الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

علّةُ حديثٍ في سنن أبي داود وسنن ابن ماجة. وتحريرُ حالِ حاتم بن أبي نصر. وقولُ أهل العلم في صحبة أبي سويد وأوهامهم في ذلك!!

علّةُ حديثٍ في سنن أبي داود وسنن ابن ماجة. وتحريرُ حالِ حاتم بن أبي نصر. وقولُ أهل العلم في صحبة أبي سويد وأوهامهم في ذلك!!

بقلم: خالد الحايك

 

روى أبو داود في ((سننه)) (3/199) عن أحمد بن صالح. وابن ماجة في ((سننه)) (1/473) عن يونس بن عبدالأعلى. كلاهما عن عبدالله بن وهب، قال: حدّثني هشام بن سعد، عن حاتم بن أبي نصر، عن عبادة بن نسي، عن أبيه، عن عبادة بن الصامت، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الكفن الحلة)).

وعند أبي داود زيادة: ((وخير الأضحية الكبش الأقرن)).

ورواه البزار في ((مسنده)) (7/152) من طريق أصبغ بن الفرج عن عبدالله بن وهب، به.

ورواه الحاكم في ((المستدرك)) (4/254) من طريق محمد بن عبدالله بن عبدالحكم عن ابن وهب، به.

· تصحيح الحاكم لحديث منكر! وتحسين د. الدهيش له!

قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسنادِ ولم يخرجاه".

ورواه الضياء المقدسي في ((المختارة)) (8/348) من طريق أحمد بن عيسى وأحمد بن عبدالرحمن ابن أخي ابن وهب، كلاهما عن ابن وهب، به.

قال محقق ((المختارة)) د. الدهيش: "إسناده حسن".

قلت: بل هو حديثٌ منكرٌ! وأصله مرسلٌ.

وقد رواه وكيع بن الجراح وعبدالرحمن بن مهدي عن هشام بن سعد مرسلاً وخالفا ابن وهب!

أما رواية وكيع فرواها ابن أبي عمر في ((مسنده)) قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا هشام بن سعد، عن حاتم بن أبي نصر، عن عبادة بن نسي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير الكفن الحلة، وخير الأضحية الكبش الأقرن)). [المطالب العالية لابن حجر: 5/260، 10/458].

وأما رواية ابن مهدي فرواها أبو نعيم في ((الحلية)) (9/58) [وتصحف الإسناد في المطبوع: عبدالرحمن بن مهدي ثنا هشام بن سعد عن حاتم عن أبي نضرة عن عبادة بن نسي عن النبي صلى الله عليه وسلم. والصواب: عن حاتم بن أبي نصر].

· ممن الوهم؟

فالظاهر أن ابن وهب وهم فزاد في إسناده: "عن أبيه عن عبادة"!! وابن وهب ثقة كبير إلا أن في حديثه بعض الوهم، فكأنه دخل له حديث في حديث، ونظراً لأن الحديث عن عبادة بن نسي، ظنه عن أبيه فذكره عنه عن عبادة ونسبه فقال: عبادة بن الصامت، والله أعلم.

ويحتمل أن يكون الخطأ من هشام بن سعد، وفيه كلام! مع أنني أميل إلى أن الوهم من ابن وهب لمخالفته وكيع بن الجراح وابن مهدي، فالله أعلم.

وأما نكارة الحديث فكما قال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (3/403): "والحلة هي ثوبان أحمران غالباً، والأحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثياب بيض وأنه استحب البياض أصح".

والعهدة في هذا الحديث من حاتم بن أبي نصر كما سيأتي.

· تحرير حال حاتم:

قال ابن حبان في ((الثقات)) (6/236): "حاتم بن أبي نصر القنسريني من أهل قنسرين، يروي عن عبادة بن نسي، روى عنه هشام بن سعد".

وقال الذهبي في ((الميزان)) (2/163): "حاتم بن أبي نصر (د ق) عن عبادة بن نسي، ما روى عنه سوى هشام بن سعد. غمزه ابن القطان بالجهالة".

قلت: قال ابن القطان الفاسي: "لم يرو عنه غير هشام بن سعد، فهو مجهول".

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص144): "حاتم بن أبي نصر القنسريني، بفتح القاف وتثقيل النون وسكون المهملة، مجهول من السادسة. د ق".

وقال عبدالله بن أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (3/286): سُئِل – يعني أباه -عن عبادة بن نسي؟ فقال: "شامي ثقة". قيل: يُحدِّث عنه حاتم بن أبي نصر - يعني أحاديث مناكير؟ فقال: "مِن حاتم بن أبي نصر. عبادة بن نسي ثقة".

قلت: فالإمام أحمد يرى أن حاتم هذا يحدث عن عبادة بمناكير، أي لم يحدِّث عبادة بها قطّ، فهو منكر الحديث، فوهم ابن حبان في ذكره في الثقات.

· رواية نُسَي والد عبادة:

اعتمد صاحب التهذيب ومن تبعه على هذا الحديث في الترجمة لنسي والد عبادة.

قال المزي في ((تهذيب الكمال)) (29/340): "نسي الكندي الشامي والد عبادة بن نسي، روى عن عبادة بن الصامت (د ق) وأبي الدرداء، روى عنه ابنه عبادة بن نسي".

وقال الذهبي في ((الكاشف)) (2/318): "نسي الكندي عن أبي الدرداء وعبادة، وعنه ابنه عبادة بن نسي".

وقال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (10/379): "نسي الكندي الشامي روى عن عبادة بن الصامت حديث خير الكفن الحلة وخير الأضحية الكبش، وعنه ابنه عبادة. قلت: وذكره ابن حبان في الثقات".

وقال في ((التقريب)) (ص560): "نسي بالتصغير الكندي الشامي: مجهول من الثالثة".

قلت: لم يذكر أحد من الأئمة المتقدمين روايته هذه عن عبادة، وفي هذا إشارة إلى أنها معلولة.

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (8/132): "نسي الشامي قوله. روى عنه ابنه عبادة".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/510): "نسي والد عبادة بن نسي شامي، روى عن الحارث بن قيس قال: كتب عمر إلى أبي عبيدة، روى عنه ابنه عبادة بن نسي. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في ((الثقات)) (5/482): "نسي والد عبادة بن نسي قوله، روى عنه ابنه عبادة بن نسي".

قلت: وقوله المشار إليه رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (7/95) من طريق إسماعيل بن عياش، عن هشام بن الغاز، عن عبادة بن نسي، عن أبيه، عن الحارث بن قيس قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: أما بعد، فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك، فإنه من قبلك عن ذلك فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها".

وأما رواية نسي عن أبي الدرداء: فروى الخطيب البغدادي في ((موضح أوهام الجمع والتفريق)) (2/399) من طريق سعيد بن منصور، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبو قيس الدمشقي، عن عبادة بن نسي، عن أبيه: ((أنه رأى أبا الدرداء صلى على مسح)).

ولحاتم بن أبي نصر عن عبادة حديث آخر رواه الإمام أحمد في ((مسنده)) (6/445) عن علي بن ثابت قال: حدثني هشام بن سعد، عن حاتم بن أبي نصر، عن عبادة بن نسي قال: كان رجل بالشام يقال له معدان كان أبو الدرداء يقرئه القرآن، ففقده أبو الدرداء، القصة بطولها.

· صحبة أبي سويد!

أخرج ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (5/228) من طريق علي بن ثابت، عن هشام بن سعد، عن حاتم بن أبي نصر، عن عبادة بن نسي، عن أبي سويد رضي الله عنه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم صلّ على المتسحرين)). قال عبادة: وكان يقال تسحروا ولو بماء فإنه كان يقال إنها أكلة بركة.

وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (22/337) في ((من يكنى أبا سويد: أبو سويد، غير منسوب)) من طريق عبدالله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني هشام بن سعد، عن حاتم بن أبي نصر القنسريني، عن عبادة بن نسي، عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يدعى أبا سويد: ((أن النبيّ صلى الله عليه وسلم صلى على المتسحرين)).

قلت: وعلى هذه الرواية اعتمد أهل العلم في ذكر أبي سويد هذا في الصحابة!

قال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (4/1686): "أبو سويد، ويقال: أبو سوية الأنصاري، ويقال الجهني. حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على المتسحرين، روى عنه عبادة بن نسي. وقال أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني في المؤتلف والمختلف له: أبو سوية الأنصاري روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن قال أبو سويد فقد صحف".

وقال ابن ماكولا في ((الإكمال)) (4/394): "وأما سوية بفتح السين وكسر الواو وتشديد الياء وآخره هاء فهو أبو سوية له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اللهم صل على المتسحرين، روى عنه عبادة بن نسي".

وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (7/195): "أبو سويد: ذكره البغوي وأبو علي بن السكن في الصحابة، وأبو بشر الدولابي في الكنى وغيرهم من طريق هشام بن سعد عن حاتم بن أبي نصر عن عبادة بن نسي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى أبا سويد: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على المتسحرين. هكذا وقع عند من صنف في الصحابة سويد آخره دال مصغر، وضبطه أصحاب المؤتلف والمختلف الدارقطني ومن تبعه بفتح أوله وكسر الواو وتشديد المثناة التحتانية بعدها هاء، فالله أعلم".

قلت: هذا الحديث منكر!

قال أبو حاتم في ((العلل)) (1/243) في حديث: ((إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين)): "هذا حديثٌ منكرٌ".

ثُم إن هذا الحديث من رواية حاتم بن أبي نصر، وقد قال الإمام أحمد إنه يروي عن عبادة مناكير، فلا يحتج به بحال.

ولا أدري كيف احتج الأئمة بحديثه في إثبات صحبة أبي سويد هذا!!!

· كنى البخاري:

وأما إثبات البخاري لصحبته في الكنى ففيه بيان:

قال البخاري في ((الكنى)) (ص40): "أبو سويد له صحبة. قال عبدالله عن الليث عن هشام بن سعد عن حاتم بن أبي نصر القنسريني عن عبادة بن نسي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا سويد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم صلي على المتسحرين".

وتبعه الإمام مسلم، فقال في ((الكنى والأسماء)) (1/412): "أبو سويد له صحبة".

وكذلك ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (9/385) فقال: "أبو سويد له صحبة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على المتسحرين. روى هشام بن سعد عن حاتم بن أبي نصر عن عبادة بن نسي عنه. قال أبي: لا أعرف أبا سويد".

وقال الذهبي في ((المقتنى في سرد الكنى)) [وأصله كنى أبي أحمد الحاكم] (ص300): "أبو سويد له صحبة، وعنه عبادة بن نسي في السحور".

قلت: كلّ هؤلاء تبعوا البخاري لأنه جزم بصحبته! والحديث منكر، فكيف تثبت صحبته به؟!

والبخاري -رحمه الله- لم يتسنى له مراجعة كتابه ((الكنى)) كما فعل في التاريخ الكبير، ومن خلال استقرائي لكتاب الكنى فإنه أثبت الصحبة لبعض الرجال من خلال ما جاء في الأسانيد التي وقعت له، كإثباته صحبة أبي حاتم المزني راوي حديث ((من أتاكم من ترضون دينه فزوجوه)) فإن الراجح هو عدم ثبات صحبته وإنما هو تابعي، وحديثه مرسل كما ذهب إليه الإمام أبو داود في مراسيله.

ومما يدلّ على عدم مراجعة البخاري لكناه أني قد وجدت اختلافات بين روايات التاريخ الكبير وأنه كان دائماً يعدّل فيه، وهناك أشياء خالف فيها ما في الكنى، والصواب ما في التاريخ، ولو أن الفرصة سنحت له لمراجعة الكنى لرأينا تعديلات كثيرة عليه.

فمن هنا فإنه ينبغي الحذر في التعامل مع كتاب الكنى للبخاري وربطه دائماً بالتراجم التي في التاريخ الكبير.

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/76): "حاتم بن أبي نصر القنسريني عن عبادة بن نسي عن أبي سويد. قاله الليث عن هشام بن سعد".

قلت: فهذه الترجمة تدلّ على أن البخاري لا يثبت هذا الإسناد لمن عرف منهجه رحمه الله في تاريخه، فكيف يثبت صحبة أبي سويد بالإسناد نفسه! والظاهر - والله أعلم – أنه لم تسنح له الفرصة في مراجعة الكنى.

وأنا والحمد الله أعمل على إخراج كتاب خاص يتعلق بكنى الإمام البخاري.

وكتب: خالد الحايك.

4 رجب 1429هـ.

شاركنا تعليقك