الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

الأَعشى الصحابيّ: حديثه والاختلاف في اسمه وما يتعلق بترجمته من أوهام! وتراجم أخرى وفوائد كثيرة.

الأَعشى الصحابيّ: حديثه والاختلاف في اسمه وما يتعلق بترجمته من أوهام! وتراجم أخرى، وفوائد كثيرة.

بقلم: خالد الحايك

 

روى محمّد بن أبي بكر المقدّمي، قال: حدثنا أبو معشر البراء، قال: حدثني صدقة بن طَيْسَلة، قال: حدثني معن بن ثعلبة المازني - والحيّ بعد - قال: حدّثني الأعشى المازني، قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأنشدتُهُ:

يا مالكَ النَّاسِ وَدَيَّـانَ العـــربْ // إنِّي لقيتُ ذِرْبَةً مِنْ الذِّرَبْ

غَدوتُ أبغيها الطعامَ في رَجبْ // فَخَلَّفتني بِنـزاعٍ وهَــــربْ

أَخْلَفَتِ العهدَ وَلَطَّت بالذَّنـــــبْ // وهُنَّ شَرُّ غالبٍ لمن غَلـبْ

قال: فجعل يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((وهنَّ شرُّ غالبٍ لمن غَلب)).

رواه عبدالله بن أحمد في ((زيادات المسند)) (2/201)، وأبو يعلى في ((مسنده)) (12/287) عن المقدمي. ورواه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (4/299) عن ابن أبي داود عن المقدمي. ورواه ابن قانع في ((معجم الصحابة)) (1/65) عن معاذ بن المثنى ويوسف بن يعقوب القاضي وموسى بن هارون قالوا: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي.

وأخرجه عبدالغني المقدسي في كتاب ((أحاديث الشعر)) (ص69) برقم (23) من طريق عبدالله بن أحمد عن المقدمي.

قال حسّان عبدالمنّان محقق الكتاب: "إسناده ضعيف. صدقة ومعن لم يوثقهما غير ابن حبان ولم يرو عنهما غير واحد فهما في عداد المجاهيل".

وقال الشيخ شعيب ورفاقه في تعليقهم على مسند أحمد، حديث رقم (6885): "إسناده ضعيف لجهالة حال صدقة بن طيسلة ومعن بن ثعلبة".

قلت: بل إسنادهُ صحيحٌ كما سيظهر لنا إن شاء الله تعالى.

ويتعلّق بهذا الحديث عدّة مسائل:

1- هل الحديث من رواية الإمام أحمد أم من زيادات عبدالله على المسند؟

· توهيم حسين أسد لابن حجر، وبيان وهمه هو!

جاء في النسخة المطبوعة المتداولة أنه من رواية الإمام أحمد (2/201): ((حدثنا عبدالله: حدثني أبي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي)).

وعلى هذا جرى كثير من المحققين لبعض الكتب المسندة. حتى قال الشيخ حسين سليم أسد في تعليقه على ((مسند أبي يعلى)) (12/290): "وقد وهم الحافظ إذ نسبه في ((الإصابة)) 6/9 إلى عبدالله بن أحمد في زوائده على المسند".

قلت: لم يهم ابن حجر، والصواب أنه من زيادات عبدالله بن أحمد. قال ابن حجر في ((الإصابة)) (4/9) في ترجمة ((عبدالله بن الأعور المازني الأعشى الشاعر)): "وروى حديثه عبدالله بن أحمد في زيادات المسند من طريق عوف بن كهمس بن الحسن عن صدقة بن طيسلة حدثني معن بن ثعلبة المازني والحي بعده قالوا: حدثنا الأعشى".

وكان قبل ذلك قال في ترجمة ((الأعشى المازني)) (1/94): "اسمه عبدالله بن الأعور، وقيل غير ذلك. ومدار حديثه على أبي معشر البراء عن صدقة بن طيسلة حدثني أبي وأخي عن أعشى بني مازن قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه أحمد وابن أبي خيثمة وابن شاهين وغيرهم من هذا الوجه وغيره وسنذكره في العين إن شاء الله تعالى".

قال ابن حجر هنا: "أخرجه أحمد"، وكأنه سبق قلم منه؛ لأنه جزم في الترجمة الأخرى أنه من زيادات عبدالله.

· تحريف في نص لابن حجر مشى عليه الشيخ شعيب ورفاقه!

ووقع تحريف في نص ابن حجر في المطبوع: "أبي وأخي"، وقد نقله هكذا الشيخ شعيب ورفاقه، والصواب: "أبي والحيّ".

وكلّ من روى هذا الحديث إنما رواه من طريق عبدالله بن أحمد عن المقدمي، فثبت بهذا أنه من زيادات المسند، وما جاء في المطبوع من مسند أحمد لا يصح؛ لأن ذكر: "حدثني عبدالله حدثني أبي" تأتي في بداية كل حديث، فوضعت أمام هذا الحديث خطأ.

وقد ذكره الهيثمي في عدة مواضع من ((مجمع الزوائد)) وقال فيها: "رواه عبدالله بن أحمد"، فلو كان من رواية الإمام أحمد لقال: "رواه أحمد" كما هي عادته.

والعجب من الشيخ أسد فإنه نقل كلام الهيثمي هذا بعد اعتراضه على ابن حجر وتوهيمه، ولم يعتد به!!

· تصحيفات وتحريفات!

وقد وقع في نص هذا الحديث في كثير من الكتب المطبوعة تصحيفات وتحريفات مما حدا بالشيخ شعيب ورفاقه بأن يقولوا: "قلنا: وقد اضطرب إسناد الحديث عند غير هؤلاء اضطراباً شديداً".

     قلت: لا يوجد اضطراب في الحديث كما زعموا، وإنما هي أخطاء في الطباعة!! وقد ذكروا رواية إبراهيم بن عرعرة عن أبي معشر لهذا الحديث ذكروها في الاضطراب المزعوم! ولا يصح؛ لأن روايته مخالفة لغيره، ولا علاقة لها بأي اضطراب، وهي الآتية.

2- مخالفة محمد بن أبي بكر المقدمي لإبراهيم بن عرعرة في الإسناد:

روى ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (7/53) قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن البرند القرشي، قال: أخبرني يوسف بن يزيد أبو معشر البراء، قال: حدثني طيسلة المازني قال: حدثني أبي والحي عن أعشى بني مازن قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت، الحديث.

ورواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (10/240) من طريق أحمد بن يحيى الحلواني، قال: حدثنا إبراهيم بن عرعرة، قال: حدثنا يوسف بن يزيد أبو معشر البراء، قال: أنبأنا طيسلة بن نباتة المازني، قال: حدثني أبي والحي، عن أعشى.

قال البيهقي: "وقال غيره عن إبراهيم: طيسلة بن صدقة".

قلت: خالف أحمد بن يحيى أصحاب إبراهيم في اسم شيخ أبي معشر، فجعله: "طيسلة بن نباتة"، وجعله بعضهم: "طيسلة بن صدقة". ولم ينسبه ابن سعد في روايته.

· وهمان لإبراهيم بن عرعرة!

قلت: وهم إبراهيم بن عرعرة في هذا الحديث في موضعين!

الأول: أنه قلب اسم شيخ أبي معشر، والصواب ما رواه المقدمي: ((صدقة بن طيسلة)).

والثاني: أنه زاد في إسناده: "عن أبيه"، والصواب بذكر معن بن ثعلبة، وليس لوالد صدقة طيسلة رواية!

والمقدمي ثقة ثبت. وإبراهيم بن عرعرة صدوق أعرض البخاري عن حديثه، وخرّج له مسلم وغيره، وغمزه الإمام أحمد، وكان يفسد نفسه يدخل في كلّ شيء!

ولم يعتد البخاري بمخالفة إبراهيم للمقدمي فأثبت رواية المقدمي وهي الآتية.

· شغل المعاصرين بالحديث!

ولم يتنبه الدكتور باسم الجوابرة لعلة حديث ابن عرعرة، فجعل روايته متابعة لرواية المقدمي كما في تخريجه للحديث أثناء تعليقه على ((الآحاد والمثاني)) (5/296) فإن ابن أبي عاصم ذكر رواية المقدمي عن أبي معشر. فقال الدكتور في الهامش: "رواه أحمد في المسند 2/201... ورواه ابن سعد في الطبقات 7/53 من طريق إبراهيم بن محمد بن عرعرة حدثنا أبو معشر به نحوه".

قلت: أما أحمد فلم يخرجه وإنما هو من زيادات عبدالله. وأما رواية ابن عرعرة فهي مخالفة لرواية المقدمي ورواية المقدمي أرجح.

3- إثبات البخاري سماع صَدقة بن طَيْسَلة من مَعْن بن ثَعلبة.

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (4/294): "صدقة بن طيسلة: سمع معن بن ثعلبة. روى عنه يوسف البراء".

· اعتداد ابن حجر بإثبات البخاري للسماع في التاريخ الكبير:

قال ابن حجر في ((تعجيل المنفعة)) (ص186) في ترجمة صدقة: "أثبت البخاريّ سماعه عن معن".

قلت: فابن حجر يعتد بإثبات البخاري للسماع في تراجمه، والبخاري إنما أثبت السماع من خلال هذا الحديث؛ لأنه لا يعرف له غيره.

وكما بيّنت سابقاً فإنه من خلال جمع التراجم التي تتعلق برواة هذا الحديث يتبين لنا منهج البخاري الدقيق في الترجمة ومذهبه من خلال ذلك.

قال في ((التاريخ الكبير)) (2/61): "الأعشى المازني: له صحبة. قال لي محمد بن أبي بكر: حدثنا أبو معشر يوسف البراء، قال: حدثني صدقة بن طيسلة، قال: حدثني معن بن ثعلبة المازني -والحي بعد- قال: حدثني الأعشى المازني قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته: يا مالك الناس وديان العرب... إني لقيت ذربة من الذرب... خرجت أبغيها الطعام في رجب... أخلفت العهد ولطت بالذنب... وهن شر غالب لمن غلب. قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتمثلها وهو يقول: وهن شر غالب لمن غلب".

وقال في ((التاريخ الكبير)) (7/389): "معن بن ثعلبة المازني: سمع الأعشى. روى عنه صدقة بن طيسلة".

قلت: وهنا أثبت سماع معن من الأعشى فالحديث عنده صحيحٌ إن شاء الله.

· تنبيه:

أشرت في بحوثي السابقة من سلسلة منهج السماع عند البخاري في التاريخ الكبير إلى أن البخاري يخرّج في الترجمة ما يراه غريباً أو مستنكراً من حديث الراوي، وهذا في الغالب لمن لهم رواية كثيرة، وأما أمثال صدقة ومعن والأعشى فهؤلاء لا يعرف لهم إلا هذا الحديث، والإتيان به في تراجمهم لا يعني أنه يستغربه أو يستنكره.

وقد يُعرف بعض الرواة بحديث واحد فقط ومع ذلك يستغربه أو يستنكره، وهذا يُدرَك بالنظر إلى إشارات الإمام البخاري وكيفية تعامله مع الترجمة والقرائن التي تحتف بهذه الترجمة وكلام غيره في ذلك الحديث، والله أعلم وأحكم.

4- الاختلاف في اسم الأعشى والأوهام المتعلقة بترجمته:

قول البخاري:

- أما البخاري فلم يسمه، وإنما قال في ((التاريخ الكبير)) (2/61): "الأعشى المازني: له صحبة". ثم روى حديثه السابق.

قول ابن سعد:

- قال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (7/53): "أعشى بني مازن من بني تميم".

قول ابن أبي عاصم:

- وذكره ابن أبي عاصم مرتين وفرّق بينهما:

قال في ((الآحاد والمثاني)) (5/177): "الأعشى. حدثنا محمد بن يزيد بن سنان: حدثنا إسحاق بن إدريس: حدثنا عون القيسي: حدثنا صدقة بن طيسلة، عن عمّه عقبة بن ثعلبة، عن الأعشى رجل منهم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم...".

ثم ذكره في (5/296) وقال: "والأعشى. وليس هو ذاك. هو المازني. قال محمد بن أبي بكر المقدمي: حدثنا أبو معشر: حدثنا صدقة بن طيسلة: حدثني معن بن ثعلبة المازني والحي معه: حدثني الأعشى المازني...".

قلت: هما واحد، والحديث واحد.

والطريق الأول الذي ذكره للحديث رواه أيضاً أبو نُعيم في ((معرفة الصحابة)) (1/355) من طريق خليفة بن خياط، عن عون بن كهمس بن الحسن، قال: حدثنا صدقة بن طَيسَلة، عن عمه عقبة بن ثعلبة، عن الأعشى، مثله.

· تحريف!

قلت: فهذه متابعة جيدة لأبي معشر لأن فيه كلام! وقد جاء في هذه الرواية عن صدقة عن عمه عقبة، وفي رواية أبي معشر: عن صدقة عن معن، وأرى أن هناك تحريفاً في رواية كهمس، تحرفت "معن" إلى "عقبة" ويحتمل أن يكون ذكر "عمه" صحيحاً فيكون معن هو عم صدقة، ويحتمل أنها زائدة لأن رسم "عمه" قريب من رسم "عقبة"، والله أعلم وأحكم.

قول خليفة بن خياط:

- قال خليفة بن خياط في ((الطبقات)) (ص43): "ومن بني مازن بن مالك بن عمرو بن تمميم بن مر: أعشى بني مازن. روى أنه قال النبي صلى الله عليه: يا مالك الناس وديان العرب".

قول أبي حاتم الرازي وابنه:

· واحد جعله ابن أبي حاتم ثلاثة! والتنبيه على أوهام في هذه التراجم!

- وذكره ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (2/338) فقال: "الأعشى المازني الشاعر. بصري له صحبة. وهم مازن سليم. روى عنه معن بن ثعلبة وصدقة بن طيسلة. سمعت أبي يقول ذلك". قال أبو محمد: "روى عمرو بن علي بإسناد له عن شيوخ مجهولين أن الأعشى اسمه عبدالله بن الأعور أتى النبي صلى الله عليه وسلم".

قلت: قوله: "روى عنه... وصدقة بن طيسلة" جاءت في بعض النسخ، وأشار المعلمي إلى أنه وقع في بعض النسخ: "صدقة أبو طيسلة".

قلت: وهذا الأخير هو الصواب: "صدقة أبو طيسلة"؛ لأن أبا حاتم اعتمد في ذلك على رواية ابن عرعرة المتقدمة عن طيسلة بن صدقة عن أبيه عن الأعشى، فيكون الراوي عن الأعشى فيها: صدقة أبو طيسلة.

وذكر ابن أبي حاتم له في الرواة عن الأعشى تبعاً لأبيه لا يصح! لأن رواية ابن عرعرة معلولة كما سبق بيانه.

وأما قول عبدالرحمن بن أبي حاتم: "روى عمرو بن علي –وهو الفلاس- بإسناد له عن شيوخ مجهولين"، فهذه الرواية أخرجها ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (2/422)، وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (7/53) وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.

- ثم ذكر ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (5/7): "عبدالله بن الأعور، ويُعرف بالأعشى الشاعر. ذكر أنه أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فشكا إليه نشوز امرأته. روى عنه نضلة بن طريف بن بهصل الحرمازي".

ثم قال في (5/90): "عبدالله بن عبدالله الأعشى المازني أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأنشده: يا مالك الناس وديان العرب. روى عنه معن بن ثعلبة وصدقة المازني والد طيسلة بن صدقة".

قلت: كلّ هؤلاء واحد، وهو الأعشى المازني. وقوله إن صدقة والد طيسلة روى عنه قد بينت خطأه فيما سبق، ولله الحمد.

وعلى كلام ابن أبي حاتم كان ينبغي إفراد ترجمة لـ ((طيسلة)) في كتابه ولم يفعل! وإن ما ذكره في تراجم كتابه تابع فيه الإمام البخاري.

قال في ((الجرح والتعديل)) (4/433): "صدقة بن طيسلة روى عن معن بن ثعلبة. روى عنه أبو معشر يوسف بن يزيد البراء. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال في (8/277): "معن بن ثعلبة المازني: روى عن الأعشى أعشى بني مازن. روى عنه صدقة بن طيسلة. سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: تبع أبو حاتم وابنه في هذا البخاري، واعتمدا رواية المقدمي لهذا الحديث، وخلطا في التراجم السابقة لاعتمادهما رواية ابن عرعرة المعلولة.

قول ابن حبان:

- قال ابن حبان في ((الثقات)) (3/21): "الأعشى المازني: يُقال: إن له صحبة... وهو من بني مازن بن عمرو".

قلت: لم يجزم ابن حبان بصحبته، ثم جزم بذلك في ترجمة ((صدقة)). قال في ((الثقات)) (6/468): "صدقة بن طيسلة: يروي عن معن بن ثعلبة المازني عن الأعشى المازني وله صحبة. روى عنه أبو معشر البراء يوسف بن يزيد".

وقال أيضاً في (5/431): "معن بن ثعلبة المازني يروي عن الأعشى رجلٌ مِنْ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه صدقة بن طيسلة".

· ترجمة وهمية!

وذكر ابن حبان في التابعين من ((الثقات)) (4/398): "طيسلة المحاربي يروي عن أعشى بني مازن. روى عنه ابنه صدقة بن طيسلة".

قلت: وهذه ترجمة وهمية اعتمد فيها على رواية ابن عرعرة المعلولة كما سبق ذكره.

قول الرامهرمزي:

- قال الرامهرمزي في ((المُحدِّث الفاصل)) (ص304): "الحَنِيذ بن عبدالرحمن الذي روى حديث أعشى همدان، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم مستعدياً على امرأته: يا سيد الناس وديان العرب. يشتبه بالجنيد وأكثر رواه الحديث يصحفون فيه".

· سقط وتصحيف عند الرامهرمزي!

قلت: لم أرَ من سماه من أهل العلم بهذا غير الرامهرمزي! وكأنه اعتمد على رواية –ستأتي- من طريق عبيد بن عبدالرحمن الحنفي عن الجنيد بن أمين بن ذروة بن طريف بن بهصل الحرمازي عن أبيه عن جده نضلة بن طريف أن رجلاً منهم يقال له: الأعشى واسمه عبدالله بن الأعور.

فإن كان اعتماده عليها فإن الأعشى جاء مُسمياً فيها بعبدالله بن الأعور، والظاهر أن هذه الرواية وقعت للرامهرمزي وفيها سقط وتصحيف، والله أعلم.

قول ابن عبدالبر:

- قال في ((الاستيعاب)) (1/143): "أعشى المازني من بني مازن بن عمرو بن تميم. سكن البصرة، وكان شاعراً أتى النبي فأنشده... إن اسم أعشى بن مازن هذا: عبدالله. وسنذكر خبره في باب العبادلة إن شاء الله تعالى".

ثم ذكره في (3/866) قال: "عبدالله بن الأعور، وقيل: عبدالله بن الأطول الحرمازي المازني. قيل اسم الأعور أو الأطول عبدالله. هو من بني مازن بن عمرو بن تميم، وهو الأعشى الشاعر المازني. كانت عنده امرأة يقال لها معاذة فخرج يمير...".

ثم ذكره في (3/942) قال: "عبدالله بن عبدالله الأعشى المازني. قد تقدم ذكره في باب العبادلة بأن أباه عبدالله يعرف بالأعور، ويعرف بالأطول أيضاً. روى عنه معن بن ثعلبة وصدقة المازني والد طيلسة بن صدقة".

قلت: اعتمد ابن عبدالبر هنا رواية ابن عرعرة التي فيها قلب، وهي خطأ.

وأما قوله "الحرمازي"، فقال ابن الأثير في ((أسد الغابة)) (1/64): "أخرجوه في عبدالله بن الأعور، إلا أن أبا عمر قال: الحرمازي المازني، وليس في نسب الحرماز إلى تميم مازن؛ فإنه قد ذكر هو وابن منده وأبو نعيم: مازن بن عمرو بن تميم، فإذن يكون الحِرماز بطناً من مازن، وإنما هو ابن مالك بن عمرو بن تميم، وقيل: الحرماز بن الحارث بن عمرو بن تميم، وهو أخو مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، وقد جرت عادتهم ينسبون أولاد البطن القليل إلى أخيه إذا كان مشهوراً، مثل أولاد نعيلة بن مليل أخي غفار بن مليل، يقال لهم: غفاريون، منهم الحكم بن عمرو الغفاري، وليس من غفار، وإنما هو من بني نعيلة، قيل ذلك لكثرة غفار وشهرتها، ومثل بني مالك بن أفصى أخي أسلم بن أفصى، ينسب كثير من ولده إلى أسلم لشهرة أسلم، على أن أبا عمر يعلم ما لم يعلم؛ فإن الرجل عالم بالنسب، والله أعلم".

وكأنهم كانوا ينسبون لمازن لرفعتهم، وأما بنو الحرماز بن مالك ففيهم ضعة كما ذكر ابن حزم في ((الجمهرة)) (ص213).

قول السمعاني:

- قال السمعاني في ((الأنساب)) (11/70-71) في نسبة ((المازني)): "هذه النسبة إلى قبيلة مازن، والمازن بيض النمل، وهي من تميم، يقال لها: مازن بن عمرو بن تميم، منهم: الأعشى المازني، واسمه عبدالله الأعور، وهو من المخضرمين، أدرك الجاهلية والإسلام، وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم بسبب امرأته معاذة، وكانت قد نشزت عليه، لأن الأعشى خرج يمير أهله من هجر، فهربت امرأته، فعاذت برجلٍ منهم يقال له: مطرف بن بُهصل، فأتاه الأعشى وقال: يا بن عم، عندك امرأتي معاذة فادفعها إليّ، فقال: ليست عندي، ولو كانت لم أدفعها إليك، وكان مطرف أعزّ من الأعشى، فخرج الأعشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعاذ به.

أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسين بن محمد الزينبي وأبو الفوارس هبة الله بن أحمد بن سوار المقرئ ببغداد، قالا: أخبرنا أبو الفوارس طراد بن محمد النقيب، أخبرنا أبو بكر بن وصيف الصياد، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبدالله الشافعي، أخبرنا معاذ بن المثنى، حدثنا محمد بن أبي بكر أبو عبدالله، حدثنا أبو معشر هو البرّاء، حدثني صدقة بن طيسلة، حدثني الأعشى المازني رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته...

هكذا في رواية صدقة عن الأعشى، ورواه أبو حاتم بن حبّان في كتاب الثقات عن المقدمي وهو أبو عبدالله محمد بن أبي بكر، حدثنا أبو معشر البراء، حدثني صدقة بن طيسلة، حدثني معن بن ثعلبة المازني، حدثني الأعشى المازني، وذكر الأبيات".

· سقط عند السمعاني أو عدم تنبه لابن قانع!

قلت: رواية معاذ بن المثنى رواه ابن قانع في ((معجم الصحابة)) (1/65) قال: حدثنا معاذ بن المثنى ويوسف بن يعقوب القاضي وموسى بن هارون قالوا: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا أبو معشر البراء، حدثنا [صدقة بن] طيسلة قال: حدثني معن بن ثعلبة والحي بعده قال: حدثني أعشى المازني.

قلت: فإما أن يكون سقط من رواية معاذ التي عند السمعاني "معن بن ثعلبة"، وإما أن يكون معاذ رواها كما هي عند السمعاني دون ذكر "معن"، ولكن عندما جمع ابن قانع بين الروايات الثلاثة لم يتنبه إلى أنه "معن" لا يوجد في رواية معاذ، والله أعلم.

قول ابن حجر:

- قال ابن حجر في ((الإصابة)) (1/94): "الأعشى المازني، ويقال الحرمازي، ومازن وحرماز أخوان من بني تميم. اسمه عبدالله بن الأعور، وقيل غير ذلك. ومدار حديثه على أبي معشر البرّاء عن صدقة بن طيسلة: حدثني أبي وأخي عن أعشى بني مازن قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه أحمد وابن أبي خيثمة وابن شاهين وغيرهم من هذا الوجه وغيره، وسنذكره في العين إن شاء الله تعالى".

· تصحيف!

قلت: ما جاء في المطبوع: "وأخي" تصحيف، والصواب: "والحيّ". ونسبته هذا الحديث لأحمد لا يصح كما ذكرناه سابقاً، فهو من زيادات عبدالله بن أحمد، فلعله سقط من النسخة: "عبدالله بن" فصارت نسبته إلى أحمد، والله أعلم.

وقال في ((الإصابة)) (4/9): "عبدالله بن الأعور المازني الأعشى الشاعر. ذكره ابن أبي حاتم في الصحابة، وسمى أباه الأعور، ثم أعاده وسمى أباه عبدالله. وقال المرزباني: اسم الأعور رؤبة بن قراد بن غضبان بن حبيب بن سفيان بن نكرز بن الحرماز بن مالك بن عمرو بن تميم يكنى أبا شعيثة، وكذا نسبه الآمدي، وقال: أهل الحديث يقولون: المازني وإنما هو الحرمازي، وليس في بني مازن أعشى. وروى حديثه عبدالله بن أحمد في زيادات المسند من طريق عوف بن كهمس بن الحسن عن صدقة بن طيسلة حدثني معن بن ثعلبة المازني والحي بعده قالوا: حدثنا الأعشى قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته... ورُوي عن صدقة عن ثعلبة بن معن عن الأعشى، وعن صدقة عن عقبة بن ثعلبة عن الأعشى. وروى عنه طيسلة بن صدقة: حدثني أبي والحي عن الأعشى. وسيأتي في ترجمة نضلة بن طريف من وجه آخر، وفيه تسمية الأعشى عبدالله بن الأعور الحرمازي. وزعم المرزباني أن الأعشى هذا هو القائل:

يا حكم بن المنذر بن الجـــارود

سرادق المجد عليك ممــــــدود

أنت الجواد بن الجواد المحمود

نبت في الجود وفي بيت الجود

والعود قد ينبت في أصل العود

قلت: مقتضاه أن يكون عاش إلى خلافة بني مروان". انتهى كلام ابن حجر.

قلت: هذه الأبيات التي ذكرها المرزباني رواها ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (56/503) من طريق أبي علي الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثنا أحمد بن عبيد الحرمازي قال: قال عبدالله بن الأعور بن قراد يمدح مالك بن المنذر بن الجارود:

يا مالك بن المنذر بن الجارود

أنت الجواد بن الجواد المحمود ... إلخ الأبيات".

قلت: فالله أعلم إن كان الأعشى هو عبدالله بن الأعور بن قراد هذا؟

والظاهر عند أهل العلم أن اسم الأعشى غير معروف، ويحتمل أن يكون عبدالله الأعور، والله أعلم.

روى عبدالله بن أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (3/350) من طريق الشعبي قال: "كان معاوية يسمي الأعشى أعشى بني مازن: صناجة العرب".

وتسميته بعبدالله الأعور إنما جاء في رواية فيها كلام!

أخرجها ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (2/422)، والروياني في ((مسنده)) (2/441) كلاهما عن عمرو بن علي الفلاس. وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (7/53) عن أحمد بن محمد بن أنس عن أبي حفص الفلاس. وعبدالله بن أحمد في زياداته على المسند (2/202) عن العباس بن عبدالعظيم العنبري. كلاهما (الفلاس والعنبري) قالا: حدثنا عُبيد بن عبدالرحمن بن عُبيد أبو سلمة الحنفي، قال: حدثني الجُنَيد بن أُمَيْن بن ذِرْوَة بن نَضلة بن طَرِيف بنِ بُهْصُل الحِرْمازي، عن أبيه، عن جدّه نضلة: أنَّ رجلاً منهم يقال له: الأعشى، واسمه عبدالله بن الأعور، كانت عنده امرأة منهم، يقال لها: مُعاذة. فخرج في رجب يمير أهله من هجر، فهربت امرأته بعده ناشزاً عليه فعاذت برجل منهم يقال له: مطرف بن بهصل، فجعلها خلف ظهره. فلما قدم لم يجدها في بيته، وأُخبر أنها نشزت عليه، وأنها عاذت بمطرف بن بهصل، فأتاه، فقال: يا بن عمّ، عندك امرأتي معاذة، فادفعها إليّ. قال: ليست عندي ولو كانت عندي لم أدفعها إليك. قال: وكان مطرف أعزّ منه. فخرج حتى أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فعاذ به، وأنشأ يقول:

يا سيّدَ الناسِ ودَيَّانَ العـــــــربِ // أشكو إليكَ ذِرْبَةً من الـذِّرَبْ

كالذئبةِ الغَبْساءِ في ظلِّ السَّـرَبْ // أخلفَتِ العهدَ ولَطَّت بالذنبْ

خرجتُ أبغيها الطعام في رجبْ // فخلَّفَتْني بنِـزاعٍ وهـــــــربْ

وأوردتني بين عِيصِ مُؤتَشِــبْ //  وهـنَّ شرُّ غالبٍ لمن غلـبْ

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وهنّ شر غالب)). فشكا إليه امرأته وما صنعت به، وأنها عند رجلٍ يقال له مطرف بن بهصل، فكتب إليه النبيّ كتاباً: انظر امرأة هذا معاذة فادفعها إليه. فأتاه كتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فقُرىء عليه. فقال لها: يا معاذة، هذا كتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فيك، وأنا دافعك إليه. قالت: فخذ لي عليه العهد والميثاق وذمة نبيه لا يعاقبني فيما صنعت، فأخذ لها ذلك عليه ودفعها إليه مطرف، فأنشأ يقول:

لعمرك ما حبي معـــــاذة بالذي // يغيره الواشي ولا قدم العــــهد

ولا سوء ما جاءت به إذ أزالها // غواة الرجال إذ ينادونها بعدي".

قال الشيخ شعيب ورفاقه: "إسناده ضعيف لجهالة أكثر رواته".

وقال حسّان عبدالمنّان محقق كتاب ((أحاديث الشعر)) (ص71): "إسناده ضعيف".

قلت: وإن كان إسناده ضعيفاً، فإن القصة التي ذكرت صحيحة، وهي مشهورة للأعشى وزوجه معاذة، وحديث المقدمي يشد من أزْرِها إن شاء الله تعالى.

· نصلة بن بهصل الصحابي:

وقد اعتمد أهل العلم على هذه الرواية في ذكر ((نضلة بن بهصل)) في الصحابة.

قال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (4/1494): "نضلة بن طريف بن نهصل الحرمازي ثم المازني. روى قصة الأعشى أعشى بني مازن مع امرأته وقدومه على رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم، وإنشاده الرجز الذي ذكرناه في باب الأعشى من كتابنا هذا. وهو خبرٌ مضطربُ الإسناد، ولكنه رُوي من وجوهٍ كثيرة".

قلت: إن قصد ابن عبدالبر هذا الإسناد بعينه فهو ليس بمضطرب! نعم فيه من لا يُعرفون. وإن قصد الإسناد الذي ذكره في باب الأعشى، فليس بصحيح؛ لأن الإسناد ليس مضطرباً!! والحديث ليس له إلا هذا الإسناد والإسناد السابق، فكيف رُوي من وجوه كثيرة؟!

وذكر ابن حجر في ((الإصابة في تمييز الصحابة)) (6/432): "نضلة بن طريف بن نهصل الحرمازي: ذكره ابن أبي عاصم والبغوي وابن السكن، وأخرجوا من طريق الجنيد بن أمين بن ذروة بن نضلة بن طريف بن نهصل الحرمازي عن أبيه عن جده نضلة. وفي رواية البغوي: حدثني أبي أمين: حدثني أبي ذروة، عن أبي نضلة، عن رجلٍ منهم يقال له الأعشى، واسمه عبدالله بن الأعور: كانت عنده امرأة منهم يقال لها معاذة..." فذكر القصة.

وقال في (7/130): "أبو ذروة الحرمازي: ذكره الدولابي، واسمه نضلة بن طريف بن نهصل، وقد تقدم في الأسماء".

وذكره السمعاني في ((الأنساب)) (4/115) في نسبة ((الحِرْمَازي)) قال: "بكسر الحاء المهملة وسكون الراء وفي آخرها الزاي، هذه النسبة إلى... وهو أبو ذروة الحرمازي يعدّ في الصحابة، ذكره أبو بشر الدولابي في كتاب الأسماء والكنى. قال ابن ماكولا... ونضلة بن طريف الحرمازي، يروي عن الأعشى الشاعر، قصته مع المرأة وشعره لرسول الله صلى الله عليه وسلم".

· ترجمة عبيد بن عبدالرحمن:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (5/452): "عبيد بن عبد الرحمن أبو سلمة البصري: سمع عمرو بن يحيى بن سعيد".

وقال مسلم في ((الكنى والأسماء)) (1/383): "أبو سلمة عبيد بن عبدالرحمن الحنفي: سمع عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص. روى عنه عمرو بن علي".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (5/410): "عبيد بن عبدالرحمن أبو سلمة البصري، وهو ابن عبدالرحمن بن عبيد بن سلمة الحنفي: سمع عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص. روى عنه عمرو بن علي أبو حفص الصيرفي. سمعت أبي يقول ذلك. سألت أبي عنه؟ فقال: هو مجهول".

قلت: وثقه الفلاس. قال ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (2/422): حدثنا عمرو بن علي: حدثنا عبيد بن عبدالرحمن أبو سلمة الحنفي، قال: "وكان ثقة".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (8/429) وقال: "عبيد بن عبدالرحمن أبو سلمة البصري. يروي عن عمرو بن يحيى بن سعيد. روى عنه البصريون".

وقال ابن حجر في ((تعجيل المنفعة)) (ص276): "عبيد بن عبدالرحمن بن عبيد بن سلمة الحنفي اليمامي أبو سلمة البصري. روى عن الجنيد بن أمين بن ذروة، وعن عمرو بن يحيى بن سعيد. روى عنه عباس بن عبد العظيم العنبري وعمرو بن علي الفلاس وغيرهما. ذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عنه البصريون. وقال أبو حاتم الرازي: مجهول".

· قول مختصر للذهبي في كتاب يوضحه في كتاب آخر:

وقال الذهبي في ((المغني في الضعفاء)) (2/419): "عبيد بن عبدالرحمن أبو سلمه: شيخٌ للفلاس: مجهول. وخبره منكر".

قلت: قصد الذهبي خبراً بعينه، ويوضحه ما قاله في ((الميزان)) (5/27): "عبيد بن عبدالرحمن أبو سلمة: شيخٌ لأبي حفص الفلاس: مجهول. وخبره منكرٌ في فضل قريش".

ولكن لم أقف على هذا الخبر! فالله أعلم.

· إشارة للبخاري بتضعيف عبيد بن عبدالرحمن:

وأشار البخاري إلى ضعفه في ((التاريخ الكبير)) (2/330) في ترجمة ((الحكم بن سعيد)) قال: "قال محمد بن يوسف: حدثنا عبيد بن عبدالرحمن أبو سلمة البصري، قال: حدثني عمرو بن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن جدّه سعيد بن عمرو، قال: حدثني الحكم بن سعيد قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمك؟ قال: أنا الحكم. قال: بل أنت عبدالله. قلت: فأنا عبدالله)).

قال أبو عبدالله: "عبيد لي فيه بعض النظر".

قلت: قول البخاري هذا يعني أنه عنده بعض الغرائب، والله أعلم. ولم يقصد البخاري بهذا القول تضعيف حديثه هذا، بل هو نفسه قد أثبت سماع عبيد من عمرو بن يحيى بهذا الحديث، وجزم في ((التاريخ الأوسط)) (1/52) بما يوحي صحة هذا الحديث عنده، فإنه قال: "قتل الحكم بن سعيد بن العاص، سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله: يوم مؤتة".

وقد اتفق على العلم على أنه صلى الله عليه وسلم غيّر اسم الحكم إلى عبدالله.

قال الدارقطني (كما في أطراف الغرائب والأفراد: 3/38): "تفرد به عبيد بن عبدالرحمن بن عبيد الحنفي عن عمرو بن يحيى بن سعيد عن سعيد بن عمرو عن الحكم".

وقد أخرج ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (29/54) من طريق أبي الحسن الدارقطني، قال: حدثنا علي بن عبدالله بن مبشر، قال: حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عبيد بن عبدالرحمن بن عبيد الحنفي، مثله.

قال الدارقطني: "تفرد به عبيد عن عمرو بن يحيى".

قال ابن عساكر: "هكذا قال الدارقطني! وقد رواه غيره".

قلت: رواه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (1/389) قال:حدثنا محمد بن بحر الهجيمي أبو عبدالله -وكان خياراً- قال: حدثنا عمرو بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي: حدثني جدي سعيد بن عمرو، عن الحكم بن سعيد بن العاص مثله.

قال ابن حجر في ((الإصابة)) (2/102): "الحكم بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي أبو خالد وإخوته. أمه هند بنت المغيرة المخزومية. ذكره مسلم في الصحابة المدنيين. وروى البخاري في التاريخ من طريق سعيد بن عمرو بن العاص: حدثني الحكم بن سعيد: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمك؟ قلت: الحكم. قال: بل أنت عبدالله. ورواه ابن أبي عاصم وابن شاهين والطبراني والدارقطني في ((الأفراد)) كلّهم من طريق عبيد بن عبدالرحمن البصري: حدثني عمر بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن العاص، عن جدّه سعيد، به. ووقع عند بعضهم الحكم بن سعيد بن العاص، وذكره الترمذي تعليقاً عن الحكم بن سعيد. وقال الزبير في ((نسب قريش)): عبدالله بن سعيد بن العاص اسمه الحكم فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله وأمره أن يعلم الكتاب بالمدينة، وكان كاتباً وقتل يوم بدر شهيداً. قلت: ولم يذكره ابن إسحاق ولا موسى بن عقبة في البدريين! وقد قال خليفة: إنه استشهد يوم اليمامة. وقال ابن إسحاق: إنه استشهد يوم مؤتة. وتصريح سعيد بن عمرو عنه بالتحديث يدل على أن وفاته تأخرت، فإنه أقدم شيخ سمع منه سعيد بن عمرو وعائشة رضي الله عنها. ويحتمل أن يكون التصريح وهم من بعض الرواة وإنما هو معنعن والرواية منقطعة، والله أعلم. وقد ذكره أبو الحسن بن سميع في الطبقة الأولى ممن نزل الشام من الصحابة. وقال السراج في مسنده: حدثنا أبو السائب: حدثنا إبراهيم بن يوسف بن معمر بن حمزة بن عمر بن سعد بن أبي وقاص: حدثني خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد: حدثني أبي: أن أعمامه خالداً وأباه وعمراً أولاد سعيد أنهم رجعوا عن أعمالهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا لا يعملون بعد رسول الله لغيره. فخرجوا إلى الشام فقتلوا جميعاً وفيه: وكان الحكم يعلم الحكمة".

· وهم في ترجمة عند ابن عَدي في ((الكامل))!

قال ابن عدي في ((الكامل)) (2/207) في ترجمة ((الحكم بن حميد بن سعيد)): "سمعت محمد بن أحمد بن حماد يقول: قال البخاري: قال الحكم بن سعيد أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمك؟ قال: الحكم. قال: بل أنت عبدالله. وفيه بعض النظر".

قال ابن عدي: "وهذا الحديث الذي قاله البخاري هو حديث واحد لا أعرف له غيره".

قلت: اعتمد ابن عدي على نسخة الدولابي عن البخاري وهي من النسخ القديمة للتاريخ الذي كان البخاري يعدل فيه دائماً حتى أخرج لنا النسخة الأخيرة التي يرويها ابن سهل، وهي أصح النسخ وأتمها.

أما ما جاء في الترجمة: "الحكم بن حميد بن سعيد" فإن قوله: "حميد" ليست من الترجمة، وكأنها "عبيد" وهو المقصود بقول البخاري: "وفيه بعض النظر"، لا أن الحديث هو الذي فيه بعض النظر كما بينت سابقاً.

فحصل خلط في نسخة ابن عدي فجاءت الترجمة هكذا كما ذكر!! ولا يصح ذكر الحكم بن سعيد في الضعفاء!!

· ترجمة الجنيد بن أُمين:

قال الحسيني في ((الإكمال لرجال أحمد)) (ص71): "الجنيد بن أمين بن ذروة عن جده ذروة بن نضلة قصة الأعشى الذي نشزت امرأته، وعنه عبيد بن عبدالرحمن الحنفي: ليس بمشهور".

قال ابن حجر في ((تعجيل المنفعة)) (ص74): "قال الهيثمي: إنما رواها الجنيد عن أبيه عن جده كما أشرت إليه في ترجمة أمين. قلت: وذكر الرامهرمزي في المحدّث الفاصل أن المحدثين يقولونه: الجنيد بجيم ونون مصغر، وأهل التحقيق يقولونه: حنيذ بفتح المهملة وكسر النون وآخره معجمة بوزن عظيم".

قلت: لا يُعرف إلا في هذا الحديث!

· ترجمة أُمين بن ذِروة:

قال ابن ماكولا في ((الإكمال)) (1/6): "أمين مضموم الهمزة مقصور مفتوح الميم... وأمين بن ذروة بن نضلة ابن بهصل الحرمازي، حدّث عن جده نضلة. روى عنه ابنه الجنيد حديث الأعشى".

وقال ابن حجر في ((تعجيل المنفعة)) (ص40): "أُمَين بن ذروة عن أبيه، وعنه ابنه جنيد: لا يُعرف حاله. استدركه شيخنا الهيثمي على الحسيني لأن الحسيني لما ترجم الجنيد قال: الجنيد بن أمين بن ذروة عن جدّ،ه وعنه عبيد بن عبدالرحمن. والذي في المسند عن الجنيد عن أبيه عن جده فلا بد من إثبات ترجمة أمين وهو مصغر".

قلت: لا يُعرف إلا في هذا الحديث!

· ترجمة ذِروة بن نَضلة:

قال الحسيني في ((الإكمال لرجال أحمد)) (ص131): "ذروة بن نضلة عن أبيه نضلة بن طريف، وعنه حفيده الجنيد بن أمين بن ذروة. مجهولون".

فتعقبه ابن حجر في ((تعجيل المنفعة)) (ص120) فقال: "قلت: إنما روى عن ذروة ابنه الجنيد كما تقدم".

قلت: ذروة هذا لا يُعرف إلا في هذا الحديث!

· تعقّب على ابن حجر!

وقد ذكرت قصة معاذة مع شيخ من بني سدوس.

قال ابن حجر في ((الإصابة)) (3/316): "شجاع بن الحارث السدوسي: روى ابن أبي خيثمة وعبد بن حميد في التفسير وأبو مسلم الكجي كلهم من طريق العباس بن خُلَيس عن عكرمة قال: إن هذه الآية في النساء والمحصنات من النساء نزلت في امرأة يقال لها معاذة كانت تحت شيخ من بني سدوس يُقال له شجاع بن الحارث، وكان معه ضرة لها ولدت لشجاع أولاداً، وأن شجاعاً انطلق يمير أهله من هجر، فمر بمعاذة ابن عم لها فقالت له: احملني إلى أهلي. فرجع الشيخ فلم يجدها، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه وأنشده: يا ملك الناس وديان العرب الأبيات. فقال: انطلقوا فإن وجدتم الرجل كشف لها ثوباً فارجموها وإلا فردوا إلى الشيخ امرأته. قال: فانطلق ابن ضرتها مالك بن شجاع بن الحارث فجاء بها، فلما أشرف على الحي استقبلته أم مالك ترميها بالحجارة، وتقول لابنها يا ضار أمه. قال: فلما نزلت معاذة واطمأنت جعل شجاع يقول: لعمري ما حبي معاذة بالذي يغيره الواشي ولا قدم العهد.

قلت - أي ابن حجر -: وقد وقع نحو ذلك للأعشى المازني كما تقدم في الهمزة".

وقال ابن حجر في (8/119): "معاذة زوج الأعشى المازنية: تقدم ذكرها في ترجمة الأعشى المازني".

ثم قال: "معاذة زوج شجاع بن الحارث السدوسي: تقدم ذكرها في شجاع".

قلت: يستحيل أن تحدث القصة نفسها لشخصين وبالوقائع نفسها!! والصواب أنها حدثت مع زوج الأعشى، وهذا هو المشهور عند أهل العلم.

وأما ما رُوي عن عكرمة فهو مرسلٌ أولاً، وثانياً: العباس بن خُليس لا يُعرف! وهناك خلاف في اسمه كما سيأتي، فإما أن يكون مجهولاً أو لين الحديث.

فهذه الرواية لا تصلح لأن ترجح على الروايات التي فيها أن هذه القصة حصلت مع الأعشى الصحابي، والله تعالى أعلم وأحكم.

· ترجمة عباس بن خُليس:

قال ابن ماكولا في ((الإكمال)) (2/499): "وأما خليس بضم الخاء المعجمة وفتح اللام فهو: عباس بن خليس، روى عن رجلٍ عن أبي هريرة، روى عنه جهير بن يزيد. وقال الخطيب: في أصل كتابي عن أبي نعيم عباس بن خليس".

وقال في (6/73): "وخِداش بن عياش النكري روى عنه جهير بن يزيد".

وقال ابن حبان في ((الثقات)) (7/275): "عباس بن حلبس يروي عن عكرمة، روى عنه الحجاج بن حسان".

روى الطيالسي في ((مسنده)) (ص338) قال: حدثنا جهير بن يزيد، عن عباس بن حلبس، عن رجلٍ من أهل الكوفة قال: كنت في حلقة أبي هريرة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من شهد على عبد بشهادة ليس لها بأهل فليتبوأ مقعده من النار)).

ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب ((الصمت)) (ص156) عن عبدالله بن أبي بدر، قال: أنبأنا يزيد بن هارون، قال: أنبأنا جهير بن يزيد، عن خداش بن عباس أو عياش، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من شهد على مسلم بشهادة ليس لها بأهل فليتبوأ مقعده من النار)).

· مخالفة ليزيد بن هارون!

قلت: فخالف يزيد بن هارون أبا داود الطيالسي في اسمه وفي إسناده فأسقط الرجل المبهم!!

وخِداش بن عياش هو المعروف عند أهل العلم.

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/220): "خداش بن عياش العبدي: يعدّ في البصريين، عن أبي الزبير. روى عنه سليمان التيمي وجهير بن يزيد".

وقال ابن حبان في ((الثقات)) (6/276): "خداش بن عياش العبدي، من أهل البصرة، يروي عن أبي الزبير. روى عنه سليمان التيمي وجهير بن يزيد".

روى له الترمذي حديثين وقال: "لا نعرف خداشاً هذا من هو؟".

روى الترمذي في ((الجامع)) (5/96) قال: حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سليمان التيمي، عن خداش، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استلقى أحدكم على ظهره فلا يضع إحدى رجليه على الأخرى)).

قال الترمذي: "هذا حديث رواه غير واحد عن سليمان التيمي. ولا يُعرف خداش هذا من هو؟ وقد روى له سليمان التيمي غير حديث".

وروى الترمذي أيضاً في ((الجامع)) (5/696) قال: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أزهر السمان، عن سليمان التيمي، عن خداش، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر)).

قال أبو عيسى: "هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ".

قال ابن حجر في ((التقريب)) (ص192): "خداش بن عياش العبديّ البصريّ: لين الحديث".

وقد وثقه الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/161)!! ولا يعتد به.

قلت: فتبيّن من هذا أن الذي يروي عنه جهير بن يزيد هو خداش بن عياش، وقد حصل قلب وخلط في اسمه، وهو ضعيف لا يحتج بما تفرد به، والله أعلم وأحكم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد بن محمود الحايك

25/6/2008م.

شاركنا تعليقك