بعدي فتنة الحديث، ووقع في رواية الطبراني: خرشة المحاربي، وفي رواية أحمد: خرشة بن الحر، وفي رواية الآخرين: خرشة بن الحارث، وهو الراجح. وقال ابن سعد: خرشة بن الحارث الأسدي له صحبة نزل حمص له حديث واحد، ثم أورد هذا. وقال أبو حاتم: خرشة، شامي له صحبة، وروى عنه أبو كثير المحاربي، وتعقبه ابن عبدالبر، وزعم أن الصواب أنه هو خرشة بن الحر - يعني الذي بعد هذا ولم يصب في ذلك والحق أنهما اثنان، وقد فرق بينهما البخاري، فذكر خرشة بن الحر في التابعين، وذكر هذا في الصحابة، وكذلك صنع ابن حبان وذكر الحاكم أبو أحمد في ترجمة أبي كثير في الكنى قول من قال: عن أبي كثير عن خرشة بن الحر، ووهاه وصوب أنه خرشة بن الحارث".

قلت: رجّح الحافظ ابن حجر أنه: "خرشة بن الحارث" ولكنه في «الفتح» (13/29-30) أشار إليه وقال: "ولأحمد وأبي يعلى من حديث خرشة بن الحر... ووقع في رواية خرشة بن الحر عند أحمد وأبي يعلى مثل هذه الزيادة..".

وسنذكر الحديث أولاً ومن خرّجه ثم نتبعه بأقوال أهل العلم، ونر هل كلام ابن حجر صحيح في هذا أم لا؟!

الحديث رواه الإمام أحمد في «المسند» (4/106) (حديث خَرَشَةَ بن الْحُّرِّ رضي الله عنه) برقم (17015)، وفي (4/110) (حديث خَرَشَةَ رضي الله عنه) برقم (17051) قال: حدثنا علي بن بَحْرٍ، قال: حدثنا محمد بن حِمْيَرٍ الحمصي، قال: حدثنا ثَابِتُ بن عَجْلاَنَ، قال: سمعت أَبَا كَثِيرٍ المحاربي، يقول: سمعت خَرَشَةَ بن الْحُرِّ يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «سَتَكُونُ من بعدي فِتْنَةٌ النَّائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ، وَالْقَاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الساعي، فَمَنْ أَتَتْ عليه فَلْيَمْشِ بِسَيْفِهِ إلى صَفَاةٍ فَلْيَضْرِبْهُ بها حتى يَنْكَسِرَ، ثُمَّ لِيَضْطَجِعَ لها حتى تنجلي عَمَّا انْجَلَيَتْ».

ورواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3/33) في ترجمة (خرشة المحاربي رضي الله عنه) برقم (1319) قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا سويد بن عبد العزيز، قال: حدثنا ثابت بن عجلان، به.

ثم قال: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا عبد الملك بن محمد، عن ثابت، مثله.

ثم قال: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن مهاجر، عن ثابت بن عجلان، مثله.

ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (2/225) (ما أسند خرشة عن النبي صلى الله عليه وسلم) برقم (924) قال: حدثنا أبو طالب، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن ثابت بن عجلان الأنصاري، مثله.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (4/218) في مسند (خَرَشَة الْمُحَارِبِيّ) برقم (4180) قال: حدثنا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بن أبي مُوسَى الأَنْطَاكِيُّ، قال: حدثنا يَعْقُوبُ بن كَعْبٍ الْحَلَبِيُّ، قال: حدثنا محمد بن حِمْيَرٍ [ح].

وَحَدَّثَنَا عبدانُ بن أَحْمَدَ، قال: حدثنا يحيى بن عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن مُهَاجِرٍ، كِلاهُمَا عن ثَابِتِ بن عَجْلانَ، به.

ورواه في «مسند الشاميين» (2/321) عن إبراهيم بن محمد بن عرق، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن مهاجر، عن ثابت بن عجلان، به.

وفي (3/288) قال: حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا سويد بن عبد العزيز [ح].

وحدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا عبد الملك بن محمد الصنعاني، قالا: حدثنا ثابت بن عجلان، مثله.

وجاء في بعض الروايات مهملاً: "خرشة"، وفي بعضها: "خرشة المحاربي".

وهؤلاء الذين خرجوا هذه الروايات على أن اسمه: "خرشة بن الحُرّ".

لكن خالف في ذلك بعض أهل العلم، ومنهم ابن حجر كما مر سابقاً إنه: "خرشة بن الحارث"!

وأما البخاري، فلم يذكر "خرشة بن الحارث" الذي يروي عنه يزيد بن أبي حبيب، وإنما ذكر هذا الذي روى عنه أبو كثير، وسماه: "خرشة بن الحارث"، وفرّق بينه وبين "خرشة بن الحر الفزاري" وعدّه تابعياً.

قال في «التاريخ الكبير» (3/213): "خرشة بن الحارث صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: سمع منه أبو كثير".

ثم قال: "خرشة بن الحر الفزاري: سمع عمر وأبا ذر، وهو أخو سلامة بنت الحر الكوفي. قال عمر: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش: سمع سليمان بن مسهر الفزاري، عن خرشة وكان يتيماً في حجر عمر".

وقال في «الكنى» (ص64): "أبو كثير المحاربي: سمع خرشة، روى عنه ثابت بن عجلان".

وأما أبو حاتم فذكر الذي روى عنه يزيد بن أبي حبيب، وذكر خرشة الذي ذكره البخاري إلا أنه لم ينسبه وذكر أنه شامي فقط، وفرّق بينه وبين خرشة بن الحر الفزاري.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/389): "خرشة بن الحارث، مصري، له صحبة، روى عنه يزيد بن أبي حبيب فيما روى ابن لهيعة عن يزيد. سمعت أبي يقول ذلك".

ثم قال: "خرشة، شامي، له صحبة، روى عنه أبو كثير المحاربي. سمعت أبي يقول ذلك".

ثم قال: "خرشة بن الحر الفزاري أخو سلامة بنت الحر، كان يتيماً في حجر عمر، روى عن عمر وأبي ذر وعبد الله بن سلام، روى عنه المسيب بن رافع وربعي بن حراش وسليمان بن مسهر وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وصالح بن خباب. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال في (9/429): "أبو كثير المحاربي: سمع خرشة، روى عنه ثابت بن عجلان. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكر ابن عبد البر في «الاستيعاب» "خرشة بن الحارث المصري"، ثم قال (2/445): "خرشة بن الحر الفزاري، ويقال: الأزدي، نزل حمص، له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في الإمساك عن الفتنة، ليس له عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره فيما علمت، ولأخته سلامة بنت الحر عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وقد ذكرناها في الصواحب. وكان خرشة بن الحر هذا يتيماً في حجر عمر بن الخطاب، روى عن عمر وأبي ذر وعبد الله بن سلام، روى عنه جماعة من التابعين منهم: ربعي بن خراش والمسيب بن رافع وأبو زرعة بن عمرو بن جرير".

ثم قال: "خرشة، شامي له صحبة، كذا قال أبو حاتم، وجعله غير خرشة بن الحر، وقال: روى عنه أبو كثير المحاربي".

وتعقبه ابن الأثير في «أسد الغابة» فقال بعد أن نقل كلام ابن عبد البر: "قلت: هذا كلام أَبِي عمر، ولا شك أَنَّهُ وهم فيه، فإن أبا كثير المحاربي يروي عن خرشة ابن الحر حديث الفتنة الذي أشار إليه عمر في خرشة بن الحر، ثم قال أَبُو عمر في الأول: إنه حمصي، وقال في هذا: إنه شامي، فظهر بهذا جميعه أنهما واحد، والله أعلم.

وقال ابن حجر في «الإصابة» (2/379): "خرشة شامي له صحبة، ذكره ابن عبد البر وعزاه لأبي حاتم، وفرّق بينه وبين خرشة بن الحارث المحاربي وخرشة بن الحر الفزاري، ثم زعم ابن عبد البر أن الشامي هو الفزاري فوهم، وإنما هو المحاربي، والله أعلم".

قلت: خلط ابن عبد البر بين "خرشة بن الحر" الذي يروي عنه أبو كثير، وبين "خرشة بن الحر الفزاري" التابعي، فجعلهما واحدا، وهما اثنان.

والصواب أن "خرشة بن الحارث" مصري، و"خرشة بن الحر" آخر شامي ووهم من سماه: "خرشة بن الحارث"، ويحتمل أنه جاء في النسخ: "خرشة بن الحرث" وهكذا كانت تكتب دون ألف، فسقط حرف "الثاء" فصارت: "الحر"، ويحتمل العكس أنه: ابن الحر" فزيد فيه حرف "الثاء" فصارت "الحرث" أي "الحارث، والله أعلم. وأكثر الروايات لم تنسبه وإنما فيها: "خرشة" مهملاً، ولعل من نسبه: "خرشة المحاربي" إنما نسبه لأن الراوي عنه محاربياً! فالله أعلم.

و"خرشة بن الحر الفزاري" آخر، وهو تابعي، ولا تصح له صحبة.

·       وهم للخطيب البغدادي!

قال الخطيب في «تالي تلخيص المتشابه» (2/395): "خرشة بن الحارث وخرشة بن الحر. الأول: خرشة بن الحارث أبو الحارث المرادي من بني زبيد له صحبة ورواية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ممن سكن مصر، حدث عنه يزيد بن أبي حبيب وأبو كثير المحاربي.

أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد التميمي الواعظ، قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، قال: حدثنا عبدالله بن أحمد ابن حنبل: حدثني أبي، قال: حدثنا حسن بن موسى الأشيب: حدثنا ابن لهيعة: حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن خرشة بن الحارث وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يشهدن أحدكم قتيلاً لعله أن يكون قد قتل ظلماً فتصيبه السخطة.

والثاني: خرشة بن الحر الكوفي الفزاري: سمع عمر بن الخطاب وأبا ذر الغفاري، روى عنه سليمان بن مسهر وربعي بن حراش وأبو زرعة بن عمرو بن جرير.

أخبرنا أبو بكر البرقاني قال: قرأت على علي بن هارون الحربي: حدثكم جعفر بن محمد الفريابي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شعبة، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة...".

قلت: وهم الخطيب - رحمه الله - في جعل الذي يروي عنه يزيد بن أبي حبيب المصري هو نفسه الذي يروي عنه أبو كثير المحاربي!

والصواب أنهما اثنان: الأول: خرشة بن الحارث المصري، والثاني: خرشة بن الحر يروي عنه أبو كثير المحاربي، وأصاب في عدّ خرشة بن الحر في التابعين.

·       وهم للأزدي!

قال أبو الفتح الأزدي في كتاب «المخزون» (ص79): "خرشة بن الحارث، سكن مصر، تفرد عنه بالرواية أبو كثير المحاربي".

قلت: هذا وهم، فإن أبا كثير المحاربي تفرد بالرواية عن "خرشة بن الحر" وهو شامي.

وأما خرشة بن الحارث المصري فتفرد بالرواية عنه يزيد بن أبي حبيب المصري فيما رواه ابن لهيعة عنه.

·       ترجمة أبي كثير المحاربي، ووهم لابن عساكر!

ترجمه البخاري كما مر وتبعه أبو حاتم ولم يذكرا إلا أنه روى عن خرشة، وروى عنه ثابت بن عجلان فقط.

ولكن ترجمه ابن عساكر في «تاريخه» (67/158) فقال: "أبو كثير المحاربي الداراني.  روى عن أبي هريرة وخرشة بن الحارث. روى عنه أبو عمرو كلثوم بن زياد الحارثي وثابت بن العجلان. ذكره أبو زرعة في الطبقة الثالثة. حدّث عن خرشة بن الحارث المحاربي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنها ستكون بعدي فتن...".

قلت: جعل ابن عساكر شيخه: "خرشة بن الحارث" والصواب أنه: "خرشة بن الحر"، وقد خلطه مع آخر!! فأبو كثير هذا تفرد بالرواية عنه: "ثابت بن عجلان"، وهو غير "أبو كثير" الذي روى عنه كلثوم بن زياد.

فأبو كثير الذي يروي عن أبي هريرة، ويروي عنه كلثوم هو: أبو كثير السُّحيميّ الغبري اليمامي الأعمى، قيل اسمه: يزيد بن عبد الرحمن الضرير، وقيل: يزيد بن عبد الله بن أذينه، وقيل: ابن غفيلة، وهو ثقة، روى له مسلم والأربعة، والبخاري في الأدب المفرد.

·       ترجمة ثابت بن عجلان:

ثابت بن عجلان أبو عبد الله الأنصاري السلمي الحمصي، رجل صدوق. أخرج له البخاري حديثاً واحداً في المتابعات.

روى البخاري في «صحيحه»، كتاب الذبائح والصيد، بَاب جُلُودِ الْمَيْتَةِ، (5/2103) قال: حدثنا زُهَيْرُ بن حَرْبٍ، قال: حدثنا يَعْقُوبُ بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن صَالِحٍ، قال: حدثني ابن شِهَابٍ: أَنَّ عبيداللَّهِ بن عبداللَّهِ: أخبره أَنَّ عبداللَّهِ بن عَبَّاسٍ أخبره: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فقال: هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا! قالوا: إِنَّهَا مَيِّتَةٌ، قال: إنما حَرُمَ أَكْلُهَا».

قال: حدثنا خَطَّابُ بن عُثْمَانَ، قال: حدثنا محمد بن حِمْيَرَ، عن ثَابِتِ بن عَجْلَانَ، قال: سمعت سَعِيدَ بن جُبَيْرٍ، قال: سمعت ابن عَبَّاسٍ يقول: «مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بِعَنْزٍ مَيِّتَةٍ، فقال: ما على أَهْلِهَا لو انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا».

وقال في «التاريخ الكبير» (1/68): "محمد بن حمير أبو عبدالحميد الحمصي السليحي من قضاعة. حدثني خطاب الحمصي قال: حدثنا محمد بن حمير، عن ثابت بن عجلان: سمع سعيد بن جبير: سمع بن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة، فقال: ما على أهلها لو انتفعوا بإهابها".

ورواه الخطيب في «تاريخه» (1/320) من طريق عمرو بن يحيى بن الحارث الحراني، قال: حدثني جدي الخطاب، قال: نبأنا محمد بن حمير، عن ثابت بن عجلان، به.

قال الخطيب: "رواه البخاري في جامعه الصحيح عن الخطاب بن عثمان، وهو حديث عزيز ضيق المخرج".

قلت: نعم، هو حديث عزيز وغريب، ولا يُعرف عن سعيد بن جبير إلا من طريق ثابت بن عجلان.

وتخريج البخاري له ليس من باب الاحتجاج وإنما للتنبيه على غرابته إذ قدّم الطريق المشهور المعروف، ثم جاء بهذا الإسناد، وكذلك فعل في التاريخ إذ ساقه في ترجمة ابن حمير؛ وكأنه يرى أنه من تفرداته!

ولهذا لما دافع ابن حجر عن رواة الصحيح في «مقدمة الفتح» (ص438) قال في ابن حمير بأنه ليس له في البخاري سوى حديثين قد توبع على أحدهما، والثاني هو حديثنا، قال فيه: "أورده في الذبائح وله أصل من حديث ابن عباس عنده في الطهارة".

قلت: لم يتفرد به ابن حمير، بل قد توبع عليه، تابعه أبو الزرقاء الصنعاني من صنعاء دمشق.

رواه الطبراني في «مسند الشاميين» (3/283) عن إبراهيم بن محمد بن عرق، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، عن عبدالملك بن محمد الصنعاني أبي الزرقاء، عن ثابت بن عجلان، به.

وكأن الحافظ لم يقف على هذه المتابعة، وإلا لذكرها ولم يكتف بأن له أصل عنده في الطهارة.

والخلاصة أن الحديث قد تفرد به ثابت بن عجلان عن سعيد بن جبير!!

وقد ساق الطبراني ما وقع له من حديثه في مسند خاص له في «مسند الشاميين» (3/279)، وروى من طريق بقية بن الوليد عن ثابت بن عجلان قال: "أدركت أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وعامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وطاووس، ومجاهد، وعبدالله بن أبي مليكة، والقاسم أبا عبدالرحمن، والزهري، ومكحول، وعطاء الخراساني، وثابت البناني، والحكم بن عتيبة، ومحمد بن سيرين، وأيوب السختياني، ويزيد الرقاشي، وسليمان بن موسى، وسليم بن عامر، كلهم يأمروني بالصلاة في الجماعة، ونهوني عن أصحاب الأهواء".

قال عبدالله بن أحمد: سألت أبي عنه؟ فقال: "كان يكون بالباب والأبواب"، قلت: هو ثقة؟ فسكت، كأنه مرض في أمره.

وقال ابن معين: "ثقة".

وقال دُحيم والنسائي: "ليس به بأس".

وقال أبو حاتم: "لا بأس به، صالح الحديث".

وقال ابن حبان في الثقات: "قيل: إنه سمع أنساً، وليس ذلك بصحيح عندي".

وذكره العقيلي في «الضعفاء» (1/175)، وساق له حديثاً، ثم قال: "لا يتابع عليه. ويقول ابن عجلان: عن عطاء: سمعت عائشة! ما لم يسمع منها شيئاً".

وذكره ابن عدي في «الكامل» (2/97): "ثابت بن عجلان: شامي".

ثم ساق له ثلاثة أحاديث غريبة!!

الأول: قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الملك بن عبد وس الصوري، قال: حدثنا موسى بن أيوب [ح].

وحدثنا محمد بن أحمد بن عنبسة، قال: حدثنا كثير بن عبيد، قالا: حدثنا بقية، عن ثابت بن العجلان، عن عطاء، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إني لست أخاف عليكم الخطأ، إنما أخاف عليكم العمد».

الثاني: قال: حدثنا الحسين بن أبي معشر، قال: حدثنا محمد بن مصفى، قال: حدثنا سويد بن عبد العزيز، عن ثابت بن العجلان، عن سليم أبي عامر، عن عبد الله بن الزبير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان».

الثالث: قال: حدثنا محمد بن الحسن البصري، قال: حدثنا علي بن بحر، قال: حدثنا محمد بن حمير الحمصي، قال: حدثنا ثابت بن عجلان: سمعت أبا كثير المحاربي يقول: سمعت خرشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تكون فتنة من بعدي النائم فيها خير من اليقظان، والجالس فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، فمن أتت عليه فليمش بسيفه إلى صفاة فليضربها حتى ينكسر، ثم ليضطجع لها حتى تنجلي عما انجلت».

ثم قال ابن عدي: "وثابت بن عجلان له غير هذه الأحاديث، وليس بالكثير".

قلت: حديثنا الذي أثبت به بعض أهل العلم صحبة "خرشة بن الحر" غريب جداً!!

قال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام: "ثابت لا يُحتج به"، ورد ذلك عليه ابن القطان. وقال في قول العقيلي أيضاً: "فيه تحامل عليه"، وقال: "إنما يمس بهذا من لا يعرف بالثقة مطلقاً، أما من عرف، فانفراده لا يضره إلا أن يكثر ذلك منه".

قال ابن حجر معقباً على كلام ابن القطان: "وصدق فإن مثل هذا لا يضره إلا مخالفته الثقات لا غير فيكون حديثه حينئذ شاذ، والله أعلم".

قلت: بل يضره؛ لأن ما يرويه غريب جداً عن هؤلاء الثقات، ولا تعرف هذه الأحاديث عنهم، ولا توجد عند أصحابهم الثقات.

قال الإمام الذهبي معقباً على كلام ابن القطان في ردّه على العقيلي في «الميزان» (2/85): "قلت: أما من عرف بالثقة فنعم، وأما من وثق ومثل أحمد الإمام يتوقف فيه، ومثل أبي حاتم يقول: صالح الحديث، فلا نرقيه إلى رتبة الثقة، فتفرد هذا يعد منكراً، فرجح قول العقيلي وعبد الحق".

قلت: نعم، ما تفرد به يعد منكراً، ولا يقبل منه.

وعليه فإثبات صحبة "خرشة بن الحر" بهذا الحديث الذي رواه لا يتجه، والله أعلم.

وكتب: خالد الحايك.

14 محرّم 1432هـ.

 

شاركنا تعليقك