الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

فوائد تتعلق بترجمة النضر بن عبدالله القيسيّ، ووهمٌ للحاكم في المستدرك! وخلطٌ لأبي حاتم الرازي وابنه! ووهم للعقيلي ومتابعة الذهبي له! وفوائد أخرى تتعلق بترجمة ابنه عبيدالله.

فوائد تتعلق بترجمة النضر بن عبدالله القيسيّ، ووهمٌ للحاكم في المستدرك! وخلطٌ لأبي حاتم الرازي وابنه! ووهم للعقيلي ومتابعة الذهبي له! وفوائد أخرى تتعلق بترجمة ابنه عبيدالله.

بقلم: أبي صهيب الحايك.

 

روى أبو داود في ((السنن)) (1/311) قال: حدَّثنا مُحَمد بن عَمْرو بن جَبَلَة بن أَبي رَوَّاد، حدَّثني حَرَمِي بن عُمَارَة، عن عُبَيْدالله بن النَّضْر، حدَّثني أَبي، قَالَ: كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى عَهْدِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَنَسًا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَلْ كَانَ يُصِيبُكُمْ مِثْلُ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: (مَعَاذَ اللهِ؛ إِنْ كَانَتِ الرِّيحُ لَتَشْتَدُّ، فَنُبَادِرُ الْمَسْجِدَ، مَخَافَةَ الْقِيَامَةِ).

· وهم للحاكم:

رواه الحاكم في ((المستدرك على الصحيحين)) (1/483) من طريق محمد بن أبي صفوان، عن حرمي بن عمارة، به.

قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يخرجاه، وعبيدالله هذا هو ابن النضر ابن أنس بن مالك، وقد احتجا بالنضر".

قلت: هذا وهمٌ شديدٌ من الحاكم – رحمه الله – فإن النضر هذا ليس بابن أنس بن مالك، وإنما هو النضر بن عبدالله بن مطر القيسي ابن بنت قيس بن عُباد التابعي الكبير المعروف.

وكأن الحاكم لما رأى أن رواية النضر عن أنس ظنه ابنه فوهم! ولهذا لما علّق الذهبي عليه في ((التلخيص)) قال: "قلت: إنه يقول لأبيه: يا أبا حمزة".

قلت: فكأنه يستنكر هذا! فلم يُعهد أن ابناً لصحابي كبير كأنس يقوله له ابنه: يا أبا فلان! بل يقول له: يا أبت أو ما شابه ذلك مما يدلّ على احترام الابن لوالده.

· خلطٌ لأبي حاتم الرازي وابنه!

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/473): "النضر البصري: سمع أنس بن مالك، روى عنه عبيدالله بن عبيد، سمعت أبي يقول ذلك".

ثم قال: "النضر القيسي، روى عن ابن بنت أنس، روى عنه ابنه عبيدالله، سمعت أبي يقول ذلك".

ثم قال في (8/477): "النضر بن عبدالله، روى عن قيس بن عباد، روى عنه الحكم ابن عطية".

قلت: هكذا فرّق أبو حاتم بين الأول والثاني، وزاد ابنه ثالثاً، وكلّهم واحد.

فالنضر البصري هو القيسي، وهو ابن بنت قيس بن عباد، ويروي عن أنس، ويروي عنه ابنه عبيدالله، وكأنه تحرّف على أبي حاتم، فقال إنه يروي عن ابن بنت أنس، وهو خطأ.

وأما الثالث الذي زاده ابنه فهو نفسه النضر القيسي وهو ابن عبدالله بن مطر، وروى عنه الحكم بن عطية.

قال ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2/280): حدثنا أبو داود الطيالسي، عن الحكم ابن عطية، عن النضر بن عبدالله القيسي، عن قيس بن عباد: (أنه كان يصوم في السفر ويفطر).

وقال أيضاً (5/156): حدثنا وكيع عن الحكم بن عطية، عن النضر بن عبدالله: (أن قيس بن عباد وفد إلى معاوية فكساه رَيْطَة فَفَتَق عَلَمها وارتدى بها).

وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (29/387): "النضر بن عبدالله بن مطر القيسي البصري ابن بنت قيس بن عُباد، وهو والد عبيدالله بن النضر، روى عن أنس بن مالك (د)، وأبيه عبدالله بن مطر، وجدّه لأمه قيس بن عباد، روى عنه الحكم بن عطية، وابنه عبيدالله بن النضر (د)، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، روى له أبو داود".

· ترجمة البخاري للنَّضر وحلّ إشكال فيها، وردّ استدراك أبي حاتم عليه، ومحاولة المعلمي في حلّ الإشكال!

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (8/87): "النضر البكري: سمع أنساً، روى عنه عبدالله، أراه ابن عبيدالله".

قال المعلمي اليماني محقق الكتاب: "كذا وقعت هذه الترجمة في الأصلين؛ وفي كتاب ابن أبي حاتم: (النضر البصري: سمع أنس بن مالك، روى عنه عبيدالله بن عبدالله)، وفي الثقات: (النضر بن عبدالله البكري، يروي عن أنس، روى عنه ابنه عبيدالله بن النضر)، وفي التهذيب: (النضر بن عبدالله بن مطر القيسي البصري، روى عن أبيه... وأنس بن مالك، وعنه ابنه عبيدالله))، وقد ترجموا لعبيدالله بن النضر في بابه، فلعل الصواب في عبارة المؤلف هكذا: (روى عنه عبيدالله أراه ابن عبدالله) والضمير في أراه للنضر، والله أعلم". انتهى.

وقد تعقّب البخاريّ أبو حاتم الرازي فقال ابنه في ((بيان خطأ البخاري في التاريخ)) (ص127) فقال: "النضر البصري: سمع أنساً، روى عنه عبدالله أراه ابن عبيدالله. وإنما روى عنه عبدالله بن عبيد. سمعت أبي يقول كما قال".

وعلّق الإمام المعلمي على هذا فقال: "وقع في التاريخ والثقات (البكري) وأرى الصواب (البصري) وأنه قيسي".

ثم قال: "كذا وفي الجرح والتعديل: (عبيدالله بن عبيد)، وقد راجعت فيع بأبي عبدالله وعبيدالله، فلم أجد ما يفيد. وفيه عقب هذه الترجمة ترجمة أخرى (النضر القيسي، روى عن ابن بنت سيرين، روى عنه ابنه عبيدالله)، وجعلهما صاحب التهذيب واحداً: (النضر ابن عبدالله بن مطر القيسي البصري، روى عن أبيه... وأنس...، روى عنه ابنه عبيدالله)، وفي الثقات: (النضر بن عبدالله البكري، يروي عن أنس، روى عنه ابنه عبيدالله بن النضر)، وترجمة الابن في التاريخ (عبيدالله بن النضر...) وبهذا اتضح أن صواب عبارة التاريخ هنا هكذا مع الإيضاح: (روى عنه [ابنه] عبيدالله، أراه [النضر] ابن عبدالله)، أما عدا ذلك خطأ، والله الموفق". انتهى.

قلت: أما تعقّب أبي حاتم فليس بشيء! بل زاد الطين بِلة! فلا يوجد للنضر ابن يقال له: عبدالله بن عبيد أو حفيد أو غير ذلك!

وأما محاولة المعلمي لحلّ الإشكال ففيها بُعدٍ كبير! وحلّ الإشكال في تعليقه على خطأ البخاري اختلف عما قاله في تعليقه على التاريخ، وأرى أن فيهما نظر!

والصواب عندي أنه سقط من العبارة ضمير الهاء من (ابن)، فالعبارة الصحيحة – إن شاء الله -: (النضر البصري: سمع أنساً، روى عنه عبدالله، أُراهُ ابنـ[ـه] عُبيدالله"، فكأنه وقع للبخاري إسناداً فيه: عن عبدالله بن النضر عن أبيه، فذكره البخاري بأن ابنه عبدالله يروي عنه، والبخاري يعلم أن ابنه اسمه (عبيدالله) لا (عبدالله)، فنبّه على ذلك قائلاً أن عبدالله هذا هو ابنه عبيدالله، فسقطت الهاء من الكلمة مما سبب هذا الإشكال، وكثيراً ما يسقط حرف (الياء) من عبيدالله، فتصبح عبدالله.

ويؤيد هذا أن ابن حبان يعتمد في تراجمه على البخاري، فإنه قال في ((الثقات)) (5/475): "النضر بن عبدالله البكري، يروي عن أنس بن مالك، روى عنه ابنه عبيدالله ابن النضر".

قلت: فصرّح ابن حبان بأنه الذي يروي عنه ابنه عبيدالله، وهو ما ذهب إليه البخاري بقوله: "أُراه عبيدالله"، أي أن اسم ابنه (عبيدالله) لا (عبدالله).

وأما ترجيح المعلمي للبصري على البكري فصواب إن شاء الله، مع احتمال صحة نسبته (البكري) فهم ينسبونه (القيسي) نسبة إلى جده لأنه: (قيس بنُ عباد)، وقيس من من بني ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. فهو بكري، فقد يكون نُسب إليه، والله أعلم.

· تجهيل صاحبي تحرير التقريب للنضر!!

قال ابن حجر في ((التقريب)): (ص652).: "النّضر بن عبدالله بن مَطَر القيسي، البصري، مستور، من الخامسة. د".

وتعقبه صاحبا التحرير (4/16) فقالا: "بل: مجهول الحال، فقد روى عنه اثنان فقط، وذكره ابن حبان وحده في الثقات".

قلت: بل هو ثقة، وأين هما من توثيق الذهبي الذي يتبعانه عادة في كتابهما؟! قال الذهبي في ((الكاشف)) (2/321): "النضر بن عبدالله بن مطر، عن قيس بن عباد وأنس، وعنه ابنه عبيدالله والحكم بن عطية: ثقة".

· هل سمع عبيدالله بن النَّضر مِن أنس بن مالك؟!

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (5/401): "عُبيدالله بن النضر أبو النضر: سمع أنساً رضي الله عنه، روى عنه أبو عاصم البصري. وقال موسى وابن المبارك: حدثنا عبيدالله بن النضر: سمع أباه: سمع أنساً: (إن كانت من الريح). وقال العكلي: حدثنا عبيدالله بن النضر بن عبدالله: سمع أباه، عن جدّه".

قلت: هكذا ذكر البخاري سماعه من أنس، ولم أجد من ذكر ذلك من أهل العلم، والمعروف أن الذي سمع من أنس هو والده النضر.

وقد أشار المزي إلى قول البخاري هذا وضعّفه، فقال في ((تهذيب الكمال)) (19/170): "عبيدالله بن النضر بن عبدالله بن مطر القيسي، أبو النضر البصري. يُقال: إنه من ولد قيس بن عباد، روى عن أنس بن مالك فيما قيل، وأبيه النضر بن عبدالله (د)، روى عنه حرمي بن عمارة (د) وزيد بن الحباب وأبو عاصم الضحاك بن مخلد، وعبدالله ابن المبارك، وعبدالرحمن بن مهدي، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل، ويونس بن محمد المؤدب. قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى له أبو داود حديثاً واحداً عن أبيه عن أنس".

قلت: من البعيد جداً أن يكون أدرك أنساً!! فطبقة تلاميذه الذين رووا عنه وفياتهم بين (180-212هـ).

فلعل هناك خطأ في نسخة التاريخ الكبير! فيكون الصواب: (عبيدالله بن النضر أبو النضر: سمع [أباه]: سمع أنساً).

ويؤيد هذا أن الإمام مسلم يعتمد على البخاري في كتابه الذي صنفه في الكنى، فإنه يورد فيه ما يذكره البخاري بحروفه في أغلب التراجم.

قال مسلم في ((الكنى والأسماء)) (1/839): "أبو النضر عبيدالله بن النضر: سمع أباه، عن أنس، روى عنه ابن المبارك وزيد بن حباب وأبو عاصم وأبو سلمة".

فلو كان في نسخة البخاري أنه سمع أنساً لذكر ذلك الإمام مسلم. وكذلك ابن حبان فإنه يتبع البخاري أيضاً. قال في ((الثقات)) (7/150): "عبيدالله بن النضر أبو النضر، يروي عن أبيه عن أنس، روى عنه بن المبارك".

وأما أبو حاتم فإن نسخته من تاريخ البخاري معروفة بأنها سقيمة، ولهذا لا يكاد يسلم له شيئاً من استدراكاته على الإمام البخاري في الكتاب الذي جمعه ابنه (بيان خطأ البخاري في تاريخه) كما بيّنه العلامة المعلمي اليماني أثناء تحقيقه للكتاب.

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (5/335): "عبيدالله بن النضر أبو النضر القيسي، من ولد ابن عباد، روى عن أنس بن مالك، روى عنه أبو عاصم النبيل، سمعت أبي يقول ذلك. قال أبو محمد: روى عنه عبدالرحمن بن مهدي وأبو سلمة موسى بن إسماعيل".

قلت: تبع أبو حاتم البخاري في أنه روى عن أنس بن مالك وهذا يدلّ على أن في نسخته سقطاً كما أشرت، وبقي هذا السقط في نسخة ابن سهل الأصبهاني، والله أعلم.

ويُحتمل أن البخاري أراد بهذا بيان أن أبا عاصم روى عن عبيدالله بن النضر أبو النضر: سمع أنساً، فلم يذكر (أباه) في الإسناد، وخالفه موسى وابن المبارك فقالا: عبيدالله ابن النضر: سمع أباه: سمع أنساً. وقال العكلي: عبيدالله بن النضر بن عبدالله: سمع أباه، عن جدّه.

فأراد البخاري بيان الاختلاف من تلاميذه عليه، والله أعلم.

· وهمٌ للعقيلي ومتابعة الذهبي له!

قال العقيلي في ((الضعفاء)) (3/128): "عبيدالله بن النضر بن أنس. حدثنا عبدالله، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، عن عبيدالله بن النضر، عن أبيه، عن قيس بن عباد: أنه كان يُصلي العشاء مع العتامة. قال عبدالرحمن فقدم علينا عبدالله بن المبارك بعد سنين، فأتيناه فسألناه عن هذا الحديث - يعني عبيدالله بن النضر؟ فقال: "لا أحفظه". فقلت: أراك قد تتمناه (كذا!) فقال: أنا يومئذ أحفظ مني اليوم".

وقال الذهبي في ((الميزان)) (5/22): "عبيدالله بن النضر بن أنس، ذكره العقيلي في كتابه، وأنه وهم في سند حديث".

قلت: وهم العقيلي في نسبته بأن النضر ابن أنس، وإنما هو: عبيدالله بن النضر بن عبدالله بن مطر، فكأنه توهم أن النضر هذا هو ابن أنس بن مالك! وليس كذلك كما سبق بيانه في وهم الحاكم حول هذا أيضاً.

وكذلك وهم العقيلي في ذكره في الضعفاء ومتابعة الذهبي له في هذا! ولا أدري كيف فهم الذهبي أنه وهم في سند الحديث؟!

والقصة ذكرها عبدالله بن أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (3/62) قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، عن عبيدالله بن النضر، عن أبيه، عن قيس بن عباد: (أنه كان يصلي العشاء مع القيام).

قال عبدالرحمن: فقدم علينا عبدالله بن المبارك بعد سنين، فأتيناه - يعني عبيدالله بن النضر، فسألناه عن هذا الحديث؟ فقال: "لا أحفظه". فقلت: إنك حدثتنا به. قال: "أنا يومئذ أحفظ مني اليوم".

قلت: فهذه القصة ذكرها الإمام أحمد ليبيّن أن المحدّث قد ينسى ما حدّث به قوماً قديماً لكبر سنه، فها هو عبدالرحمن ذكّره به فلم يتذكره وصرّح بأنه لا يحفظه، ولا مدخل لما ذكر الذهبي أنه وهم في سند الحديث أو غيره.

وكذلك أخطأ ابن عدي في ذكره في الضعفاء، فإن النسيان لا ينقل الراوي من الثقة إلى الضعف إلا إذا حدّث وخلط! أما عبيدالله فإنه حدّث به قديماً، وعندما سئل عنه مؤخراً قال بأنه لا يحفظه، فلم يحدث به بعد، وهذا غاية في الورع والتقوى والصدق - رحمه الله -.

وكتب: خالد الحايك.

الخميس 26 شعبان 1429هـ

28 آب 2008م.

شاركنا تعليقك