الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

كيف يقع الوهم للإمام البخاريّ في الشاميين؟!

كيف يقع الوهم للإمام البخاريّ في الشاميين؟!

ووهم له في «التاريخ الكبير»!

بقلم: خالد الحايك

الإمام البخاريّ أمير المؤمنين في الحديث، وهو ناقد عظيم، ولكن نبّه بعض أهل العلم على أنه يقع له بعض الأوهام في الرواة الشاميين، وذلك لأسباب سنذكرها فيما بعد إن شاء الله.

قال البخاري في «التاريخ الكبير»، (باب عبّاس) (7/7): "عبّاس بن سلام بن أبي سلام الحبشي، الشامي، أخو معاوية، عن جدّه أبي سلام. روى عنه محمد بن مهاجر".

قلت: هذا وهم منه - رحمه الله - ولا يوجد لمعاوية أخ اسمه عبّاس! نبّه على ذلك ابن عساكر.

قال في «تاريخ دمشق» (26/265) بعد أن ساق كلام البخاري: "هكذا ذكره البخاري، وهو وهم، وهذا هو العباس بن سالم الذي تقدم ذكره (26/249)، ولا أعرف لمعاوية أخاً إلا زيد بن سلام، والله أعلم".

قلت: يروي عنه محمد بن مهاجر حديثه عن أبي سلام الحبشي في الحوض.

روى الطيالسي في «مسنده» (ص133) قال: حدثنا أبو عتبة، عن محمد بن المهاجر، عن عباس بن سالم: أن ابن عبدالعزيز بعث إلى أبي سلام الحبشي، وحمل على البريد حتى قدم عليه، فقال: إني بعثت إليك أشافهك بحديث ثوبان في الحوض، فقال أبو سلام: سمعت ثوبان يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن حوضى من عدن أبين الى عمان البلقاء، أكوابه مثل عدد نجوم السماء، ماؤه أحلى من العسل - أو قال: أشد بياضاً من اللبن، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، أول من يرده عليّ فقراء أمتى)).

قلت: فكأن الذي حصل للإمام البخاري أنه كان في النسخة التي اعتمد عليها خلل، وكان - رحمه الله - تحصل له الأوهام في الشاميين؛ لأنه كان يعتمد على نسخ أهل الشام التي في أصولها بعض الغلط.

فكأنه كان في النسخة: "محمد بن مهاجر عن عباس بن سلام بن أبي سلام عن أبي سلام"!!

فتحرّف فيها: "سالم" إلى "سلام"، وسقط منه: "عبدالعزيز بعث إلى"، فصارت: "سالم بن سلام ابن أبي سلام عن أبي سلام".

وعباس بن سالم ذكره البخاري قبل عباس بن سلام.

قال: "عباس بن سالم: سمع أبا إدريس، قاله إبراهيم بن المنذر عن الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن عباس بن سالم: سمع أبا إدريس قال: (ما رأيت فنسيت فإني لم أنس عبدالله بن مسعود قائماً على درجة كنيسة دمشق يحدّثنا بالأحاديث)، أراه عباس اللخمي".

ثم ذكر: "عباس بن سلام بن أبي سلام الحبشي الشامي، أخو معاوية، عن جده أبي سلام، روى عنه محمد بن مهاجر"!!

ولم يذكر أبو حاتم ولا ابنه ولا ابن حبان "عباس بن سلام بن أبي سلام"، مع أنهم يعتمدون على كتاب البخاري، ولم ينبهوا على وهم البخاري! فلعله كان عندهما نسخة من التاريخ لم تكن فيها هذه الترجمة، وألحقها البخاري لاحقاً في كتابه بعد أن وقف على الحديث الذي ذكرناه آنفاً.

أما أبو حاتم فمن المعروف أنه اعتمد نسخة قديمة سقيمة من التاريخ، وأما ابن حبان، فلعله عندما بدأ تصنيف كتابه اعتمد على النسخة نفسها التي اعتمد عليها أبو حاتم وابنه، والله أعلم.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/214): "عباس بن سالم، روى عن أبي إدريس الخولاني ومدرك بن عبدالله الأزدي، روى عنه: محمد بن مهاجر الأنصاري، سمعت أبي يقول ذلك. وروى عن أبي سلام الأسود صاحب أبي أمامة وثوبان".

وقال ابن حبان في «الثقات» (7/276): "عباس بن سالم اللخمي، يروي عن أبي إدريس الخولاني، روى عنه: محمد بن مهاجر الشامي، وهو الذي روى عنه أخوه عمرو بن مهاجر عن أبي سلام الأسود عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم: حوضي ما بين عدن إلى عمان البلقاء".

·              كلام ابن عُقدة وغيره في وقوع الغلط للبخاري في الشاميين، وكيف يقع له ذلك:

روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (58/90) من طريق أبي عبدالله الحاكم النيسابوري، قال: سمعت أبا عمرو بن أبي جعفر يقول: سمعت أبا العباس بن سعيد بن عقدة - وسألته عن محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري، أيهما أعلم؟ فقال: "كان محمد بن إسماعيل عالماً، ومسلم عالم. فكررت عليه مراراً، وهو يجيبني بمثل هذا الجواب، ثم قال لي: "يا ابا عمرو، قد يقع لمحمد بن إسماعيل الغلط في أهل الشام، وذاك أنه أخذ كتبهم فنظر فيها، فربما ذكر الواحد منهم بكنيته ويذكره في موضع آخر باسمه، ويتوهم أنهما اثنان، فأما مسلم فقلَّ ما يقع له الغلط؛ لأنه كتب المسانيد ولم يكتب المقاطيع والمراسيل".

وروى ذلك الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (13/102) قال: حُدّثت عن أبي عمرو محمد بن أحمد بن حمدان الحيري، قال: سمعت أبا العباس بن سعيد بن عقدة وسألته عن محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري، أيهما أعلم، مثله.

فتعقبه الخطيب بقوله: "قلت: إنما قفا مسلم طريق البخاري ونظر في علمه وحذا حذوه، ولما ورد البخاري نيسابور في آخر أمره لازمه مسلم وأدام الاختلاف إليه"، ثم ساق عن أبي الحسن الدارقطني قال: "لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء"، وساق عن أبي حامد أحمد بن حمدون القصار قال: "سمعت مسلم بن الحجاج - وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري، فقبَّل بين عينيه وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله".

قلت: لا شك في أن البخاري أعلم بالحديث من الإمام مسلم وخاصة في علم العلل والرّجال، وتعليل ابن عقدة في أن مسلماً لم يقع فيما وقع فيه البخاري لأنه كتب المسانيد ولم يكتب المقاطيع والمراسيل تعليل لا يصح؛ لأن الذي يكتب المقاطيع والمراسيل يكون أعلم ممن لم يكتبها وإن وقع له الوهم في ذلك؛ ولم يتنبه ابن عقدة إلى أن الإمام مسلماً يتبع البخاري في كتابه في الكنى والأسماء ويحذو حذوه فيه.

وما ذكره ابن عقدة أن الغلط يحصل له بذكره الواحد منهم بكنيته ثم يذكره مرة أخرى باسمه، متوهماً أنهما اثنان يحتاج إلى تتبع ودراسة؛ لأن الكنى عند البخاري منفصلة عن كتابه، وهي لا شك جزء منه، وذكره الراوي باسمه، ثم إعادته في الكنى لا يدل على أنه توهم أنهما اثنان، بل قد يكون تنبيه منه أن هذا الراوي قد يُذكر بكنيته سيما إذا كان مقلاً في الرواية.

والملاحظ أن ابن عقدة ذكر نوعاً واحداً لأوهام البخاري في الشاميين، وكان ينبغي لابن عقدة أن يدلل على ما ذكره بأمثلة. وأوهام البخاري في الشاميين قليلة جداً.

والذي نحن بصدده هنا لا يدخل فيما ذكره ابن عقدة، وإنما هو نوع آخر، وهو ما يكون الغلط فيه في أصول الشاميين أنفسهم، فيتبعهم البخاري عليه.

قال الذهبي في «تاريخ الإسلام» في ترجمة ((خالد بن اللجلاج العامري، أبي إبراهيم الدمشقي)): "وقال البخاري: سمع من عمر، والبخاري ليس بالخبير برجال الشام، وهذه من أوهامه".

وقال الذهبي أيضاً في ترجمة ((القاسم أبي عبدالرحمن الدمشقي مولى عبدالرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية)): "وذكر البخاري في تاريخه: أنه سمع علياً وابن مسعود، فوهم".

قلت: فكأنه وقع له في أصول بعض الشاميين حديثاً فيه سماع خالد بن اللجلاج من عمر، فذكره، وكذلك الحال فيما ذكره في سماع القاسم من علي وابن مسعود، والله أعلم.

وقال ابن رجب الحنبلي في «جامع العلوم والحِكَم» (ص259) وهو يشرح حديث العِرباض بن سارية المشهور: "وقد ذكر البخاري في تاريخه: أن يحيى بن أبي المطاع سمع من العرباض اعتماداً على هذه الرواية إلا أن حفاظ أهل الشام أنكروا ذلك! وقالوا: يحيى بن أبي المطاع لم يسمع من العرباض ولم يلقه، وهذه الرواية غلط، وممن ذكر ذلك زرعة الدمشقي وحكاه عن دُحيم، وهؤلاء أعرف بشيوخهم من غيرهم، والبخاري - رحمه الله - يقع له في تاريخه أوهام في أخبار أهل الشام".

قلت: والمقدَّم في أهل الشام ابن عساكر، وهو الذي نبه على وهم الإمام البخاري في الترجمة التي نتكلم عليها.

قال الإمام الذهبي في «تاريخ الإسلام»: وقرأت بخط عمر بن الحاجب، قال: حَكى لي من أثق به أنَّ الحافظ عبدالغني قال: "الحافظ ابن عساكر برجال الشام أعرف من البخاري لهم، وندم على ترك السماع منه ندامةً كليّة".

·       وهم للإمام البخاري! ومتابعة مسلم وابن حبان له!

ذكر البخاري في «التاريخ الكبير» في «باب حسّان» (3/35)، قال: "حَسَّانُ بنُ وَبْرَةَ أَبُو عُثْمَانَ النِّمِرِيُّ - قَاله إِسْحَاقُ عَنْ سَهْلٍ. وَقال مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بنُ شُرَاحِيلَ: سَمِعْتُ حَسَّانَ بن وَبْرَةَ الْمُرِّيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تزل عِصَابَةٌ بِدِمَشْقَ ظَاهِرِينَ".

وتبعه على ذلك ابن حبان فقال في «الثقات» (4/165): "حسان بن وبرة الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ، كُنْيَتُهُ أَبُو عُثْمَان يروي عَن أبي هُرَيْرَة روى عَنهُ عَمْرو بْن شرَاحِيل".

قلت: كذا فيه: "البصري"!! وهو خطأ! وكذلك قوله: "المزني" خطأ!

قال ابن عساكر في «تاريخه» (15/370): "حيّان، ويُقال: حسان بن وبرة أبو عثمان المري، ويقال: النمري، صاحب أبي بكر الصديق. حدّث ببيروت عن أبي هريرة، روى عنه عمرو بن شراحيل العنسي".

ثمّ ساق كلام البخاري من تاريخه، ثمّ قال: "كذا أخرجه البخاري في باب حسان وأخطأ فيه في ثلاثة مواضع: في قوله (حسان) وهو حيان، وفي قوله (النمري) وهو المري كما ترجمناه، والله الموفق".

قلت: ذكر ابن عساكر أن البخاري أخطأ فيه في ثلاثة مواضع! ولم يذكر سوى موضعين.

ولكن جاء في «مختصر تاريخ دمشق» (7/291) لابن منظور عن ابن عساكر: "كذا أخرجه البخاري في باب حسان. وأخطأ فيه في ثلاثة مواضع: قوله: حسان، وهو حيان، وقوله: النمري والمزني، وهو المري".

قلت: لكن لم يذكر البخاري "المزني"! فكيف نقول إنه أخطأ فيه! فقول ابن عساكر أنه أخطأ فيه في ثلاثة مواضع خطأ، والصواب أن يقول: "أخطأ في موضعين".

وقد نقل ابن عساكر أيضاً من كتاب الإمام مسلم في «الكنى» من رواية أبي سعيد بن حمدون، عن مكي بن عبدان قال: سمعت مسلم بن عبدان، قال: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: "أبو عثمان حسان بن وبرة النمري عن أبي هريرة، روى عنه عمرو بن شرحبيل".

قال ابن عساكر: "كذا قال ومسلم يتبع البخاري في أكثر ما يقول، وأهل الشام أعلم به من غيرهم".

قلت: كذا نقل ابن عساكر من كتاب مسلم، وفي المطبوع من كتاب مسلم في «الكنى والأسماء» ترجمة رقم (2197): "أبو عثمان حيان بن وبرة الدهري، عن أبي هريرة، روى عنه عمرو بن شراحيل".!

فلا أدري هل هكذا في الأصل أم صحح ذلك محقق الكتاب!!

والأشبه أن الأصل كما ذكره ابن عساكر فهو من أهل الضبط في ذلك، وكذا وقع في كتاب الذهبي «المقتنى في سرد الكنى» (ص388): "حسان بن وبرة النمري عن أبي هريرة".

والذهبي اعتمد في ذلك على كتاب مسلم، والله أعلم.

·       استدراك أبي حاتم وأبي زرعة على البخاري والاستدراك عليهما!

ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة في استدراكهما على البخاريّ في «بيان خطأ البخاري في تاريخه» (ص33): "حسان بن وبرة أبو عثمان النمري، قاله إسحاق عن سهل، وقال محمد بن شعيب: أخبرني عمرو بن شراحيل: سمع حسان بن وبرة المزني عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إنما هو المقري.

وهو موقوف، وابن شعيب يقفه عنه قوم، ويرفعه عنه عبيد بن حبان الجبيلى، والموقوف أصح".

قلت: كذا استدركا على البخاريّ في نسبة الراوي، وإن صحّ ما أثبته المحقق المعلمي - رحمه الله -: "المقري" فاستدراكهما خطأ!! لأن الصواب هو: "المريّ".

وكان الأصل أن يستدركوا عليه في اسم الراوي، فقد ذكر عبدالرحمن بن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/245) على الصواب، وقد أخطأ فيه البخاري!

قال ابن أبي حاتم: "حيان بن وبرة المري، نزيل بيروت روى عن أبي هريرة، روى عنه عمرو بن شراحيل العنسي، سمعت أبي يقول ذلك".

وقد أصاب أبو حاتم هنا أيضاً في نسبه: "المري".

والخلاصة أن هذه الأخطاء التي تقع للبخاري - رحمه الله - في تراجم الشاميين؛ لأنه كان يعتمد أصول الشاميين ونسخهم، وكان فيها أخطاء وتصحيفات وتحريفات.

وكتب: خالد الحايك.

19/1/2011.

 

شاركنا تعليقك