الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«أبو عبدالرّحمن الجُهني» هل هو صحابي؟ أم هو نفسه «عُقبة بن عامر»؟! والاختلاف في اسمه! وفوائد أخرى مهمة.

«أبو عبدالرّحمن الجُهني» هل هو صحابي؟ أم هو نفسه «عُقبة بن عامر»؟! والاختلاف في اسمه! وفوائد أخرى مهمة.

الطريقة المشهورة والمعروفة عند أهل العلم الذين صنّفوا في التراجم هو الاعتماد على الأسانيد في إثبات الصحبة، مع وجود طرق أخرى طبعاً لذلك.

ومن بين هؤلاء الذين أثبت أهل العلم صحبتهم من خلال الأسانيد: «أبو عبدالرّحمن الجهني».

فهل صحبته ثابتة أم أنه هو نفسه «عقبة بن عامر»؟ أم أنه لا وجود له؟!

·       مَنْ اثبت صحبته من أهل العلم:

قال الإمام مسلم في «الكنى والأسماء» (1/513): "أبو عبدالرحمن الجهني، له صحبة".

وقال ابن ابي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/402): "أبو عبدالرحمن الجهني قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إني راكب غداً إلى اليهود فلا تبدؤهم بالسلام. روى عنه مرثد بن عبد الله اليزني".

وقال ابن حبان في «الثقات» (3/454): "أبو عبدالرحمن الجهني، له صحبة".

وقال ابن عبدالحكم في «فتوح مصر» (ص327) ممن نزل من الصحابة في مصر: "وأبو عبدالرحمن الجهني، ولهم عنه حديثان".

وقال ابن منده: سمعت أبا سعيد بن يونس، يقول: "أبو عبدالرحمن الجهني، يقال له: القيني، صحابي من أهل مصر".

وقال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (4/350): "أبو عبدالرحمن الجهني، أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه". وساق له حديثين.

وقال أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (5/2951): "أَبُو عبدالرَّحْمَنِ الْجُهَنِيُّ، سَكَنَ مِصْرَ، يُقَالُ لَهُ: الْقَيْنِيُّ، حَدِيثُهُ عِنْدَ أَبِي الْخَيْرِ الْيَزَنِيِّ".

وقال ابن الأثير في «أُسْد الغابة» رقم (6067): "أبو عبدالرحمن الجهني، له صحبة، وهو يعد في أهل مصر. روى عنه مرثد بن عبدالله اليزني حديثين".

وذكره الدولابي في «الأسماء والكنى» (1/124).

وقال أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى»: "أبو عبدالرحمن الجُهَني، له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم، حديثه في المصريين".

وقال الذهبي في «المقتنى في سرد الكنى» (ص366): "أبو عبدالرحمن الجهني، له صحبة، عنه مرثد اليزني".

وقال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (4/1707): "أبو عبدالرحمن الجهني: له صحبة، عداده في أهل مصر، روى عنه أبو الخير اليزني حديثين..".

وقال في «الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى» (1/262) (236): "أبو عبدالرحمن الجهني، له صحبة، حديثة عند أهل مصر. له حديثان حسنان، أحدهما: في التسليم على أهل الكتاب، والثاني: «طوبى لمن رآني» الحديث".

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (34/39): "أبو عبدالرحمن الجهني: مختلف في صحبته. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (ق). روى عنه: أبو الخير مرثد بن عبدالله اليزني (ق). قال محمد بن سعد: أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ولم يسم، وقال غيره: أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره، وسكن مصر، روى له ابن ماجة".

ثم ساق حديثه من طريق محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبدالله اليزني، عن أبي عبدالرحمن الجهني قال: «قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني راكب...»".

قال المزي: "وإن كان قوله في هذه الرواية «قال لنا» محفوظاً فهو ظاهر في صحبته، والله أعلم".

وقال ولي الدين العراقي في «تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» (ص368): "أبو عبدالرحمن الجهني، مختلف في صحبته، أثبتها ابن سعد ونفاها غيره، وله في سنن ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص655): "أبو عبدالرحمن الجهني: صحابي، قيل: اسمه زيد، نزل مصر".

وقال في «التهذيب» (12/171): "أبو عبدالرحمن الجهني، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في السلام على اليهود، وعنه: أبو الخير مرثد بن عبدالله اليزني. قال ابن سعد: أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، ولم يُسم.. وذكره ابن منده في الصحابة وقال: سمعت أبا سعيد بن يونس يقول: أبو عبدالرحمن الجهني يقال له: القيني، صحابي من أهل مصر. وفرّق محمد بن الربيع الجيزي بين الجهني والقيني. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: أبو عبدالرحمن الجهني سمع النبي صلى الله عليه وسلم. وقال مسلم والدولابي وأبو أحمد الحاكم في الكنى: له صحبة، وذكره ابن سعد في طبقة من شهد الخندق، وحكى أبو الفتح الأزدي أن اسمه زيد، وذكره في الصحابة: خليفة والترمذي والبغوي والطبري والعسكري والبارودي وغيرهم".

قلت: ما نقله عن ابن أبي حاتم عن أبيه لا يصح! فابن أبي حاتم لم ينقل هذا عن أبيه كما هو في مطبوعنا من كتابه، وإنما هو قول عبدالرحمن بن أبي حاتم، لا قول والده! كما سبق نقله، لكن جرى القلم أن ما يُنقل من كتاب ابن أبي حاتم غالبه لوالده.

وقال ابن حجر في «الإصابة» (7/261): "أبو عبدالرحمن الجهني، نزيل مصر. قال البغوي: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين وسكن مصر، وروى عنه: أبو الخير مرثد بن عبدالله اليزني. قلت: أحدهما عند أحمد وابن ماجة والطحاوي من رواية محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إني راكب غداً إلى اليهود فلا تبدءوهم بالسلام الحديث»، وخالفه ابن لهيعة وعبدالحميد بن جعفر فروياه عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن أبي بصرة الغفاري، أخرجه أحمد والنسائي والطحاوي من رواية عبدالحميد - زاد أحمد والطحاوي ومن رواية ابن لهيعة، وقد قيل: عن محمد بن إسحاق كرواية عبدالحميد بن جعفر أخرجه الطحاوي بغير رواية عبدالله بن عمر الرقي عن ابن إسحاق، ورويناه في «المختارة» للضياء من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق، أخرجه من معجم الطبراني عقب رواية عبدالحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب. وثانيهما: أخرجه البغوي من طريق ابن إسحاق أيضا بهذا السند في قصة الراكبين المذحجين اللذين بايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكره في الصحابة: البخاري، والترمذي، والبغوي، والدولابي، والعسكري، وابن يونس، والباوردي، وغيرهم، وذكره ابن سعد في طبقة من شهد الخندق، وانفرد أبو الفتح الأزدي فحكى أن اسمه زيد! وقرأت بخط الحافظ عماد الدين ابن كثير أنه قيل: هو عقبة بن عامر الصحابي المشهور".

قلت: لم أجده في كنى الإمام البخاري! وقد قدمنا وهم ابن حجر في نسبة قول ابن أبي حاتم لأبيه في إثبات صحبته، وهذا يؤكد أن البخاري لم يذكره؛ لأن أبا حاتم يتبع البخاري كثيراً في ذكر الأسماء.

وقال السيوطي في «حُسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة»: "أبو عبدالرحمن الجهني. قال الذهبي: يعد في المصريين، روى عنه مرثد بن عبدالله اليزني حديثين حسنين. وذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة، وقال: لهم عنه حديثان".

قلت: كأن الحكم على الحديثين بالحسن هو من السيوطي لا من الذهبي!!

وقد ذكره كلّ من صنّف في الصحابة والمسانيد والمعاجم تبعاً لهذين الحديثين.

قال المزي في «تحفة الأشراف» (9/232): "ومن مسند أبي عبدالرحمن الجهنيِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مختلف في صحبته".

وقال ابن حجر في «إتحاف المهرة»: "مسند أبي عبدالرحمن الجُهَنِي قيل: هو عقبة بن عامر، والصحيح أنه غيره، واسمه الحارث بن هشام، سكن مصر".

وذكره ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (5/38): "أبو عبدالرحمن الجهني".

وكذلك أبو يعلى في «مسنده»: (2/235): "أبو عبد الرحمن الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم".

والطبراني في «المعجم الكبير» (22/289): "أبو عبدالرحمن الْجُهَنِيُّ".

وأما الإمام أحمد فقد ذكر في «المسند» (4/143) حديثه في السلام على اليهود في «مسند عقبة بن عامر الجهني»!!

ثم ذكر (4/233): «حديث أبي عبدالرحمن الجهني - رضي الله عنه -»، وساق له هذا الحديث نفسه!

وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله.

·       الاختلاف في صحبته وفي اسمه!!

جلّ العلماء على أن له صحبة - كما تقدم - وممن قال بذلك: مسلم، والترمذي، وابن أبي حاتم، والبغوي، والدولابي، والعسكري، وابن يونس، والباوردي، وابن سعد، وخليفة، والطبري، وغيرهم.

وقد نفى بعضهم صحبته! وأشار المزي - فيما نقلنا عنه - أنه أسلم في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يره! (التهذيب: 12/171).

قال ابن حجر: "وقع في الأطراف أنه مختلف في صحبته، وقد وقع لي حديثه في ثاني المحامليات، وفيه ما يدل على ثبوت صحبته".

·       هل هو نفسه «الْقَيْنِيُّ»، والخلاف بين ابن يونس وابن الربيع! وهل «أبو عبدالله الْقَيْنِيُّ» هو «أبو عبدالرحمن الْقَيْنِيُّ»؟!

وقد قال أبو سعيد ابن يونس إنه يُقال له: "القَيْنِيُّ"، ولكن فرّق محمد بن الربيع الجيزي بين الجهني والقيني!!

قلت: ذكر ابن يونس أن الجهني هذا يقال له: القيني، ثم أفرد القيني بترجمة وحده، فهو على الاحتمال عنده.

قال ابن منده في «فتح الباب في الكنى والألقاب» (ص462): "أبو عبدالله القيني، له صحبة، عداده في أهل مصر، روى عنه أبو عبدالرحمن الحبلي، قاله لي أبو سعيد بن يونس".

قلت: وهذا الذي روى عنه الحبلي ذكره الطبراني في «المعجم الكبير» (22/291)، فقال: "أبو عبدالرحمن الْقَيْنِيُّ"، ثم قال: حدثنا بَكْرُ بن سَهْلٍ، قال: حدثنا عبداللَّهِ بن يُوسُفَ، قال: حدثنا ابن لَهِيعَةَ، قال: حدثنا بَكْرُ بن سَوَادَةَ، عن أبي عبدالرحمن الْحُبُلِيِّ، عن أبي عبدالرحمن الْقَيْنِيِّ: «أَنَّ سُرَّقا اشْتَرَى من رَجُلٍ قد قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ بَزًّا قَدِمَ بِهِ فَتَقاضاهُ فَتَغَيَّبَ منه، ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ فَأَتَى بِهِ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بِعْ سرقا، قال: فَانْطَلَقْتُ بِهِ فَسَاوَمَنِي بِهِ أَصْحَابُ النبي صلى الله عليه وسلم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بَدَا لي فَأَعْتَقْتُهُ».

وذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة: "أبو عبدالرحمن القيني"، وقال: "لهم عنه حديث". [حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة: 1/248)].

وقال أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (5/2950): "أَبُو عبداللهِ الْقَيْنِيُّ، وَقِيلَ: أَبُو عبدالرَّحْمَنِ، حَدِيثُهُ عِنْدَ أَبِي عبدالرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ: يُعَدُّ فِي الْمِصْرِيِّينَ فِيمَا حَكَاهُ الْمُحِيلُ بِهِ عَلَى أَبِي سَعِيدِ بْنِ عبدالْأَعْلَى".

وقال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (4/1706)، وفي «الاستغناء» (1/265) (238): "أبو عبد الله القيني، له صحبة، مصري، روى عنه أبو عبدالرحمن الحبلي قصة سرق وبيعه في الدين الذي استهلكه، ليس حديثه بالقوي".

وقال ابن حجر في «الإصابة» (7/257): "أبو عبدالله القيني، بفتح القاف وسكون التحتانية المثناة بعدها نون. ذكر ابن منده عن أبي سعيد بن يونس أن له صحبة، وروى عنه أبو عبدالرحمن الحبلي، وقيل: إن شيخ الحبلي يكنى أبا عبدالرحمن، وأخرج الطبراني من طريق ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن الحبلي عن أبي عبدالرحمن القيني: أن سرقاً اشترى من رجل... ويحتمل أن يكون واحداً".

قلت: الظاهر أنه هو، وحديثه لا يُعرف إلا من طريق ابن لهيعة وهو ضعيف! ولا تثبت الصحبة بمثل هذه الأحاديث الضعيفة وخاصة إذا كانت بالكنى: "أبو عبدالله القيني" و"أبو عبدالرحمن القيني"!!

ويُحتمل إن ثبت وجوده أن يكون تابعياً قد روى قصة «سُرَّق»، فقد ذكروا في الصحابة: "سرق بن أسد الجهني، ويقال: الأنصاري، ويقال: إنه من بني الدئل. سكن الإسكندرية من مصر، له صحبة". رُوي عنه أَنَّهُ قال: "إن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سمّاه سُرَق، لأنه ابتاع بعيرين من رجل من أهل البادية، راحلتين، قدم بهما صاحبهما المدينة، فأخذهما، ثم هرب وتغيب عنه، وأخبر رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: التمسوه، فلما أتوه به قال: أنت سرق، ما حملك عَلَى ما صنعت؟ قلت: قضيت بثمنهما حاجتي، قال: فاقضه، قلت: ليس عندي، قال: يا أعرابي، اذهب به حتى تستوفي حقك. قال: فجعل الناس يسومونه به ليفتدوه منه، فأعتقه".

·       تسمية الأزدي له، ورد ابن حجر لذلك، ومخالفة ابن حجر نفسه!

وأبو عبدالرحمن الجهني سماه أبو الفتح الأزدي، فقال في «أسماء من يُعرف بكنيته» (ص52): "أبو عبدالرحمن الجهني، اسمه: زيد، ويقال: أبو عبدالله الجهني".

قال ابن حجر: "وأبو عبدالرحمن الجهني لا يعرف اسمه، وهو من الصحابة الذين نزلوا مصر وأخطأ من زعم أنه عقبة بن عامر، وقد جزم أبو الفتح الأزدي بأن اسمه زيد، وشذ بذلك".

ولكنه خالف هذا في «إتحاف المهرة» فقال: "مسند أبي عبدالرحمن الجُهَنِي قيل: هو عقبة بن عامر، والصحيح أنه غيره، واسمه الحارث بن هشام، سكن مصر".

فسماه الحارث بن هشام مع أنه جزم بأنه لا يعرف اسمه!

·       رد ابن حجر على من قال بأنه هو «عقبة بن عامر» وبيان تصرف الإمام أحمد وابن قطلوبغا!

وقيل بأنه هو: "عقبة بن عامر".

قال ابن حجر في«التهذيب» (12/171): "وزعم ابن المُحبّ في ترتيب «المسند» أنه عقبة بن عامر الجهني ولم يصب في ذلك".

قلت: ابن المحب تبع في ذلك فعل الإمام أحمد، فإنه ذكر في «المسند» (4/143) حديثه في السلام على اليهود في «مسند عقبة بن عامر الجهني»!!

ثم ذكر (4/233): «حديث أبي عبدالرحمن الجهني - رضي الله عنه -»، وساق له هذا الحديث نفسه!

فذكرُ الإمام أحمد حديثه هذا في مسند عقبة يدل على أنه هو عنده!

وقد ذكر قاسم بن قطلوبغا الحنفي هذا الحديث والحديث الآخر لأبي عبدالرحمن الجهني في الجزء الذي جمعه: «مسند عقبة بن عامر».

وكذا تصرف الشوكاني في «نيل الأوطار» (8/226) فإنه قال: "وعن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنِّي رَاكِبٌ غَدًا إلَى يَهُودَ فَلا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلامِ وإذا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ». رَوَاهُ أَحْمَدُ".

ولكن يبقى الأمر في أن هذا الحديث ليس لأبي عبدالرحمن الجهني - كما سيأتي إن شاء الله -، ولكن له حديث آخر، رواه عنه: مرثد بن عبدالله أبو الخير اليزني، وهو من أصحاب عقبة بن عامر، ولعله من أجل هذا ذهب الإمام أحمد إلى الذي ذكرناه عنه بحسب تصرفه في إيراده الحديث في مسند عقبة الجهني.

وكذلك فإن كنية عقبة اختلف فيها على أقوال كثيرة! فقيل: أبو أسد، ويُقال: أبو عامر، ويُقال: أبو حماد، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو سعاد، ويقال: أبو عبس، ويقال: أبو الأسود!. [انظر: الكنى والأسماء لمسلم:1/266، وفتح الباب في الكنى والألقاب لابن منده: ص101، وتهذيب التهذيب:7/216].

·       الحديثان اللذان رُويا عن أبي عبدالرّحمن الجُهنيّ:

·       الحديث الأول:

روى ابن أبي شيبة في «المصنف» (5/250) (25761) قال: حَدَّثَنَا ابنُ نُمَيْرٍ، عن مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عن يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَن مَرْثَدِ بنِ عبداللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَن أَبِي عبدالرَّحْمَنِ الجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي رَاكِبٌ غَدًا إِلَى الْيَهُودِ فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ، فَإِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ».

ورواه ابن ماجه في «السنن» (2/1219) (3699)، وابن ابي عاصم في «الآحاد والمثاني» (5/38) كلاهما عن أبي بكر بن أبي شيبة.

ورواه أبو يعلى في «مسنده» (2/235) (936) عن أبي خيثمة، عن ابن نمير، به.

ورواه الإمام أحمد في «المسند» (4/233) (18074) عن يَزِيد بن هَارُونَ، وابن أبي عدي، كلاهما عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ، به.

ورواه أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» (5/364) عن أبي عروبة الحرّاني، عن الفضل بن يعقوب الجزري، عن عبدالأعلى بن عبدالأعلى، عن ابن إسحاق، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (22/290) عن أبي الزِّنْبَاعِ رَوْح بن الْفَرَجِ الْمِصْرِيّ، عن يُوسُف بن عَدِيٍّ، عن عبدالرَّحِيمِ بن سُلَيْمَانَ [ح].

وعن عبيد  بن غَنَّامٍ، عن أبي بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، عن عبداللَّهِ بن نُمَيْرٍ [ح].

وعن محمد بن عبداللَّهِ الْحَضْرَمِيّ، عن مِنْجَاب بن الْحَارِثِ، عن عَلِيِّ بن مُسْهِرٍ [ح].

وعن محمد بن عبداللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ، عن عُقْبَة بن مُكْرَمٍ، عن يُونُس بن بُكَيْرٍ [ح].

وعن محمد بن عبداللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ، عن أَحْمَد بن عثمان بن حَكِيمٍ، عن عبدالرحمن بن شَرِيكٍ، عن أبيه، كلهم عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن مَرْثَدِ بن عبداللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عن أبي عبدالرحمن الْجُهَنِيِّ، به.

ولما رواه الإمام أحمد في «المسند» في «مسند عقبة بن عامر» (4/143) برقم (17334) عن محمد بن أبي عدي عَنِ ابن إِسْحَاقَ، الحديث.

قال أحمد: "خَالَفَهُ عبدالحَمِيدِ بن جَعْفَرٍ وابن لَهِيعَةَ، قَالا: عن أبي بَصْرَةَ".

وقال ابن عبدالحكم في «فتوح مصر» (ص328) بعد أن ذكر حديث ابن إسحاق هذا: "وذلك خطأ، إنما هو أبو بصرة، وقد خالف ابن إسحاق في ذلك: الليث وابن لهيعة، وهما بذلك أعلم".

وقال الترمذي في «العلل الكبير» (1/342) - بعد أن رواه مرة من حديث أبي بصرة، ومرة من حديث أبي عبدالرحمن الجهني -: فسألت محمداً؟ فقال: "عن أبي بصرة أصح. وعن أبي عبدالرحمن الجهني وهم فيه ابن إسحاق، والصحيح عن أبي بصرة".

قال الترمذي: "وإنما قال محمد حديث أبي بصرة أصح؛ لأن عبدالحميد بن جعفر روى هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبدالله عن أبي بصرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث ابن المبارك عن ابن إسحاق".

قلت: فالحديث حديث أبي بصرة الغفاري، وليس لأبي عبدالرحمن الجهني مدخل هنا.

وقد رُوي عن ابن إسحاق أيضاً من حديث أبي بصرة موافقاً لغيره.

فقد رواه البخاري في «الأدب المفرد»، باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام، (ص377) (1102) عن أحمد بن خالد، عن محمد بن إسحاق، عن يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ، عن مَرْثَدِ بن عبداللَّهِ، عن أبي بَصْرَةَ الغفاري قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لهم يَوْماً: «إني رَاكِبٌ إلى يَهُودَ، فَمَنِ انْطَلَقَ معي فإن سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ، فَانْطَلَقْنَا فلما جِئْنَاهُمْ سَلَّمُوا عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: وَعَلَيْكُمْ».

ورواه أيضاً عن ابن سلام، عن يحيى بن واضح، عن ابن إسحاق، مثله.

ورواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/341) من طريق عبيداللَّهِ بن عَمْرٍو، عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، به.

ورواه الإمام أحمد في «مسنده» (6/398) (27278) قال: حدثنا أبو عَاصِمٍ، عن عبدالحَمِيدِ - يَعْنِي ابن جَعْفَرٍ - قال: أخبرني يزيد، مثله.

ثم رواه عن حَسَن بن موسى الأشيب، عن ابن لَهِيعَةَ، قال: حدثنا يَزِيدُ بن أَبِي حَبِيبٍ، عن أَبِي الْخَيْرِ قال: سمعت أَبَا بَصْرَةَ يقول: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنا غَادُونَ إلى يَهُودَ فَلاَ تبدؤوهم بِالسَّلاَمِ، فإذا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ».

ورواه برقم (27280) عن وَكِيع، عن عبدالْحَمِيدِ بن جَعْفَرٍ، يَزِيدَ بن أَبِي حَبِيبٍ، مثله.

ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (6/104) برقم (10220) عن واصل بن عبدالأعلى، عن أبي أسامة، عن عبدالحميد بن جعفر، عن يزيد، به.

ورواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/341) من طريق عبدالله بن وَهْبٍ، عن ابن لَهِيعَةَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/277) عن أبي مُسْلِمٍ الْكَشِّيّ، عن أبي عَاصِمٍ، عن عبدالْحَمِيدِ بن جَعْفَر بن عبدالله بن الحكم الأنصاري.

وعن الْمِقْدَام بن دَاوُدَ، عن أَسَد بن مُوسَى، عن ابن لَهِيعَة.

وعن أبي الزِّنْبَاعِ رَوْحِ بن الْفَرَجِ، عن عَمْرُو بن خَالِدٍ الْحَرَّانِيّ، عن محمد بن سَلَمَةَ، عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ بن يَسار، ثلاثتهم عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، به، نحوه.

قلت: فالظاهر أن ابن إسحاق كان يهم فيه، يرويه على الوجهين، والصواب ما وافق فيه الجماعة من حديث أبي بصرة الغفاري، والحديث حديثه وهو صحيح عنه.

·       وهم لأبي داود والترمذي - رحمهما الله -!

أخرج أبو داود في «السنن» (4/353) (5207) حديث قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْنَا، فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: «قُولُوا وَعَلَيْكُمْ».

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ عَائِشَةَ، وَأَبِي عبدالرَّحْمَنِ الْجُهَنِيِّ، وَأَبِي بَصْرَةَ - يَعْنِي الْغِفَارِيَّ -".

وقال الترمذي بعد أن خرّج حديث عائشة في «الجامع» (5/60): "وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الغِفَارِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي عبدالرَّحْمَنِ الجُهَنِيِّ".

قلت: فقد فرقا بين حديث أبي عبدالرحمن الجهني وحديث أبي بصرة، والصواب كما تبين أنه حديث أبي بصرة، ولا مدخل لأبي عبدالرحمن الجهني هذا فيه!

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (11/44): "قال المنذري: أما حديث عائشة فمتفق عليه. قلت: هو أول أحاديث الباب. قال: وأما حديث أبي عبدالرحمن فأخرجه ابن ماجه، وأما حديث أبي بصرة فأخرجه النسائي. قلت: هما حديث واحد اختلف فيه على يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، فقال: عبدالحميد بن جعفر عن أبي بصرة، أخرجه النسائي والطحاوي. وقال ابن إسحاق عن أبي عبدالرحمن، أخرجه أحمد وابن ماجه والطحاوي أيضاً، وقد قال بعض أصحاب ابن إسحاق عنه مثل ما قال عبدالحميد، أخرجه الطحاوي، والمحفوظ قول الجماعة".

·       رواية أخرى لهذا الحديث عن أبي عبدالرحمن الجهني!

وروى الطبراني في «المعجم الكبير» (22/291) (744) قال: حدثنا محمد بن عبداللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، قال: حدثنا يحيى الْحِمَّانِيُّ، قال: حدثنا عبدالسَّلامِ بن حَرْبٍ، عن إِسْحَاقَ بن عبداللَّهِ بن أبي فَرْوَةَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن مَرْثَدِ بن عبداللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عن أبي عبدالرحمن الْجُهَنِيِّ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا غَادُونَ غَدًا إلى يَهُودٍ فَلا تبدؤوهم بِالسَّلامِ، فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ».

قلت: إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة المدني: متروك الحديث، وقد اتهموه بالكذب.

·       الحديث الثاني:

وروى الإمام أحمد في «المسند» (4/152) (17426) قال: حدثنا محمد بن عبيد ، قال: حدثنا مُحَمَّدٌ - يعني ابن إِسْحَاقَ - قال: حدثني يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ، عن مَرْثَدِ بن عبداللَّهِ اليزني، عن أبي عبدالرحمن الجهني قال: «بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَلَعَ ركبان فلما رَآهُمَا قال: كِنْدِيَّانِ مَذْحِجِيَّانِ، حتى أَتَيَاهُ فإذا رِجَالٌ من مَذْحِجٍ، قال: فَدَنَا إليه أَحَدُهُمَا لِيُبَايِعَهُ قال: فلما أَخَذَ بيده، قال: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ من رَآكَ فَآمَنَ بِكَ وَصَدَّقَكَ وَاتَّبَعَكَ مَاذَا له؟ قال: طُوبَى له، قال: فَمَسَحَ على يَدِهِ فَانْصَرَفَ، ثُمَّ أَقْبَلَ الآخَرُ حتى أَخَذَ بيده لِيُبَايِعَهُ، قال: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ من آمَنَ بِكَ وَصَدَّقَكَ وَاتَّبَعَكَ ولم يَرَكَ؟ قال: طُوبَى له، ثُمَّ طُوبَى له، ثُمَّ طُوبَى له. قال: فَمَسَحَ على يَدِهِ فَانْصَرَفَ».

قلت: أخرجه الإمام أحمد في «مسند عقبة بن عامر» فكأنه يرى أن أبا عبدالرحمن الجهني هذا هو عقبة، وقد سبق الكلام حول هذا.

ورواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (4/350) عن محمد بن عبيد الطنافسي، عن محمد بن إسحاق، به.

ورواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (5/39) من طريق محمد بن عبيد الطنافسيّ، عن محمد بن إسحاق، به.

ورواه أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (5/2951) قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ خَلَّادٍ، قال: حدثنا الْحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، قال: حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، به.

قال أبو نعيم: "رَوَاهُ شَرِيكٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ عبيد فِي آخَرِينَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ".

قال: حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ عبداللهِ الْحَضْرَمِيُّ، قال: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، قال: حدثنا عبدالرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ، قال: حدثنا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بنِ عبداللهِ، عَنْ أَبِي عبدالرَّحْمَنِ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ طَلَعَ رَاكِبَانِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.

ورواه الدولابي في «الكنى والأسماء» (1/125) قال: حدثنا أحمد بن عبدالجبار، قال: حدثنا يونس بن بُكير، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (22/289) عن مُوسَى بن عِيسَى بن الْمُنْذِرِ، قال: حدثنا أَحْمَدُ بن خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، قال: حدثنا محمد بن إِسْحَاقَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، به.

ورواه القاضي أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل المحاملي في «آماليه» (ص373) عن يوسف بن موسى القطّان، عن عبدالرحمن بن مغراء، عن محمد بن اسحاق، به.

قلت: فهذا الحديث تفرد به ابن إسحاق عن يزيد بهذا الإسناد.

وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/18) وقال: "رواه البزار والطبراني، وإسناده حسن".

ثم ذكره مرة ثانية (10/67) وقال: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، وقد صرّح بالسماع".

وذكره الألباني في «صحيحته» برقم (3432).

وقال شعيب الأرنؤوط ورفاقه في تعليقهم على «المسند» حديث رقم (17388): "إسناده حسن، من أجل محمد بن إسحاق، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين، غير أن صحابي الحديث لم يخرج له سوى ابن ماجه، وكان أبو عبدالرحمن هذا نزل مصر، وهو غير عقبة بن عامر، فوقوع حديثه في مسند عقبة ذهول".

وقال ابن حجر في «الأمالي المطلقة» (ص43) بعد أن خرّجه من طريقين عن ابن إسحاق: "هذا حديثٌ حسنٌ. أخرجه أحمد وابن أبي شيبة في مسنديهما جميعاً عن محمد بن عبيد عن محمد بن إسحاق، فوقع له بدلاً عالياً. ورجاله موثقون، وقد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث في رواية محمد بن عبيد أيضاً، وتابعه عليه ابن لهيعة عن يزيد إلا أنه أبهم الصحابي. وأبو عبدالرحمن الجهني لا يُعرف اسمه، وهو من الصحابة الذين نزلوا مصر، وأخطأ من زعم أنه عقبة بن عامر..".

ثم قال: "وله شاهد"، وساقه من طريق طلحة بن عمرو، عن نافع قال: «جاء رجل إلى ابن عمر فقال: يا أبا عبدالرحمن، رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعينكم هذه، قال: نعم، قال: وكلمتموه بألسنتكم هذه، قال: نعم. قال: وبايعتموه بأيمانكم هذه، قال: نعم، قال: طوبى لكم، فقال ابن عمر: ألا أخبرك بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني ثلاث مرات».

قال ابن حجر: "هذا حديث غريب! ورجاله مخرج لهم في الصحيح إلا طلحة بن عمرو ففيه مقال، وله شاهد من حديث أبي أمامة".

ثم ساقه وقال: "هذا حديث حسن، أخرجه أحمد بن حنبل وأحمد بن منيع في مسنديهما جميعاً عن يزيد بن هارون عن همام، فوقع لنا بدلاً عالياً، وأيمن وقع هكذا غير منسوب، وقد قيل: إنه ابن مالك الأشعري، ولا يعرف حاله مع ذلك، ولكن يقوي الحديث بشواهده، فقد أخرجه أحمد أيضاً من حديث أبي سعيد، وأبو يعلى من حديث أنس، والطبراني من حديث عبدالله بن بسر وأسانيدها يقوي بعضها بعضاً، والله أعلم".

قلت: المسألة هنا ليست في تصريح ابن إسحاق بالسماع إن كان حقيقة صرّح بذلك! فهو قد تفرد بذكر "أبي عبدالرحمن الجهني"! ولم يتابعه على ذلك أحد، وهو ضعيف في الحديث، ولا يُقبل تفرده.

والحديث السابق (الحديث الأول) قد وهم في ذكر هذا الرجل، وهنا تفرد بذكره!

والعجب من ابن حجر أنه قال بأن ابن لهيعة قد تابعه عليه إلا أنه أبهم الصحابي! وقدم رواية ابن إسحاق!!

نعم لم يأت في رواية ابن لهيعة اسم الصحابي، وكذلك لا نعرف أن الذي حدّث أبا الخير صحابي، وبما أن هذا الحديث مصري فإننا نقدّم رواية ابن لهيعة على رواية ابن إسحاق؛ لأنه هو الذي سمى هذا الرجل، وقد سبق أنه أخطأ في حديث مثله، فلا يقبل هذا منه.

وحديث ابن لهيعة رواه ابن أبي عمر العدني في «مسنده» (كما في المطالب العالية: 17/108) قال: حدثنا المقرىء، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: إن أبا الخير أخبره: أن رجلاً من جهينة أخبره: أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليهما، فقال: مذحجيان أو كنديان، فذكر نحوه.

ورواه ابن حجر في «الأمالي المطلقة» (ص44-45) من طريق إسحاق بن أحمد بن نافع، محمد بن يحيى بن أبي عمر، عن عبدالله بن يزيد المقرىء، عن ابن لهيعة، به.

فالرجل الذي حدّث بهذا الحديث مبهم، ولا يُقبل قول ابن إسحاق في تسميته، فالحديث حديث ابن لهيعة، وابن لهيعة - وإن كان ضعيفاً أيضاً إلا أنه أحسن حالاً من ابن إسحاق، وقد رجحنا حديثه هنا لأنه مصري، والحديث مخرجه مصري، وابن لهيعة من المكثرين جداً، فيستفاد من حديثه ولا يُطرح بالكلية.

وعليه فإن هذا الحديث ضعيف، وبهذا لم يثبت أي حديث يؤيد صحبة «أبي عبدالرحمن الجهني»!!

والذي أراه أنه لا وجود له أصلاً، وإنما جاء وجوده من طريق ابن إسحاق، ولا يُعتمد عليه في ذلك. وكل من أثبت وجوده اعتمد على الحديثين السابقين، وقد تبين لنا عدم صحتهما.

فأبو عبدالرحمن الجهني ليس هو عقبة بن عامر، وليس هو القيني، وإنما هو شخصية وهمية، والله تعالى أعلم.

وأما تقوية ابن حجر بتلك الشواهد الواهية فهذا من الاختلاف في المنهج بين المتقدمين وكثير من المتأخرين في الميل إلى تقوية كثير من الأحاديث بكثرة المتابعات والشواهد، وليس هذا مكان تفصيل ذلك، وإن أبى كثير من المعاصرين إلا الطعن في هذا التفريق الذي عليه الأدلة، والله المستعان.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد الحايك.

12 محرم 1433هـ.

 

شاركنا تعليقك