الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«القطع» بنكارة زيادة: «وَإِنْ ضرِبَ ظَهْركَ وَأخذَ مَالكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ».

«القطع» بنكارة زيادة «وَإِنْ ضرِبَ ظَهْركَ وَأخذَ مَالكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»!

بقلم: خالد الحايك.

عَرض الزيادات في بعض الأحاديث على الصحيح الثابت عند الإمام البخاري.

الزيادة التي عند مسلم في "صحيحه": «وَإِنْ ضرب ظهرك وأخذ مَالك فَاسْمَعْ وَأَطِعْ».

· مقدمة:

مقدمة مهداة من صاحبنا سفيان ناصرالله المغربي - جزاه الله خيراً -:

يقول: "لِكُل مقالٍ بَواعِث وَللكَلمةِ كُلومٌ وللحَديثِ حَوادثُ، وَمن عَظَائِم الكَوارث، أَن يَكُونَ ضَيَاعُ الدينِ باستخدامه للتَّنَعُّمِ فِي عيشٍ أَوطَف أَو شَرفٍ قَد طَفّ، استجاشَةً لكتَائبِ الأَهواء خَلفَ قنَاعٍ من الحِكمةِ تصْطَف، جَاعلينَ الإنتكَاسَاتِ منَاهِج، والدَّرَكَاتِ مَدارِج، فَترَى كل تهتَاة زَاعمًا التَّفرد بالنَّجَاة، عثعث الخَوفُ بتَرباء القلوبِ حتى صَار كُل قلْبٍ لَا يَكاد يصدِر رأْيًا تسيرُ عَليه جَوارِحه إِلَّا بَعْدَ أن يُصَفَّى منْ كُلِّ شَائبةٍ تزْعِجُ مَنْ يخشاه، رَامِيًا المخَالف بالخوارج.

ومَا النَّاطق بهذا إلَّا غَارق الفُؤاد في دُجَم الهوى، وَاشل الرَّأْي، تارك مسْلَحِبِّ السبيلِ لعذْل اللوَاحي، بعدَ تَقَعقُع شبيه المضغةِ بالهَسَاهِس، هَلِعٌ عَلِه إذ ضَاعَ في السِّتِّ النَّواحي، وَكَأَنَّهُ في كلِّ هذا كطِفَافِ الليلِ أُو دُخانِ "لَافَا"، تسبيحًا وتحميدًا خشوعًا وخضُوعًا للطواغيت والفَرائسُ ترْعَدُ إرْقَافَا، فَأَنَّى لأَمعطِ العفَاء كَبوارِق الجبين الأَجلهِ نِتَاج، ولمرَاضِ "متلَازمةِ استوكهولم" حجَاج، ظَنُّوا السبيلَ دُعْبُوبًا دونَ دهَاريس، هيهَات هيهات لنفوس كنَهْنهِ القماش أَن تُسدِفَ قبسًا من نور، وهي في حوالك الديجور تدُور، ودُون السبيل دَكُّ جبَال التضَاريس واستلانة حديد البيض والمتاريس.

وكَأَنِّي بالرؤوسِ قَد خامرتها مترَعَات الكؤوس وصهبَاء جِريال منْ مؤَوَّلات النصوص، فصَارت إلى استبداع الأقوالِ دونَ دَليل، واستحقارِ الأهول لكُلِّ ذليل، لَيَّا لِكُل نصِّ مستغَرب المتنِ عَليل.

أَيَا قَارئًا خَطِّي لَا يصيبنَّكَ العَمَه، إن للصراط على متنه عُلوبًا، ولتبرير محاني العيوب دُروبًا وكما قال الشاعر:

لقد ضلَّ من قد حاد عن مورد الكشفِ *** وزل عن الإيضاح في سرِّه المخفي

لا زِلْتُ أَرَى مَنْ يَتَعَلّقُ بِعَوَالِقِ الشَّرَفِ، مُمَرِّغًا وَجْهَهُ تَمَسُّحًا بِسَوَاجِقِ التَّرَفِ، فَلا تَجْعَلَنَّ لَهُ مَوْضِعًا إِلا مَوْضِعَ المُنَافِقِ الخَرِفِ، أَرَادَهَا عِوَجًا فَبَدَى اعْوِجَاجُهُ فِي لَحْنِ قَوْلِهِ، يَسْتَمْطِرُ الإذْلالَ إِنْزَالا، فَمَا بَرِحَ مَكَانَهُ وَلاَ رَامَ عَنْهُ انْتِقَالا..

فهَا هُو ذا فضيلة الشيخ أَبا صهيبٍ ازداد في سلم التواضع وُقولا، كلما ازداد نزولا كالشهب نازلة ترجم المرذول، فلا توهط وتَكع فهذا بيان نكارة (إن ضرب ظهرك وأَخد مالك فاسمع وَأَطع)" انتهى.

· تخريج الحديث:

روى البخاري في «الصحيح»، باب علامات النبوة في الإسلام، (3/1319)، قال: حَدَّثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا الْوَلِيدُ، قال: حَدَّثني ابنِ جَابِرٍ، قال: حَدَّثَنِي بُسْرُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، قال: حدَّثني  أَبو إِدْرِيس الْخَوْلانِيّ: أنّه سمعَ حُذَيْفَة بن الْيَمَانِ يَقُول: ((كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ من شَرّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ قَالَ: هُم مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا. قُلْتُ: فَمَا تأمرني إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ، قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ)).

وراه أيضاً في باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، (6/2595) عن محمد بن المثنى عن الوليد بن مسلم، مثله.

ورواه الإمام مسلم في «الصحيح» (3/1475) عن محمد بن المثنى عن الوليد، به.

ثم رواه مسلم من طريق آخر كمتابعة له:

قال: وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ التَّمِيمِيُّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَسَّانَ [ح].

وحَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابنُ حَسَّانَ – قال: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِي ابنَ سَلاَّمٍ -، قال: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ سَلاَّمٍ، عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بنُ الْيَمَانِ: ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ. قَالَ: قُلْتُ، كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأمِيرِ وَإِنْ ضرب ظهرك وأخذَ مَالك فَاسْمَعْ وَأَطِعْ)).

قلت: هذه الزيادة في هذا الحديث منكرة! وهي مناقضة للمتن نفسه، فكيف يكون هؤلاء الأئمة الذين لا يهتدون بهديه صلى الله عليه وسلم ولا يستنون بسنته، وقلوب بعضهم قلوب الشياطين، ثم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعة واحد منهم؟! وكيف يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعة إنسان يظلم الناس فيضربهم ويأخذ أموالهم بغير وجه حقّ؟ وهذا مخالف أيضاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من مات دون ماله فهو شهيد))، فكيف يأمر صلى الله عليه وسلم بطاعة الأمير – وظاهر الحديث أن الأمير هنا هو الذي يحكم بشرع الله لكنه يظلم الناس، وليس ظاهره من يمتنع عن الحكم بشرعه – ثم إن دافع هذا الرجل عن ماله وقتل فهو شهيد؟!!

وعموماً فهذا الإسناد منقطع؛ فأبو سلاَّم الأسود - واسمه: ممطور الحبشي - لم يسمع من حذيفة.

وقد اتفق أهل النقد على أن أبا سلاَّم لم يسمع من ثوبان الصحابي، وثوبان توفي سنة (54هـ)؛ فكيف يسمع من حذيفة الذي توفي في أول خلافة عليّ سنة (36هـ)!!

قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: "هذا الحديث عندي مرسل. أبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق؛ لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان رضي الله عنه بليال، وقد قال فيه: ((قال: قال حذيفة)) فهذا يدل على إرساله".

ويقول الإمام النقاد الذهبي في ترجمة ((أبي سلاَّم)) من «السير» (4/355): "حدَّث عن حذيفة، وثوبان، وعلي، وأبي ذر، وعمرو بن عبسة، وكثير من ذلك مراسيل، كعادة الشاميين، يرسلون عن الكبار".

وقال في «الكاشف» (2/292): "غالب رواياته مرسلة، ولذا ما أخرج له البخاري".

· تفنيد شبهة: (سماع أبي سلام من عُبادة)!

اعترض بعض طلبة العلم على هذا بقولهم: "أما قول الدارقطنى: (لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان رضي الله عنه بليال) فهذا يدل أن العمدة عند الدارقطني في نفي السماع هو قدم موت حذيفة رضي الله عنه، فيستبعد وقوع السماع لأن حذيفة لم يُعمر طويلا بحيث يدركه أبو سلام! وإذا كان الأمر كذلك فيُقدم صنيع الإمام مسلم رضي الله عنه على استبعاد الدارقطني؛ لأنه قد ثبت سماع أبي سلام ممن هو أقدم موتاً من حذيفة رضي الله عنه فسماعه من حذيفة رضي الله عنه حينئذ غير مستبعد، فقد سمع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وعبادة مات سنة 34هجرية، وحذيفة بن اليمان مات سنة 36هجرية. قال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (4/356): "وقد ذكر أبو مسهر أن أبا سلام سمع من عبادة بن الصامت ببيت المقدس" انتهى الاعتراض.

قلت: ما ذكره الذهبي عن أبي مُسهر رواه أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" قال: قُلْتُ لِأَبِي مُسْهِرٍ: فَأَبُو سَلَّامٍ سَمِعَ مِنْ عَبِادَةَ بنِ الصَّامِتِ وَمِنْ كَعْبٍ؟ فقَالَ: نَعَمْ، حَدَّثَنِي عَبَّادٌ الْخَوَّاصُ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ عَنِ ابنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ قالَ: (كُنْتُ إِذَا قَدِمْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ نَزَلْتُ عَلَى عُبَادَةِ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ وَكَعْبًا جَالِسَيْنِ، فَسَمِعْتُ كَعْبًا يَقُولُ: إِذَا كَانَتْ سَنَةُ سِتِّينَ، فَمَنْ كَانَ عزباً فلا يتزوج).

قال أبو زرعة: قُلْتُ لِأَبِي مُسْهِرٍ: فسَمِعَ من كعب؟ قال: "نعم".

قال أبو زرعة: فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ قال: قُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ بنِ سَلَّامٍ: سَمِعَ جَدُّكَ مِنْ كعب؟ قال: "لا أدري".

قلت: استدل أبو مُسهر على سماع أبي سلام من عُبادة بهذه القصة التي رواها عن عبّاد الخواص وأنه لقيه هو وكعب الأحبار.

لكن اللقاء إن ثبت لا يعني السماع! فقد يكون لقيه في بيت المقدس، لكن السؤال: هل سمع منه؟!

على أن أبا زرعة كأنه أراد أن يبيّن عدم صحة ذلك؛ لأنه أتبع هذه القصة بسؤال مروان بن محمد لمعاوية بن سلام عن سماع جدّه من كعب!

ويؤيد هذا أن أبا زرعة قال أيضاً في موضع آخر: وسَأَلْتُ أَبَا مُسْهِرٍ قُلْتُ: مُعَاوِيَةُ بنُ سَلَّامٍ سَمِعَ مِنْ أَبِي سَلَّامٍ؟ فقَالَ: "نَعَمْ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ سَلَّامٍ قال: سَمِعْتُ جَدِّي أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: قالَ كَعْبٌ: مَنْ قالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَتَيْ مَرَّةٍ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ زَبَدِ الْبَحْرِ".

قال أبو زرعة: فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ مَرْوَانَ قالَ: قُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ بنِ سَلَّامٍ فِي هذَا الحَدَيِثِ: قال أَبُو سَلَّامٍ: سَمِعْتُ كَعْبًا؟ قال: "قالَ كعب".

قلت: فهذا يعني أن استدلال أبا مسهر على سماع أبي سلام من كعب فيه نظر! فلم يذكر السماع في روايته، والظاهر من جواب حفيده أنه استبعده، فلم يثبت السماع في الرواية.

فإن كان أبا سلاّم لم يسمع من كعب فهو لم يسمع من عبادة أيضاً؛ لأن القصة فيها أنه كان يأتي بيت المقدس فيدخل المسجد فيجد عبادة وكعباً جالسين!

وما رُوي عن كعب منكرٌ جداً!

قال المعافى بن عمران في "الزهد" عن عَبَّادٍ الأُرْسُوفِيِّ - هو الخواص -، قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة - هو يحيى السيباني-، عنِ ابنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي سَلامٍ الحَبَشِيِّ، قالَ: قَدِمْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ فَرَأَيْتُ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ وكَعْبًا جَالِسَيْنِ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فسَمِعْتُ كَعْبًا يُحَدِّثُه: (إذَا كَانَ سَنَةَ سِتِّينَ فمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلْيَجْمَعْهُ، ومَنْ كَانَتْ لَهُ أَيِّمٌ فَلْيُعَلِّقْهَا مُعَلَّقًا، ومَنْ كانَ عَزَبًا فلا يَتَزَوَّجْ، فإِنَّهُ لا خَيْرَ فِي وَلَدٍ يُولَدُ بَعْدَ يَوْمَئِذ).

ولم أجد لأبي سلام عن عبادة إلا رواية واحدة ذكرها الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "الأحاديث المختارة" (8/359) من طريق الطَّبَرَانِيُّ، قال: حدثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفرْيَابِيّ، قال: حدثَنَا صَفْوَان بن صَالح المؤذن، قال: حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، قال: حدثَنَا عَلِيُّ بنُ حَوْشَبٍ الْفَزَارِيُّ، قالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلامٍ الأَسْوَدَ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قالَ: (بَصُرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ فِي مُؤَخِّرِ مَسْجِدٍ عَلَيْهِ مَلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ، فقَالَ: أَلا رَجُلٌ يَسْتُرُ بَيْنِي وَبَيْنَ هذِهِ النَّارِ! فَفَعَلَ ذَلِك رجل).

ورواه الطبراني أيضاً عن أَبي عَامر النَّحْوِيّ، قال: حدثَنَا سُلَيْمَان بن عبدالرَّحْمَن، قال: أنبانا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، قال: حدثَنَا عَلِيُّ بنُ حَوْشَبٍ، قالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلامٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ يقولُ: (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبٌ مُعَصْفَرٌ مُشَبَّعٌ، فقَالَ: أَلا رَجُلٌ يَسْتُرُ بَيْنِي وَبَيْنَ هذِهِ النَّار).

ورواه ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" (41/455) من طريق محمد بن وزير الدمشقي، قال: حدثنا الوليد، قال: حدثنا علي بن حوشب الفزاري أنه سمع أبا سلام الأسود يحدث عن عبادة بن الصامت، به.

قال ابن عساكر: "تابعه سليمان بن عبدالرحمن عن الوليد".

قلت: الظاهر في هذه الروايات أن أبا سلام حدّث عن عبادة دون إثبات السماع كما في روايتي صفوان بن صالح ومحمد بن وزير عن الوليد! ولا يمكن الاعتماد على ورود لفظ السماع الوارد في حديث سليمان بن عبدالرحمن؛ لأنه قد يكون من النساخ أو وقع خطأ.

على أن هذا الحديث منكر! ومعروف بإسناد آخر عند الشاميين!

رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (1/314) من طريق عبدالرحمن بن عبيد الحلبي، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم الخولاني: أنّ شُفْعَةُ السَّمَعِيُّ، قال: (أتيت بيت المقدس لأصلي فيه، فدفعت إلى عبدالله بن عمرو بن العاص وعليّ ثوبان معصفران، فقال: إني أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعليّ ثوبان مثل ثوبيك هذين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآني: من يحول بيني وبين هذه النار! فقام رجل فحال بيني وبينه، فقلت: يا رسول الله، ما أصنع بهما؟ فقال: أحرقهما بالنار).

قال البخاري في "التاريخ الكبير" (4/267): "شفعة السمعي: (أنه أتى بيت المقدس فدفعت إلى عبدالله بن عمرو، فقال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعليّ ثوبان معصفران، فقال حين رآني: من يحول بيني وبين هذه النار! فقام رجل فحال بيني وبينه، قلت: ما أصنع بهما؟ قال: أحرقهما بالنار). قاله لنا هيثم بن خارجة عن إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن شفعة".

قلت: شفعة هذا لا يُعرف إلا في هذا الحديث، وهو مجهول، وشيخه شرحبيل بن مسلم فيه لِين، ضعّفه ابن معين، ووثقه أحمد.

وهناك رواية لأبي سلام عن عبادة بواسطة!

روى سُلَيْمَان بن مُوسَى الأشدق، عن مَكْحُولٍ، عن أبي سَلاَّمٍ، عن أبي أُمَامَةَ، عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ، قال: (أَخَذَ النبي صلى الله عليه وسلم وَبَرَةً من جَنْبِ بَعِيرٍ، فقال: أَيُّهَا الناس، أنه لا يَحِلُّ لي مِمَّا أَفَاءَ الله عَلَيْكُمْ قَدْرَ هذه إِلاَّ الخُمُسُ والخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، وعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ في سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فإنه بَابٌ من أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُذْهِبُ الله بِهِ الهَمَّ وَالْغَمَّ).

وهذا الحديث اختلف فيه على أبي سلام اختلافاً كثيراً:

فرواه مكحول عنه، عن أبي أمامة، عن عبادة.

ورواه عبدالله بن العلاء بن زبر، عن أبي سلام، عن عمرو بن عبسة.

ورواه أبو بكر بن أبي مريم، عن أبي سلام، عن المقداد بن معدي: أنه جلس مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء والحارث بن معاوية فتذاكرنا حديث رسول الله، فقال أبو الدرداء: يا عبادة، أعد عليّ كلمات رسول الله في غزوة كذا وكذا... الحديث.

ورواه أبو يزيد غيلان مولى كنانة، عن أبي سلام الحبشي، عن المقدام بن معدي كرب، عن الحارث بن معاوية الكندي، قال: حدثنا عبادة بن الصامت وعنده أبو الدرداء... الحديث.

ورواه دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو، عن أَبي سَلَّامٍ، عن أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عن النبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقد رجّح البخاري رواية داود بن عمرو المرسلة، فإنه ساقها في "التاريخ الكبير" في ترجمة أبي سلام، ثم قال: "وقال عبدالرحمن بن الحارث عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى عَنْ مكحول عَنْ أَبِي سلام عَنْ أَبِي إمامة عَنْ عُبَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وداود أحفظ".

قلت: الظاهر أن الاختلاف من أبي سلام نفسه، وكأنه كان يضطرب فيه، وهذا إنما ينشئ من عدم حفظ الحديث المرسل، فإن عادة الشاميين كانت الإرسال، وهذا يؤكد أن أبا سلام لم يسمع من عبادة.

ولما ذكرت أن أهل النقد اتفقوا على أنه لم يسمع من ثوبان الذي كان في حمص وتوفي سنة (54هـ) فمن باب أولى أنه لم يسمع من عبادة الذي توفي قبله بسنوات.

قال يحيى بن معين وعليّ بن المديني: "لم يسمع من ثوبان".

وقال أحمد بن حنبل: "ما أراه سمع منه".

وقال أبو حاتم: "قد روى عنه فلا أدري سمع منه أم لا!".

وقال أبو حاتم أيضاً: "روى عن ثوبان والنعمان بن بشير وأبي امامة وعمرو بن عبسة: مرسل".

وقال العلائي: "روى عن حذيفة وأبي مالك الأشعري وذلك في صحيح مسلم، وقال الدارقطني: لم يسمع منهما".

وأبو سلام توفي سنة نيف ومئة كما قال الإمام الذهبي، ومثله لا يكون سمع ممن مات قبل الستين؛ وذلك لأن أهل الشام كانوا يتأخرون في السماع، وكانوا يطلبون الحديث وأعمارهم ما بين (25-30)، وكان الإرسال شائعا فيهم، ولهذا قال عنه الذهبي: "غالب رواياته مرسلة، ولذا ما أخرج له البخاري".

فطبقة سماع أبي سلام من الصحابة ممن مات بعد سنة (60هـ) كأبي أمامة الباهلي (ت86هـ)، والنعمان بن بشير (ت66هـ).

وقد روى عن عبدالله بن عمر (ت74هـ) وأبي هريرة (ت59هـ) بواسطة: الحَكَم بن مِينَاءَ.

وبهذا نخلص إلى أن أبا سلام لم يثبت سماعه من عبادة بن الصامت (34هـ)، وعلى فرض أنه سمع منه، فهذا لا يدل على أنه سمع من حذيفة الذي كان في المدائن! فإن الدراقطني لما نفى سماعه من حذيفة (ت 36هـ) قال "أبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق"، وهذا نفي لسماعه ممن نزل العراق من الصحابة؛ لأنه لم يرحل إلى هناك وهو شامي، وهذا يدلّ على دقة الإمام الدارقطني - رحمه الله تعالى -.

· رواية يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلاَّم لهذا الحديث، واستدراك على الطبراني:

أخرج الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/190) من طريق عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن أبيه، عن جدّه، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستكون أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيكون رجال قلوبهم قلوب الشياطين في أجساد الإنس. قلت: كيف أصنع إن أدركني ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير الأعظم، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن يحيى إلا عمر، تفرد به ابن سلام".

قلت: عمر بن راشد ليس بالقوي وحديثه عن يحيى فيه اضطراب، لكنه توبع عليه:

رواه الحاكم في «المستدرك» (4/547) من طريق سويد أبي حاتم اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن أبيه، عن جدّه: ((أن حذيفة بن اليمان لما احتضر أتاه ناس من الأعراب، قالوا له: يا حذيفة، ما نراك إلا مقبوضاً، فقال لهم: مغب مسرور وحبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، اللهم إني لم أشارك غادراً في غدرته، فأعوذ بك اليوم من صاحب السوء، كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في شر فجاءنا الله بالخير، فهل بعد ذلك الخير شر؟ قال: فقال نعم، قلت: وهل وراء ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم رجال قلوبهم قلوب رجال في جثمان إنسان، فقلت: كيف أصنع إن أدركني ذلك؟ قال: تسمع للأمير الأعظم، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

قلت: سويد أبو حاتم اليمامي هذا مجهول، وهو غير سويد أبو حاتم الحناط البصري صاحب قتادة، وهذا الأخير ضعيف.

ولكن الحديث معروف عن معاوية بن سلام عن أخيه زيد عن جده أبي سلام، ولا يُعرف عن زيد بن سلام عن أبيه عن جده، بل لا توجد رواية لسلام والد زيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

فهذا الحديث بهذا الإسناد لا يصح عن يحيى بن أبي كثير، ولا تصلح متابعة عمر بن راشد لسويد، فالأول حديثه عن يحيى مضطرب، والثاني مجهول لا يُعرف.

· لا توجد رواية لسلام بن أبي سلام!

جاء في الرواية السابقة من كتابي «المعجم الأوسط» و«المستدرك» في هذا الحديث: "عن زيد بن سلام، عن أبيه، عن جدّه"! وهو خطأ؛ فزيد لا يروي عن أبيه، ولا يعرف لأبيه رواية أصلاً.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/261): "سلام بن أبي سلام الحبشي والد معاوية بن سلام: لا أعلم أحداً روى عنه، إنما الناس يروون: معاوية بن سلام عن جدّه، ومعاوية بن سلام عن أخيه، فأما معاوية بن سلام عن أبيه، فلا أعرفه، سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: فلما لم يجد له البخاري رواية ذكره في كتابه ذكراً فقط.

قال في «التاريخ الكبير» (4/133): "سلام بن أبي سلام الحبشي، شامي".

ومن ذكر من أهل العلم أنه له رواية اعتمدوا على رواية أخرجها أبو داود في كتابه «السنن» (3/21) قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سَلاَّمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلاَّمٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَغَرْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ فَطَلَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَضَرَبَهُ، فَأَخْطَأَهُ وَأَصَابَ نَفْسَهُ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخُوكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ، فَلَفَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابِهِ وَدِمَائِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشَهِيدٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَنَا لَهُ شَهِيدٌ)).

قال المزي في «تهذيب الكمال» (12/291): "سلام بن أبي سلام واسمه ممطور الحبشي الشامي والد زيد بن سلام ومعاوية بن سلام، روى عن أبي أمامة الباهلي، روى عنه يحيى بن أبي كثير، وروى عن معاوية بن سلام عن أبيه عن جده، وعن زيد بن سلام عن أبيه أو جده بالشك، وعن معاوية بن أبي سلام عن أبيه عن جده، إن كان ذلك محفوظاً... روى له أبو داود".

وقال في ترجمة ((معاوية بن سلام)) (28/184): "روى عن... وأبيه سلام بن أبي سلام (د) إن كان محفوظاً...".

وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (1/242): "معاوية بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي الشامي الحافظ، روى عن أبيه وأخيه زيد بن سلام والزهري ويحيى بن أبي كثير وغيرهم".

وقال في «السير» (7/397): "معاوية بن سلام ابن الإمام أبي سلام ممطور الحبشي العربي الشامي، حدّث عن أبيه وأخيه زيد، وقيل إنه أدرك جده، وروى أيضاً عن الزهري ويحيى بن أبي كثير".

قلت: هو كما قال أبو حاتم الرازي ليس له رواية، ولم يرو عنه ابنه معاوية، وما عند أبي داود غير محفوظ، وإنما هو: "عن أخيه عن جدّه"، ولهذا قال المزي في ذلك: "إن كان محفوظاً"، ولم يتنبّه لذلك الحافظ الذهبي فجزم برواية معاوية عنه، ولا يصح ذلك.

والذي عرضه المزي من اختلاف في بعض الأسانيد وأنه روى عن أبي أمامة، وروى عنه يحيى بن كثير، فإنما ذكره تبعاً للتحريفات الواقعة في بعض الأسانيد، ومن راجع كتاب الطبراني «المعجم الكبير» (8/118-119) وجد ذلك، فإنه ذكر أحاديث: ((أبو سلام الأسود عن أبي أمامة))، وساق من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي أمامة قال: قال رجلٌ: ما الإثم يا رسول الله؟ قال: ((ما حاك في صدرك فدعه))، قال: فما الإيمان؟ قال: ((من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن)).

ثم ساقه من طريق بقية بن الوليد، قال: حدثنا أبو ثوبان عن أبي سعيد الشامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن سلام بن أبي سلام الحبشي، عن أبي أمامة: أنّ رجلاً قال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: ((إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن)).

قلت: فهذا الذي فعله المزي لما وجد مثل هذا الإسناد ذكر أن يحيى بن أبي كثير يروي عنه، وهو روى عن أبي أمامة، والصواب أن الذي له رواية عن أبي أمامة هو والده: ممطور الحبشي أبو سلاَّم. وليحيى رواية عن أبي سلام، والراجح عند أهل العلم أنه لم يسمع منه.

· أين التحرير يا صاحبي "التحرير"؟!

قال ابن حجر في «التقريب» (ص261): "سلام بن أبي سلام الحبشي الشامي، مجهول، من الخامسة (د)".

ولم يتعقبه صاحبا التحرير ووافقاه على ذلك (2/97)!!

قلت: هو ليس بمجهول، فوالده ممطور من أهل العلم، وولداه معاوية وزيد كذلك، والصحيح أنه لا رواية له كما حررته – بفضل الله-، ولو كان له رواية لكان ثقة إن شاء الله.

· هل وهم ابن حجر كما يقول الألباني؟!

أثناء كلام ابن حجر على حديث حذيفة الذي أخرجه البخاري استشهد ببعض ما جاء في رواية مسلم التي رواها أبو سلاَّم، وأبو سلاَّم اسمه: ممطور الأسود الحبشي، والأسود لقب، وقد جاء في شرح ابن حجر قوله: "رواية أبي الأسود"!! وإنما هو "الأسود".

قال في «الفتح» (13/35): "زاد مسلم في رواية أبي الأسود عن حذيفة: فنحن فيه".

ثم قال (13/36): "وفي رواية أبي الأسود: يكون بعدي أئمة [لا] يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي".

ثم قال: "ووقع في رواية أبي الأسود: فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس".

ثم قال: "ويوضح ذلك رواية أبي الأسود: ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك".

ثم قال: "زاد في رواية أبي الأسود: تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك".

وعند المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (6/321): "قال الحافظ: قوله تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، أي أميرهم، زاد في رواية أبي الأسود: تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك".

قال الألباني في «صحيحته» حديث رقم (2739) (ص546): "وقع للحافظ وغيره بعض الأوهام فوجب التنبيه عليها. أولاً: قال: زاد مسلم في رواية أبي الأسود عن حذيفة: ((فنحن فيه)). والصواب (الأسود) فإنه يعني رواية أبي سلام عنه. وأبو سلام اسمه ممطور، ولقبه الأسود. وعلى الصواب في عمدة القاري، ومن الغريب أنه تكرر هذا الخطأ في الفتح في صفحة أخرى أربع مرات، مما يدل أنه ليس خطأً مطبعياً. ثانياً: قال: وفي رواية أبي (!) الأسود: ((يكون بعدي أئمة يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي)). كذا، وهو خطأ ظاهر لا أدري كيف تابعه عليه العيني! والصواب ((لا يهتدون..)) كما يدل عليه السياق، وكما هو في صحيح مسلم" انتهى.

قلت: نعم، هو خطأ في كتاب ابن حجر، ولا أظن أنه من ابن حجر؛ والأشبه أنه من بعض النسخ، سيما وهو عند العيني على الصواب، ومن المعلوم أن العيني كان يأخذ ما عند ابن حجر في كتابه، ولو أنه كان كذلك في أصول ابن حجر لما سكت عنه العيني، ولانتهز ذلك فرصة ثمينة لتعقبه كما يفعل دائماً.

ويؤيد ذلك أنه في التعقب الثاني للشيخ الألباني استغرب كيف تبع العيني ابن حجر عليه؛ وذلك لأن العيني يأخذ ما عند ابن حجر، وهنا سقط من الأصل: "لا" فنقلها العيني كما هي.

وسقوط هذا الحرف لا يعني أنه خطأ لابن حجر حتى يسميها الشيخ الألباني أوهاماً! فالسقط يحصل للجميع.

قال العيني في «عمدة القاري» (24/194): "وفي رواية الأسود: تكون بعدي أئمة [لا] يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي".

وقال أيضاً: "وفي رواية الأسود: تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك".

قلت: وهذا يثبت كما ذكرت أن الوهم ليس من ابن حجر، وإنما هو خطأ في بعض النسخ، والله أعلم.

· متابعة أخرى لحديث أبي سلاَّم: "حديث سُبيع بن خالد".

روى الطيالسي في «مسنده» (ص59) قال: حدَّثنا حماد بن زيد وأبو عُبيدة عبدالوارث وحمّاد بن نَجيح، كلّهم عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ يزيد بن حميد الضُّبَعِيِّ، عن صَخْر بن بَدْرٍ، عَنْ سُبَيْعِ بنِ خَالِدٍ - أو خالد بن سُبيع - قال: غلت الدّواب فأتينا الكوفة نجلب منها دواب، فدخلت المسجد فإذا رجل صَدْعٌ مِنْ الرِّجَالِ، حسن الثغر يعرف أنه من رجال الحجاز، وإذا ناس مشرئبون عليه، فقال: ((لا تعجلوا عليّ: أحدّثكم، فإنا كنا حديث عهد بجاهلية، فلما جاء الإسلام، فإذا أمر لم أرَ قبله مثله، وكان الله رزقني فهماً في القرآن، وكان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر، فقلت: يا رسول الله، هل بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر؟ قال: «نعم»، قلت: فما العصمة يا رسول الله؟ قال: «السيف»، قلت: فهل للسيف من بقية؟ فما يكون بعده؟ قال: «تكون هدنة على دخن»، قال: قلت: فما يكون بعد الهدنة؟ قال: «دعاة الضلالة فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة فالزمه، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، وإن لم تر خليفة فاهرب حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل شجرة»، قلت: يا رسول الله، فما يكون بعد ذلك؟ قال: «الدجال»)).

قلت: الشك في الإسناد الجمعي الذي ذكره الطيالسي: "سبيع بن خالد أو خالد بن سبيع" هو من شيخ واحد لا من هؤلاء كلهم، وكان ينبغي عليه أن يبين ممن هذا الشك لا أن يجمع الشيوخ هكذا، لئلا يظن ظان أن هذا الشك من شيخهم أبي التيّاح، وسيتبين لنا إن شاء الله ممن هذا الشك.

أما حديث حمّاد بن زيد: فرواه الإمام أحمد في «مسنده» (5/403) عن يونس بن محمد المؤدب عن حماد عن أبي التياح عن صخر عن سبيع بن خالد الضبعي، فذكره وقال: ((وإن نهك ظهرك وأكل مالك)).

قال الشيخ شعيب ورفاقه في كلامهم على مسند أحمد (38/423) (حاشية4): "وحماد: هو ابن سلمة".

قلت: بل هو حماد بن زيد، وهو راوي هذا الحديث كما رواه الطيالسي، والقول بأنه ابن سلمة لا دليل عليه، ولو وقفنا على روايته لهذا الحديث من طريق آخر لكان هو، ولكن الذي رواه هو ابن زيد، ويونس يروي عن الحمادين: ابن زيد، وابن سلمة.

وأما حديث عبدالوارث بن سعيد: فرواه أيضاً الإمام أحمد في الموضع نفسه عن عبدالصمد بن عبدالوارث، قال: حدثني أبي: حدثني أبو التياح، قال: حدثني صخر بن بدر العجلي، عن سبيع بن خالد الضبعي، فذكر مثل معناه، وقال: ((وإن نهك ظهرك وأخذ مالك)).

ورواه أبو عوانة في «مسنده» (4/420) عن أبي داود الحراني، عن مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا عبدالوارث، به.

قلت: قال الشيخ شعيب ورفاقه في كلامهم على مسند أحمد (38/423) (حاشية3): "وأخرجه الطيالسي عن حماد بن زيد أو عبدالوارث – على الشك- عن أبي التياح، به".

قلت: هكذا وجدوه في المطبوع من كتاب الطيالسي، وفيه تحريف وتصحيف كثير! والصواب أنه بواو العطف، وليس: "أو".

· خطأ في مطبوع "تاريخ ابن عساكر"!

روى ابن عساكر هذا الحديث في «تاريخ دمشق» (12/267) من طريق أبي بكر بن مردوية، قال: أنبأنا أبو بكر الشافعي، قال: أنبأنا معاذ بن المثنى، قال: نبأنا مسدد، قال: نبأنا عبدالوهاب، قال: نبأنا أبو التياج، عن صخر بن بدر العجلي، عن سبيع بن خالد.

قلت: كذا في المطبوع: "عبدالوهاب"! وهو خطأ، والصواب: "عبدالوارث".

كذا رواه أبو داود في «سننه» (4/96) والحربي في «غريب الحديث» (1/276) عن مُسدد، قال: حدثنا عبدالوارث، قال: حدثنا أبو التياح، بهذا الحديث.

وأما حديث حماد بن نَجيح: فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/447) عن وكيع، عن حمّاد بن نجيح، عن أبي التياح، عن صخر بن بدر، عن خالد بن سبيع أو سبيع بن خالد، قال: أتيت الكوفة فجلبت منها دواب، فإني لفي مسجدها إذ جاء رجل قد اجتمع الناس عليه، فقلت: من هذا؟ قالوا: حذيفة بن اليمان، قال: فجلست إليه، فقال: كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر، فذكر نحوه. وفيه: ((فإن رأيت خليفة فالزمه وإن نهك ظهرك ضرباً وأخذ مالك، فإن لم يكن خليفة، فالهرب حتى يأتيك الموت وأنت عاض على شجرة. قال: قلت يا رسول الله، فما بعد ذلك؟ قال: خروج الدجال، قال: قلت يا رسول الله، فما يجيء به الدجال؟ قال: يجيء بنار ونهر، فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره حط أجره ووجب وزره، قال: قلت يا رسول الله، فما بعد الدجال؟ قال: لو أن أحدكم أنتج فرسه ما ركب مهرها حتى تقوم الساعة)).

ورواه ابن عَدي في «الكامل» (2/250) عن عبد الأهوازي، قال: حدثنا عثمان وأبو بكر – ابنا أبي شيبة -، قالا: حدثنا وكيع، به.

قلت: فالشك في هذا الإسناد: "سبيع بن خالد أو خالد بن سبيع"، من حمّاد بن نَجيح، وهو مُقارب الحديث لا بأس، وغيره أوثق منه.

· وهم لشعبة في اسم راوي الحديث!

ورواه أحمد في «المسند» (5/403) عن محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي التياح، قال: سمعت صخراً يُحدِّث عن سُبيعة، فذكره بطوله.

وقد جاء في المطبوع من المسند، وكذلك في نسخة الشيخ شعيب ورفاقه (38/421): "سُبيع"، والصواب: "سُبيعة" كما أثبته، ويؤيده أنه عند عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال»(2/204) قال: حدثني أبي قال: حدثنا غندر محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي التياح قال: سمعت صخراً يحدث عن سبيعة، فذكر الحديث.

وقد وهّم أهل العلم من قال بأنه اسمه: "سبيعة" وعنوا بذلك شعبة، وشعبة - رحمه الله - كان يهم في الأسماء كما هو معروف.

قال ابن ماكولا في «الإكمال» (4/252): "وقال شعبة: سبيعة، ولا يصح. وقال ابن شوذب عن أبي التياح عن صخر بن سبيع، وهو غلط، والصواب: عن صخر بن بدر عن سبيع".

قلت: ورواية ابن شوذب أخرجها ابن عساكر في «تاريخه» (16/435) من طريق الحسن بن رافع، قال: حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب، عن أبي التياح، عن صخر بن سبيع، عن حذيفة. وعنده: ((قلت: فما بعد دعاة الضلالة؟ قال: الدجال، قلت: فما بعد الدجال؟ قال: عيسى ابن مريم، قلت: فما بعد عيسى ابن مريم؟ قال: ما لو أن رجلاً أنتج فرساً لم يركب ظهرها حتى تقوم الساعة)).

ورواه الطبراني في «مسند الشاميين» (2/252) قال: حدثنا محمد بن عبيد بن آدم العسقلاني، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد المقدسي، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن عبدالله بن شوذب، عن أبي التياح، عن ابن سبيع، عن حذيفة قال: قلت يا رسول الله، ما بعد نزول عيسى بن مريم؟ قال: ((لو أن رجلاً أنتج فرساً لم يركب مهرها حتى تقوم الساعة)).

ورواه نُعيم بن حماد في «الفتن» (2/464، 596) قال: حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب، عن أبي التياح، عن خالد بن سبيع، عن حذيفة، به.

قلت: يحتمل أن يكون هناك تحريف في النسخ، فيكون: عن صخر عن سبيع، فتحرفت: "عن" إلى "بن"، ويحتمل أن يكون الغلط من ضمرة، وما أظن أن الغلط من ابن شوذب، والله أعلم.

· ترجمة "صخر بن بدر العجلي":

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/311): "صخر بن بدر العجلي عن سبيع بن خالد، روى عنه أبو التياح".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/426): "صخر بن بدر العجلي، روى عن سبيع بن خالد، روى عنه أبو التياح، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (6/473): "صخر بن بدر العجلي، يروي عن سبيع بن خالد، روى عنه أبو التياح يزيد بن حميد".

وقال الذهبي في «الميزان» (3/422): "صخر بن بدر (د)، ما روى عنه سوى أبي التياح الضبعي".

وقال في «الكاشف» (1/500): "صخر بن بدر عن سبيع اليشكري، وعنه أبو التياح وُثّق".

قلت: يعني ذكره ابن حبان في الثقات.

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص274): "صخر بن بدر العجلي البصري، مقبول، من السادسة. د".

قلت: لا يُعرف صخر بن بدر هذا إلا في هذا الحديث، وهو مجهول؛ إلا أن ابن حجر قال فيه: "مقبول"؛ لأنه توبع في حديثه هذا، تابعه نصر بن عاصم الليثي، وهذه المتابعة ترفع من حاله سيما وأن الراوي عنه أبو التياح وهو ثقة.

وأما متابعة نصر بن عاصم:

· حديث نصر بن عاصم الليثي:

روى الطيالسي في «مسنده» (ص59) عن سليمان بن المغيرة القيسي، عن حُميد بن هلال العدوي، عن نصر بن عاصم الليثي، قال: أَتيت اليشكري في رهط من بني ليث، قال: ما جاء بكم يا بني ليث، قلنا: جئنا نسألك عن حديث حذيفة، قال: غلت الدواب فأتينا الكوفة نجلب منها دواباً، فقلت لصاحبي: أدخل المسجد، فإذا كانت الحلقة خرجت إليها، فدخلت المسجد فإذا حلقة كأنما قطعت رؤوسهم مجتمعون على رجل، فجئت فقمت فقلت: من هذا؟ قال: من أهل الكوفة أنت؟ قلت: لا، بل من أهل البصرة، قال: لو كنت من أهل الكوفة ما سألت عن هذا، هذا حذيفة بن اليمان، قال: ((قلت يا رسول الله، هل بعد الخير شر؟ قال: يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه، قلت: يا رسول الله، هل بعد هذا الخير شر؟ فقال: هدنة على دخن، قلت: يا رسول الله، ما الهدنة على الدخن؟ قال: لا ترجع قلوب أقوام إلى ما كانت عليه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم تكون فتنة عمياء صماء دعاة الضلالة - أو قال: دعاة النار - فلأن تعض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحداً منهم)).

ورواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/447) عن أبي أسامة عن سليمان بن المغيرة، بمعناه.

ورواه أحمد في «المسند» (5/386) عن بهز بن أسد وأبي النضر، قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، نحوه.

ورواه أبو داود في «السنن» (4/96) عن عبدالله بن مسلمة القعنبي عن سليمان بن المغيرة، به.

ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (5/17) عن محمد بن عثمان عن بهز بن أسد عن سليمان بن المغيرة، به.

ورواه ابن حبان في «صحيحه» (13/298) عن أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا شيبان بن أبى شيبة – هو: شيبان بن فرّوخ -، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة، قال: حدثنا حميد بن هلال قال: حدثنا نصر بن عاصم الليثي، قال: أتينا اليشكري في رهط من بني ليث، فقال: ممن القوم؟ فقلنا بنو ليث، فسألناه وسألنا، وقالوا: إنا أتيناك نسألك عن حديث حذيفة، فقال: أقبلنا مع أبى موسى قافلين من بعض مغازيه، قال: وغلت الدوابّ بالكوفة، قال: فاستأذنت أنا وصاحبي أبا موسى، فأذن لنا، فقدمنا الكوفة باكراً من النهار، فقلت لصحابي: إني داخل المسجد، فإذا قامت السوق خرجت إليك، فدخلت المسجد فإذا انا بحلقة كأنما قطعت رؤوسهم يستمعون إلى حديث رجل، قال: فجئت فقمت عليهم فجاء رجل فقام إلى جنبي، فقلت للرجل: من هذا؟ فقال: أبصري أنت؟ قلت: نعم، قال: قد عرفت أنك لو كنت كوفياً لم تسأل عن هذا، هذا حذيفة بن اليمان فدنوت منه فسمعته يقول: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر... الحديث)).

قال ابن حبان: "اليشكري اسمه: سليمان".

قلت: لم يسمه أحد "سليمان" وسيأتي الخلاف في اسمه إن شاء الله.

وإسناد هذا الحديث جيد رواته ثقات، إلا اليشكري لا يُعرف إلا في هذا الحديث، ولكن ظاهر حاله الستر، وكان مع أبي موسى الأشعري في بعض مغازيه، وهذه الرواية ليس فيها الزيادة التي نتكلم عليها: ((وإن أخذ مالك وجلد ظهرك)).

ولكن رُويت هذه الزيادة من طريق آخر من حديث قتادة كما سيأتي.

· وَهم في إسناد آخر لهذه الطريق!

روى النسائي في «السنن الكبرى»، باب الأمر بتعلم القرآن والعمل به، (5/18) عن أحمد بن حرب.

وابن ماجه في «سننه»، باب العزلة، (2/1317) عن محمد بن عمر بن علي المقدَّمي.

والحاكم في «المستدرك» (4/478) من طريق العباس بن محمد الدوري، قالوا: حدثنا سعيد بن عامر، قال: حدثنا أبو عامر صالح بن رُسْتم، عن حميد بن هلال، عن عبدالرحمن بن قُرْط، قال: "دخلت المسجد فإذا حلقة كأنما قطعت رؤوسهم، وإذا فيهم رجل يُحدِّث، فإذا حذيفة رضي الله عنه، قال: كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر كيما أعرفه فأتقيه، وعلمت أن الخير لا يفوتني، قال: فقلت: يا رسول الله، هل بعد هذا الخير الذي نحن فيه من شر؟ قال: «يا حذيفة، تعلم كتاب الله تعالى واعمل بما فيه»، فأعدت قولي عليه، فقال في الثالثة: «فتنة واختلاف» قلت: يا رسول الله، هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «يا حذيفة، تعلم كتاب الله تعالى واعمل بما فيه» فقلت: يا رسول الله، هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «فتن على أبوابها دعاة إلى النار، فلأن تموت وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحداً منهم».

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه».

ورواه الحاكم أيضاً (1/209) من طريق أبي بكر محمد بن أحمد بن يزيد الرماحي، قال: حدثنا شعبة عن عامر، قال: حدثنا صالح بن رستم، عن حميد بن هلال، عن عبدالرحمن بن قرط قال: دخلت المسجد فإذا حلقة كأنما قطعت رؤوسهم فإذا رجل يحدثهم فإذا هو حذيفة، قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر، وذكر الحديث بطوله.

قال الحاكم: "متن هذا الحديث مخرج في الكتابين، وإنما خرجته في هذا الموضع للإصغاء إلى المحدّث وكيفية التوقير له، فإن هذا اللفظ لم يخرجاه في الكتابين".

قلت: كذا في المطبوع: "شعبة عن عامر" في الطبعتين الهندية والكتب العلمية (تحقيق مصطفى عبدالقادر عطا)! وهو خطأ، والصواب: "حدثنا سعيد بن عامر"، فتحرفت "سعيد" إلى "شعبة"، و"بن" إلى "عن".

ثم إن الشيخين لم يخرجا هذا المتن بألفاظه، ففيه زيادات لا توجد عندهما، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى.

ورواية ابن ماجة مختصرة: ((تكون فتن على أبوابها دعاة إلى النار فأن تموت وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحداً منهم)).

ورواه البزار في «مسنده» (7/363) عن إبراهيم بن المستمر قال: أخبرنا سعيد بن عامر، قال: أخبرنا أبو عامر الخزَّاز، عن حميد بن هلال، عن عبدالرحمن بن قرط عن حذيفة، أو عن رجل عن حذيفة، نحوه.

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/226) من طريق رَوح بن عبادة، قال: حدثنا أبو عامر الخزاز، عن حميد بن هلال، قال: حدثنا نصر بن عاصم، عن عبدالرحمن بن قرط قال: مررت بالكوفة، فدخلت المسجد، فذكره.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي عامرالخزاز إلا روح بن عبادة".

قلت: بل رواه أيضاً سعيد بن عامر الضبعي عنه، ولم يذكر في إسناده: "نصر بن عاصم"، وفي رواية البزار اختلاف أيضاً.

والحاصل أن روح بن عبادة خالف سعيد بن عامر في إسناده، وقد اختلف على سعيد فيه، والظاهر أن الاختلاف على سعيد بن عامر منه هو، وهو صدوق في حديثه بعض الغلط. وأما ذكر "عبدالرحمن بن قرط"، فالظاهر أنه من أبي عامر الخزاز صالح بن رستم، وقد ضعفه بعض أهل العلم ومشاه آخرون، وهو ليس بالقوي، وهو ممن يُكتب حديثه، وأعدل الأقوال فيه ما قاله ابن حجر: "صدوق كثير الخطأ".

والخلاصة أن هذا الإسناد معلول، ولا يصح قول الحاكم فيه.

والشيخ شعيب في تحقيقه لسنن النسائي (7/265) لم يفعل شيئاً! وإنما أشار إلى الرواية التي قبلها، وإسنادها مختلف عن هذه!!

· الترجمة لعبدالرّحمن بن قُرْط هذا:

قال المزي في «تهذيب الكمال» (17/353): "عبدالرحمن بن قرط، روى عن حذيفة بن اليمان (س ق)، روى عنه حميد بن هلال العدوي (س ق). روى له النسائي وابن ماجة حديثاً واحداً عن حذيفة: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر.. الحديث))، وقد اختلف فيه على حميد بن هلال روي عنه هكذا، وروي عنه عن نصر بن عاصم الليثي عن اليشكري عن حذيفة، وهو المحفوظ".

وقال الذهبي في «الميزان» (4/308): "عبدالرحمن بن قرط (س ق)، عن حذيفة، تفرد عنه حميد بن هلال".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص348): "عبدالرحمن بن قرط، بضم القاف وسكون الراء ثم مهملة، مجهول، من الثانية (س ق)".

قلت: هو شخصية وهمية ليس لها وجود في الخارج.

· متابعة قتادة لحميد بن هلال عن نصر بن عاصم:

روى عبدالرّزاق في «المصنف» (11/341) قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَصْرِ بنِ عَاصِمٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ زَمَانَ فُتِحَتْ تُسْتَرُ حَتَّى قَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ فِيهَا رَجُلٌ صَدَعٌ مِنْ الرِّجَالِ، حَسَنُ الثَّغْرِ يُعْرَفُ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ أَهْلِ الْحِجَازِ، قَالَ: فَقُلْتُ، مَنْ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: أَوَ مَا تَعْرِفُهُ! فَقُلْتُ: لا، فَقَالُوا: هَذَا حُذَيْفَةُ بنُ الْيَمَانِ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَعَدْتُ وَحَدَّثَ الْقَوْمَ، فَقَالَ: ((إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ))، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ! فَقَالَ لَهُمْ: ((إِنِّي سَأُخْبِرُكُمْ بِمَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، جَاءَ الإسْلامُ حِينَ جَاءَ فَجَاءَ أَمْرٌ لَيْسَ كَأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكُنْتُ قَدْ أُعْطِيتُ فِي الْقُرْآنِ فَهْمًا، فَكَانَ رِجَالٌ يَجِيئُونَ فَيَسْأَلُونَ عَنْ الْخَيْرِ، فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَكُونُ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ شَرٌّ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ، فَمَا الْعِصْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: السَّيْفُ، قَالَ: قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ هَذَا السَّيْفِ بَقِيَّةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَكُونَ إِمَارَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ وَهُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ، قَالَ: قُلْتُ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ تَنْشَأُ دُعَاةُ الضَّلالَةِ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ يَوْمَئِذٍ فِي الأرْضِ خَلِيفَةٌ جَلَدَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ فَالْزَمْهُ، وَإِلاَّ فَمُتْ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلِ شَجَرَةٍ، قَالَ: قُلْتُ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: يَخْرُجُ الدَّجَّالُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَهُ نَهَرٌ وَنَارٌ، مَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ وِزْرُهُ، وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهَرِهِ وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ، قَالَ: قُلْتُ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ يُنْتَجُ الْمُهْرُ فَلا يُرْكَبُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)).

الصَّدْعُ مِنْ الرِّجَالِ: الضَّرْبُ، وَقَوْلُهُ: فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْهُ؟ قَالَ: السَّيْفُ، كَانَ قَتَادَةُ يَضَعُهُ عَلَى الرِّدَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَوْلُهُ: إِمَارَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ وَهُدْنَةٌ يَقُولُ: صُلْحٌ، وَقَوْلُهُ: عَلَى دَخَنٍ، يَقُولُ عَلَى ضَغَائِنَ.

قِيلَ لِعَبْدِالرَّزَّاقِ: مِمَّنْ التَّفْسِيرُ؟ قَالَ: عَنْ قَتَادَةَ زَعَمَ.

ورواه الإمام أحمد في «المسند» (5/403) عن عبدالرزاق، به.

ثم رواه عن بَهْز، قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قال: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ نَصْرِ بنِ عَاصِمٍ، عَنْ سُبَيْعِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ زَمَنَ فُتِحَتْ تُسْتَرُ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ مَعْمَرٍ، وَقَالَ: ((حُطَّ وِزْرُهُ)).

ورواه البزار في «مسنده» (7/361) عن أبي كامل، قال: أخبرنا أبو عوانة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن سبيع بن خالد.

ثم رواه عن محمد بن المثنى قال: أخبرنا يحيى بن حماد وأبو الوليد، قالا: أخبرنا أبو عوانة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن سبيع بن خالد، قال: خرجت إلى الكوفة زمن فتحت تستر لأجلب منها بغالاً، فذكره.

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن قتادة أحداً أتمّ له من أبي عوانة".

ورواه أبو داود في «سننه» (4/95) عن مُسدد، قال: حدثنا أبو عوانة، به.

ورواه الحاكم في «المستدرك» (4/479) من طريق أبي الوليد الطيالسي، قال: حدثنا أبو عوانة، به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

ورواه الطيالسي في «مسنده» (ص58) عن همام عن قتادة، عن سبيع بن خالد، عن حذيفة قال: ((يخرج الدجال ومعه نهر ونار فمن دخل نهره وجب وزره وحط أجره ومن دخل ناره وجب أجره وحط وزره)).

ثم رواه عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن سبيع بن خالد، قال: فذكر الحديث بطوله.

قلت: لم يذكر همام وهشام في إسناده: "نصر بن عاصم"! وذكره غيرهما: مَعمر وأبو عوانة.

واليشكري سماه معمر: "خالد بن خالد"، وغيره سماه: "سبيع بن خالد". وذهب أبو نُعيم إلى أن الذي سماه خالداً هو قتادة! قال في «حلية الأولياء» (1/272): "رواه قتادة عن نصر، وسمى اليشكري خالداً".

قلت: بل الذي سماه هو معمر؛ لأن جماعة رووه عن قتادة وسموه: "سبيع بن خالد"، وهو الصواب.

قال الإمام أحمد: "الصواب: سبيع بن خالد اليشكري".

قلت: فكأن قتادة كان يسنده عن نصر بن عاصم أحياناً، وأحياناً يرسله! ونصر بن عاصم (ت 108هـ) من أقران قتادة (ت 118هـ).

والحاصل أن قتادة تابع حميد بن هلال في روايته عن نصر بن عاصم، ولكن في متنيهما اختلاف كما سيأتي بيانه.

· ترجمة سُبيع بن خالد اليشكريّ:

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/206): "سبيع بن خالد اليشكري".

لم يزد البخاري على هذا، فقد أثبت اسمه ونسبه فقط.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/309): "سبيع بن خالد اليشكري، بصري، روى عن حذيفة، روى عنه نصر بن عاصم وصخر بن بدر، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال أيضاً (3/326): "خالد بن خالد اليشكري، [ويُقال: خالد بن...]، روى عن حذيفة، روى عنه نصر بن عاصم، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/347): "سبيع بن خالد اليشكري، من أهل البصرة، يروي عن حذيفة، روى عنه نصر بن عاصم وصخر بن بدر وعلي بن زيد، ومَن قال: سبيعة بن خالد فقد وهم".

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (10/204): "سبيع بن خالد، ويقال: خالد بن اليشكري البصري، ويقال: سبيع بن خالد، وخالد بن سبيع بالشك. ويقال غير ذلك. روى عن حذيفة بن اليمان في الفتن (د س). روى عنه: صخر بن العجلي (د)، وعلي بن زيد بن جدعان، وقتادة، ونصر بن عاصم الليثي (د س). وقيل فيه: سبيعة بن خالد، ولا يصح. ذكره ابن حبان في كتاب الثقات، روى له أبو داود بالوجهين جميعاً، والنسائي وسماه خالد بن خالد".

قلت: هذه الاختلافات التي ذكرها المزي تبعاً للأسانيد التي وقعت له لهذا الحديث، وقد بينت أن قتادة روى عنه بواسطة نصر بن عاصم، والذي سماه خالد بن خالد ليس النسائي، وإنما الذي سماه هو معمر في روايته عن قتادة كما سبق تفصيله.

وقال مغلطاي في «الإكمال» (5/211): "ذكره ابن خلفون في الثقات، وخرج الحاكم حديثه في المستدرك، وسيأتي أن ابن حبان ذكره في باب سليم من كتاب الثقات".

قلت: لم يأت مغلطاي بما وعد به في (باب سُليم)! ولم يذكره ابن حبان في هذا الباب، وكأن مغلطاي وهم في ذلك، وقد سبق أن ابن حبان ذكره على الصواب.

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص229): "سبيع بن خالد، ويقال: خالد بن سبيع، ويقال: خالد بن خالد اليشكري، البصري، مقبول، من الثانية. (د)".

قلت: قبله ابن حجر؛ لأن حديثه هذا له أصل، وإلا فهو مجهول بحسب شرطه في كتابه.

نعم، هو مستور الحال، وقد أخبر أنه كان ممن غزا مع أبي موسى الأشعري، ومثله حديثه لا يُقبل على إطلاقه؛ لأنه قد خالف الصحيح الثابت عن حذيفة، وتفرد بأشياء منكرة! وما أظن أن ذلك منه، وإنما ممن روى عنه، فأحدهما فيه جهالة، والآخر فيه ضعف، وتفصيل متن الحديث في الآتي:

· الاختلاف في المتون:

قد ذكرنا في البداية الحديث المتفق على صحته عند الشيخين من رواية أبي إدريس الخولاني عن حذيفة.

ثم ذكرنا حديث أبي سلاّم عن حذيفة، وهو منقطع، وفيه زيادة: ((تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأمِيرِ وَإِنْ ضرب ظهرك وأخذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ)).

ثم ذكرنا حديث صَخْر بن بَدْرٍ، عَنْ سُبَيْعِ بنِ خَالِدٍ، وفيه من الزيادة: ((قلت: فما العصمة يا رسول الله؟ قال: «السيف»، قلت: فهل للسيف من بقية؟ فما يكون بعده؟ قال: «تكون هدنة على دخن»، قال: قلت: فما يكون بعد الهدنة؟ قال: «دعاة الضلالة فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة فالزمه، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، وإن لم تر خليفة فاهرب حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل شجرة»، قلت: يا رسول الله، فما يكون بعد ذلك؟ قال: «الدجال»)). وقوله: ((لو أن أحدكم أنتج فرسه ما ركب مهرها حتى تقوم الساعة)).

ثم ذكرنا حديث حميد بن هلال العدوي، عن نصر بن عاصم الليثي، عن سبيع بن خالد اليشكري، بنحو حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة المتفق عليه، وليس فيه هذه الزيادات التي عند صخر بن بدر، ولكن فيه زيادة: ((يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه)).

ثم ذكرنا حديث قتادة عن نصر بن عاصم عن سبيع بمثل حديث صخر بن بدر.

قلت: صخر بن بدر لا يُعرف إلا في هذا الحديث، وقد توبع على بعض حديثه، وحديث نصر بن عاصم اختلف في متن حديثه، ونصر صدوق، ولم يخرج له البخاري، وأخرج له مسلم حديثاً قد توبع عليه، فمثله لا يُحتج بتفرده، نعم القصة التي رواها هو وصخر بن بدر عن سبيع اليشكري لها أصل، ولكن لا يمكن اعتماد هذه الزيادات في حديثيهما؛ لأن حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة ليس فيه هذه الزيادات، فإما أن يكون سبيع لم يضبط ألفاظ الحديث، وهذا غير مستبعد؛ لأنه لا يعرف إلا في هذا الحديث، فهو ليس من أهل الحديث الذين يحرصون على سماعه، وإنما دخل المسجد صدفة فسأل عن هذا الشيخ الذي يحدث فقيل له: إنه حذيفة، فسمع منه أصل هذا الحديث. ونحن لا نشك في صدقه بما أخبر بحسب العدالة الأصلية التي تثبت لكلّ مسلم ما لم يأت ما يخرمها وخاصة في التابعين الذين كانوا مع الصحابة – وإن كان لا يُعرف إلا في هذا الحديث – لأن ظاهر سياق القصة يدل على ذلك، وكان قد غزا مع أبي موسى الأشعري، وهذا يرفع من جهالته، فهو مستور الحال، وحديثه يقبل بشروط إذا لم يكن فيه نكارة أو لم يخالف ما هو أصح منه كالزيادة على حديث ثابت مشهور، ومع هذا فلا نعرف ضبطه لهذا الحديث؛ فقد تفرّد به، والظاهر أن كثيراً ممن كان في المسجد الذي دخله وفيه حذيفة سمعوه من حذيفة، وخاصة تلاميذه، فأين هم من هذا الحديث؟! ولا نعرف أيضاً ضبط صخر بن بدر ونصر بن عاصم له، مع اختلافهم في متنه. وسيأتي أن علي بن زيد بن جدعان تابع نصر بن عاصم على بعض ألفاظه، ولكن لا يُحتج بحديثه.

والذي يتحصل لنا من هذه الزيادات على حديث حذيفة الذي رواه أبو إدريس الخولاني:

1- ضرب الظهر وأخذ المال وقصة السيف.

2- الحث على تعلم كتاب الله والعمل به عند وقوع الفتن.

3- قصة الدّجال وما معه.

4- ما ذكر لو أن فرساً أنتجت لم تركب فلوها حتى تقوم الساعة.

أما الأولى والرابعة فمنكرة.

والثانية في الحث على تعلم كتاب الله والعمل به فلا يكون فقط عند وقوع الفتن، بل هو دائم، وله شواهد من طرق أخرى، وهذا يؤكد أن ما في قصة اليشكري مما اشتهر عند الناس لوروده من طرق أخرى، وعادة ما تدخل بعض الأحاديث المشهورة أو المراسيل في سياق بعض القصص كهذه القصة.

وقد رُوي هذا الجزء عن حذيفة بأسانيد أخرى:

روى ابن حبان في «صحيحه» (1/323)، (باب: ذكر الإخبار عما يجب على المرء من تعلم كتاب الله جل وعلا واتباع ما فيه عند وقوع الفتن خاصة) عن أبي يَعلى أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير بن عبدالحميد، عن مِسعر بن كدام، عن عمرو بن مرة، عن عبدالله بن الصامت، عن حذيفة، قال: قلت: يا رسول الله، هل بعد هذا الخير الذي نحن فيه من شر نحذره؟، قال: «يا حذيفة عليك بكتاب الله فتعلمه، واتبع ما فيه خيراً لك».

ورواه البيهقي في «شُعب الإيمان» (2/327) عن أبي زكريا بن أبي إسحاق، قال: أخبرنا والدي، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير بن عبدالحميد، عن مسعر بن كدام وسفيان الثوري، عن عمرو بن مرة، به.

قلت: هذا الإسناد غريبٌ جداً! وقد تفرد به عثمان بن أبي شيبة عن جرير! وقد زاد محمد بن إسحاق الثوري مع مسعر، فزاده غرابة!!

ولا يُعرف لعبدالله بن الصامت رواية عن حذيفة، ولا لعمرو بن مرة رواية عن الصامت، فهذا التفرد لا يقبله أهل العلم في هذه الطبقات المتأخرة التي من شأنها أن يكون الإسناد مشهوراً ومعروفاً.

قال الحافظ أبو الفتح الأزدي: "رأيت أصحابنا يذكرون أن عثمان روى أحاديث لا يُتابع عليها".

فتعقبه الذهبي في «الميزان» (5/49) فقال: "قلت: عثمان لا يحتاج إلى متابع، ولا ينكر له أن ينفرد بأحاديث لسعة ما روى، وقد يغلط، وقد اعتمده الشيخان في صحيحيهما".

قلت: بل يحتاج إلى متابع إذا كانت هذه الأحاديث غريبة أو فيها نكارة، وسعة الرواية أحياناً تؤدي إلى الوهم والغلط، وخاصة في الطبقات المتأخرة التي كثرت فيها الأسانيد، ومن هنا أُتي الغلط في حديث عثمان، واعتماد الشيخين له لا يعني قبول كل ما يرويه بإطلاق.

وقد ذكر الذهبي نفسه له أحاديث أُنكرت عليه في ترجمته، وقد عرضها عبدالله بن أحمد على أبيه، قال عبدالله: "فأنكر أبي هذه الأحاديث مع أحاديث من هذا النحو أنكرها جداً، وقال: هذه موضوعة أو كأنها موضوعة". وقال أبي: "أبو بكر أخوه أحبّ إليّ من عثمان"، فقلت: إن يحيى بن معين يقول: إن عثمان أحب إلي، فقال أبي: "لا، أبو بكر أعجب إليّ من عثمان". ورواها أبو علي ابن الصواف عن عبدالله عن أبيه، وزاد: "فقال: ما كان أخوه أبو بكر يطنف نفسه لشيء من هذه الأحاديث، نسأل الله السلامة في الدِّين والدنيا"، وقال: "كنا نراه يتوهم هذه الأحاديث".

قلت: قد يقول قائل إن رواية سُبيع متابعة جيدة لهذه الرواية؟

أقول: لو كان الإسناد الذي ساقه عثمان محتملاً لكانت متابعة جيدة في هذا الجزء من الحديث، ولكن إسناده هذا مردود لغرابته وما يحيط به من قرائن كعدم وجود رواية لعبدالله بن الصامت عن حذيفة، وغير ذلك. وكذلك رواية سبيع غريبة وهذا الجزء زائد عن الرواية الصحيحة المروية عن أبي إدريس الخولاني عن حذيفة.

وقد تتبعت روايات عبدالله بن الصامت فلم أجد له رواية عن حذيفة إلا في هذا الإسناد، وعليه اعتمد المزي في قوله في ترجمة ((عبدالله بن الصامت)) من «تهذيب الكمال» (15/120): "عبدالله بن الصامت الغفاري البصري ابن أخي أبي ذر، روى عن حذيفة بن اليمان... روى عنه: حميد بن هلال العدوي... وعمرو بن مرة".

· مناقشة الشيخ شعيب في تعليقه على هذا الحديث:

وقول القائل السابق الذي طرحته عمل به الشيخ شعيب الأرنؤوط، فعندما تكلّم على هذا الحديث أثناء تحقيقه لصحيح ابن حبان (1/323) قال: "إسناده صحيح على شرط الشيخين سوى عبدالله بن الصامت، فإنه من رجال مسلم. وأخرجه أحمد 5/406 عن عبدالصمد، عن حماد، عن علي بن زيد، عن اليشكري، عن حذيفة. وعلي بن زيد بن جدعان: ضعيف. وأخرجه مطولاً أحمد 5/386، وأبو داود... من طرق عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن نصر بن عاصم، عن اليشكري، عن حذيفة. وهذا سند رجاله رجال الصحيح غير اليشكري – واسمه سبيع بن خالد، ويقال: خالد بن خالد – روى عنه جمع، وذكره المؤلف في الثقات والعجلي. وأخرجه النسائي في فضائل القرآن، والحاكم من طريق حميد بن هلال، عن عبدالرحمن بن قرط، عن حذيفة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. كذا قالا، مع أن عبدالرحمن بن قرط لم يخرجا له، ثم هو مجهول" انتهى.

وشبيه بهذ الكلام ما ذكره الشيخ شعيب ورفاقه أثناء تعليقهم على مسند أحمد، حديث رقم (23282) عن نصر بن عاصم عن اليشكري، قالوا: "حديث حسن"، وذكروا حديث حميد بن هلال عن نصر بن عاصم عن عبدالرحمن بن قرط، وقالوا بأن عبدالرحمن بن قرط مجهول.

وعلقوا على حديث ابن جدعان برقم (23449) (38/439) فقالوا: "حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف من أجل علي بن زيد – وهو ابن جدعان – وقد توبع في الرواية السالفة برقم (23282)".

قلت: أما صحة الإسناد فنعم، ولكن قد بينت أن هذا الإسناد غيرب جداً! ومثله لا يُقبل، ومثل هذه العلل الخفية تخفى على الشيخ شعيب كثيراً، وهو يتعامل مع الروايات ظاهرياً!

وأما رواية علي بن زيد بن جُدعان ونصر بن عاصم، كلاهما عن سبيع بن خالد، فقد بيّنت أيضاً أن سبيعاً قد زاد فيه أمور منكرة، وربما تكون هذه الزيادات ممن روى عنه، فابن جدعان لا يحتج به، ونصر بن عاصم لا يحتمل أن يتحمل هذه الزيادات.

وأما رواية حميد بن هلال عن عبدالرحمن بن قرط فهي معلولة كما فصلته بحمد الله، والشيخ شعيب كثيراً ما تفوته العلل في الأحاديث، والذهبي – رحمه الله – لا يوافق الحاكم على أقواله، وإنما هو ملخص لكلامه فقط.

وعودة إلى الكلام على الزيادات التي في الحديث:

أما قصة الدّجال فلا شك فيها، ولكن هذا اللفظ الذي في هذا الحديث لا يوجد في أحاديث الدّجال الصحيحة المشهورة عند أهل العلم.

وقد ثبت عند البخاري وغيره من حديث ربعي بن حراش قال: قال عقبة بن عمرو لحذيفة: ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني سمعته يقول: ((إن مع الدّجال إذا خرج ماءً وناراً؛ فأما الذي يرى الناس أنها النار فماء بارد، وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق، فمن أدرك منكم فليقع في الذي يرى أنها نار فإنه عذب بارد)).

وكذلك من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أحدثكم حديثاً عن الدجال، ما حدّث به نبي قومه: إنه أعور، وإنه يجئ معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه)).

وأما فيما يتعلق بالفرس التي أنتجت فجاء ذكرهه بعد الدّجال: ((قَالَ: قُلْتُ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ يُنْتَجُ الْمُهْرُ فَلا يُرْكَبُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)).

قلت: قد رُوي أن ذلك بعد يأجوج ومأجوج:

روى الطبري في «التفسير» (17/92) قال: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا الحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو - يعني بن قيس -، قال: حدثنا حذيفة: ((لو أن رجلاً افتلى فلواً بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم القيامة)).

قلت: كذا الإسناد! وعمرو بن قيس لم يدرك حذيفة قطعاً، بل بينهما عدة طبقات، وكأن هناك سقط من الإسناد، والطبري يروي عن ابن حميد عن الحكم بن بشير بن سلمان، عمرو بن قيس الملائي، [عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي البختري الطائي،] عن حذيفة.

فالله أعلم بالإسناد الصحيح، ومع هذا فهو حديث غريب أيضاً!!

وقد رُوي مرسلاً.

قال السيوطي في «الدر المنثور» (5/676): "وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: ذُكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو نتجت فرس عند خروجهم – يعني يأجوج ومأجوج - ما ركب فلوها حتى تقوم الساعة)).

· تصحيح بعض المعاصرين لحديث سُبيع بن خالد:

قال الشيخ شعيب ورفاقه أثناء تحقيقهم لمسند الإمام أحمد، حديث رقم (23425) (38/422) (حاشية1): "حديث حسن دون قوله: ((لو أنتجت فرساً لم تركب فلوها حتى تقوم الساعة))، وهذا إسناد ضعيف لجهالة صخر – وهو ابن بدر العجلي – وقد توبع كما في الروايتين (23282) و(23429)... وقصة الدجال سلفت بسند صحيح برقم (23250). وقوله في هذا الحديث: ((لو أنتجت فرساً...)) إلخ... مخالف لحديث أبي هريرة السالف برقم (9270)، وحديث عائشة الآتي برفم (24467) من أن السيد المسيح عليه السلام يمكث في الأرض أربعين سنة بعد قتله للمسيح الدجال" انتهى.

قلت: حسّنوه لأن أصله عند البخاري ومسلم من حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة، وقد فصلت بحمد الله كل هذه الطرق وزياداتها، وأنها منكرة، ومسألة التصحيح عند المعاصرين فيها تساهل كبير لأنهم يصححون ويحسنون بمجرد رواية أجزاء من الحديث من طرق أخرى دون النظر في العلل والتفرد والغرابة والنكارة وحال الرواة والرواية وغير ذلك.

وعجباً منهم حسنوا الحديث ثم أنكروا جزءاً منه!! وكان ينبغي عليهم أن يعالجوا هذا، فهل يقبل الحديث دون هذا الجزء المخالف لغيره؟! فإذا كان كذلك، فأقول لهم: والأجزاء الأخرى فيها نكارة، وبعضها مخالف لأحاديث أخرى، فرجعنا إلى أصل القصة فقط، ونحن لا ننازعهم في ذلك.

· "جمع المفترق" عند الألباني!

وقد ذكره الألباني في «صحيحته» برقم (2739) ثم قال: "وقد جاء مطولاً ومختصراً من طرق، جمعت هنا فوائدها، وضممت إليه زوائدها في أماكنها المناسبة للسياق، وهو للإمام البخاري في كتاب الفتن".

ثم فصّل في طرق الحديث، وذكر زيادات كل واحد ممن خرّجه من أهل المصنفات كمسلم وأبي داود وأحمد وغيرهم.

قلت: هذا هو منهج الألباني فيما يُسمى بـ "جمع المفترق"، فيأتي بالزيادات التي ليست عند البخاري ويضعها بين معقوفتين؛ وهذا منه لأنه يرى صحة هذه الزيادات.

وقد كتب بعض الدكاترة كتاباً في هذه المسألة، وذكر منهج الشيخ الألباني فيه مؤيداً له! وكتابه هذا يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر.

ومنهج الألباني في هذا منهج غير سديد؛ وذلك لأن الرواية يجب أن تنقل كما أخرجها صاحبها، فربما يكون له منهجاً معيناً في الإعراض عن بعض الزيادات التي موجودة أصلاً في روايته، ولكنه لم يوردها لعلة أو لأمر آخر. وفي إيراد هذه الزيادة على أصل الرواية عند البخاري أو غيره تعدٍ على كتب أهل العلم.

والأهم من ذلك أن هذه الزيادة التي يراها الألباني أو غيره أنها صحيحة قد لا تكون صحيحة عند صاحب المصنّف الأصل كالبخاري، وما نحن فيه مثال على ذلك، فهذه الزيادة وإن أخرجها مسلم في صحيحه إلا أنه لا تصح، فلا يجوز زيادتها على رواية الإمام البخاري.

وأما ما يجمعه بعض الرواة كما اشتهر بذلك الإمام الزهري فهذا لا ضير فيه؛ لأن الزهري يكون قد سمع الحديث من عدة شيوخ ثقات فزاد بعضهم على بعض؛ لأن بعضهم أحفظ من غيره، أو لأن بعضهم أراد الاقتصار على شيء معين في روايته، فكان الإمام الزهري يجمع كل ذلك في بعض القصص، وهذا الفعل صحيح عند الأئمة.

وقد كنت سمعت في بعض المناقشات العلمية للدكتور (محمد سعيد حوى) وذكر فعل الزهري في جمعه لقصة الإفك، واعترض عليها، وردّها معللاً ذلك بأننا لا نستطيع أن نعرف ما سمعه الزهري من ذها الشيخ أو من ذاك أو من الثالث، وهكذا!

وفي الحقيقة هذا تعليل عليل لمن لا يعرف طرق الأئمة في التحديث؛ فمثل الزهري وهو واسع الرواية، لا يعنينا الجزء الذي سمعه من فلان أو فلان؛ لأنهم كلهم ثقات أئمة، والذي يُخشى من ذلك أن يكون أحد مشايخه الذين جمع الحديث عنهم في ضعف، وأما مشايخ الزهري فلا؛ لأنه يصرّح بأسمائهم، فيقول: حدثني فلان وفلان وفلان وفلان وكل حدثني وزاد بعضهم على بعض، فيسوق القصة بمجموع هذه الروايات، ومن اعترض على هذه الطريقة كالدكتور حوى لا دليل عنده لرد هذه الروايات القائمة على أصول منهجية.

وهذه ملاحظات على كلام الألباني حول هذا الحديث بطرقه المختلفة:

1- قال الألباني: "أخرجه مسلم، وفيه الزيادة الأولى وما في الطريق الأخرى، والزيادة السابعة والعاشرة. وقد أعل بالانقطاع، وقد وصله الطبراني في المعجم الأوسط (1/162/3039) من طريق عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبيه عن جده عن حذيفة بالزيادة التي في الطريق الأخرى والسابعة والعاشرة".

قلت: هذه الرواية التي ذكرها أيضاً منقطعة وليست متصلة؛ لأنه حديث مسلم الذي أعل بالانقطاع أعل بعدم سماع أبي سلام من حذيفة، والرواية التي ذكرها الألباني عند الطبراني عن أبي سلام عن حذيفة! فبقيت الرواية منقطعة.

وكأن الألباني ظنّ أن زيادة: "عن أبيه" بين زيد وجده أبي سلام دفع هذا الانقطاع! وليس كذلك؛ لأن رواية زيد بن سلام عن جده أبي سلام متصلة.

ولم يتنبه الألباني إلى أن رواية الطبراني هذه معلولة، فسلام والد زيد لا توجد له رواية كما فصلته آنفاً. وعمر بن راشد حديثه مضطرب عن يحيى، وقد تابعه سويد أبو حاتم اليمامي وهو مجهول، والحديث معروف عن معاوية بن سلام عن أخيه زيد عن جده أبي سلام، ولا يُعرف عن زيد بن سلام عن أبيه عن جده، بل لا توجد رواية لسلام والد زيد.

فهذا الحديث بهذا الإسناد لا يصح عن يحيى بن أبي كثير، ولا تصلح متابعة عمر بن راشد لسويد، فالأول حديثه عن يحيى مضطرب، والثاني مجهول لا يُعرف، كما فصلته بحمد الله.

2- قال الألباني في رواية سبيع: "وهو ثقة؛ وثقه ابن حبان والعجلي، وروى عنه جمع من الثقات، فقول الحافظ فيه: ((مقبول)) غير مقبول، ولذلك لما قال الحاكم عقب الحديث: ((صحيح الإسناد))، وافقه الذهبي".

قلت: الألباني إذا أراد الاحتجاج بحديث راوٍ ذكره ابن حبان في الثقات، يقول فيه: "ثقة، وثقه ابن حبان"، وإذا أراد تضعيف حديث راو ذكره ابن حبان في ثقاته، يقول: "وتوثيق ابن حبان كذا وكذا" فيرده!!

وهذا منهج فيه اضطراب؛ وهو غير مضبوط عنده، وقد فصّلت في هذه المسألة بحمد الله في رسالتي للدكتوراة.

نعم، الأصل فيمن يورده ابن حبان في ثقاته ممن لا جرح فيه ولا تعديل، وروى عنه جمع من الثقات أن يقبل حديثه، ولكن لا يطلق عليه بأنه ثقة، فقبول حديثه يكون بالنظر إلى بعض القرائن الي تحيط بالرواية، وهذه الرواية التي رواها سبيع هي في أصلها صحيحة، ولكن فيها ألفاظ منكرة، فلا يقال: هو ثقة، فنقبل هذه الرواية بكل ما فيها! والجمع الذي روى عنه من الثقات ليسوا بأعلى درجات الثقة كما يوهم قول الشيخ، فأحدهم لا يعرف إلى في هذا الحديث وهو صخر بن بدر، ونصر بن عاصم وهو صدوق، لكن لا يُحتج بروايته مطلقاً.

والحافظ إنما قال فيه مقبول لأنه قد توبع في روايته، وقد اعتمد رواية أبي سلام التي عند مسلم، ومن أجل هذا قال فيه مقبول، وإلا فالأصل أن يكون ليناً عن الحافظ، ولكن لما رأى أنه قد توبع على حديثه قبله.

وأما تصحيح الحاكم للرد على ابن حجر في قوله فلا يعني شيئاً! والعجب من الألباني فهو من المتشددين على الحاكم وأحكامه في كثير من الأحايين، ولكنه يتساهل في مواضع إذا وافق رأيه!!

وأما زعم موافقة الذهبي له فهذا من أوهام وخيالات بعض المتأخرين ومن مشى خلفهم من المعاصرين.

3- قال الألباني: "وأما قول الشيخ الكشميري في ((التصريح بما تواتر في نزول المسيح)) بعد أن عزاه لابن أبي شيبة وابن عساكر: ((وبعض ألفاظه يتحد مع ما عند البخاري، فهو قوي إن شاء الله)). فمما لا وزن له عند العارفين بطرق التصحيح والتضعيف، لأن اتحاد بعض ألفاظه بما عند البخاري لا يستلزم تقوية الحديث برمته، بل قد يكون العكس في كثير من الأحيان، وهو المعروف عندهم بالحديث الشاذ أو المنكر، ويأتي الإشارة إلى لفظة منها قريباً، وقد خرجت في ((الضعيفة)) نماذج كثيرة من ذلك... ومثله قول الشيخ عبدالله الغماري في ((عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام)) ونقله الشيخ أبو غدة في تعليقه على ((التصريح)): ((وهو حديث صحيح))! أقول: لا قيمة لهذا أيضاً لأنه مجرد دعوى يستطيعها كل أحد مهما كان جاهلاً بهذا العلم الشريف، وقد رأيت الغماري واسع الخطو في تصحيح ما لا يصح من الحديث في كتابه الذي سماه: ((الكنز الثمين))، وقد تعقبته في كثير من أحاديثه، وبينت ضعفها... وقد بينت لك آنفاً أن إسناد الحديث صحيح لمجيئه من طرق صحيحة عن سبيع، ولأن أبا عوانة صححه أيضاً بإخراجه إياه في ((صحيحه))، وهو ((المستخرج على صحيح مسلم))، وتصحيح الحاكم أيضاً والذهبي، وإنما رددت قول الحافظ فيه: ((مقبول)) لأنه يعني عند المتابعة، وإلا فهو لين الحديث عنده، كما نص عليه في مقدمة ((التقريب)). وكأنه لم يستقر على ذلك، فقد رأيته في ((فتح الباري)) (13/35-36) ذكر جملاً من هذه الطريق لم ترد في غيرها، فدل ذلك على أن سبيعاً هذا ليس لين الحديث عنده، لأن القاعدة عنده أن لا يسكت على ضعيف. والله أعلم. قلت: وفي هذه الطريق الزيادات الأخرى والروايات المشار إليها بقولي: ((وفي طريق...)) مما لم يذكر في الطرق المتقدمة، موزعة على مخرجيها، وفيها أيضاً الزيادة الثالثة. وفي بعض الطرق رواية مستنكرة بلفظ: ((خليفة الله في الأرض)) تقدم الكلام عليها تحت حديث صخر بن بدر عن سبيع برقم (1791)".

قلت:

أولاً: هذا الذي ذكره الألباني صحيح، ولكنه كما عاب على غيره في تصحيح ما هو شاذ أو منكر، وقع هو نفسه فيه! فبعض الألفاظ في الرواية المنقطعة عند مسلم، وبعضها في رواية سبيع منكرة، والشيخ يُنازع في تصحيحها، فكما أنه يُعيب على غيره هذا الفعل، وأيضاً هو يُعاب عليه هذا، وهذا الذي جمعه من ألفاظ قد رأى صحتها فيه نظر كما سبق بيانه.

ثانياً: سبق التعليق على قوله في سبيع: "ثقة"!

ثالثاً: تخريج أبي عوانة له، نعم يعني تصحيحه له، وهذا تحصيل حاصل، فهو إنما يستخرج على كتاب الإمام مسلم، فإسناده يلتقي مع إسناد مسلم، فإقحامه هنا لا داعي له.

وأما تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي، فقد سبق الكلام عليه.

رابعاً: نعم ابن حجر بمقبول، يعني عند المتابعة، ولكن الألباني ذهب إلى خلافه! فكأن ابن حجر يرى أنه لين بذلك؛ لأنه لم يتابع! والحقيقة أن ابن حجر يرى أنه قد توبع برواية أبي سلام كما بينته، ولهذا ذكر جملاً منه في شرحه لصحيح البخاري، وهذا الذي أصّله الشيخ فيما يتعلق بهذا الأمر مبني على فهمه أن ابن حجر يرى أنه لين الحديث، ولكنه في في الفتح يرى أنه ليس كذلك، وهذا ممكن لو كان ما فهمه الشيخ صحيح، ولكنه مُنازع في هذا الفهم.

خامساً: استنكر الألباني ما في بعض الروايات: ((خليفة الله في الأرض))، ولهذا لم يوردها في ما جمعه من ألفاظ هذا الحديث.

وهذا اللفظ في رواية أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي التياح عن صخر عن سبيع.

وهذا يعني أن في بعض ألفاظ الحديث نكارة، فكما استنكر الشيخ بعض ألفاظه، ونحن كذلك نستنكر ما أنكرناه فيما مضى من ألفاظه؛ لعدم وجودها في رواية أبي إدريس الخولاني الذي ضبط هذا الحديث عن حذيفة، وسبيع لا يُقارن به؛ فالأول معروف ومشهور وهو من أتقن الناس، والأخير لا يُعرف إلا في هذا الحديث!

4- قال الألباني: "الرابعة: عن حميد بن هلال عن عبدالرحمن بن قرط عن حذيفة مختصراً. أخرجه النسائي في الكبرى.. وابن ماجة.. والحاكم.. عن أبي عامر صالح بن رستم عن حميد بن هلال عن عبدالرحمن بن قرط عن حذيفة. وقال الحاكم: ((صحيح الإسناد)). ووافقه الذهبي! وهو من أوهامهما، فإن عبدالرحمن بن قرط مجهول كما في ((التقريب))، وأشار إلى ذلك الذهبي نفسه بقوله في ((الميزان)): ((تفرد عنه حميد بن هلال)). وصالح بن رستم صدوق كثير الخطأ، وأخرج له مسلم متابعة، وقد خالفه في إسناده من الثقات سليمان بن المغيرة فقال: عن حميد بن هلال عن نصر بن عاصم الليثي قال: أتينا اليشكري.. الحديث. فجعل نصر بن عاصم مكان عبدالرحمن بن قرط، وهو الصواب".

قلت: الذهبي لم يوافقه كما مر بيانه مراراً؛ ويؤيده ما نقله الألباني نفسه عن الذهبي أنه أشار إلى عدم تصحيحه، وكثيراً ما ينسب الألباني إلى الذهبي التناقض بسبب هذه "المقولة المشؤومة": "صححه الحاكم ووافقه الذهبي"!!!

وأما تعليل الشيخ لرواية صالح بن رستم فقد أصاب في ذلك، ولكن كان ينبغي له أن يشير إلى أنه ذكر هذه الرواية في الحديث الذي أشار إليه سابقاً برقم (1791)، ويبين أنه ذكره هناك وقال في ابن قرط هذا إنه مجهول، ولكن العلة الحقيقية هي مخالفة صالح بن رستم، وهو كثير الخطأ، لغيره، وهو الثقة سليمان بن المغيرة.

وكان الألباني ذكر برقم (1791): ((تكونُ هُدْنَةٌ على دَخَن، ثم تكون دعاة الضلالة، قال: فإن رأيت يومئذ خليفة... في الأرض فالْزمه، وإن نَهَكَ جسمك، وأخذ مالَك، فإن لم تره فاهرُب في الأرض، ولو أن تموت وأنت عاضٌّ بِجِذْلِ شجرة)).

وقال في تعليقه: "ولطرف الحديث الأخير طريق أخرى عن عبدالرحمن بن قرط عن حذيفة بن اليمان بلفظ: (تكون فتن، على أبوابها دعاة إلى النار، فأنْ تموتَ وأنتَ عاضٌ على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحداً منهم). أخرجه ابن ماجه (3981). لكن ابن قرط هذا مجهول" انتهى.

قلت: وكذلك كان ينبغي له أيضاً أن يقول في بداية هذا الحديث الذي برقم (2739) أنه ذكر جزءاً منه برقم (1791) وأنه وقف على أشياء جديدة جعلته يذكره مرة أخرى كما يصرّح في أماكن أخرى إذا أعاد الحديث.

ولا يُقال إنه ربما نسي أو لم يستحضر ذلك؛ لأنه أشار في كلامه على استنكار لفظ: ((خليفة الله في الأرض)) أنه تقدم الكلام عليها تحت حديث صخر بن بدر عن سبيع برقم (1791)!

· رواية عن عمر بن الخطاب من قوله، هل صحت عنه؟!

روى ابن أبي شيبة في «المصنف» (6/544) عن وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن عبدالأعلى، عن سويد بن غفلة، قال: قال لي عمر: «يا أبا أمية، إني لا أدري لعلي أن لا ألقاك بعد عامي هذا فاسمع وأطع، وإن أمر عليك عبد حبشي مجدع، إن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن أراد أمراً ينتقص دينك، فقل: سمع وطاعة، دمي دون ديني، فلا تفارق الجماعة».

ورواه ابن زنجويه في «الأموال» من طريق إسرائيل بن يونس عن إبراهيم بن عبدالأعلى، به.

ورواه نُعيم بن حماد في «الفتن» عن ابن المبارك عن محمد بن طلحة اليامي عن إبراهيم بن عبدالأعلى، به.

ورواه الآجري في «الشريعة» من طريق موسى بن أعين عن إبراهيم، به.

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/159) قال: أخبرنا أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا الحسن بن علي بن عفان، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم بن عبدالأعلى، عن سويد بن غفلة، قال: قال لي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «يا أبا أمية، لعلك إن تخلف بعدي فأطع الإمام، وإن كان عبداً حبشياً إن ضربك فاصبر، وإن أمرك بأمر فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن ظلمك فاصبر، وإن أمرك بأمر ينقص دينك فقل: سمع وطاعة دمي دون ديني».

قال: أخبرناه أبو سعيد بن أبي عمرو، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، قال: حدثنا أحمد بن عبدالحميد الحارثي، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن إبراهيم بن عبدالأعلى فذكره بمعناه، زاد في آخره: «ولا تفارق الجماعة».

قال البيهقي: "ولم يذكر في إسناده منصوراً، وهذا أصح، وذكر منصور فيه وهم، والله أعلم".

قلت: أراد البيهقي أن يبين الاختلاف على أبي أسامة، والصواب: عنه عن سفيان عن إبراهيم بن عبدالأعلى.

· حال إبراهيم بن عبدالأعلى، وتخريج مسلم رواية له تفرد بلفظها!

وهذا الكلام من قول عمر قد تفرّد به إبراهيم بن عبدالأعلى الكوفي عن سويد عن عمر! وسويد بن غَفَلة مخضرم كبير من أصحاب عمر - رضي الله عنه -، وجُلّ ما رواه عن عمر إنما فيما رآه يفعل أو أقواله، وروى عن عثمان وعن عليّ بعض ما رأى منهما أيضاً وبعض أقوالهما.

وإبراهيم بن عبدالأعلى قد سمع من سويد، وهو لا بأس به.

قال ابن معين: "ليس به بأس"، وقال مرة: "صالح".

وقال أحمد والنسائي: "ثقة".

وقال أبو حاتم الرازي: "صالح، يُكتب حديثه".

وقال يعقوب بن سفيان: "لا بأس به".

وقال العجلي: "ثقة".

وذكره ابن حبان في الثقات.

قلت: لم يُخرِّج له البخاري، وأخرج له مسلم حديثاً واحداً في المتابعات.

أخرج مسلم في «الصحيح» (2/925) من طريق ابنِ شِهَابٍ الزّهريّ عَنْ سَالِمٍ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ: «قَبَّلَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ الْحَجَرَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَ وَاللَّهِ، لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ».

ثُم رواه من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر: أنّ عمر قبَّل الحجر، بنحوه.

 ثم رواه من طريق عَاصِمٍ الأحْوَلِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ سَرْجِسَ قَالَ: «رَأَيْتُ الأَصْلَعَ - يَعْنِي عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ - يُقَبِّلُ الْحَجَرَ، وَيَقُولُ: وَاللَّهِ، إِنِّي لأقَبِّلُكَ وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَأَنَّكَ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ».

ثم رواه من طريق الأعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ بنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ عُمَرَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ: إِنِّي لأقَبِّلُكَ وَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ لَمْ أُقَبِّلْكَ».

ثم ختم برواية وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِالأعْلَى عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ قَالَ: «رَأَيْتُ عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَ حَفِيًّا».

وكذا رواه النسائي في «سننه» (2/400) عن محمود بن غيلان عن وكيع.

قلت: تفرّد إبراهيم بهذه اللفظة: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَ حَفِيًّا»!!

رواه البزار في «مسنده» (1/478) عن محمد بن المثنى قال: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن عبدالأعلى، عن سويد بن غفلة قال: «رأيت عمر يقبل الحجر، ويقول: إني لأقبلك وأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولكن رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بك حفياً».

قال البزار: "وهذا اللفظ لا نعلم رُوي عن عمر إلا من حديث سويد بن غفلة عن عمر".

ورواه الطيالسي في «مسنده» (ص8) عن إسرائيل عن إبراهيم بن عبدالأعلى، نحوه.

قلت: فتبيّن أنّ إبراهيم قد تفرد بهذا عن سويد عن عمر، ولم يُتابع على هذا اللفظ!

وكذا حديثنا تفرّد به عن سويد، ولفظة: «إن ضربك فاصبر» منكرة!! وعمر - رضي الله عنه - لا يرضى بالظلم كما هو معروف في سيرته.

فهاتان روايتان لإبراهيم هذا عن سويد قد تفرد ببعض ألفاظهما، فلا يُقبل هذا منه.

وقد أشار إلى مثل تفرداته هذه الحافظ ابن حجر، وكأنه يتوقف في بعض ما يرويه؛ فإنه لما ذكر حديثه في «الدراية في تخريج أحاديث الهداية» (2/162) عن سويد، قال: «بلغ عمر أن عماله يأخذون الجزية من الخمر، فناشدهم ثلاثاً، فقال له بلال: إنهم ليفعلون ذلك، قال: فلا تفعلوا، ولوهم بيعها؛ فإن اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها».

قال ابن حجر: "وفي إسناده إبراهيم بن عبدالأعلى، والله أعلم".

قلت: فكأنه يتوقف في هذه الرواية من أجل إبراهيم هذا، والله أعلم.

والخلاصة عدم ثبوت اللفظة التي تفرد بها إبراهيم عن سويد.

· رواية أخرى معلولة يستخدمها بعض الناس كشاهد للأحاديث السابقة!

روى ابن أبي عاصم في كتاب «السنة» (2/492) عن هشام بن عمّار، قال: حدثنا مُدْرِك بن سعد، قال: سمعت حيان أبا النضر قال: سمعت جُنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثره عليك؛ وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك».

ورواه ابن حبان في «صحيحه» (10/425) عن الحسين بن عبدالله بن يزيد القطان عن هشام بن عمار، به. ولفظه: «وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إلا أن يكون معصية».

ورواه أيضاً (10/428) من طريق الهيثم بن خارجة عن مدرك بن سعد الفزاري أبي سعيد، به.

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (57/184) من طريق علي بن حجر عن مدرك بن أبي سعد، به.

وللحديث قصة رواها ابن عساكر في «تاريخه» (15/374) من طريق أبي علي بن منير: أنَّ محمد بن خريم، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا مدرك بن أبي سعد قال: أتينا يونس بن حلبس عائدين له في بيته، وكان عنده شيخ أكبر منه يُقال له: أبو النضر، اسمه حيان القارئ فقال يونس: يا أبا النضر، الحديث الذي حدثتنا، فقال أبو النضر: حدثني جنادة بن أبي أمية الأزدي عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا عبادة، اسمع وأطع في يسرك وعسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك؛ وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك، إلا أن يكون معصية بواحاً)).

قلت: وهذا الزيادة تفرّد بها مدرك بن سعد، وهو قليل الحديث، وهو مستور الحال وإن وثقه بعض أهل العلم.

قال يزيد بن محمد بن عبدالصمد وعثمان الدارمي وأبو حاتم الرازي: "ثقة".

وقال أبو حاتم أيضاً وأبو داود: "لا بأس به".

وقال أبو زرعة الدمشقي عن أبي مُسهر: "صالح".

وقال أيضاً: سألت أبا مسهر عنه؟ فقال: "لا بأس به، يؤخذ من حديثه المعروف".

قلت: أبو مسهر عالِم الشام ولم يوثقه التوثيق المعتبَر عند أهل النقد، ومن أطلق التوثيق فيه ليس من أهل الشام العارفين بحديث الرجل، وهو كما ذكرت مستور الحال، ولهذا قال أبو مسهر: "صالح"، وقال: "يؤخذ من حديث المعروف"، أي الحديث الذي يُتابع عليه، ويرد ما تفرد به.

ونحن لا نشك أنه سمع هذا الحديث من أبي النضر بحسب القصة التي ساقها ابن عساكر، ولكنه زاد في الحديث لفظة تفرد بها عن أبي النضر، وغير أبي النضر لا يذكر هذه الزيادة.

وقد خالفه في هذا أيضاً سعيد بن عبدالعزيز عن أبي النضر كما سيأتي.

روى الإمام أحمد في «المسند» (5/321) عن الوليد بن مسلم، قال: حدثني الأوزاعي، عن عُمير بن هانئ: أنه حدّثه عن جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ولا تنازع الأمر أهله، وإن رأيت أن لك)).

ثم رواه عن الوليد بن مسلم، قال: حدثنا سعيد بن عبدالعزيز، عن حَيَّان أبي النضر: أنه سمع من جنادة يُحدث عن عبادة، بمثله.

قلت: فأشار الإمام أحمد إلى رواية سعيد بن عبدالعزيز التنوخي الدمشقي عن أبي النضر مثل رواية عمير بن هانئ، ليس فيها: «وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك»!

فيكون مدرك قد خالف سعيد بن عبدالعزيز، ومخالفته هذه لا يُعتد بها سيما وأن الروايات الأخرى عن جنادة من غير طريق أبي النضر ليس فيها هذه الزيادة كرواية عُمير بن هانئ، وهي رواية صحيحة لا أعرف لها علة.

وما جاء في بعض الروايات وغيرها مما في الصحيحين من لفظ: "إلا أن يكون معصية بواحاً"، أو: "إلا أن ترى كفراً براحاً"، فقد حررته في موضع آخر، ولله الحمد والمنّة. 

وكتب: خالد الحايك

25/1/2011.

 

شاركنا تعليقك