الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«أبو بَصرة الغفاري» الصحابي: أحاديثه وفوائد مهمة تتعلق بها، والاختلاف في اسمه، وهل لأبيه وجدّه رواية؟! وخلط لبعض أهل العلم في إثبات أن له ابناً له صحبة! وهل روى عن أبي ذرّ الغفاري؟ وفوائد حديثية أخرى.

«أبو بَصرة الغفاري» الصحابي: أحاديثه وفوائد مهمة تتعلق بها، والاختلاف في اسمه، وهل لأبيه وجدّه رواية؟! وخلط لبعض أهل العلم في إثبات أن له ابناً له صحبة! وهل روى عن أبي ذرّ الغفاري؟ وفوائد حديثية أخرى.

أبو بصرة الغفاري صحابي مشهور، نزل مصر، وقد اختلف في اسمه، ووقع في بعض أسانيد حديثه اختلاف مما نتج عن ذلك خلط لبعض أهل العلم!

أقول: حديثه قليل جداً، ولم يخرج له البخاري، وخرّج له مسلم حديثاً واحداً كما سيأتي إن شاء الله.

·       الأحاديث التي رُويت عن أبي بَصرة الغِفاري رضي الله عنه:

أورد الأئمة أصحاب المصنفات أحاديث أبي بصرة في «مسند أبي بصرة» وذكروا تحت هذه الترجمة الأحاديث التي رويت عنه، والأحاديث التي رُويت عن حُميل بن بصرة، فدلّ ذلك على أنهما واحد عندهم.

·       الحديث الأول:

روى مسلم في «صحيحه» (1/568) برقم (830) قال: حدثنا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، قال: حدثنا لَيْثٌ، عن خَيْرِ بن نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ، عن ابن هُبَيْرَةَ، عن أبي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عن أبي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، قال: «صلى بِنَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ، فقال: إِنَّ هذه الصَّلَاةَ عُرِضَتْ على من كان قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا فَمَنْ حَافَظَ عليها كان له أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ ولا صَلَاةَ بَعْدَهَا حتى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ - وَالشَّاهِدُ النَّجْمُ».

قال: وحدثني زُهيْرُ بن حَرْبٍ، قال: حدثنا يَعْقُوبُ بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ، عن خَيْرِ بن نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ، عن عبد اللَّهِ بن هُبَيْرَةَ السَّبَائِيِّ - وكان ثِقَةً - عن أبي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عن أبي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، قال: صلى بِنَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ، بمثله.

ورواه أحمد في «المسند» (6/396) برقم (27268) عن يَعْقُوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، به.

ورواه برقم (27270) عن يحيى بن إِسْحَاقَ، قال: أخبرنا ابن لَهِيعَةَ عن عبد اللَّهِ بن هُبَيْرَةَ، عن أَبِي تَمِيمٍ، عن أَبِى بَصْرَةَ الغفاري قال: «صلى بِنَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في وَادٍ من أَوْدِيَتِهِمْ يُقَالُ له: الْمُخَمَّصُ صَلاَةَ الْعَصْرِ، فقال: إن هذه الصَّلاَةَ صَلاَةَ الْعَصْرِ عُرِضَتْ على الَّذِينَ قَبْلِكُمْ فَضَيَّعُوهَا، ألا وَمَنْ صَلاَّهَا ضُعِّفَ له أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، ألا وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَهَا حتى تَرَوُا الشَّاهِدَ».

قلت لاِبْنِ لَهِيعَةَ: ما الشَّاهِدُ؟ قال: "الْكَوْكَبُ. الأَعْرَابُ يُسَمُّونَ الْكَوْكَبَ شَاهِدَ اللَّيْلِ".

ثم رواه برقم (27271) عن يحيى بن إِسْحَاقَ قال: أخبرني لَيْثُ بن سَعْدٍ، عن خَيْرِ بن نُعَيْمٍ، عن عبد اللَّهِ، عن أَبِى تَمِيمٍ الجيشاني، عن أَبِى بَصْرَةَ الغفاري قال: صلى بِنَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَهُ.

ورواه النسائي في «المجتبى»، باب تَأْخِير الْمَغْرِبِ، (1/259) برقم (521) عن قُتَيْبَة، عن اللَّيْثُ، عن خير بن نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ، به.

ورواه ابن حبان في «صحيحه» (4/333) برقم (1471) من طريق علي بن المديني، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، به.

ورواه أبو عوانة في «مسنده» (1/300) برقم (1059) قال: حدثنا علان بن المغيرة والصومعي قالا: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن خير بن نعيم بإسناده: "فمن صلاها منكم ضعف له أجرها ضعفين ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد".

قال الليث وسمعت هذا الحديث من خير بن نعيم بهذا الإسناد.

وأبو صالح لم يذكر في حديث الليث عن خير هذه الكلمة: "ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد"، وذكر في حديث يزيد بن أبي حبيب عن خير بن نعيم.

ورواه أيضاً قال: حدثنا محمد بن أبي خالد الصومعي قال: حدثنا أحمد بن خالد الوهبي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن رجلٍ وخير بن نعيم، عن عبدالله بن هبيرة - وكان ثقة - بهذا الحديث.

·       الحديث الثاني:

روى الإمام أحمد في «مسنده» (6/398) برقم (27275) قال: حدثنا أبو عبد الرحمن - هو: عبدالله بن يزيد المقرىء - قال: حدثنا سَعِيدُ بن أَبِي أَيُّوبَ، قال: حدثني يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ: أن كُلَيْبَ بن ذُهْلٍ أخبره عن عبيد - يَعْنِي: ابن جَبْرٍ - قال: «رَكِبْتُ مع أبي بَصْرَةَ الغفاري صَاحِبِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سَفِينَةٍ مِنَ الْفُسْطَاطِ في رَمَضَانَ فَدَفَعَ ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ، ثُمَّ قال: اقْتَرِبْ، فقلت: أَلَسْتَ بين الْبُيُوتِ؟ فقال أبو بَصْرَةَ: أَرَغِبْتَ عن سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم».

ورواه برقم (27276) قال: حدثنا عَتَّابٌ، قال: حدثنا عبد اللَّهِ، قال: ثنا سَعِيدُ بن يَزِيدَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن كُلَيْبِ بن ذُهْلٍ، عن عبيد بن جَبر، قال: «رَكِبْتُ مع أَبِي بَصْرَةَ مِنَ الْفُسْطَاطِ إلى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ في سَفِينَةٍ، فلما دَفَعْنَا من مَرْسَانَا أَمَرَ بِسُفْرَتِهِ، فَقُرِّبَتْ، ثُمَّ دعاني إلى الْغَدَاءِ - وَذَلِكَ في رَمَضَانَ - فقلت: يا أَبَا بَصْرَةَ، والله ما تَغَيَّبَتْ عَنَّا مَنَازِلُنَا بَعْدُ! فقال: أَتَرْغَبُ عن سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لاَ، قال: فَكُلْ، فلم نَزَلْ مُفْطِرِينَ حتى بَلَغْنَا ما حُوزَنَا».

ثم رواه برقم (27277) قال: حدثنا يحيى بن غَيْلاَنَ، قال: حدثنا الْمُفَضَّلُ، قال: حدثنا عبداللَّهِ بن عَيَّاشٍ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن كُلَيْبِ بن ذُهْلٍ الحضرمي، عن عبيد بن جبر قال: رَكِبْتُ مع أَبِي بَصْرَةَ السَّفِينَةَ وهو يُرِيدُ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فذكر الحديث.

ورواه (6/7) برقم (23900) قال: حدثنا يحيى بن آدَمَ، قال: حدثنا ابن مُبَارَكٍ، عن سَعِيدِ بن زيد، عن يَزِيدَ بن أَبِي حَبِيبٍ: أن أَبَا بَصْرَةَ خَرَجَ في رَمَضَانَ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أُتِي بِطَعَامِهِ، فَقِيلَ له: لم تَغِبْ عَنَّا مَنَازِلُنَا بَعْدُ! فقال: «أَتَرْغَبُونَ عن سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»! قال: "فما زِلْنَا مُفْطِرِينَ حتى بَلَغُوا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا".

كذا رُوي مرسلاً!

ورواه أبو داود في «سننه»، باب مَتَى يُفْطِرُ الْمُسَافِرُ إذا خَرَجَ، (2/318) برقم (2412) عن عبيداللَّهِ بن عُمَرَ القواريريّ، عن عبداللَّهِ بن يَزِيدَ المقرىء، عن سعيد بن أبي أيوب [ح].

وعن جَعْفَر بن مُسَافِرٍ، عن عبداللَّهِ بن يحيى البُرلُّسيِّ، عن سَعِيد بن أبي أَيُّوبَ واللَّيْث، كلاهما عن يَزِيد بن أبي حَبِيبٍ: أَنَّ كُلَيْبَ بن ذُهْلٍ الْحَضْرَمِيَّ: أخبره عن عبيد - قال جَعْفَرٌ: ابن جَبْرٍ - قال: فذكره نحوه.

ورواه الدارمي في «سننه»، باب متى يفطر الرجل إذا خرج من بيته يريد السفر، (2/18) برقم (1713) عن عبدالله بن يزيد المقرىء، عن سعيد بن أبي أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب: أن كليب بن ذهل الحضرمي أخبره عن عبيد بن جبير، مثله.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/279) من طريق سَعِيد بن أبي أَيُّوبَ والليث بن سعد، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن كُلَيْبِ بن ذُهْلٍ الْحَضْرَمِيِّ، عن عبيد بن جَبْرٍ، به.

ورواه ابن خزيمة في «صحيحه» (3/265) عن أبي موسى محمد بن المثنى، عن عبدالله بن يزيد المقرىء، عن سعيد بن أبي أيوب، يزيد بن أبي حبيب، عن كليب بن ذهل، عن عبيد بن جبير، مثله.

·       كليب بن ذُهل وعبيد بن جبر مجهولان!

قال ابن خزيمة: "لست أعرف كليب بن ذهل ولا عبيد بن جبير، ولا أقبل دين من لا أعرفه بعدالة"!

قلت: كليب وعبيد لا يُعرفان إلا في هذا الحديث!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/230): "كليب بن ذهل عن ابن جبر، روى عنه يزيد بن أبي حبيب".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/167): "كليب بن ذهل، مصري، روى عن عبيد بن جبر، روى عنه: يزيد بن أبي حبيب، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (7/356): "كليب بن ذهل: يروي عن الحجازيين، روى عنه: يزيد بن أبي حبيب".

قلت: ليس له رواية عن الحجازيين، وإنما روى عن عبيد بن جبر، ويقال إنه مولى لأبي بصرة، وهو مصري.

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص462): "كليب بن ذهل الحضرمي المصري: مقبول، من السادسة".

وقد نقل ابن ماكولا في «تهذيب مستمر الأوهام» (ص153) قول الدارقطني: "جبر بن عبدالله القبطي مولى بني غفار، رسول المقوقس بمارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال: هو مولى أبي بصرة الغفاري".

ثم قال: "الذي ذكره أبو الحسن - رحمه الله - وقال: إنه مولى غفار، فهو عبيد بن جبر مولى بني غفار، ثم من موالي أبي بصرة، يكنى أبا جعفر، ويقال: إن أباه جبراً قبطي، وكان جبر ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم، بعث به المقوقس مع مارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغفار بن عمرانة منهم ويذكرونه نسبة فهم يقولون: جبر بن أنس بن سعد بن عبد الله بن عبد يا ليل بن حزاق بن غفار، والله أعلم. روى عن أبي بصرة، وروى عنه كليب بن ذهل، وتوفي بالإسكندرية على قول أحمد بن وزير سنة أربع وسبعين، وقد روى أحمد بن عيسى عن المفضل بن فضالة عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن كليب بن ذهل عن عبيد بن جبر أو خير - شك أحمد بن عيسى - والصواب جبر بالجيم، ذكرنا ذلك لئلا يراه راء فيصلحه فيكون قد ذكر عن أحمد بن عيسى ما لم يقله".

وقال ابن يونس في «تاريخ مصر»: "يُقال إن جبراً كان قبطياً ممن بعث به المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع مارية".

وقال سعيد بن عفير: "القبط يفتخرون به".

وذكره الفسوي في الثقات. وقال أبو عمر الكندي: "كان ممن خرج مع عثمان مع عبد الرحمن بن عديس وكان رامياً". (تهذيب التهذيب: 7/56).

وقال العجلي في «معرفة الثقات» (2/116): "عبيد بن جبير: مصري تابعي ثقة".

·       وهم لابن حجر!

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص376): "عبيد بن جبر، بالجيم والموحدة، القبطي مولى أبي بصرة، يقال: كان ممن بعث به المقوقس مع مارية، فعلى هذا فله صحبة. وقد ذكره يعقوب بن سفيان في الثقات، وقال ابن خزيمة: لا أعرفه".

قلت: الذي قيل إنه الذي بعث به المقوقس مع مارية هو والده "جبر" لا هو! وقد خالف ما ذكره في «الإصابة» (1/451): "جبر بن عبدالله القبطي مولى بني غفار، ويقال: مولى أبي بصرة الغفاري، حكى ابن يونس عن الحسن بن علي بن خلف بن قديد: أنه كان رسول المقوقس بمارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحسن: وقد رأيت بعض ولده بمصر. وقال هانئ بن المنذر: مات سنة ثلاث وستين".

قلت: وعبيد، قيل: هو ابن جُبير، بالتصغير، وقيل: ابن جبر. وقد تصحف في بعض الكتب إلى: "حنين" أو "عبد خير" وكأنه كان محرفاً في بعض الأصول القديمة لبعض الكتب.

قال ابن حجر في «لسان الميزان» (7/346): "كليب بن ذهل الحضرمي المصري عن عبد خير أو عبيد بن جبر، وعنه يزيد بن أبي حبيب، وثقه ابن حبان".

قلت: الأكثر على أنه: "عبيد بن جَبْر" وهو الصواب. وأخوه خالد بن جبر، يروي عن ابن عمر، روى عنه جعفر بن ربيعه. [الإكمال لابن ماكولا: 2/17].

·       تصحيح الألباني للحديث!

والحديث صححه الألباني في «إرواء الغليل» رقم (928).

قال بعد أن خرّج الحديث: "قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات غير كليب بن ذهل قال الحافظ: "مقبول". لكن للحديث شاهد من حديث دحية بن خليفة، فهو يتقوى به، وآخر من حديث أنس بإسناد صحيح، وقد غمزه بعض المعاصرين من الشافعية، وقد رددت عليه ذلك، وبينت صحة الحديث بما لا قبل له برده، نشر ذلك أولاً في مجلة "التمدن الإسلامي"، ثم فى رسالة خاصة بعنوان: "تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر والرد على من ضعفه" فليراجعها من شاء".

وقال شعيب الأنؤوط ورفاقه أثناء تحقيقهم مسند أحمد (45/207) رقم (27232): "حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة كليب بن ذهل، فلم يذكروا في الرواة عنه سوى يزيد بن أبي حبيب، ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان، ولجهالة عبيد بن جَبْر، فلم يذكروا في الرواة عنه سوى كُلَيْب بنِ ذُهْل، ولم يُؤْثر توثيقه عن غير العجلي.. وقد سلف برقم (23849)، وقد ذكرنا له شاهدين هناك يتقوى بهما" - أي حديث دحية وحديث أنس -.

قلت: مخرج هذا الحديث هو يزيد بن أبي حبيب، وقد تفرد بالرواية عن كليب، وتفرد كليب عن عبيد! ولو تعلق الأمر برواية مثل يزيد عن تابعي مجهول لهان الأمر، ولكن هذا الراوي يتفرد عن آخر مجهول، والمجهول عن مجهول آخر! والمسألة التي تقررها هذه القصة مع أبي بصرة أن ما فعله هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم!!

وقد صحح الألباني وشعيب هذه القصة بالشاهدين اللذين ذكراهما، ولكن عند التحقيق فهذه الشواهد غير صحيحة! وقد فصلت القول فيها في الرد على رسالة الألباني المذكورة.

والخلاصة أن حديث كليب هذا عن عبيد عن أبي بصرة لا يصح، لجهالة كليب وعبيد، والله أعلم.

·       الحديث الثالث:

روى أحمد في «مسنده» (6/7) برقم (23902) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِسْحَاقَ، قال: حَدَّثَنَا عبداللَّهِ - يَعْنِي ابنَ الْمُبَارَكِ - قال: أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بنُ يَزِيدَ، قال: حَدَّثَنِي ابنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَصْرَةَ حَدَّثَنِي: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ».

قَالَ أَبُو تَمِيمٍ: "فَأَخَذَ بِيَدِي أَبُو ذَرٍّ فَسَارَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى أَبِي بَصْرَةَ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَا قَالَ عَمْرٌو؟ قَالَ أَبُو بَصْرَةَ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/279) برقم (2168) عن الْحُسَيْن بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيّ، قال: حدثنا يحيى الْحِمَّانِيُّ، قال: حدثنا ابن الْمُبَارَكِ، عن سَعِيدِ بن يَزِيدَ، عن عبداللَّهِ بن هُبَيْرَةَ، عن أبي تَمِيمٍ، عن أبي بَصْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل زَادَكُمْ صَلاةً فَحَافِظُوا عليها وَجَعَلَ وَقْتَهَا فِيمَا بين الْعِشَاءِ إلى الْفَجْرِ، وَهِي الْوِتْرُ».

قلت: كذا رواه الحماني عن ابن المبارك مختصراً!

ورواه أحمد في «مسنده» (6/397) برقم (27272) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ، قال: أَخْبَرَنَا ابنُ لَهِيعَةَ، قال: أَخْبَرَنَا عبداللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ: «أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَادَكُمْ صَلَاةً فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ: الْوَتْرُ الْوَتْرُ. أَلَا وَإِنَّهُ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ».

قَالَ أَبُو تَمِيمٍ: "فَكُنْتُ أَنَا وَأَبُو ذَرٍّ قَاعِدَيْنِ. قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي أَبُو ذَرٍّ فَانْطَلَقْنَا إِلَى أَبِي بَصْرَةَ فَوَجَدْنَاهُ عِنْدَ الْبَابِ الَّذِي يَلِي دَارَ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: يَا أَبَا بَصْرَةَ، آنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَادَكُمْ صَلَاةً صَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ: الْوَتْرُ الْوَتْرُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ".

ورواه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» (كما في زوائد الهيثمي، ص336) عن يحيى بن إسحاق السيلحينيّ، عن ابن لهيعة، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/279) برقم (2167) عن الْمِقْدَام بن دَاوُدَ، عن أَسَد بن مُوسَى، عن ابن لَهِيعَةَ، به.

قلت: ابن لهيعة ضعيف، لكنه قد توبع، تابعه سعيد بن يزيد أبو شجاع القِتْباني الإسكندراني وهو ثقة، فالحديث جيد.

وخالفهما قرة بن عبدالرحمن المصري كما رواه إسحاق بن راهوية في «مسنده» [نصب الراية: 2/109] قال: أخبرنا سويد بن عبدالعزيز، قال: حدثنا قرة بن عبدالرحمن بن حَيوئِيل، عَن يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ، عن أَبِي الْخَيْرِ مَرْثَدِ بنِ عبداللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عن عَمْرِو بنِ الْعَاصِ وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةٌ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ: الْوِتْرُ، وَهِيَ لَكُمْ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ».

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/64) عن مُوسَى بن هارُونَ، عن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْهِ، به.

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذا الْحَدِيثَ عن يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ إِلَّا قُرَّةُ بنُ عبدالرَّحْمَنِ، تَفَرَّدَ بِهِ: سُوَيْدُ بنُ عبد الْعَزِيزِ، وَلَا رُوِيَ عَن عَمْرِو بنِ الْعَاصِ وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ".

ورواه أبو نُعيم في «الحلية» (9/235) عن حَبِيب بن الْحَسَنِ، عن مُوسَى بن هَارُونَ الْحَافِظُ، عن إِسْحَاق بن رَاهُوَيْهِ، به.

قال أبو نُعيم: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ قُرَّةَ! لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إِلَّا سُوَيْدٌ".

قلت: قرة هذا ضعيف. قال الإمام أحمد: "منكر الحديث جداً". ومشّاه بعض أهل العلم إذا توبع، ولكنه هنا تفرد بهذا الإسناد، وخالف من هو أوثق منه، فلا يقبل حديثه هذا. والحديث لا بأس به من الطريق الأولى، والله أعلم.

·       الحديث الرابع:

روى أحمد في «المسند» (6/396) قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عن أَبِي وَهْبٍ الْخَوْلَانِيِّ، عن رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ، عن أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَرْبَعًا فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُهْلِكَهُمْ بِالسِّنِينَ كَمَا أَهْلَكَ الْأُمَمَ قَبْلَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَمَنَعَنِيهَا».

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/280) برقم (2171) عن مُطَّلِب بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيّ، عن عبداللَّهِ بن صَالِحٍ، عن اللَّيْث، عن أبي هانىء الْخَوْلانِيِّ، عَمَّنْ حدّثه، عن أبي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، به.

قلت: هذا إسناد ضعيف، فيه راوٍ لم يُسمّ.

والحديث الصحيح رواه الإمام مسلم في «صحيحه» (4/2216) من طريق عَامِر بن سَعْدٍ، عن أبيه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ من الْعَالِيَةِ حتى إذا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دخل فَرَكَعَ فيه رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا معه، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا، فقال صلى الله عليه وسلم: سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا».

قلت: ومتن هذا يختلف عن متن الأول! إذ في الأول الضعيف: «سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَأَعْطَانِيهَا»، وفي هذا الأخير الصحيح: «وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا».

·       الحديث الخامس:

روى الإمام أحمد في «مسنده» (6/398) برقم (27278) قال: حدثنا أبو عَاصِمٍ، عن عبدالحَمِيدِ - يَعْنِي ابن جَعْفَرٍ - قال: أخبرني يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ، عن مَرْثَدِ بن عبداللَّهِ، عن أبي بَصْرَةَ الغفاري قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لهم يَوْماً: «إني رَاكِبٌ إلى يَهُودَ، فَمَنِ انْطَلَقَ معي فإن سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ، فَانْطَلَقْنَا فلما جِئْنَاهُمْ سَلَّمُوا عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: وَعَلَيْكُمْ».

ثم رواه عن حَسَن بن موسى الأشيب، عن ابن لَهِيعَةَ، قال: حدثنا يَزِيدُ بن أَبِي حَبِيبٍ، عن أَبِي الْخَيْرِ قال: سمعت أَبَا بَصْرَةَ يقول: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنا غَادُونَ إلى يَهُودَ فَلاَ تبدؤوهم بِالسَّلاَمِ، فإذا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ».

ورواه برقم (27280) عن وَكِيع، عن عبدالْحَمِيدِ بن جَعْفَرٍ، يَزِيدَ بن أَبِي حَبِيبٍ، مثله.

ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (6/104) برقم (10220) عن واصل بن عبدالأعلى، عن أبي أسامة، عن عبدالحميد بن جعفر، عن يزيد، به.

ورواه البخاري في «الأدب المفرد»، باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام، (ص377) برقم (1102) عن أحمد بن خالد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد.

وعن ابن سلام، عن يحيى بن واضح، عن ابن إسحاق، مثله.

ورواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/341) من طريق عبيد اللَّهِ بن عَمْرٍو، عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ.

ورواه أيضاً من طريق عبدالله بن وَهْبٍ، عن ابن لَهِيعَةَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/277) عن أبي مُسْلِمٍ الْكَشِّيّ، عن أبي عَاصِمٍ، عن عبدالْحَمِيدِ بن جَعْفَر بن عبدالله بن الحكم الأنصاري.

وعن الْمِقْدَام بن دَاوُدَ، عن أَسَد بن مُوسَى، عن ابن لَهِيعَة.

وعن أبي الزِّنْبَاعِ رَوْحِ بن الْفَرَجِ، عن عَمْرُو بن خَالِدٍ الْحَرَّانِيّ، عن محمد بن سَلَمَةَ، عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ بن يَسار، ثلاثتهم عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، به، نحوه.

قلت: وهذا إسناد صحيح، لا أعرف له علّة.

وقد أشار ابن عبدالحكم في «فتوح مصر» (ص328) إلى أن الليث وابن لهيعة قد روياه عن يزيد بن أبي حبيب، وخالفا ابن إسحاق فيه.

وقد رواه ابن إسحاق مرة ثانية فقال في صحابي الحديث: "عن أبي عبدالرحمن الجُهني"، وقد وهم في ذلك، وقد بينته مفصلاً في موضع آخر - بحمد الله -. [انظر: "علوم الرجال": «أبو عبد الرّحمن الجُهني» هل هو صحابي؟ أم هو نفسه «عُقبة بن عامر»؟!].

·       الحديث السادس:

روى الإمام أحمد في «مسنده» (6/397) برقم (27269) قال: يحيى بن إِسْحَاقَ، قال: أخبرنا ابن لَهِيعَةَ، عن عبداللَّهِ بن هُبَيْرَةَ، عن أَبِي تَمِيمٍ الجيشاني، عن أَبِي بَصْرَةَ الغفاري، قال: «أَتَيْتُ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا هَاجَرْتُ وَذَلِكَ قبل أن أُسْلِمَ، فَحَلَبَ لي شُوَيْهَةً كان يحتلبها لأَهْلِهِ، فَشَرِبْتُهَا، فلما أَصْبَحْتُ أَسْلَمْتُ، وقال عِيَالُ النبي صلى الله عليه وسلم: نَبِيتُ اللَّيْلَةَ كما بِتْنَا الْبَارِحَةَ جِيَاعاً، فَحَلَبَ لي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَاةً فَشَرِبْتُهَا وَرَوِيتُ، فقال لي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَوِيتَ، فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، قد رَوِيتُ ما شَبِعْتُ وَلاَ رَوِيتُ قبل الْيَوْمِ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الْكَافِرَ يَأْكُلُ في سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ في معي وَاحِدٍ».

قلت: هذا الحديث تفرد به ابن لهيعة، وأصل القصة صحيح، وفي رواية ابن لهيعة هذه بعض النكرة.

ولابن لهيعة فيه إسناد آخر مما يدلّ على أنه لم يضبط الرواية.

رواه يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/284) عن سعيد بن عفير، قال: حدثني ابن لهيعة، عن موسى بن وَرْدَان، عن أبي الهيثم: أنه سمع أبا بصرة الغفاري عن إسلام غفار، وذكر قصة، فقال: يا أبا بصرة: «إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد».

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (9/137) عن هارون بن كامل، عن سعيد بن عفير، به.

قال الطبراني: "لا يُروى هذا الحديث عن أبي بصرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة".

·       أصل القصة:

وأصل الحديث في «صحيح مسلم» (3/1632) برقم (2063) قال: حدثني محمد بن رَافِعٍ، قال: حدثنا إسحاق بن عِيسَى، قال: أخبرنا مَالِكٌ، عن سُهَيْلِ بن أبي صَالِحٍ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَافَهُ ضَيْفٌ، وهو كَافِرٌ، فَأَمَرَ له رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ حتى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إنه أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَ له رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِأُخْرَى فلم يَسْتَتِمَّهَا، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ في معي وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ في سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ».

ورواه الترمذي في «الجامع» (4/267) برقم (1819) عن إِسْحَاق بن مُوسَى الأَنْصَارِيّ، عن مَعْن بن عيسى، عن مَالِك، به.

قال الترمذي: "هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِن حَدِيثِ سُهَيْلٍ".

قلت: لم يذكر في هذه القصة من هو هذا الرجل بخلاف رواية ابن لهيعة التي فيها نكارة!

·       الاختلاف في اسم الضيف:

وكذلك اختلف في اسم هذا الرجل الضيف على أقوال، فبينما ذكر في رواية ابن لهيعة أنه: «أبو بصرة الغفاري»، جاء في بعض الروايات أنه غيره!

وقد ذكر الخطيب البغدادي في «غوامض الأسماء المبهمة» (ص231) الاختلاف في اسم هذا الرجل، ومما ذكره أنه "أبو بصرة حميل بن بصرة الغفاري" ما رواه من طريق عبدالغني بن سعيد، قال: حدثنا أبو الطاهر القاضي - هو: محمد بن أحمد الذهلي -، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي، قال: حدثنا محمد بن كثير - هو: العبدي البصري -، عن حسين بن أفلح، قال: «أقبل ركبُ غفارٍ قريباً من ثلاثين راكباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرقوا في الناس، وكان فيهم رجل يدعى أبا بصرة مثل السارية، فحاماه الناس فتركوه قاعداً وحده، قال: فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتبعه بطعام، فوضع بين يديه فأكله، ثم حلب له فشرب حتى شرب حلاب سبع شياه سبعة أقداح، قال: فقيل له، قل لا إله إلا الله وتكلم بالإسلام، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فاستتبعه فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالإناء الذي وضع بين يديه بالأمس فلم يأكل إلا يسيراً حتى قال: شبعت، قال: وحلب له في الإناء الذي كان يشرب منه فلم يشرب إلا يسيراً حتى قال [رويت]، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكبه وقال: كنت أمس كافراً وأنت اليوم مؤمن، وإن الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد».

قلت: هذا حديث مُعضل! فمحمد بن كثير العبدي توفي سنة (223هـ)، وشيخه لم أعرفه وهو يروي القصة هكذا مرسلة!

·       إثبات صحبة جهجاه بهذا الحديث فيه نظر!

وقيل: إن هذا الضيف هو: «جَهْجَاهٌ الْغِفَارِيُّ»:

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/274) برقم (2152) قال: حدثنا عبيد بن غَنَّامٍ، قال: حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ [ح].

وَحَدَّثَنَا محمد بن عبد اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، قال: حدثنا أبو كُرَيْبٍ [ح].

وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قال: حدثنا عُثْمَانُ بن أبي شَيْبَةَ، قالوا: حدثنا زَيْدُ بن الْحُبَابِ، قال: حدثني مُوسَى بن عبيدةَ، قال: حدثني عبيد بن سَلْمَانَ الأَغَرُّ، عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ، عن جَهْجَاهٍ الْغِفَارِيِّ: «أَنَّهُ قَدِمَ في نَفَرٍ من قَوْمِهِ يُرِيدُونَ الإِسْلامَ فَحَضَرُوا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَغْرِبَ فلما سَلَّمَ قال: يَأْخُذُ كُلُّ رَجُلٍ بِيَدِ جَلِيسِهِ، فلم يَبْقَ في الْمَسْجِدِ غَيْرُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِي وَكُنْتُ عَظِيمًا طَوِيلا لا يُقَدَّمُ عَلَيَّ أَحَدٌ، فَذَهَبَ بِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى مَنْزِلِهِ فَحَلَبَ لي عَنْزًا، فَأَتَيْتُ عليها حتى حَلَبَ لي سَبْعَ أَعْنُزٍ، فَأَتَيْتُ عليها، ثُمَّ أُتِيتُ بِصَنِيعِ بُرْمَةٍ، فَأَتَيْتُ عليها، وَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: أجَاعَ اللَّهُ من أجَاعَ رَسُولَ اللَّهِ هذه اللَّيْلَةَ! قال: مَهْ يا أُمَّ أَيْمَنَ، أَكَلَ رِزْقَهُ وَرِزْقُنَا على اللَّهِ، فَأَصْبَحُوا فَغَدَوْا فَاجْتَمَعَ هو وَأَصْحَابُهُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُخْبِرُ بِمَا أُتِيَ إليه، فقال جَهْجَاهٌ: حُلِبَتْ لي سَبْعُ أَعْنُزٍ فَأَتَيْتُ عليها وَصَنِيعُ بُرْمَةٍ فَأَتَيْتُ عليها، فَصَلَّوْا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَغْرِبَ، فقال: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِيَدِ جَلِيسِهِ فلم يَبْقَ في الْمَسْجِدِ غَيْرُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِي وَكُنْتُ عَظِيمًا طَوِيلا لا يُقَدَّمُ عَلَيَّ أَحَدٌ فَذَهَبَ بِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى مَنْزِلِهِ فَحَلَبَ لي عَنْزًا فَرُوِّيتُ وَشَبِعْتُ، فقالت أُمُّ أَيْمَنَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ هذا ضَيْفَنَا؟ قال: بَلَى، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنه أَكَلَ في معي مُؤْمِنٍ اللَّيْلَةَ وَأَكَلَ قبل ذلك في معي كَافِرٍ، الْكَافِرُ يَأْكُلُ في سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ في معي وَاحِدٍ».

قال الخطيب البغدادي في «غوامض الأسماء المبهمة» (ص228): "هذا الضيف المذكور اختلف فيه كثيراً، فقيل - وهو الأكثر -: إنه جهجاه الغفاري".

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (9/538): "وهذا الرجل يشبه أن يكون جهجاه الغفاري، فأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار والطبراني من طريقه أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام... وفي إسناد الجميع موسى بن عبيدة وهو ضعيف".

قلت: بل هو منكر الحديث، لا يُحتج به! وهذه قصة منكرة! وقد تفرد بها!

قال ابن حجر في «الإصابة» (1/519): "غريب! تفرد به موسى بن عبيدة عن عبيد، وقد أشار إليه الترمذي في الترجمة".

وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في منكرات موسى الربذي في ترجمته من «الكامل» (6/336) وكذلك الحافظ الذهبي في «الميزان» (6/551).

وقال ابن حبان في «الثقات» (3/61): "جهجاه بن سعيد الغفاري، يقال: إن له صحبة، ولكن في إسناد خبره رجل ضعيف يقال له: موسى بن عبيدة الربذي. وكان جهجاه من فقراء المهاجرين، وهو الذي أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر فأكثر ثم أسلم، فأكل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء".

قلت: لا يصح هذا، وفي إثبات صحبته بهذا الحديث نظر!!

·       إشارة البخاري إلى ضعف الحديث:

وقد أشار البخاري إلى أن هذا الحديث لا يصح.

قال في «التاريخ الكبير» (4/198): "سكين الضمري: سمع النبي صلى الله عليه وسلم، قاله لي محمد بن سلام عن مخلد بن يزيد عن ابن جريج: أُخبرت عن عطاء بن يسار.

قال موسى بن عبيدة عن عبيد بن سلمان، عن عطاء بن يسار، عن جهجاه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن يأكل في معي واحد، ولا يصح".

قلت: أراد البخاري أن يرجح الرواية الأولى على رواية موسى وحكم على إسناده بأنه لا يصح، وأن الإسناد الأول هو الصحيح، وهو إسناد ضعيف.

والبخاري لم يثبت الصحبة للضمري هذا كما فهمه ابن عبدالبر، وإنما هو جاء بالإسناد الذي فيه ذكر لسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إسناد ضعيف يقول فيه ابن جريج: "أخبرت".

·       استدراك على ابن عبدالبر!

قال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (2/686): "سكين الضمري: مدني له صحبة. روى عنه عطاء بن يسار.

قال البخاري: سكين الضمري، مدني له صحبة، سمع النبي صلى الله عليه وسلم. قال محمد بن سلام عن مخلد بن يزيد عن ابن جريج قال: أُخبرت عن عطاء بن يسار عن سكين الضمري عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (المؤمن يأكل في معي واحد). قال: وقال موسى بن عبيدة عن عبيد بن الأغر عن عطاء بن يسار عن جهجاه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولا يصح جهجاه عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذا كله كلام البخاري".

قلت: البخاري لم يقل: "مدني له صحبة"، ولم يثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فهم غير صحيح من ابن عبدالبر!!

قال ابن حجر في «الإصابة» (3/135): "السُّكَين الضمري، بالتصغير، وقيل: السَّكَن، بغير تصغير. قال أبو حاتم: له صحبة. روى البخاري في تاريخه وابن أبي خيثمة من طريق ابن جريج حديثاً عن عطاء بن يسار: سمعت سكيناً الضمري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المؤمن يأكل في معي واحد الحديث، رواه صفوان ابن هبيرة عن ابن جريج عن سهيل عن عطاء، وقد حدَّث به موسى بن عبيدة عن عطاء فقال: عن جهجاه، فالله أعلم".

·       قصة أخرى:

وقيل: إن هذا الضيف هو: «نَضْلَة بن عَمْرٍو الغفاري»:

رواه أحمد في «المسند» (4/336) برقم (18982) عن عَلِيّ بن عبداللَّهِ المديني، قال: حدثني محمد بن مَعْنِ بن مُحَمَّدِ بن مَعْنِ بن نَضْلَةَ بن عَمْرٍو الغفاري - مديني - قال: حدثني جدّي محمد بن مَعْنٍ، عن أبيه مَعْنِ بن نَضْلَةَ، عن نَضْلَةَ بن عَمْرٍو الغفاري: «أَنَّهُ لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَرَّيَيْنَ، فَهَجَمَ عَلَيْهِ شَوَائِلُ لَهُ، فَسَقَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ شَرِبَ فَضْلَةَ إِنَاءٍ، فَامْتَلَأَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كُنْتُ لَأَشْرَبُ السَّبْعَةَ فَمَا أَمْتَلِئُ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ الْمُؤْمِنَ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَإِنَّ الْكَافِرَ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ».

ورواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/245) عن يعقوب بن حُميد، عن محمد بن معن الغفاري، قال: حدثني جدي، عن جده نضلة بن عمرو الغفاري أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث.

كذا فيه: "جدي عن جده"، والصواب الأول بذكر: "عن أبيه".

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/118): "نضلة الغفاري: حجازي، له صحبة. قال علي: حدثنا محمد بن معن بن نضلة، قال: أخبرني جدي، عن أبيه معن بن نضلة، عن نضلة بن عمرو الغفاري: أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم، فسقى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم شرب فضلة إناء فامتلأ فقال: إن كنت لأشرب السبعة فما امتلئ، ذكر حديثه - يعني: المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء".

وقال ابن حبان في «الثقات» (3/420): "نضلة بن عمرو بن أهبان بن حلان بن خفاف بن حبيب بن غفار بن مليل الغفاري أبو معن: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: المؤمن يأكل في معاء واحد، وهو جد محمد بن معن الغفاري، وكان يسكن الطلوب بين الفرع والسقيا، وهي على تسعة أميال من السقيا".

قلت: هذا إسناد حسن، لا بأس به. وظاهر القصة يختلف عن أصل القصة التي نتكلم عنها، فلعلها قصة أخرى، والله أعلم.

قال ابن حجر في «فتح الباري» (9/538) - وهو يتكلم عن هذا الحديث لتفسير الضيف في رواية مسلم المتقدمة -: "وهذا أيضاً لا ينبغي أن يفسر به مبهم حديث الباب لاختلاف السياق".

وقيل: إن هذا الضيف هو: «ثُمامة بن أُثال»:

قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (14/26): "وأما الرجل المذكور فى الكتاب الذي شرب حلاب سبع شياه، فقيل: هو ثمامة بن أثال، وقيل: جهجاه الغفاري، وقيل: بصرة بن أبي بصرة الغفاري، والله أعلم".

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (9/538): "ووقع في كلام النووي تبعاً لعياض أنه بصرة بن بصرة الغفاري، وذكر ابن إسحاق في السيرة من حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال: أنه لما أسر ثم أسلم وقعت له قصة تشبه قصة جهجاه فيجوز أن يفسر به".

وقال العيني في «عمدة القاري» (21/41): "واختلفوا في هذا الرجل، فقيل: ثمامة بن أثال وبه جزم المازري والنووي، وقيل: جهجاه الغفاري، وقيل: نضلة بن عمرو الغفاري، وقيل: أبو بصرة الغفاري، وقيل: ابنه بصرة بن أبي بصرة الغفاري، وقيل: أبو غزوان غير مُسمى".

قال ابن إسحاق: بَلَغَنِي عن أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَن أَبِي هَرِيرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجَتْ خَيْلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَتْ رَجُلًا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، لَا يَشْعُرُونَ مَنْ هُوَ، حَتَّى أَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ، هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيُّ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ. وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ، فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ، وَأَمَرَ بِلِقْحَتِهِ أَنْ يُغْدَى عَلَيْهِ بِهَا وَيُرَاحُ فَجَعَلَ لَا يَقَعُ مِنْ ثُمَامَةَ مَوْقِعًا وَيَأْتِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ: أَسْلِمْ يَا ثُمَامَةُ، فَيَقُولُ: إيْهَا يَا مُحَمَّدُ، إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُرِدْ الْفِدَاءَ فَسَلْ مَا شِئْتُ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَلَمَّا أَطْلَقُوهُ خَرَجَ حَتَّى أَتَى الْبَقِيعَ، فَتَطَهَّرَ فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا أَمْسَى جَاءُوهُ بِمَا كَانُوا يَأْتُونَهُ مِنْ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا، وَبِاللِّقْحَةِ فَلَمْ يُصِبْ مِنْ حِلَابِهَا إلَّا يَسِيرًا فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ: مِمَّ تَعْجَبُونَ؟ أَمِنْ رَجُلٍ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فِي مِعَي كَافِرٍ، وَأَكَلَ آخِرَ النَّهَارِ فِي مِعَي مُسْلِمٍ! إنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَإِنَّ الْمُسْلِمَ يَأْكُلُ فِي مِعًي وَاحِدٍ».

قلت: وهذا رواه ابن إسحاق بلاغاً، وأهل السيّر يتساهلون في ذلك، ولو صح هذا عنه لما فسرناه بما في رواية الإمام مسلم؛ لأن القصة مختلفة، فيحتمل أن هذا الحديث قد تكلّم به النبي صلى الله عليه وسلم في ذاك الكافر كما في رواية مسلم، ثم حدثت بعض القصص شابهت قصة ذاك الكافر فقال ذلك صلى الله عليه وسلم أيضاً في تلك القصص، والله تعالى أعلم.

·       أبو غزوان، هل له صحبة؟

وقيل: إن هذا الضيف هو: «أبو غَزوان»:

روى أبو عوانة في «مسنده» (5/212) قال: حدثنا يونس بن عبدالأعلى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني حُيَيُّ، عن أبي عبدالرحمن الْحُبُلِيِّ، عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مختصراً.

ورواه الخطيب في «غوامض الأسماء المبهمة» (ص232) من طريق هارون بن سعيد، قال: حدثنا ابن وهب، عن حُيي، عن أبي عبدالرحمن الحُبُليّ، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: «جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة رجال عند صلاة المغرب، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما أسمك؟ قال: أبو غزوان، فحلب له النبي صلى الله عليه وسلم سبع شياه فشرب لبنها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك يا أبا غزوان أن تسلم؟ قال: نعم، فأسلم فمسح النبي صلى الله عليه وسلم صدره، فلما أصبح حلب له النبي صلى الله عليه وسلم شاة واحدة فلم ينجز لبنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أبا غزوان؟ قال: والذي بعثك نبياً، لقد رويت، قال: إنك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم إلا واحدة».

·       تعقّب ابن حجر والعيني:

قال العيني في «عمدة القاري» (21/42): "إسناد صحيح".

وقال ابن حجر في «الإصابة» (7/314): "أبو غزوان: له ذكر في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أخرجه الطبراني من طريق ابن وهب: حدثني حيي بن عبدالله، عن أبي عبدالرحمن الحبلي، عن عبدالله بن عمرو...".

وقال في «الفتح» (9/538): "وأخرج الطبراني بسند جيد، عن عبدالله بن عمرو قال: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعة رجال... وهذه الطريق أقوى من طريق جهجاه، ويحتمل أن تكون تلك كنيته، لكن يقوي التعدد أن أحمد أخرج من حديث أبي بصرة الغفاري، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجرت قبل أن أسلم فحلب لي شويهة... وهذا لا يفسر به المبهم في حديث الباب، وأن كان المعنى واحداً، لكن ليس في قصته خصوص العدد، ولأحمد أيضاً، ولأبي مسلم الكجي، وقاسم بن ثابت في الدلائل، والبغوي في الصحابة من طريق محمد بن معن بن نضلة الغفاري: حدثني جدي نضلة بن عمرو، قال أقبلت في لقاح لي.. وهذا أيضاً لا ينبغي أن يفسر به مبهم حديث الباب لاختلاف السياق".

قلت: بل ليس بصحيح، ولا بجيد! تفرد به حُيَيُّ بن عبداللَّهِ المَعَافِرِيُّ، والجمهور على تضعيفه، ولا يحتج بما انفرد به.

قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: "حيي أحاديثه مناكير".

وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/76): "فيه نظر".

وقال النسائي في «السنن الكبرى» (1/602): "ليس ممن يُعتمد عليه".

وقال في «الضعفاء» (ص35): "حيي بن عبدالله، مصري، ليس بالقوي".

وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: حيي المصري؟ قال: "ليس به بأس" (الجرح والتعديل: 3/271) - يعني: يُكتب حديثه للاعتبار.

وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في منكراته في ترجمته من «الكامل» (2/450) بعد أن رواه من طريق سليمان الشاذكوني، عن عبدالله بن وهب، به.

·       عدم تعين اسم ذاك الضيف!

والخلاصة: لم يتعين عندي اسم ذاك الضيف الذي جاء ذكره في حديث مسلم، وما صح في قصة نضلة بن عمرو سياقه يختلف عن سياق ذاك الحديث، وكذلك ما رواه ابن إسحاق بلاغاً - إن صحّ -، فالله أعلم.

·       تعقّب الترمذي!

أخرج الترمذي في «الجامع» (4/266) برقم (1818) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبيداللَّهِ، عَن نَافِعٍ، عَن ابنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «الكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًي وَاحِدٍ».

قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي بصرَةَ الْغِفَارِيِّ، وَأَبِي مُوسَى، وَجَهْجَاهٍ الغِفَارِيِّ، وَمَيْمُونَةَ، وَعبداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو".

قلت: قد ذكرنا الاختلاف في أن اسم ذاك الضيف وأنه أبو بصرة الغفاري أو جهجاه الغفاري، فلا يصح أن نجعلهما حديثين منفصلين، وهو حديث لم يصح. وكذلك حديث عبدالله بن عمرو، والترمذي يتساهل بذكر مثل هذه الشواهد من أجل تقوية أصل الباب.

·       الحديث السابع:

روى الإمام أحمد في «المسند» (6/397) برقم (27273) قال: حدثنا يَعْقُوبُ - هو: ابن إبراهيم بن سعد -، قال: حدثنا أَبِي، عَنِ ابن إِسْحَاقَ، قال: حدثني يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ، عن مَرْثَدِ بن عبداللَّهِ اليزني، عن أبي بَصْرَةَ الغفاري، قال: «لَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وهو يَسِيرُ إلى مَسْجِدِ الطُّورِ ليصلي فيه، قال: فقلت له، لو أَدْرَكْتُكَ قبل أن تَرْتَحِلَ ما ارْتَحَلْتَ! قال: فقال، وَلِمَ؟ قال: فقلت، إني سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، والْمَسْجِدِ الأَقْصَى، ومسجدي».

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/277) برقم (2161) عن عبداللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، عن أبيه، به.

·       هذا الحديث لا يُعرف عند أهل مصر!

قلت: تفرد به ابن إسحاق بهذا الإسناد! ولا يُعرف هذا الحديث عند المصريين، وابن إسحاق حديثه عن المصريين فيه أوهام، وكأنه دخل له إسناد في إسناد؛ لأن الحديث معروف ومشهور عند أهل المدينة.

ومما يدل على أن ابن إسحاق تفرد به عن المصريين أن الحافظ الطبراني الذي يحرص على جمع طرق الأحاديث لم يرو هذا الحديث في كتابه الكبير إلا من طريق مسند أحمد. وسيأتي إن شاء الله أن أهل مصر رووه عن أهل المدينة، وهذا يؤكد وهم ابن إسحاق في إسناده.

وعليه فإن هذا الإسناد معلول، ولا يلتفت إلى التصريح بالسماع الوارد فيه؛ وابن إسحاق فيه ضعف.

وهذا الحديث له تتمة كما سياتي إن شاء الله، وقد أخرجه بعض أهل العلم عن ابن إسحاق مثل ما رواه أهل المدينة، فلعل هذا أصله عند ابن إسحاق، فمرة رواه على الصواب، ووهم فيه مرة أخرى.

روى الحاكم في «المستدرك» (1/414) برقم (1031) من طريق يعلى بن عبيد، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة قال: جئت الطور فلقيت هناك كعب الأحبار فحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدّث عن التوراة فما اختلفا حتى مررت بيوم الجمعة، قال: قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم جمعة ساعة لا يوافقها مؤمن وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، قال كعب: تلك في كل سنة، فقلت: ما كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم! فرجع، فتلا، ثم قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: في كل جمعة. قال أبو هريرة: ثم لقيت عبدالله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فذكر الحديث بنحو من حديث مالك.

قلت: وسيأتي حديث مالك إن شاء الله، وهذا يدلّ على أن الحديث عند ابن إسحاق كما رواه أهل المدينة، ولكنه وهم فيه بروايته عن المصريين، وتفرد به، ولا يوجد عندهم، والله أعلم.

·       رواية أهل المدينة لهذا الحديث:

والحديث قد رواه أهل المدينة عن أبي هريرة:

·       رواية زيد بن أسلم عن المقبري عن أبي هريرة:

رواه البخاري في «التاريخ الكبير» (3/123) عن سعيد بن أبي مريم.

والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2/56) عن يحيى بن عُثْمَانَ بن صَالِحٍ، عن سَعِيد بن أبي مَرْيَمَ، قال: أَنْبَأَنا محمد بن جَعْفَرِ بن أبي كَثِيرٍ الأَنْصَارِيُّ، قال: أَنْبَأَنا زَيْدُ بن أَسْلَمَ، عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال: «أَتَيْت الطُّورَ فَصَلَّيْت فيه، فَلَقِيت حَمِيلَ بن بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ فقال: من أَيْنَ جِئْت؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فقال: لو لَقِيتُك قبل أَنْ تَأْتِيَهُ ما جِئْته، سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: لاَ تُضْرَبُ الْمَطَايَا إِلاَّ إلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هذا، وَمَسْجِدِ إيلِيَاءَ».

ورواه الطحاوي أيضاً عن يحيى، عن ابن أبي مَرْيَمَ، قال: أَنْبَأَنا أبو غَسَّانَ محمد بن مُطَرِّفٍ، عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ، مثله.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/276) عن إِبْرَاهِيم بن هاشِمٍ الْبَغَوِيُّ، قال: حدثنا أُمَيَّةُ بن بِسْطَامٍ، قال: حدثنا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ، عن رَوْحِ بن الْقَاسِمِ، عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ، عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ: أَنَّ أَبَا بَصْرَةَ حُمَيْلَ بن بَصْرَةَ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ وهو مُقْبِلٌ مِنَ الطُّورِ، فذكره نحوه.

ورواه الطبراني أيضاً في «المعجم الكبير» (2/276) وفي «المعجم الأوسط» (1/260) عن أَحْمَد بن يحيى الْحُلْوَانِيّ، قال: حدثنا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ، عن مُحَمَّدِ بن عبدالرحمن بن مُجَبَّرٍ، عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ، به، نحوه مختصراً.

قال الطبراني في «المعجم الأوسط»: "لم يرو هذا الحديث عن زيد عن المقبري عن أبي هريرة إلا ابن مجبر، ورواه روح بن القاسم وغيره عن زيد عن سعيد المقبري عن أبي بصرة حميل بن بصرة".

قلت: روح وغيره رووه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وهو الذي ذكر قصته مع حميل، ولم يرووه عن أبي بصرة، وإنما فيه: "أن أبا بصرة لقي أبا هريرة..."، فلا اختلاف بين هذه الروايات إن شاء الله، ولا تفرد من ابن مجبر.

·       وهم للدَّرَاوَرْدِيّ في اسم أبي بصرة!

ورواه الدراوردي أيضاً عن زيد بن أسلم لكنه وهم في اسم أبي بصرة، فقال: «جَميل» بالجيم، والصواب «حُميل» بالحاء مصغراً.

رواه الطحاوي في «مشكل الآثار» (2/55) عن يحيى بن عُثْمَانَ بن صَالِحٍ، قال: حدثنا نُعَيْمُ بن حَمَّادٍ، قال: حدثنا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ، عن الْمَقْبُرِيِّ، عن أبي هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ خَرَجَ إلَى الطُّورِ فَصَلَّى فيه، ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَقِيَ جَمِيلَ بن بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، فقال له جَمِيلٌ: من أَيْنَ جِئْتَ؟ قال: من الطُّورِ، قال: أَمَا إنِّي لو لَقِيتُك قبل أَنْ تَأْتِيَهُ لم تَأْتِهِ، قال: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: لاَ تُضْرَبُ أَكْبَادُ الْمَطِيِّ إِلاَّ إلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/276) عن عَمْرُو بن أبي الطَّاهِرِ بن السَّرْحِ، قال: حدثنا يحيى بن بُكَيْرٍ، قال: حدثنا عبدالْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ، عن سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الطُّورِ فَلَقِيَ جَمِيلَ بن بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ، فقال له جَمِيلٌ: لو لَقِيتُكَ قبل أَنْ تَأْتِيَ الطُّورَ لم تَأْتِهِ، فذكر الحديث.

·       خلط بين المتون في رواية أحمد بن أبان القرشي عن الدراوردي!

ورواه البزار في «مسنده» (15/147) برقم (8474) قال: حَدَّثنا أحمد بن أَبَان القرشي، قَال: حَدَّثنا عبد الْعَزِيزِ بنُ مُحَمد – هو الدراوردي-، عَن زَيْدِ بْنِ أسلم، عَن سَعِيد الْمَقْبُرِيّ، عَن أبي هُرَيرة، قال: «أتيت الطور فلقيني جَميل بن بصرة، فقال لي من أين جئت؟ قلت من الطور، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يقول: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صلاة فيما سواه»، فلو صليت في هذا المسجد كان خيراً لك، ولو أدركت قبل أن تذهب ما تركتك تذهب إليه».

قلت: هكذا رواه أحمد بن أبان عن الدراوردي بهذا المتن، وقد خالف غيره في هذا الحديث، وقد تقدمت رواية نعيم بن حماد ويحيى بن بكير عن الدراوردي، بلفظ: «لاَ تُضْرَبُ أَكْبَادُ الْمَطِيِّ إِلاَّ إلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»، وهكذا رواه أيضاً أبو مروان العثماني - كما عند ابن أبي عاصم (2/249) -،  عن الدراوردي، وأما المتن الذي ذكره أحمد بن أبان فهو آخر يتعلق بفضل الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه دخل له حديث في حديث بسبب التشابه في ذكر المسجد النبوي، أو رواه بفهمه، والله أعلم.

وأحمد بن أبان روى عن ابن عيينة، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» (8/32) فقال: "أحمد بن أبان القرشي من ولد خالد بن أسيد، من أهل البصرة، يروي عن سفيان بن عيينة، حدثنا عنه ابن قحطبة وغيره، مات سنة خمسين ومائة!".

قلت: كذا! وهو خطأ! فابن عيينة مات سنة (198هـ) فكيف يكون تلميذه مات قبله بـ (48) سنة!! والصواب: "سنة خمسين ومائتين".

وقد ذكر الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/321) حديثاً، فقال: "رواه البزار عن شيخه أحمد بن أبان القرشي، ولم أعرفه".

وذكر حديثاً آخر (6/276) وقال: "رواه البزار عن شيخه أحمد بن أبان القرشي، وثقه ابن حبان".

قلت: هو ليس بذاك المشهور، فهو الذي يحمل تبعة هذا الخلط في متن الحديث؛ لأن غيره رواه عن الدراوردي على الصواب، والله أعلم.

·       تنبيه لما وقع في بعض الكتب المطبوعة!

جاء في بعض الكتب المطبوعة في رواية الدراوردي هذه: «حميل» بالحاء، وبعض المحققين قد ضبطها بالضم وبعضهم بالفتح، وكل هذا خطأ، وإنما هي بالجيم، وكأنهم لما حققوا هذه الكتب التي فيها رواية الدراوردي وجدوا أن الحديث معروف لحُميل، بالحاء مصغراً، فكتبوه هكذا، ولم يتحققوا من أقوال أهل العلم في ان الدراوردي أخطأ في اسمه.

قال الإمام البخاري في «التاريخ الكبير» (3/123): "حُميل بن بصرة أبو بصرة الغفاري: سمّاه روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن المقبري عن أبي هريرة. وقال ابن الهاد: بصرة بن أبي بصرة. وقال الدراوردي: جَميل، وهو وهم. قال علي: سألت رجلاً من غفار، فقال: هو حُمَيل".

·       متابعة عمر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام للمقبري عن أبي هريرة:

رواه الطيالسي في «مسنده» (ص192) عن أبي عوانة، عن عبدالْمَلِكِ بن عُمير، عن عُمَرَ بن عبدالرحمن بن الحارث بن هِشَامٍ المخزوميّ: أن أبا بَصْرَةَ لقي أَبَا هُرَيْرَةَ وهو جَاءٍ مِنَ الطُّورِ، فذكره.

ورواه البخاري في «التاريخ الكبير» (3/123) عن موسى بن إسماعيل، عن أبي عوانة، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/277) عن الْحُسَيْنِ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيِّ، عن يحيى الْحِمَّانِيّ، عن أبي عَوَانَة، به.

ورواه أحمد في «مسنده» (6/7) برقم (23901) عن حُسَيْن بن مُحَمَّدٍ، عن شَيْبَان، عن عبدالمَلِكِ، به.

·       متابعة أبي سلمة بن عبدالرحمن للمقبري وعمر المخزومي عن أبي هريرة:

ورواه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2/56) عن يحيى بن عُثْمَانَ، قال: حدثنا محمد بن عبدالْعَزِيزِ الْوَاسِطِيُّ، قال: حدثنا الْوَلِيدُ بن مُسْلِمٍ، قال: حدثنا شَيْبَانُ بن عبدالرحمن، قال: حدثني يحيى بن أبي كَثِيرٍ، قال: حدثني أبو سَلَمَةَ، قال: حدثني أبو هُرَيْرَةَ قال: لَقِيت أَبَا بَصْرَةَ صَاحِبَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه.

ورواه أيضاً عن ابن أَبِي دَاوُدَ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قال: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذَكَرَ ما يتعلق بالمساجد الثلاثة فقط.

وراه الطيالسي في «مسنده» (ص311) قال: حدثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عن قَيْسِ بن سَعْدٍ، عن مُحَمَّدِ بن إبراهيم التيمي، عن أبي سَلَمَةَ بن عبدالرحمن، عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قَدِمْتُ الشَّامَ فَلَقِيتُ كَعْباً فَكَانَ يحدثني عَنِ التَّوْرَاةِ وَأُحَدِّثُهُ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتى أَتَيْنَا على ذِكْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

ورواه أحمد في «المسند» (5/453) برقم (23842) عن عَفَّان، عن حمّاد بن سلمة، به.

ولم يذكر قصة ذهاب أبي هريرة للطور.

·       وهم ليزيد بن عبدالله بن الهاد في اسم أبي بصرة!

ورواه الإمام مالك في «الموطأ» (1/108) عن يَزِيدَ بنِ عبداللَّهِ بنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عبدالرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنْ التَّوْرَاةِ، وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عبد  مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ). قَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ؟ فَقُلْتُ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ فَقُلْتُ، مِنْ الطُّورِ، فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِلَى مَسْجِدِي هذَا، وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ - أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ - يَشُكُّ).

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عبداللَّهِ بنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَمَا حَدَّثْتُهُ بِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ: قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ! قَالَ: قَالَ عبداللَّهِ بنُ سَلَامٍ: كَذَبَ كَعْبٌ! فَقُلْتُ: ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَقَالَ عبداللَّهِ بنُ سَلَامٍ: صَدَقَ كَعْبٌ، ثُمَّ قَالَ عبداللَّهِ بنُ سَلَامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتَ لَهُ، أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضَنَّ عَلَيَّ، فَقَالَ عبداللَّهِ بنُ سَلَامٍ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ، وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يُصَادِفُهَا عبد مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ سَاعَةٌ لَا يُصَلَّى فِيهَا!! فَقَالَ عبداللَّهِ بنُ سَلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ، بَلَى، قَالَ: فَهُوَ ذَلِكَ».

ورواه الإمام أحمد في «المسند» (2/486) برقم (10308) عن عبدالرَّحْمَنِ بن مَهدي، عن مَالِك، عن يَزِيدَ بن عبداللَّهِ بن الْهَادِ، عن مُحَمَّدِ بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سَلَمَةَ بن عبدالرحمن عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال: «خَرَجْتُ إلى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبَ الأَحْبَارِ فَجَلَسْتُ معه فحدثني عَنِ التَّوْرَاةِ وَحَدَّثْتُهُ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قلت: إن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فيه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ: فيه خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أهبط، وَفِيهِ تِيبَ عليه، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وما من دَابَّةٍ الا وهي مُسِيخَةٌ يوم الْجُمُعَةِ من حِينِ تُصْبِحُ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقاً مِنَ السَّاعَةِ إلا الْجِنَّ والأنس، وَفِيهَا سَاعَةٌ لاَ يُصَادِفُهَا عبد  مُسْلِمٌ وهو يصلي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئاً إلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ. قال كَعْبٌ: ذلك في كل سَنَةٍ مَرَّةً! فقلت: بَلْ هي في كل جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ، فقال: صَدَقَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قال أبو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عبداللَّهِ بن سَلاَمٍ فَحَدَّثْتُهُ بمجلسي مع كَعْبٍ وما حَدَّثْتُهُ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ فقلت له: قال كَعْبٌ، ذلك في كل سَنَةٍ يَوْمٌ، قال عبداللَّهِ بن سَلاَمٍ: كَذَبَ كَعْبٌ، ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فقال بَلْ هي في كل جُمُعَةٍ، قال عبداللَّهِ بن سَلاَمٍ: صَدَقَ كَعْبٌ».

ثم أتمّه في موضع آخر (6/7) برقم (23899) عن عبدالرَّحْمَنِ بن مَهدي، عن مَالِك، عَن يَزِيدَ بنِ عبداللهِ بنِ الْهَادِ، عَن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عبدالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنَ الطُّورِ، فَقَالَ: أَمَا لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ إِلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِلَى مَسْجِدِي، وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" يَشُكُّ».

ورواه الحاكم في «المستدرك» (1/413) برقم (1030) قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: أنبأنا الربيع بن سليمان، قال: أنبأنا الشافعي، قال: أنبأنا مالك [ح].

وحدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرقي وإسماعيل بن إسحاق القاضي، قالا: حدثنا القعنبي، عن مالك [ح].

وأخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، قال: حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبدالرحمن، عن مالك، عن يزيد بن عبدالله بن الهاد، الحديث بطوله.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إنما اتفقا على أحرف من أوله في حديث الأعرج عن أبي هريرة: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة»، وقد تابع محمد بن إسحاق يزيد بن الهاد على روايته عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي بالزيادات فيه".

قال الحاكم: أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي الشيباني بالكوفة، قال: حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، قال: حدثنا يعلى بن عبيد ، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة قال: جئت الطور فلقيت هناك كعب الأحبار فحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدّث عن التوراة، فما اختلفا حتى مررت بيوم الجمعة، قال: قلت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في كل يوم جمعة ساعة لا يوافقها مؤمن وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، قال كعب: تلك في كل سنة، فقلت: ما كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع فتلا ثم قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: في كل جمعة، قال أبو هريرة: ثم لقيت عبدالله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فذكر الحديث بنحو من حديث مالك.

وحديث ابن إسحاق هذا رواه ابن خزيمة في «صحيحه» (3/1209) عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن محمد بن عبيد، عن محمد بن إسحاق، به.

وعودة إلى حديث مالك:

ورواه ابن حبان في «صحيحه» (7/7) برقم (2772) عن الحسين بن إدريس الأنصاري، عن أبي مصعب أحمد بن أبي بكر الزهريّ، عن مالك، الحديث بطوله.

ورواه أبو داود في «سننه» (1/274) برقم (1046) عن الْقَعْنَبِيِّ، عن مَالِكٍ، به، إلا أنه لم يذكر قصة الطور.

وقد توبع عليه الإمام مالك عن يزيد ابن الهاد:

رواه النسائي في «السنن الكبرى» (1/540) برقم (1754) عن قتيبة بن سعيد، بكر بن مضر، عن ابن الهاد، بمثل حديث مالك بطوله.

ورواه الحُميدي في «مسنده» (2/421) قال: حدثنا عبدالعزيز بن أبي حازم، قال: حدثني يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة قال: أخبرني بصرة بن أبي بصرة الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس».

ورواه الطحاوي في «مشكل الآثار» (2/54) من طريق عبداللهِ بن صَالِحٍ، قال: حدثني اللَّيْثُ، قال: حدثني ابن الْهَادِ، به، مثله.

كذا قال ابن الهاد في حديثه: «بَصْرَة بن أبي بَصْرَةَ الْغِفَارِيّ» فهل وهم ابن الهاد فيه، أم ان الوهم من غيره؟!

·       قول ابن عبدالبر ممن الوهم!

قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (2/40): "وأما حديث مالك عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه قال: خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار، وساق الحديث إلى آخره، ثم قال: بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فلم يقل في هذا الحديث فيما علمت: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري في حديث مالك هذا عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة عن أبي هريرة غيره، وسائر الرواة إنما فيه عن أبي هريرة قال: لقيت أبا بصرة، لا بصرة بن أبي بصرة، وأظن الوهم جاء فيه من يزيد، والله أعلم. وقد ذكرنا بصرة وأباه أبا بصرة في كتاب الصحابة بما ينبغي، والحمد لله".

ثم قال: "وأما قوله: عن أبي هريرة في هذا الحديث: فلقيت بصرة بن أبي الغفاري إلى آخر قصته معه فهكذا في الموطأ: بصرة بن أبي بصرة، لم يختلف عن مالك في ذلك، ولا عن يزيد بن الهادي فيما علمت، وأما غير مالك وغير شيخه يزيد بن الهادي فإنهم يقولون في هذا الحديث: فلقيت أبا بصرة الغفاري، وأبو بصرة اسمه: حُميل بن بصرة على اختلاف عنه قد ذكرته عند ذكري له في كتاب الصحابة، وروى القعبني عن الدراوردي عن زيد بن أسلم عن المقبري عن أبي هريرة أنه خرج إلى الطور يصلي فيه ثم أقبل فلقي جميل بن بصرة الغفاري، فذكر الحديث على ما ذكرناه في التمهيد من طرق".

وقال في «التمهيد» (23/37-38): "لا أعلم أحداً ساق هذا الحديث أحسن سياقة من مالك عن يزيد بن الهادي، ولا أتم معنى منه فيه إلا أنه قال فيه: بصرة بن أبي بصرة ولم يتابعه أحد عليه، وإنما الحديث معروف لأبي هريرة: فلقيت أبا بصرة الغفاري، كذلك رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي أسامة عن أبي هريرة، كذلك رواه سعيد بن المسيب وسعيد المقبري عن أبي هريرة كلهم يقول فيه: فلقيت أبا بصرة الغفاري، ولم يقل واحد منهم: فلقيت بصرة بن أبي بصرة كما في حديث مالك عن يزيد بن الهادي، وأظن الوهم فيه جاء من قبل مالك أو من قبل يزيد بن الهادي، والله أعلم".

ثم قال بعد صفحات (23/47): "فأما قول أبي هريرة: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري إلى آخر قصته معه، فهكذا في الحديث من رواية مالك: بصرة بن أبي بصرة، لم يختلف عنه في ذلك، ولا عن يزيد بن الهادي، وإنما جاء ذلك من يزيد لا من مالك فيما أظن، والله أعلم. وغير يزيد يقول في هذا الحديث: فلقيت أبا بصرة الغفاري وأبو بصرة اسمه حميل بن بصرة، وقد سماه زيد بن أسلم في حديثه هذا".

قلت: ذهب ابن عبدالبر «الاستذكار» إلى أن الوهم من يزيد بن الهاد، وفي «التمهيد» الوهم من يزيد بن الهاد أو من مالك! ثم بعد صفحات رجع ورجّح أن الوهم من يزيد لا من مالك.

·       اعتراض ابن الأثير على ابن عبدالبر!

واعترض عليه ابن الأثير فقال في «أُسد الغابة»: "قول أَبِي عمر: (لا يوجد هكذا إلا في الموطأ) وهم منه، فإنه قد رواه الواقدي، عن عبداللَّهِ بن جَعْفَر، عن ابن الهاد مثل رواية مالك، عن بصرة بن أَبِي بصرة، فبان بهذا أن الوهم من ابن الهاد، أو من مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، فإن أبا سلمة قد روى عنه غير مُحَمَّد، فقال: عن أَبِي بصرة، والله أعلم".

قلت: نعم، الوهم ليس من الإمام مالك، فقد تابعه بكر بن مضر وعبدالعزيز بن أبي حازم والليث بن سعد، كلهم رووه عن يزيد بن الهاد، وكلهم قال عنه: «بصرة بن أبي بصرة»، فتعين أن الوهم من يزيد ابن الهاد، وهذا ما مال إليه أخيراً ابن عبد البر - رحمه الله تعالى -.

·       هل توبع ابن الهاد على قوله «بصرة بن أبي بصرة»!

لكن هناك متابعة ليزيد، فهل صحت هذه الرواية؟!

فقد رواه يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/169) قال: حدثني أبو الأَسْوَدِ - هو: النَّضْرُ بن عبدالْجَبَّارِ -، قال: أخبرنا نَافِعُ بن يَزِيدَ، عن ابن الْهَادِ وَعُمَارَة بن غَزِيَّةَ، عن مُحَمَّد بن إبْرَاهِيمَ، عن أبي سَلَمَةَ، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن بَصْرَةَ بن أبي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، نَحْوَهُ.

ورواه الطحاوي في «مشكل الآثار» (2/56) عن الرَّبِيعِ بن سليمان الْجِيزِيُّ، عن أبي الأَسْوَدِ، قال: حدثنا ابنُ الْهَادِ وَعُمَارَةُ بن غَزِيَّةَ: أَنَّ مُحَمَّدَ بن إبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُمَا، عن أبي سلمة، به.

قلت: لم يرو هذا الحديث عن ابن الهاد وعمارة بن غزية إلا نافع بن يزيد، تفرد به أبو الأسود!

ونافع بن يزيد الكلاعي أبو يزيد المصري، لا بأس به، قد خرج له البخاري تعليقاً في موضعين، وخرج له مسلم حديثاً واحداً قد توبع عليه.

وأما أبو الأسود النضر بن عبدالجبار المصري فكان صدوقاً عابداً، وفي روايته عن نافع بن يزيد مشكلة.

روى ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/480) من طريق هارون بن سعيد الأيلي قال: حدثني من أثق به، قال: "حضرت يحيى بن معين - وقد أتى إلى أبي الأسود، فسأله أن يخرج إليه كتاب نافع بن يزيد، فقال له يحيى بن معين: أي شيء قرأت منه، وأي شيء حدثك به؟ فقال النضر: منه ما حدثني، ومنه ما قرأت، ومنه ما أخذت إجازة، ولست أميز بين ذين، فقال يحيى: آخذه منك على الصدق، فانتسخ الكتاب منه".

ولا يُعرف أن عمارة بن غزية رواه عن محمد بن إبراهيم، فالله أعلم.

وقد رواه قيس بن سعد ومحمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يذكرا فيه قصة الطور.

والأصل في هذا أن نقدّم رواية أهل المدينة عن محمد بن إبراهيم المدني، ورواية المصريين عنه كنافع هذه تحتاج إلى دعامة سيما وأن حديثه الذي رواه عنه أبو الأسود لم يميز بين ما سمعه وبين ما قرأه وبين ما أخذه إجازة.

فالذي أميل إليه أن هذا الحديث رواه نافع بن يزيد عن ابن الهاد وحده، وهناك وهم في ذكر: "عمارة بن غزية"، فكيف يتفرد مصري بهذا الحديث عن عمارة وهو مدني دون سائر المدنيين بل والمصريين، وتفرده هذا لا يقبل أبداً، ولا بد أن يكون هناك أحدهم قد أخطأ فيه، والأقرب أنه من أبي الأسود، والله أعلم.

فيبقى الوهم في الإسناد من يزيد بن الهاد، وأستبعد أن يكون محمد بن إبراهيم وهم فيه، والله أعلم.

·       إسناد آخر ضعيف فيه: «بصرة بن أبي بصرة»!

وروى عبدالرزاق في «المصنف» (5/133) عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ بصْرَةَ بنِ أَبِي بصْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، مَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».

قلت: وهذا إسناد مُعضل!!

·       التحقيق في اسمه واختلاف أهل العلم في ذلك:

·       قول الإمام البخاري ومن تبعه:

قال البخاري في «التاريخ الأوسط» (1/121): "واسم أبي بصرة الغفاري: حُمَيل بن بصرة. قال علي: سألت رجلاً من غِفار؟ فقال: اسمه حُميل، ومن قال: جَميل؛ فهو خطأ.

حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني زيد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: أتيت الطور فلقيت حميل بن بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تضرب أكباد المطايا إلا إلى المسجد الحرام ومسجده ومسجد إيليا».

وتابعه روح بن قاسم عن زيد بن أسلم.

وقال الدراوردي عن زيد: "جميل".

وقال ابن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن "بصرة بن أبي بصرة الغفاري".

حدثنا موسى، قال: حدثنا أبو عوانة، قال: حدثنا عبد الملك بن عمير عن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث قال: لقى أبو بصرة الغفاري أبا هريرة، وهو جاء من الطور فقال: من أين أقبلت، نحوه.

سكن مصراً" انتهى.

قلت: أراد الإمام البخاري أن يبين الاختلاف في اسمه، ثم بيّن أن الصواب فيه: "حُميل"، بالحاء مصغراً، ومن قال "جميل" بالجيم فقد وهم.

ثم عَرض لهذا الاختلاف من الرواة، وأنه هو نفسه: "بصرة بن أبي بصرة"، وقد وهم بعضهم في اسمه، ومن هنا جاء قول من قال بأنه بصرة، وهو ابن أبي بصرة، وقد وضّح البخاري هذا في «التاريخ الكبير» (3/123) فقال: "حُميل بن بصرة أبو بصرة الغفاري: سمّاه روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن المقبري عن أبي هريرة. وقال ابن الهاد: بصرة بن أبي بصرة. وقال الدراوردي: جَميل، وهو وهم. قال علي: سألت رجلاً من غفار، فقال: هو حُمَيل".

قال مسلم في «الكنى والأسماء» (1/158): "أبو بصرة حميل بن بصرة الغفاري، له صحبة".

وقال الترمذي في «الجامع» (2/315): "وأبو بصرة الغفاري، اسمه: حميل بن بصرة. وقال بعضهم: جميل بن بصرة، ولا يصح".

وقال الدولابي في «الكنى والأسماء» (1/48): سمعت ابن البرقي يقول: "أبو بصرة الغفاري، اسمه: حميل بن بصرة بن وقاص بن حاجب بن غفار".

·       قول أبي حاتم ومن تبعه:

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/436): "بصرة بن أبي بصرة الغفاري، مصري، له صحبة. روى عنه أبو هريرة من رواية يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة، وخالفه يحيى بن أبى كثير عن أبي سلمة، فقال: عن أبي هريرة عن أبي بصرة حُميل الغفاري، ولم يُتابع ابن الهاد أحد على هذه الرواية، سمعت أبي يقول ذلك".

ثم قال في (باب تسمية من رُوي عنه العلم ممن اسمه: جميل) - بالمعجمة - (2/517): "جميل بن بصرة أبو بصرة الغفاري، ويُقال له: حميل، وله صحبة، نزل مصر ومات بها، روى عنه أبو هريرة وعمرو بن العاص وأبو الخير وعبيد بن جبير، سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: كذا ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه في باب "بصرة" وباب "جميل"! وقد يُعذر أنه ذكره في الباب الأول؛ لأنه نبه على أن ابن الهاد لم يُتابع عليه، ولكنه لا يُعذر بذكره في الباب الثاني بالمعجمة؛ لأن هذا وهم، والصواب بالحاء، وكان يجب عليه أن يذكره في باب: "حُميل".

·       وهم لابن حبان!

قال ابن حبان في «الثقات» (3/37): "بصرة بن أبي بصرة الغفاري. يُقال: له صحبة".

وقال (3/93): "حميل بن بصرة أبو بصرة الغفاري، والد بصرة بن أبي بصرة. سكن مصر، ومن قال إن اسم أبي بصرة جميل فقد وهم".

قلت: خلط ابن حبان هنا بسبب الوهم في إسناد الحديث الذي بين الاختلاف فيه البخاري، فالراجح أن الحديث لحميل وهو أبو بصرة ابن بصرة بن أبي بصرة، ووالده بصرة بن أبي بصرة صحابي، ولكن ابن حبان عدّ "بصرة بن أبي بصرة" ابناً لأبي بصرة حميل، ولهذا قال في ترجمته: "يًقال له صحبة".

وهذا وهم منه - رحمه الله - فالخلاف في أن الحديث لأبي بصرة حميل أم لوالده بصرة، لا لابنه!

·       قول أصحاب كتب الأنساب والطبقات:

·       وهم لخليفة بن خياط!

قال خليفة بن خياط في «الطبقات» (ص32): "وحميل بن بصرة، يكنى أبا بصرة من بني حرام بن غفار، وابنه بصرة بن أبي بصرة تحولا إلى مصر".

وقال (ص291): "وممن أتى مصر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وشهد فتح مصر... ومن قبائل مضر: حميل بن بصرة من بني حرام بن غفار يكنى أبا بصرة، وابنه بصرة بن أبي بصرة".

قلت: أثبت خليفة الصحبة لحميل ولابنه بصرة! وهذا كقول ابن حبان السابق، وهو وهم أيضاً! فلا يعرف أن له ابناً له صحبة، وإنما الصحبة لوالده بصرة بن أبي بصرة وجده.

·       وهم لابن سعد!

وقال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (7/500): "أبو بصرة الغفاري صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم، ونزل مصر ومات بها ودفن بالمقطم مقبرة أهل مصر، وابنه بصرة بن أبي بصرة صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وابنه حُميل بن بصرة بن أبي بصرة الغفاري صحب النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً مع أبيه وجده وروى عنه".

قلت: أثبت ابن سعد الصحبة للجد وهو: "أبو بصرة"، ثم أثبتها لابنه "بصرة"، ثم أثبتها لابنه "حميل بن بصرة بن أبي بصرة"!! وهذا صحيح.

ولكنه وهم في قوله إن الجد هو الذي نزل مصر ومات بها! فالمعروف أن الذي نزلها ومات بها هو الحفيد أبو بصرة حميل، ولعله اشتبه عليه بالكنية، والله أعلم.

·       قول مصعب الزبيري!

قال مصعب الزبيري نسّابة قريش: "حميل بن بصرة بن أَبِي بصرة، وبصرة، وأبو بصرة، صحبوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وحدثوا عنه" [نقله ابن الأثير في «أسد الغابة» (2/79)]

قلت: أثبت مصعب - وهو المعتمد في الأنساب - الصحبة للجدّ أبي بصرة، ولابنه بصرة، ولحفيده حميل، وذكر أن ثلاثتهم حدثوا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فحميل وبصرة وجده أبو بصرة صحابة. ولم يذكر أن لحميل ابناً اسمه بصرة وله صحبة!

قال ابن السكن عن حميل: "شهد جده أبو بصرة خيبر مع النبي، وحميل يكنى أبا بصرة أيضاً".

وأما فيما يتعلق بقول مصعب في أنهم كلهم حدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيأتي تفصيل ذلك قريباً إن شاء الله.

وجدّ أبي بصرة هو: وقاص بن حاجب بن غفار.

قال ابن حجر في «الإصابة» (6/611): "وقاص بن حاجب بن غفار، جد أبي بصرة حميل بن بصرة بن وقاص الوقاصي. قال القضاعي في الخطط: دار الكلاب هي دار أبي بصرة، وهو وأبوه وجدّه صحابة".

·       «أبو بصرة» و«بصرة بن أبي بصرة» في كتب «الصحابة» وغيرها:

·       قول ابن قانع:

قال ابن قانع في «معجم الصحابة» (1/99): "بَصْرَةُ بنُ أَبِي بَصْرَةَ، وَاسْمُ أَبِي بَصْرَةَ جَمِيلُ بنُ بَصْرَةَ بنِ رَبِيعَةَ بنِ حَرَامِ بنِ عَفَارِ بنِ مُلَيْلِ بنِ ضَمْرَةَ بنِ بَكْرِ بنِ عبد مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ".

قال: حدثنا أحمد بن ابراهيم بن ملحان، قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث بن سعد [ح].

وحدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا عبدالعزيز بن محمد، جميعاً عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة قال: قال بصرة بن أبي بصرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تعمل المطايا إلا الى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي ومسجد بيت المقدس».

قلت: أثبت ابن قانع الصحبة لبصرة ابن حميل، وهذا فيه نظر كما تقدم!

والحديث وهم فيه ابن الهاد، والصواب أنه عن أبي بصرة وهو حميل، ولا دخل لبصرة بن أبي بصرة فيه. وبعض أهل العلم جعله لبصرة والد حميل، وبعضهم جعله لابن حميل كما فعل ابن قانع، وكلاهما خطأ.

ثم قال ابن قانع (1/149): "أبو بصرة جميل بن بصرة بن ربيعة بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة".

قال: حدثنا إبراهيم بن عبدالله، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عبدالحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مَرثد بن عبدالله اليزني، عن أبي بصرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «إني راكب غداً إلى يهود، فمن انطلق منكم معي فلا تبدؤهم بالسلام، وإذا سلموا عليكم، فقولوا: وعليكم. فلما جئناهم سلموا علينا فقلنا: وعليكم».

قال: حدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا أبو عبدالرحمن المقرىء، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب بإسناده، نحوه.

حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، قال: حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب بإسناده، مثله.

حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور، قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا عبدالرحمن بن مجبر [ح].

وحدثنا مُطين، قال: حدثنا ضرار بن صرد، قال: حدثنا الدراوردي، جميعاً عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، عن جميل الغفاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا تضرب المطايا إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد بيت المقدس».

قال: حدثناه محمد بن بشر بن مطر، قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا محمد بن عبدالرحمن بن مجبر، قال: حدثنا زيد بن أسلم، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة أنه خرج الى الطور ليصلي فلقي جميل الغفاري فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تضرب المطايا إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس».

قال: حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن خَيْرِ بن نُعَيْمٍ، عن ابن هُبَيْرَةَ، عن أبي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر وقال: «إن هذه صلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ولا صلاة بعدها حتى يطلع النجم».

قال: حدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا يحيى بن إسحاق، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عبدالله بن هبيرة قال: حدثنى أبو تميم الجيشاني، قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: "حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر الوتر الوتر»، ألا إنه أبو بصرة الغفاري".

قلت: ساق ابن قانع أحاديث لأبي بصرة حميل، وجاء في المطبوع بالمعجمة - جميل - وهو خطأ كما مر!

فهو صحابي لا شك في ذلك، وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن نزل مصر، وحديثه عند المصريين وأهل المدينة، والعلاقة بين الرواة في المدينة ومصر قريبة جداً.

ولم يتعرض ابن قانع لأبيه بصرة ولا لجده أبي بصرة الغفاري؛ وكأن ذلك بسبب أنه لم يقف على رواية لهم؛ إذ هو يترجم في كتابه لمن له رواية.

·       ابن أبي عاصم:

قال ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/247): "ذِكْرُ بَصْرَةَ بنِ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ".

قال: حدثنا يعقوب بن حميد، قال: حدثنا عبدالعزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة، قال: خرجت إلى الطور فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين جئت؟ فقلت: جئت من الطور، فقال: لو لقيتك قبل أن تأتيه لم تأته، فقلت: لم؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي ومسجد الأقصى».

ثم قال (2/249): "ذِكْرُ جَمِيلِ بنِ بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ".

قال: حدثنا أبو مروان العثماني، قال: حدثنا عبدالعزيز بن محمد بن زيد بن أسلم، عن المقبري، عن أبي هريرة أنه خرج إلى الطور فصلى به، ثم أقبل فلقي جميل بن بصرة، فقال له جميل: من أين جئت؟ فقال: من الطور، فقال: أما أني لو لقيتك قبل أن تأتيه لم تأته! قال: لم؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تضرب أكباد المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي ومسجد بيت المقدس».

ثم قال (2/251): "ذِكْرُ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ".

قال: حدثنا عبيدالله بن فضالة، قال: حدثنا عبدالله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن خَير بن نعيم، عن عبدالله بن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني، عن أبي بصرة الغفاري - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم العصر بالمخمص، ثم انصرف فقال: «إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فتوانوا عنها وتركوها، فمن صلاها منكم ضعف له أجرها ضعفين ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد».

قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن خَير بن نعيم، عن ابن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني، عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله، قال: "والشاهد: النجم".

قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن عبدالحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي بصرة الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا غادون إلى يهود فلا تبدؤهم بالسلام فإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم».

قلت: هكذا فرّق ابن ابي عاصم بين الثلاثة، وهذه الأحاديث التي ذكرها كلها في كل التراجم إنما هي لأبي بصرة حميل. وسيأتي مزيد كلام على هذه الأحاديث إن شاء الله.

وقد تصحف في المطبوع من كتاب ابن أبي عاصم: "خَيْر بن نعيم" وهو: الْحَضْرَمِيّ، إلى: "جُبير"!! وهو خطأ.

·       ابن مَنده:

قال ابن منده في «معرفة الصحابة» (ص290): "بصرة بن أبي بصرة الغفاري"، ثم ساق الحديث من طريق سعيد بن كثير وعبدالله بن عبدالحكم، جميعاً عن مالك، عن ابن الهاد، الحديث.

وغير ظاهر أن ابن منده قصد والد حميل أم الابن المنسوب له في هذا الحديث؟!!

·       أبو نُعيم الأصبهانيّ:

قال أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (1/417): "بَصْرَةُ بنُ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ".

قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ خَلَّادٍ، قال: حدثنا الْحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، قال: حدثنا الوَاقِدِيُّ، قال: حدثنا عبداللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ بَصْرَةَ بنِ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ». رَوَاهُ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنِ ابنِ الْهَادِ، مِثْلَهُ.

ثم قال (2/626): "جَمِيلُ بنُ بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ، وَقِيل: حَمِيلٌ، وَيُقَالُ: حُمَيْلٌ، وَالصَّوَابُ حُميل. وَقِيلَ: بَصْرَةُ بنُ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ، يُكَنَّى أَبَا بَصْرَةَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ الْمَدِينِيِّ: سَأَلْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ عَنِ اسْمِ أَبِي بَصْرَةَ، فَقَالَ: اسْمُهُ حُميلٌ، سَكَنَ مِصْرَ، وَيُقَالُ: جَمِيلُ بْنُ وَقَّاصٍ".

ثم قال: (2/888): "حُمَيْلُ بنُ بَصْرَةَ، وَقِيلَ: حَمِيلٌ، وَقِيلَ جَميلٌ، أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ، وَهُوَ ابنُ وَقَّاصِ بنُ حَاجِبِ بْنِ غِفَارٍ الْغِفَارِيُّ، حَدِيثُهُ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ حُمَيْلٍ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ زَيْدٍ فِيهِ عَلَى زَيْدٍ، فَقِيلَ: حَمِيلٌ، وَقِيلَ: حُمَيْلٌ وَقِيلَ: جَمَيلٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ فِي بَابِ الْجِيمِ، فِيمَنِ اسْمُهُ جَمِيلٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَتَيْتُ الطَّوَافَ وَجَدْتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ حَجَّ».

·       الطبراني:

ذكر الطبراني في «المعجم الكبير» (2/48): "بَصْرَةُ بن أبي بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ، وَيُقَالُ له: نَضْرَةُ، وَالصَّوَابُ بَصْرَةُ".

ثم ذكر (2/276) في «باب الجيم»: "جَمِيلُ بنُ بَصْرَةَ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ، وَيُقَالُ: حُميلُ، وَيُقَالُ خَمِيلُ، وَالصَّوَابُ جَمِيلٌ".

قلت: بل الصواب "حُميل" بالحاء مصغراً.

·       الحاكم:

قال الحاكم في «المستدرك» (3/684): "ذكر أبي بصرة جميل بن بصرة الغفاري رضي الله عنه".

ثم قال: "قد روى عن أبي بصرة جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".

ثم قال: "ذكر ابنه بصرة بن أبي بصرة رضي الله عنه".

قلت: أثبت الحاكم الصحبة لأبي بصرة حميل وابنه! وهذا وهم منه أيضاً! فبصرة بن أبي بصرة والده لا ابنه كما تقدّم.

وهكذا في المطبوع: "جميل" بالجيم، فإن كان كذلك في الأصل فهو خطأ، والصواب: "حُميل" بالحاء مصغراً.

·       ابن ماكولا:

قال ابن ماكولا في «الإكمال» (1/329): "أما بصرة، أوله باء معجمة بواحدة وبعدها صاد مهملة، فهو بصرة بن أبي بصرة الغفاري. وأبوه أبو بصرة: حميل بن بصرة، يأتي نسبه، ولهما جميعاً صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال (2/126): "وأما حميل، بضم الحاء المهمله وفتح الميم، فهو أبو بصرة الغفاري، حميل بن بصرة... وهو حميل بن بصرة بن وقاص بن حاجب بن غفار، شهد فتح مصر واختط بها، وداره بمصر عند دار الزبير بن العوام، له صحبه وروايه. حدث عنه عمر بن العاص وأبو هريرة وأبو تميم الجيشاني وتميم ابن فرع المهري ومرثد بن عبدالله اليزني وغيرهم، توفي بمصر وقبر في مقبرتها".

قلت: الذي ذكره ابن ماكولا أولاً وهم تبع فيه غيره ممن تقدمه!

·       ابن عبدالبر:

قال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (1/184): "بصرة بن أبي بصرة الغفاري، له ولأبيه صحبة، وهما معدومان فيمن نزل مصر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف في اسم أبي بصرة على ما نذكره في بابه من الكنى في هذا الكتاب. وأما حديث مالك في الموطأ عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة قال: (خرجت إلى الطور فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت! سمعت رسول الله يقول: لا تعمل المطى إلا إلى ثلاث مساجد الحديث)؛ فإن هذا الحديث لا يوجد هكذا إلا في الموطأ لبصرة بن أبي بصرة، وإنما الحديث لأبي هريرة فلقيت أبا بصرة - يعني أباه - هكذا رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وكذلك رواه سعيد بن المسيب وسعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة كلهم يقول فيه: فلقيت أبا بصرة، وأظن الوهم جاء فيه من يزيد بن الهادي، والله أعلم".

ثم قال (1/405): "حميل بن بصرة أبو بصرة الغفاري، ويقال: حميل وجميل، والصواب: حُمَيل، كذلك قال علي بن المديني، وزعم أنه سأل بعض ولده عن ذلك فقال: حميل، وجعل ما عداه تصحيفاً.

قال علي بن المديني: سألت شيخاً من بني غفار، فقلت: جميل بن بصرة تعرفه؟ فقال: "صحفت صاحبك، والله إنما هو حُميل بن بصرة، وهو جد هذا الغلام لغلام كان معه"، وكذلك قال فيه زيد بن أسلم: "حُميل".

ثم ساق حديثه، ثم قال: "هذا يشهد لصحة قول من قال في هذا الحديث: عن أبي هريرة: فلقيت أبا بصرة. ومن قال فيه: فلقيت بصرة بن أبي بصرة، فليس بشيء".

قلت: جعل ابن عبدالبر الصحبة لحميل أبي بصرة وابنه بصرة وأنهما نزلا مصر! ولكن هذا خلاف الصحيح عند أهل العلم، فبصرة هو والد حميل لا ابنه! ولا يعرف أن له ابناً اسمه بصرة نزل معه مصر. وإنما اعتمد ابن عبدالبر كما اعتمد من سبقه على إسناد الحديث الذي وقع فيه خطأ كما مر.

ثم قال (4/1611): "أبو بصرة الغفاري، اختلف في اسمه، فقيل: حميل بن بصرة، وقيل: جميل، وكل ذلك مضبوط محفوظ عنهم، وأصح ذلك حميل، وهو حميل بن بصرة بن وقاص بن حبيب بن غفار، روى عنه أبو هريرة... سكن أبو بصرة الحجاز ثم تحول إلى مصر، ويقال: إن عزة التي يشبب بها كُثيِّر عَزّة هي بنت ابنه، والله أعلم".

·       المِزي:

قال المزي في «تهذيب الكمال» (4/190): "(د ت س) بصرة بن أبي بصرة واسمه حميل بن بصرة الغفاري، له ولأبيه صحبة، له عن النبي صلى الله عليه وسلم (د ت س) حديث واحد: لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد. روى عنه أبو هريرة (د ت س) روى له أبو داود والترمذي والنسائي".

ثم قال (7/423): "(بخ م د س) حُميل بن بصرة بن وقاص بن حاجب بن غفار، أبو بصرة الغفاري، له صحبة... قال أبو سعيد بن يونس: شهد فتح مصر واختط بها وداره بمصر عند دار الزبير بن العوام تعرف اليوم بدار الكلاب، توفي بمصر ودفن في مقبرتها، روى له البخاري في الأدب ومسلم وأبو داود والنسائي".

قلت: أثبت المزي كغيره وجود ابن لأبي بصرة اسمه بصرة وأن له صحبة اعتماداً على الإسناد الذي فيه وهم.

وكذلك فعل في «التحفة» (2/101) فذكر حديث: لا تعمل المطي في (مسند بَصْرَة بن أبي بَصْرَةَ الغِفَاريِّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم) رقم (2025).

ثم ذكر الحديث الاخر في (3/84) في (مسند حُمَيل بن بصرة أبي بصرة الغفاريِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم).

·       ابن حَجر:

قال ابن حجر في «التهذيب» (1/415): "بصرة بن أبي بصرة حميل بن بصرة بن وقاص بن غفار الغفاري، له ولأبيه صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً واحداً: (لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد). وروى عنه أبو هريرة. قلت: لكن تفرد يزيد بن الهاد عن أبي سلمة عن أبي هريرة بذلك، ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن أبي بصرة، وكذلك رواه سعيد بن المسيب وسعيد المقبري وغير واحد عن أبي هريرة، وهو المحفوظ، والله أعلم.

واختلف في أبي بصرة، فقيل: جميل بالجيم، وقيل: حُميل بالمهملة مصغرا، وهو المشهور، وحضر بصرة فتح مصر، واختط بها داراً عند دار الزبير. قال: أبو بصرة الغفاري لا يعرف اسمه، وله ابن يقال له بصرة بن أبي بصرة، ولبصرة ابن يقال له حميل، اختلف هل هو بالجيم أو الحاء، كذا قال".

قلت: سقط اسم قائل هذا الكلام الأخير من كتاب التهذيب وكذلك لم أجده في نسخة "عادل مرشد"!!

والمشهور أن الذي حضر فتح مصر هو حميل أبو بصرة الغفاري، ووالده بصرة، وجده أبو بصرة الغفاري واسمه وقاص.

وقال ابن حجر ايضاً (3/49): "حميل بن بصرة بن وقاص بن حاجب بن غفار أبو بصرة الغفاري، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي ذر، وعنه: عمرو بن العاص، وأبو هريرة، وأبو الخير مرثد اليزني، وعبيد بن جبير، وعبدالرحمن بن شماسة، وأبو تميم الجيشاني، وغيرهم. قال ابن يونس: شهد فتح مصر واختط بها ومات بها ودفن في مقبرتها. قلت: وفي اسمه اختلاف: حميل بفتح الحاء، قاله الدراوردي في روايته، وذكر ابن المديني عن بعض الغفارين أنه تصحيف، وذكر البخاري أنه وهم وحُميل بالضم وعليه الأكثر وصححه ابن المديني وابن حبان وابن عبد البر وابن ماكولا، ونقل الاتفاق عليه وغيرهم، وجميل بالجيم قاله مالك في حديث أبي هريرة حين خرج إلى الطور، وذكر البخاري وابن حبان أنه وهم، وقيل: اسمه زيد حكاه الباوردي، وقد قيل فيه: بصرة بن أبي بصرة، كأنه قلب، والله أعلم".

وقال في «التقريب» (ص126): "بَصرة بن أبي بصرة الغفاري، صحابي ابن صحابي، والمحفوظ أن الحديث لوالده أبي بصرة. د ت س".

ثم قال (ص183): "حُميل مثل حُميد، لكن آخره لام، وقيل: بفتح أوله، وقيل بالجيم، ابن بصرة بفتح الموحدة، ابن وقاص أبو بصرة الغفاري، صحابي سكن مصر ومات بها. بخ م".

قلت: أثبت ابن حجر لأبي بصرة ابناً، وأن له صحبة اعتماداً على الحديث المختلف، مع أن الحافظ ابن حجر قال بأن الحديث محفوظ لوالده. وهذا وهم منه - رحمه الله -.

وقال في «الإصابة» (1/320): "بصرة بن أبي بصرة الغفاري: له ولأبيه صحبة. معدود فيمن نزل مصر. أخرج مالك وأصحاب السنن حديثه، وإسناده صحيح. وقال ابن حبان: يقال إن له صحبة، وإنما عرض القول فيه للاختلاف في الحديث المروي عنه هل هو عنه أو عن أبيه".

وقال (2/130): "حُميل، بالتصغير، بن بصرة بن أبي بصرة الغفاري. قال علي بن المديني: سألت شيخاً من بني غفار، فقلت له: هل يعرف فيكم جميل بن بصرة، قلته: بفتح الجيم، فقال: صحفت يا شيخ، والله إنما هو: حُميل بالتصغير والمهملة، وهو جد هذا الغلام - وأشار إلى غلامه معه -. وقال مصعب الزبيري: لحميل وبصرة وجدّه أبي بصرة صحبة. وقال ابن السكن: شهد جده أبو بصرة خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحميل يكنى أبا بصرة أيضاً".

وقال في موضع آخر (7/43): "أبو بصرة الغفاري بن بصرة بن أبي بصرة بن وقاص بن حبيب بن غفار، وقيل: ابن حاجب بن غفار. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: أبو هريرة، وأبو تميم الجيشاني، وعبدالله بن هبيرة، وعبيد بن جبر، وأبو الخير اليزني، وغيرهم، وأخرج حديثه مسلم والنسائي من طريق ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن خير بن نعيم، عن عبدالله بن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني، عن أبي بصرة الغفاري، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر الحديث، وفيه: ولا صلاة بعد حتى يرى الشاهد، والشاهد النجم. وأخرج النسائي من طريق كليب بن ذهل عن عبيد بن جبر قال: كنت مع أبي بصرة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفر رمضان فذكر الفطر في السفر. قال ابن يونس: شهد فتح مصر واختط بها ومات بها ودفن في مقبرتها. وقال أبو عمر: كان يسكن الحجاز ثم تحول الى مصر، ويقال: إن عزة صاحبة كُثيِّر من ذريته، وإلى ذلك أشار كثير بقوله في شعره: الحاحبية، وأنكر ذلك ابن الأثير فقال: ليس في نسب عزة لأبي بصرة ذكر".

ثم قال: "أبو بصرة الغفاري، جدّ الذي قبله، تقدم في ترجمة حفيده إن له ولأبيه وجده صحبة".

قلت: أثبت ابن حجر الصحبة لأربعة:

1- الجد الكبير: "أبو بصرة الغفاري" الذي قيل إنه شهد خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم.

2- وابنه: "بصرة بن أبي بصرة" الذي اختلف أهل العلم في الحديث الذي رواه ابن الهاد هل هو هذا أم غيره؟

3- وابنه: "حميل بن بصرة بن أبي بصرة" وهذا متفق عليه.

4- وابنه: "بصرة بن أبي بصرة" واحتج بالحديث الذي فيه اختلاف وكذلك بقول ابن حبان!

وهذا الأخير وهم منه تبعاً لمن سبقه. والصحبة ثابتة لحميل الذي نزل مصر وقبره هناك.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/540): "عمير بن أبي مدرك الخولاني سمع سفيان بن وهب الخولاني قال: بينما نسير مع عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فذكر الحديث بطوله. قال حرملة: فرأيت أنا قبر عمرو بن العاص وقبر أبي بصرة الغفاري وعقبة بن عامر - رضي الله عنهم - فيه. سمع منه حرملة".

·       خلط لابن ماكولا!

وقد خلط ابن ماكولا في «إكمال تهذيب الكمال» (3/5) بين "بصرة بن أكثم الأنصاري" وبين "بصرة بن أبي بصرة" فعدهما واحداً!

وقال في ترجمة "بصرة بن أكثم": "وفي طبقات الفقهاء لمحمد بن جرير الطبري: بصرة الغفاري، وابنه بصرة بن بصرة، وابن ابنه جميل بن بصرة بن بصرة، صحبوا جميعاً النبي صلى الله عليه وسلم وروا عنه.

وقال أبو الفرج البغدادي في معرفة الصحابة: بصرة بن أبي بصرة الغفاري، وقيل: بُسرة، وقيل: نضلة".

كذا في المطبوع ما نقله عن ابن جرير: "بصرة بن بصرة"! في الموضعين، والمطبوع مليء بالتصحيف والتحريف والسقط، فلعل كلمة "أبي" سقطت، والصواب: "بصرة بن أبي بصرة".

·       وفاة أبي بصرة الغفاري:

مات حميل سنة بضع وخمسين للهجرة، فقد ذكره البخاري في «التاريخ الأوسط» (1/99) فيمن كان بعد الخمسين سنة إلى الستين سنة.

·       الخلاصة:

والصواب في كلّ ذلك ما ذكره البخاري من أن الصحابي هو: "حُميل بن بصرة أبو بصرة الغفاري" وما عدا ذلك فهو وهم.

ولا يوجد له ابن صحابي اسمه «بصرة بن أبي بصرة»، ومن أثبت هذا اعتمد على رواية ابن الهاد التي أخطأ فيها. وقد وهم من قال بأن بصرة هذا نزل مصر مع أبيه وأن له صحبة.

وكذلك لم يثبت عندي أن لوالد حميل بن بصرة الغفاري: «بصرة بن أبي بصرة» أو جده «أبي بصرة الغفاري» رواية، بل ولم تثبت صحبتهما، والله أعلم.

·       من أثبت صحبة «بصرة بن أبي بصرة» بغير الحديث الذي وهم فيه ابن الهاد! ووهم للأزدي!

قال الحافظ الأزدي في «المخزون» (ص52): "بصرة بن أبي بصرة، له صحبة، تفرد عنه بالرواية سعيد بن المسيب".

ثم قال: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن محمد بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالله بن عمر بن خطاب، قال: حدثنا بسطام بن جعفر، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، عن صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عَن سَعِيدِ بنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: «تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً بِكْرًا فِي سِتْرِها، فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ حُبْلَى، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتُحِلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَالْوَلَدُ عبد  لَكَ، فَإِذَا وَلَدَتْ فَاجْلِدْها».

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/157) برقم (13669) قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز ببغداد، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن نصير، قال: حدثنا إبراهيم بن علي العمري الموصلي، قال: حدثنا بسطام بن جعفر بن المختار، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد المديني، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيب، عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري أنه تزوج امرأة بكراً فدخل بها فوجدها حبلى، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما، ثم قال: إذا وضعت فاجلدوها الحد، وجعل لها صداقها بما استحل من فرجها.

قال البيهقي: "وكذلك رواه إسحاق بن إدريس عن أبي إسحاق الأسلمي، وهو إبراهيم بن محمد".

قلت: لا صحبة لبصرة هذا، والحديث من رواية إبراهيم بن أبي يحيى، وهو متروك، وقد كذّبه بعضهم. وقد أخطأ الأزدي في إثبات صحبة بصرة بهذا الحديث!!

بل قد رُوي الحديث من طرق أخرى مرسلاً، وفيه اسم آخر ليس بصرة بن أبي بصرة!

·       الحديث أخذه ابن جُريج من إبراهيم بن أبي يحيى ودلّسه!!

روى أبو داود في «السنن» (2/241) برقم (2131) قال: حدثنا مَخْلَدُ بن خَالِدٍ وَالْحَسَنُ بن عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بن أبي السَّرِيِّ - الْمَعْنَى - قالوا: حدثنا عبدالرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا ابن جُرَيْجٍ، عن صَفْوَانَ بن سُلَيْمٍ، عن سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ، عن رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ - قال ابن أبي السَّرِيِّ: من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يَقُلْ من الْأَنْصَارِ، ثُمَّ اتَّفَقُوا - يُقَالُ له: بَصْرَةُ، قال: «تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً بِكْرًا في سِتْرِها فَدَخَلْتُ عليها فإذا هِيَ حُبْلَى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لها الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ من فَرْجِهَا وَالْوَلَدُ عبد لك، فإذا وَلَدَتْ - قال الْحَسَنُ: فَاجْلِدْها، وقال ابن أبي السَّرِيِّ: فَاجْلِدُوها - أو قال: فَحُدُّوها».

قلت: ابن جُريج سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى فأسقطه وجعله عن صفوان!!

قال البيهقي في «السنن الكبرى» (7/157): "هذا الحديث إنما أخذه ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم، وإبراهيم مختلف في عدالته".

ثم ساق الحديث من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدثنا عبدالرزاق، عن ابن جريج، عن صفوان بن سليم، فذكره بنحوه، لم يقل: "يقال له: بصرة".

قال عبدالرزاق: "وحديث ابن جريج عن صفوان بن سليم، هو ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم".

·       الحديث مرسلٌ! وقد رُوي عن «بصرة بن أكثم»!

روى أبو داود في «السنن» (2/242) برقم (2132) قال: حدثنا محمد بن الْمُثَنَّى، قال: حدثنا عُثْمَانُ بن عُمَرَ، قال: حدثنا عَلِيٌّ - يَعْنِي: ابن الْمُبَارَكِ - عن يحيى، عن يَزِيدَ بن نُعَيْمٍ، عن سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ: أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ له: بَصْرَةُ بن أَكْثَمَ نَكَحَ امْرَأَةً فذكر مَعْنَاهُ، زَادَ: "وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا"، وَحَدِيثُ ابن جُرَيْجٍ أَتَمُّ.

قال أبو دَاوُد: "رَوَى هذا الحديث قَتَادَةُ عن سَعِيدِ بن يَزِيدَ عن ابن الْمُسَيَّبِ، وَرَوَاهُ يحيى بن أبي كَثِيرٍ عن يَزِيدَ بن نُعَيْمٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٍ الخراساني عن سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ، أَرْسَلُوهُ كلهم، وفي حديث يحيى بن أبي كَثِيرٍ: أَنَّ بَصْرَةَ بن أَكْثَمَ نَكَحَ امْرَأَةً، وَكُلُّهُمْ قال في حَدِيثِهِ: جَعَلَ الْوَلَدَ عبداً له".

قال البيهقي: "هذا حديث مرسل، وقد مضت الدلالة على جواز نكاح الزانية المسلمة وأنه لا يفسخ بالزنا، وإنما جعل الله تعالى العدة في النكاح، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الإستبراء من الملك، وأجمع أهل العلم على أن ولد الزنا من الحرة يكون حراً فيشبه أن يكون هذا الحديث إن كان صحيحاً منسوخاً، والله أعلم".

قلت: هذا حديث منكر لم يصح، وهو مرسل، ولا يُحتج به.

·       الاختلاف في اسم هذا الرجل صاحب هذه القصة!

قد سبق أن بعضهم سماه: «بصرة بن أبي بصرة»، وبعضهم سماه: «بصرة بن أكثم»، وقيل هو: «بُسرة» وقيل: «نضلة»!

قال أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (4/46): "بصرة، وقيل بُسرة، ويقال: نضلة، روى عنه سعيد بن المسيب".

وقال ابن حجر في «الإصابة» (1/319): "بصرة بن أكثم الأنصاري، وقيل: الخزاعي، له حديث في النكاح، روى عنه سعيد بن المسيب، أخرجه أبو داود وغيره، وقيل فيه: بسرة بضم أوله والمهملة، وقيل نضلة بنون ومعجمة، وقيل نضرة مثله، لكن بدل اللام راء، والراجح الأول، وهو المحفوظ من طريق صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب، واختلف بعض الرواة عن عبد الرزاق فيه، فمنهم من قاله بالنون والضاد المعجمة، ثم قال بعضهم: باللام، وبعضهم بالراء، وكذلك قال يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم عن سعيد نضرة بالنون والمعجمة، أخرجه ابن منده وغيره، وروي عن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه على الشك: بصرة أو نضرة بالموحدة والمهملة أو بالنون والمعجمة، ورواه ابن منده من طريقه فقال: بسرة بموحدة وسين مهملة، وقال في نسبه: الغفاري أو الكندي، والراوي له عن محمد ضعيف جداً وهو إسحاق بن أبي فروة، وأورد الطبراني حديثه المذكور في النكاح في ترجمة بصرة بن أبي بصرة الغفاري المذكور بعده، وذكر ابن الكلبي في أولاد أكثم بن أبي الجون: معبد اً وبنتا يقال لها: جلدية، فيحتمل أن يكون بصرة هو صاحب هذا الحديث إن كان الذي قال ابن أكثم بن الخزاعي ضبطه".

قلت: هذا الحديث رفعه منكر، والصواب فيه الإرسال، وهو ضعيف، فلا يعنينا ما اسم هذا الرجل؛ لأن حديثه باطل.

قال الحافظ ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود: "هذا الحديث قد اضطرب في سنده وحكمه واسم الصحابي راويه! فقيل: بصرة بالباء الموحدة والصاد المهملة، وقيل: نضرة بالنون المفتوحة والضاد المعجمة، وقيل: نضلة بالنون والضاد المعجمة واللام، وقيل: بسرة بالباء الموحدة والسين المهملة، وقيل: نضرة بن أكثم الخزاعي، وقيل: الأنصاري، وذكر بعضهم أنه بصرة بن أبي بصرة الغفاري ووهم قائله. وقيل بصرة هذا مجهول، وله علة عجيبة وهي أنه حديث يرويه ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار، وابن جريج لم يسمعه من صفوان، إنما رواه عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن صفوان، وإبراهيم هذا متروك الحديث، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن المبارك وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان وغيرهم، وسئل عنه مالك بن أنس: أكان ثقة؟ فقال: لا، ولا في دينه.

وله علة أخرى، وهي: أن المعروف أنه إنما يروي مرسلاً عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم، كذا رواه قتادة ويزيد بن نعيم وعطاء الخراساني كلهم عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر عبدالحق هذين التعليلين ثم قال: والإرسال هو الصحيح".

قلت: فالحديث لا علاقة له بـ «بصرة بن أبي بصرة».

·       هل روى أبو بصرة الغفاري حُميل بن بصرة عن أبي ذر؟

رواية الصحابة والقدماء المخضرمين عن أبي ذرّ:

لا نستبعد رواية أبي بصرة الغفاري عن أبي ذرّ الغفاري فهما صحابيان جليلان، قد شهدا فتح مصر وسكنا هناك. ورواية الصحابة عن بعضهم بعضاً موجودة وخاصة من هؤلاء الذين توفوا مبكراً كأبي ذر - رضي الله عنه -.

وقد روى عن أبي ذر جماعة من الصحابة، منهم: أنس بن مالك، وعبدالله بن عباس، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وخرشة بن الحر، ومعاوية بن حديج المصري، ومعاوية بن أبي سفيان.

وممن روى عنه من أعيان الكوفيين والبصريين من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية، وأسلموا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلقوه - وهم من كبار التابعين -: أبو عثمان النهدي الكوفي، وعمرو بن ميمون الأودي الكوفي، ومالك بن الحارث النخعي الكوفي المعروف بالأشتر.

وكذلك بعض أعيان الحجازيين والمصريين والشاميين من المخضرمين كمالك بن أوس بن الحدثان المدني، وأبي مسلم الخولاني اليماني الشامي، وكان قد رحل يطلب النبي صلى الله عليه وسلم فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق ولقي أبا بكر الصديق، وغيرهما.

فحديث أبي ذر عند هؤلاء الكِبار، وموته كان مبكراً سنة (32هـ)، وكان قد شهد فتح مصر مع عمرو بن العاص، واختط فيها داراً، ولكنه غادرها ونزل الشام مدة، ثم رجع إلى الحجاز، وسكن الرَّبذة.

وقد روى عنه أهل مصر أحاديث، ولكن كثير منها مرسل؛ إلا ما كان من الكبار القدماء.

ومن المصريين الذين رووا عنه: سفيان بن هانىء أبو سالم الجيشاني - شهد فتح مصر -، وحسان بن كريب الحميري الرعيني أبو كريب - وقيل: عن أبي النجم عن أبي ذر -، وزياد بن ربيعة الحضرمي، وعبدالله بن مالك أبو تميم الجيشاني، وعبدالله بن يزيد المعافري أبو عبدالرحمن الحبلي، وعبدالرحمن بن جبير المؤذن - وفي سماعه منه نظر -، وعبدالرحمن بن حجيرة الخولاني أبو عبدالله، وعبدالرحمن بن شماسة، وأبو طلحة الخولاني - واسمه درع بن الحارث، يروي عن أبي ذر الغفاري، ويروي عنه: يزيد بن أبي حبيب، وقيل: عن يزيد بن أبي حبيب عن عبدالله بن أبي طلحة عن أبي ذر، قال أبو سعيد ابن يونس: "وهو عندي أشبه بالصواب، وكان ممن شهد فتح مصر".

ومن الحجازيين: سعيد بن المسيّب، وعاصم بن سفيان الثففي، وعبيد  بن عمير المكي القاص.

ومن الشاميين: جُبير بن نُفير الحمصي، وعائذ بن عبدالله أبو إدريس الخولاني، وحبيب بن مسلمة المكي نزيل الشام، وحرام بن حكيم الدمشقي - وقيل روى عن أبي ذر مرسل -، وخالد بن معدان الحمصي - ولم يسمع من أبي ذر -، وشريح بن عبيد الحضرمي - ولم يدركه -، وعبدالرحمن بن غنم الأشعري، وعروة بن رويم - ولم يدركه -، وأبو أسماء الرحبي الدمشقي، وممطور الحبشي - يقال: مرسل -.

والملاحظ أن معظم رواية الشاميين عنه مرسلة!

·       أبو ذرّ يعدّ في الحجازيين وشهد فتح مصر واختط بها داراً:

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/221): "جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري، مات في زمن عثمان، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم. حجازي".

وروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عن بُرَيْدَةَ بن سُفْيَانَ، عن مُحَمَّدِ بن كَعْبٍ: "أَنَّ ابن مَسْعُودٍ أَقْبَلَ في رَكْبِ غِمَارٍ فَمَرَّ بِجِنَازَةِ أبي ذَرٍّ على ظَهْرِ الطَّرِيقِ فَنَزَلَ هو وَأَصْحَابُهُ فَوَارَوْهُ، وكان أبو ذَرٍّ دخل مِصْرَ واخْتَطَّ بها دَارًا".

وروى ابن لَهِيعَةَ عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ قال: "وكان أبو ذَرٍّ من شَهِدَ الْفَتْحَ مع عَمْرِو بن الْعَاصِ" (المعجم الكبير للطبراني: 2/148).

قال ابن يونس: "شهد فتح مصر، واختط بها. حدّث عنه من أهل مصر: عمرو بن العاص، وأبو بصرة الغفاري، ومعاوية بن حُديج"، وذكر غيرهم.

وقال أبو زرعة: "وممن نزل الشام من مصر: أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، نزل بيت المقدس يوم ارتحله عثمان إلى المدينة" (تاريخ ابن عساكر: 66/175).

·       حديث أبي بصرة عن أبي ذرّ في «صحيح مسلم»!

روى الإمام مسلم في «صحيحه» (4/1970) برقم (2543) قال: حدثني أبو الطَّاهِرِ، قال: أخبرنا ابن وَهْبٍ، قال: أخبرني حَرْمَلَةُ [ح].

وحدثني هارُونُ بن سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، قال: حدثنا ابن وَهْبٍ، قال: حدثني حَرْمَلَةُ - وهو: ابن عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ، عن عبدالرحمن بن شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قال: سمعت أَبَا ذَرٍّ يقول: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فيها الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا؛ فإن لهم ذِمَّةً وَرَحِمًا، فإذا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ منها، قال: فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعبد الرحمن ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ بن حَسَنَةَ يَتَنَازَعَانِ في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجَ منها».

ثم قال مسلم: حدثني زُهَيْرُ بن حَرْبٍ وَعبيداللَّهِ بن سَعِيدٍ، قالا: حدثنا وَهْبُ بن جَرِيرٍ، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت حَرْمَلَةَ الْمِصْرِيَّ يحدّث عن عبدالرحمن بن شِمَاسَةَ، عن أبي بَصْرَةَ، عن أبي ذَرٍّ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فيها الْقِيرَاطُ فإذا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إلى أَهْلِهَا فإن لهم ذِمَّةً وَرَحِمًا - أو قال: ذِمَّةً وَصِهْرًا - فإذا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فيها في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ منها. قال: فَرَأَيْتُ عبد الرحمن بن شُرَحْبِيلَ بن حَسَنَةَ وَأَخَاهُ رَبِيعَةَ يَخْتَصِمَانِ في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجْتُ منها».

قلت: وعلى هذه الرواية اعتمد من ذكر عبدالرحمن بن شَماسة في الرواة عن أبي بصرة الغفاري الصحابي، كابن يونس في «تاريخه» نقله عنه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (34/434) قال: "وروى عن عمرو بن العاص، وعبدالله بن عمرو، وزيد بن ثابت، وأبي بصرة الغفاري...". وتبعه على ذلك: ابن عساكر، والمزي، وابن حجر، وغيرهم.

وقال محققو «مسند أحمد» (35/409) في الحاشية: "إسناده صحيح على شرط مسلم... وأبو بصرة: هو حُميل - بضم الحاء المهملة، وقيل: بفتحها، وقيل: بالجيم - بن بَصرة بن وقاص الغفاري، وهو صحابي سكن مصر".

قلت: تبعوا في هذا المزي، حيث قال في «تحفة الأشراف»: "أبو بصرة الغفاريُّ واسمه حُميل بن بصرة، عن أبي ذر".

وتبعه أيضاً الذهبي في «تاريخ الإسلام» فقال: "أبو بصرة الغفاري، اسمه حُميل بن بصرة، له صحبة ورواية، وروى عن أبي ذر أيضاً".

قلت: يرى الترمذي أن أبا بصرة في هذا الإسناد ليس بالصحابي، وإنما هو رجل آخر.

قال في «الجامع» (2/315) مفرقاً بين الصحابي وهذا الآخر: "وأبو بصرة الغفاري رجلٌ آخر يروي عن أبي ذر، وهو ابن أخي أبي ذر".

قلت: الأكثر على أنه الصحابي، ولكن هذه الرواية لم تصح.

وهذا الإسناد بزيادة "عن أبي بصرة" تفرد به وهب بن جرير عن أبيه! والحديث محفوظ عند المصريين بدون الزيادة، رواه عبدالله بن وهب وعبدالله بن صالح كاتب الليث، عن حرملة بن عمران، عن عبدالرحمن بن شَماسة، عن أبي ذر. ورواية المصريين تقدّم على رواية غيرهم ممن دخلوا مصر!

وقد تكلمت على هذا الحديث في بحث خاص في «علل الأحاديث» بعنوان: «دُرر السِّمْطِ» في ضَعْف أحاديث «الوِصاية بالقِبط».

وبينت أن الرواية الصحيحة هي الرواية التي ليس فيها "عن أبي بصرة الغفاري"، وتقديم الإمام مسلم لها يدل على ترجيحها على الرواية التي فيها: "عن أبي بصرة عن أبي ذر!"، ولكن عبدالرحمن بن شماسة لم يسمع من أبي ذر، وحديثه مرسل، فهي رواية ضعيفة.

والوهم في هذا الإسناد من جرير، وكان يهم في الشيء بعد الشيء؛ لأنه كان يحدّث من حفظه، فكأنه كان يحفظ بعض الأحاديث عن أبي بصرة الغفاري عن أبي ذر، فسلك في هذا الحديث الجادة، فأغرب في الإسناد! وحديثه عن المصريين لا يعتمد إذا خالفهم، فالعمدة في ذلك أهل مصر، وله أوهام عن المصريين.

والخلاصة أن هذا الحديث لم يصح عن أبي بصرة عن أبي ذر.

·       حديث آخر رُوي عن أبي بصرة عن أبي ذرّ!

روى الطيالسي في «مسنده» (ص63) قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بصرة الغفاري، عن أبي ذر قال: «مسح الحصى واحدة وأن لا أفعلها أحب إلي من مائة ناقة سود الحدق».

ورواه عبد الرزاق في «مصنفه» (2/38) عن ابن جريج، عن ابن دينار، عن رجل سماه، عن أبي ذر أنه قال: «من أقبل ليشهد الصلاة فأقيمت، وهو بالطريق فلا يسرع، ولا يزيد على هيئة مشيته الأولى فما أدرك فليصل مع الإمام وما لم يدرك فليتمه، ولا يمسح إذا صلى وجهه؛ فإن مسح فواحدة وإن يصبر عنها خير له من مائة ناقة سود الحدق».

ثم رواه عن معمر، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن رجل من بني غفار، عن أبي بصرة، عن أبي ذر قال: «إذا دنيت الصلاة فامش على هيئتك فصل ما أدركت وأتم ما سبقك، ولا تمسح الأرض إلا مسحة وأن تصبر عنها خير لك من مائة ناقة كلها سود الحدقة».

قال البيهقي بعد أن رواه من طريق الطيالسي في «السنن الكبرى» (2/285): "ورواه مجاهد عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسح الحصا واحدة، وقيل: عن مجاهد عن أبي وائل عن أبي ذر".

قلت: فهذا الحديث مما اختلف في إسناده.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (1/112): "محمد بن شريك أبو عثمان المكي: سمع ابن أبي مليكة وعمرو بن دينار.

حدثنا أبو نُعيم قال: حدثنا محمد، عن عمرو بن دينار قال: قال أبو بصرة، قال أبو ذر: «إذ مشيت إلى صلاة مكتوبة فلا تسرعن»، وهو مرسل.

وقال لنا موسى، عن حماد، عن عمرو، عن أبي بصرة عن أبي ذر، نحوه.

وقال ابن عيينة، عن عمرو: سمعت رجلاً من بني غفار في إمارة أبان بن عثمان، قال: سمعت أبا بصرة، عن أبي ذر مثله، كناه وكيع".

قلت: يشير البخاري إلى الاختلاف فيه على عمرو بن دينار! ويظهر أنه إسناد مضطرب، وهو حديث ضعيف لا يصح.

وبهذا يتبين لنا أنه لم تصح أي رواية عن أبي بصرة الغفاري عن أبي ذرّ الغفاري، والله تعالى أعلم وأحكم.

وكتب: خالد الحايك.

20/2/2012.

 

شاركنا تعليقك