الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

هل هناك راو اسمه: «عمر بن العلاء»؟ وهل حصل وهم في الإسناد الذي أخرجه البخاري من طريقه، كما قال بعض أهل العلم؟

هل هناك راو اسمه: «عمر بن العلاء»؟ وهل حصل وهم في الإسناد الذي أخرجه البخاري من طريقه، كما قال بعض أهل العلم؟

وهل علّق البخاريّ رواية لـ «عبد بن حُميد»، بقوله: "وقال عبدالحميد"! فإن صحّ ذلك، فهل أراد تدليس اسمه؟ وهل اسمه: "عبدالحميد"؟ وماذا أراد البخاري بهذا التعليق؟

بقلم: خالد الحايك. 

 

قال البخاري في «صحيحه»، باب علامات النبوة في الإسلام، (3/1313): حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى بن كثير أبو غسّان، قال: حدثنا أبو حفص - واسمه عمر بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء - قال: سمعت نافعاً ـ عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع؛ فأتاه، فمسح يده عليه)).

وقال عبدالحميد: أخبرنا عثمان بن عمر: أخبرنا معاذ بن العلاء، عن نافع بهذا.

· هل عمر بن العلاء هو نفسه معاذ بن العلاء؟ وهل حصل وهم في إسناد حديثه؟

قلت: هكذا جاء في رواية البخاري عن محمد بن المثنى: اسم أبي حفص: "عمر"، فأراد البخاري بالتعليق الذي أورده بعد أن ساق الحديث أن يبين أن أخاه "معاذ بن العلاء" رواه أيضاً عن نافع، ولم يُرد أن يبين أن هناك اختلاف في إسناد هذا الحديث، مع أن بعض أهل العلم رجّحوا أن اسم عمر خطأ، والصواب: "معاذ"!

والبخاري - رحمه الله - أراد من هذا التعليق أن يبعد الغرابة عن هذا الحديث؛ لأن التفرد عن نافع من رجل ليس بمشهور في أصحابه يُثير الغرابة، وسيأتي أن الترمذي صححه ولكن حكم عليه بالغرابة؛ لأنه يرى أن عمر بن العلاء هو نفسه معاذ، وليس بصحيح.

ولكن هذه التسمية الواردة في الإسناد هل هي من تصرف البخاري أو من شيخه؟! وهل هي صحيحة؛ لأن بعض الأئمة خرّجوه دون هذه التسمية؟!

رواه اللالكائي في «اعتقاد أهل السنة»، (4/797) من طريق محمد بن هارون الروياني قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان قال: حدثنا أبو حفص بن العلاء قال: سمعت نافع يحدِّث عن ابن عمر، فذكره.

ورواه ابنُ قانع في «معجم الصحابة»، (2/83) قال: حدثنا عبيد بن الحكم القزاز - بالبصرة - قال: أخبرنا عبدالله بن رجاء، قال: أخبرنا أبو حفص بن العلاء، عن نافع، عن ابن عمر، به.

ورواه البيهقي في «الاعتقاد» (ص270) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن فهد الهاشمي، قال: حدثنا عبدالله بن رجاء، قال: حدثنا أبو حفص بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء، فذكره بإسناده ومعناه.

قال ابن حجر في «الفتح» (6/602): "والظاهر أنه - أي البخاري - هو الذي سمّاه وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بُندار عن يحيى بن كثير فقال: حدثنا أبو حفص بن العلاء، فذكر الحديث، ولم يُسمه، وقد تردد الحاكم أبو أحمد في ذلك، فذكر في ترجمة أبي حفص في الكنى هذا الحديث فساقه من طريق عبدالله بن رجاء الغداني: حدثنا أبو حفص بن العلاء، فذكر حديث الباب، ولم يقل اسمه ((عمر))، ثم ساقه من طريق عثمان بن عمر عن معاذ بن العلاء، به، ثم أخرج من طريق معتمر بن سليمان عن معاذ بن العلاء أبي غسان قال، وكذا ذكر البخاري في التاريخ: أن معاذ بن العلاء يكنى أبا غسان، قال الحاكم: فالله أعلم أنهما أخوان: أحدهما يسمى عمر، والآخر يسمى معاذاً وحدّثا معاً عن نافع بحديث الجذع أو أحد الطريقين غير محفوظ؛ لأن المشهور من أولاد العلاء أبو عمرو صاحب القراءات وأبو سفيان ومعاذ، فأما أبو حفص عمر فلا أعرفه إلا في الحديث المذكور، والله أعلم. قلت: وليس لمعاذ ولا لعمر في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع، وأما أبو عمرو بن العلاء فهو أشهر الإخوة وأجلهم، وهو إمام يجود القراءات بالبصرة وشيخ العربية بها، وليس له أيضاً في البخاري رواية ولا ذكر إلا في هذا الموضع، واختلف في اسمه اختلافاً كثيراً، والأظهر أن اسمه كنيته، وأما أخوه أبو سفيان بن العلاء فأخرج حديثه الترمذي".

وكذا قال العيني في «عمدة القاري» (16/127)، وهو مما أخذه من كتاب ابن حجر كعادته في استعارة كلامه!!

· رأي ابن حجر في تسمية هذا الراوي وتردده في ذلك، ومتابعته للمزي!

قلت: رأى ابن حجر هنا أن الذي سماه: "عُمر" هو البخاري، وقال في موضع آخر أن ذلك قد يكون وهماً من ابن المثنى! وتبع في ذلك الحافظ المزي!

قال المزي في «تهذيب الكمال» (21/476): "ورواه الترمذي عن عمرو بن علي عن عثمان بن عمر ويحيى بن كثير جميعاً عن معاذ بن العلاء، فقد اختلفوا على يحيى بن كثير فيه إن كان محمد بن المثنى قد حفظه عنه، وإلا فالوهم فيه من محمد ابن المثنى، والله أعلم، والصحيح معاذ بن العلاء، قاله أحمد بن حنبل والدارقطني وغير واحد، وكذلك رواه وكيع وغير واحد عن معاذ بن العلاء، وليس له من المسند فيما قيل غير هذا الحديث الواحد، ولم يذكر البخاري عمر بن العلاء هذا في التاريخ".

قلت: أما رواية الترمذي فسيأتي تحقيقها إن شاء الله تعالى. وعدم ذكر البخاري له في التاريخ لا يعني أنه غير موجود، فهناك كثير من الرواة لم يذكرهم البخاري في تاريخه.

قال ابن حجر في «التهذيب» (7/428): "فيحتمل أن يكون محمد بن المثنى وهم فيه، فقد قال أحمد والدارقطني وغير واحد أن الصواب: معاذ بن العلاء".

· اختلاف أهل العلم في ذكر إخوة أبي عمرو بن العلاء:

قلت: اختلف أهل العلم في ذكر هؤلاء الإخوة: فمنهم من جعلهم ثلاثة، ومنهم من جعلهم أربعة، ومنهم من جعلهم خمسة:

فقال ابن معين في «التاريخ» (رواية عباس الدوري) (4/277): "أبو حفص بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء".

وقال (4/267): "معاذ بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء، ولهم أخ آخر: هو أبو سفيان بن العلاء، وهؤلاء ثلاثة إخوة".

وقال أيضاً: "أبو عمرو بن العلاء ثقة. وأبو سفيان بن العلاء، ومعاذ بن العلاء إخوة أبي عمرو بن العلاء، يروي عن أبي سفيان بن العلاء ومعاذ بن العلاء: وكيع، يروي عنهما جميعاً".

وقال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال»، (2/15): قال أبي: قال وكيع: "معاذ بن العلاء أبو غسان أخ لأبي عمرو بن العلاء".

وقال أحمد بن موسى بن مجاهد: "أبو سفيان بن العلاء، وأبو عمرو بن العلاء، وأبو حفص بن العلاء، ومعاذ بن العلاء، وسُنْسُن بن العلاء بن العريان، إخوة" (معرفة علوم الحديث للحاكم: ص155). [في مطبوع كتاب الحاكم: سِنبِس، كذا! وهو خطأ، والصواب ما ضبطه كما سيأتي إن شاء الله تعالى].

وقال النسائي في «كتاب الإخوة»: "أربعة إخوة: معاذ، وأبو عمرو، وأبو سفيان، وعمر، بنو العلاء".

· محمد بن المثنى لم يَهِم في إسناد الحديث، وقد ضبط اسم الراوي وكنيته:

قال أبو داود في كتاب «الإخوة» (ص245): "أبو عمرو بن العلاء، وأبو سفيان بن العلاء، ومعاذ بن العلاء"، ثم قال: "وحدَّث الأنصاري عن عمر بن العلاء، قال: أخو أبي عمرو بن العلاء: رأيت كنيته في كتابه: أبو حفص".

قلت: فهذا نصٌّ قاطع من أبي داود أن من سماه: "عمر" الأنصاري، وهو محمد بن المثنى. وبهذا برأ البخاري من عهدة التسمية، وكذلك نصّ على أنه في كتابه: كنيته: "أبو حفص".

وقد ضبط ابن المثنى اسمه وكنيته.

· رأي للذهبي فيه تناقض!

وقال الذهبي في «المنتقى في سرد الكنى» (ص191): "أبو حفص بن العلاء، يُقال: عمر أخو أبي عمرو، عنه عبدالله بن رجاء ويحيى بن كثير العنبري، وقيل: معاذ بن العلاء. لا، بل هو أخ لهم يكنى أبا غسان، ورابعهم أبو سفيان".

وخالف في «الكاشف» (2/67) فقال: "عمر بن العلاء المازني أخو أبي عمرو عن نافع، وعنه يحيى بن كثير، كذا في الصحيح، والأصح معاذ بن العلاء".

قلت: أكثر أهل العلم أنهم ثلاثة، وتفرد أحمد بن موسى بن مجاهد بزيادة خامس اسمه: "سُنْسُن بن العلاء بن العريان"!

والصواب أن سُنْسُن هو أبو سفيان نفسه.

قال ابن حبان في «الثقات» (6/345): " وكان يُقال لأبي سفيان: سُنْسُن".

وقال ابن ماكولا في «الإكمال» (4/417): "وأما سُنْسُن، السين الأولى مضمومة وبعدها نون ساكنة ثم سين مهملة مضمومة، فهو سنسن لقب لأبي سفيان بن العلاء واسمه العريان، وهو أخو أبي عمرو بن العلاء، ولهما أخوان: معاذ وعمر".

· الاختلاف في النقل عن ابن مجاهد بين الحاكم وابن عساكر!

ونقل ابن عساكر في «تاريخه» (67/105) قول ابن مجاهد: "كان ولد العلاء بن عمار أربعة: أبو سفيان واسمه شقيق بن العلاء، ومعاذ بن العلاء، وأبو حفص عمر بن العلاء، وأبو عمرو زبان بن العلاء، وكان آخرهم موتاً أبو عمرو بن العلاء".

فلم يذكر فيهم: "سنسن" كما نقل الحاكم عنه، وما نقله ابن عساكر أشبه بالصواب؛ لأن سُنسن هو لقب لأبي سفيان.

ونقل المزي في «تهذيب الكمال» (34/123) عن أبي بكر بن مجاهد المقرئ، قال: أخبرني أبو عبدالله بن شارك، أحسبه عن أبي محمد القصَّاص، قال: "كان ولد العلاء بن عمار أربعة نفر، فمنهم: أبو سفيان واسمه شقيق بن العلاء، ومعاذ بن العلاء، وأبو حفص عمر بن العلاء، وأبو عمرو زَبَّان بن العلاء، وكان آخرهم موتاً أبو عمرو بن العلاء".

قلت: ومن زاد رابعاً وهو: "عمر"، فإنه زاده تبعاً لهذه الرواية التي رواها محمد بن المثنى، وقد رأى بعض أهل العلم أن الصواب في الإسناد: "معاذ بن العلاء"، لا: "عمر بن العلاء".

قال أبو الحسن الدارقطني: "سمّاه البخاري عمر، وإنما هو معاذ". فجعله واحداً. وإلى هذا ذهب الذهبي، ومال إليه ابن حجر.

· الراجح وجود أخ رابع اسمه: "عمر بن العلاء" لاختلاف كنيته عن كنية أخيه معاذ:

قال الكلاباذي في «رجال صحيح البخاري» (2/513): "عمر بن العلاء بن عمار أبو حفص، أخو أبي عمرو بن العلاء ومعاذ بن العلاء، البصري: سمع نافعاً مولى ابن عمر، روى عنه يحيى بن كثير في صفة النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال أيضاً (2/798): "يحيى بن كثير بن درهم أبو غسان العنبري مولاهم، البصري وأصله من خراسان، حدَّث عن أبي حفص عمر بن العلاء، روى عنه محمد بن المثنى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم. قال البخاري: مات بعد المائتين".

والصواب - إن شاء الله - أنه أخ رابع لهم؛ لأن كنيته: "أبو حفص"، وكنية معاذ: "أبو غسّان" كما صرّح وكيع، وهو شيخه.

فلو قلنا: إن الصواب في الإسناد: "معاذ"، لا "عمر"، فهذا يعني أن لمعاذ كنية أخرى: "أبو حفص"، وهذا لم ينص عليه أحد من الأئمة، ولو كان كذلك لقاله وكيع لأنه نصّ على أن كنيته "أبو غسان" فقط.

ومن ذهب إلى أنهما واحد ينبغي له أن يخطئ من ذكر بأنه: "أبو حفص"، وهذا بعيدٌ أيضاً؛ لأن يحيى بن كثير وعبدالله بن رجاء كنياه: "أبو حفص"، فافترق عن أخيه معاذ أبي عسان.

وقد سبق أن أبا أحمد الحاكم ساق من طريق معتمر بن سليمان عن معاذ بن العلاء أبي غسان، ثم قال: "وكذا ذكر البخاري في التاريخ: أن معاذ بن العلاء يكنى أبا غسان".

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/365): "معاذ بن العلاء بن عمّار أبو غسان عن أبيه عن جدّه. سمع سعيد بن جبير، روى عنه وكيع وسلم بن قتيبة".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/248): "معاذ بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء النحوي، وهو ابن العلاء بن عمّار، أبو غسان، روى عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه، وروى عن سعيد بن جبير ونافع، روى عنه أبو عبيدة الحداد ووكيع وعثمان بن عمر وسلم بن قتيبة وأبو عاصم النبيل، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال الإمام مسلم في «الكنى والأسماء» (1/663): "أبو غسان معاذ بن العلاء بن عمار عن أبيه، روى عنه وكيع وسلم بن قتيبة".

وقال ابن حبان في «الثقات» (7/482): "معاذ بن العلاء بن عمار أخو أبي عمرو بن العلاء، يروي عن نافع وسعيد بن جبير، روى عنه أبو عبيدة الحداد ووكيع، وكنيته أبو غسان".

وقال أيضاً (6/345): "أبو عمرو بن العلاء صاحب القراءات، اسمه: زبان بن العلاء بن عمار بن حُصين بن جَلْهم بن مازن بن خُزاعي، من أهل البصرة، وهم إخوة أربعة: أبو عمرو، وأبو سفيان، ومعاذ، وعمر، فأكبرهم سناً أبو عمرو، ثم أبو سفيان، وكان يُقال لأبي سفيان: سُنْسُن، ثم معاذ، ثم عمر، فأما أبو عمرو فله نحو خمسين حديثاً، فأما أبو سفيان فما له إلا حديثاً واحداً عن الحسن عن عبدالله بن المغفل: (لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها). حدثنا أبو خليفة قال: حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال: حدثنا سعيد بن عبيد قال: كنا في جنازة أبي سفيان ومعنا شعبة، فقال شعبة: حدثني صاحب هذه الجنازة، قال: قلت للحسن: من حدثك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها))؟ فقال: حدثني والله الذي لا إله إلا هو عبدالله بن المغفل في هذا المسجد، وأوما إلى مسجد الجامع بالبصرة، وأما معاذ بن العلاء فلست أحفظ له إلا حديثين: حديث الجذع وحديث الغسل يوم الجمعة، رواهما جميعاً عن نافع عن ابن عمر، وعمر بن العلاء لا حديث له، ومات أبو عمرو بن العلاء في طريق الشام سنة أربع وخمسين ومائة وله بالبصرة عقب".

قلت: بل لعمر حديث الجذع رواه عن نافع أيضاً.

· تعقب صاحبي التحرير لابن حجر!

قال ابن حجر في «التقريب» (ص416): "عمر بن العلاء المازني البصري، أخو أبي عمرو، مقبول، من السابعة. وقيل: الصواب معاذ بن العلاء".

قال صاحبا «التحرير» (3/81): "هو معاذ بن العلاء، كما قال أحمد والدارقطني وغير واحد، والظاهر أن محمد بن المثنى توهم فيه، كما بيّنه المزي مفصلاً في تهذيب الكمال" انتهى.

قلت: بل ليس هو كما فصلته - بحمد الله -.

وقول ابن حجر لم يخرج عن كلام المزي حتى يشير إليه صاحبا التحرير! وكأن ابن حجر خالفه، فهو يعلم ما قاله المزي ونقله في التهذيب وهنا في التقريب بقوله: "وقيل: الصواب معاذ بن العلاء".

ولكن حب المخالفة وتعقب ابن حجر جعلهما يستدركان عليه أي شيء سواء بالحقّ أو بالباطل، والله المستعان.

وعبارة المزي ليس فيها جزم بأن ابن المثنى وهم فيه، وإنما قال: "إن كان محمد بن المثنى قد حفظه عنه، وإلا فالوهم فيه من محمد ابن المثنى، والله أعلم".

· هل رواية الفلاس عن يحيى بن كثير لهذا الحديث محفوظة؟ وإشارة الترمذي لغرابة الحديث!

أخرجه الترمذي في «الجامع»، باب ما جاء في الخطبة على المنبر، (2/379)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الْفَلاسُ الصَّيْرَفِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ، قَالا حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ الْعَلاءِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى أَتَاهُ فَالْتَزَمَهُ؛ فَسَكَنَ)).

قَالَ أَبُو عِيسَى: "حَدِيثُ ابنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَمُعَاذُ بنُ الْعَلاءِ هُوَ بَصْرِيٌّ، وَهُوَ أَخُو أَبِي عَمْرِو بنِ الْعَلاءِ".

ورواه الحافظ أبو القاسم الأصبهاني في «دلائل النبوة» (ص46) عن الحافظ الكبير أبي حفص عمر بن محمد بن بُجَير الهروي السمرقندي، عن عمرو بن علي، به.

وقد عوّل المزي على رواية الترمذي هذه في أن محمد بن المثنى قد يكون وهم في الرواية التي أخرجها البخاري.

قال (21/476): "ورواه الترمذي عن عمرو بن علي عن عثمان بن عمر ويحيى بن كثير جميعاً عن معاذ بن العلاء، فقد اختلفوا على يحيى بن كثير فيه إن كان محمد بن المثنى قد حفظه عنه، وإلا فالوهم فيه من محمد بن المثنى، والله أعلم، والصحيح معاذ بن العلاء قاله أحمد بن حنبل والدارقطني وغير واحد".

وقال في «تحفة الأشراف» (6/233): "وقيل: إن قوله: ((عمر بن العلاء)) وهم، والصواب: ((معاذ بن العلاء))، كما وقع في الرواية الترمذي، والله أعلم".

· من علل الجمع بين الشيوخ!

قلت: هذا الحديث غير محفوظ بهذا الجمع! وهو خطأ، أخطأ فيه عمرو الفلاس حيث جمع بين الروايتين عن عثمان بن عمر ويحيى بن كثير، فظنّ – رحمه الله – أن أبا حفص بن العلاء الذي في حديث يحيى بن كثير هو نفسه معاذ بن العلاء فساقه بالجمع بينهما.

والحديث الثابت عن يحيى بن كثير فيه: "أبو حفص بن العلاء" وسماه ابن المثنى: "عمر"، كما رواه الثقات عن ابن المثنى، ولم يروه أحد من أصحاب يحيى بهذا الذي ذكره الفلاس.

وأما الرواية عن عثمان بن عمر فهي محفوظة عن "معاذ بن العلاء".

وعليه فإن الفلاس قد أخطأ بجمعه بين الشيوخ ظناً منه أنهما واحد.

وقد رواه الحسن بن سعيد في «مسنده» (كما في تغليق التعليق: 4/53) عن عمرو بن علي عن عثمان بن عمر، به. فلم يجمع بينه وبين يحيى بن كثير! وكأن الفلاس – رحمه الله – كان أحياناً يجمع بينهما وأحياناً يرويه عن عثمان بن عمر فقط، والله أعلم.

رواه الدارمي في «سننه» (ص29) قال: أخبرنا عثمان بن عمر، قال: أخبرنا معاذ بن العلاء، عن نافع، عن ابن عمر: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر حنّ الجذع حتى أتاه فمسحه)).

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (4/390) من طريق علي بن نصر بن علي الجهضمي الحافظ عن عثمان بن عمر، به.

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/196) من طريق العباس بن محمد الدوري عن عثمان بن عمر، به.

وابن حجر في «تغليق التعليق» (4/53) من طريق عبدالله بن عبدالرحمن الحافظ عن عثمان بن عمر، به.

ورواه ابن حبان في «صحيحه» (14/435) من طريق أبي عبيدة الحداد عن معاذ بن العلاء، به.

فقد تابع الحداد: عثمان بن عمر عن معاذ بن العلاء.

· حكم الترمذي على الحديث بالغرابة!

الترمذي قد صحح الحديث؛ لأنه جاء من طرق أخرى، ولكنه حكم على هذا الإسناد بالغرابة؛ لتفرد معاذ بن العلاء به، وهو ليس من أصحاب نافع المعروفين.

والحقيقة أن عبقرية الإمام البخاري تظهر هنا بتخريجه الحديث عن أبي حفص بن العلاء ثم تعليقه لحديث أخيه معاذ لإخراج الحديث عن الغرابة، فكأنه - رحمه الله - قد علم أن بعضهم سيحكم عليه بالغرابة، فأراد أن ينفيها عنه، فلله دره من إمام ناقد بصير.

· تعامل د. بشار معروف مع هذا الحديث أثناء تحقيقه لجامع الترمذي!

قال د. بشار (1/513) (حاشية: 1): "أخرجه الدارمي (31)، والبخاري 4/237، وابن حبان (6506)، والبيهقي 3/196، وفي الدلائل 2/556 و557 و558. وانظر تحفة الأشراف 6/232 حديث (8449)، والمسند الجامع 10/145 حديث (7344). وأخرجه أحمد 2/23 و109 من طريق أبي حية الكلبي، عن عبدالله بن عمر بنحوه. وانظر المسند الجامع 10/146 حديث (7345)" انتهى.

قلت: هل هذا يسمى تخريجاً؟!

أما عَلِمَ الدكتور أن رواية البخاري عن يحيى بن كثير ليست عن معاذ بن العلاء، وإنما عن أبي حفص بن العلاء! فكيف يوهم أنه عند البخاري هكذا؟!

وهل يعلم الدكتور أن رواية الترمذي هذه معلولة بهذا الجمع، والصواب فيها: عن عثمان بن عمر عن معاذ بن العلاء؟!

ثم في أي دلائل ننظر؟! وإن كان المقصود دلائل البيهقي، لكن هناك كتب أخرى في الدلائل، وكان ينبغي عليه النص على دلائل البيهقي.

وأما الحديث الذي أخرجه أحمد فلم يتكلم عليه! وهذا من عيوب المحقق؛ لأنه لا ينبغي له أن يشير إلى الحديث دون الكلام عليه.

والحديث الذي أخرجه أحمد من طريق أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي عن أبيه عن عبدالله بن عمر، بنحوه.

وأبو جناب هذا ضعيف صاحب تدليس وحديثه مناكير.

قال ابن حبان في «المجروحين» (3/111): "وكان ممن يدلس على الثقات ما سمع من الضعفاء فالتزق به المناكير التي يرويها عن المشاهير، فوهاه يحيى بن سعيد القطان، وحمل عليه أحمد بن حنبل حملاً شديداً".

قال شعيب الأرنؤوط ورفاقه في تعليقهم على هذا الحديث (10/127): "حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي جناب - وهو يحيى بن أبي حية الكلبي -، وأبو حية - واسمه حي - في عداد المجهولين. وأخرجه بنحوه مختصراً الدارمي 1/15، والبخاري (3583)، وأبو داود (1081)، والترمذي (505)، والبيهقي في الدلائل 2/556 و557-558 من طريق نافع عن ابن عمر".

قلت: حسنوه لأنه جاء من طريق آخر عن نافع عن ابن عمر، وهذه طريقة ليست حسنة؛ لأن إسناد أبي جناب لا يعتمد في ذلك.

وكذلك فإن إشارتهم لرواية البخاري هكذا دون بيان أنه بخلاف الطرق الأخرى لا يعدّ من التخريج العلمي الدقيق.

· تعليق البخاري لرواية عثمان بن عمر عن معاذ بن العلاء:

قد بينت فيما سبق سبب هذا التعليق، ويبقى الكلام فيمن هو عبدالحميد الذي علّق عنه البخاري هذا الحديث؟!

أكثر الأئمة الحفاظ على أن عبدالحميد هذا هو: الحافظ عبدُ بنُ حُميد صاحب المسند والتفسير.

قال ابن حبان في «الثقات» (8/401): "عبدالحميد بن حميد بن نصر الكَسي، كنيته أبو محمد، وهو الذي يقال له: عبد بن حميد، يروي عن يزيد بن هارون والعراقيين، روى عنه مسلم بن الحجاج، مات سنة تسع وأربعين ومائتين، وكان ممن جمع وصنف".

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (18/527): "فقيل إنه عبد بن حميد، وقال أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات: عبدالحميد بن حميد بن نصر الكَشي، وهو الذي يقال له عبد بن حميد، وكان ممن جمع وصنف مات سنة تسع وأربعين ومئتين، وقال غيره: مات بدمشق".

وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (2/534): "عبد بن حميد بن نصر الإمام الحافظ أبو محمد الكشي، مصنف المسند الكبير والتفسير وغير ذلك، اسمه: عبدالحميد، فخفف، رحل على رأس المائتين في شبيبته... وعلّق له البخاري في دلائل النبوة من صحيحه فسماه: عبدالحميد، وكان من الأئمة الثقات، وقع المنتخب من مسنده لنا ولصغار أولادنا بعلو، مات سنة تسع وأربعين ومائتين رحمه الله تعالى".

وقال في «الكاشف» (1/676): "عبد بن حميد أبو محمد الكَسي على الأصح، وقيل: الكَشي بالمعجمة، اسمه: عبدالحميد، حافظ جوَّال ذو تصانيف... قال البخاري في دلائل النبوة: وقال عبدالحميد: حدثنا عثمان بن عمر، فهذا هو إن شاء الله".

وقال في «السير» (12/235): "هو الإمام الحافظ الحجة الجوال أبو محمد عبد بن حميد بن نصر الكَسي، ويقال له: الكشي بالفتح والإعجام، يُقال: اسمه عبدالحميد، ولد بعد السبعين ومئة... حدَّث عنه مسلم والترمذي والبخاري تعليقاً في دلائل النبوة من صحيحه، فقال: وقال عبدالحميد: حدثنا عثمان بن عمر: حدثنا معاذ بن العلاء عن نافع عن ابن عمر في حنين الجذع، فقيل: هذا هو عبد. قال أبو حاتم البستي في كتاب الثقات: عبدالحميد بن حميد بن نصر الكشي وهو الذي يقال له عبد بن حميد وكان ممن جمع وصنف مات سنة تسع وأربعين ومئتين. قلت: فأما قول من قال إنه توفي بدمشق فإنه خطأ فاحش، فإن الرجل ما رأى دمشق لا في ارتحاله ولا في شيخوخته".

وقال ابن حجر في «التغليق» (4/52): "أما حديث عبدالحميد وهو عبد بن حميد الحافظ المشهور وقد رواه عبدالله بن عبدالرحمن الحافظ عن عثمان بن عمر أيضاً".

وقال في «مقدمة الفتح» (ص233): "وعبدالحميد هذا اتفق الحفاظ على أنه عبد بن حميد الحافظ المعروف، لكني لم أجد هذا الحديث في تفسيره ولا في مسنده، والله أعلم".

وقال في «تهذيب التهذيب» (6/402): "قال البخاري في دلائل النبوة عقب حديث ابن عمر في حنين الجذع، وقال عبدالحميد: حدثنا عثمان بن عمر: حدثنا معاذ بن العلاء نافع بهذا، فقيل: إنه عبد بن حميد هذا... وقال صاحب الشيوخ النبل: مات بدمشق ولم يذكره مع ذلك في تاريخ دمشق! قلت: لعل قوله بدمشق وقع في بعض النسخ السقيمة؛ فإن أكثر النسخ ليس فيها بدمشق، وقال ابن قانع: مات بكش فلعلها كانت في النبل كذلك وتصحفت، وقرأت بخط الذهبي: لم يدخل عبد بن حميد دمشق قط، وحكى غُنجار في تاريخ بُخارى قال: كان يحيى بن عبدالغفار الكشي مريضاً فعاده عبد بن حميد فقال: لا أبقاني الله بعدك، فماتا جميعاً، مات يحيى، ومات عبد في اليوم الثاني فجأة من غير مرض، ورفعت جنازتهما في يوم واحد، وقرأت بخط محمد بن مزاحم في ظهر جزء من تفسير عبد، قال: حدثنا إبراهيم بن خريم بن خاقان سنة 309: حدثنا أبو محمد عبدالحميد بن حميد، فذكره. وقال الشيرازي في الألقاب: عبد وهو عبدالحميد بن حميد، ثم ساق عن إبراهيم بن أحمد البلخي - وهو المستملي – قال: حدثنا داود بن سليمان بن خزيمة أبو خزيمة ببخارا: أخبرنا عبدالحميد بن حميد: حدثنا يحيى بن آدم، فذكر حديثاً، وكذا ساق الثعلبي في مقدمة تفسيره بسنده إليه من طريق داود بن سليمان هذا، وكذا قال من طريق عمر بن محمد البجيري عن عبدالحميد بن حميد".

وقال في «نزهة الألباب في الألقاب» (2/12): "عبد بن حميد الكَسي، اسمه: عبدالحميد، جزم بذلك أبو القاسم ابن منده وغير واحد".

· رواية البخاري عن عبد بن حميد وتدليسه لاسمه!

قلت: الصواب إن شاء الله كما قال هؤلاء الأئمة: إن الذي علّق له البخاري هذا الحديث هو عبد بن حُميد، ويرجّحه ما رواه ابن حبان في «ثقاته» (7/342) قال: حدثنا إبراهيم بن خريم، قال: حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا قرة بن خالد السدوسي، عن أبي الزبير، عن جابر: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بصحيفة عند موته ليكتب لهم فيها شيئاً لا يضلون ولا يضلون، وكان في البيت لغط، وتكلّم عمر فرفضها)).

قلت: فهذا يدلّ على أن عبد بن حميد يروي عن عثمان بن عمر، والحديث الذي علقه البخاري لعبدالحميد عن عثمان بن عمر.

والظاهر من فِعل البخاري أنه دلّس اسمه؛ لأنه غير مشهور باسم "عبدالحميد"، وإنما هو مشهور ومعروف باسم: "عبد بن حميد"، وعدول البخاري عن هذه التسمية إلى قوله: "وقال عبدالحميد" تدليس لاسمه لا شك فيه.

وهذا يعني أن البخاري قد سمع منه، وإنما لم يذكر اسمه وروايته عنه؛ لأنه من أقرانه، ومن عادة بعض كبار أهل العلم – كالإمام البخاري- أنهم إذا كان عند الواحد منهم فائدة عن بعض أقرانه أو ممن هم أصغر منهم، واحتاجوا لذلك فإنهم يدلسون اسمه.

وهذا الذي فعله البخاري من تدليس الشيوخ، وقد دلّس البخاري عدة أسماء، منهم محمد بن يحيى الذهلي.

قال الذهبي في «السير» (12/396): "روى عنه الكثير ويدلسه".

وقال العيني في «العمدة» (14/194): "محمد بن يحيى بن عبدالله بن خالد بن فارس الذهلي أبو عبدالله النيسابوري الإمام، روى عنه البخاري في مواضع يدلسه، فتارة يقول: حدثنا محمد ولم يزد عليه، وتارة ينسبه إلى جده، فيقول: حدثنا محمد بن عبدالله".

وممن دلّس البخاري أسماءهم:

- أبو زكريا يحيى بن عبدالله بن بُكير، القرشي المخزومي:

قال العيني في «العمدة» (1/47): "نسبه البخاري إلى جدّه يدلسه".

- وأبو صالح عبدالله بن صالح كاتب الليث:

قال العيني في «العمدة» (7/136): "روى عن أبي صالح في صحيحه على الصحيح، ولكنه يدلسه، فيقول: حدثنا عبدالله، ولا ينسبه".

وكتب: خالد الحايك

18/1/2011.

 

شاركنا تعليقك