الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

تعليل البخاريّ للحديث المروي عن رافع بن خديج في تأخير صلاة العصر لمعارضته الحديث الصحيح المروي عنه في التعجيل بها!

تعليل البخاريّ للحديث المروي عن رافع بن خديج في تأخير صلاة العصر لمعارضته الحديث الصحيح المروي عنه في التعجيل بها!

 

بقلم: أبي صهيب خالد الحايك.

 

قال الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير)) (5/88): "عبدالله بن رافع بن خديج الحارثي الأنصاري. قال عبدالرحمن بن يونس: حدثنا حاتم بن إسماعيل: سمع يزيد بن عمرو الأسلمي، عن عبدالعزيز بن عقبة بن سلمة، قال: صليت مع عبدالله بن رافع بن خديج العصر بالضُرْبَة، وأهل البادية يؤخرون فأخرها جداً. فقلت له؟ فقال: ما لي وللبدع هذه صلاة آبائي مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو عاصم: عن عبد الحميد -أو عبدالواحد- قال: مررت فإذا مؤذن يؤذن بالعصر بالمدينة، فقال رجلٌ: حدثني أبي: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتأخير هذه. فقلت: من هذا؟ قالوا: عبدالله بن رافع بن خديج. وأذن مؤذنه للعصر، فكأنه قدم الأذان، فقال: أخبرني أبي: أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتأخير العصر.

وقال موسى بن إسماعيل: حدثنا أبو الدجّاج عبدالواحد بن نافع، قال: شهدت عبدالرحمن بن رافع بن خديج، فقال: أخبرني أبي: أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتأخير العصر. ولا يتابع عليه.

قال الحميدي: حدثنا الوليد: حدثنا الأوزاعي: حدثني أبو النجاشي: حدثني رافع بن خديج: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم  العصر، ثم ننحر الجزور، فنقسم عشر قسم، ثم نطبخ فنأكل لحماً نضيجاً قبل أن تغرب الشمس. وهذا أصح".

قلت: أتى البخاري بهذا الحديث في ترجمة ((عبدالله بن رافع))؛ لأنه مما يُستغرب عنه! فذكر طرقه عن عبدالواحد وقال بأنه لم يتابع عليه، ثُم علله بأنه قد صحّ عن رافع بن خديج عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في تعجيلها.

وقال البخاريّ في ((التاريخ الأوسط)) (2/64): "حدثنا أبو عاصم، عن فلان - وهو عبدالواحد بن نافع الكلابي اليمامي أبو الرماح -، قال: مررت إلى المدينة -أو بالمدينة- فإذا مؤذنٌ يؤذن للعصر، فقال رجلٌ: حدثني أبي: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتأخير هذه الصلاة. قلت: من هذا؟ قالوا: عبدالله بن رافع بن خديج.

حدثنا الحسن بن الصباح قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، عن عبدالواحد ابن نافع، قال: حدثني عبدالله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا.

وحدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبدالواحد بن نافع أبو الرماح، قال: شهدت عبدالرحمن بن رافع بن خديج قال: أخبرني أبي: أنه كان سمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتأخير العصر.

وقال حرمي بن عمارة: حدثنا عبدالواحد بن نفيع بن علي الكلابي، قال: خرجت إلى المدينة، فسمعت عبدالله بن رافع بن خديج يقول: حدثني أبي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتأخير العصر.

وعبدالواحد لم يتبين أمره. ويُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه كان يعجل العصر.

حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنا أبو النجاشي، قال: سمعت رافع بن خديج قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر فننحر جزوراً، فنقسم عشر قسم، فنأكل لحماً نضيجاً قبل أن تغرب الشمس.

وقال حفص بن عبيدالله: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر فيسير الراكب ستة أميال قبل أن تغيب الشمس.

حدثني عبدالرحمن بن يونس قال: حدثنا حاتم، قال: حدثنا يزيد بن عمرو الأسلمي، عن عبدالعزيز بن عقبة بن سلمة بن الأكوع، قال: صليت مع عبدالله بن رافع بن خديج العصر بالضرية، وأهل البادية يؤخرون، فأخرها جداً، فقلت له. فقال: ما لي وللبدع، هذه صلاة آبائي مع النبي صلى الله عليه وسلم.

ويزيد هذا غير معروف سماعه من عبدالعزيز". انتهى من التاريخ الأوسط.

وقال الترمذي في ((الجامع)) (1/300): "ويُروى عن رافع أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأخير العصر، ولا يصح".

وقال الدارقطني في ((السنن)) (1/251): "وهذا حديثٌ ضعيفُ الإسناد من جهة عبدالواحد هذا؛ لأنه لم يروه عن ابن رافع بن خديج غيره. وقد اختلف في اسم ابن رافع هذا، ولا يصح هذا الحديث عن رافع، ولا عن غيره من الصحابة. والصحيح عن رافع بن خديج وعن غيره واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ضد هذا، وهو التعجيل بصلاة العصر والتبكير بها. فأما الرواية الصحيحة عن رافع بن خديج..."، وساق حديث أبي النجاشي عن رافع بن خديج، ثُم قال: "واسمه: عطاء بن صهيب: ثقة مشهور صحب رافع بن خديج ست سنين. وروى عنه عكرمة بن عمار والأوزاعي وأيوب بن عتبة وغيرهم. وحديثه عن رافع بن خديج أولى من حديث عبدالواحد عن ابن رافع، والله أعلم".

وهذا الحديث أخرجه أحمد في ((المسند)) (3/463)، و (4/142) عن الضحاك بن مخلد، عن عبد الواحد بن نافع الكلابي من أهل البصرة، قال: مررت بمسجد بالمدينة، فأقيمت الصلاة، فإذا شيخ فَلامَ المؤذن، وقال: ما علمت أن أبي أخبرني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير هذه الصلاة. قال: قلت، من هذا الشيخ؟ قالوا: هذا عبدالله بن رافع بن خديج.

قال الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/61): "عبدالواحد بن نافع، أبو الرماح. سمع [ابن] رافع بن خديج. سمع منه موسى بن إسماعيل. قال حرمي بن عمارة: حدثنا عبدالواحد بن نفيع بن علي الكلابي: خرجت إلى المدينة فسمعت عبدالله ابن رافع بن خديج يقول: حدثني أبي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتأخير العصر. وقال أبو عاصم: عن عبدالواحد بن نافع الكلابي. وقال الحسن بن صباح: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، عن عبدالواحد بن نافع: حدثني عبدالله بن رافع، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال فضل: حدثنا أبو عاصم، عن عبدالواحد بن نافع الرماح من أهل اليمامة".

قلت: إثبات البخاري سماع عبدالواحد من ابن رافع بن خديج لا يعني صحة حديثه؛ لأن البخاري لا ينفي سماعه، وإنما يضعف حديثه؛ ولهذا لم يضعف الشخص نفسه، فقال: "لم يتبين أمره"! فلعله سمع شيئاً فأخطأ فيه أو حصل له أمر في هذا الحديث الذي رواه عن ابن رافع! وقد علله البخاري لأنه لا ينهض مع ما صح عن رافع بن خديج في ما رواه في تعجيل صلاة العصر، والله أعلم.

ومسألة إثبات السماع عند البخاري تحتاج إلى فهم دقيق، وقلما تنبه لها أهل العلم، فهم ينقلون ما عند البخاري ويختصرون كلامه، فمن يقرأ كلامهم يعتمد عليه دون التدقيق في كلام البخاري!

قال مسلم في ((الكنى والأسماء)) (1/329): "أبو الدَّجّاج، ويقال: أبو الرَّمّاح عبدالواحد بن نافع: سمع عبدالله بن رافع بن خديج. روى عنه يعقوب بن إسحاق وأبو عاصم وحرمي بن عمارة وأبو أسامة".

قلت: فمن نظر في كلام مسلم هذا دون أن ينظر في كلام البخاري وتعليله للحديث يصحح الحديث لأنه أثبت سماع عبدالواحد من عبدالله بن رافع، والأمر ليس كذلك.

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (6/24): "عبدالواحد بن نافع، ويقال: ابن نفيع، أبو الرماح من أهل اليمامة. روى عن ابن رافع بن خديج. روى عنه حرمي بن عمارة وأبو عاصم وسلمة. سمعت أبي يقول ذلك".

· تناقض ابن حبان وذكره عبدالواحد في الثقات وفي الضعفاء! وتعقبه!

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (7/125) فقال: "عبدالواحد بن نفيع بن علي الكلاعي (؟): يروي عن عبدالله بن رافع بن خديج. روى عنه حرمي بن عمارة، وهو الذي يروي عنه موسى بن إسماعيل التبوذكي، ويقول: حدثنا عبدالواحد بن نافع أبو الرماح عن ابن رافع بن خديج".

وذكره ابن حبان أيضاً في ((المجروحين)) (2/154) فقال: "عبدالواحد بن نافع الكلاعي أبو الرماح: شيخٌ يروي عن أهل الحجاز المقلوبات، وعن أهل الشام الموضوعات. لا يحلّ ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه. وهو الذي روى عن عبدالله بن رافع بن خديج عن أبيه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير العصر".

قلت: هما اثنان خلط بينهما ابن حبان! ويدلّ على ذلك أمور:

1- أن عبدالواحد أبا الرماح اختلف في اسم أبيه، فقيل: نافع، وقيل: نفيع. وأما الآخر فذكروا أباه: نافعاً!

2- أن الكِلابي غير الكَلاعي. وكلّ من ترجم لأبي الرماح ذكر أنه كِلابي، وأما الآخر فذكروا أنه كَلاعي.

قال في ((اللباب في تهذيب الأنساب)) (3/122): "الكلابي، بكسر أولها وبعد اللام ألف باء موحدة، هذه النسبة إلى عدة قبائل منها: كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أبو قصي وزهرة ابني كلاب. ومنها: كلاب بن عامر بن صعصعة، وينسب إليه خلق كثير من العلماء والأدباء والشعراء".

ثُمّ قال: "الكَلاعي، بفتح الكاف وبعد اللام ألف عين مهملة، هذه النسبة إلى الكلاع، وهي قبيلة كبيرة نزلت حمص من الشام، ينسب إليها خلق عظيم".

قلت: كثير ممن ينتسبون إلى كلاب عراقيون، وممن ينتسبون كلاعيون شاميون. فالأول الذي روى عن عبدالله بن رافع كلابي، والآخر الذي يروي الموضوعات شامي، ولا يجتمعان.

3- ذكر أبو نُعيم في ((الضعفاء)) (ص109) الشامي، ولم يذكر أي إشارة تدل على أنه هو نفسه البصري. قال: "عبدالواحد بن نافع الكلاعي: يروي عن الشاميين الموضوعات".

وكذلك قال الحاكم في ((المَدخل إلى الصحيح)) (ص176): "عبدالواحد ابن نافع الكلاعي: شيخٌ يروي عن أئمة أهل الشام الموضوعات".

4- أن ابن عدي ذكر أبا الرماح، ولم يجد له إلا هذا الحديث! ولا توجد أدنى إشارة منه أنه هو الشامي، وابن عدي من أهل الاستقراء. قال في ((الكامل في ضعفاء الرجال)) (5/300): "عبدالواحد بن الرماح أبو الرماح"، ثُم ذكر حديثه عن ابن رافع بن خديج، ثُم قال: "وهذا هو معروف بأبي الرماح هذا، وبهذا الإسناد. وما أظن لأبي الرماح غير هذا الحديث إلا شيء يسير".

وعليه فيكون ابن حبان قد خلط بين عبدالواحد البصري، وبين عبدالواحد الشامي. وقد أطلق دعوى كبيرة في أن البصري يروي المقلوبات عن أهل الحجاز! فأين هي هذه المقلوبات غير هذا الحديث في تأخير الصلاة؟!!

وقد تبع ابن حبان على ذلك بعض الأئمة: ابن الجوزي في ((الضعفاء والمتروكين)) (2/157)، والذهبي في ((الميزان)) (4/429)، وابن حجر في ((تعجيل المنفعة)) (ص267). وتبعهم على ذلك كثير من طلبة العلم في زماننا!

وكذلك فإن هؤلاء الأئمة جعلوا كلام أبي نعيم والحاكم في عبدالواحد الشامي في ترجمة عبدالواحد البصري، ولا يصح هذا كما فعل ابن حجر في ((لسان الميزان)) (4/79)!

وقال عبدالحق الإشبيلي في ((أحكامه)) في عبدالواحد أبي الرماح: " لا يصح حديثه". وقال ابن القطان: "هو مجهول الحال، وحديثه مختلف فيه". (لسان الميزان: 4/79).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

شاركنا تعليقك