الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

علّة حديث: «كلّ بني آدم خطّاء وخيرُ الخطائين التوابون».

علّة حديث: «كلّ بني آدم خطّاء وخيرُ الخطائين التوابون».

 

بقلم: أبي صهيب الحايك.

 

هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (7/62)، وأحمد في ((المسند)) (3/198)، كلّهم عن زيد بن الحباب، عن علي بن مسعدة، قال: حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلّ ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)).

وزاد في رواية أحمد: ((ولو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى لهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)).

ورواه الترمذي في ((جامعه)) (4/659)، وابن ماجة في ((سننه)) (2/1420)، كلاهما عن أحمد بن منيع. والحاكم في ((المستدرك)) (4/272) من طريق يحيى بن أبي طالب، كلاهما عن زيد ابن الحباب به.

وتابعه مسلم بن إبراهيم. رواه الدارمي في ((سننه)) (2/392) عن مسلم بن إبراهيم. ورواه الروياني في ((مسنده)) (2/384) عن محمد بن بشار عن مسلم بن إبراهيم عن علي بن مسعدة، مثله.

قال أبو عيسى الترمذي: "هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة".

وقال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يخرجاه".

وقال البيهقي في ((الشعب)) (5/420): "تفرد به عليّ بن مسعدة".

وحسّنه الشيخ الألباني في ((صحيح الترغيب)) رقم (3139)، وفي ((المشكاة))، وفي ((صحيح سنن ابن ماجة))، وفي ((صحيح الترمذي)).

قلت: اختلف أهل النقد في علي بن مسعدة!

قال ابن معين في ((تاريخه)) (رواية الدوري) (4/206): "ليس به بأس". وفي رواية أخرى: "صالح".

وقال أبو حاتم الرازي: "لا بأس به". (الجرح والتعديل: 6/205).

وقال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/294): "علي بن مسعدة الباهلي البصري أبو حبيب: سمع قتادة. سمع منه محمد بن سنان. كناه شعيب بن حرب ومسلم. فيه نظر".

وقال الآجري في ((سؤالاته)) (ص305): سألت أبا داود عن علي بن مسعدة؟ فقال: "هو ضعيف".

وقال النسائي: "ليس بالقوي".

وذكره ابن عَدي في ((الكامل في ضعفاء الرجال)) (5/207) وذكر من منكراته هذا الحديث، ثم قال: "ولعلي بن مسعدة غير ما ذكرت عن قتادة، وكلها غير محفوظة".

وقال ابن حبان في ((المجروحين)) (2/111): "كان ممن يخطئ على قلة روايته وينفرد بما لا يتابع عليه فاستحق ترك الاحتجاج به بما لا يوافق الثقات من الأخبار".

وقال الحافظ ابن حجر في ((التقريب)) (ص405): "صدوقٌ له أوهام".

قلت: هو في أصله صدوق، ولكنه ليس بقوي في الحديث، وروايته قليلة وأكثرها أخطاء، فمثله لا يحتج بحديثه، وأكثر حديثه في الزهد والرقائق!! وهذا يدلّ على أنه كان عابداً صالحاً، ولكن الحديث ليس من شأنه.

والحديث أخرجه الإمام أحمد في ((الزهد)) (ص96) قال: حدثنا عبدالوهاب الخفاف، قال: أنبأنا سعيد-هو ابن أبي عَروبة-، عن قتادة. قال الخفاف: وسمعت موسى الأسواري أيضاً قال: ((أوحى الله تبارك وتعالى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل: أن كل بني آدم خطاؤن وخير الخطائين التوابون)).

وهذا هو أصل الحديث الذي رفعه عليّ بن مسعدة، والمحفوظ عن قتادة مقطوعاً هكذا، فجعله ابن مسعدة عن قتادة عن أنس مرفوعاً فوهم.

ولهذا أشار الترمذي إلى غرابته، وعنى بذلك تضعيفه.

· تحسين الألباني لهذا الحديث المعلول بسبب النظر إلى ظاهر الإسناد!

وقد أخطأ الألباني في تحسينه! وهو إنما حسنه لأن ابن مسعدة عنده حسن الحديث، وإنما أتي بسبب اعتماده على ((التقريب)) فقط دون النظر في كتب الرجال الأخرى. فإنه حسّن له حديثاً في ((صحيحته)) رقم (2841) بالإسناد نفسه! من طريق علي بن مسعدة الباهلي عن قتادة عن أنس مرفوعاً.

قال الألباني: "قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير الباهلي هذا، وهو مختلف فيه، وقال الحافظ في ((التقريب)): "صدوق له أوهام". قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، إذ لا يخلو أحد من أوهام؛ فما لم يثبت أنه وهم فهو حجة". انتهى كلامه.

قلت: نعم، لا يخلو أحد من الأوهام، ولكن فرقٌ بين الصدوق الذي يهم قليلاً وله روايات كثيرة، وبين من ليس له من الحديث إلا القليل ومعظم حديثه وهم كالباهلي هذا! فهو على قلة حديثه إلا أنه لم يتابع على حديثه! والأئمة على تضعيفه وأنه ليس بحجة، ومن قال فيه صالح أو لا بأس به إنما في نفسه، فهو لا يتعمد الخطأ، ولكن الحديث ليس من صنعته.

· كيف ينتظم قول البخاري في علي بن مسعدة "فيه نظر" وتخريج البخاري له حديثاً في الأدب المفرد؟!

روى البخاري في ((الأدب المفرد)) (ص161) من طريق علي بن مسعدة عن عبدالله الرومي، قال: دخلت على أم طلق، فقلت: ما أقصر سقف بيتك هذا. قالت: يا بني، إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمّاله: ((أن لا تطيلوا بناءكم، فإنه من شرّ أيامكم)).

قلت: تضعيف البخاري لعلي بن مسعدة وتخريجه لحديثه في الأدب لا تعارض فيه؛ لأن قوله فيه إنما معناه: فيه نظر فيما يرويه مرفوعاً فلا يحتج بحديثه في هذا، وأما ما يرويه من قصص وغير ذلك فهو مما لا مجال فيه للخطأ أو الوهم أو الكذب، فالرجل صدوق في نفسه، إلا أنه ليس بقوي في الحديث، فيرفع المرسل، ويهم، فلا يحتج به في ذلك، ويخرّج له في غيرها، وهذا هو منهج البخاري في مثل هؤلاء، سيما وإن هذا الأثر الذي رواه عن عمر إنما هو من فقه عمر العميق، فهذه الوصية عظيمة نافعة تدعو إلى عدم التطاول في البنيان والتبذير. ورحم الله عمر، ماذا عساه يقول لو رأى ما يفعله الناس في زماننا هذا من التطاول في البنيان والمنافسة فيه! رحماك يا الله.

· تضعيف الألباني لأثر عمر!

قال الألباني في ((ضعيف الأدب المفرد)) (ص50): "ضعيف الإسناد؛ عبدالله وأم طلق لا يُعرفان".

قلت: بل هو حسنٌ مقبول على منهج الإمام البخاري. والألباني عندما "فك الإرتباط" بين كتب أهل العلم إلى صحيح وضعيف إنما أضاع مناهج أهل العلم في كتبهم!! فكلّ إمام له منهجه وذوقه الخاص في تخريج الأحاديث في كتبه، فهذا الأثر في مثل كتاب الأدب يكون حسناً، ولهذا رواه البخاري، ولكن الشيخ –غفر الله له- بعيد عن مناهج الأئمة وفقههم العميق؛ لأنه ينظر إلى ظواهر الأسانيد، فيصحح ويضعف بحسب ذلك دون إعطاء الموقوف على الصحابة والتابعين حقه.

وعبدالله الرومي وأم طلق لا يوجد فيهم جرح ولا تعديل، ولكن أخبارهما معروفة عند أهل العلم، وأم طلق من عابدات البصرة المعروفات.

قال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (8/486): "أم طلق. أخبرنا أبو أمامة قال: أخبرني علي ابن مسعدة قال: حدثنا ابن الرومي قال: دخلت على أم طلق بيتها فإذا سقف بيتها قصير، فقلت: ما أقصر سقف بيتك يا أم طلق. قالت: إن عمر كتب إلى عماله: أن لا تطيلوا بناءكم فإن شر أيامكم يوم تطيلون بناءكم".

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص757): "أم طلق: لا يعرف حالها. من الثانية. بخ".

وقال في ((الإصابة)) (8/246): "أم طلق: لها إدراك. أخرج ابن سعد عنها قالت: كتب عمر إلى عماله: ألا تطيلوا بناءكم فإن شر أيامكم يوم تطيلون بناءكم".

قلت: طبقتها عالية وهي صدوقة إن شاء الله، ولها أخبار أخرى صحيحة، ولم أجد لها حديثاً مرفوعاً.

وكذلك ابن الرومي فهو صدوق أيضاً، وحديثه يدل على ذلك.

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (5/133): "عبدالله بن عبدالرحمن الرومي: سمع أبا هريرة وابن عمر رضي الله عنهم. روى عنه ابنه عمر وحماد بن زيد. مات قبل أيوب السختياني البصري. قال محمد بن الحسين بن إبراهيم: حدثني أبي: سمعت حماد بن زيد: حدثنا عبدالله الرومي، ولم يكن رومياً كان رجلاً منا من أهل خراسان".

قلت: فمثله صدوق إن شاء الله، والألباني لا يفرّق بين من هو ليس بمشهور في طبقة التابعين وبين من هو ليس بمشهور في الطبقات الأخرى! وهذا ليس من الإنصاف في شيء، فطبقة التابعين لها خصوصية ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند الكلام على أحاديث هذه الطبقة.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

وكتب خالد الحايك

5 ربيع الآخر 1429هـ.

شاركنا تعليقك